ومن كتاب الكراجكي : روي عن النبي صلى الله عليه واله ، أنه قال :«كونوا في الدنيا أضيافاَ ، واتخذوا المساجد بيوتاً، وعوّدوا قلوبكم الرقة، وأكثروا منالتفكر والبكاء من خشية الله ، ولا تختلفن بكم الأهواء، تبنون مالا تسكنون ، وتجمعونمالا تأكلون ، وتأملون مالا تدركون»(1).
وقال صلى الله عليه وآله : «نزل جبريل إليَّ في أحسن صورة فقال : يا محمد،ربك يقرؤك السلام ، ويقول : إني أوحيت إلى الدنيا: أن تسهلي وبطئي وتيسّريلأعدائي حتى يبغضوا لقائي ، وتشدّدي وتعسّري وتضيقي على أوليائي ليحبّوا لقائي ، فإنيجعلت الدنيا سجناً لأوليائي ، وجنة لأعدائي» .
وروي عنه صلّى الله عليه واله ، أنه قال : «إذا أحب الله تعالى عبداً نصب فيقلبه نائحة من الخوف ، وإذا أبغض عبداً جعل في قلبه مزماراً من الضحك ، فإن اللهتعالى يحب كل باك حزين ، ما يدخل النار من بكى من خشية الله ، حتى يرجع اللبنالضرع ، ولن يجتمع في منخري مؤمن دخان جهنم وغبار في سبيل الله ».
وروي أن رجلاً قال لأمير المؤمنين عليه السلام : عظني . فقال له : «لا تكن ممنيرجو الأخرة بغير عمل ، ويؤخر التوبة بطول أمل ، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ،ويعمل عمل الراغبين ، إن اُعطي لم يشبع ، وإن مُنع لم يقنع ، يعجز عن شكر ما اُوتي ،ويبتغي الزيادة فيما بقي ، ينهى ولا ينتهي ، يأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم ،يبغض المذنبين وهو أحدهم ، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على [ما](2) يكره الموتله ، إن سقم ظل نادماً، وإن صحّ أمن لاهياً، يعجب بنفسه إذا عوفي ، ويقنط إذا ابتلي ،إن أصابه بلاء دعا مضطراً، وإن ناله رخاء أعرض مغتراً، تغلبه نفسه على ما يظن ، ولايغلبها على ما يستيقن ، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه ، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله .
إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط ووهن ، يقصر إذا عمل ، ويبالغ إذا سأل ، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية وسوّف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملّة،يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتّعظ ، فهو بالقول مدلّ ، ومن العملمقل ، ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى، يرى الغنم مغرماً والغُرم مغنماً، يخشى الموتولا يبادر الفوت، يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه ، ويستكثر منطاعته ما يحقره من طاعة غيره ، فهو على الناس طاعن ، ولنفسه مداهن ، اللهو معالأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ، ولا يحكم عليها لغيره،يرشد غيره ويغوي نفسه ، فهو يطاع ويعصي ، ويستوفي ولا يوفي ، يخشى الخلق في غيرربه، ولا يخشى ربه في(3)خلقه»(4).
وقال عليه السلام : «ذمتي بما أقول رهينة، وأنا به زعيم ، إن من صرحت لهالعبر عما بين يديه من المثلات، حجزه التقوى عن تقحم الشبهات»(5).
____________
1 ـ كنز الفوائد: 160 .
2 - أثبتناه من نهج البلاغة .
3 - في الأصل زيادة: غير.
4 - نهج البلاغة 3 : 189 | 150، باختلاف يسير، ووفيه: قال الرضي : لو لم يكن في هذا الكتابإلاّ هذا الكلام لكفى [به] موعظة ناجعة، وحكمة بالغة، وبصيرة لمبصر، وعبرة لناظر مفكر.
5 ـ نهج البلاغة 1 : 42 | 15 .
طالب الدنيا وطالب الآخرة
- الزيارات: 2332