• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نسبة الخلاف إلى ابراهيم

ومنها : ما أورده في مواضع عديدة من صحيحه.
منها : ما في كتاب التفسير : قال : حدّثنا اسماعيل ، قال حدّثنا أخي عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال يلقى ابراهيم أباه فيقول : يا ربّ إنّك وعدتني الاّ تخزني يوم يبعثون فيقول الله : اني حرمت الجنة على الكافرين ، وفي رواية أخرى : فيقول : يا ربّ انّك وعدتني ألاّتخزني يوم يبعثون ، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد ؟ (1).
ولا يخفى ما في هذا الإفتراء من غاية الازراء بشأن ابرهيم ( عليه السَّلام ) ومخالفته لنصّ الكتاب الكريم.
أما أولاً : فلخطائه في اعتقاد أن تعذيب أبيه خزي له بل خزي أعظم ، وأي خزي أعظم من هذا.
فان ذلك مما لا يتخيّله من له أدنى عقل ودراية فضلاً عن النبي المعصوم المبعوث للهداية.
وثانياً : للجهل بالمراد من وعده تعالى بأن لايخزيه.
وثالثاً : مخالفته للدلائل العقلية الدالة على المنع من الاستغاثة للمشركين من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.
قال الرازي في تفسيره : وسبب هذا المنع ما ذكره الله تعالى في قوله : ( من بعد ما تبيّن لهم أنهم أصحاب الجحيم ) (2) ، وأيضاً قال : ( أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ) (3) والمعنى أنه تعالى لما أخبر عنهم انه يدخلهم النار وطلب الغفران لهم جار مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده ، وأنه لا يجوز.
وأيضاً ، لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين وذلك يوجب نقصان درجة النبي وحطّ مرتبته.
وأيضاً أنه قال : ( ادعوني استجب لكم ) (4) وقال عنهم أنهم اصحاب الجحيم فهذا الاستغفار يوجب دخول الخلف في أحد هذين النصين وأنه لايجوز.
ورابعاً : مخالفته لأمر الله تعالى بل إصراره على المخالفة حيث لم ينته بنهي الله تعالى إيّاه في الدنيا عن الاستغفار ، وصرح بممنوعيته عن الاستغفار لابيه الفخر الرازي في تفسيره (5) في قوله تعالى : ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه ).
وخامساً : بمنافاة هذه الرواية لقوله تعالى ( فلما تبين له أنه عدوّ لله تبرّأ منه ) ، قال العسقلاني : قد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته ، فقال بعد أن أخرجه :
« هذا حديث في صحته نظر من جهة أن ابراهيم عالم بأن الله لايخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما بأبيه خزياً له مع علمه بذلك ».
وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : ( وما كان استغفار ابراهيم لأبيه إلاّ عن موعدة وعدها إيّاه فلمّا تبيّن له أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه ) (6).
قال : والجواب عن ذلك ، أن أهل التفسير اختلفوا في الوقت الذي تبرّأ ابراهيم فيه من أبيه ، فقيل : كان ذلك في الحياة الدنيا لما مات مشركاً ، وهذا الوجه للطبري من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، واسناده صحيح.
وفي الرواية فلمّا ، مات لم يستغفر له ، ومن طريق علي بن طلحة عن ابن عباس نحوه ، قال : استغفر له ما كان حيّاً فلمّا مات امسك.
وأورد أيضاً ، من طريق مجاهد وقتادة وعمرو بن دينار نحو ذلك ، وقيل إنّما تبرّأ منه يوم القيامة لما آيس منه حين مسخ على ما صرّح به في رواية ابن المنذر التي أشرت إليها ، وهذا أخرجه الطبري أيضاً من طريق عبدالملك بن أبي سليمان سمعت سعيد بن جبير يقول : ان ابراهيم يقول يوم القيامة : ربّ والدي ، فإذا كانت الثالثة أخذ بيده فيلتفت إليه وهو ضبعان فيتبرّأ منه.
ومن طريق عبيد بن عمير قال : يقول ابراهيم لأبيه : اني كنت آمرك في الدنيا فتعصيني ولست تاركك اليوم ، فخذ بحقوتي فيأخذ بضبيعيه فيمسخ ضبعاً ، فإذا رآه ابراهيم مسخ تبرّأ منه.
ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرّأ منه لما مات مشركاً ، فترك الاستغفار لكن لما رآه يوم القيامة ادركته الرقة والرأفة فسأل فيه ، فلمّا رآه مسخ يئس منه حينئذ وتبرّأ تبرّياً أبديّاً.
وقيل أن ابراهيم لم يتيقّن موته على الكفر لجواز أن يكون آمن في نفسه ولم يطلع ابراهيم على ذلك ويكون وقت تبريه منه بعد اكالة التي وقعت في هذا الحديث (7).
هذا غاية ما تشبّثوا به لدفع الطعن عن هذا الخبر وفسادها مما لا يخفى.
أما الأخير : الذي نسب إلى القيل : فيرده جميع رواياتهم التي اذعنوا بصحتها.
منها : ما نقله العسقلاني وقال : اسناده صحيح.
ومنها : ما أورده في الدر المنثور ، قال : أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ( فلمّا تبيّن له ) (8) حين مات وعلم أن التوبة قد انقطعت منه.
وأخرج الفريابي وابن خزيمة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وأبوبكر الشافعي في فوائده ، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : لم يزل ابراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلمّا تبيّن له أنه عدوّ لله فتبرّأ منه ، يقول : لما مات على الكفر.
وأما ما ذكره بقوله : ويمكن الجمع ، فلا معنى محصل له لان مناط الاشكال على أن ابراهيم بعد علمه بأنه كان مشركاً ومات عليه كما سلّمه في هذا الجواب ، كيف استغفر له ويشفع فيه مع علمه بأنه تعالى لا يخلف الميعاد.
فإن أراد العسقلاني من قوله : لمّا رآه أدركته الرقة ، بيان داعي الاستغفار فهو من قبيل أصوات الحيوانات التي تصدر من غير ارتباط ، حيث أن الكلام والاشكال في عدم جواز الاستغفار ، فالجواب عنه ببيان داعيه كما ترى ، وان أراد أن الرقة والرأفة يجوز ارتكاب المنهي عنه فهو مما لا يتفوّه به عاقل فضلاً عن فاضل.
وكيف لايلتزم به في تجويز جميع الشنايع والقبائح والفسق والزنا واللواط فلو زنى أحد بإمرأة شابّة دعته إلى الزنا من باب الرأفة والرقة لزمه الحكم بالجواز والاباحة؟!
وأما كلامه الاول : فحاصله الاختلاف في أن وقت التبري هل هو في الدنيا بعد موته او في الآخرة بعد مسخه ؟
وتخيّل أنه لو كان التبري في القيامة لم يلزم قبح ، ووجوه الفساد في هذا الكلام أيضاً واضحة ، اما أولاً : فلأن صريح كتاب الله وقوع التبري من ابراهيم حيث قال : ( تبيّن له أنه عدوّ لله تبرّأ منه ) (9).
وأتى بصيغة الماضي الفعلين جميعاً وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز.
وثانياً : ان من الواضح تعدد الروايات على وقوع التبري في الدنيا وفيها باعتراف العسقلاني بصحته وهي موافقة لظاهر القرآن والروايات المخالفة أقل عدداً غير موصوفة بالصحة مخالفة لظاهر القرآن.
ومن البيّن ترجيح الاولى فيزيد الاشكال لا أنه يندفع.
ثالثاً : أنه على فرض ترجيح الروايات الثانية يندفع الاشكال الاخير الذي ذكره غير الاسماعيلي.
وأما الاول : فباق مجاله حيث أن مناطه ليس على المخالفة لظاهر الآية ، بل على أن ابراهيم بعد ما علم شرك آزر وعلم ان الله لا يخلف الميعاد كيف جعل ما بابيه خزياً له ؟
ورابعاً : أن الاقوال الاخيرة التي نقلها عن سعيد بن جبير وعبيد الله بن عمير لا يدل على أن المراد من التبري في الآية هو التبري في الآخرة ، فإنّهما اقتصرا على ذكر قصة ابراهيم من غير أن يفسر الآية بذلك.
وخامساً : أن هذه الاقوال والروايات بعينها مما يستشكل فيها الاسماعيلي وغيره ، اذ هي مثل ما في البخاري ويرد عليها ما يرد عليه من طعن في حديث البخاري كيف لا يطعن عليها ، وهل هذا الاّ مثل أن يجاب عن الاشكال باعادة حديث البخاري.
سادساً : أنه لو حمل حديث التبري يوم القيامة اختل نظم الآية وفات ما هو المقصود المهم منها ، اذ الغرض منها أن ابراهيم مع كونه أواهاً حليماً موصوفاً بشدّه الرقّة والشفقة لَما تبيّن له كفر أبيه تبرّأ منه ولم يستغفر له والمؤمنون أولى بان لا يستغفروا للمشركين ، ولهذا ذكر هذه الآية عقيب قوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى ) (10).
قال الرازي في تفسيره : في توصيف ابراهيم ( عليه السَّلام ) بالاوّاه والحليم ما لفظه : اعلم أنه تعالى انما وصفه بهذين الوصفين في هذا المقام لأنه تعالى وصفه بشدّة الرقّة والشفقة والخوف والوجل ، ومن كان كذلك فإنه لعظيم رقّته على أبيه وأولاده فبيّن تعالى أنه مع هذه العادة تبرّأ من أبيه وغلظ قلبه عليه لَما ظهر له اصراره على الكفر ، فانتم بهذا المعنى أولى.
ولذلك وصفه أيضاً بأنه حليم ، لان أحد أسباب الحكم رقة القلب وشدّة العطف لان المرء اذا كان حاله هكذا اشتدّ حلمه عند الغضب (11).
وانت خبير بان هذا الكلام انما يتم لو كان المراد التبري في الدنيا ، اذ لوكان تبريه منه في الآخرة مع استغفاره له في الدنيا حتى بعد موته لم يكن هذا ممّا يوجب امتناع المؤمنين عن الاستغفار لاقربائهم من المشركين بل كان مؤيداً لجوازه إلى غير ذلك من وجوه الفساد في هذا الكلام.
____________________
1. صحيح البخاري كتاب أحاديث الأنبياء رقم 3350.
2. التوبة : 114.
3. النساء : 116.
4. المؤمن : 63.
5. التفسير الكبير 16 : 212.
6. التوبة : 114.
7. فتح الباري تفسير سورة الشعراء 8 : 405.
8. التوبة : 114.
9. التوبة : 114.
10. التوبة : 113.
11. التفسير الكبير للرازي 16 : 212. 2. التوبة : 84.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page