• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السبب الثامن : بيان ما توصلنا إليه

أما الان فلنشرح ما نذهب إليه:
نحن نعلم بأن مكانة الخليفة كانت تستدعي امتلاكه قدرتين:
الاولى: العلم بالاحكام.
الثانية: قدرته السياسية لادارة الامور.
وهذا ما كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك، حيث كان من وظائفه (صلى الله عليه وآله وسلم)تبيين الاحكام، كما كان له إدارة أمور البلاد، وبفرق واحد: أن رسول الله كان مشرّعاً، أما الخليفة فيلزم عليه أن يكون محدِّثاً، وحيث لم يعرف أحاديث رسول الله، فقد واجه المشكلة مع الصحابة، إذ كانوا يخطئونه المرة تلو الاخرى(1) بأحاديث الرسول وآيات الذكر الحكيم.
وإن تكرار هذه ا لحالة كانت تؤدي إلى التشكيك في قدراته العلمية، ومنه التشكيك في صلاحيته للخلافة، وفي المقابل تقوية الجناح المقابل له برجوع الناس إليهم.
فكان عليه أن يحدّد التشريع بنفسه، فقام أولاً بسدّ باب التحديث عن رسول الله، وجمع الصحابة عنده(2) وأمرهم بأن يأتوه بمدوناتهم(3)  فأحرقها بالنار، ومعه شرّع الاجتهاد لنفسه وللصحابة، ثم جاء ليحدّد التشريع بنفسه والخلفاء من بعده، فقال للصحابة: أنا أعلم منكم آخذ منكم وأرد عليكم، وجاء عنه أنه خطب واعترض على الصحابة لاختلافهم وقوله لهم: من أي فتياكم يصدر المسلمون.
نعم إن الخليفة حدّد الفتيا لنفسه ثم لكل أمير من بعده.
فعن أبي موسى الاشعري أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فانك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك حتى يفتيه، فسألته، فقال عمر: قد علمت أن النبي قد فعله وأصحابه ولكنّي كرهت أن يظلوا معرّسين بهن في الاراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم(4) .
وقد أنكر عمر بن الخطاب على البعض لافتائه من عند نفسه بقوله: كيف تفتي الناس ولست أميراً ؟ وَلِيَ حارّها من وَلِيَ قارّها(5) .
إذن، الحديث كان هو السبب الاول للوقوف أمام الخليفة، والمحدثون كانوا هم ممن يزيدون في الطين بلة والاختلاف شدة ـ حسب نظر الخليفة ـ ولاجل هذا ترى الخليفة يصرح بجرمهم ـ حين أراد حبسهم عنده في المدينة ـ بأنهم أكثروا الحديث عن رسول الله أو أفشوا الحديث عن رسول الله، فاكثار الحديث وإفشائه يساوي التوعية عند الناس، والخليفة لا يريد أن يعرف الناس أحاديث رسول الله كي يقفوا بوجهه ويخطئوه فيما يقوله، لان ذلك سيؤثر على قوام خلافته، أما تناقل الاحاديث التي يعرفها الخليفة فلا خوف في تناقلها.
بلى، إن الناس كانوا يريدون الوقوف على سنة رسول الله لا سنة الشيخين، والخليفة لا يعرفها جميعاً، فبدا يواجه مشكلة جديدة ينبغي أن يضع لها الحل، لان المحدثين من الصحابة وبنقلهم الاحاديث عن رسول الله سيوقفون الناس على وهن رأي الخليفة وبُعده عن الشريعة، وهذا سيسبب التشكيك في خلافته.
ومن أجل هذا رأى أن لا محيص من أن يمنع من التحديث أولاً ثم يشرع الاجتهاد والرأي، كي يكون أصلاً ثالثاً في التشريع الاسلامي(6) ، وقد اتبع رأيه جمع من الصحابة، ولم يرتضه آخرون، فصار هناك اتجاهان:
أحدهما: يستوحي شريعته من النصوص (القرآن والسنة).
والاخر: يعطي لاجتهاد الشيخين الشرعية باعتقاد أنهما أعلم من غيرهما !
وهذا الانقسام أخذ يزداد شيئاً فشيئاً بمرور الايام، في حين لم نر له هذه الشدة في أوائل عهد الشيخين.
فلو صح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «اقتدوا بالذين من بعدي أبابكر وعمر»، فلمَ نراهم يعترضون على الخليفة ولا يرتضون الاخذ منه ؟! وهذا يوضح أنهما لم يكونا يعتقدان بهذا الاصل، بل يعرفان لزوم رجوعهما إلى القرآن والسنة لا غير، لانهما كثيراً ما سألا عن وجود آية أو حديث نبوي في الوقائع التي سئلوا عنها.
بلى، إن الخليفة كان يسأل الصحابة عما لا يعرفه ويتراجع حينما كان يذكّر بالصحيح عن رسول، لكنه بمرور الايام صار داعياً إلى اتباع رأيه وسيرته، فيجيب عن المسائل بمفرده دون أن يستشير أحداً من الصحابة، ويختلف النقل عنه في الواقعة الواحدة، فتراه يقول: تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا(7) .
وبذلك صار عند المسلمين نهجين:
1 ـ فقه النصوص.
2 ـ فقه الرجال.
أي: أنهم بعد أن دعوا إلى الاخذ بسيرة الشيخين جاء عثمان وأضاف سيرته إليهما، فرووا: حديث التفاضيل (ابوبكر، عمر، عثمان) وليس في ذلك اسم علي بن أبي طالب، ثم أدرجوا اسمه وعدوه من الخلفاء الراشدين، ورووا: عليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي(8) ، وقد رووا حديث العشرة المبشرة، ثم أصحابي كالنجوم، أي: أن فقه الرجال بدأ باثنين ثم ثلاثة ثم أربعة ثم عشرة ثم إلى جميع الصحابة، أي أنهم شرعوا التعدديه في حين نرى الله سبحانه يؤكد على الوحدوية بقوله: (إنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُبُلَ)(9) ، وإخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) بافتراق أمته إلى نيف وسبعين فرقه، فرقه ناجية والباقي في النار.
فشرعوا الاختلاف في الرأي ودعوا إلى حجيته، في حين أن الامام علي كان لا يرتضي ذلك ويذهب إلى وجود جميع الاحكام في الكتاب العزيز والسنة النبوية، فلا داعي للاخذ بالرأي منها، وصرح بعدم جواز الاخذ بقول الرجال والرأي، بقوله: «إعرف الحق تعرف أهله»(10) .
____________
1 ـ أنظر: منع تدوين الحديث: 114 ـ 125.
2 ـ أنظر: تذكرة الحفاظ 1/7، المستدرك على الصحيحين 1/110، مختصر تاريخ دمشق 17/101، حجية السنة: 395.
3 ـ الطبقات الكبرى لابن سعد 1/140، حجية السنة: 395.
4 ـ صحيح مسلم 2/896/157، مسند أحمد 1/50، سنن النسائي 5/153، السنن الكبرى 5/20، تيسير الوصول 1/340، سنن ابن ماجة 3/992.
5 ـ سنن الدارمي 1/61، الطبقات الكبرى لابن سعد 6/179 و258، المصنف للصنعاني 8/301 و11/328، جامع بيان العلم 2/175 و203 و194 و174، كنز العمال 1/185 و189.
6 ـ جاء في كنز العمال 2/333 ح4167: عن إبراهيم التيمي أنه قال: خلا عمر بن الخطاب ذات يوم فجعل يحدث نفسه، فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الامة وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة ؟ فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه وعلمنا فيما نزل، وأنه يكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن لا يعرفون فيم نزل، فيكون لكل قوم رأي، فاذا كان لكل قوم رأي اختلفوا، فاذا اختلفوا اقتتلوا، فزجره عمر (انتهره) وانصرف ابن عباس، ثم دعاه بعد، فعرف الذي قال ثم قال: أيها أعد.
وحكى القاضي نعمان المغربي في شرح الاخبار (1/90): أن سائلاً سأل الصادق فقال: يا ابن رسول الله من أين اختلفت هذه الامة فيما اختلفت فيه من القضايا والاحكام (من الحلال والحرام) ودينهم واحد ونبيهم واحد ؟ فقال (عليه السلام): هل علمت أنهم اختلفوا في ذلك أيام حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ فقال: لا، وكيف يختلفون وهم يردّون إليه ما جهلوه واختلفوا منه ؟ فقال: وكذلك، لو أقاموا فيه بعده من أمرهم بالاخذ عنه لم يختلفوا، ولكنهم أقاموا فيه من لم يعرف كل ما ورد عليه فردوه الى الصحابة يسألونهم عنه فاختلفوا في الجواب فكان سبب الاختلاف، ولو كان الجواب عن واحد والقصد في السؤال عن واحد كما كان ذلك لرسول الله لم يكن الاختلاف.
وجاء في تفسير العياشي 2/331:... فظن هؤلاء الذين يدّعون أنهم فقهاء علماء قد أثبتوا جميع الفقه والدين مما تحتاج إليه الامة ! ! وليس كل علم رسول الله علموه ولا صار اليهم من رسول الله ولا عرفوه، وذلك أن الشيء من الحلال والحرام والاحكام يرد عليهم فيسألون عنه ولا يكون عندهم فيه أثر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ويستحيون أن ينسبهم الناس إلى الجهل ويكرهون أن يسألوا فلا يجيبون فيطلب العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الاثار ودانوا بالبدع وقد قال رسول الله: كل بدعة ضلالة، فلو انهم إذا سئلوا عن الشيء من دين الله فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله ردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمد....
وجاء عن رسول الله قوله: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهّالاً فسئلو فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا.
(انظر: جامع المسانيد والسنن لابن كثير 26/309 و 331).
وجاء عن الامام علي مثل هذا (راجع: نهج البلاغة 1/95 الخطبة 49).
7 ـ السنن الكبرى 6/255.
8 ـ مسند أحمد 4/126.
9 ـ الانعام: 153.
10 ـ أمالي المفيد: 5 ح3، روضة الواعظين: 39، مجمع البيان 1/211.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page