قال ابن شهاب (1): بعث سليمان بن داود عليه السلام بعض عفاريته ، وبعث معه نفراً من أصحابه فقال : إذهبوا معه فانظروا ماذا يقول ، فمرّوا به في السوق ، فرفعرأسه إلى السماء، ونظر إلى الناس فهز رأسه ، ومرّوا به على بيت يبكون على ميت لهمفضحك ومروا به على الثوم يكال كيلاً وعلى الفلفل يوزن وزناً فضحك ، ومروا به علىقوم يذكرون الله تعالى وآخرين في باطل فهز رأسه .
ثم ردوه إلى سليمان فأخبروه بما رأوا منه ، فسأله سليمان : أرأيت إذ مروا بك فيالسوق ، لم رفعت رأسك إلى السماء ونظرت إلى الأرض والناس؟ قال : عجبت منالملائكة على رؤوس الناس ، ما أسرع ما يكتبون! ومن الناس ما أسرع ما يملون!
قال : ومررت على أهل بيت يبكون على ميت لهم ، وقد أدخله الله الجنة،فضحكت.
قال : ومررت على الثوم يكال كيلاً ومنه الترياق ، وعلى الفلفلِ يوزن وزناًوهو الداء، فتعجبت . ونظرت إلى قوم يذكرون الله ، وآخرين في باطل ، فتعجبتوضحكت (2).
وروي أن عمر بن عبد العزيز كان يوماً في المسجد، فدخل عليه رجل فأسمعهمكروهاً ونال منه ، فقيل له : ما يمنعك من الانتصار منه ؟ قال : التقيُّ مُلْجَم .
ودخل على امرأته فقال لها: عندك درهم نشتري به عنباً، فقالت : لا، فقال :فثمنه من الفلوس نشتري به ، قالت : لا، أنت خليفة المسلمين ، يجبى إليك فيؤها، ولاتقدر على درهم ! فقال : هذا أهون علينا من معالجة أغلال نار جهنم .
وقال بعضهم لآخر: لا تطلبن حاجتك عند من لا يحب نجاحها، ولا تتهاونبالخلق فيهلكك الله ، ولا تصحبنّ فاجراً فتتعلم من فجوره ، واعتزل عدوك ، واحذرصديقك ، ولا تأمن إلاّ من خشي الله ، واخشع عند القبور، وذل عند المعصية، واعتصمبالله منها، وسارع في الطاعات ، واستشر في أمرك النصيح ، وآخ في الله أهل التقوى،ولا تجعل كلامك في غير الله ، ولا تقله إلا عند من يشتهيه ويتخذه غنيمة .
وكان قيس بن سعد يقول : اللهم ارزقني حمداً ومجداً، فإنه لا حمد إلا بفعل ،ولا مجد إلا بمال .
وقال النبي صلى الله عليه وآله : «من سره أن ينفس الله كربته فَلْيُيَسِّر علىمؤمن معسر وليدعُ له ، فإن الله تعالى يحب إغاثة الملهوف ».
وقال صلى الله عليه وآله : «استكثروا من الشيء الذي لاتسمه النار، قالوا:وما هو؟ يا نبي الله ، قال : المعروف ».
وتقول العرب : كل شيء إذا كثر رخص إلا العقل إذا كثر غلا.
وقيل لتميم الداري (3): ما السؤود؟ قال : العقل، وقد سألت رسول الله صلى اللهعليه وآله فقال : «سألت جبرئيل عليه السلام : ما السؤود في الناس ؟ فقال : العقل ».
وروى وهب بن منبه أن موسى عليه السلام قال : يا رب ، أخبرني عن آيةرضاك عن عبدك . فأوحى الله تعالى إليه : إذا رأيتني اُهيئ عبدي لطاعتي ، وأصرفهعن معصيتي فذلك آية رضاي .
وفي رواية أخرى : إذا رأيت نفسك تحب المساكين ، وتبغض الجبارين ، فذلكآية رضاي (4).
وقال المفضل بن عمرو للصادق عليه السلام : أحب أن أعرف علامة قبوليعند الله ، فقال له : «علامه قبول العبد عند الله أن يصيب بمعروفه مواضعه ، فإن لم يكنكذلك فليس كذلك » .
____________
1 ـ هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن شهاب بن عبد الله الزهري، أحدالفقهاء والمحدثين والاعلام التابعين بالمدينة، عده الشيخ في رجاله من أصحاب السجاد والصادق عليهما السلام،ولد سنة 52 هـ وتوفي سنة 124، وقيل: 123 أو 125. اُنظر « رجال الشيخ: 101 | 5 و299 | 316، وفيات الأعيان 4 : 177، تهذيب التهذيب 9 :445 ، معجم رجال الحديث 16 : 181 و17 : 257».
2 - أخرجه المجلسي في بحارالأنوار 14 : 22 |79 عن أعلام الدين .
3 - في الأصل : الدارمي ، وهو تصحيف ، صحته ما أثبتناه في المتن ، وهو تميم بن أوس بن خارجة بنسود بن خزيمة بن ذراع بن عدي بن الدار، المكنى أبو رقية الداري ، مشهور في الصحابة، كان نصرانياً وقدم المدينةفأسلم سنة تسع ، وهو أول من قصّ، وكان كثير التهجد ، وهو أول من أسرج السراج في المسجد، إنتقلإلى الشام بعد مقتل عثمان ، ونزل بالبيت المقدس ، توفي بالشام وقبره ببيت جبرين من بلاد فلسطين ، قيل :وجد على قبره انه مات سنة 40هـ، اُنظر«رجال الشيخ : 10 | 2، اسد الغابة 1: 215، الإصابة 1 : 183،الاستيعاب 1 : 184 ، تهذيب التهذيب 1 : 511، الأنساب 5: 252، تنقيح المقال 1 : 186».
4 - أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 70 : 26 | 29 .
عجب عفريت من أحوال الناس في أيام سليمان عليه السلام
- الزيارات: 2405