• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثلاثة وثلاثة وثلاثة

عن عبد الرحمن بن عوف قال: إنه دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مهتما، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئا فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتراه؟ قال نعم: إني وليت أمركم خيركم في نفسي فكلكم ورم أنفه من ذلك يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولما تقبل وهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري كما يألم أحدكم أن ينام على حسك، والله لإن يقدم أحدكم فتضرب عنقه في غير حد خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا، وأنتم أول ضال بالناس غدا فتصدونهم عن الطريق يمينا وشمالا، يا هادي الطريق إنما هو الفجر أو البحر. فقلت له: خفض عليك رحمك الله، فإن هذا يهيضك في أمرك، إنما الناس في أمرك بين رجلين: إما رجل رأى ما رأيت فهو معك. وإما رجل خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا خيرا، ولم تزل صالحا مصلحا، وإنك لا تأسى على شيئ من الدنيا. قال أبو بكر رضي الله عنه: أجل أني لا آسي على شيئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن. وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن. وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن: فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد غلقوه على الحرب. ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمي وأني كنت قتلته سريحا، أو خليته نجيحا. ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - يريد عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا وأما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا كنت ضربت عنقه، فإنه تخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه. ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد. ووددت أني إذا وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت يدي كلتيهما في سبيل الله.
ومد يديه.
ووددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فإن في نفسي منهما شيئا.
أخرجه أبو عبيد في الأموال ص 131، والطبري في تاريخه 4 ص 52، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة 1 ص 18، والمسعودي في مروج الذهب 1: 414، وابن عبد ربه في السد الفريد 2: 254.
والإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات ربعة منهم من رجال الصحاح الست.
قال الأميني: إن في هذا الحديث أمورا تسعة، ثلاثة منها فات الخليفة فقهها يوم عمل بها، وقد بسطنا القول في إحراق الفجاءة منها.
وأما تمني قذف الأمر في عنق أحد الرجلين فإنه ينم عن أن الخليفة انكشف له في أخريات أيامه أن ما ناء به من الأمر لم يكن على القانون الشرعي في الخلافة والوصية، لأن المخلف والموصي يجب أن يكون هو المعين لمن ينهض بأمره من بعده، وهو الذي تنبه له الخليفة الثاني بعد ردح من الزمن فقال: كانت بيعة أبي بكر فلتة كفلتة الجاهلية وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه (1).
ولا أدري أن ما تنبها له هل هو قصور في المختار " بالفتح " أو فيه " بالكسر " أو فيهما معا؟ أو في كون الاختيار موجبا لتعيين الخليفة؟ وأيا ما أراد فلنا فيه المخرج.
وهؤلاء زمر الأنبياء والرسل لم يعدهم التنصيص بالخليفة من بعدهم، ولن انتخبت أممهم خلفاء لهم.
وهل هنا لك ذو حجى يزعم أن وصاية الفقيد المبيحة للتصرف فيما تركه من بعده موكولة إلى أناس أجانب لا يعرفون ما يرتأيه في شئونه، بعداء عن مغازيه وما يروقه في ماله وأهله، والفقيد عاقل رشيد يعرف الصالح من غيره، ويعلم بنوايا من يلتاث به، ومن يحدوه الجشع، وترقل به النهمة، ويستفزه الطمع، أفتراه والحالة هذه يترك الوصية؟ فيدع ما تركه اكلة للآكل؟ ومطمعا للناهب؟ لا.
لا يفعل ذلك وهو يريد خيرا بآله وصلاحا في ماله، وعلى ذلك جرت سنة المسلمين منذ عهد الصحابة إلى يومنا الحاضر، وأقرته الشريعة الإسلامية، وشرعت للوصايا أحكاما، وجاء في الصحيحين (2) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ما حق امرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده. كذا في لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم: يبيت ثلاث ليال، قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. قال النووي في رياض الصالحين 156: متفق عليه.

وصى الإله وأوصت رسله فلذا * كان التأسي بهم من أفضل العمل
لولا الوصية كان الخلق في عمه * وبالوصية دام الملك في الدول
فاعمل عليها ولا تهمل طريقتها * إن الوصية حكم الله في الأزل
ذكرت قوما بما أوصى الإله به * وليس إحداث أمر في الوصية لي (3)

فإذا كانت الوصية ثابتة في حطام زائل؟ فما بالها تنفى في خلافة راشدة، وشريعة خالدة، مكتفلة بصلاح النفوس والنواميس والأموال والأحكام والأخلاق والصالح العام والسلام والوئام؟ ومن المسلم قصور الفهم البشري العادي عن غايات تلكم الشئون فلا منتدح والحالة هذه عن أن يعين الرسول الأمين عن ربه خليفته من بعده ليقتص أثره في أمته.
وقد مر في صفحة 132 رأي عائشة وعبد الله بن عمر ومعاوية وحديث الناس بأن راعي إبل أو غنم أو قيم أرض لأي أحد لا يسعهم ترك رعيتهم هملا، ورعية الناس أشد من رعية الإبل والغنم فالأمة لماذا صفحت يوم السقيفة عن هذا الحكم المتسالم عليه بينها؟ ولماذا نبأت عنه الاسماع؟ وخرست الألسن؟ وذهلت الأحلام عنه يوم ذاك، ثم حدث به الناس ونبأته الأمة؟ ولماذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته سدى هملا؟ وفتح بذلك أبواب الفتن المضلة المدلهمة؟ واستحقر أمته ورأى رعيتها أهون من رعية الإبل والغنم؟ حاشا النبي الأعظم عن هذه الأوهام، فإنه صلى الله عليه وآله وصى واستخلف ونص على خليفته وبلغ أمته غير أنه عهد إلى وصيه من بعده: إن الأمة ستغدر به بعده كما ورد في الصحيح (4) وقال له أيضا: أما إنك ستلقى بعدي جهدا، قال (علي): في سلامة من ديني؟ قال: في سلامة من دينك (5) و قال لعلي: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلا من بعدي (6) وقال له: يا علي إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن.        " كنوز الدقائق للمناوي ص 188 ".
ثم إن الخليفة النادم لماذا تمنى التسلل عن الأمر يوم السقيفة؟ وقذفه في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر؟ أكان ندمه عن حق وقع؟ فالحق لا ندم فيه. و إن كان عن باطل سبق؟ فهو يهدم أساس الخلافة الراشدة.
ثم الذي وده من قذفه إلى عنق أحد الرجلين فإنا لا نعرف وجها لتخصيصهما بالقذف وفي الصحابة أعاظم وذو وفضائل لا يبلغ الرجلان شأو أي منهم، وهذان بالنظر إلى ما عرفناه من أحوال الصحابة إن لم نقل إنهما من ساقتهم، فإنا نقول بكل صراحة إنهما لم يكونا من الأعالي منهم وفيهم من فيهم، وقبل جميعهم سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام صاحب السوابق والمناقب والصهر والقرابة والغناء والعناء، وصاحب يوم الغدير، والأيام المشهودة، والمواقف المشهورة، نفس النبي الأعظم بنص من الكتاب العزيز (7) المطهر من كل رجس بآية التطهير (8).
فهلا ود أن يقذفه إليه؟ فيسير بالأمة سيرا سجحا، ويحملهم على المحجة البيضاء، ويأخذ بهم الطريق المستقيم، ويجدونه هاديا مهديا، يدخلهم الجنة. كما أخبر بهذه كلها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وقد مر شطر منها في الجزء الأول صفحه 12، 13 ط 2.
وأما كشف بيت فاطمة سلام الله عليها فإنه لا يروقنا ها هنا خدش العواطف بتلكم النوائب، غير أنه سبقت منا بعض القول في الجزء الثالث ص 102 - 104 ط 2 وفي هذا الجزء ص 77، 86.
وفذلكة ذلك النبأ العظيم أن الصديقة سلام الله عليها قضت وهي واجدة على من ارتكبه، وكانت صلوات الله عليها تدعو عليه بعد كل صلاة صلتها (9).
وإن تعجب فعجب أن القوم ارتكب ما ارتكب من تلكم الفظايع وارتبك فيها وملأ الاسماع هتاف النبي صلى الله عليه وآله بقوله: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي بضعة مني، هي قلبي وروحي التي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني. بقوله: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها.
وبقوله: فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني.
وبقوله: فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما يبسطها (10).
وبقوله: فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها (11).
وبقوله: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك (12).
وبهذا الهتاف تعلم أن ندم الخليفة كان في محله، غير أنه ندم ولات حين مندم، ندم وقد قضى الأمر ووقع ما وقع، ندم والصديقة الطاهرة مقبورة وملأ اهابها موجدة.
____________
(1) راجع الجزء الخامس ص 370 ط 2 وهذا الجزء ص 79.
(2) صحيح البخاري 4: 2 كتاب الوصية، وصحيح مسلم 2: 10.
(3) الجزء الأخير من الفتوحات المكية لابن العربي ص 575.
(4) مستدرك الحاكم 3: 140، 142، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، تاريخ الخطيب 1 ص 216، تاريخ ابن كثير 6: 219، كنز العمال 6: 157.
(5) مستدرك الحاكم 3: 140 وصححه هو وأقره الذهبي.
(6) أخرجه ابن عساكر، والمحب الطبري في الرياض 2: 210 نقلا عن أحمد في المناقب والحافظ الكنجي في الكفاية ص 142، والخوارزمي في المقتل 1: 36.
(7) بآية المباهلة في سورة آل عمران: 61.
(8) في سورة الأحزاب: 33.
(9) الإمامة والسياسة 1: 14، رسائل الجاحظ ص 301، أعلام النساء 3 ص 1215.
(10) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 20، وسنوقفك على تفصيلها في هذا الجزء إنشاء الله
(11) الأغاني 8: 156.
(12) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 180 ط 2، وسنفصل فيه القول إنشاء الله.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page