أهل البيت (عليم السلام) في تفسير البغوي المسمّى معالِم التنزيل {3} (1*)
لأبي محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي الشافعي المتوَفّى سنة (516) هـ
سورة البقرة
قولـه تعالى :
( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )(139)
رُوي عن مجاهد ، عن ابن عبّاس قال : نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب (رضي الله عليه) ، كانت عنده أربعة دراهم لا يملك غيرها ، فتصدّق بدرهم ليلاً وبدرهم نهارا ً، وبدرهم سرّاً وبدرهم علانيةً .(140)
سورة آل عمران
قولـه تعالى :
( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ )(141)
أخبرنا أبو بكر سعيد بن عبد الله أحمد الطاهري ، أخبرنا جدّي عبد الرحمن بن عبد الصمد البزّار ، عن قتادة عن أنَس أنّ النبيّ قال :
( حسبُكَ مِن نِساء العالمين : مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، وآسية امرأة فرعون ) .(142)
قولـه تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .(143)
قال : ( أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ) قيل : أبناءنا الحسنَ والحسين ، ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا عنى نفسه وعليّاً ( رضي الله عليه ) .(144)
وقال : فلمّا قرأ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) هذهِ الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غداً ، فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال : والله لقد عرفتكم يا مَعشَر النصارى أنّ محمداً نبيٌّ مُرسل ، والله ما لاعنَ قومٌ نبيّاً قط فعاش كبيرهم ، ولا نَبَت صغيرهم ، ولئن فعلتم ذلك لنهلكنّ ، فإنْ أبيتم إلاّ الإقامة على ما أنتم عليه مَن القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم ، فأتوا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) وقد غدا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) محتضناً للحسين ، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفها ، وهو يقول لهم : ( إذا أنا دعوتُ فآمنوا ) .
فقال أسقف نجران : يا مَعشَر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أنْ يزيل جبلاً من مكانه لزاله ، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض منكم نصراني إلى يوم القيامة ، فقالوا يا أبا القاسم : قد رأينا أنْ لا نلاعنك وأنْ نتركك على دينِكَ ونثبتُ على ديننا ، فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( فإنْ أبيتم المباهلة فاسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم ) فأبَوا فقال : ( فإنّي أنابذكم ) فقالوا : مالنا بحرب العرب طاقة ، ولكنّا نصالحك على أنْ لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا ، على أنْ نؤدّي إليكَ كلّ عام ألفيّ حِلّة ألفاً في صَفَر ، وألفاً في رجب ، فصالحهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) على ذلك وقال :
( والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد تدلّى على أهل نجران ، ولو تلاعنوا لمُسِخوا قِردةً وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى هلَكوا ) . (145)
سورة المائدة
قولـه تعالى :
( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )(146)
قال ابن عبّاس ( رضي الله عليه) ، وقال السدّي قولـه : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، أراد به عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) ، مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه .(147)
وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر :
(( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) نزلت في المؤمنين ) ، فقيل لـه : إنّ أُناساً يقولون : إنّها نزلت في عليّ ( رضي الله عنه ) ؟
فقال : ( هو مِن المؤمنين ) .(148)
سورة الأنفال
قولـه تعالى :
( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) .(149)
قال ابن عبّاس : أتى جبريلُ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) وأخبره بذلك وأمَرَه أنْ لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأذِن الله لـه عند ذلك بالخروج إلى المدينة ، فأمَر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عليّ بن أبي طالب أنْ ينام في مضجعه وقال لـه : ( اتّشح ببردتي ، هذه فإنّه لنْ يخلص إليك منهم أمرٌ تكرهه ) .
ثمّ خرج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) فأخذ قبضةً مِن تراب فأخذ الله أبصارهم عنه ، فجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يقرأ : ( إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالاً... ) ومضى إلى الغار مِن ثور هو وأبو بكر وخلّف عليّاً بمكّة حتّى يؤدّي عنه الودائع التي كانت عنده ، وكانت الودائع تودّع عنده ( صلّى الله عليه وآله ) لصدقه وأمانته ، وبات المشركون يحرسون عليّاً في فراش رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يحسبون أنّه النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ، فلمّا أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليّاً ( رضي الله عليه ) فقالوا : أين صاحبك ؟ قال : ( لا أدري...)(150)
سورة التوبة
قولـه تعالى :
( بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) .(151)
قال : فقال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لا نُصِرْت إنْ لَم أنصركم ) وتجهّز إلى مكّة سنة ثمان من الهجرة ، فلمّا كان سنة تِسع أراد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ يحجَّ ، ثمّ قال : إنّه يحضر المشركون فيطوفون عُراة فبعث أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم ليقيم للناس الحجّ ، وبعث معه بأربعين آية مِن صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم ، ثمّ بعثَ بعده عليّاً ( كرّم الله وجهه ) على ناقتهِ العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة ، وأمَره أنْ يؤذّن بمكّة ومِنى وعَرَفَة : ( أنْ قد برِئت ذمّة الله وذمّة رسوله ( صلّى الله عليه وآله ) مِن كلَّ مُشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ) ، فرجع أبو بكر فقال : يا رسول الله ، بأبي أنتَ وأمّي أنَزَل في شأني شيء ؟
قال ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لا ، ولكنْ لا ينبغي لأحدٍ أنْ يُبلّغ هذا إلاّ رجلٌ مِن أهلي ) .(152)
إلى أنْ قال :
حتّى إذا كان يوم النحر قام عليّ بن أبي طالب ( كرّم الله وجهه ) فأذّنَ في الناس بالذي أُمِرَ به وقرأ عليهم سورة براءة ، وقال زيد بن تبيع :
سألْنا عليّاً بأيِّ شيء بُعِثتَ في تلك الحجّة ؟
قال : ( بُعثتُ بأربع : لا يطوفُ بالبيت عريان ، ومَن كان بينه وبين النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) عهد فهو إلى مدّته ، ومَنْ لم يكن لـه مدّة فأجله أربعة أشهر ، ولا يدخل الجنّة إلاّ نفسٌ مؤمنة ، ولا يجتمع المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا ) .(153)
قال البغوي : فإنْ قال قائلٌ : كيف بعثَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أبا بكر ثمّ عزله وبَعث عليّاً رضي الله عنه ؟
قلنا : بعثَ عليّاً ( رضي الله عنه ) لينادي بهذه الآيات ، وكان السبب فيه أنّ العربَ تعارفوا فيما بينهم في عقد العهود ونقضها ، أنْ لا يتولّى ذلك إلاّ سيّدهم أو رجلٌ مِن رهطه .(154)
قولـه تعالى :
( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .(155)
وقال الحسن و الشعبي ، و محمّد بن كعب القرظي : نزلت في عليّ بن أبي طالب ، والعبّاس بن عبد المطّلب ، و طلحة بن شيبة ، افتخروا فقال طلحة :
أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه ، وقال العبّاس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، وقال عليٌّ : ( ما أدري ما تقولون ، لقد صلّيتُ إلى القبلة ستّة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ) ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية : ( أجعلتم سقاية الحاج...) .(156)
سورة هود
قولـه تعالى :
( أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ...) . (157)
قيل : الشاهد ، هو عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عليه ) . قال عليّ : ( ما مِن رجلٍ مِن قريش إلاّ وقد نزلت فيه آيةٌ مِن القرآن ) ، فقال لـه رجل : وأنت أيُّ شيءٍ نزلَ فيكَ ؟ قال : ( ويتلوه شاهدٌ منه ) .(158)
سورة النّحل
قولـه تعالى :
( َآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً ) .(159)
قال مقاتل بن حيّان : ( يعني الصلاة عليه في قول هذه الأمّة : اللّهم صلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد ، كما صلّيتَ على إبراهيم وآل إبراهيم ) .(160)
سورة الإسراء
قولـه تعالى :
( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ )(161)
( بِإِمَامِهِمْ ) قيل : يعني بأُمّهاتهم ، وفيه ثلاثة أوجه مِن الحكمة ، أحدها : لشرف الحسنِ والحسين(162) ( عليهما السلام ) .
سورة الحجّ
قولـه تعالى :
( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ )(163)
نزلتْ في اللّذين برزوا يوم بدر : حمزة ، وعليّ ، وعُبَيدة بن الحارث ، وعتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة .
عن قيس بن عبادة ، عن عليّ بن أبي طالب قال : ( أنا أوّل مَنْ يجثو بين يديّ الرحمان للخصومة يوم القيامة ) .(164)
سورة الشعراء
قولـه تعالى :
( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) .(165)
عن عبد الله بن عبّاس ، عن عليّ بن أبي طالب قال : ( لمّا نزلتْ هذه الآية على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال :
( يا عليّ ، إنّ الله يأمرني أنْ أنذر عشيرتي الأقربين فضقتُ بذلك ذرعاً ، وعرفتُ أنّي متى اُباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُ عليها حتّى جاءني جبريل ، فقال لي : يا محمّد إلاّ تفعل ما تُؤمر يعذّبك ربُّك ، فاصنع لنا صاعاً مِن طعام ، واجعل عليه رِجلَ شاةٍ ، واملأ لنا عِسّاً مِن لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطّلب ، حتّى اُبلغهم ما أُمِرْت به ) .
قال عليّ ( رضي الله عنه ) : ( ففعلتُ ما أمَرَني به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ثمّ دعوتهم لـه وهُم يومئذ أربعون رجُلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته ، فجئت به فلمّا وضعته تناول رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) جذبةً مِن اللّحم فشقّها بأسنانه ، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة ، ثمّ قال : ( خذوا باسم الله ) .
فأكل القوم حتّى مالهم بشيءٍ حاجة ، وأيمُ الله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدّمتُ لجميعهم : ثمّ قال : اسقِ القومَ ، فجئتُهم بذلك العِس فشربوا حتّى رووا جميعاً ، وأيم الله إنْ كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله . فلمّا أرادَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنْ يُكّلمهم بَدَرَهُ أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم فتفرّق القوم ولم يُكلّمهم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال الغد : يا عليّ إنّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمِعت من القول ، فتفرّق القوم قبل أنْ اُكلمهم ، فعُدّ لنا من الطعام بمثل ما صنعتَ ثمّ اجمعهم ، ففعلت ثمّ جمعتُهم فدعاني بالطعام فقرّبته ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا ثمّ تكّلمَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال :
( يا بني عبد المطّلب إنّي قد جئتكم بخير الدّنيا والآخرة . وقد أمَرَني الله تعالى أنْ أدعوكم إليه فأيّكم يُؤازرني على أمري هذا ؟ ويكون أخي ووصيّتي وخليفتي فيكم ) ــ فأحجم القوم عنها جميعاً فقلت - وأنا أحدَثهم سنّاً - : أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه ، قال : فأخذ برقبتي ثمّ قال : ( إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا لـه وأطيعوا ) ـ
فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أنْ تسمع لعليٍّ وتطيع ) .(166)
سورة السجد
قولـه تعالى :
( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ )(167)
نزلت في عليّ بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة بن أبي مُعيط أخي عثمان لأمّه ؛ وذلك أنّه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد بن عقبة لعلّي أسكتْ فإنّكَ صبيّ وأنا والله أنشطُ منكَ لساناً وأحدُّ منكَ سناناً ، وأشجع منك جناناً ، وأملأ منكَ حشواً في الكتيبة فقال لـه عليّ : ( اسكت فإنّكَ فاسق ) ، فأنزل اللهُ تعالى : ( أفمنْ كان مؤمناً... ) .(168)
سورة الأحزاب
قولـه تعالى :
( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .(169)
* ذهبَ أبو سعيد الخدري وجماعة مِن التابعين منهم مجاهد ، وقتادة وغيرهما : إلى أنّهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين .
* عن عائشة أمّ المؤمنين قالت : خرجَ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ذاتَ غداة وعليه مَرط مرجل من شعرٍ أسود ، فجلس ، فأتت فاطمة فأدخلها فيه ، ثمّ جاء عليّ فأدخله فيه ، ثمّ جاء حسن فأدخله فيه ، ثمّ جاء حسين فأدخله فيه ثمّ قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) .
* عن أمِّ سلمة قالت : في بيتي نزلت : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ.. ) ، قالت :
فأرسل رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى فاطمة وعليّ والحسن والحسين ، فقال : ( هؤلاء أهل بيتي ) ، قالت : فقلتُ يا رسولَ الله ، أما أنا من أهل البيت ؟ قال : ( بلى إنْ شاء الله ) (170).
قولـه تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) .(171)
* عبد الرحمان بن أبي ليلى يقول : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هديّة سمعتُها من النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) ؟ فقلت : بلى فاهدها لي ، فقال : سألْنا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، فقلنا : يا رسولَ الله ، كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإنّ الله قد علّمنا كيف نُسلّم عليكَ ؟
قال : ( قولوا اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنّك حميدٌ مجيد ، اللّهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنّك حميدٌ مجيد ) .
* عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : ( إنّ أولى الناس بي يوم القيامة ، أكثرهم عليَّ صلاةً ) .(172)
قولـه تعالى :
( َالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )(173)
قال مقاتل : نزلت في عليِّ بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويشتمونه .(174)
سورة الشورى
قولـه تعالى :
( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لـه فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ )(175)
عبد الواحد أحمد المليحي , عن بشار, عن محمّد بن جعفر, عن عبد الملك بن مَيسرة قال : سمعتُ طاووساً ، عن ابن عبّاس ( رضي الله عليه ) أنّه سُئِلَ عن قولـه : ( إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قال سعيد بن جُبير : ( قربى آل محمّد ( صلّى الله عليه وآله )) .
وكذلك روى الشعبي ، وطاووس ، عن ابن عبّاس ( رضي الله عليه ) ، قال : ( إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، يعني أنْ تحفظوا قرابتي ، وتودّوني وتصلِوا رحمي .
وقال بعضهم : معناه إلاّ أنْ تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، وهو قول سعيد بن جُبير، وعمرو بن شعيب ، واختلفوا في قرابته : فاطمة الزهراء ، وعليّ ، وابناه ، وفيهم نزلَ : ( ..إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ... ) .(176)
سورة الدّخان
قولـه تعالى:
( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ) .(177)
قال عطاء : بكاء السماء حُمرة أطرافها . قال السدّي : لمّا قُتِل الحسين بن عليّ بكتْ عليه السماء وبكاؤها حُمرتها.(178)
سورة الفتح
قولـه تعالى :
( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ...)(179)
روى حديث خيبر سهل بن سعد ، وأنَس ، وأبو هُريرة ، فأخبر رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فقال : ( لأعطينّ الرايةَ غداً رجلاً ، يحبُّ الله ورسولَهُ ، ويحبّه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ) ، فدعا عليّ بن أبي طالب فأعطاه إيّاه وقال له :
( امشِ ولا تلتفت حتّى يفتحَ الله عليكَ ، فأتى مدينة خيبر ، فخرج مرحَب صاحب الحصن وعليه مغفر وحجَر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز ، فبرزَ إليه عليّ فضربه فقدَّ الحجَر والبيضة والمغفر وفلَق رأسه ، حتّى أخذ السيف في الأضراس ) .
وفي روايةٍ أُخرى :
فقال ( صلّى الله عليه وآله ) : ( لأعطينَّ الرايةَ غداً ، رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه اللهُ ورسوله ) ، قال : فأتيتُ عليّاً ( رضي الله عليه ) فجئتُ به أقوده وهو أرمد ، حتّى أتيتُ به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) فبصق في عينيه فبرأ ، وأعطاه الراية ، وخرج مرحب فقال :
قد علمتْ خيبر أنّي مرحب شاكي السّلاح بطلٌ مجرّب
إذا الحـروب أقـبـلتْ تـلتـهبُ
فقال عليّ ( رضي الله عليه ) :
أنا الذي سمّتني أُمّي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
أوقـيهم بـالصـاع كـيل السـنـدرة(180)
قولـه تعالى :
( تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّه ) إلى قولـه : ( فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ) .(181)
رُوِي عن مُبارك بن فضالة عن الحسن قال : (( تراهم رُكّعاً سجّداً ) عليّ بن أبي طالب ( رضي الله عنه )( فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ ) عليّ بن أبي طالب ، استقام الإسلام بسيفه ) .(182)
سورة المجادلة
قولـه تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ... )(183)
قال مجاهد :
نهوا عن المناجاة حتّى يتصدّقوا فلم يناجه إلاّ عليّ ( رضي الله عليه ) تصدّق بدينار وناجاه ، ثمّ نزلت الرخصة فكان عليُّ ( رضي الله عليه ) يقول : ( آية في كتاب الله لم يعمل بها أحدٌ قبلي ، ولا يعمل بها أحدٌ بعدي ، وهي آية المناجاة ) .(184)
سورة الدهر ( الإنسان )
قولـه تعالى :
( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) .(185)
روى مجاهد ، وعطاء عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب ؛ وذلك أنّه عمل ليهودي بشيء مِن شعير فقبض الشعير فطحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه ، فلمّا تمَّ إنضاجه أتى مسكين فسأل فأخرجوا إليه الطعام ، ثمّ عمل الثلث الثاني فلمّا تمَّ إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ، ثمّ عمل الثلث الباقي فلمّا تمَّ إنضاجه أتى أسير من المشركين ، فسأل فأطعموه وطووا يومهم ذلك .(186)
______________________
*1- طبع بيروت دار الكتاب العلميّة ــ 2004م .
أهل البيت (عليم السلام) في تفسير البغوي المسمّى معالِم التنزيل
- الزيارات: 4196