طباعة

حديث مصحف الإمام علي عليه السلام في سطور

وهناك مطلب آخر ذكره الدكتور القفاري في مدخل موضوع بحثه، يرتبط بمصحف الإمام علي عليه السلام حيث قال:
"ومن أمر هذه الدعوى والتي وجدت في محيط الشيعة... أنـّها ولدت وفي أحشائها أسباب فنائها وبراهين زيفها وكذبها... فهي تقوم على دعوى أنّ القرآن ناقص ومغير... وان القرآن الكامل المحفوظ من أي تغيير هو عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم أورثه الأئمة من بعده...
ولو كان لدى أمير المؤمنين غيره لأخرجه للناس ولم يجز أن يتعبّد الله بكتاب محرّف وناقص، ولتدارك الأمر حين أفضت إليه الخلافة; لأن من أقرّ الخائن على خيانته كان كفاعلها...
لم يجد أصحاب هذا الافتراء ما يجيبون به عن هذا السؤال الكبير الذي ينسف بنيانهم من القواعد سوى قولهم على لسان عالمهم نعمة الله الجزائري...
كما أنـّهم ربطوا ـ والكلام للقفاري ـ وجود المصحف بإمامهم المنتظر... والإمام الغائب والمصحف الغائب كلاهما وهم وخيال..."(1).
فالدكتور القفاري في موارد متعددة تحدّث عن مصحف الإمام علي عليه السلام، وكل مرة يستعمل أقبح الألفاظ وأهجنها، التي هي في الواقع بعيدة كلّ البعد عن ذوق كلّ محقق يطلب الحقيقة والدفاع عن دين الله.
بل إنّه يفرد بحثاً مستقلاً(2) تحت عنوان "مصحف [الإمام] علي" يستنتج في نهايته أنّ:
"... أوّل كتاب تعرض لهذه الفرية هو كتاب سليم بن قيس حيث نجد الصورة لهذه الفرية في بدايتها فترد هذه المسألة في أثناء روايتين... وفيها "أن عليّاً لزم بيته حتى جمع القرآن وكان في المصحف والرِّقاع..."(3).
وهذا الخبر لمصحف الإمام علي عليه السلام في كتاب سليم بن قيس، يوجب عند الدكتور القفاري أن يحكم ويقول:
"وقد سجلت هذه المقالة ـ أي تحريف القرآن ـ في أول كتاب ظهر لهم... وهو كتاب سليم بن قيس"(4).
ونحن قد تكلمنا عن جميع الخطوط العامة لمسألة مصحف الإمام علي عليه السلام من مصادر الفريقين في المقام الأوّل، وسترى قريباً "في مبحث مصحف الإمام علىّ" أن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في كتب أهل السنة فاق روايات الشيعة وبعضها وردت بأسانيد صحيحة ومتضافرة.
وعلى هذا، فقول الدكتور القفاري بأنّ خبر هذا المصحف وجد منحصراً في محيط الشيعة وهذا المصحف وَهم وخيال وكذلك قوله بأنّ هذا المصحف في نظر الشيعة خال من التغيير والتّحريف بخلاف المصحف الموجود، وكذلك قوله: الوحيد الذي أجاب عن ذلك السؤال الكبير ـ وهو إذا كان عند الإمام علي عليه السلام مثل هذا المصحف فلماذا لم يخرجه للناس ـ السيد نعمة الله الجزائري، كل هذه الدعاوي من سوء الفهم والتجاهل من الدكتور القفاري لأنـّه:
أولاً: إن خبر مصحف الإمام علي عليه السلام في مصادر الفريقين ورد متواتراً معنى.
ثانياً: إن المصحف الموجود عند المسلمين عامّة بنظر علماء ومحققي الإمامية مصون عن كل نوع من التغيير والتّحريف وقد عرضنا عليك في المقام الأوّل أقوالهم وأدلتهم، وقلنا: إنّ مصحف الإمام علي عليه السلام عند محققي الإمامية ـ وهم أكثرهم ـ مشتمل على التنزيل الذي هو بمعنى شرح المراد من الله والتأويل وما يرجع إليه الكلام من المعاني ظاهراً وباطناً وكذا بيان شأن النزول والناسخ والمنسوخ و... وبيّنا هناك أنّ هذه الامور لا مساس لها بمسألة التّحريف اطلاقاً.
ثالثاً: ذلك السؤال الذي هو في الواقع متوجه لكلا الفريقين لا الى الشيعة فقط، أجاب عنه كلّ علماء الإمامية ـ ما عدا قلّة من الأخباريين ـ بقولهم:
"لو كانت مخالفة مصحف الإمام في بعض الحقائق الدينية متعلقة بالوحي القرآني لعارضهم بالاحتجاج ودافع عنه ولم يقنع بمجرد اعراضهم عما جمعه واستغنائهم عنه"(5).
وعلى هذا فلم يكن المحدث الجزائري هو الوحيد الذي أجاب عن السؤال.
هذا، ولنا في مبحث مصحف الإمام علي عليه السلام في هذا المقام بحث مفصّل نسبياً فانتظر.
إلى هنا كانت وقفة قصيرة مع الدكتور القفاري لمدخل مبحثه "هل الشيعة تقول بأنّ في كتاب الله نقصاً أو تغييراً" والآن نشرع بإذن الله في أصل المبحث وهو تحت عنوان "دعاوى الدكتور القفاري في ميزان النقد".
____________
1 ـ اصول مذهب الشيعة: ج 1، ص 202.
2 ـ اصول مذهب الشيعة: ص 339 و1022 و...
3 ـ نفس المصدر: ص 235 ـ 236.
4 ـ نفس المصدر: ص 1281.
5 ـ الميزان في تفسير القرآن: ج 12، ص 116.