أخرج البخاري (1) عن ابى هريرة مرفوعاً لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا أنبياء فان يكن من أمتي منهم أحمد فعمر أ هـ (2).
وأخرج البخاري (3) عن أبى هريرة مرفوعاً أيضاً قال: انه كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وانه كان في أمتي هذه منهم فانه عمر بن الخطاب أ هـ.
حديث مفترى صاغه أبو هريرة من زخرف القول ـ بعد وفاة عمر بأعوام ـ فجاء مزوقاً منمقاً على ما تقتضيه سياسة الخاصة يومئذ مما تصفق له العامة طربا، فقد كان للخاصة من ساسة البغي الأموي مآرب ضد الوصي وآل النبي لا تتم على زعمهم إلا برفع أبى بكر وعمر إلى مستوى الأنبياء والمعصومين وكان غوغاء الأمة وسوادها مندفعين إلى ذلك كل الاندفاع بما فتح الله على المسلمين في أيام الخليفتين، فكان أبو هريرة يتزلف بهذا الحديث وأمثاله إلى كل من سائس الأمة ومسوسها، وبهذا نال الحظوة من الخاصة والمنزلة في نفوس العامة. ولو حدث بهذه الاحاديث على عهد عمر لأخذت درة الخليفة من ظهره مأخذها. لكن خلاله الجو على عهد معاوية فجاء بمرمات الاخبار.
وقد علم اولو الألباب أن من كان من الأمم الماضية مكلما أو محدثاً على سبيل الحقيقة او على سبيل المجاز فإنما هم المعصومون كانوا جميعاً بين نبي ووصي نبي فا لنبي تحدثه الملائكة وتكلمه على سبيل الحقيقة. والوصي يلهمه الله الحق فيتجلى له كفلق الصبح لا يختلج فيه ريب حتى كأن ملكاً حدثه به عن الله عز وجل ولا محدث ولا مكلم في الحقيقة وإنما هو ما يلقيه الله تعالى في روعه من الصواب.
ولا كلام في أن عمر قد توغل الدرجات الرفيعة في الإسلام. وبلغ الأقدار الخطيرة في هذه الامة، لكنه لم يكن بنبي ولا بوصي ولا بمعصوم اجماعاً وقولا واحداً؛ فلا تكلمه الملائكة على سبيل الحقيقة، ولا تحدثه على سبيل المجاز، وإنما تحدث من كان في هذه الأمة بمنزلة هارون أو كان في أقل المراتب كيوشع أو شمعون.
على ان بوادر عمر ـ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعده ـ لا تجتمع مع كونه محدثاً مطلقاً.
__________________
(1) في باب (مناقب عمر) في: 2/194 من صحيحه.
(2) قال السقطلاني في تفسير هذا الحديث من كتابه ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري: 7/349 ما هذا لفظه: يكلمون بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (قال): وليس قوله: فان يكن للترديد بل للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان، اذ المراد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء (قال) واذا ثبت ان هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه الأمة الفاضلة احرى أ هـ.
(3) في: 2/171 من صحيحه بعد حديث أقرع وابرص واعمى بمقدار صفحة من كتاب بدء الخلق وهو موجود في باب مناقب عمر من البخاري أيضاً، واخرجه النسائي في المناقب.
كيفية حديثه - 19 ـ الملائكة تكلم عمر
- الزيارات: 1838