طباعة

مؤسسوا علوم الإسلام

أهؤلاء الَّذين أرداوا هدم الاسلام ؟ أم الطبقة الأخرى من التابعين وتابعيهم ، وهم مؤسسوا علوم الإسلام ؟ كأبي الاسود الدؤلي مؤسس علم النحو ، والخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم اللغة والعروض ، أم أبو مسلم معاذ بن مسلم الهرّاء مؤسس علم الصرف الَّذي نصَ السِوطيِ في الجزء الثاني من المزهر وغيره أنَه كان شيعياً   (1)  ، ويعقوب بن إسحاق السكيت إمام العربية ؟
أم مؤسسوا علم التفسير ؟ وأوّلهم الحبر عبدالله بن عبّاس وتشيّعه كنارٍ على عَلَم ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأُبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وأوَّل مفسِّر جمع علوم القرآن وهو محمَّد بن عمر الواقدي الَّذي ذكره ابن إلنديم وغيره ونصَ على تشيّعه واسم تفسيره ( الرغيب ) (2) ?
أم مؤسس علم الحديث ؟ وهو أبو رافع ، مولى رسول الله صلّى الله عليه وآله ، صاحب كتاب ( الأحكام والسنن والقضايا ) وهو من المختصين بامير المؤمنين عليه السَّلام وصاحب بيت ماله بالكوفة ، ثم تلاه ولده علي بن أبي رافع (3) ، كاتب أمير المؤمنين عليه السَّلام ، وهو أوَّل من صنَّف في الفقه بعد أبيه . ثمَّ أخوه عبيدالله بن أبي رافع ، وهو أوَّل من ألَّف من المسلمين في التاريخ وضبط الحوادث والآثار(4) .
أم مؤسسوا علم الكلام ؟ وأوَّل من تكلم في علم الكلام أبو هاشم بن محمَّد بن الحنفية ، وألَّف فيه كتباً جليلة ، ثم عيسى بن روضة التابعي الَّذي بقي إلى أيام أبي جعفر ، وهما أسبق من واصل بن عطاء وأبي حنيفة الَّذي زعم السيوطي أنَّهما أوَّل من صنَّف في الكلام .
ثم تلاهما من أعلام الشيعة في علم الكلام قيس الماصر ، ومحمَّد ابن علي الأحول ـ المعروف عندنا بمؤمن الطاق وعند غيرنا بشيطان الطاق ـ وآل نوبخت (5) وهم عائلة علم جليلة استمرت سلسلتهم أكثر من مائة سنة ، ولهم مؤلفات عالية كـ ( فصِّ الياقوت ) وغيره ، وهشام بن الحكم ، والأحول والماصر ، وتلاميذهم كأبي جعفر البغدادي السكّاك ، وأبي مالك الضحّاك الحضرمي ، وهشام بن سالم ، ويونس بن يعقوب ، ونظرائهم .
هؤلاء هم الَّذين دوَّخوا علماء المذاهب من المسلمين وغيرهم من الملاحدة وغيرهم في الجدل والاحتجاج حتى أوقعوهم في المضيق ، وسدُّوا عليهم الطريق في التوحيد والإِمامة وغيرهما ، ولو أنَّ أحداً يتصدى لجمع مناظرات كلّ واحد منهم المنتشرة في متفرقات مؤلَّفات أصحابنا ، لجاء لكلِّ واحد كتاب مفرد ، على الأخص هشام بن الحكم ، كما أنَّنا لو أردنا أنْ نُحصي فلاسفة الشِّيعة وحكماءها ومتكلميها لاستوعب ذلك عدة مجلدات .
قُل لنا يا صاحب ( فجر الاسلام ) : أهؤلاء الَّذين أرادوا هدم الاسلام ، أم الَّذين أسسوا عِلمَ السِّيَر والآثار ، ودوَّنوا سيرة النبيّ صلّى الله عليه وآله ومعجزاته وغزواته وكرم أخلاقه ، وأوَّل من صنَّف ذلك من علماء الاسلام أبان ابن عثمان الأَحمر التابعي المتوفى سنة ( 140 هـ ) من أصحاب الصَّادق عليه السَّلام ، ثم هشام بن محمَّد بن السائب الكلبي ، ومحمَّد بن اسحاق المطلبي ، وأبو مخنف الازدي ، وكلّ مَنْ كتب في هذا الفن فهو عيال عليهم . والجميع من أعلام الشيعة بالاتفاق .

__________________
(1) المزهر 2 : 400 .
(2) فهرست ابن النديم : 194 .
(3) انظر : تأسيس الشيعة : 283 ، و 298 ، رجال النجاشي : 216 ، رجال ابن داود : 134|1011 ، تنقيح المقال 2 : 263 ، الكنى والالقاب 1 : 74 ، الخلاصة : 102|68 ، أعيان الشيعة 8|151 .
(4) انظر : تأسيس الشَيعة : 232 و281 ، تنقيح المقال 2 : 237 ، فهرست الطوسي : 157|466 ، الخلاصة : 112|2 ، رجال الطوسي : 47|17 ، الكنى والالقاب 1 : 74، تهذيب الهذيب 7 : 11 .
(5) اُسرة جليلة وعريقة في العِلم والمعرفة ، أصلهم من الفُرس ، كان أوّل مَنْ أسلم منهم جدهم نوبخت الذي ينتسبون إليه ، وكان مقرباً مِنْ أبي جعفر المنصور.
ونوبخت لفظ فارسي مركب من كلمتين ( نو ) أي جديد ، و ( بخت ) اي حظ ، ومعناه : الحظ الجديد .
برز منها الكثير من العلماء والفلاسفة والمؤرخين والكتّاب والادباء والشعراء والوزراء .
راجع أعيان الشيعة للسيد محسن الامين 2 : 93 .