فصل: في ذكر الموت (1)
روي أنه كان في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم، أنت لاتشتهي تموت حتى تتوب، وأنت لاتتوب حتى تموت.
وقال أمير المؤمنين صلى الله عليه: «من أكثر ذكرالموت رضي من الدنيا باليسير».
وقال بعضهم: لو رأيتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره، وأنشد :
نُراعُ لذكر الموت ساعة ذكره * وتعترض الدنيا فنلهو ونلعب
وقيل: إن أمراً اخره الموت لحقيق أن يخاف مابعده.
وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام سمع إنساناً يقول: إنا لله وإنا إليهراجعون، فقال: «قولنا: إنا لله إقراراً له منا بالملك، وقولنا: إنا إليه راجعون إقراراً علىأنفسنا بالهلك ».
وقيل: من عجائب الدنيا أنك تبكي على، من تدفنه، وتترك (2) التراب علىوجه من تكرمه.
وقال ابو نؤاس:
غـــرّ جـهـولاً أمله * يموت من جا أجــلــه
ومن دنـــا مـن يومه * لم تغن عنه حـيـلـــه
وكـيف يبقـى آخــر * قــد غــاب عنه أولـه
لا يصـحب الانسان من * دنـيـــاه إلا عمـله (3)
أبو ذؤيب:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع
غيره:
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها * فقد حذّرتناها لعمري خطوبها
ومانحسب الساعات تقطع مدة * على انها فينا سريع دبيبها
كأني برهطي يحملون جنازتي * إلى حفرة يحثى عليَّ كثيبها
وباكية حرى تنوح وإنني * على غفلة عن صوتها لا اُجيبها
أيا هادم اللذات ما منك مهرب * تحاذر نفسي منك ماسيصيبها
رأيت المنايا قسمت بين أنفس * ونفسي سيأتي بعد ذاك نصيبها
لأبي إسحاق الصابي من قطعة كتبها إلى الشريف الرضي أبي الحسن الموسوي:
وإني على عيث الردى في جوانبي * وماكف من خطوى(4)وبطش بناني
وإن لم يدع إلافؤاداً مروعا * به غُبر باق من الخفقان
تلوم تحت الحجب ينفث حكمة * إلى اُذن تصغي لنطق لساني
لأعلم أني ميت عاق دفنه * ذماء قليل في غد هو فاني
وان فما للأرض غرثان حائماً * يراصد من أكلي حضور اؤان
به شرهُ عم الورى بفجائع * تركن فلاناً ثاكلاً لفلان
غدا فاغراً يشكو الطوى وهو راتع * فماتلتقي يوماً له شفتان
وكيف وحدّ الفوت منه فناؤنا * وما دون ذاك الحدِ رَدّ عنان
إذاغاضنا بالنسل ممن نعوله * تلا أولاً منه بمهلك ثاني
إلى ذات يوم لاترى الأرض وارثاً * سوى الله من انس براه وجان (5)
لغيره:
فكم من صحيح بات للموت آمنا * أتته المنايا رقدة بعدما هجع
فلم يستطع اذجاءه الموت بغتةً * فراراً ولامنه بحيلته انتفع
فأصبح تبكيه النساء مكفّناً * ولايسمع الداعي إذا صوته ارتفع (6)
وقُرّب من لحدٍ فصار مقيله * وفارق ماقد كان بالأمس قد جمع
____________
1 ـ كنز الفوائد: 16 ـ 18، وفيه تمام الفصل.
2 ـ في المصدر: وتطرح.
3 ـ في الأصل: أمله، وما أثبتناه من المصدر.
4 ـ في الأصل: خطوبي، وما أثبتناه من المصدر.
5 - رسائل الصابي والشريف الرضي: 16.
6 - في المصدر: رفع.
فصل: في ذكر الموت
- الزيارات: 1878