• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اللحظات الأخيرة من حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وما رافقها من أحداث تأريخية

اللحظات الأخيرة من حياة الرسول(صلى الله عليه وآله)، وما رافقها

من أحداث تأريخية، ووداع أهل البيت(عليهم السلام) له،

وما جرى عليهم بعد وفاته(صلى الله عليه وآله)...

 

في ما طلبه الرسول(صلى الله عليه وآله) لكتابة الوصية، ومقولة عمر المُسِيئة للنبيّ(صلى الله عليه وآله):

من الحقائق التأريخية المعروفة: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) عند دنوّ وفاته أراد أن يختم ما بدأ به في حياته وامتدادها إلى لحظة وفاته، وهو: التوصية بخليفة له على الاُمّة من بعده وهو الإمام عليّ(عليه السلام)، بيد أنّ أعداء اللهِ ورسولِهِ ومخالفي عليٍّ وأهل البيت(عليهم السلام)حالوا دونَ كتابة الوصية، وفي هذا الصدد:

أخرج ابن سعد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس كان يقول: يوم الخميس، وما يوم الخميس قال: وكأنّي أنظر إلى دموع ابن عباس على خَدِّهِ كأنّها اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ائتوني بالكتف والدَواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً». قال: فقالوا: إنّما يهجر رسول الله (صلى الله عليه وآله)([1]).

وقال الإمام الغزالي في باب ترتيب الخلافة: ولمّا مات رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال قبل وفاته: «ائتوني بدواة وبياض لاُزيل لكم إشكال الأمر، وأذكر لكم مَنْ المُستحِقّ لها من بعدي». قال عمر: دعوا الرَجلَ فإنّه ليهجر([2])...

وأورد هذا الحديث سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ. وأخرجه ابن سعد عن ابن عباس... : فقال مَن كان عنده: إنّ نبيَّ الله يهجر! قال: فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: «أوَ بعد ماذا؟»، قال: فلم يدع([3]).

وأخرج أحمد، عن جابر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتاباً لا يضلّون بعده، قال: فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها([4]).

وأخرج البخاري، عن ابن عباس ... قال: فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيٍّ تنازع، فقالوا: هجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ... الحديث([5]).

وجاء في النهاية في غريب الحديث وفي صحيح مسلم حول مقولة عمر: إنّ رسول الله يهجر([6]).

أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس (رضي الله عنه) : لمّا حضر رسول الله (صلى الله عليه وآله)وفي البيت رجال، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : هلمّوا أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، فقال بعضهم: إنّ رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله! فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرِّبوا يكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده، ومنهم من يقول غير ذلك، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «قوموا»([7]).

قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية ما حال بين رسول الله (صلى الله عليه وآله)وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم([8])!

قال الفيّومي: هجر المريض في كلامه هجراً: خلط وهَذى. والهُجر بالضمّ: الفُحش([9]).

وقال ابن الأثير: الهُجر بالضمّ: هو الخنا والقبيح من القول... ، ومنه حديث مرض النبيّ (صلى الله عليه وآله) : ما شأنه، أهَجَر؟... والقائل كان عمر([10]).

 

أسوأ وداع لأعظم شخصية في التأريخ:

لندع إحدى الشخصيات العلمية المستبصرة تتحدث عن كارثة وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)واُسلوب التعامل من القوم،...

قال الاُستاذ أحمد حسين يعقوب المحامي تحت عنوان: أسوأ وداع لأعظم شخصيّة عرفته البشرية: لم يصدف طوال التأريخ البشري أن يدعو وليّ الأمر ـ سواء كان خليفةً أو مَلِكاً ـ وهو مريض ] ويُعامَل[ بالقسوة والجلافة التي عومل بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولم يصدف أن اعترض المسلمون خليفةً إذا أراد أن يكتب توجيهاته النهائية، أو يستخلف من بعده، بل على العكس. قال ابن خلدون في مقدِّمته: إنّ الخليفة ينظر للناس حال حياته ويتبع ذلك أن ينظر لهم بعد وفاته، ويقيم لهم من يتولّى اُمورهم([11]).

ثم قال الاُستاذ المحامي معقِّباً على فتنة السقيفة: لقد مرض أبو بكر مرضاً شديداً قبل أن يموت، وقبل وفاته بقليل دعا عثمان ليكتب له توجيهاته النهائية، وأصغى المسلمون لأبي بكر ونفَّذوا توجيهاته النهائية بدِقّة، وعاملوه بكلّ الاحترام والتوقير، ولم يقل أحد منهم: إنّ أبا بكر قد هجر، ولا قالوا: إنّ المرض قد اشتدّ به، ولا قالوا: حسبنا كتاب الله([12]).

وعندما كتب أبو بكر توجيهاته النهائية كان عمر يقول: أيّها الناس، اسمعوا وأطيعوا قول خليفة رسول الله([13]) ...

ومقارنة بين موقف عمر وحزبه من أبي بكر، وموقفهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله):

فهل لأبي بكر قيمة وقداسة عند عمر وحزبه أكثر من قيمة الرسول (صلى الله عليه وآله)وقداسته؟!

أجب كما يحلو لك فإنّه الواقع المرّ!

ثمّ انظر إلى موقف المسلمين عند طعنِ عمر، وأراد أن يكتب توجيهاته النهائية وقد اشتدّ به المرض أكثر ممّا اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله)([14]).

ومع هذا كتب عمر توجيهاته، وعهد لستّة نظريّاً، وعهد لعثمان عمليّاً، وأمر بضرب عنق مَنْ يخالف تعليماته النهائيّة([15]).

وصارت توجيهات أبي بكر وعمر شرعاً سياسياً نافذاً لم يقل أحد: إنّ عمر قد هجر!! ولم يقل أحد: حسبنا كتاب الله، إنّما عومل عمر بكلّ التقديس والاحترام، ونقلت توجيهاته النهائية حرفيّاً كأنّها كتاب منزَل من عند الله وأكثر!

فهل لأبي بكر وعمر قداسة عند المسلمين أكثر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ وبأيّ كتاب قد اُنزل بأنّهما أولى بالاحترام والطاعة من رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟!

أجب كما يحلو لك فإنّك لن تغيّرَ الحقيقة المرّة!!([16])

وقال  ابن  أبي  الحديد:  وقال  النقيب:  وممّا  جرّأ  عمر  على  بيعة  أبي بكر والعدول  عن  عليٍّ (عليه السلام)  مع  ما  كان  يسمعه  من  الرسول (صلى الله عليه وآله)في  أمره:  أ نّه  أنكر مراراً  على  الرسول(صلى الله عليه وآله)اُموراً ...  إلى غير  ذلك  من  اُمور  كثيرة  تشتمل  عليها كتب الحديث.

ولو لم يكن إلاّ إنكاره قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في مرضه: «ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم ما لا تضلّون بعدي»، وقوله ما قال وسكوت رسول الله(صلى الله عليه وآله) عنه.

وأعجب الأشياء أ نّه قال له ذلك اليوم: حسبنا كتاب الله، فافترق الحاضرون من المسلمين في الدار، فبعضهم يقول: القول ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وبعضهم يقول: القول ما قال عمر، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد كثر اللَغَط وعلت الأصوات: «قوموا عنّي فما ينبغي لنبيٍّ أن يكون عنده هذا التنازع».

فهل بقي للنبوّة مزيّة أو فضل؟! فَمن بلغت قوّته وهمّته إلى هذا كيف يُنكر منه أن يبايع أبا بكر لمصلحة رآها، ويعدل عن النصّ؟!

ومن الذي ينكر عليه ذلك، وهو في القول الذي قاله للرسول(صلى الله عليه وآله) في وجهه غير خائف من الأنصار، ولا أنكر عليه أحد..... وهو أشدّ من مخالفة النصّ في الخلافة وأفظع وأشنع؟!([17]).

وقال الغزالي: وأخرج أبو يعقوب بن شيبة بن الصلت ـ المتوفّى سنة 262 هـ   ـ عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب أ نّه قال: لقد صالح نبيّ الله (صلى الله عليه وآله)أهل مكة يوم الحديبيّة على صلح وأعطاهم شيئاً، لو أنّ نبيّ الله(صلى الله عليه وآله) أمَّر عليّاً أميراً فصنع الّذي صنع نبيّ الله، ما سمعتُ له ولا أطعتُ...!!([18]).

وقال الغزالي: وأجمعت الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمٍّ باتفاق الجميع وهو يقول: «مَنْ كنتُ مولاه فعليّ مولاه» فقال عمر: «بخٍّ بخٍّ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي»، فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحبّ الرئاسة، وحمل عمود الخلافة ] وعقود البنود[([19]) وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار، وسقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأوّل فنبذوه وراء ظهورهم، (وَاشْتَرَوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ...) الآية([20]).

ولمّا مات رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال قبل وفاته: «ائتوني بدواة وبياض لاُزيل لكم إشكال الأمر، وأذكر لكم مَن المستحقّ لها بعدي»، قال عمر: دعوا الرجل فإنّه ليهجر...([21]).

المؤلّف: يظهر من كلام الغزالي ارتداد الصحابة لأجل حبّ الجاه والرئاسة، فخالفوا الله تعالى ورسوله حيث قال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا([22]).

 

ما نزل في أبي بكر وعمر، وتغيّر وجهيهما أثر ضغنهما:

وقال أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني في ترجمة اسفنديار بن الموفّق الواعظ: إسفنديار بن الموفق بن محمد بن يحيى بن أبي الفضل الواعظ، روى عن أبي الفتح بن البطّي ومحمد بن سليمان وروح بن أحمد الحديثي، وقرأ الروايات على أبي الفتح بن رزيق، وأتقن العربية، وولي ديوان الرسائل، روى عنه الديني وابن النجّار... وقال ابن الجوزي: حكى عنه بعض عدول بغداد أ نّه حضر مجلسه بالكوفة فقال: لمّا قال النبيّ(صلى الله عليه وآله): «من كنت مولاه فعليّ مولاه» تغيّر وجه أبي بكر وعمر، فنزلت: (فلمّا رَأوهُ زُلفةً سِيئَتْ وُجُوهُ الّذين كَفَرُوا)([23]).

في ذكر وفاته ودفنه(صلى الله عليه وآله) وندب فاطمة(عليها السلام) له ووقوفها على قبرِه:

من الواضح أنّ رحيل رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا  يمكن تصوّر خطورته وانعكاساته; ولذلك نتوقّع من بضعته الزهراء(عليها السلام) ـ وهي العارفة به حقّ المعرفة ـ أن تَرثيه وتَندبه بما يتناسب وشخصيته(صلى الله عليه وآله).

وقد ورد عن أنس بن مالك في حديث قال: فلمّا مات رسول الله(صلى الله عليه وآله) قالت فاطمة: «يا أبتاه مَن أجاب ربّاً دعاه، يا أبتاه مَن جنّة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه»([24]).

أحمد الدمشقي قال: لمّا فرغوا من دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله) خرجت فاطمة وقعدت تندب على قبر أبيها وتقول: «وا أبتاه وا رسول الله، وا نبي الرحمة، الآن لا  يأتي الوحي، الآن ينقطع عنّا جِبرئيل، اللّهمّ ألحق روحي بروحه وأسعفني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أجره وشفاعته يوم القيامة». وأخذت تربةً من تراب رسول الله(صلى الله عليه وآله)فشمّته ثم أنشأت تقول: «ماذا على مَن شمّ تربة أحمد ...» البيت([25]).

وعن أنس بن مالك قال: لمّا فرغنا من دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أقبلت عَلَيَّ فاطمة فقالت: يا أنس، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله)التراب؟ ثمّ بكت ونادت: «يا أبتاه مَن أجاب ربّاً دعاه، يا ابتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه من ربّه ناداه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه»، قال: ثمّ سكتت فما زادت شيئاً([26]).

وامتداداً لرثائها(عليها السلام) لأبيها فقد روي أنّها رثته بعده بمقطوعات شعرية، منها ما أكّده ابن عبد ربّه قال: وقفت فاطمة(عليها السلام) على قبر أبيها(صلى الله عليه وآله) فقالت:

قد كان بعدكَ أنباءٌ وهَنبثةٌ***لو كنتَ شاهدها لم تكثرِ الخُطُب

إنّا فقدناك فقدَ الأرضِ وابلَها***واختلَّ قومُك فَاشهدهم وقد نكبوا

وكلّ أهل له قربى ومنزلةٌ***عند الإله على الأدنِين مقترب

أبدت رجالٌ لنا نجوى صدورِهُمُ***لمّا مضيتَ وحالت دونَك التُرُب

تجهّمتنا رجالٌ واستُخِفَّ بنا***لمّا فُقِدتَ وكلُّ الإرثِ مُغتَصَب

وكنتَ بدراً ونوراً يُستضاءُ به***عليك تنزل من ذي العزّة الكُتُب

وكان جبريل بالآياتِ يؤنسنا***فقد فُقِدت فكلّ الخيرِ محتَجَب

فليت قبلَكَ كان الموتُ صادفنا***لمّا مضيت وحالت دونَك الكُثُب

إنّا رُزينا بما لم يُرزَ ذو شَجَن***من البريّة لا عَجَم ولا عربُ([27])

قال أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد الخوارزمي: لمّا دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله)رجعت فاطمة إلى بيتها واجتمع إليها نساؤها، فقالت: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، انقطع واللهِ خبر السماء»([28]).

 

في ذكر ما أنشدته وأنشأته(عليها السلام) من الشعر في رثاء أبيها(صلى الله عليه وآله):

قال المحدّث القمّي(رحمه الله) : كانت الزهراء تَرثي أباها وتقول:

إذا اشتدّ شوقي زُرتُ قبرك باكياً***أنوح وأشكو لا أراك مجاوبي

فيا ساكنَ الصحراءِ علّمتني البكا***وذكرُكَ([29]) أنساني جميعَ المصائبِ

فإن كنتَ عنّي في التراب مُغيَّباً***فما كنتَ عن قلبي الحزين بغائبِ([30])

ولها(عليها السلام) أيضاً:

قُلْ لِلمُغَيَّبِ تحتَ أطباقِ الثَرى***إن كنتَ تسمعُ صَرختي وندائيا

ماذا على من شَمَّ تُربةَ أحمد***أن لا  يَشَمَّ مدى الزمانِ غواليا

صُبَّت عَلَيَّ مصائبٌ لو أنَّها***صُبَّت على الأيامِ صِرنَ لياليا

قد كنتُ ذاتَ حِمىً بظلّ محمّد***لا أختشي ضَيماً وكان جَماليا([31])

فاليوم أخشعُ للذليلِ وأتَّقي***ضَيمي وأدفع ظالمي بِرِدائيا

فإذا بكت قُمريةٌ في ليلِها***شجناً([32]) على غصن بكيتُ صَباحيا

فلأجعلنّ الحزنَ بعدكَ مؤنسي***ولأجعلنّ الدمعَ فيك وشاحيا([33])

ولها(عليها السلام) أيضاً:

قَلَّ صَبري وبان عنّي عزائي***بعد فقدي لخاتِمِ الأنبياء

عين يا عين اسكبي الدمعَ سحّاً***وابكِ لا تبخلي بفيض الدماء

يا رسولَ الإله يا خِيرةَ اللهِ***وكهفَ الأيتامِ والضعفاء

قد بكتك الجبالُ والوحوش جميعاً***والطيرُ والأرض بعد بكي السَماء

وبكاك الحُجون والركنُ والمشـ***ـعَرُ يا سيدي مع البطحاء

وبكاك المحرابُ والدرسُ***للقرآنِ في الصبحِ معلناً والمساء

وبكاك الإسلامُ إذ صار في النا***سِ غريباً من سائر الغرباء

لو ترى المنبرَ الّذي كنت تعلو***هُ علاه الظَلام بعد الضياء

يا إلهي عجّل وفاتي سريعاً***فلقد عِفتُ الحياةُ يا مولائي([34])

ولها(عليها السلام) أيضاً:

إنّ حزني عليك حزنٌ شديدٌ***وفؤادي واللهِ صَبٌّ عنيدُ

كلّ يوم يزيد فيه شجوني***واكتئابي عليك ليس يبيد

جلّ خَطبي فبان عنّي عزائي***فبكائي في كلّ وقت جديد

إنّ قلباً عليكَ يألف صبراً***أو عزاءً فإنّه لجليد([35])

وفي شهيرات النساء: زارت الزهراء قبر أبيها رسول الله(صلى الله عليه وآله)بعد وفاته بأيام وأخذت بيدها حُقّةً من ترابه واستنشقتها بشوق زائد وأخذت تبكي ولهة، ثمّ لم تتمالك أن فاهت بهذه المرثية:

اغبَرّ آفاق السماء وكوّرت***شمس النهار وأظلم العصرانِ

والأرض من بعد النبيّ كئيبة***أسفاً عليه كثيرة الرجفان

فلتبكِه شرقُ البلاد وغربُها***ولتبكِه مُضرٌ وكلّ يماني([36])

وأورد هذه الأبيات أبو بكر الخوارزمي مع زيادة هذا البيت:

نفسي فداؤك ما لرأسك مائلا***ما وسّدوك وسادة الوسنانِ([37])

وليبكِهِ الطُورُ المعظَّم وجده***والبيت ذو الأستارِ والأركانِ

يا خاتِمَ الرسلِ المباركِ صنوُهُ***صلّى عليك منزِّل الفرقانِ([38])فلم يسمعها إنسان حتّى بكى معها، وبعد أن أفاضت دموع العين بما في القلب من ميزان الحزن عادت إلى منزلها واجمةً مطرقةً([39]).

 

في شدّة حزنها بعد أبيها(صلى الله عليه وآله):

وإلى جانب رثائها للرسول الأكرم بقيت منشدَّةً إليه(صلى الله عليه وآله)، حتّى أنّها كان يُغشى عليها حيناً، وقد جاء عن عليٍّ (عليه السلام) قال: «غسّلت النبيّ(صلى الله عليه وآله) في قميصه، فكانت فاطمة(عليها السلام) تقول: أرني القميص، فإذا شمّته غُشي عليها، فلمّا رأيت ذلك غيّبته»([40]).

 

في منع الأعداء بكاءَ الزهراء(عليها السلام) على أبيها(صلى الله عليه وآله):

وإلى جانب ما تقدم من أشكال حزنها على أبيها(صلى الله عليه وآله) جعلت البكاء واحداً من أشدّ الأشكال تعبيراً عن الحزن المذكور، حتى وصل الأمر أن اقترح الناس تقسيمها الزمن للبكاء المذكور.

وقد ورد عن جدّي(قدس سره) قال: وفي الفقيه روي: لمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) امتنع بلال من الأذان، وقال: لا اُؤذّن لاُحد بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وإنّ فاطمة(عليها السلام)قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ بالأذان، فلمّا قال: «الله أكبر الله أكبر» ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء، فلمّا بلغ إلى قوله: «أشهد أنّ محمداً رسول الله» شهقت فاطمة(عليها السلام)وسقطت لوجهها وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله)الدنيا، وظنّوا أنّها ماتت، فقطع أذانه ولم يُتِمّه، فأفاقت فاطمة(عليها السلام)وسألته أن يُتَمَّ الأذان، فلم يفعله وقال لها: يا سيّدة النسوان، إنّي أخشى عليكِ ممّا تُنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته من ذلك...

إلى أن قال: وفيما روي عن فضة: أنّ الزهراء(عليها السلام) زفرت عند قبر النبيّ(صلى الله عليه وآله)وأنّت أنّةً كادت روحها أن تخرج... إلى أن قالت: إلهي، عَجِّل وفاتي سريعاً فقد تنغّصت الحياة يا مولاي، ثمّ رجعت إلى منزلها وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها وهي لا ترقأ دمعتها ولا تهدأ زفرتها.

واجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقالوا: يا أبا الحسن، إنّ فاطمة تبكي الليل والنهار، فلا أحد منّا يتهنّأ بالنوم في الليل على فراشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معاشنا، وإنّا نُخبرك أن تسألها: إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً! فقال(عليه السلام) : حبّاً وكرامة.

فأقبل أمير المؤمنين(عليه السلام) حتّى دخل على فاطمة(عليها السلام)وهي لا تفيق من البكاء ولا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئةً فقال لها: «يا بنت رسول الله، إنّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك: إمّا تبكينَ أباكِ ليلاً، وإمّا نهاراً! فقالت: يا أبا الحسن، ما أقلّ مَكثي بينهم، وما أقرب مَغيبي من بين أظهرهم! فواللهِ لا أسكت ليلاً ولا نهاراً حتّى ألحق بأبي رسول الله، فقال لها علي(عليه السلام) : افعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك...»([41]) الحديث.

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . الطبقات الكبرى: 2 ق 2/37.

[2] . سِرّ العالمين وكشف ما في الدارين للغزالي: (مخطوط)، انظر فهرس دار الكتب المصرية: 316/1، مسند أحمد: 3/343.

[3] . الطبقات الكبرى: 2 ق 2/36، تذكرة الخواصّ: 65.

[4] . مسند أحمد: 3/346.

[5] . صحيح البخاري: 3/91.

[6] . النهاية في غريب الحديث: 5/246، صحيح مسلم: 3/1259، مسند أحمد: 1/336.

[7] . صحيح البخاري: 3/91.

[8] . صحيح البخاري: 3/91.

[9] . المصباح المنير: 634 (مادة هجر).

[10] . النهاية لابن الأثير: 5/245 (مادة: هُجر).

[11] . راجع مقدمة ابن خلدون: 177، وكتابنا «الخُطط السياسية»: 382.

[12] . تاريخ الطبري: 4293، سيرة عمر لابن الجوزي: 37، تاريخ ابن خلدون: 2/85، النظام السياسي: 159.

[13] . تاريخ الطبري: 1/138.

[14] . راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/21 ـ 22، والطبقات لابن سعد: 2/364، وكتابنا الخُطط السياسية: 367 ـ 368.

[15] . الطبقات الكبرى: 3/247، أنساب الأشراف: 5/18، تاريخ الطبري: 5/33.

[16] . الوجيز في الإمامة والولاية: 170 ـ 171 (مخطوط).

[17] . شرح نهج البلاغة: 3/117 ـ 118.

[18] . مسند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: 55.

[19] . ما بين المعقوفين في نسخة مخطوطة تاريخ كتابتها (1133 هـ ) تجدها بدار الكتب المصرية بالقاهرة تحت رقم (180 مجاميع)، انظر فهرست الدار: 1/316.

[20] . آل عمران: 187.

[21] . سرّ العالمين وكشف ما في الدارين: باب ترتيب الخلافة والمملكة (مخطوط).

[22] . الحشر: 7.

[23] . لسان الميزان: 1/387، وانظر فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي: 6/217 ـ 218، والآية 27 من سورة المُلك.

[24] . أخرجه البخاري في صحيحه: 3/95 باب مرض النبيّ(صلى الله عليه وآله).

[25] . أخبار الدول: 1/192.

[26] . أخرجه ابن عبد ربّه في العقد الفريد: 3/191.

[27] . العقد الفريد: 3/191.

[28] . مقتل الحسين: 1/124/64، ينابيع المودة: 2/340/984.

[29] . كذا في النسخ، والظاهر أنّ الأنسب: «وفقدُكَ...».

[30] . نفثة المصدور: 33.

[31] . في نسخة: «لم أخشَ من ضَيم وكان حِمىً لِيَا».

[32] . شجناً: حزناً.

[33] . صحيفة الزهراء: 238، إرشاد الساري: 2/363 ـ 390، أخبار الدول: 1/192، مناقب ابن شهرآشوب: 1/299.

[34] . صحيفة الزهراء: 237.

[35] . صحيفة الزهراء: 237.

[36] . أعيان الشيعة: 2/499.

[37] . مقتل الحسين للخوارزمي: 1/124.

[38] . نور الأبصار: 45.

[39] . شهيرات النساء: 2/29.

[40] . مقتل الحسين: 1/121/58، الإيقاد: 21.

[41] . الإيقاد: 21 ـ 23.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page