• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الحديث عن عبدالله بن سبأ

أمّا ( عبدالله بن سبأ )(1) الَّذي يلصقونه بالشِّيعة أو يلصقون الشِّيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب رجال الشِّيعة في حقِّه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في حرف العين هكذا : ( عبدالله بن سبأ ، العن مِنْ أنْ يُذكر ).
انظر رجال أبي علي وغيره (2).
على أنَّه ليس من البعيد رأي القائل : أنَّ عبدالله بن سبأ ، ومجنون بني عامر ، وأبي هلال ، وأمثال هؤلاء الرجال أو الأبطال كلّها أحاديث خرافة وضعها القصّاصون وأرباب السَّمر والمجون ، فانَّ الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أواسط الدولتين الأموية والعبّاسية ، وكلّما اتسع العيش وتوفَّرت دواعي اللهو ، اتسّع المجال للوضع ، وراج سوق الخيال ، وجعل القصص والأمثال ، كي تأنس بها ربّات الحجال ، وأبناء الترف والنعمة المنغمرين في بُلَهْنية(3) العيش .
وأنَّ سمادير (4) الأهازيج الَتي أصبح يتغنّى بها لنا عن القرآن والاسلام ( الدكتور طه حسين ) وزملاؤه ، والدور الَّذي جاءوا يلعبون فيه للمسلمين بالحراب والدرق ، فهو أشبه أنْ يكون من أدوار تلك العصور الخالية ، لا من أدوار هذه العصور التي تتطلب تمحيص الحقائق بحصافة وأمانة ، ورصانة ومتانة .
ومهما كان الأمر أو يكن ، فكلّ ذلك ليس من صميم غرضنا في شيء ، وما كان ذكره إلاّ من باب التوطئة والتمهيد للقصد ، وإنَّما جلّ الغرض أنَّه بعد توفّر تلك الأسباب والدواعي ، والشؤون والشجون ، والوقوف على تلك الطعنات الطائشة على الشِّيعة المتتابعة من كتَبَةِ العصر في مصر وغيرها ، رأشا من الفرض علينا ـ الَّذي لا ندحة عنه ـ أنْ نكتب موجزاً من القول عن معتقدات الشِّيعة واُصول مذهبها ، وأمهات مسائل فروعها التي عليها إجماع علمائها ، والَّذي يصح أنْ يقال أنَّه مذهب الشِّيعة على إطلاقها ، أمّا ما عداه فهو رأي الفرد أو الأفراد منها ، ومثله لا يصح أنْ يُعد مذهباً لها ، ومعلوم أنَّ باب الاجتهاد لم يزل مفتوحاً عند الشَيعة ، ولكلّ رأيه ما لم يخالف الإجماع أو نص الكتاب والسنَّة أو ضرورة العقول ، فإن خالف شيئاً من ذلك كان زائغاً عن الطريق ، ومارقاً عن تلك الطائفة ، على أصول مقرَّرة ، وقواعد محرَّرة ، لا يتسع المقام لمجملاتها فضلاً عن مفصَّلاتها ، وإنَّما المقصود هنا بيان ذات المسائل التي يدور عليها محور التشيًّع ، ويعتقده عوام الشِّيعة وخواصها ، وعليها عملهم ، ولا خلاف فيها بينهم ، من دون تعرّض للأدلة والحجج ، فانَّها موكولة ألى الكتب المطوَّلة ، وهو خارج عن الغرض المهم من تعريف كافة فرق المسلمين ، وافراد كلّ طائفة من علمائها وعوامها عن عقائد الشِّيعة ، حتى يعرفوا أنَّهم مسلمون مثلهم ، فلا يضلموا أنفسهم ويتورطوا في نسبة ألأضاليل والأباطيل إلى اخوانهم في الدِّين ، ولا يتمثًلوهم كالسعالى وأنياب الأغوال ورؤوس الشياطين ، أو كوحوش صحارى أفريقيا وأكلة لحوم البشر ، بل هم ـ بحمد اللهّ ـ ممَّن تأدّب بآداب الاسلام ، وتمسَّك بتعاليم القران ، وأخذ بحظ وافر من الايمان ومكارم الأخلاق ، ولا يعتمدون إلاّ على الكتاب والسنَّة وضرورة العقل ، فعسى أنْ ينتبه الغافل ، ويعلم الجاهل ، ويرتدع المهوّس الطائش عن غلوائه ، ويكسر المتعصِّب عن سورته ، ويتقارب من إخوانه ، لعل الله يجمع شملهم ، ويجعلهم يداً واحدة على أعدائهم ، وما ذلك على الله بعزيز. ولابدَّ أولاً من بيان مبدأ التشيُّع ، وأسباب نشوئه ونموه ، ثم بيان أصوله ومعتقداته .
____________
(1) يبدو بوضوح للمتأمِّل في قصة عبدالله بن سبأ ، ودوره في الاحداث التي جرت ابان حكم الخليفة الثالث أو ما بعده ـ على قول البعض الآخر ـ أنه أمام وقائع وأحداث نُسجت بكثير من المبالغة والتهويل لشخصية عادية مغمورة ، لا دور واقعي لها يذكر في صياغة أي حدث أو أمر ، وإنْ ذهب البعض حتى الى التشكيك في صحة وجودها وأنَها خرافة حبكت بقدر كبير من الخبث والحقد للطعن بالشَيعة ومعتقداتها .
نعم ، إن استقراء السيرة الذاتية لهذه الشخصية في كتب العامة ـ لا كتبنا لانها عندنا واضحة جلية أجلى من الشمس في رابعة النهار ـ يكشف للمرء الكثير من هذه الاخبار المليئة بالمبالغة والكذب والتناقض بشكل لا يخفى على أدنى متأمَل ، رغم وضوح حال هذا الرجل ، ومحدودية أمره في كتب الشيعة ورواياتهم التي لا تذهب إلا إلى أنه غال ملعون غالى بعلي عليه السلام فحكم فيه حكم الاسلام الخاص بامثاله من الغلاة ، لا أكثر ولا أقل ، فه وضمن هذا المقياس شخصية عادية كحالها من الشخصيات المنحرفة التي تعج بها جميع الكتب لا كتبنا فقط .
والحق يقال : إنّ هذه المبالغة المفرطة في حياكة دور مهول لهذا الرجل في صياغة الكثير من الاحداث الجسام دفع بالعديد من المؤرخين والباحثين الى التشكيك صراحة في وجود مثل هذا الشخص في أرض الواقع ، وتلك حالة رد فعل طبيعية لها بعض التبرير أمام أمور خرافية وغير عقلائية تزدريها الالباب ، فحدث نتيجة ذلك ما نراه في تلك الكتب من الارتباك والتنافر وعدم الوضوح ، حين نرى أن البعض الآخر يذهب إلى أن ابن سبأ ليس إلا عمّار بن ياسر رحمه الله تعالى والذي حاولت قريش الطعن فيه فاخترعت له هذه التسمية كما كانت تسميه بابن السوداء ، وذلك لما يروونه عنه من تزعمه لقادة الثورة التي أودت بحياة الخليفة عثمان بن عفان ، وتفانيه في خدمة علي بن ابي طالب عليه السلام ، وتشيعه الصريح له .
ثم لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أنَّ أول الحائكين لهذه الاسطورة الخرافية حول هذا الرجل ـ والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرخون ـ هو الطبري في تاريخه ، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي ( ت 170هـ ) الذي يطعن به معظم أصحاب التراجم والسير بشكل صريح وواضح ، حتى لقد قال عنه مرة : فليس خير منه ، وقال عنه أبو حاتم : متروك الحديث ، وقال عنه أبو داود : ليس بشيء ، وأمّا النسائي والدارقطني وابن معين فقد قالوا عنه : ضعيف الحديث . . . فراجع وتأمل .
وللحق أقول : إن مجرد التأمل البسيط في الظروف المحيطة بظهور هذه الرواية ، وما يمكن أنْ تترتب عليها من نتائج اذا ذهب البعض إلى التسليم بصحتها ، رغم تناقضاتها الصريحة والواضحة ، بل وما تحاول ابرازه إلى سطح الواقع من شواهد محددة ومعروفة لدىَ الجميع ، يشير بدون لبس إلى غرض المؤامرة التي تبدو فيها أصابع الامويين وبصماتهم واضحة جلية ، وذلك من خلال استقراء الاحداث المروية في المراجع والتي قيل أن هذا الرجل قام بتدبيرها بين البصرة ، والكوفة ، والشام ، ومصر ، وخلال فترة زمنية محدودة ، وما ترتب عليها بعد ذلك من نتائج واسعة وخطيره لا يمكن لاحد التسليم بصحتها ، والجزم بوقوعها إلاّ اذا جافى الحقيقة والمنطق ، وأعرض عن حكم العقل وحجته ، بل ولا بُد ـ وكما ذكرت سابقا ـ من أنْ تتأكَد لديه هذه الحقيقة وهذا الدور المفضوح لتلك الشجرة الملعونة في القرآن في صياغة واشاعة هذه الاسطورة المضحكة والمهلهلة ، وهو ما اثار الكثير من الباحثين والدارسين حتى دفعهم صراحة إلى القول بأن أعداء الشًيعة ادخروا هذه الاسطورة وتفننوا في حياكتها للطعن بهم ، فجاء الخلمف من بعد فتلقَف ما قال الاوَّلون وسلَموا بصحته دون أدنى دراسة وتأمل فوقعوا في الشراك وشاركوا من سبقهم في ظلم الشِّيعة والافتراء عليهم ، وذلك مما تتفطر له القلوب أسى وتأسفاً . . .
ولعل الملفت للنظر أن الاسطورة المنسوجة حول دور عبدالله بن سبأ في صناعة الاحداث التي عصفت بالدولة الاسلامية خلال حكم الخليفة عثمان بن عفان ، ودوره في خداع الشعوب ـ كما تجده مسطوراً في الكتب اللاحقة بكتاب الطبري ـ وحشدها لتنفيذ خطته للاطاحة بالخليفة ، وغفلتها ( اي تلك الشعوب ) المثيرة للتعجب والاستغراب ، تجدها متصاغرة متواضعة ، وذليلة عاجزة أمام طاعة أهل الشام ـ شام معاوية آنذاك ـ للدولة الاسلامية وحكامها ، وأنهم هم الذين لم يُغيروا ولم يُبدلوا ، بل إنَ ابن سبأ لم يجد له فيها أذناً صاغية لدعوته ، حين وجد في أهل مصر ضالته ، هذا اذا علمنا بأنَّ لمصر الدور الاكبر في الثورة على عثمان بن عفان حينها . . . اذن فلا متمسك بدين الاسلام في هذه الاسطورة إلاّ الشام ، ويا حسرة على ما سواها من الشعوب المنحرفة اللاهثة وراء الفتنة وأصحابها ! ! فتأمَل .
والخلاصة : إن قصة ابن سبأ ـ إنْ سلَمنا بوجود شخص بهذا الاسم ، لانّ هناك أقوال وتصريحات قائمة على دراسات علمية رصينة تذهب الى نفي وجود هذهِ الشخصية ، كما ذهب الى ذلك العلامة السيَّد مرتضى العسكري في كتابه المعروف عبدالله بن سبأ وأساطير اُخرى ـ اسطورة نُسجت حول شخصية تافهة منحرفة ، وبولغ فيها أشد المبالغة حتى أمست أقرب منها إلى حكايات العجائز في ليال الشتاء الباردة ، بل ومثيرة للاستخفاف والاستهجان ،
وإلا فأن موقف الشيعة وعلمائها من هذا الامر أوضح من أنْ يحتاج معه إلى بيان ، فراجع ما شئت من كتبهم ترى حقيقة الامر بجلاء ووضوح .
ولعل الامر الواضح والجلي في سر صناعة هذه الاسطورة يكمن في أمر موالاة الشيعة لعلي عليه السلام وأهل بيته الاطهار ، امتثالاً لامر الله تعالى ورسوله ، وهذا ما أثار حفيظة الامويين وحقدهم الاسود عليهم والذي لا يقف عند أي حد ، فاختلقوا ما زينته لهم نفوسهم المريضة ، ووجدها أعداء الشيعة لقمة سائغة فازدورها وطفقوا بجهل يتبجحون بها كالحمقى والمغفلين ، من دون أدنى مراجعة ودراسة ، وأنا أترك للقارئ الكريم مسألة الحكم حول هذا الموضوع بعد دراسته المجردة للوقائع التاريخية الممتدة خلال فترة ظهور هذا الرجل ، أو ما كتب عنه من قبل الباحثين والدارسين المختلفين ، وحتى يدرك بالتالي تفاهة وسقامة الربط الساذج بين عقيدة تمتد جذورها إلى اليوم الاول لقيام الدعوة الاسلامية ، وبين رجل أبسط ما قيل في حقَه أنَه مشرك وكافر ، فراجع .
(2) بلى إن جميع مصادر الشيعة اتفقت على لعنه وتكفيره ، وأنه غال زعم أن أمير المؤمنين عليه السلام إله أو نبي مرسل من قبل الله على الاقل .
فراجع : رجال أبو علي : 302 ، رجال الكشي 9 : 323 ، رجال الطوسي : 51|76، نقد الرجال : 199|131 ، الخلاصة ( القسم الثاني ) : 237|19 ، تنقيح المقال 2 : 183 وغيرها.
(3) البُلَهْنية : السعة والرفاهية في العيش .
انظر : القاموس المحيط 4 : 203 .
(4) السمادير : ضعف البصر ، وقيل : هو الشيء الذي يتراءى للانسان من ضعف بصره عند السكر من الشراب وغَشْي النعاس والدوّار.
قال الكميت :
وَلَما رايتُ المقرباتِ مُذالةً * وَأنكرتُ إلاّ بِالسًماديرِ ألها
لسان العرب 4 : 380 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page