تمهيد تاريخي:
بعد الأنقلاب العسكري الّذي قام به إبن سعود ضد إبن عجلان في الرياض عام 1902م توجه إلى السيطرة على باقي مناطق نجد ثم قام بإحتلال الاحساء ومناطقها (عام 1913) ثم إستولى على حائل فعسير والجنوب .. وهنا بدأ في التفكير في الحجاز الّتي كان يحكمها الأشراف، وقد كان الشريف حسين يقف إلى جانب إبن الرشيد (حاكم حائل) ضد ابن مسعود وخليفة ابن صباح حاكم الكويت .. وقد كان الأخيران يلتقيان المساعدة من الانجليز، بينما كان الشريف مع ابن الرشيد مواليان للأتراك[1].
ولكن بعد أندلاع الحرب الكونية الأولى غير الشريف ولاءه إلى الإنجليز بعد حصول على وعود مغرية في تأسيس دولة عربية كبرى وأعلن ثورته في 19 شعبان (1334هـ) (2يونيو1916م) وبدأ بتصفية النفوذ التركي في الحجاز بعد تلقيه الدعم الهائل من بريطانيا لدرجة أصبح يقدم الدعم لإبن سعود نفسه .. ولكن بريطانيا بدأت في التخلي عن الشريف حسين بعدما أبداه من معارضة لبعض السياسيات البريطانية في البلدان العربية مثل انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ولذلك فقد بدأ الإنجليز في دعم إبن سعود المطيع ضده وأعطوه الإشارة الخضراء لإحتلال الحجاز.
وعندما عزم إبن سعود على غزو الحجاز قام (كعادته وعادة أبنائه من بعده) بتغليف عمله بغلاف ديني فقام بجمع العلماء وطلب منهم فتوى بإمتلاك الحجاز «لأن الشريف منع أهالي نجد من الحج منذ خمس سنوات»[2]
وتم عقد مؤتمر في الرياض عام 1343 هـ (1924م) خرجت بتوصيات تجيز لإبن سعود دخول الحجاز بالقوة.
الدخول السعودي الثاني للحجاز:
حاول إبن سعود السيطرة على الحجاز عدة مرات بحجة كونها كانت تحت سيطرة أجداده في الدولة السعودية الأولى من جهة، ومن أجل أن لا تكون تحت سيطرة عائلة معينة من جهة أخرى .. وقد وقعت معركة حدودية بين إبن سعود وحكم الأشراف في الحجاز عام 1919 في منطقة (تربة) ولكن الإنجليز منعوا إبن سعود من الاسمترار في حملاته نظرا لعلاقاتهم الحسنة مع الأشراف ... «فانصاع لتحذير الحكومة الإنجليزية وأمر قواته بالعودة للرياض خوفاً من الدخول في خصام مع الحكومة الإنجليزية وهو في حاجة إلى مساندتها وخاصة في تلك الفترة»[3].
وقد حصلت مواجهات أخرى محدودة بينهما لا نراها تستحق الذكر هنا.
وعندما توترت العلاقات بين الأشراف والإنجليز وسمحت بريطانيا لإبن سعود بغز والحجاز إستصدر الأخير فتوى من علماء الرياض بغزوها ثم حرك قواته بقيادة سلطان بن بجاد زعيم الغطغط نحو الطائف .. في شهر صفر 1343 هـ (1924م) ودخلها في السابع منه وقام بمجزرة رهيبة قتل فيها عدد كبير من النساء والأطفال الأبرياء وعدد من رجال الدّين الّذين كانوا يصطافون في الطائف منهم مفتي الشافعية الشيخ الزواوي وأبناء الشيخ عبد القادر الشيبي سادن الكعبة الشريفة.
وقد أثارت أنباء هذه المجازر حالة كبيرة من الرعب والفزع في أوساط الحجازيين في مكة الأمر الذي دفع وجهاءها إلى الإجتماع والخروج بقرار يقضي بضرورة تنازل الشريف حسين عن العرش لإبنه علي .. «وبالفعل بويع الأميرعلي ملكاً على الحجاز في 4 أكتوبر سنة 1924 (5ربيع أول 1343هـ) وإضطر الملك حسين الّذي أجبر على التنازل عن العرش إلى مغادرة جدة إلى العقبة في 24 أكتوبر من نفس السنة»[4]. وبالرغم من أن الشريف الجديد علي انتقل إلى جدة وتحصن بها إلاّ ان قوات إبن سعود واصلت مسيرها نحو مكة حيث دخلتها بدون قتال بقيادة خالد بن لؤي في 16 أكتوبر 1924م (17 ربيع الأول 1343هـ).
وقد أرسل الشريف علي يطلب الصلح من إبن سعود وقام بتوسيط كل من أمين الريحاني ومستر فيبلي وغيرهما الا ان إنتصارات إبن سعود قد جعلته يرفض ذلك ويصر على «ضرورة رحيل الحسين وأولاده عن الحجاز، على أن يجتمع مؤتمر إسلامي بمكة للنظر في مسائل الحجاز وغيره» [5].
1925م) حاصرت مدينة جدة وبعدها المدينة المنورة ولم تسقط جدة بمغادرة الشريف علي لها في 22 ديسمبر 1925م .. بينما سقطت المدينة المنورة في يد الجيش السعودي في 15 جمادي الأولى 1344هـ (5 ديسمبر 1925) بعد حصار طويل عاني منه الأهالي كثيراً، ويصف الرحالة المستر رتز حالة الأهالي بقوله[6]:
«كانت النتيجة التي أدى اليها الحصار الكريه هذا ان قل عدد السكان فيها إلىٰ ستة الاف نسمة فقط، مع ان هؤلاء السكان كان عددهم قد وصل إلى سبعين أو ثمانين ألف نسمة من قبل» .. ثم يأخذ الرحالة رتز بوصف الشوارع والأزقة الفارغة والبيوت المتهدمه، ويخرج من ذلك إلى وصف محطة القطار المهملة في نهاية المدينة الغربية بالقرب من باب العنبرية.
ويضيف: «ان كثيراً من طلبة العلوم الدينية الّذين كانوا يقيمون في المدينة سابقاً فروا هاربين إلى بلاد آمنة مع شيوخهم، لكن قليلاً منهم ظلوا مقيمين فيها خلال مدة الحصار الوهابي. وها هم يدرسون الآن على إبن تركي في الحرم الشريف» وإبن تركي هذا نجدي سلفي معتدل لا يمكن أن يسمى وهابيا لأنه على ما يقول رتز لا يعتقد بجميع تعاليم إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب.
«ومن علماء المدينة الاخرين الذين يذكرهم رتز أحمد الطنطاوي المصري الذي امتنع عن التدريس في الحرم منذ قدوم الوهابيين إلى المدينة، وأخذ طلبته يراجعونه في بيته».
ويقول جون فيلبي عن حصار المدينة [7]:
«ان إبن سعود بعث برسله إلى المدينة طالباً إستسلامها في الحال، هي وحاميتها وما فيها من أسلحة وعتاد وعدد لا سلكية وسائر الذخائر العسكرية، إلى قائده في الميدان صالح العاذل من شمر، الّذي كان قد وصل مع قوة من البدو إلى الحناكية. وبهذه الشروط وعدت مدينة الرسول بضمان سلامتها وعدم التعرض لها بشيء، بينما طلب إلى قبائل حرب المحيطة بها بأن تفعل الشيء نفسه لتتجنب مغبة العناد».
___________________________
[1]  . لمزيد من التفاصيل أنظر الإسلام والوثنية السعودية –فهد القحطاني- ص107.
[2] . المصدر السابق – ص114.
[3] . المصدر السابق – ص112.
[4]. تاريخ الدولة السعودية حتى الربع الأول من القرن العشرين _ الدكتورة مديحة احمد درويش ص_107.
[5] . المصدر السابق – ص109.
[6]. موسوعة العتبات المقدسة – الجزء الثالث – ص325 – ويقصد الكاتب رتز وليس رتر.
[7] . موسوعة العتبات المقدسة – الجزء الثالث – ص336.

أضف تعليق