طباعة

الطائفة الرابعة: إلقاء الشيطان في الوحي ونسخه بعد

هناك بعض الأحاديث التي تدلّ على إلقاء الشيطان بعض الآيات ـ نعوذ بالله ـ ونسخها بعد من الله. ففي تفسير الطبري(1) بسنده: عن محمّد بن كعب القرظي ومحمّد بن قيس قالا:
"جلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنّى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه فأنزل الله عليه (والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبُكم وما غوى)فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا بلغ (أفرأيتم اللاّت والعزّى * ومناة الثالثة الاخرى)(2). ألقى عليه الشيطان كلمتين: "تلك الغرانيق العلى(3) وإنّ شفاعتهن لترجى" فتكلّم بها، ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعاً... قالا: فلّما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة فلمّا بلغ الكلمتين اللّتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل، فأوحى الله إليه (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره...)(4) فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت عليه (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيّته)(5).
وفي صحيح البخاري بسنده عن ابن عباس قال: سجد النبىّ صلّى الله عليه وسلّم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس وفي رواية أخرى بمضمونه(6). ولا يخفى أنّ عبارة سجد المشركون بالنجم تدلّ على تأييد حديث البخاري لاسطورة الغرانيق.
______________
1 ـ جامع البيان في تأويل آي القرآن: ج 17، ص 131.
2 ـ سورة النجم (53): الآيتين 19 ـ 20. واللات: صنم كان لقريش أو ثقيف. والعزى: سمرة كانت لغطفان تعبدها. ومناة: صخرة كانت خزاعة وهذيل تعبدانها والثالثة الاخرى; بمعنى المتأخرة (الاصنام للكلبي)
3 ـ الغرانيق: جمع غرنوق أو غرنيق; وهو طير من طيور الماء كبير طويل العنق أبيض استعير للأصنام.
4 ـ سورة الاسراء (17): الآيتين 73 ـ 74.
5 ـ سورة الحج (22): الآية 52.
6 ـ صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة النجم: ج 6، ص 177 وتفسير ابن كثير: ج 7، ص 444 وتفسير القرطبي: ج 7، ص 124 وج 12، ص 82، وقد نقل القرطبي كلام القاضي عياض بنصه هناك.