• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في كفالة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم

 و بعد أن مضت ست سنوات على ولادة علي (ع) اصيبت قريش بأزمة اقتصادية خانقة،و قد كانت وطأتها شديدة على أبي طالب،إذ كان رجلا ذا عيال كثيرة،و كهفايلوذ به المحتاج و الفقير،بحكم مركزه الاجتماعي في مكة،ترى أيرضى المصطفى (ص) و بنو هاشم،أن تقسو الحياة على عميدهم؟ !
أقبل رسول الله (ص) على عمه العباس بن عبد المطلب،و هو أثرى بني هاشم يومها،فخاطبه بقوله :«يا عم!إن أخاك أبا طالب كثير العيال،و قد أصاب الناس ما ترى فانطلق بنا إلى بيته لنخفف من عياله،فتأخذ أنت رجلا واحدا،و آخذ أنا رجلا فنكفلهما عنه» (1) .
و قوبل رأي المصطفى (ص) بالتأييد و الرضا من قبل عمه العباس،فأسرع إلى أبي طالب،و خاطباه بالأمر،فاستجاب لما عرضا قائلا:«إذا تركتما لي عقيلا و طالبا،فاصنعا ما شئتما» (2) .

فأخذ العباس جعفرا.
و أخذ رسول الله (ص) عليا (ع) ،و كان عمره يومئذ ستة أعوام (3) و قد قال (ص) بعد أن اختار عليا (ع) :«قد اخترت من اختاره الله لي عليكم:عليا» (4) .
و هكذا آن لعلي أن يعيش منذ نعومة أظفاره في كنف محمد رسول الله (ص) :حيث نشأ في رعايته،و شرب من ينابيع مودته و حنانه،و رباه وفقا لما علمه ربه تعالى،و لم يفارقه منذ ذلك التاريخ،حتى لحق الرسول (ص) بالرفيق الأعلى.

حصيلة الإعداد النبوي
أشار الإمام علي (ع) إلى أبعاد التربية التي حظي بها من لدن استاذه و مربيه‏الرسول (ص) ،و مداها و عمقها،و ذلك في خطبته المعروفة بالقاصعة،إذ جاء فيها ما نصه:
« (و قد علمتم موضعي من رسول الله (ص) ،بالقرابة القريبة،و المنزلة الخصيصة،وضعني في حجره،و أنا ولد،يضمني إلى صدره،و يكنفني في فراشه،و يمسني جسده،و يشمني عرفه،و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمنيه،و ما وجد لي كذبة في قول،و لا خطلة في فعل) .
(و لقد قرن الله به (ص) ـمن لدن أن كان فطيماـأعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم،و محاسن أخلاق العالم،ليله و نهاره،و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر امه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما،و يأمرني بالاقتداء به) .
(و لقد كان يجاور في كل سنة (بحراء) ،فأراه،و لا يراه غيري،و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (ص) و خديجة،و أنا ثالثهما،أرى نور الوحي و الرسالة،و أشم ريح النبوة) » (5) .
و في صباه و شبابه،انصب جهد رسول الله (ص) على تكوين شخصيته:إذ كان يأمره بالاقتداء به،و سلوك سبيله،و في كل يوم يرفع له من أخلاقه علما و علي كان يتبع أثره،أولا بأول،كما يصف ذلك في حديثه.
و لهذا و ذاك،فإن اختيار علي (ع) من لدن الرسول (ص) يوم أملق أبو طالبـكما أسلفناـكان مخططا هادفا ابتداء لكي يأتي علي (ع) صورة مجسدة لشخصية رسول الله (ص) ،في فكره و مواقفه و شتى ألوان سلوكه،بل حتى في مشيته (6) .
و لقد كان الإمام (ع) من الصفاء الروحي،و الاستقامة الخلقية،وفقا لما علمه رسول الله (ص) ،بحيث كانت تتكشف له الكثير من حجب المستقبل المستور،فها هو يقول:«و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزول الوحي عليه (ص) فقلت:يا رسول الله!ما هذه الرنة؟فقال:هذا الشيطان قد أيس من عبادته،إنك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلا أنك لست بنبي،و لكنك وزير،و إنك لعلى خير» (7) .
فان الشوط الذي قطعه في مضمار التقرب إلى الله سبحانه،و امتثال أوامره،و تجسيد متطلبات رسالته،رشحه لأن يكون وزيرا للنبوة،و هو مقام لا يناله إلا من قطع شوطا بعيدا باتجاه قمة الفضيلة و السمو الروحي و المعنوي،فلم يفصله عن الرسول (ص) إلا درجة النبوة،فارتقى منصة الوزارة بحق و جدارة،و هكذا كان علي.

في كنف الوحي
و إذا كان الإمام (ع) قد عاش ست سنوات في أحضان والديه و اخوته،و كان لرسول الله (ص) دور بارز في رعايته طوال تلك السنوات الندية من عمره (ع) .
فإن رعاية علي و تربيته،صارت من اختصاص المصطفى (ص) دون منازع منذ السنة السادسة،حيث انتقل (ع) إلى دار رسول الله (ص) على إثر الضائقة المالية التي ألمت بأبيه أبي طالبـكما ذكرناـ.
و منذ تلك السن المبكرة عاش علي (ع) مع رسول الله (ص) في بيته قبل الدعوة،حيث قضى تحت رعايته سنوات الصبا و سنوات التفتح على الحياة،و خلالها عايش الإمام (ع) كل التطورات التي اكتنفت حياة الرسول (ص) .
و بناء على ذلك فعلي لم يحظ بالتربية المألوفة،التي يحظى بها غالبا طفل من لدن أبيه،أو صغير من قبل أخيه الأكبر،و انما كان إعداده و تربيته من نوع خاص،و حسبك أنه كان يتبع محمدا (ص) حتى في ساعات اختلائه في غار حراء،و يشهد التطور الروحي و الفكري الذي كان رسول الله (ص) يمر فيه،و ها هو (ع) يستذكر تلك الأيام الخالدة و ذلك الشطر الحساس من حياته،فيقول:«و لقد كان يجاور كل سنة بحراء،فأراه و لا يراه غيري» (8) ،أجل كان (ع) يعايش التحول الروحي الهائل الذي شهدته نفس المصطفى (ص) ،حتى أشرف عليه و حي السماء المبارك لينهض بمهمة الدعوة إلى الرسالة الإلهية الخاتمة.
(اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان ما علق*اقرأ و ربك الأكرم*الذي علم بالقلم*علم الإنسان ما لم يعلم) . (العلق/1ـ5)
فمن هذه الارهاصات التي شهدها قلب علي (ع) و روحه الطاهرة ما تعكسه هذه الروايات و الآثار التاريخية الدالة:

1ـ حدث كمال الدين ميثم بن علي البحراني المتوفى عام (679 ه) في شرحه لنهج البلاغة بما يلي:
«روي في الصحاح:انه كان (ص) يجاور بحراء في كل سنة شهرا،و كان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين،فاذا قضى جواره انصرف إلى مكة،و طاف بها سبعا قبل أن يدخل بيته حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة،فجاء في حراء في شهر رمضان،و معه أهله:خديجة و علي و خادم» (9) .

2ـ و عن أبي مسعود قال:
«قدمت إلى مكة فانتهيت إلى العباس بن عبد المطلب و هو يومئذ عطار جالس إلى زمزم و نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا عليه ثوبان أبيضان،عليه وفرة جعدة إلى انصاف أذنيه،أشم أقنى،أدعج العينين،كث اللحية،أبلج براق الثنايا أبيض تعلوه حمرة،و على يمينه غلام مراهق أو محتلم حسن الوجه،تقفوهم امرأة قد سترت محاسنها،فقصدوا نحو الحجر فاستلمه الرجل ثم الغلام ثم طافوا بالبيت ثم استقبلوا الحجر و قام الغلام إلى جانب الرجل و المرأة خلفهما فأتوا بأركان الصلاةمستوفاة فلما رأينا ما لا نعرفه بمكة،قلنا للعباس:إنا لا نعرف هذا الدين فيكم،فقال:أجل و الله،فسألناه عن هؤلاء فعرفنا إياهم ثم قال:و الله ما على وجه الأرض أحد يدين بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة،و روي مثله عن عفيف بن قيس» (10) .

3ـ و عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال:
«كان علي (ع) يرى مع النبي (ص) قبل الرسالة الضوء،و يسمع الصوت» (11) .
إن هذا الاحساس العلوي المميز بعمق التحولات الغيبية التي تجري لرسول الله (ص) تكشف عن كيان روحي خاص لا يختص به غير الأنبياء (ع) ،إلا أن ختم النبوة بمحمد (ص) اقتضى أن يكون علي (ع) وزيرا للنبوة:فقد ذكر أصحاب السنن بأسانيدهم عن النبي (ص) مخاطبا عليا (ع) ما يلي:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» (12) .
و قد أشرنا إلى ما ذكره علي (ع) نفسه في خطبة القاصعة حين سأل الرسول (ص) عن رنة الشيطان،حيث أجابه النبي (ص) :
«إنك تسمع ما أسمع و ترى ما أرى إلا أنك لست بنبي،و لكنك وزير،و إنك لعلى خير» (13) .
-----------------------------------------------------------
1ـ ابن الصباغ المالكي/الفصول المهمة/ص 14،و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ج 1/ص .151
2ـ سيرة ابن هشام/ط دار إحياء التراث العربي (بيروت) /ص 263،المجلسي/بحار الأنوار/ج 35/ص 44،نقلا عن كنز العمال،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ج 1/ص .15
3ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ج 1/ص .15
4ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/ج 1/ص 15،نقلا عن البلاذري و الاصفهاني.
5ـ نهج البلاغة/تبويب د.صبحي الصالح/ط 1،1967 م/ص .300
6ـ عبد الفتاح عبد المقصود/علي بن أبي طالب/ج 1/ص 39،و الإملاق:الفقر.
7ـ نهج البلاغة/الخطبة القاصعة.
8ـ نهج البلاغة/الخطبة القاصعة.
9ـ ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 4/ص .314
10ـ المصدر السابق/ص .315
11ـ المصدر السابق.
12ـ الخوارزمي/المناقب/ص 27ـ37،محب الدين الطبري/ذخائر العقبى/ص .63
13ـ نهج البلاغة/الخطبة القاصعة.
سيرة رسول الله و أهل بيته(ع) ج 1 ص 480

مؤلف: لجنة التأليف مؤسسة البلاغ


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page