• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حول القضاء والقدر

جاء في الحديث أن الحسن البصري كتب إلى الحسن عليه السلام : أما بعد،فإنكم - معاشر بني هاشم - الفلك الجارية في اللجج الغامرة، مصابيح الدجى ،وأعلام الهدى ، والعروة الوثقى ، والأئمة القادة، الذين من تبعهم نجا، ومن تخلف عنهمهوى ، والسفينة التي بركوبها ينجو المؤمنون ، ويعتصم بها المستمسكون .
**أما بعد : فقد كثر- يا ابن رسول الله - عندنا الكلام في القضاء والقدر، واختلافنافي الاستطاعة، فتعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك ، فإنكم ذرية بعضها من بعض ،من علم الله علمتم ، وهو الشاهد عليكم ، وأنتم الشهداء على الناس ، والسلام .
فأجابه الحسن عليه السلام : «أما بعد، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتكوحيرة من زعمت من اُمتنا، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون الفعل! واعلم أنهلولا ما انتهى إليّ من حيرتك وحيرة الاُمة قبلك ، لأمسكت عن الجواب ، ولكني الناصحابن الناصح الأمين .
واعلم أن الذي أنا عليه ، أنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر، ومنحمل المعاصي على الله عز وجل فقد فجر، إن الله سبحانه لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة،ولا أهمل العباد من الملكة، ولكنه عز وجل المالك لما ملكهم ، والقادر على ما عليهأقدرهم ، فإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل ، فإنلم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجباراً ولا ألزمهم بها إكراهاً، بل الحجة له عليهم أنعَرَّفهم ، وجعل لهم السبل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ، ولله الحجة البالغةعلى جميع خلقه».
وروي أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج : تكتب إلى علماء أهلالبصرة، يكتبون إليك بما عندهم في القضاء والقدر، فجاءته منهم أربعة أجوبة :الجواب الأول من الحسن البصري : ليس عندي في ذلك شيء أبلغ من قولعلي عليه السلام : «أيأمر بالعدل ويخالفه ! وينهى عن المنكر ويؤالفه ! أفلا افْترى عليهمن هو بهذا وأصفه !؟»
الجواب الثاني من واصل بن عطاء: لا أجد في ذلك كلاماً خيراً ممّا قاله عليبن أبي طالب : «أدلّك على الطريق ، ولزم عليك المضيق! إن هذا بالحكمة لايليق» .
الجواب الثالث من عمرو بن عبيد قال : ليس عندي شيء في ذلك أتم حكمةمن قول علي بن أبي طالب : «إذا كان الوزر في الأصل محتوماً، كان الوازر في القصاصمظلماً».
الجواب ألرابع من عامر الشعبي قال : ليس عندي شيء في ذلك أصوب منقول علي عليه السلام : «ما استغفرته عليه فهو منك ، وما حمدته عليه فهو منه ، وما بكممن نعمة فمن الله ، وما بكم من خيانة فبما كسبت أيديكم ، وما الله بظلام للعبيد».
ويقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه ، الحسن بن أبي الحسن - مملي ماذكرناه - أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته : إن الله تعالى قال :(ادخلوا فيالسلم كافة)(1) فهذا أمر منه بالدخول في باب الطاعة، فكيف يجوز في العدل والحكمة،أن يأمرهم بدخولها وقد أغلقها عنهم ؟ وما هذا إلا كمن أمر العميان أن ينظروا إلىألهلال ، والزّمن (2) أن يعدو، والأصم أن يسمع خفي القول ، والله تعالى يقول انه لا يظلمالعباد شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون (3) . وقال سبحانه :(وما ربك بظلام للعبيد)(4)وروي أن طاووس اليماني دخل على جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، وكان يعلمأنه يقول بالقدر، فقال له : «يا طاووس ، من أقبلُ للعذر من الله ممن اعتذر وهو صادقفي اعتذاره ؟»
فقال : لا أحد أقبل للعذر منه .
فقال له : «من أصدق ممن قال : لا أقدر وهو لا يقدر؟»
فقال طاووس : لا أحد أصدق منه .
فقال له الصادق : «يا طاووس ، فما بال من هو أقبل للعذر، لا يقبل عذر منقال : لا أقدر، وهو لا يقدر؟ »
فقام طاووس وهو يقول : ليس بيني وبين الحق عداوة، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، فقد قبلت نصيحتك (5).
وقال الصادق عليه السلام لهشام بن الحكم : «ألا أعطيك جملة في العدلوالتوحيد ؟
قال : بلى، جعلت فداك .
قال : «من العدل أن لا تتّهمه ، ومن التوحيد أن لا تتوهمه »(6)
وروي عن أبي حنيفة أنه قال : أتيت الصادق عليه السلام لأسأله عن مسائلفقيل لي : إنه نائم ، فجلست أنتظر انتباهه ، فرأيت غلاماً - خماسياً أوسداسياً - جميلالمنظر، ذا هيبة وحسن سمت ، فسألت عنه ، فقالوا: هذا موسى بن جعفر، فسلّمت عليهوقلت له : يا ابن رسول الله ، ما تقول في أفعال العباد، ممن هي ؟
فجلس ثم تربّع وجعل كمه الأيمن على الأيسر وقال : «يا نعمان ، قد سألتفاسمع ، وإذا سمعت فعه ، وإذا وعيت فاعمل : إن أفعال العباد لا تعدو من ثلاثخصال :
إمّا من الله على انفراده ، أو من الله والعبد شركة، أو من العبد بانفراده ، فإنكانت من الله على انفراده ، فما باله - سبحانه - يعذب عبده على مالم يفعله ، مع عدلهورحمته وحكمته! وإن كانت من الله والعبد شركة، فما بال الشريك القوي يعذّبشريكه على ما قد شركه فيه وأعانه عليه ؟» ثم قال : «استحال الوجهان ، يا نعمان»فقال (7): نعم
فقال له (8) : «فلم يبق إلا أن يكون من العبد على انفراده ، ثم أنشأ يقول :

لم تخل أفعالنا اللاتي نُذم بها * إحدى ثلاث خصال حين نبـديها
إما تفــرّد بارينا بصنعتها * فيسقط اللوم عنا حين نأتـيـهـا
أو كـان يشركنا فيها فيلحقه * ما كان يلحقنا من لائم فـيـهـا
أولم يكن لإلهي في جنايتها * ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها»(9)

وروي أن ابا الهذيل (10) حضر عند أمير من أمراء البصرة - وكان قدرياً -وقد أوتي بطرار(11) أسود أعور، فقال له : كم يجب على هذا الطرار من سوط على طرارته ؟قال له : ستون سوطاً.
فقال الأمير: إنما يقول الفقهاء عشرون سوطاً.
فقال : نعم ، عشرون سوطاً على طرارته ، وعشرون سوطاً على عوره ، وعشرونعلى سواده .
فقال الأمير: كيف تضربه على سواده وعوره ؟ وقد خلقهما الله فيه ، وليسا منجنايته !
فقال له أبو الهذيل : وكذلك طرارته ، مخلوقة فيه على مذهبك ، إذا ضربته عليهاوهي من خلق الله فيه ، فكذلك تضربه على سواده وعوره .
فقال الأمير: ما بيني وبين الحق عداوة . ثم رجع عن القول بالجبر على القبيحودان بالعدل .
وروي أن شخصاً من أهل الإيمان والعلم وشى به رجل قدري إلى أمير منأمراء البصرة أيضا ـ وكان قدرياً - فقال له : إن هذا لا يرى ما يراه أهل العلى منأن أفعال العباد من الحسن والقبح من الله ، فأحضره الأمير وقال : إن هذا يقول فيك انكلا ترى أن العبد مجبور على فعل الحسن والقبيح .
فقال له المؤمن : أيها الأمير، قد جعلتك بيني وبينه حكماً، ثم التفت إلى القدريفقال له : ما تقول في كلمة العدل والإخلاص والتوحيد، من قالها في الموحد؟فقال : الله فقال : أصادق هو أم لا؟
فقال : بل صادق .
فقال له : فما تقول في كلمهّ الكفر والإلحاد، من قالها في الملحد؟
قال : الله على مذهبه .
فقال : أصادق هو أم كاذب ؟
فالتفت الإمير إلى القدري فقال له : ويلك إن قلت : صادق ، قتلتك ، وإنقلت : كاذب ، قتلتك . فخزي وانقطع ، ورجع الأمير عما كان يعتقده ، وقال بالعدل .
وروي أنه كان رجل معتوه في بني عابد، وكان صبيانهم يرجمونه ليلاً، فشكاذلك إلى آبائهم ، فقالوا له : إنهم لم يرجموك وإنما يرجمك الله، فقال : كذبتم ، فإنهم يرجمونيفيصيبوني تارة، ويخطئوني أخرى، ولو رجمني الله ما أخطأني .
وكان رجل يجادل في القضاء والقدر أهله فيقول : إن الله تعالى يقول :(كلماأوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)(12) فلو كان هو الموقد لما احتاج أن يطفئ وكان لا يوقد،وقد أخبر سبحانه بأنهم هم الموقدون ، فلا بد من تصديقه بذلك ، وبأنهم يوقدونوهو المطفئ .

____________
1 ـ البقرة 2: 208.
2 - الزمن : المريض الدائم المرض، الذي لا يرجى شفاؤه « لسان العرب ـ زمن ـ 13: 199».
3 ـ أقتباس من آية 44 من سورة يونس:10.
4 ـ فصلت 41: 46.
5 ـ أخرجه المجلسي في البحاره : 58 | 105 عن أعلام الدين .
6 ـ أخرجه ألمجلسي في البحار5: 58 | 106 عن أعلام الدين .
7 ـ كذا في الأصل والبحار، ولعل المناسب للسياق : فقلت .
8 ـ كذا في الأصل والبحار، ولعل المناسب للسياق : فقال .
9 ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار 48 : 175 | 18عن أعلام الدين .
10 ـ هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي ، أبو الهذيل العبدي، أبو الهذيل العلاف مولى عبد القيس شيخألمعتزلة، وكان شيخ البصريين في الإعتزال . ومن أكبر علمائهم ، وهو صاحب مقالات في مذهبهم ومجالسومناظرات ، ولد سنة 131وقيل: 134 وقيل : 135 هـ ، وتوفي سنة 235 هـ، اُنظر«تاريخ بغداد 3: 366،وفيات ألأعيان 4: 265، 5: 413» .
11 - الطرار: السارق الذي يخالس الناس «الصحاح - طرر- 2 : 725» .
12 - المائدة 5: 64.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page