• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أحاديث الغلو أو قصص الخرافة

بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث الغلو أو قصص الخرافة
هذه أبحاث مجملة تمثل لنا نفسيات الخليفة، وملكاته الفاضلة، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم تزحفنا ولم يتأت بها القصوى، غير أن فيها بلغة في إيقاف الباحث على حد الخليفة، ومقياسا يعرف به القالي له من الغالي فيه، والمقتصد فيه من القاسط عليه، ويمتاز به سرف القول في امتداحه عن جزاف الامتداخ عليه، فيهمنا عندئذ ذكر نزر يسير مما سرده القوم من فضائله التي فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى على أي أحد ثم نشفعه بما جاء في غيره حتى يعرف أهل الغلو في الفضائل.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
أحاديث الغلو أو قصص الخرافة
هذه أبحاث مجملة تمثل لنا نفسيات الخليفة، وملكاته الفاضلة، نقتصر بها في هذه العجالة وإن لم تزحفنا ولم يتأت بها القصوى، غير أن فيها بلغة في إيقاف الباحث على حد الخليفة، ومقياسا يعرف به القالي له من الغالي فيه، والمقتصد فيه من القاسط عليه، ويمتاز به سرف القول في امتداحه عن جزاف الامتداخ عليه، فيهمنا عندئذ ذكر نزر يسير مما سرده القوم من فضائله التي فيها من الغلو الفاحش ما لا يخفى على أي أحد ثم نشفعه بما جاء في غيره حتى يعرف أهل الغلو في الفضائل.

 

 

1- الشمس على العجلة


ذكر الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في كتابه " عمدة التحقيق " في بشائر آل الصديق (1) نقلا عن كتاب " العقائق " والصفوري في " نزهة المجالس " 2 ص 184 نقلا عن " عيون المجالس " قالوا:
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها: إن الله تعالى لما خلق الشمس خلقها من لؤلؤة بيضاء بقدر الدنيا مائة وأربعين مرة وجعلها على عجلة، وخلق للعجلة ثمانمائة وستين عروة، وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر، وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي اختصهم الله بها، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تدور في القبة الخضراء، وتجلو جمالها على أهل الغبراء، وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لأنها مركز الأرض و تقول: يا ملائكة ربي إني لأستحي من الله عز وجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المؤمنين أن أجوز عليها، والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة بكل قوتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عنها، فالله تعالى يوحي إلى الملائكة وحي إلهام فينادون: أيها الشمس بحرمة الرجل الذي إسمه منقوش على وجهك المنير إلا رجعت إلى ما كنت فيه من السير فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! من هو الرجل الذي إسمه منقوش عليها؟ قال: هو أبو بكر الصديق يا عائشة! قبل أن يخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء، ويخلق على الهواء هذه السماء، ويخلق بحرا من الماء، ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا، وإن الشمس تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء، وإن الله تعالى قدر أن يخلق في آخر الزمان نبيا مفضلا على الأنبياء وهو بعلك يا عائشة! على رغم الأعداء، ونقش على وجه الشمس اسم وزيره أعني أبا بكر صديق المصطفى، فإذا أقسمت الملائكة عليها به زالت الشمس، وعادت إلى سيرها، بقدرة المولى، وكذلك إذا مر العاصي من أمتي على نار جهنم وأرادت النار على المؤمن أن تهجم، فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة، ولغيره طالبة.
قال الأميني: إن مما يغمرني في الحيرة أن هذه لعجلة، لم لم يكتشف عنها علماء الهيئة قديما وحديثا، مع توفر أدوات الكشف ومحصلاته لأهل الهيئة الجديدة خاصة؟ وأنهم لماذا استقرت آرائهم بعد تقدم العلم واستفحال أمره وكثرة اكتشافاته على دوران الأرض على الشمس؟
وتعلمنا الرواية عن أن البخار لم يكن مستخدما عند إنشاء تلك العجلة فيمدها الله سبحانه به حتى لا يشعر بإرادة مريد، ولا حياء من يستحي، فيمضي بالعجلة ويوصله في أسرع وقت إلى حيث شئ لها قدما، ولكن العجب أن الله سبحانه لم لم يستبدل بالبخار عن الملائكة بعد اكتشافه فيطلق صراح أولئك الآلاف المؤلفة المقيدة بسلاسل بلاء العجلة، ويعتقهم عن مكابدة تمرد الشمس في كل يوم؟
وهناك مسألة لا أدري من المجيب عنها وهي: إن إرادة الله سبحانه الفائقة على كل قوة جامحة وهي تمسك السماء بغير عمد ترونها، وتسير الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شئ، لم لم تقم مقام أولئك المسخرين لجر الشمس حتى لا يوقفها تمرد، ولا تحتاج إلى عرى وسلاسل، أو الأقسام بمن كتب اسمه عليها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه في تسيير الشمس إلى هذه الأدوات من العجلة والعرى والسلاسل، وخلق أولئك الجم الغفير من الملائكة واستخدامهم بالجر الثقيل، وهو الذي إذا أراد شيئا أن يكون يقول له: كن. فيكون؟
ثم إن الشمس هلا كانت تعلم أن إرادة الله سبحانه ماضية عليها بجريها إلى الغاية المقصودة؟ فما هذا التوقف والتمرد؟ والله تعالى أعلم بعظمة الكعبة وشرفها منها وقد جعلها في خطة سيرها. أني للشمس أن تجهل بها؟ وهي هي الشاعرة بخط الاستواء، ومحاذاة الكعبة ووصولها إلى تلك النقطة المقدسة، وهي العارفة بمقامات الصديق، وإن اسمه منقوش عليها، وإن من واجبها أن تنقاد لا تجمح على من أقسم به عليها.
ومن عويصات لا تنحل: تجديد الشمس تمردها كل يوم، والشمس تجري لمستقرء لها ذلك تقدير العزيز العليم (2) لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل وسابق النهار و كل في فلك يسبحون (3).
وأعوص من ذلك: إنشاد الملائكة إياها في كل نهار بتلك الأنشودة الضخمة و وحي الله إليهم بها طيلة عمر الدنيا، هكذا تشوه رواة السوء سمعة السنة الشريفة، وهي مقدسة عن هذه الأوهام الخرافية وأن هذه كلها من جراء الغلو الممقوت في الفضائل، ولو كان مختلق هذه المرسلة المقطوعة عن الاسناد يعلم ما ذكرناه من الفضايح المترتبة على افتعالها لما اقتحم هذا الاقتحام المزري.
____________
(1) ص 184 هامش روض الرياحين لليافعي المطبوع بمصر سنة 1315.
(2) سورة يس. آية 38.
(3) سورة يس آية 40.

 

2- التوسل بلحية أبي بكر


ذكر اليافعي في روض الرياحين (1) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: بينما نحن جلوس بالمسجد وإذا نحن برجل أعمى قد دخل علينا وسلم فرددنا عليه السلام وأجلسناه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يقضيني حاجة في حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما حاجتك يا شيخ؟ فقال: إن لي أهلا ولم يكن عندي ما نقتات به، وأريد من يدفع لنا شيئا نقتات به في حب رسول الله صلى الله عليه وآله. قال فنهض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال: نعم أنا أعطيك ما يقوم بك في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: هل من حاجة أخرى؟ فقال: نعم إن لي ابنة أريد من يتزوج بها في حياتي حبا في محمد صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: أنا أتزوج بها في حياتك حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من حاجة أخرى؟ فقال: نعم أريد أن أضع يدي في شيبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه حبا في محمد صلى الله عليه وسلم. فنهض أبو بكر رضي الله عنه ووضع لحيته في يد الأعمى وقال: أمسك لحيتي في حب محمد صلى عليه وسلم. قال: فقبض الأعمى بلحية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال: يا رب أسألك بحرمة شيبة أبي بكر إلا رددت علي بصري. قال: فرد الله عليه بصره لوقته، فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد! السلام يقرئك السلام، ويخصك بالتحية والاكرام، ويقول لك: وعزته وجلاله لو أقسم علي كل أعمى بحرمة شيبة أبي بكر الصديق لرددت عليه بصره، وما تركت على وجه الأرض أعمى، وهذا كله ببركتك وعلو قدرك وشأنك عند ربك.
قال الأميني: إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. حقا أن هذا الضرير قد عمي قلبه قبل بصره، فلم يعقل إن القسم بشيبة رسول الله صلى الله عليه وآله أولى من شيبة أبي بكر، فهي مقدمة قداسة وشرفا وزلفة عند الله سبحانه، وهو صلى الله عليه وآله أكبر من أبي بكر سنا وأكثر شيبة، فما أعمى الرجل عنها إن كان يريد مقسما به يبر الله سبحانه به قسمه؟ أو أنه له في شيبة أبي بكر غاية لم نعرفها؟ ثم أين عن هذه الشيبة عميان أهل السنة؟ وما أغفلهم عن الوحي المنزل فيها؟ فيقسمون على الله بها فيكشف عن أبصارهم، وما بال الحفاظ وأئمة الحديث أرجأوا نشر هذه الرواية إلى القرن الثامن عهد اليافعي؟ هل بخلوا على عميان الأمة بمثل هذا النجاح الباهر وفي الوحي المزعوم قوله سبحانه: وعزتي وجلالي لو أقسم علي كل أعمى. الخ؟ أو أنهم وجدوا مولد هذا الحديث بعد عصورهم فلم يشيدوا بذكره؟ أو رؤا فيه غلوا فاحشا بتقديم لحية أبي بكر على شيبة رسول الله صلى الله عليه وآله فطووا عن روايته كشحا؟ أو عقلوا فيه مهزأة بالله ووحيه وأمينه ونبيه فضربوا عنه صفحا؟
وللقوم حول شيبة أبي بكر روايات منها ما أسلفناه في الجزء الخامس ص 270 من أنه صلى الله عليه وآله كان إذا اشتاق إلى الجنة قبل شيبة أبي بكر. ومر هنالك أنها من أشهر المشهورات من الموضوعات، ومن المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل كما قاله الفيروز آبادي والعجلوني.
ومنها ما ذكره العجلوني في كشف الخفا 1 ص 233 من أن لإبراهيم الخليل وأبي بكر الصديق شيبة في الجنة.
ثم قال: في المقاصد نقلا عن شيخه ابن حجر: لم يصح أن للخليل في الجنة لحية ولا للصديق، ولا أعرف ذلك في شيئ من كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة. ثم قال: وعلى تقدير ثبوت وروده فيظهر لي أن الحكمة في ذلك: أما في حق الخليل فلكونه منزلا منزلة الوالد للمسلمين لأنه الذي سماهم بالمسلمين و أمروا باتباع ملته، وأما في حق الصديق فلأنه كالوالد الثاني للمسلمين، إذ هو الفاتح لهم باب الدخول على الاسلام.
قال الأميني: إن الذي سمى الأمة المرحومة بالمسلمين هو الله سبحانه كما في قوله تعالى: جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم. هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا. (الحج 78).
وإن أمكنت التسمية من إبراهيم من قبل فإنها غير ممكنة منه في هذا وهو القرآن الكريم، وإنما وقع ذكر ملة إبراهيم في البين امتنانا منه سبحانه على الأمة بجعل الاسلام شريعة سهلة لا حرج فيها ترغيبا في الدخول فيه. فالقول بأن إبراهيم سماهم مسلمين لا يتم مع قوله تعالى: " وفي هذا " يعني في القرآن. قال القرطبي: هذا القول مخالف لقول عظماء الأمة. وقال القرطبي: هذا لا وجه له لأنه من المعلوم أن إبراهيم لم يسم هذه الأمة. في القرآن المسلمين.
وقال ابن عباس: الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر. وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدي ومقاتل وقتادة وابن مبارك.
وتدل على تعين هذا القول قرائة أبي بن كعب: الله سماكم المسلمين. كما في تفسير البيضاوي 2 ص 112، وكشاف الزمخشري 2 ص 286، وتفسير الرازي 6 ص 210، وتفسير ابن الجزي الكلبي 3 ص 47.
واستقربه الرازي في تفسيره فقال: لأنه تعالى قال: ليكون الرسول شهيدا عليكم ويكونوا شهداء على الناس. فبين أنه سماهم بذلك لهذا الغرض وهذا لا يليق إلا بالله.
واستصوبه ابن كثير في تفسيره 3 ص 236 وقال: لأنه تعالى قال: هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج. ثم حثهم وأغراهم على ما جاء به الرسول صلوات الله عليه بأنه ملة أبيهم الخليل، ثم ذكر منته تعالى على هذه الأمة بما نوه به من ذكرها والثناء عليه في سالف الدهر وقديم الزمان في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان فقال: هو سماكم المسلمين من قبل. أي من قبل هذا القرآن. وفي هذا.
وبهذا تعرف قيمة ما حسبه المتفلسف من أن تنزيل إبراهيم منزلة الأب للمسلمين لمحض التسمية فإنه مما لا يقام له وزن وإلا لوجب اتخاذ من سمى أحدا باسم أبا تنزيليا ومن المعلوم بطلانه، وإنما سماه الله أبا للمسلمين لأنه عليه السلام أب الرسول الأمين وإن قريشا من ذريته وهو صلى الله عليه وآله أبو الأمة وأمته في حكم أولاده وأزواجه أمهاتهم كما ورد عنه صلى الله عليه وآله من قوله: إنما أنا لكم كالوالد. أو: مثل الوالد (2).
أنا لا أدري ما هي الخاصة في الأب التنزيلي لأمة خاصة أن تكون له لحية في الجنة دون الأب الحقيقي للأمم جمعاء، وهو أبو البشر آدم عليه السلام، ولا لحية له؟
مع ما ورد عن كعب الأحبار أنه قال: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم، له لحية سوداء إلى سرته. ذكره ابن كثير في تاريخه 1: 97.
وإن كانت الحكمة في لحية إبراهيم الخليل وأبي بكر ما زعمه العجلوني من الأبوة فما الحكمة في لحية موسى بن عمران؟ وقد جاء في الحديث ليس أحد يدخل الجنة إلا جرد مرد إلا موسى بن عمران فإن لحيته إلى سرته (السيرة الحلبية 1: 425)
ثم إن للأمة المسلمة أبا تنزيليا روحيا هو أحق بالأبوة من الخليل عليه السلام وهو نبيها الأقدس محمد صلى الله عليه وآله كما مر حديثه، وبها حياتها الحقيقية، وهو الذي يدعوهم لما يحييهم، ومنه كيانها المستقر، وعز ها الخالد، فهو أولى باللحية من أبيه الخليل وصاحبه أبي بكر.
والعجب كل العجب في عد أبي بكر أبا ثانيا للأمة لأنه فتح لها باب الدخول إلى الاسلام، وإن الذي فتح باب الاسلام بمصراعيه لدخول الأمم فيه، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدعوته الكريمة، وبراهينه الصادقة، ومعاجزه المعلومة، ونواميسه المقدسة، وخلايقه الرضية، ومغازيه الدامية. فهو أولى بأن تكون له لحية في الجنة.
على أن الأمة قط لم تعرف بابا فتحه الخليفة لها إلى الاسلام، ولم يدر أي أحد أنه متى فتحه، وأين فتحه، ولماذا فتحه، وأي باب هو نعم. لا تخفى على الأمة جمعاء أنه غلق بابا عليها وحرمها من خير أهله وعلمه ورشده وهداه، ألا: وهو باب مدينة علم النبي مولانا أمير المؤمنين بالنص المتواتر، وهو الباب الذي منه يؤتى إلى الله، و إليه يتوجه الأولياء، فلولا انتزاع الأمر منه لانتشرت علومه، وزهرت معالمه، وتبلغت حكمه، وعمل بأحكامه، فأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرجلهم، منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون، لكنه عليه السلام منع عن حقه فجهلت العباد، وأجدبت البلاد، وصوحت المرابع، وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وإلى الله المشتكى.
وإن أراد القائل من فتح الباب بدئة الفتوح في أيام الخليفة؟ فالخليفة الثاني على ذلك أجدر باللحية منه، لأن عمدة الفتوح وقعت في أيامه.
نعم: إن يكن هناك من يحق أن يعد للأمة أبا ثانيا تنزيلا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الذي به كان تمام الدعوة؟ والنجاح في المغازي، وهو نفس النبي القدسية وخليفته المنصوص عليه، ولذلك جاء من طريق أنس بن مالك عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: حق علي على هذه الأمة كحق الوالد على الولد، ومن طريق عمار و أبي أيوب الأنصاري قوله: حق علي على كل مسلم حق الوالد على ولده (3).
_________________________
(1) طبع بمصر في المطبعة السعيدية هامش العرائس للثعلبي توجد الرواية في ص 443 ينقل عنه القسطلاني في المواهب، وقال الزرقاني في شرح المواهب 3 ص 157 مؤلف حسن، و طبع لليافعي كتاب آخر مستقلا في مصر سنة 2315 باسم روض الرياحين أيضا، وهو تأليفه الآخر غير المطبوع في حاشية العرائس.
(2) تفسير الخازن 3 ص 314، تفسير النسفي هامش الخازن 3 ص 314.
(3) الرياض النضرة 2 ص 172 نقلا عن الحاكمي، كنوز الدقائق ص 64 نقلا عن الديلمي، مناقب الخوارزمي ص 244، 254، فرائد السمطين لشيخ الاسلام الحمويى، نزهة المجالس 2 ص 212.

 

3- شهادة أبي بكر وجبرئيل


ذكر النسفي أن رجلا مات بالمدينة فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه فنزل جبريل وقال: يا محمد لا تصل عليه. فامتنع فجاء أبو بكر فقال: يا نبي الله صل عليه فما علمت منه إلا خيرا. فنزل جبريل وقال: يا محمد صل عليه، فإن شهادة أبي بكر مقدمة على شهادتي، مصباح الظلام للجرداني 2 ص 25، نزهة المجالس 2 ص 184.
قال الأميني: هلم معي نناقش راوي هذه السفسطة الحساب بعد أن لم نقف لها على إسناد نناقش رجاله، ونسائله عن أن ما أداه جبريل من الشهادة أكان من عند نفسه؟ ولم يكن لأمين الله على وحيه أن يأتي رسوله بشئ من قبل نفسه فحابا أبا بكر بتقديم شهادته أم كان وحيا من المولى سبحانه؟ - وهو المطرد في كل هبوط له إلى الرسول الأمين - فأبطل ذلك الوحي المبين مجازفة لمحض أن أبا بكر شهد بضد ما جاء به؟ وأيا ما كان فإن إخباره كان لا محالة عن عدم تأهل الرجل في الواقع للصلاة عليه في صورة نهي مفيد للتحريم، ومؤداه أن الله سبحانه يبغض أن ترفع إليه صلاة على مثله من نبيه والمحبوب، فهل يكون قول أبي بكر بتأهله المستنبط من ظاهر الحال الذي يخطأ ويصيب، ولا شك أنه مخطأ في هذه المورد بالخصوص لنزول الوحي بخلافه، فهل يكون قول هذا شأنه مبطلا للوحي المبين؟ تبصر واحكم.

 

4- خاتم النبي وسجله


روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خاتمه إلى أبي بكر وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، فدفعه أبو بكر إلى النقاش وقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. فكتب عليه. فلما جاء به أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجد عليه لا إله إلا الله محمد، رسول الله، أبو بكر الصديق. فقال: ما هذه الزيادة يا أبا بكر؟ فقال: ما رضيت أن أفرق اسمك عن اسم الله، وأما الباقي فما قلته فنزل جبريل وقال: إن الله سبحانه وتعالى يقول: إني كتبت اسم أبي بكر لأنه ما رضي أن يفرق اسمك عن اسمي، فأنا ما رضيت أن أفرق إسمه عن اسمك. نزهة المجالس للصفوري 2 ص 185 نقله عن تفسير الرازي، مصباح الظلام للجرداني ص 25.
قال الأميني: المتسام عليه بين المحدثين أن نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله كان " محمد رسول الله " بلا أي زيادة ففي الصحاح عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم صنع خاتما من ورق ونقش فيه: محمد رسول الله. وقال: فلا ينقش أحد على نقشه.
صحيح البخاري 8: 309، صحيح مسلم 2: 214، 215، صحيح الترمذي 1: 324.
سنن ابن ماجة 2: 384، 385، سنن النسائي 8: 173.
وفي رواية البخاري والترمذي عن أنس قال: كان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد، سطر.
ورسول، سطر. والله سطر. " صحيح البخاري 8: 309، صحيح الترمذي 1: 325 ".
وروى ابن سعد في طبقاته من مرسل ابن سيرين أن نقشه كان: بسم الله محمد رسول الله. وقال ابن حجر: ولم يتابع على هذه الزيادة. ذكره عنه الزرقاني في شرح المواهب 5: 39.
وأخرج أبو الشيخ في الأخلاق النبوية من رواية عرعرة بن البرند عن أنس قال: كان مكتوبا على فص خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله. محمد رسول الله.
قال ابن حجر في فتح الباري 10: 270: عرعرة ضعفه ابن المديني وزيادته هذه شاذة. وقال الزرقاني في شرح المواهب 5: 39: كان نقش الخاتم النبوي كما في الصحيحين وغيرهما. محمد رسول الله. فلا عبرة بهذه الرواية كرواية أنه كان فيه كلمتا الشهادة معا، ورواية ابن سعد عن أبي العالية أن نقشه: صدق الله. ثم ألحق الخلفاء: محمد رسول الله.
فما قيمة ما جاء به من النقش صواغ القرون المتأخرة، وصاغته يد الإفك والغلو بعد لأي من وفاة النبي الأعظم وانقطاع الوحي عنه، ولا يوجد في تآليف الأولين منه عين ولا أثر؟ وأنت ترى السلف حاكمين في حديث زيادة كلمة الاخلاص والبسملة بالشذوذ وأنه لا عبرة به ولا يتابع عليه، ولا يبحث أي متضلع في الفن عن هذه الزيادة المختلفة التي لا صلة لها بالموضوع، وليست هي إلا استهزاء بالله ونبيه ووحيه.
وأمين وحيه.
ثم قد صح عند القوم أن ذلك الخاتم المنقوش الخاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " وكان يتختم به ويختم صلى الله عليه وآله ولم يكن له خاتم غيره ولم يحتمل التعدد قط. أحد في رفع اختلاف أحاديث النقش " كان عند أبي بكر في يمينه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وبعده في يد عمر، و بعده عند عثمان في يمينه وسقط سنة ثلاثين من يده أو: من يد غيره. في بئر أريس (1) واتخذ له خاتما آخر (2) وفي رواية ابن سعد عن الأنصاري كما في فتح الباري 10: 270 وسنن النسائي 8: 179: إنه كان في يد عثمان ست سنين من عمله. فلو كانت تلكم الأسطورة صحيحة وكان إسم الخليفة منقوشا في خاتم كان يلبسه النبي الأقدس طيلة حياته وتنظر إليه الصحابة من كثب وترى بريقه في خنصره كما في صحيح البخاري 8: 308، 309 كان حقا على الخليفة والخاتم بيده أن يحتج بها يوم تسنم عرش الخلافة، وكان هناك حوار وصخب، لكنه لم يحتج لأن ذلك الخاتم ما كان مصوغا بعد ولا منقوشا، ولم يعط من المغيب أنه يستنحت له ذلك بعد قرون متطاولة.
وكان حقا على الصحابة الملتاثين به أن يحتجوا بذلك النقش المصنوع في عالم الملكوت، فإن الاحتجاج به أولى من الاحتجاج بكبر السن وأمثاله، لكنهم تركوا الحجاج لأن هذا المولود لم يكن يولد بعد، وإنما ولدته أم الغلو في الفضائل في آخر الدهر.
ولا يتأتى لأحد عرفان سر ما جاء به جبريل الخيالي من القرآن بين اسم النبي الأعظم وبين اسم أبي بكر في ذلك النقش المصوغ في عالم الغيب، أكان أبو بكر نفس النبي الأعظم بنص القرآن الكريم؟ أم كان قرينه في العصمة والقداسة في الذكر الحكيم؟
أم نزلت فيه آية التبليغ مع ذلك الارهاب؟ أم أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة كما بدء بالنبي الطاهر؟ أم كان رديف النبي الأقدس في الاسلام والدعوة إلى الله من أول يومه؟ أم كان وصيه وخليفته المنصوص عليه من بدء الدعوة؟ أم قرنت طاعته بطاعته ومعصيته بمعصيته كما في صحاح جاءت عنه صلى الله عليه وآله؟ أم كان نظيره في أمته بنص منه صلى الله عليه وآله؟ أم؟ أم؟ إلى مائة أم. لماذا ذلك القران؟ أنا لا أدري، ومختلق الرواية أيضا لا يدري.
____________
(1) هي ميلين من المدينة وهي من أقل الآبار ماء.
(2) صحيح البخاري 8: 306، صحيح مسلم 2: 214، سنن النسائي 8: 179، تاريخ الطبري 5: 65، تاريخ ابن كثير 8: 155، تاريخ الخميس 2: 223، 269 تاريخ أبي الفدا ج 1: 168.

 

5- عرض جنة أبي بكر


قال الصفوري في نزهة المجالس 2 ص 183: رأيت في الحديث أن الملائكة اجتمعت تحت شجرة طوبى فقال ملك: وددت أن الله تعالى أعطاني قوة ألف ملك، وكساني ريش ألف طير، فأطير حول الجنة حتى أبلغ طرفها، فأعطاه الله ذلك فطار ألف سنة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار ألف سنة ثانية حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، ثم أعطاه الله تعالى قوة وأجنحة فطار ألف سنة ثالثة حتى ذهبت قوته وتساقط ريشه، فوقع على باب قصر باكيا فأشرفت عليه حوراء فقالت: أيها الملك مالي أراك باكيا وليست هذه بدار بكاء وحزن، وإنما هي دار فرح وسرور؟ فقال: لأني عارضت الله في قدرته. ثم أعلمها بحديثه، فقالت له: لقد خاطرت بنفسك أتدري كم طرت في هذه الثلاثة آلاف سنة؟ قال: لا. قالت: وعزة ربي ما طرت أكثر من جزء واحد من عشرة آلاف جزء مما أعده الله تعالى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه. وذكره الجرداني في مصباح الظلام 2 ص 25.
قال الأميني: فمجموع ما أعده الله تعالى لأبي بكر في الجنة هو مسير ثلاثين ألف ألف سنة لطائر يطير بقوة ألف. ملك وريش ألف طير، جلت قدرة الباري.
أنا أكل حساب هذه الرواية إلى الشباب النابه العصري المتخرج من المدارس العالية في أرجاء العالم. كما أرى النظرة في رجال سندها من وظائف رجال الغيب إذ من المستحيل أن يقف عليه متتبع، ويعرفه حافظ ضليع، أو محدث بعيد الطنء، أو رجالي واسع الخطوة من رجال عالم الشهود.

 

6- الله يستحيي من أبي بكر


عن أنس بن مالك قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن النخلة التي في داري وقعت، وزوجي في السفر. فقال: يجب عليك الصبر فلن تجتمعي به أبدا. فخرجت المرأة باكية فرأت أبا بكر، فأخبرته بمنامها ولم تذكر له قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذهبي فإنك تجتمعين به في هذه الليلة. فدخلت إلى منزلها وهي متفكرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر، فلما كان الليل وإذا بزوجها قد أتى، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بزوجها، فنظر إليها طويلا فجاءه جبرئيل وقال: يا محمد! الذي قلته هو الحق، ولكن لما قال الصديق إنك تجتمعين به في هذه الليلة استحيا الله منه أن يجري على لسانه الكذب، لأنه صديق فأحياه كرامة له.
نزهة المجالس 2 ص 184

قال الأميني: ليتنا كنا نقف على رجال هذا الخيال النبهاء الذين أرادوا كسح معرة الكذب عن ساحة الصديق فجروها إلى الساحة النبوية، فكأن الله لم يبال بأن يجري الكذب على لسان نبيه الصادق المصدق، حيث أنه لم يخبر عن موت الرجل وإنما أخبر امرأته بأنها لن تجتمع به أبدا بكلمة لن المفيدة لتأييد النفي المؤكد بقوله أبدا فظهر خلافه، لكنه استحى من أبي بكر بعد أن رجم بالغيب إفكا ظاهرا فأراد أن يرحض عنه ذلك بإحياء الرجل وعدم إماتته كرامة له، وهل يرحضه ذلك بعد أن وقع الكذب؟ أنا لا أدري.
وهل كانت كرامة أبي بكر على الله أعظم من كرامة رسوله عليه؟ حيث لم يرض بظهور الكذب عليه ورضيه على مصطفاه، ولم يكن في انتشاره عنه كسر للاسلام لكن انتشاره عن النبي صلى الله عليه وآله فت في عضد الدين.
ثم اعجب من تعليل الرواية بأن أبا بكر كان صديقا. أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الصديقين أجمع؟ وهب أن وحي هذه المزعمة خفف عن ساحة النبوة شيئا يمكن أن يفوه به من اختلقها بأن الأمر كان كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن أحيى الله الرجل للغاية التي ذكرها فلا كذب صلى الله عليه وآله وسلم لكن يدفعه ما قدمناه من أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخبر عن موت الرجل وإنما أخبر عن أنها لن تجتمع به أبدا وقد وقع خلاف ما أنبأ به. نعم: لعل ما مر من رأي الخليفة من جواز تقديم المفضول على الفاضل، أو الغلو في الفضائل، يرخصان بكل ما ذكر.

 

7- كرامة دفن أبي بكر


أخرج ابن عساكر في تاريخه قال: روي أن أبا بكر رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال لمن حضره: إذا أنا مت وفرغتم من جهازي فاحملوني حتى تقفوا بباب البيت الذي فيه قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقفوا بالباب وقولوا: السلام عليك يا رسول الله! هذا أبو بكر يستأذن. فإن أذن لكم بأن فتح الباب وكان الباب مغلقا بقفل فادخلوني وادفنوني، وإن لم يفتح الباب فأخرجوني إلى البقيع وادفنوني به، فلما وقفوا على الباب وقالوا ما ذكر سقط القفل وانفتح الباب وإذا بهاتف يهتف من القبر: ادخلوا الحبيب إلى الحبيب فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
وذكره الرازي في تفسيره 5 ص 378، والحلبي في السيرة النبوية 3 ص 394، والديار بكري في تاريخ الخميس 2: 264، والقرماني في أخبار الدول هامش الكامل 1 ص 200، والصفوري في نزهة المجالس 2 ص 198.
قال الأميني: أراد رواة هذه الرواية تصحيح عمل القوم في دفن الخليفة في موطن القداسة [ حجرة النبي صلى الله عليه وآله ] بعد أن أعيتهم المشكلة وعجزوا عن الجواب، فإن الحجرة الشريفة إما أن تكون باقية على ملكه صلى الله عليه وآله كما هو الحق المبين. أو أنها عادت صدقة يؤل أمرها إلى المسلمين أجمع؟ وعلى الأول كان يشترط فيه رضاء أولاد وارثته الوحيدة السبطين الإمامين وأخواتهما ولم يستأذن منهم أحد. وعلى الثاني كان يجب على الخليفة أو على من تولى الأمر بعده أن يستأذن الجامعة الإسلامية ولم يكن من أي منهما شئ من ذلك، فبقي الدفن هنالك خارجا عن ناموس الشريعة. وإن قيل:
إنه دفن بحق ابنته؟ فأي حق لها بعد ما جاء به أبوها من قوله: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة؟ على أنا أسلفنا في الجزء السادس ص 190 ط 2: إنه لم يكن لأمهات المؤمنين إلا السكنى في حجرهن كالمعتدة ولم يكن لهن ترتيب آثار الملك على شئ منها. وقدمنا هنالك أيضا أن على فرض الميراث وعلى تقدير الإرث من العقار فإن لعائشة تسع الثمن من حجرتها لأنه صلى الله عليه وآله توفي عن تسع، ومساحة المحل لا يسع تسع ثمنها جثمان إنسان مهما كبرت الحجرة. على أن حقها كان مشاعا وليس لها التصرف فيه بغير إذن شريكاتها في الميراث.
أراد القوم التفصي عن هذه المشكلات فكونوا ما يستتبع مشكلة بعد مشكلة و هي: إن الخليفة هل قال ما قاله بعهد من النبي صلى الله عليه وآله أو إنه أحاط علما بالمغيب؟ أما الثاني فلا أحسب أحدا يدعي له ذلك بعد ما أحطنا خبرا بكل ما قيل في فضائله، وبعد ما أوقفناك على مبلغ علمه في المشهودات، فأين هو عن الغيوب؟
وأما الأول فلو كان ذلك لما كان لترديده بين الدفن في الحجرة إن فتح الباب وسقط القفل، وبين الذهاب به إلى البقيع إن لم يكن ذلك، فإن ما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله لا بد أن يكون، فلا ترديد فيه.
نعم: من المحتمل أنه صلى الله عليه وآله لم يعهد ذلك لنفس أبي بكر وإنما رواه عنه من لا يثق به الخليفة ولذلك نوه بما قال بالترديد، أو أن الرواية لا صحة لها، ولذلك لا تنتشر في الصحاح والمسانيد إلى عهد الحافظ ابن عساكر، وهي على فرض صحتها مكرمة عظمي وقعت بمشهد الصحابة ومزدحم المهاجرين والأنصار يوم شيعوه إلى مقره الأخير، وكان يجب والحالة هذه أن يتواصل الهتاف بها، وبذلك الهتاف المسموع من القبر الشريف منذ ذلك العهد إلى منصرم الدهر، ولم يكن يوم ذاك في الأبصار غشاوة، ولا في الآذان وقر، ولا في الألسنة بكم، لكنه ويا للأسف لم ينبس أحد عنها ببنت شفة، وما ذلك إلا لأن المكرمة لم تقع، والقفل ما سقط، والباب ما انفتح، والهتاف لم يكن، وادخلوا الحبيب إلى الحبيب، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق مهزأة نشأت من الغلو في الفضائل تنبأ عن روح التصوف في مختلق الرواية. نعم:
ما كل من زار الحمى سمع الندا * من أهله أهلا بذاك الزائر
م - هذه الكرامة المنحوتة المنحولة ذكرها الرازي ومن بعده مرسلين إياها إرسال المسلم، محتجين بها عداد فضائل أبي بكر، غير مكترثين لما في إسنادها من العلل أو جاهلين بها، وإنما أخرجها ابن عساكر من طريق أبي طاهر موسى بن محمد بن عطاء المقدسي عن عبد الجليل المدني عن حبة العرني فقال: هذا منكر، وأبو الطاهر كذاب، وعبد الجليل مجهول، وفي لسان الميزان 3: 391: خبر باطل. ا ه‍
وأبو الطاهر المقدسي كذبه أبو زرعة وأبو حاتم. وقال النسائي ليس بثقة و قال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث. وقال ابن عدي: كان يسرق الحديث. وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطيل والموضوعات، منكر الحديث وقال منصور بن إسماعيل: كان يضع الحديث على مالك. راجع المصادر المذكورة ج 5 ص 231 ط 2 ]

 

8- جبريل يسجد مهابة من أبي بكر


حدث عالم الأمة الشيخ يوسف الفيشي المالكي قال: كان جبريل إذا قدم أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحادثه يقوم إجلالا للصديق دون غيره، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال جبريل: أبو بكر له علي مشيخة في الأزل، وما ذاك إلا إن الله تعالى لما أمر الملائكة بالسجود لآدم حدثتني نفسي بما طرد به إبليس فحين قال الله تعالى: اسجدوا. رأيت قبة عظيمة عليها مكتوب أبو بكر أبو بكر. مرارا وهو يقول. اسجد. فسجدت من هيبة أبي بكر فكان ما كان.
ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق هامش روض الرياحين ص 111 فقال:
وحدثني أيضا شيخنا الأستاذ محمد زين العابدين البكري بما يقارب ما قاله الفيشي و سمعتها من غالب مشايخنا بالأزهر.
قال الأميني: عجبا لهؤلاء القوم لم يسلم منهم حتى أمين الله على وحيه - جبرائيل - المعصوم من الزلل من أول يومه فجعلوه في عداد إبليس اللعين الطريد لو لا أن أبا بكر تدارك أمره.
عجبا لهذا الملك المزعوم يأتمنه المولى سبحانه ثم يرتاب في أمره، ولا يصلح ذلك الشنار القول بأنه إنما أئتمنه بعد زلته تلك، فإنه سبحانه لا يأتمن من يمكن في حديث نفسه الكفر، فلعل تلك الخاطرة دبت فيه ولم يحصل من يسدده فتعود هاجسته كفرا صريحا.
عجبا لهذا الملك المقرب تروعه هيبة أبي بكر ولا تأخذه هيبة الإله العظيم فيطيع أبا بكر وهو يهم أن يطيع الله في أمره بالسجدة، وأي سجدة هذه وما قيمتها من مثل جبرئيل وقد وقعت من هيبة أبي بكر لا بصفة القربان إلى المولى سبحانه والزلفى لديه والامتثال لأمره فكأن هيبة أبي بكر في الملأ الأعلى أعظم وأفخم من هيبة بارئه جلت عظمته.
ثم أين كانت قبة أبي بكر من مستوى عالم الملكوت؟ ومن الاحرى أن تضرب هنالك قبة نبي العظمة حتى يسدد فيها من شارف الزلة لا قبة إنسان من الممكن أن تكتنفه المئاثم، وتموت بضعة المصطفى وهي واجدة عليه.
ومن أين علم أبو بكر بهاجسة جبرئيل وحديث نفسه؟ أو هل كان يعلم الغيب؟
أو أوحي إليه بواسطة غير أمين الوحي؟ لك الحكم في هذه كلها أيها القارئ الكريم.
ثم العجب من مشايخ الأزهر الذين أخبتوا إلى هذه الخزاية فأثبتوها في الكتب ولهجوا بها في الأندية، وخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى فنشروها في الملأ العلمي وشوهوا بها صفحة التاريخ وسمعة الاسلام المقدس، نعم:
أرادوا نحت فضيلة للخليفة فأعماهم الغلو في الفضائل فنحتوها رذيلة لجبرئيل الأمين، كل ذلك لأنهم افتعلوها من غير بصيرة في الدين، أو روية شاعرة في المبادئ الإسلامية.
وأحسب أن من اختلق هذه الرواية أراد إثباتها تجاه ما يروى لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام من تسديده لجبرئيل يوم خاطبه الله سبحانه: من أنا ومن أنت؟ فتروى قليلا وقد أخذته هيبة الجليل سبحانه حتى أدركته نورانية مولانا الإمام عليه السلام، فعلمه أن يقول: أنت الجليل وأنا عبدك جبرئيل. وقد نظم ذلك الشاعر المبدع الشيخ صالح التميمي من قصيدة له في مدح مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وخمسها الشاعر المفلق عبد الباقي أفندي العمري كما في ديوانه ص 126 وفي ديوان صاحب الأصل ص 4 قالا:

روضة أنت للعقول ودوح * يجتنى من طوباك رشد ونصح
ومتى هب من عبيرك نفح * شمل الروح من نسيمك روح
حين من ربه أتاه النداء
طالما للأملاك كنت دليلا * ولناموسهم هديت سبيلا
يوم نادى رب السما جبرئيلا * قائلا: من أنا فروى قليلا
وهو لولاك فاته الاهتداء (1).

لك شكل نتيجة للقضايا * لك قلب للعالمين مرايا
لك فعل حوى رفيع المزايا * لك إسم رآه خير البرايا
مذ تدلى وضمه الاسراء

وليست هذه كقصة أبي بكر، فليس فيها أن جبريل نوى ما نواه إبليس من المروق عن أمره سبحانه، ولا فيها أن أمير المؤمنين أنبأ عن مغيب، ولا أن هيبته غلبت هيبة الله العظيم ولا أن جبريل سجد من هيبته، ولا أن له هنا لك قبة عظيمة مكتوب عليها: علي علي، ولا أنه هتف مخاطبا: لجبرئيل بقوله: اسجد. و روعه بذلك ليست فيها هذه كلها لأن الشيعة في المنتأى عن الغلو في الفضائل.
____________
(1) يعني الاهتداء إلى ذلك الجواب الحسن الجميل.

 

9- قصة فيها كرامة لأبي بكر


أخبر أبو العباس ابن عبد الواحد عن الشيخ الصالح عمر بن الزغبي قال: كنت مجاورا بالمدينة المشرفة على مشرفها أفضل الصلاة والسلام فخرجت يوم عاشوراء الذي تجتمع فيه الإمامية في قبة العباس وقد اجتمعوا في القبة قال: فوقفت أنا على باب القبة وقلت: أريد في محبة أبي بكر شيئا. فخرج إلي شيخ منهم وقال: اجلس حتى نفرغ ونعطيك، فجلست حتى فرغوا ثم خرج ذلك الرجل وأخذ بيدي ومضى بي إلى داره وأدخلني الدار وأغلق ورائي الباب وسلط علي عبدين فكتفاني وأوجعاني ضربا، ثم أمرهما بقطع لساني فقطعاه، ثم أمرهما فحلا كتافي وقال: اخرج إلى الذي طلبت في محبته ليرد إليك لسانك. قال: فخرجت من عنده إلى الحجرة الشريفة النبوية وأنا أبكي من شدة الوجع والألم فقلت في نفسي: يا رسول الله! قد تعلم ما أصابني في محبة أبي بكر فإن كان صاحبك حقا؟ فأحب أن يرجع إلي لساني وبت في الحجرة قلقا من شدة الألم فأخذتني سنة من النوم فنمت فرأيت في منامي أن لساني قد عاد إلى حاله كما كان فاستيقظت فوجدته في في صحيحا كما كان وأنا أتكلم فقلت: الحمد لله الذي رد علي لساني وازددت محبة في أبي بكر رضي الله عنه، فلما كان العام الثاني في يوم عاشوراء اجتمعوا على عادتهم فخرجت إلى باب القبة وقلت: أريد في محبة أبي بكر دينارا، فقام إلي شاب عن الحاضرين وقال لي: اجلس حتى نفرغ. فجلست فلما فرغوا خرج إلي ذلك الشاب وأخذ بيدي ومضى بي إلى تلك الدار فأدخلني فيها و وضع بين يدي طعاما، ولما فرغنا قام الشاب وفتح علي بابا على بيت في الدار وجعل يبكي فقمت لأنظر ما سبب بكائه فرأيت في البيت قردا مربوطا فسألته عن قضيته فزاد بكاء فسكنته حتى سكن، فقلت له: بالله أخبرني عن حالك فقال: إن حلفت لي أن لا تخبر أحدا من أهل المدينة أخبرتك، فحلفت له، فقال: اعلم أنه أتانا في عام أول رجل و طلب في محبة أبي بكر رضي الله عنه شيئا في قبة العباس يوم عاشوراء فقام إليه أبي و كان من أكابر الإمامية والشيعة فقال له: اجلس حتى نفرغ. فلما فرغوا أتى به إلى هذه الدار وسلط عليه عبدين فضرباه، وأمر بقطع لسانه فقطع، وأخرجه فمضى لسبيله ولم نعرف له خبرا، فلما كان الليل ونمنا صرخ أبي صرخة عظيمة فاستيقظنا من شدة صرخته فوجدناه قد مسخه الله قردا ففزعنا منه وأدخلناه هذا البيت وربطناه، وأظهرنا للناس موته وهو ذا نبكي عليه بكرة وعشيا. فقلت له: إذا رأيت الذي قطع أبوك لسانه تعرفه؟ قال: لا والله فقلت: أنا هو والله، أنا الذي قطع أبوك لساني، وقصصت عليه القصة فأكب علي يقبل رأسي ويدي ثم أعطاني ثوبا ودينارا وسألني كيف رد الله علي لساني؟ فأخبرته وانصرفت.
مصباح الظلام للجرداني ص 23 من الطبعة الرابعة المصرية المطبوعة بمطبعة الرحمانية بمصر سنة 1347 ه‍، ونزهة المجالس للصفوري 2 ص 195.

قال الأميني: ما أحوج القوم إلى اختلاق هذه الأساطير المشمرجة وهي لا يصدقها أي قار وباد مهما يقرها قصاص في أذنيه ولا يصير بها الأمر إلى قراره مهما حبكت نسقه يد الإفك وأبدعت في نسجه مهرة الافتعال.
أنى يصدق ذو مسكة بأن رجلا شهيرا يعد من علية قوم ومن أكابر أمة تمسخ ويربط في داره وهو بعد مجهول لا يعرف اسمه، ولا ينبئ عنه خبير، و يسع لخلفه إخفاء أمره بدعوى موته، ولم يسأل أهله عن تجهيزه وتشييعه ودفنه ومقبره وسبب موته، وتتأتى لولده الغشية عليها عن أعين الناس وأسماعهم كأن في آذانهم صمما وفي أبصارهم عمى.
ولماذا أخذه ابن الجاني - الذي لم يخلق بعد لا هو ولا أبوه ضيفه إلى والده وهو لا يعرف الرجل ولم يخش من الفضيحة، ولماذا أوقفه على أمر أبيه وعواره وقد كان يستخفيه ويظهر للناس موته؟
وأنى يصدق بأن رجلا قطع لسانه دون مبدئه وحبه لخليفته قد استخفى قصته، وما أشاع بها، وما صاح وما باح بمظلمته، وما أبان أمره عند قومه، وما أفاض عن شأنه بكلمة، ولا يمم قاضيا ولا حاكما ولا الدوائر الحكومية الصالحة للنظر في مظلمته من عدلية أو دائرة شرطة، وعقيرته مرفوعة من شدة الألم، ولم يزل القوم يتربص الدوائر على الشيعة، ويختلق عليهم طامات كهذه.
وأنى يصدق أنه لما خرج من دار من جنى عليه وهو مقصوص اللسان وقد ملأ فمه دمه، ولاذ بالحجرة الشريفة باكيا قلقا من شدة الألم، ما باه له أي أحد، وما عرفت مع هذه كلها من أمره قذ عملة، ولا تنبه لأمره سدنة الحضرة الشريفة؟
وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته، ولم يفش سره، ولم يعلن كرامة الصديق، ولم يفضح عدوه، ولم يعرب عن هذه المكرمة الغالية، ولم يقرط الآذان بسماعها، وينبس أمره ولم ينبشه، كأن لسانه بعد مقطوع، وأنه لم يجده في فيه صحيحا؟ أو رضي بأن يفشفش (1) بعده أعلام قومه؟
وإن تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجرئ إلى سؤاله مرة ثانية في سنته القابلة بعد أن رأى ما رأى قبل أن أعوم، ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء، ومضيه من دون أي تحاش إلى تلك الدار التي وقعت فيها واقعته الخطرة الهائلة، ودخوله فيها رابطا جأشه، وإلقاءه نفسه إلى التهلكة، ولم يكن يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه، ولا من حنو الشاب وعطفه، وقد قال الله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.
ولعله كان في هذه كلها على ثقة وطمأنينة من أنه قط لا يبقى بلا لسان، وأن لسانه مهما قطع يرد إليه كما كان من بركة الخليفة، وهو في حسبانه هذا وقدومه إلى المهالك مجتهد وله أجره وإن أخطأ كاجتهاد سلفه.
وقد أنصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة على شيعي كبير لم يولد بعد ولم تسمه أمه. وجاء غيره بأسطورة معتوه قموص الحنجرة (2) وافتجر (3) في القول و أفجس (4) ألا وهو الشيخ عليا المالكي، قال الشيخ إبراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين ص 133: سمعت خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول: إن الرافضي إذا أشرف على الموت يقلب الله صورة وجهه وجه خنزير فلا يموت إلا إذا مسخ وجهه وجه خنزير، ويكون ذلك علامة على أنه مات على الرفض، فيستبشرون بذلك الروافض، وإن لم يقلب وجهه عند الموت يحزنون ويقولون: إنه مات سنيا، إنتهى.
وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا على هذه المخرقة فقال: لما مات ابن منير (5) خرج جماعة من شبان حلب يتفرجون فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا أنه لا يموت أحد ممن كان يسب أبا بكر وعمر إلا ويمسخه الله تعالى في قبره خنزيرا ولا شك أن ابن منير كان يسبهما، فأجمعوا رأيهم على المضي إلى قبره، فمضوا ونبشوه فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه منحرفا عن جهة القبلة إلى جهة الشمال، فأخرجوا على قبره ليشاهده الناس ثم بدا لهم أن يحرقوه فأحرقوه بالنار وأعادوه في قبره وردوا عليه التراب وانصرفوا، وذكره العلامة الجرداني في مصباح الظلام المؤلف سنة 1301 والمطبوع بمصر سنة 1347 وقرظه جمع من الأعلام ألا وهم كما في آخر الكتاب: العالم العفيف السيد محمود أنسي الشافعي الدمياطي، والعلامة الشيخ محمد جودة، والعلامة الأوحد الشيخ محمد الحمامصي، وحضرة الفاضل اللبيب الشيخ عطية محمود قطارية، والعالم العامل الشيخ محمد القاضي، وحضرة الشاعر اللبيب محمد أفندي نجل العلامة الشيخ محمد النشار.
ليست هذه النفثات إلا كتيت (6) الإحن، ونغران (7) الشحناء. وإن شئت قلت:
إنها سكرة الحب، وسرف المغالاة. قد أعمت الأهواء بصاير أولئك الرجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية، والأفائك المزخرفة، بيتوها غير مكترثين لمغبة صنيعهم، و لا متحاشين عن معرة قيلهم، وشتان بينها وبين أدب الدين، أدب العلم، أدب التأليف، أدب العفة، أدب الدعاية والنشر. إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول.
كأن هؤلاء يحدثون عن أمة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده أحد من الأجيال الحاضرة، أو ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الأمم، يشاهدهم كل ذي بصر وبصيرة أحياء وأمواتا؟ فمن ذا الذي شهد أحدهم أنه انقلب عند موته خنزيرا غير أولئك الشبان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره؟
وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد أحدا من الشيعة كما وصفه؟ أو روي له ذلك الإفك فوثق به كما وثق العبيدي؟ وهل كان يمكنه أن يقف على الموتى جميعا أو أكثرهم وليس هو بمغسل الموتى أو من حفاري القبور ولا من نباشيها؟
على أن التشيع ليس من ولائد تلكم العصور وإنما بدء به منذ العهد النبوي، فهل كان السلف الشيعي من الصحابة والتابعين يموتون كذلك وكان فيهم من يعرف بالتشيع كأبي ذر وسلمان وعمار والمقداد وأبي الطفيل؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته إلى ساحة أولئك الأعاظم؟ قطعت جهيزة قول كل خطيب (8).
____________
(1) فشفش: أفرط في الكذب، وانتحل ما لغيره
(2) يقال فلان قموص الحنجرة: أي كذاب.
(3) افتجر في الكلام: أي اختلقه وذكره من غير أن يسمعه من أحد.
(4) أفجس: افتخر بالباطل.
(5) أحد شعراء الغدير مرت ترجمته في الجزء الرابع ص 279 - 289 ط 2 مات في دمشق ثم نقل إلى حلب فدفن بها.
(6) الكتيت: صوت غليان القدر والنبيذ ونحوهما.
(7) نغر الرجل على فلان نغرا ونغرانا: غلا جوفه عليه غضبا.
(8) مثل يضرب لمن يقطع على الناس ماهم فيه بحماقة يأتي بها.

 

10- أبو بكر شيخ يعرف. والنبي شاب لا يعرف


عن أنس بن مالك قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأبو بكر شيخ يعرف والنبي صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف فيلقى الرجل أبا بكر (1) فيقول: يا أبا بكر! من هذا الذي بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير.
وفي لفظ: إن أبا بكر كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم وكان أعرف بذلك الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول: يا أبا بكر! من هذا الغلام بين يديك؟ وفي لفظ أحمد: كانوا يقولون: يا أبا بكر! ما هذا الغلام بين يديك؟ فيقول: هذا يهديني السبيل. وفي لفظ:
قالوا: يا أبا بكر! من هذ الذي تعظمه هذا الاعظام؟ قال: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني.
م وفي رواية: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء أبي بكر ناقته. وفي التمهيد لابن عبد البر: إنه لما أتي براحلة أبي بكر سأل أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أنت اركب وأردفك أنا فإن الرجل أحق بصدر دابته.
فكان إذا قيل له: من هذا وراءك؟ قال: هذا يهديني السبيل ].
وفي لفظ: لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة تلقاه المسلمون فقام أبو بكر للناس، وجلس النبي صامتا، وأبو بكر شيخ والنبي شاب، فطفق من جاء من الأنصار ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يجئ أبا بكر فيعرفه بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه فعرفه الناس عند ذلك.
صحيح البخاري باب هجرة النبي 6: 53، سيرة ابن هشام 2: 109، طبقات ابن سعد 1: 222، مسند أحمد 3: 287، معارف ابن قتيبة ص 75، الرياض النضرة 1: 78، 79، 80، المواهب اللدنية 1: 86، السيرة الحلبية 2: 46، 61.
قال الأميني: ما أنزل الدهر نبي الاسلام حتى قيل: إنه شاب لا يعرف. كأنه غلام نكرة اتخذه شيخ انتشر صوته كصيته بين الناس دليلا في مسيره يرتدفه تارة و يمشيه بين يديه أخرى ومهما سأل عنه قول: هذا يهديني الطريق وهو أعرف به مني، كأن نبي الاسلام صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه على القبائل في كل موسم فعرفوه على بكرة أبيهم من آمن منهم ومن لم يؤمن، خصوصا الأنصار المدنيون منهم وفيهم رجال الأوس والخزرج، وقد بايعوه عند العقبة الأولى مرة، وبايعه منهم مرة ثانية عند العقبة ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان.
وكأنه صلى الله عليه وآله لم يكن ذلك الذي أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة قبله، وكان بتلك الهجرة غلقت أبواب، وخلت دور أناس من السكنى، وهاجر أهلها رجالا ونساءا وكان في مقدم المهاجرين ما يناهز ستين رجلا، فلم يبق في مكة المعظمة من أسلم معه صلى الله عليه وآله إلا أمير المؤمنين وأبو بكر وكأن المدينة ليست بدار بني النجار وهم خؤولة النبي الأقدس.
وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن الذي إتخذ المدينة قاعدة ملكه، وعاصمة حكومته، ومعسكر نهضته، فبث فيها رجاله وخاصته من أهلها ومن المهاجرين فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كل حين حتى، إذا وافوه مقبلا عليهم استقبلوه بقضهم وقضيضهم وفيهم أهل البيعتين ومن تقدمه من المهاجرين وكلهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم، وإنه صلى الله عليه وآله مكث في قباء عند بني عمرو بن عوف أياما وليالي حتى أسس مسجده الشريف فيها، فعرفه كل من في قباء ممن لم يكن يعرفه قبل من رجال الأوس والخزرج، واتصل به كل من قدمها من المدينة فعرفوه جميعا، وقد صلى الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتم به من حضر المسلمين عامة.
وبقضاء من الطبيعة أن الناس عند التطلع إلى رؤيته صلى الله عليه وآله كان يومي إليه كل عارف، ويسأل عنه كل جاهل، ويتقدم المبايعون إلى التعرف به والتزلف إليه، فلا يبقى في المجتمع جاهل به حتى يسأل أبا بكر عنه في انتقاله من بني عمرو وبقوله: من هذا الغلام بين يديك يا أبا بكر؟!
فكأن القادم رجل عادي ما دوخ صيته الأقطار، ولم يره بشر من ذلك الجمع الحافل، ولم يحتفل به ذلك الاحتفال، ولا احتفى به تلك الحفاوة، وما صعدت ذوات الخدور على الاجاجير (2) وما هزجت الصبيان والولائد بقولهن.

طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داعي
أيها المبعوث فينا * جئت بالأمر المطاع

وكأنه قدم في صورة منكرة بلا أي تقدمة إلى بلد لا يعرفه فيه أحد حتى خص السؤال عنه بأبي بكر فحسب.
ثم ما هذه التعمية في جواب أبي بكر بقوله: إنه يهديني السبيل يريد سبيل السعادة فيحسب الحاسب أنه يهديه الطريق؟ الخوف كانت؟ ولم يرد رسول الله صلى الله عليه وآله إلا على العدة والعدد والمنعة والعزة، وقد بايعته الأنصار على التفاني دونه. أو كان يخاف أبو بكر قريشا وهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة؟ أم كانت لغير ذلك؟ فاسأل عنه خبيرا. والعجب كل العجب أن رجلا هذه سيرته في التقية عن الناس في عاصمة الاسلام بين فرسان المهاجرين والأنصار كيف صح عنه ما جاء عن ابن مسعود وما روي عن مجاهد مرسلا من قولهم: إن أول من أظهر الاسلام سبعة: رسول الله، وأبو بكر.
الخ (3)
على أن الحالة كانت تقتضي أن يسأل كل قادم إلى المدينة يوم ذاك عن شخص رسول الله صلى الله عليه وآله وأوان نزوله بها لا عن الغلام بين أيدي أبي بكر.
والعجب أن الجهل برسول الله في مزعمة هذا الراوي! كان مستمرا بين مستقبليه " وكلهم نفوسهم نزاعة إلى عرفانه والتبرك برؤيته " حتى ظلله أبو بكر بردائه فعرفه الناس عند ذلك.
ومتى كان أبو بكر شيخا والنبي شابا وهو صلى الله عليه وآله أكبر منه بسنتين وعدة أشهر كما يأتي تفصيله إنشاء الله؟ وابن قتيبة أخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف ص 75:
هذا الحديث يدل على أن أبا بكر كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، والمعروف عند أهل الأخبار ما حكيناه. ا ه‍. وحكي قبل هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو أكبر سنا من أبي بكر.
نعم: عرف شراح البخاري من المتأخرين موضع الغمز فأولوا كون أبي بكر شيخا بظهور الشيب في لحيته. وكون النبي شابا بسواد كريمته، والعارف بأساليب الكلام يعلم أنه تمحل محض، وأن المفهوم من تلك كما فهمه ابن قتيبة: كون أبي بكر شيخا ورسول الله شابا لا غير ذلك. وإلا فما معنى قولهم: ما هذا الغلام بين يديك؟ و:
من هذا الغلام بين يديك؟ ومن المعلوم أن الغلام لا يطلق على من عمر خمسون سنة تقريبا مهما اسود عارضه.
وعلى صحة هذا التأويل أين المأولون من صحيحة ابن عباس قال: قال أبو بكر:
يا رسول الله! قد شبت؟ قال: شيبتني هود والواقعة. الحديث. وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود، وفي لفظ أبي جحيفة: قالوا: يا رسول الله! نراك قد شبت؟ قال: شيبتني هود وأخواتها (4).
فهذه الصحيحة تعرب عن أنه صلى الله عليه وآله كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة، وأسرع فيه حتى أصبح مسئولا عنه وعما أثره فيه صلى الله عليه وآله فأين منها ذلك التأويل البارد؟
وربما يقال في حل مشكلة (يعرف ولا يعرف): إن أبا بكر كان تاجرا عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام، لكنه على فرض تسليم كونه تاجرا، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد، مقابل بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلى الشام، فلو كانت التجارة بمجردها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي الأعظم أولى لأن شرفه المكتسب، وشهرته وبالأمانة، وعظمته في النفوس، وتحليه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أول يومه، وشرفه الطائل في نسبه، أجلب لتوجه النفوس إليه، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك.
على أن التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن شاركوه في الحرفة، أو شارفوه في المعاملة، وهذا التعارف يخص بأناس تعد بالأنامل لا عامة الناس كما حسبوه، وأنى هذا من سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وأبو بكر يوم ذاك يرضع من ثدي أمه، خرجت به صلى الله عليه وآله أم أيمن لما بلغ ست سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به أخواله، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني عدي بن النجار فأقامت به شهرا. ومما وقع في تلك السفرة:
قالت أم أيمن: أتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار بالمدينة فقالا:
أخرجي لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إليه وقلباه مليا ثم قال أحدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الأمة، وهذه دار هجرته، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت أم أيمن: وعيت ذلك كله من كلامهما (5) أبعد هذه كلها، وبعد تلكم الإرهاصات للنبوة التي ملأت بين الخافقين، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الأقطار، وبعد مضي خمسون سنة من عمره الشريف صلى الله عليه وآله رسول الله شاب لا يعرف وأبو بكر شيخ يعرف، يسأل عنه: من هذا الغلام بين يديك؟
ولايضاح هذه الجمل من الحري أن نسرد كيفية هجرته صلى الله عليه وآله حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الإفك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل عميا وصما. فأقول:
* (الأنصار في البيعتين) *
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على القبائل في المواسم إذا كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم إنه نبي مرسل فعرض نفسه على كندة. وعلى بني عبد الله بطن من كلب. وعلى بني حنيفة. وعلى بني عامر بن صعصعة. وعلى قوم من بني عبد الأشهل.
فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وآله وإنجاز موعده له خرج صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا وفيهم:
أسعد بن زرارة أبو أمامة النجاري. وعوف بن الحرث بن عفراء. ورافع بن مالك. وقطبة بن عامر بن حديدة. وعقبة بن عامر بن نابي. وجابر بن عبد الله.
فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعاهم إلى الله، وعرض عليهم الاسلام، وتلا عليهم القرآن فأجابوه فيما دعا إليهم ثم انصرفوا عنه صلى الله عليه وآله راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا.
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ودعوهم إلى الاسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الأولى فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض عليهم الحرب. وهم:
أبو أمامة أسعد بن زرارة. وعوف بن عفراء. ومعاذ بن عفراء. ورافع بن مالك.
وذكوان بن عبد قيس. وعبادة بن الصامت. ويزيد بن ثعلبة. والعباس بن عبادة.
وعقبة بن عامر. وقطبة بن عامر. وأبو الهيثم بن التيهان. وعويم بن ساعدة.
قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى: على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف.
فلما انصرف القوم عنه صلى الله عليه وسلم بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف وأمره أن يقرأهم القرآن، ويعلمهم الاسلام، ويفقههم في الدين، ويقيم فيهم الجمعة والجماعة، وكان مصعب يسمى بالمدينة: المقرئ، وكان منزله على أسعد بن زرارة أبي أمامة. النجاري وكان يصلي بهم الجمعة والجماعة فأقام عنده يدعوان الناس الاسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون.
ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة، وخرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق. قال كعب: فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر سيد ساداتنا وشريف من أشرافنا أخذناه معنا، ثم دعوناه إلى الاسلام فأسلم وشهد معنا العقبة، و كان نقيبا، فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب أم عمارة. وأسماء بنت عمرو أم منيع.
قال: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم. فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك عما نمنع منه أزرنا (6) فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحروب، وأهل الحلقة، ورثناها كابرا عن كابر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وهم:

1 - أبو أمامة أسعد بن زرارة الخزرجي.
2 - سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي.
3 - عبد الله بن رواحة بن امرؤ القيس الخزرجي.
4 - رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي.
5 - البراء بن معرور بن صخر الخزرجي.
6 - عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجي.
7 - عبادة بن الصامت بن قبس الخزرجي.
8 - سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي.
9 - المنذر بن عمرو بن خنيس الخزرجي.
10 - أسيد بن حضير بن سماك الأوسي.
11 - سعد بن خيثمة بن الحرث الأوسي.
12 - رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الأوسي. وقد يعد بمكانه أبو الهيثم ابن التهيان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي: يعني المسلمين. قالوا: نعم.
قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم. قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتل استلمتموه؟
فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فهو والله خير الدنيا والآخرة. قالوا فإنا نأخذ على مصيبة الأموال قتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله! إن نحن وفينا؟
قال: الجنة. قالوا: أبسط يدك فبسط يده فبايعوه.
فقال له العباس بن عبادة: والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم.
فرجعوا إلى مضاجعهم. فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك. وكان أهل بيعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعين رجلا و امرأتين وهم:

أسيد بن حضير النقيب    أبو الهيثم بن التيهان النقيب    سلمة بن سلامة الأشهلي
ظهير بن رافع الخزرجي    أبو بردة بن نيار بن عمرو    نهير بن الهيثم الحارثي
سعد بن خيثمة النقيب    رفاعة بن عبد المنذر النقيب    عبد الله بن جبير بن النعمان
معن بن عدي بن الجلد    عويم بن ساعدة الأوسي    أبو أيوب خالد الأنصاري
معاذ بن الحارث الأنصاري    أسعد بن زرارة النقيب    سهيل بن عتيك النجاري
أوس بن ثابت الخزرجي    أبو طلحة زيد بن سهل    قيس بن أبي صعصعة النجاري
عمرو بن غزية الخزرجي    سعد بن الربيع النقيب    خارجة بن زيد الخزرجي
عبد الله بن رواحة النقيب    بشير بن سعد الخزرجي    خلاد بن سويد الخزرجي
عقبة بن عمرو الخزرجي    زياد بن لبيد الخزرجي    فروة بن عمرو الخزرجي
خالد بن قيس الخزرجي    رافع بن مالك النقيب    ذكوان بن عبد قيس الخزرجي
عبادة بن قيس الخزرجي    الحارث بن قيس الخزرجي    البراء بن معرور النقيب
بشر بن البراء الخزرجي    سنان بن صيفي الخزرجي    الطفيل بن النعمان الخزرجي
معقل بن المنذر الخزرجي    يزيد بن المنذر الخزرجي    مسعود بن يزيد الخزرجي
الضحاك بن حارثة الخزرجي    يزيد بن خزام الخزرجي    جبار بن صخر الخزرجي
الطفيل بن مالك الخزرجي    كعب بن مالك الخزرجي    سليم بن عمرو الخزرجي
قطبة بن عامر الخزرجي    يزيد بن عامر الخزرجي    كعب بن عمرو الخزرجي
صيفي بن سواد الخزرجي    ثعلبة بن غنمة السلمي    عمرو بن غنمة السلمي
عبد الله بن أنيس السلمي    خالد بن عمرو السلمي    عبد الله بن عمر النقيب
جابر بن عبد الله السلمي    ثابت بن ثعلبة السلمي    عمير بن الحارث السلمي
خديج بن سلامة بن الفرافر    معاذ بن جبل الخزرجي    أوس بن عباد الخزرجي
عبادة بن الصامت النقيب    غنم بن عوف الخزرجي    العباس بن عبادة الخزرجي
أبو عبد الرحمن بن الخزرجي    عمرو بن الحرث الخزرجي    رفاعة بن عمرو الخزرجي
عقبة بن وهب الجشمي    سعد بن عبادة النقيب    المنذر بن عمرو النقيب
عوف بن الحارث الأنصاري    معوذ بن الحارث الأنصاري    عمارة بن حزم الأنصاري
عبد الله بن زيد مناة الخزرجي


نبأ الهجرة
فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فنزل قوله تعالى: أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية. ثم أنزل الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وتابعه هذ الحي من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، فهاجر بنو جحش فغلقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يبابا، ليس فيها ساكن خلاء من أهلها. وكان بنو غنم بن دودان أهل.
إسلام قد أو عبوا إلى المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثم تتابع المهاجرون وفيهم.

أبو سلمة بن عبد الأسد    عامر بن ربيعة الكعبي    عبد الله بن جحش    عبد بن جحش أبو أحمد
عكاشة بن محصن    شجاع بن وهب    عقبة بن وهب    عربد بن حمير
منقذ بن نباتة    سعيد بن رقيش    محرز بن نضلة    يزيد بن رقيش
قيس بن خابر    عمرو بن محصن    مالك بن عمرو    صفوان بن عمرو
ثقف بن عمرو    ربيعة بن أكثم    الزبير بن عبيدة    تمام بن عبيدة
سخبرة بن عبيدة    محمد بن عبد الله بن جحش    عمر بن الخطاب    عياش بن أبي ربيعة
زيد بن الخطاب    عمرو بن سراقة    عبد الله بن سراقة    خنيس بن حذافة
إياس بن البكير    عاقل بن البكير    عامر بن البكير    خالد بن البكير
طلحة بن عبيد الله    حمزة بن عبد المطلب    صهيب بن سنان    زيد بن حارثة
كنار بن حصين    عبيدة بن الحارث    الطفيل بن الحارث    الحصين بن الحرث
مسطح بن أثاثة    سويبط بن سعد    طليب بن عمير    خباب مولى عتبة
عبد الرحمن بن عوف    الزبير بن عوام    أبو سبرة بن أبي رهم    مصعب بن عمير
أبو حذيفة بن عتبة    سالم مولى أبي حذيفة    عتبة بن غزوان    عثمان بن عفان
أنسة مولى رسول الله    أبو كبشة مولى رسول الله              

وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، وما كان يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر، أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعد مكة، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم.
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فخرج ومعه أبو بكر ثم عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه فأقام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ومعه صاحبه.
ثم خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان (7) ثم سلك بهما على أسفل أمج (8) ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن جاز قديدا (9) ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار (10) ثم سلك بهما ثنية (11) المرة، ثم سلك بهما لقفا (12)، ثم استبطن بهما مدلجة مجاج (13) ثم سلك بهما مرجح مجاج ثم تبطن بهما مرجح (14) من ذي العضوين - الغضوين - ثم بطن ذي كشر (15) ثم أخذ بهما على الجداجد (16) ثم على الأجرد (17) ثم سلك بهما ذا سلم بن بطن أعدا مدلجة تعهن (18) ثم على العبابيد (19) ثم أجاز بهما الفاجة (20) ثم هبط بهما العرج (21) فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له: أوس بن حجر على جمل له يقال له: ابن الرداء. إلى المدينة وبعث معه غلاما له مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر (22) عن يمين ركوبه (23) حتى هبط بهما بطن رئم (24) ثم قدم بهما قباء (25) على بني عمرو بن عوف حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل.
ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من أهل البادية إلى أبي أمامة وأصحابه من الأنصار فثار المسلمون إلى السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة، ثم قالوا لهما: اركبا آمنين مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده وقد يقال كما في سنن أبي داود 1 ص 74: إنه أقام في قباء أربعة عشر ليلا، وحكى موسى بن عقبة اثنين وعشرين ليلة. وقال البخاري: بضع عشرة ليلة، وبقباء كانت منازل الأوس والخزرج.
ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.
قال عبد الرحمن بن عويم: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا (26) قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى الجمعة أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله! أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة - يعني ناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله! هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي فقالوا: يا رسول الله! هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة. قال:
خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد (27) لغلامين يتيمين من بني النجار:
سهل وسهيل ابني عمرو، فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت (28) ورزمت (29) ووضعت جرانها (30) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله! لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا.
راجع سيرة ابن هشام 2 ص 31 - 114، تاريخ الطبري 2: 233 - 249، طبقات ابن سعد 1 ص 201 - 224، عيون الأثر 1: 152 - 159، الكامل لابن الأثير 2: 38. 44 تاريخ ابن كثير 3: 138 - 205، تاريخ ابن الفدا ج 1: 121 - 124، الامتاع للمقريزي ص 30 - 47، السيرة الحلبية 2: 3 - 61.
____________
(1) في الانتقال من بني عمرو. كذا قاله القسطلاني في إرشاد الساري 6 ص 214 وبنو عمرو ابن عوف هم من الأنصار النازلين بقباء كان قد نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله في هجرته إلى المدينة كما يأتي تفصيله،
(2) جمع الإجار بكسر الأول وتشديد الجيم: السطح.
(3) تاريخ ابن كثير 3: 58، تأريخ ابن عساكر 6 ص 448.
(4) أخرجه الحافظ الترمذي في جامعه، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبو يعلى، والطبراني، وابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك 2: 343 وصححه هو وأقره الذهبي، والقرطبي في تفسيره 7: 1. وأبو نصر في اللمع ص 280، وابن كثير في تفسيره 2: 435، والخازن في تفسيره 2: 335.
(5) دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 50، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 20 تاريخ ابن كثير 2: 279 بهجة المحافل 1: 44.
(6) أزرنا: يعني نساءنا، والمرأة يكنى عنها بالإزار.
(7) بضم الأول ثم السكون: محل من مكة على مرحلتين.
(8) بفتح الهمزة والميم: بلد من اعراض المدينة.
(9) بضم الأول وفتح الدال: موضع فيه ماء بين مكة والمدينة. بها منازل خزاعة.
(10) بفتح المعجمة وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة.
(11) ثنية المرة مخفف الراء.
(12) يقال: لقف بالتحريك وبفتح اللام وسكون الفاء. وبكسر اللام وسكون الفاء
(13) بفتح الميم وكسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة.
(14) بفتح الميم وسكون الراء بعدها معجمة مكسورة وآخره مهملة.
(15) بفتح الكاف وسكون الشين وآخره مهملة.
(16) بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف. من الآبار القديمة.
(17) اسم جبل هناك.
(18) تعهن بكسر أوله وهائه وتسكين العين وآخره نون: اسم عين ماء سمى به على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة، ويقال في ضبطه غير هذا.
(19) ويقال: العبابيب، ويقال: العثيانة.
(20) ويقال: الفاحة بالمهملة. والقاحة. مدينة على ثلاثة مراحل من المدينة.
(21) بفتح العين وسكون الراء: عقبة بين مكة والمدينة.
(22) قال محمد يحيى الدين المصري في حاشية سيرة ابن هشام 2: 108: لم يذكر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة. أقول: ذكره في العين المهملة 6 ص 103 وقال: جبل بالمدينة. وفي حديث الهجرة: ثنية العائر عن يمين ركوبه. ويقال: ثنية الغائر بالغين المعجمة. ا ه‍ ملخصا
(23) بفتح الراء: ثنية صعبة عند العرج.
(24) بكسر الراء المهملة موضع على أربعة برد من المدينة وقيل: ثلاثة برد.
(25) بضم أوله: قرية على ميلين من المدينة.
(26) استشعرناه وانتظرناه.
(27) بكسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساكنة أصله الموضع الذي يجفف فيه التمر.
(28) تحلحلت: تحركت. وقد يقال: تلحلحت. أي لزمت مكانها.
(29) وعند ابن الأثير: أرزمت. أي رغبت ورجعت في رغائها.
(30) الجران، ككتاب: قال السهيلي: أي عنقها. وقال غيره: الجران. ما يصيب الأرض من صدرها وباطن حلقها.


 

11- أبو بكر أسن من النبي


عن يزيد (1) بن الأصم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت؟ قال: لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني، وأنا أسن منك.
أخرجه ابن الضحاك، وذكره أبو عمر في الاستيعاب 2: 226، والمحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 127، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 72 نقلا عن خليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل، وابن عساكر.
قال الأميني: أو لا تعجب من أكذوبة تعد أكرومة؟ متى تصح رواية يزيد بن الأصم عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يدركه، فإن الرجل توفي سنة 101 / 3 / 4 وهو ابن ثلاث و سبعين سنة فولادته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدهر.
ثم متى كان أبو بكر أسن من النبي وقد ولد صلى الله عليه وآله في عام الفيل، وولد أبو بكر بعد عام الفيل بثلاث سنين. وقال سعيد بن المسيب: استكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو بسن النبي صلى الله عليه وآله ابن ثلاث وستين سنة. راجع:
المعارف لابن قتيبة ص 75 فقال: إتفقوا على أن عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسن من أبي بكر بمقدار سني خلافته. ا ه‍. صحيح الترمذي 2: 288 وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة، سيرة ابن هشام 1 ص 205، تاريخ الطبري 2: 125 و ج 4: 47، الاستيعاب م 1: 335 وقال: لا يختلفون أن سنه انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح وأنه استوفى بخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال في الجزء الثاني ص 626 بعد ذكر حديث يزيد الأصم: هذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الاسناد، وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: إن أبا بكر استوفى بمدة خلافته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ] الكامل 1: 185 و ج 2: 176. أسد الغابة 3: 223، مرآة الجنان 1: 65، 69، مجمع الزوائد 9: 60، عيون الأثر 1: 43، الإصابة 2: 341، 344، السيرة الحلبية 3: 396.
نعم: هذه المسائلة وقعت بينه صلى الله عليه وآله وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة (2) وابن يربوع توفي سنة 54 وله 120 سنة. وقيل: وزيادة أربع.
ولما كانت شيبة أبي بكر وكبر سنه هي الحجة الوحيدة على مخالفيه يوم السقيفة فأيدها المغالون في فضائله بأمثال هذه المخاريق المفتعلة، وتحريف التاريخ عن مواضعه. والله يعلم أنهم لكاذبون.
____________
(1) في الرياض: زيد. والصحيح: يزيد.
(2) الإصابة 2: 51.

 

12- إسلام أبي بكر قبل ولادة علي


عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران: أبو بكر الصديق أول إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وعن ربيعة بن كعب (1) قال: كان إسلام أبي بكر شبيها بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له: من أين أنت؟ فقال:
من مكة فقال: من أيها؟ قال: من قريش. قال: فأي شئ أنت: قال: تاجر. قال:
إن صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال:
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.
وقال الإمام النووي: كان أبو بكر أسبق الناس إسلاما، أسلم وهو ابن عشرين سنة.
وقيل: خمس عشر سنة.
راجع الرياض النضرة 1: 51، 54، أسد الغابة 1: 168، تاريخ ابن كثير 9: 319، الصواعق المحرقة ص 45، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24، الخصايص الكبرى 1: 29، نزهة المجالس 2: 182.
قال الأميني: هلم معي ننظر إلى هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق؟
أما رواية ابن مهران سندا:

1 - فشبابة بن سوار (2) أبو عمر والمدائني قال أحمد: تركته لم أكتب عنه للأرجاء وكان داعية، وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال الساجي وابن عبد الله وابن سعد والعجلي وابن عدي: إنه كان يقول بالارجاء.
وقبل هذه كلها يظهر مما رواه أبو علي المدائني: إنه كان يبغض أهل بيت النبي صلوات الله عليهم. وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا عليه بقوله: أللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بالفالج. ففلج في يومه ومات. ميزان الاعتدال 1: 440، تهذيب التهذيب 4: 302.
2 - فرات بن السائب الجرري. قال البخاري: منكر الحديث وقال يحيى ابن معين: ليس بشئ، منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك. ومحمد بن زياد هو اليشكري أحد الكذابين الوضاعين كما مر في ج 5: 258 ط 2، ففرات عند إمام الحنابلة كذاب وضاع. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال الساجي: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم. ذاهب الحديث وقال ابن عدي: له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير.
[ ميزان الاعتدال 2: 325، لسان الميزان 4: 430 ]
3 - ميمون بن مهران حسبه ما مر في رواية فرات عنه، أضف إلى ذلك قول العجلي: إنه كان يحمل على علي كما في تهذيب ابن حجر 10: 391. هب إنه وثقة من وثقه، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله على علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
ثم قد أتى ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بكر زمن بحيرا. واختلافه في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة. أما اختلافه بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير. وليس من الجايز أن يكون الوسيط في قران رجل عظيم كمحمد وامرأة من بيت مجد وسؤدد ورياسة كخديجة، شاب حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعباس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم، وكان عمه أبو طالب كما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده مثله، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج (3) وكان هو الذي كلم خديجة حتى وكلت رسول الله صلى الله عليه وآله بتجارتها، كما في الامتاع للمقريزي ص 8.
والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذا القران أن خديجة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليه صلى الله عليه وآله، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ ابن الأثير: خرج معه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. حتى دخل على خويلد بن أسد، أو على عمرو بن أسد عم خديجة فخطبها إليه فتزوجها عليه وآله الصلاة والسلام وخطب أبو طالب عليه السلام خطبة النكاح، فقال:

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، و عنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن كان في المال قل؟ فإن المال ظل زايل، و أمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل. فزوجها.

راجع طبقات ابن سعد 1: 113، تاريخ الطبري 2: 127، أعلام الماوردي ص 114، الصفوة لابن الجوزي 1: 25 الكامل لابن الأثير 2: 15، تاريخ ابن كثير 2: 294، تاريخ الخميس 1: 299، عيون الأثر 1: 49، أسد الغابة 5: 435، الروض الأنف 1: 122، تاريخ ابن خلدون 2: 172، المواهب اللدنية 1: 50، السيرة الحلبية 1: 149، 150، شرح المواهب للزرقاني 1: 200، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1: 114.

فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر؟

وأما إسلام أبي بكر قبل ولادة علي أمير المؤمنين زمن " بحيرا " الراهب فإنه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة (4) من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له: بحيرا يسأله عن شيئ الخ.

هذه الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ. قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 243: عبد الغني ضعفه ابن يونس. وأقر ضعفه ابن حجر في لسانه 4: 45، وقال في الإصابة 1: 177: أحد الضعفاء المتروكين.

وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 86 فقال: سند ضعيف وضعفه القسطلاني في المواهب 1: 50، والحلبي في السير النبوية 1: 130.
وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب - يعني بحيرا - هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم قال: فنزل وهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، إلى أن قال.
فبايعوه وأقاموا معه عنده، فقال الراهب: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا:
أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رده، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت.
أخرجه الترمذي في صحيحه 2: 284 فقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحاكم في المستدرك 2: 616، وأبو نعيم في الدلائل 1: 53، والبيهقي في الدلائل، والطبري في تاريخه 2: 195، وابن عساكر في تاريخه 1: 267، وابن كثير في تاريخه 2: 284، نقلا عن الحافظ أبي بكر الخرائطي والحفاظ المذكورين، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 42، والقسطلاني في المواهب 1: 49.

* (رجال الرواية) *
1 - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان، قال عباس الدوري: ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده " تاريخ ابن كثير 2: 285 ".
وقال الذهبي في الميزان 2: 113: كان يحفظ، قوله مناكير، وأنكر ما له حديث عن يونس " وذكر شطرا من الحديث " فقال: ومما يدل على أنه باطل قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا، وبلال لم يكن خلق، وأبو بكر كان صبيا.
وقال في تلخيص المستدرك تعليقا على تصحيحه قلت: أظنه موضوعا فبعضه باطل وقال ابن حجر في التهذيب 6: 248: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة المماليك. وقال أحمد: هذا " يعني حديث المماليك " باطل مما وضع الناس. وقال الدارقطني: قال أبو بكر: أخطأ فيه قراد.

2 - يونس بن أبي إسحاق. ضعف أحمد حديثه عن أبيه، وقال: حديثه عن أبيه مضطرب. وقال أبو حاتم: كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه. وقال: أبو أحمد الحاكم ربما وهم في روايته. " تهذيب التهذيب 11: 434 ".

3 - أبو إسحاق السبيعي. قال: ابن حبان: مدلس، وذكره الكرابيسي في المدلسين، وقال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق التدليس " تهذيب التهذيب 8: 66 " وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به: وقال ابن خراش. في حديثه لين. وقال ابن حزم في المحلى: ضعفه يحيى وأحمد جدا، وقال أحمد:

حديثه مضطرب " ميزان الاعتدال 3: 339 ".

4 - أبو بكر بن أبي موسى توفي سنة 106، ضعفه ابن سعد، وقال أحمد:

لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب 12 ص 41 ".

5 - أبو موسى الأشعري المتوفى سنة 42 / 50 / 51 / 53 وهو ابن 63 سنة بلا خلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسى الأشعري 17 / 22 / 23 / 25 عاما، فإن كان أبو موسى هو الشاهد للقصة قبل مولده فحبذا؟ وإن كان يرويها عمن شاهدها فمن هو؟ حتى ننظر في حاله.

هذا شأن الرواية سندا، أهذه كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحكمون فيها بالحسن؟ أو بالصحة كما فعله ابن حجر والحلبي؟ أنا لا أدري. نعم: الحب يعمي أو يصم.

وأما متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلى الشام و أخذه معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وقد مضى من عمره صلى الله عليه وآله سلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما، أو اثنى عشر عاما على ما قاله آخرون (5) وكان أبو بكر يوم ذاك ابن ست أو تسع سنين: فأين كان هو؟ وماذا كان يصنع بالشام؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال:

إنه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة (6) أو إنه ولد في تلكم السنين أخذا بقول ابن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. كأن أبو بكر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه، وكان معه من أول يومه، وكان من يوم ولد له الحل والعقد.

ثم أي بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده؟ وأي إيمان وإسلام على زعم رواة هذه الأفيكة، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاما، أو اثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي؟ ولم تكن للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة، ولا كلف أحدا بالإيمان به، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة إنه أسلم يوم عرف وإلا لكان " بحيرا " الراهب و " نسطور " وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر، وكم هنالك أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركا، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بعيد هذا. و كيف أثبت ذلك اليوم إيمانا لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره؟ وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من أولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخيالي.

قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الأول: قوله: فبايعوه وأقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا. ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم لا ملكه أبو بكر، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين، ولم يملك أبو بكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي (7).

وقال الزركشي في الاجابة ص 50: هذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيام. ولعل بلالا لم يكن بعد ولد. ا ه‍

وقال ابن كثير في تاريخه 2: 285: إن قوله: وبعث أبو بكر معه بلالا إن كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك اثنتى عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة، وعمر بلال أقل من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذلك؟ ثم أين كان بلال، كلاهما غريب، أللهم إلا أن يقال: إن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا، إما بأن يكون سفره بعد هذا أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فإنه إنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي، وحكى السهيلي عن بعضهم أنه كان عمره على الصلاة والسلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم.

قال الأميني: إن ابن كثير غض البصر عما في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئا مذكورا. ثم أتى في تصحيح بعث أبي بكر بلالا بما لا يخفى على فساده، إذ لم يزد سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مع أبي طالب عليه السلام على المرة الواحدة، و كون عمره صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن الجوزي، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أي ذكر من " بحيرا " وإنما فيه قضية " نسطور " الراهب. (8).

وقال ابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 43 مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 129، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 21، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذكر من أبي بكر.

* (نظرة في حديث كعب) *

وأما رواية كعب فإني لم أجدها في أصل من أصول الحديث، ولم أر لها سندا قط، وفي ذكر كعب وهو كعب الأحبار من رجال سندها كفاية، وحسبنا في كعب ما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوا عليه الكذب (9).

م - وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 362: روى جماعة من أهل السير: أن عليا كان يقول في كعب الأحبار: إنه الكذاب وكان كعب منحرفا عن علي عليه السلام.

وأخرج ابن أبي خيثمة بإسناد حسنه ابن حجر عن قتادة قال: بلغ حذيفة أن كعبا يقول: إن السماء تدور على قطب كالرحى. فقال: كذب كعب إن الله يقول: إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ] (10).

على أن كعبا لو كان يصدق نفسه فيما أخبره من الإرهاصات والبشائر لما كان يبقى على دين اليهود طيلة حياة النبي صلى الله عليه وآله وما كان يأخر إسلامه إلى عهد عمر بن الخطاب، م - ولما كان يتعلل عندما سئل عما منعه عن إسلامه في العهد النبوي بقوله: إن أبي كان كتب لي كتابا من التوراة فقال: اعمل بهذا. وختم على ساير كتبه وأخذ علي بحق الوالد علي الولد أن لا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الاسلام قلت: لعل أبي غيب عني علما ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلما ] (11) وكان له يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنان وثمانون عاما (12) وأثر الكذب لايح في جل ما جاء به كعب وحسبه ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه 5 ص 260 من حديث ذي قربات الذي حكم الحفاظ بعدم صحته، وما جاء به السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 31 من حديث إخباره عمر وعثمان: بأنهما مذكوران بالخلافة في التوراة، وفيها أن عثمان يقتل مظلوما، ومع هذه كلها لم يعلم صدور هذه البشارة منه في أيام إسلامه ولعله كان قبله فلا يقبل قوله لا يصدق في حديثه.

على أن الأحلام إن صحت وصدقت فلم لم يحدث أبو بكر أحدا من الصحابة بما أخبره " بحيرا " من البشارة في نفسه من أنه يكون وزيرا وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يدور حديثه في دور النبي صلى الله عليه وآله على ألسنتهم، وتخبت إليه أفؤدتهم، وتزهر بمذاكرته أنديتهم؟ أوانه حدث بها لكن الصحابة ضربوا عنها صفحا فلم تنه إلى المحدثين، ولا انتهت إلى أحد من أرباب الصحاح والمسانيد حتى انتهت النوبة إلى الغلاة في الفضائل من المتأخرين فأرسلوها إرسال المسلم تجاه الحقائق الراهنة.

ولو كان أبو بكر أول من أسلم بتلكم التقاريب فأين كان هو إلى منتهى سبع سنين من البعثة التي يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها: لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا؟ (13).

وفي أولية أمير المؤمنين في الاسلام أحاديث صحيحة عنه صلى الله عليه وآله وعن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قدمناها في الجزء الثالث، وأسلفنا هناك ما يربو على ستين حديثا من الصحابة والتابعين في أن عليا أول الناس إسلاما وأول من صلى وآمن من ذكر. و قد مرت هناك صحيحة الطبري أن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا، ولو كان أبو بكر أول من أسلم وقد آمن به صلى الله عليه وآله قبل ولادة علي عليه السلام فأين كان هو يوم قال العباس لعبد الله بن مسعود: ما على وجه الأرض أحد يعبد الله بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة: محمد وعلي وخديجة؟ (تاريخ ابن عساكر 1: 318).

فلا يحق آنئذ لأي مغال في الفضائل أن يدع تلكم الصحاح عن النبي الأعظم و وصيه الأقدس والصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان، ويأخذ تجاهها برواية كعب، و إن هو إلا كعب ليس إلا، ولا يثبت الحق بالكعاب. ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك.
____________
(1) في الخصايص الكبرى عن كعب. وهو الصحيح.
(2) في ميزان الاعتدال: سواد.
(3) يأتي تفصيل ذلك في الكلام عن أبي طالب عليه السلام.
(4) أبو عبد الله محمد بن إسحاق الاصبهاني الحافظ الرجال المتوفى 355.
(5) طبقات ابن سعد 1: 102، تاريخ الطبري 2: 195، تاريخ ابن عساكر 1: 2، 269، تاريخ ابن كثير 2: 285، الروض الأنف: 1: 118، امتاع المقريزي ص 8، عيون الأثر 1: 43، شرح المواهب للزرقاني 1: 196.
(6) تهذيب التهذيب 1: 503.
(7) حياة الحيوان للدميري 2: 275، تاريخ الخميس 1: 292.
(8) تاريخ ابن عساكر 1: 267، 272، دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 54، الصفوة لابن الجوزي 1: 24، تاريخ ابن الفدا ج 1: 114، الاجابة للزركشي ص 50، تاريخ الخميس 1. 262.
(9) تهذيب التهذيب 8 ص 439، الإصابة 3 ص 316.
(10) الإصابة: 3: 316.
(11) الإصابة 3: 316.
(12) راجع الإصابة، أسد الغابة، تهذيب التهذيب.
(13) راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 220 - 224 ط 2.


 

13- أبو بكر أسن أصحاب النبي


أخرج ابن سعد والبزار بسند حسن عن أنس قال: كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر الصديق وسهيل بن عمرو بن بيضاء.
وأخرجه أبو عمر في الاستيعاب 1 ص 576، وابن الأثير في أسد الغابة 2 ص 370.
وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 60 فقال: رواه البزار وإسناده حسن، و رواه ابن حجر في الإصابة 2 ص 85. وفيه: سهل بدل سهيل وهو أخوه. أو هو هو. والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 73 نقلا عن ابن سعد والبزار.
قال الأميني: كنا نعتقد أن المغالاة يمكن أن تقع في النفسيات التي لا تدرك بالحواس الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما، وأما الغلو في المشهودات فلم يدع المنطق له مساغا فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي، ويفتضح به المائن حتى أوقفنا السير على أمثال هذه الأقاويل، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه: إن أبا بكر أسن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسن منه بكثير وإليك أسماء أمة منهم:
1 - أماناة بن قيس بن شيبان الكندي. أسلم وقد عاش دهرا، ويقال: أنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الإصابة 1: 63.
2 - أمد بن أبد الحضرمي. أدرك هاشم بن عبد مناف وأمية بن عبد شمس و يقال: إنه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة. صب 1: 63.
3 - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي. قتل مع علي كان سيد خثعم في الجاهلية عاش مائة وأربعا وخمسين سنة. صب 1: 73.
4 - أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عاش مائتي سنة، وأكثر هذه المدة من أيام الجاهلية. صب 1: 82.
5 - ثور - ثوب - بن تلدة. أنشد له الكلبي:
وإن امرأ قد عاش تسعين حجة * إلى مائتين كلما هو ذاهب
قال: ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية. وقد يقال. إنه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاما. صب 1: 205.
6 - الجعد بن قيس المرادي. أسلم، وكان قد بلغ مائة سنة. صب 1: 235.
7 - حسان بن ثابت الأنصاري. عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين عاما. صب 1: 326.
8 - حكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة، وتوفي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب 1: 349.
9 - حمزة بن عبد المطلب عم النبي الأعظم ولد قبله صلى الله عليه وآله بسنتين أو بأربع صب 1: 353.
10 - حنيفة بن جبير بن بكر التميمي. أدرك أحفاده النبي صلى الله عليه وآله ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الإصابة 1: 359.
11 - حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس العامري المتوفى سنة 54 له مائة و عشرين عاما. صب 1: 364.
12 - حيدة بن معاوية العامري. مات وهو عم ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وآله وكان بالغا مبلغ الرجال. صب 1: 365.
13 - خنابة بن كعب العبسي. كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الإصابة 1: 463:
حويت من الغايات تسعين حجة * وخمسين حتى قيل: أنت المقزع
14 - خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش، أدرك الاسلام شيخا كبيرا. صب 1: 465.
15 - ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسن من عمه العباس الآتي ذكره. صب 1: 506.
16 - سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفى 54 وله 120 / 24 عاما. صب 2: 52.
17 - سلمة السلمي، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم وهو شيخ كبير
18 - سلمان أبو عبد الله الفارسي مات سنة 32 / 3 / 6 روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد أنه قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها. صب 2: 62.
19 - أبو سفيان القرشي الأموي. كان أسن من أبي بكر بإثني عشر عاما وعدة أشهر. صب 2: 179.
20 - صرمة بن أنس أبو قيس الأوسي. أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير عاش نحوا من مائة وعشرين عاما وهو القائل كما في الإصابة 2: 183.
بدا لي أني عشت تسعين حجة * وعشرا وما بعدها لي ثمانيا
فلم ألفها لما مضت وعدتها * يحسبها في الدهر إلا لياليا
21 - صرمة بن مالك الأنصاري، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخ كبير. صب 2: 183.
22 - طارق بن المرقع الكناني، كان في حجة الوداع شيخا كبيرا. 2: 221.
23 - الطفيل بن زيد الحارثي، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجاهلية، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب 2: 224.
24 - عاصم بن عدي العجلاني توفي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب 2: 246.
25 - العباس بن عبد المطلب عن النبي الأعظم، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب 2: 271.
26 - عبد الله بن الحارث بن أمية، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير.
صب 2: 291
27 - عدي بن حاتم الطائي، مات بعد الستين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني، أو مائة وعشرين كما في قول خليفة. صب 2: 468.
28 - عدي بن وداع الدوسي، من رجال الجاهلية أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفي وله ثلاثمائة سنة. صب 2: 472.
29 - عمرو بن المسبح (1) الطائي، مات وله مائة وخمسون عاما. قال ابن قتيبة:
لست أدري أقبض قبل وفاة النبي أم بعده. صب 3: 16.
30 - فضالة بن زيد العدواني، سأله معاوية: كم أتت لك يا فضالة؟ قال: عشرون ومائة سنة. صب 3: 214.
31 - قباث بن أشيم، سأله عثمان بن عفان: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال رسول الله أكبر مني وأنا أسن منه. صب 3: 221.
32 - قردة بن نفاثة السلولي، أدرك الاسلام وهو شيخ كبير وعاش ومائة وخمسين سنة وله كما في الإصابة 3: 231 من أبيات:

بان الشباب فلم أحفل به بالا * وأقبل الشيب والاسلام إقبالا

33 - لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري، توفي سنة 41 وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة. صب 3: 326.

34 - اللجاج الغطفاني، وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب 3: 328.

35 - المستوعز بن ربيعة بن كعب، كان من فرسان العرب في الجاهلية عاش إلى أيام معاوية وكان له 320 / 30 سنة. صب 3: 492.

36 - معاوية بن ثور البكائي، أسلم بيد النبي وهو شيخ كبير صب 1: 156.

وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة.

37 - منقذ بن عمرو الأنصاري، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في أسد الغابة.

38 - النابغة الجعدي، عاش في الجاهلية مائتي سنة، ومات وهو ابن 225 / 30.

عاما وهو القائل كما في الإصابة 3: 538:

ألا زعمت بنو أسد بأني * أبو ولد كبير السن فاني؟
فمن يك سائلا عني؟ فإني * من الفتيان أيام الختان
أتت مائة لعام ولدت فيه * وعشر بعد ذاك وحجتان
وقد أبقت صروف الدهر مني * كما أبقت من السيف اليماني

وقال أبو حاتم: عاش مائتي سنة وهو القائل:

قال: أمامة كم عمرت زمانه * وذبحت من عنز على الأوثان؟
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها * فيها وكنت أعد من الفتيان
والمنذر بن محرق في ملكه * وشهدت يوم هجائن النعمان
وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى * وقوارع تتلى من القرآن
ولبست في الاسلام ثوبا واسعا * من سيب لا حرم ولا منان

39 - نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي ابن عم النبي الطاهر. كان أسن من أسلم من بني هاشم حتى من عميه حمزة والعباس المذكورين صب 3: 577.

40 - نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي، كان ممن عاش في الجاهلية ستين وفي الاسلام ستين سنة. صب 3: 578.

وقبل هؤلاء كلهم أبو قحافة والد الخليفة فإنه كان أبكر سنا من الخليفة لا محالة إن لم تصغره المعاجز من ابنه كما صغرت رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله غلاما وشابا لا يعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه.

راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة، معجم الشعراء للمرزباني، الاستيعاب لأبي عمر، أسد الغابة لابن الأثير، تاريخ ابن كثير، الإصابة لابن حجر، مرآة الجنان لليافعي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. ونحن اقتصرنا منها بذكر الإصابة مرموزا ب‍ (صب) روما للاختصار.

هؤلاء جملة ممن وقفنا على أسمائهم ممن أربوا على أبي بكر في السن من الصحابة الأولين، وهب أنا غضضنا الطرف عن كل ذلك فهلا نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السن؟ أو ليس في الأمم والأجيال من طعنوا في السن فبلغوا من العمر عتيا، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها، وإذا مدح أحدهم فإنها يمدح بمآثره لا بطول عمره، ومهما طال عمر الخليفة فإن أكثره انقضى في الجاهلية، بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم و للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مر في الجزء الثالث ص 220 أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سبع سنين ولم يصل معه غير علي أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاما و توفي وهو ابن ثلاث وستين، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة، وهذه المدة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشئ من المناقب فهل ازدانت أو لا؟

وفي الغابة أحسب أنه ليس للقوم غاية يعتد بها في كبر السن والاهتمام بذلك غير أنهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها: إن أبا بكر قدم على أمير المؤمنين لأنه شيخ محنك لا ترة لأحد عنده فيبغض، وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنا من النبي صلى الله عليه وآله وقد عرفت حاله في صفحة 270 وأخرى أنه كان شيخا يعرف والنبي شابا لا يعرف، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص 257. وآونة إنه أسن الصحابة ليحسموا مادة النقض بشيوخ في الصحابة كلهم أكبر من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وفيهم رؤساء وأعاظم، وما عرفوا أن المستقبل الكشاف سيوقف الباحثين على أناس هم أكبر من الرجل سنا، وأوفر علما، وأبلغ حنكة، وأقدم شرفا، وأسبق إسلاما.
_______________________
(1) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الإصابة 3: 16، وفي المعارف لابن قتيبة 136: المسيح.

 

14- أبو بكر في كفة الميزان


أخرج الخطيب في تاريخه 14 ص 78 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد (1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة بين يدي.
فقلت: ما هذا؟ قال بلال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحدا أقل من الأغنياء والنساء " إلى أن قال: ": ثم خرجنا من أحد أبواب الجنة الثانية فلما كنت عند الباب أتيت بكفة فوضعت فيها ووضعت أمتي في كفة فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا في كفة فرجع أبو بكر، ثم أتي بعمر فوضع في كفة وجئ بجميع أمتي فوضعوا فرجح عمر، ثم رفع الميزان إلى السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 288.
* (رجال الرواية) *
1 - مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين: ليس بشئ وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر علي بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من علي بن يزيد. وقال الآجري عن أبي داود: زعموا أن البلية من قبل علي بن يزيد: وقال النسائي: ضعيف ليس بشئ وقال ابن عدي: يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بين.
ميزان الاعتدال 3: 174، تهذيب التهذيب 10 ص 171
2 - عبيد الله بن زحر الأفريقي، مجمع على ضعفه كما في الميزان. ضعفه أحمد: وقال ابن معين: ليس بشئ كل حديثه عندي ضعيف. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال الحاكم: لين الحديث. وقال ابن عدي: يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر: صاحب كل معضلة. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الاثبات. فإذا روى عن علي بن يزيد بن أتى بالطامات وإذا اجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن متن ذلك الخبر إلا ما عملته أيديهم (2). قال الأميني: هذه الرواية مما اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو مما عملته أيديهم.
3 - علي بن يزيد الالهاني. قال ابن معين: علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلها. وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة: ليس بالقوي وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي: متروك. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال الساجي: إتفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو نعيم: منكر الحديث. وقال ابن حجر: متهم ميزان الاعتدال 2: 240: تهذيب التهذيب 7 ص 13، 396.
4 - القاسم بن عبد الرحمن الشامي. قال أحمد: هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير مما يرويها الثقات أنها من قبل القاسم. وقال الأثرم: حملها أحمد على القاسم. وقال: ما أرى هذا إلا من قبل القاسم. وقال الحراني: قال أحمد: ما أرى البلاء إلا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات. ميزان الاعتدال 2: 34، تهذيب التهذيب 8 ص 323.
وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 59 فقال: رواه أحمد و الطبراني وفيهما: مطرح بن زياد وعلي بن يزيد الالهاني وكلاهما مجمع على ضعفه.
قال الأميني: هذا شأن الرواية سندا ورجاله كما ترى، واستدل الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد 9 ص 59.
____________
(1) كذا والصحيح: يزيد
(2) تهذيب التهذيب 7 - 13.


 

15- توسل الشمس بأبي بكر


قال النبي صلى الله عليه وسلم: عرض علي كل شيئ ليلة المعراج حتى الشمس فإني سلمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت: لقد جعلني الله تعالى على عجلة تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول: أحد أحد. والآخر يقول: صدق صدق. فأتوسل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف، فأقول: يا رب من هما؟ فيقول: الذي يقول: أحد أحد هو حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يقول: صدق صدق هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
" نزهة المجالس 2 ص 184 "
أنا لا أحكم في هذه الرواية إلا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلمنا في صحيفة 238 عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثا ضافيا، وليت الهيئيين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علما غزيرا، وعرفوا أن الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإن انجلائها يتم بالتوسل، ولعل المستقبل الكشاف يأتي بمن يعلم الأمة بسر خسوف القمر وتتأتى به للمجالس نزهة بعد نزهة.
وهنا أسؤلة جمة:
1 - ليس الكسوف يخص بهذه الأمة فحسب، ولا بأيام حياة أبي بكر خاصة، فمن ذا الذي كان يقول: صدق صدق. قبل ميلاد أبي بكر؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته؟ وبمن كانت الشمس تتوسل قبل ذلك؟ وبمن تتوسل به بعده؟.
2 - أين كان يقول أبو بكر: صدق صدق؟ أيقولها وهو في محلة بمرأى من الناس ومسمع فيسمعها الشمس بالاعجاز؟ أو كان يحضر على ذلك البحر الذي لم يحدد بأي ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات؟ فلم لم يحدث عنه ذلك ولو مرة واحدة؟ أو أنه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو؟ أو أنه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنه هو؟
3 - هب أن الشمس تحمل حياة روحية فهل تحمل معها نفسا أمارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدري. وعلى فرض ثبوت النفس الأمارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كل عصيان؟ فهل هي تتوب بعد كل معصية ثم تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم أن الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجددة إلى انقراض العالم فكأن الشمس حينئذ كانت تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كل كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة؟ أنا لا أدري. وفي ذمة الصفوري صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة. فهل يخرج؟ أنا لا أدري، وهذا أيضا من الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم.

 

16- كلبة من الجن مأمورة


عن أنس بن مالك قال. كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل إليه رجل من أصحابه وساقاه تشخبان دما فقال النبي صلى الله عليه وسلم! ما هذا؟ قال: يا رسول الله! مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني. فقال صلى الله عليه وسلم: اجلس فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجل آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دما مثل الأول فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ فقال: يا رسول الله! إني مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال: فنهض النبي صلى الله عليه وسلم: وقال لأصحابه: هلموا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلهم وحمل كل واحد منهم سيفه فلما أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت بلسان طلق ذلق: لا تقتلني يا رسول الله!
فإني مؤمنة بالله ورسوله فقال: ما بالك نهشت هذين الرجلين؟ فقالت: يا رسول الله! إني كلبة من الجن مأمورة أن أنهش من سب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا هذين! أما سمعتما ما تقول الكلبة؟ قالا: نعم يا رسول الله! إنا تائبان إلى الله عز وجل (عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105).
قال الأميني: ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتى استدعى أمرها أن يتجهز لحربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف؟ فهل هي كلبة أو أسد ضار؟ أو عفرنى باسل؟ أو حشد لهام؟ وأحسب أن الذين نهشتهما كانا من هيابة الصحابة فإن شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلا عن الكلاب.
وأين كانت هذه الكلبة عمن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبوي وهلم جرا؟ فلم تشهد لها نهشة، ولا سمع لها عواء، فليتهيأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغض عن إسناده الموهوم.
ثم ما أخرس ألسنة أولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بث هذه الفضيلة الرابية؟ ومثلها تتوفر الدواعي لنقلها، وما أذهل الحفاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوة ودلائلها إلى أن بشر بها العبيدي آل الصديق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الأكذوبة أنس بن مالك.
أهكذا تكون المغالاة في الفضائل؟.. لعلها تكون.
نعم لله كلاب مفترسة وأسود ضارية سلطها الله على أعدائه بدعاء نبيه الأعظم أو أحد من أولاده الصادقين صلوات الله عليه وعليهم، منها: كلب سلطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبي الأقدس كما مر في الجزء الأول ص 261 ط 2. ومنها، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر في ج 1 ص 261 ط 2 قال الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 310: ووقع مثل ذلك لجعفر الصادق قيل له: هذا فلان ينشد الناس هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل: هل علقت من قوله بشئ! قال: نعم. قال: فأنشد. فأنشد:

صلبنا لكم زيدا على جذع نخلة * ولم أر مهديا على الجذع يصلب
وقستم بعثمان عليا سفاهة * وعثمان خير من علي وأطيب

فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال: أللهم إن كان كاذبا فسلط عليه كلبا من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الأسد. وإنما سمي الأسد كلبا لأنه يشبه الكلب في أنه إذا بال رفع رجله.
قال الأميني: الشاعر المفترس هو الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني أمية بدمشق وقصته هذه من المتسالم عليه غير أن في معجم الأدباء كما مر في الجزء الثاني ص 197 ط 2 من كتابنا هذا أن الداعي على الرجل هو عبد الله بن جعفر. وأحسبه تصحيف أبي عبد الله جعفر، فعلى كل قد وقع من أهله في محله.

 

17- هبة أبي بكر لمحبيه


عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال علي رضي الله عنه: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا ثالث إلا الله عز وجل فقال: يا علي تريد أن أعرفك بسيد كهول أهل الجنة وأعظمهم عند الله قدرا ومنزلة يوم القيامة؟ فقلت: أي وعيشك يا رسول الله! قال: هذان المقبلان. قال علي: فالتفت فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم ثم قطب وجهه حتى ولجا المسجد فقال أبو بكر: يا رسول الله! لما قربنا من دار أبي حنيفة تبسمت لنا ثم قطبت وجهك فلم ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثم رفع يديه إلى السماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول: أللهم إني أسألك بحق هذين الرجلين أن لا تعذبني بعذاب باغضي هذين الرجلين. قال أبو بكر: ومن هو الذي يبغضنا يا رسول الله! وقد آمنا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند رب العالمين؟ قال: نعم يا أبا بكر! قوم يظهرون في آخر الزمان يقال لهم: الرافضة يرفضون الحق، ويتأولون القرآن على غير صحته وقد ذكرهم الله عزو جل في كتابه العزيز وهو قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه (1) فقال: يا رسول الله! فما جزاء من يبغضنا عند الله؟ قال يا أبا بكر! حسبك أن إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذبه بعذاب باغضيكما. قال: يا رسول الله! هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تهديا له هدية من أعمالكما. فقال: أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله أشهد الله وملائكته إني قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا مثل ذلك يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضعا خطكما بذلك. قال علي كرم الله وجهه: فأخذ أبو بكر زجاجة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب. فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبد الله عتيق بن أبي قحافة: إني قد أشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين إني قد وهبت ربع عملي لمحبي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه، وبذلك وضعت خطي.
قال: وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلما فرغ القلم من الكتابة هبط الأمين جبريل عليه السلام وقال: يا رسول الله! الرب يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام ويقول لك:
هات ما كتبه صاحباك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا هو. فأخذه جبريل وعرج به إلى السماء ثم إنه عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين ما أخذت يا جبريل مني؟ قال: هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى: هو عندي حتى يفي أبو بكر وعمر بما قالا يوم القيامة.
عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 105 - 107.
قال الأميني: أنا لا أحاول إطنابا في تفنيد هذه الرواية الشبيهة بأساطير القصاصين أو الروايات الخيالية، فإن كل فصل منها شاهد صدق على عدم صحتها.
أنا لا أخدش في كهولة الشيخين بما مر في الجزء الخامس ص 313 ط 2 من القول المعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي أتحب هذه الشيخين؟. ولا بما مر في هذا الجزء ص 241 من أن أبا بكر له شيبة في الجنة وليس لأحد لحية هناك إلا هو وإبراهيم الخليل ولا بما مر ص 241 من أن رسول الله كان يقبل شيبة أبي بكر. ولا بما مر في صفحة 257 من أن أبا بكر كان يوم هجرة النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة شيخا والنبي شابا. ولا بما مر في ص 270 من أن أبا بكر كان أكبر من النبي. ولا بما مر في ص 280 من أنه كان أسن أصحاب النبي.
ولا أتكلم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنه ما الذي أربى به على عذاب من تكبر وتجبر تجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلهم عن سبيل الحق؟.
ولا أناقش في أن إبليس كيف كان يصح له أن يتعوذ بالله من عذاب باغضيهما؟
أكان يحبهما فلماذا هو؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كل مؤمن بالله؟ فالدعاء لماذا؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما؟.
ولا أمد يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلا تنكسر فتحرم الأمة المرحومة من تلك البضاعة الغالية.
ولا أسائل رواة هذه المهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل. لماذا هي كلها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصك؟ وما الذي أهم ادخاره عند الله حتى يفي أبو بكر و عمر بما قالا يوم القيامة؟
ولا أقول لماذا تركت الأئمة وحفاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكي - القرن الحادي عشر - وفيها بشارة كبيرة لمحب الشيخين وإرشاد للأمة إلى ما فيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما؟ ولماذا شح أولئك الحفظة على الأمة وسمع العبيدي؟
ولكن هلم معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم:
1 - من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية 46.
2 - ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموه وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل، فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظا مما ذكروا به. سورة المائة 12، 13.
ألا تعجب من تحريف الكلم بإسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنص القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعد وسيضمنهم الزمان في أخرياته؟ حاشا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك، ولكنها ورطات القالة، وأهواء وشهوات، حبذت الوقيعة في قوم مؤمنين إتبعوا النبي الأمين، وهدوا إلى الصراط المستقيم، وهدوا إلى الطيب من القول، وهدوا إلى صراط الحميد، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم
____________
(1) سورة النساء آية: 46. وسورة المائدة آية: 13.

 

18- أبو بكر في قاب قوسين


بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبي بكر رضي الله عنه فاطمأن قلبه استأنس بصوت صاحبه.
ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 154 فقال: هذه كرامة للصديق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه.
قال الأميني: لماذا تلك الوحشة؟ ولماذا ذلك الأنس؟ وهو صلى الله عليه وآله في ساحة القدس الربوبي، وكان لا يأنس إلا بالله، وكانت نفسه القدسية في كل آناته منعطفة إليها فهل هو يستوحش إذا حصل فيها؟ وهي أزلف مباءة إلى المولى سبحانه لا تقل غيره. حتى أن جبرئيل الأمين انكفئ (1) عنها فقال: إن تجاوزت احترقت بالنار. لما جذبه الله تعالى إليها وحفته قداسة إلهية تركته مستعدا لتلقي الفيض الأقدس، وهل هناك وحشة لمثله صلى الله عليه وآله يسكنها صوت أبي بكر؟ وهل كانت له صلى الله عليه وآله وهو في مقام الفناء لفتة إلى غيره جلت عظمته حتى يأنس بصوته؟ لا ها الله، وما كان قلب النبي صلى الله عليه وآله يقل غيره سبحانه فهو مستأنس به ومطمأن بآلائه، فلا مدخل فيه لأي أحد يطمأن به، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولقد رآه بالأفق المبين، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى؟ ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمأنة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه: يا أيتها النفس المطمأنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية.
هذا مبلغ الرواية من نفس الأمر لكن الغلو في الفضائل آثر أن يعدوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعة عن الاسناد.
____________
(1) الكامل 2: 21، السيرة الحلبية 1: 431.

 

19- الدين وسمعه وبصره


عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالا يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين.. قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: إنه لا غني بي عنهما أنهما من الدين كالسمع والبصر.
أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 فقال: هذا حديث تفرد به حفص بن عمر العدني عن مسعر. وقال الذهبي في تلخيصه: هو واه.
قال الأميني: قال النسائي: حفص بن عمر ليس بثقة. وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبان: كان ممن يقلب الأسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
وقال ابن معين: رجل سوء، ليس بثقة. وقال مالك بن عيسى: ليس بشئ، وقال العقيلي:
يحدث بالأباطيل، وقال أحمد: كان مع حماد (1) في تلك البلايا، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيف، ليس بقوي، متروك (2).
هذا على ما فرق جمع بينه وبين حفص بن عمر بن دينار الأيلي وأما إن كان هو هو فقال ابن عدي: أحاديثه كلها منكرة المتن والسند وهو إلى الضعف أقرب. وقال أبو حاتم: كان شيخا كذابا. وقال العقيلي: يحدث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطل، وقال الساجي: كان يكذب، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث (3).
هذا شأن سند الرواية، وليت شعري أي سنة أو فريضة كان يعلمها الرجلان على فرض إرسالهما؟ وبماذا كان يفتيان في الكلالة وإرث الجد والجدة والتيمم وشكوك الصلاة إلى مسائل أخرى عرفناك بعضها في الجزء السادس وجملة منها في هذا الجزء؟
وبماذا كانا يجيبان لو سألا عن آيات القرآن وهما يتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغوية فكيف بالغوامض والمعضلات؟
ثم بماذا كان غناء الرجلين لرسول الله صلى الله عليه وآله؟ وبماذا كانا من الدين كالسمع والبصر؟
أبصولاتهما في الحروب؟ أم بأياديهما في الجدوب؟ أم ببصائرهما في الأمور؟ أم بعلمهما الناجع في الكتاب والسنة؟ أم بتوقف الدعوة عليهما في عاصمة الاسلام؟ أم بإناطة تنفيذ الأحكام بهما؟ إقرأ السير ثم استحف الخبر، م - وقد مر في ج 5 ص 325 عن المقدسي: إن أبا بكر وعمر من الاسلام بمنزلة السمع والبصر من موضوعات الوليد بن الفضل الوضاع.
وذكر أبو عمر في الاستيعاب 1 ص 146 مرفوعا لأبي بكر وعمر: هذان مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس وقال: إسناده ضعيف أخبرنا أبو عبد الله يعيش بن سعيد قال: نا أبو بكر بن محمد بن معاوية: قال جعفر بن محمد الفريابي: قال عبد السلام بن محمد الحراني؟
قال ابن أبي فديك، عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه.
عن جده أن النبي.... ليس له غير هذا الاسناد والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيف وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي (الخ) وقال في ج 1 ص 348: حديث مضطرب الاسناد لا يثبت. وفي الإصابة 2: 299: حديث هذان السمع والبصر. في أبي بكر وعمر قال أبو عمر: حديث مضطرب لا يثبت.
أقول في الاسناد المذكور غير واحد من المجاهيل والضعاف ولا ينحصر ضعفه بمكان المغيرة فحسب، وقال فيه ابن معين: إنه ليس بشئ. وقال النسائي: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب 10: 266.
____________
(1) أحد الكذابين الوضاعين.
(2) ميزان الاعتدال 1: 262، تهذيب التهذيب 2 ص 410.
(3) ميزان الاعتدال 1: 263، لسان الميزان 2 ص 324.


 

20- أبو بكر ومنزلته عند الله


عن ابن عباس قال. كان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش عطشا شديدا فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إذهب إلى صدر الغار فاشرب. قال أبو بكر:
فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثم عدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: شربت؟ قلت: نعم. قال: ألا أبشرك يا أبا بكر؟
قلت: بلى يا رسول الله! قال: إن الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن اخرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت: يا رسول الله! ولي عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم وأفضل، والذي بعثني بالحق نبيا لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيا.
الرياض النضرة 1 ص 71، مرقاة الوصول ص 114.
قال الأميني: كيف تصح هذه الرواية قد ضرب عنها حفاظ الحديث وأئمة التاريخ والسير صفحا؟ مع ما فيها من نبأ عظيم وكرامة هامة وهي بين أيديهم وهم يهتمون بجمع دلائل النبوة ومعاجز الرسالة، فلم تخرج في أصل، ولم تذكر في سيرة، وإنما ذكرها السيوطي في الخصايص 1 ص 187 فقال: أخرجه ابن عساكر بسند واه.
ولماذا خصت روايتها بابن عباس وقد ولد في شعب أبي طالب قبل الهجرة بقليل فكان يوم الغار ابن سنة أو سنتين ولم يسندها إلى أحد ولم يكن في الغار غير النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه؟ فأين روايتهما إياها؟ وأين أولئك الصحابة عنها؟ أيحق لحكيم أو حافظ أن يرسل مثل هذه الواهية إرسال المسلم في عد الفضائل؟
نعم: للقوم في محبة أبي بكر وصاحبه روايات تشبه بالقصص الخيالية نسجتها يد الغلو في الفضائل وإليك منها:
1 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا، لما ولد أبو بكر في تلك الليلة اطلع الله على جنة عدن فقال: وعزتي وجلالي لا أدخلك إلى من أحب هذا المولود.
من موضوعات أحمد بن عصمة النيشابوري كما مر في ج 5 ص 300 ط 2.
2 - عن أبي هريرة مرفوعا: إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.
من طامات أبي سعيد الحسن بن علي البصري كما أسلفنا في ج 5: 300 ط 2.
3 - عن أنس إن يهوديا أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلمة تكليما إني لأحبك فلم يرفع أبو بكر رأسه تهاونا باليهودي فهبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك: قل لليهودي: إن الله قد أحاد عنك النار. الحديث. إقرأ واحكم بعد قرائتك القرآن والتدبر في الآي النازلة في عذاب الكفار. من موضوعات أبي سعيد البصري راجع الجزء الخامس ص 301 ط 2.
4 - عن أنس مرفوعا: إن لله تعالى في كل ليلة جمعة مائة ألف عتيق من النار إلا رجلين فإنهما يدخلان في أمتي وليسا منهم، وإن الله لا يعتقهما فيمن عتق منهم مع أهل الكبائر في طبقتهم، مصفدين مع عبدة الأوثان: مبغضي أبو بكر وعمر، وليس هم داخلين في الاسلام وإنما هم يهود هذه الأمة الخ.
من وضع أبي شاكر مولى المتوكل كما مر في ج 5 ص 303 ط 2.
5 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: إن الله أمرني بحب أربعة: أبي بكر، وعمر، و عثمان، وعلي. من بلايا السنجري كما مر ج 5: 310 ط 2.
6 - عن أبي هريرة مرفوعا قال لعلي: أتحب هذين الشيخين؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: أحبهما تدخل الجنة. من صناعة الأشناني كما مر ج 5: 313 ط 2.
7 - عن جابر مرفوعا: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق.
من موضوعات معلى الطحان راجع ج 5: 323 ط 2.
8 - عن أبي هريرة مرفوعا: هذا جبريل يخبرني عن الله: ما أحب أبا بكر و عمر إلا مؤمن تقي، ولا أبغضهما إلا منافق شقي.
من موضوعات إبراهيم الأنصاري كما مر ج 5 ص 326 ط 2.
9 - عن أبي سعيد مرفوعا، من أبغض عمر فقد أبغضني راجع 5: 329 ط 2.
10 - عن علي مرفوعا قد أخذ الله بكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم " يعني أبا بكر. وعمر. وعثمان. وعليا " إلا مؤمن تقي، ولا يبغضكم إلا منافق شقي.
من موضوعات إبراهيم الأنصاري كما مر ج 5: 326 ط 2.
11 - عن علي مرفوعا في أبي بكر: من أحبني فليحبه، ومن أراد كرامتي فليكرمه مر في الجزء الخامس ص 355 ط 2.
12 - عن أنس مرفوعا: إن لعرش الرحمن ثلاثمائة وستين قائمة، كل قائمة كطباق الدنيا ستين ألف مرة، بين كل قائمتين ستون ألف صخرة، كل صخرة مثل الدنيا ستون ألف مرة، في كل صخرة ستون ألف عالم، كل عالم مثل الثقلين ستون ألف مرة.
قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحب أبا بكر وعمر، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة (1).
كأن لعدد ستين ألف خاصة عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأكوان الخيالية على ذلك العدد، ليست هذه كلها إلا حلقة بلاء جاءت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة، غير أنا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحر.
____________
(1) عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص 183 نقلا عن كتاب العقائق.


 

21- النبي مؤيد بالشيخين


عن أبي أروى الدوسي قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله فاطلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله، الحمد الذي أيدني بكما.
قال الأميني: أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 74 من طريق ابن أبي فديك وهو وإن وثقه ابن معين غير أن ابن سعد قال: ليس بحجة، عن:
عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم، وابن عدي، وقال الفروي: وليس بقوي، وقال الجوزجاني: يضعف حديثه وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الترمذي: متروك ليس بثقة، وقال ابن حبان: يخطئ ويخالف وقال أيضا: منكر الحديث جدا يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات، وقال ابن الجارود: ليس حديثه بحجة. وتكلم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثقه. عن:
سهيل بن أبي صالح قال ابن معين: حديثه ليس بحجة. وقال أبو حاتم: حديثه لا يحتج به، وقال ابن حبان يخطئ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: لم يزل أهل الحديث يتقون حديثه. وذكر العقيلي عن يحيى أنه قال: هو صويلح وفيه لين عن:
محمد بن إبراهيم بن الحارث المدني وثقه غير واحد غير أن إمام الحنابلة أحمد قال: في حديثه شيئ يروي أحاديث مناكير أو منكرة (1) والحديث ذكره ابن حجر في الإصابة 4 ص 5 وضعفه.
هذا مجمل القول في رجال سند الرواية، وأما متنه فكما ترى آية في الغلو.
____________
(1) راجع ميزان الاعتدال 2: 4 و ج 1: 432، تهذيب التهذيب ج 9 ص 6، 61 ج 4 263، ج 5 وبهذا الطريق أخرجه البزار كما في الصواعق ص 47.

 

22- الأشباح الخمسة من ذرية آدم


عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أخبرني جبريل أن الله تعالى لما خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفاحة من الجنة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمد، ومن الثانية أبا بكر، ومن الثالثة عمر، ومن الرابعة عثمان، ومن الخامسة علي. فقال آدم: من هؤلاء الذين كرمتهم؟ فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذريتك، وقال: هؤلاء أكرم عندي من جميع خلقي. قال: فلما عصى آدم ربه. قال: رب بحرمة أولئك الأشباح الخمسة الذي فضلتهم إلا تبت علي فتاب الله عليه.
ذكره الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة 1: 30، وابن حجر في الصواعق ص 50 نقلا عن رياض المحب الطبري وقال: عهدته عليه.
قال الأميني: ما أبعد المسافة بين من يجوز توسل آدم أول الأنبياء إلى الله تعالى بأناس عاديين في سياق توسله بأفضل الرسل والسيد الأوصياء عليهما وآلهما السلام، و بين من ينكر التوسل لأي أحد، بأي أحد، ولا يرى لتوسل آدم بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله أي قيمة وكرامة، فيعتقد الأول صحة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بأنها كذب موضوع، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء، وإن عده في صواعقه من الفضائل زعما منه بأن الدهر لم يأت بعده بمن يناقشه في الحساب، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني فقال في كشف الخفاء 1: 233: قال ابن حجر الهيثمي نقلا عن السيوطي: كذب موضوع.
ومتن الراوية أوضح شاهد على ذلك غير أن المغالات في الفضائل اختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه " سورة البقرة "
أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدر المنثور 1: 60 بإسناده عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه؟ فقال: إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجده - إلى أن قال -: حتى بعث الله إليه جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي: ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أزوجك حواء أمتي: قال: بلى. قال: فما هذا البكاء؟ قال وما يمنعني من البكاء؟ وقد أخرجت من جوار الرحمن. قال: فعليك بهؤلاء الكلمات فإن الله قابل توبتك، وغافر ذنبك. قل: أللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد سبحانك لا إله إلا أنت، عملت سوء، وظلمت نفسي فاغفر لي أنك أنت الغفور الرحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقى آدم.
وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟ قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب عليه " الدر المنثور 1: 60 ".
وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب كما في ينابيع المودة ص 239.
وروى أبو الفتح محمد بن علي النطنزي المولود 480 في كتابه: الخصايص عن ابن عباس أنه قال: لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال: الحمد لله فقال له ربه: يرحمك ربك. فلما أسجد له الملائكة فقال: يا رب خلقت خلقا هو أحب إليك مني؟ قال: نعم ولولاهم ما خلقتك قال: يا رب فأرنيهم فأوحى الله إلى ملائكة الحجب: أن ارفعوا الحجب. فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدام العراش قال: يا رب من هؤلاء؟ قال: يا آدم هذا محمد نبيي، وهذا علي أمير المؤمنين ابن عم نبيي ووصيه وهذه فاطمة بنت نبيي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا نبيي، ثم قال: يا آدم هم ولدك. ففرح بذلك فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لما غفرت لي. فغفر الله له، فهذا الذي قال الله تعالى: فتلقى آدم من ربه كلمات. إن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه: أللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي. فتاب الله عليه.
وهذا الرجل يروى له بسند صحيح توسل عمر - أحد الأشباح المزعومة - بالعباس عم النبي صلى الله عليه وآله في الاستسقاء خرج يستسقي به وقد أجدب الناس فقال: أللهم إنا نستشفع إليك بعم نبيك أن تذهب عنا المحل، وأن تسقينا الغيث. فقال العباس: أللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب، ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، وأنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، ورق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى، أللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من رحمتك إلا القوم الكافرون.
فما تم كلامه حتى أرخت السماء مثل الحبال، فنشأت السحاب، وهطت السماء، فطفق الناس بالعباس يمسحون أركانه ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين. فقال حسان بن ثابت:

سأل الإمام وقد تتابع جدبنا * فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي * ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت * مخضرة الأجناب بعد الياس

وقال ابن عفيف النصري:

ما زال عباس بن شيبة غاية * للناس عند تنكر الأيام
رجل تفتحت السماء لصوته * لما دعا بدعاوة الاسلام
فتحت له أبوابها لما دعا * فيها بجند معلمين كرام
عم النبي فلا كمن هو عمه * ولد ولا كالعم في الأقوام
عرفت قريش يوم قام مقامه * فبه له فضل على الأقوام

وقال شاعر بني هاشم:

رسول الله والشهداء منا * وعباس الذي بعج الغماما

وقال العباس بن عتبة بن أبي لهب:

بعمي سقى الله الحجاز وأهله * عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب دائما * إليه فما إن دام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه * فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر؟ (1)

فهلا هذا الرجل هو المتوسل به في حديث الأشباح - المختلق - الواقع في رديف صاحب الرسالة وسيد الوصيين صلى الله عليهما وآلهما، وهو ومن معه أكرم خلق الله جميعا باعتراف ممن خلقهم وفي خلقه سبحانه الأنبياء وأولوا العزم من الرسل والأوصياء والملائكة والمقربون؟
فهلا هذا الرجل دعا الله بنفسه؟ وما محل توسله بالعباس وهو أكرم عند الله منه ومن أبيه آدم وولده وهلم جرا؟ أو أنه وجد استثناء في العباس فحسب فهو أكرم على الله منه ومن كل من هو أكرم على الله منه؟
أنا لا أدري ماذا أقول، ولك الفسحة والمجال لأن تقول الحق وما يحدوك إليه ضميرك الحر وتقول: كيف يكون المذكورون في الحديث - غير محمد وصنوه - أكرم على الله من جميع خلقه وفيهم من ذكرنا هم من الأنبياء والرسل والأوصياء والأولياء والملائكة؟ وكيف يتوسل أبو البشر النبي المعصوم بمثل أبي بكر وصاحبيه وهم هم؟ وسيرتهم بين يديك، وكيف يكونون رديف النبي الأعظم وصنوه المعصوم بنص الكتاب العزيز ونفسه المطهر الناطق به القرآن الكريم؟ وكيف يشاركون معهما في فضيلة الخلقة، وكرامة التوسل؟ ولا أحسب أن أحدا من شيعة القوم يصافق رواة هذه الأفيكة على هذه المزاعم، ولعلهم يصافقونهم ويجعلونها على عهدتهم كما فعل ابن حجر إذ غلوهم في الفضائل غير محدود.
وأما الرجل الثاني الذي أربكه التفريط وأسف به إلى هوة الجهل فكالقصيمي الذي أنكر ما جاء في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم! إنه لأحب الخلق إلي، ادعني بحقه قد غفرت لك. ولولا محمد ما خلقتك.
أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2) والحاكم في المستدرك 2: 615 وصححه، والطبراني في المعجم الصغير، وأبو نعيم في الدلائل، وابن عساكر كما في الخصايص، وأقر صحته السبكي في شفاء السقام ص 120، والقسطلاني في المواهب 1 ص 16، والسمهودي في وفاء الوفا 2: 419، والزرقاني في شرح المواهب 1: 62، والعزامي في فرقان القرآن ص 117، وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى عن عدة من الحفاظ ج 1 ص 6.
فقال القصيمي في الصراع 2: 593 تبعا أثر ابن تيمية في الرد على هذه المأثرة النبوية الصحيحة: والسؤال بحق النبي أو بحق غيره من الأنبياء والصالحين ليس له من القيمة العملية الدينية ما يوجب أن يكون عملا صالحا مبرورا فضلا عن أن يكون أداة غفران وعفو تام، وماذا في قول القائل: أسألك يا الله بحق فلان أو فلانة من عمل صالح يؤهل قائله لأن يكون من المغفور لهم؟ وأنما يغفر للمستغفر.
وقال: وأما الألفاظ المجردة فلا وزن لها عند الله ولا ينظر إليها فضلا عن أن تكون عملا تحط به الذنوب والخطايا الثقيلة، فما في قول القائل: أسألك بحق محمد لما غفرت لي من الشأن والقيمة؟ حتى يقال له: وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك.
وأجهل الناس وأرقهم دينا وتقوى فضيلة وأشدهم بعدا عن الله وعن رضاه يقولون ذلك، ويلهجون به، وهم على رغمهم لا يجدر بهم الغفران ولا التجاوز والعفو والرضا بل وهو خليقون بالانتقام والطرد والعذاب الأليم الموجع، ولن تجديهم هذه المقالة ولا هذا التوسل قليلا ولا كثيرا، فنحن لا نشك في آدم ما غفر له ذنبه إلا لتوبته ولرجوعه إلى ربه ولإقلاعه عن ذنبه، ولاعتذاره واستغفاره الصادرين عن جميع نفسه وقلبه وعقله، أما السؤال بالحق فلا قيمة ولا وزن له عند الله البتة. ا ه‍.
نحن لا نقابل هذا المغفل المستهتر البذي إلا بالسلام، حذا في هذيانه هذا حذو شيخه ابن تيمية، وقد رد عليه جمع من أئمة الحديث وحفاظه بكلمات ضافية نقتصر منا بكلام السبكي قال في شفاء السقام ص 121، قال ابن تيمية: أما ما ذكر في قصة آدم من توسله فليس له أصل، ولا نقله أحد من النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد.؟ ثم ادعى ابن تيمية إنه كذب وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص، ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، أو لتعرض للجواب عنه، وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن ابن يزيد راوي الحديث، ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضا عبد الرحمن بن يزيد لا يبلغ في الضعف إلى الحديث الذي ادعاه، وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث، وأما ما ورد من تسول نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له: ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بالتوسل أو الاستعانة أو التشفع أو التجوه. والداعي بالدعاء المذكور ما في معناه متوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه أو مستغيث به، والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده الخ.
وقد أسلفنا الكلام حول الموضوع في الجزء الخامس ص 143 - 156 راجع.
____________
(1) صحيح البخاري كتاب الصلاة باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء، صحيح مسلم كتاب الصلاة، الأغاني 12: 81، أعلام الماوردي 78، تاريخ ابن عساكر 7: 245 - 248، مستدرك الحاكم 3: 334، تاريخ ابن كثير 7: 92، مرآة الجنان 1: 72، طرح التثريب 1: 63، فتح الباري 2: 398 وقال: يستفاد من القصة استحباب الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، عمدة القاري 3 ص 438، شذرات الذهب 1: 29.
(2) قال الذهبي في الثناء عليه: عليك به فكله هدى ونور.


 

23- أبو بكر خير أهل السماوات والأرض


عن أبي هريرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبو بكر وعمر خير أهل السماوات و الأرض، وخير الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين.
ذكره ابن حجر في الصواعق 45 نقلا عن الحاكم وابن عدي، وأخرجه الخطيب في تاريخه 5 ص 253 وسكت عما في سنده من العلل " على عادته الجارية في مناقب الشيخين " وفيه: جبرون بن واقد الأفريقي والراوي عنه محمد بن داود القنطري، قال الذهبي في الميزان: جبرون متهم فإنه روى بقلة حياء عن سفيان، وروى عنه محمد بن داود القنطري، عن أبي هريرة مرفوعا: أبو بكر وعمر خير الأولين. الحديث تفرد به وبالذي قبله وهما موضوعان. وزاد ابن حجر في اللسان 2 ص 94 عن ابن عدي أنه قال: لا أعرف له غير هذين الحديثين وأعلم يرويهما عنه غير محمد بن داود وهما منكران وقال الذهبي في ترجمة محمد بن داود: عن جبرون الأفريقي بحديثين باطلين ذكرهما ابن عدي في ترجمة جبرون وقال تفرد بهما محمد.
وقال ابن حجر في اللسان 5: 161: أحسب الآفة في الحديث من جبرون وقد ساق المؤلف الحديثين في ترجمته وصرح بأنهما موضوعان وأشار إلى أن المشتهر بهما جبرون.
قال الأميني: ومن الحري لمثل هذين المبطلين أن يرويا باطلا كمثل هذا الذي يرتأي مفتعله تفضيل الرجلين على الملائكة المقربين المعصومين من أهل السماوات وفيهم سيدهم أمين الوحي جبرئيل، وعلى من ثبتت زلفتهم وقربهم من أولياء الله وأصفيائه وأوصياء الأنبياء، أنا لا أدري بماذا فضلا عليهم أبعلمهما المتدفق؟ وقد عرفت مبلغهما منه، أم بالعصمة عن الخطايا والذنوب؟ وأنت لا تقول بها، أو أن ما حفظه التاريخ من سيرتهما لا يدع أن تقول بها، لكن عصمة الملائكة ثابتة لا ريب فيها، وعصمة الأوصياء واجبة بالبرهنة الصحيحة، وزلفى المقربين كلقمان والخضر وذي القرنين من القضايا التي قياساتها معها، أم ببأسهما المرهب في ذات الله وعنائهما في سبيل الدين وجهودهما الجبارة؟ لا يخفى على أحد حق القول في ذلك كله، ضع يدك ها هنا على أي فضيلة فإنك لا تجد فيهما منها ما يربي بهما على كثير من الصحابة والتابعين هلم جرا فضلا عن من ذكرناهم، غير أن الغلو في الفضائل حدى صاحبه إلى أن يقول بذلك، فدعه يقول فإن الحقايق الثابتة غير قابلة للزوال والأصول الموضوعة يركن إليها على كل حال.

 

24- ثواب النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر


عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر: يا أبا بكر!
إن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة.
أخرجه الخلعي والملا كما في الرياض النضرة 1 ص 129، والخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 53 من طريق أحمد بن محمد بن عبيد الله أبي الحسن التمار المقرئ فقال: كان غير ثقة روى أحاديث باطلة ذاكرت أبا القاسم الأزهري حال هذا الشيخ و قلت: أراه ضعيفا لأن في حديثه مناكير. فقال: نعم هو مثل أبي سعيد العدوي.
قال الأميني: أبو سعيد العدوي هو الحسن بن علي العدوي البصري شيخ قليل الحياء كذاب يضع الحديث، أسلفنا ترجمته في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 224 ط 2، فقول الأزهري في أبي الحسن التمار (إنه مثل أبي سعيد) يومي إلى أنه أيضا كذاب وضاع.
وفي الاسناد أبو معاوية الضرير وقد اشتهر عنه الغلو غلو التشيع، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ربما يدلس " ميزان الاعتدال 3 ص 382 " وفيه أبو البختري عن علي قال سلمة بن كهيل: ما كان من حديث أبي البختري فهو حسن، وما كان عن فهو ضعيف " ميزان الاعتدال 3 ص 344 ".
هذا شأن سند الرواية وأما متنه فضميرك الحر نعم الحكم فيه.


 

25- الحب والشكر الواجبان على الأمة


عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب أبي بكر وشكره واجب على أمتي.
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 453 من طريق عمر بن إبراهيم الكردي وقال: تفرد به عمر، وهو ذاهب الحديث. وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 2:
249 فقال: الحديث منكر جدا.
ورواه الخطيب في تاريخه 5: 73 من طريق عمر الكردي أيضا بلفظ: إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي.
قال الأميني: هذه الرواية من موضوعات عمر الكردي قال الدارقطني: كذاب خبيث، وقال الخطيب: غير ثقة يروي مناكير من الاثبات. راجع ما مر في سلسلة الكذابين في الجزء الخامس ص 246 ط 2.
والعجب من الخطيب في تاريخه أنه مع قوله المذكور في ترجمة الكردي ترى عقدة في لسانه لما يذكر الرواية فيسكت عما فيها تارة ولم يتكلم بذأمة تعرب عن وضعها، ويقتصر أخرى بقوله: تفرد بروايته عمر وغير عمر أوثق منه. كما قاله في الموضع الثاني، وليست هذه كلها إلا لإغفال القراء عن جلية الحال، والتمويه على الحقائق الراهنة، فمن جرائها يأبى الصفوري بعد حين ويذكر الرواية في نزهة المجالس 2:
186 مرسلا إياها إرسال المسلم.

 

26- أبو بكر في كفة الميزان


أخرج الحكيم الترمذي كما في مرقاة الوصول ص 112 قال: حدثنا رزق الله بن موسى الباجي البصري قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل - العدوي البصري - قال:
حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا سعيد بن جمهان البصري عن سفينة مولى أم سلمة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: أيكم رأي الليل رؤيا؟ قال: فصلى ذات يوم الصبح ثم أقبل على أصحابه فقال: أيكم رأى الليل رؤيا؟
فقال رجل: أنا يا رسول الله رأيت كأن ميزانا أدلي من السماء فوضعت في كفة الميزان ووضع أبو بكر في كفة أخرى فرجحت بأبي بكر رفعت. وترك أبو بكر فجئ بعمر فوضع في الكفة الأخرى فوزن بأبي بكر فرجح أبو بكر بعمر، ورفع أبو بكر وترك عمر مكانه فجئ بعثمان فورع في الكفة الأخرى فرجح عمر بعثمان، ورفع عمر وترك عثمان مكانه فجئ بعلي فوضع في الكفة الأخرى فرجح عثمان بعلي ورفع الميزان. فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: خلافة نبوة ثلاثين عاما ثم تكون ملكا.
* (رجال إسناده) *
1 - رزق الله البصري المتوفى 256 / 60 قال الأندلسي: روى أحاديث منكرة وهو صالح لا بأس به " تهذيب التهذيب 3: 273 ".
2 - مؤمل العدوي البصري المتوفى 206 قال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة كثير الخطأ. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال يعقوب بن سفيان: شيخ جليل سني سمعت سليمان بن حرب يحسن الثناء - عليه - كان مشيختنا يوصون به إلا أن حديثه لا يشبه حديث أصحابه، وقد يجب على أهل العلم أن يقفوا عن حديثه، فإنه يروي المناكير عن ثقات شيوخه، وهذا أشد فلو كانت هذه المناكير عن الضعفاء كلنا نجعل له عذرا، وقال الساجي: صدوق كثير الخطأ، وله أوهام يطول ذكرها، وقال ابن سعد والدارقطني: كثير الخطأ. وقال المروزي: إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف ويتثبت فيه، لأنه كان سيئ الحفظ كثير الغلط.
" ميزان الاعتدال 2 ص 221، تهذيب التهذيب 10 ص 381 "
3 - سعيد بن جمهان البصري المتوفى 136. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال الساجي: لا يتابع على حديثه.
" ميزان الاعتدال 1: 377 تهذيب التهذيب 4: 14 ".
قال الأميني: ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
هذه الميزان التي جاء بها البصريون وأدليت من سماء البصرة في منجمها عين.
وفي إحدى كفتيها شول، وفي لسانها عوج. قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ قل هل يستوي الأعمى والبصير؟ أم هل تستوي الظلمات والنور؟
كيف يوزن في ميزان العدل والنصفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو هو مع ابن أبي قحافة الذي ليس إلا أبو بكر، أي خلايق كريمة: أي نفسيات طاهرة؟ أي ملكات فاضلة؟ أي حكم علمية أو عملية؟ أي عوارف ومعارف راقية: أي بصيرة نافذة؟
أي أي؟ جعلت في كفة جعل فيها أبو بكر. هل هذه الموازنة يقبلها الواجدان والمنطق حتى يقال بالرجحان في إحدى كفتي الميزان؟ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا.
ثم كيف رجح أبو بكر بعمرو إنهما كانا عكمي بعير في الفضائل كلها أيام حياتهما غير أن فتوحات عمر وأياديه في سبط الاسلام في أرجاء العالم لا تنسى، ولم تزل تذكر في صفحات التاريخ، فله فضيلة الرجحان على أبي بكر إن وزنا بميزان غير معيبة.
وكيف فصل بين النبي الأعظم وبين أمير المؤمنين في الميزان؟ وهو نفسه بنص القرآن الكريم، وله العصمة بحكم الكتاب العزيز، وهو وارث علمه، وباب حكمته، وهو عدل القرآن وخليفة نبي الاسلام بقوله صلى الله عليه وآله: إني مخلف فيكم اثنين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وأي فضيلة رابية لعثمان جعلت في كفة الميزان ورجح بها على علي رديف رسول الله صلى الله عليه وآله في فضائله. أنا لا أدري.
ثم إن كان التعبير الذي عزوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حقا فهو لا محالة بتقدير من الله تعالى ومشيئة منه رعاية للنظام الأصلح، فلماذا تغير وجهه صلى الله عليه وآله مما قدره المولى سبحانه وشاءه وأحبه؟ ولم تكن له غاية إلا الحصول على مرضاته والدعوة إليها وإيقاف الأمة عليها. أو ليس هذا مما ينافي عصمته ويضاد مقامه الأسمى؟ لكن الغلو في الفضايل قد يصحح أمثال ذلك. فإنا لله وإنا إليه راجعون.


 

27- ما أسلم أبو مهاجر إلا أبو بكر


أخرج ابن مندة وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 73.
وروى المحب الطبري في رياضه 1 ص 47 عن الواحدي مرسلا بلا إسناد عن علي بن أبي طالب إنه قال في أبي بكر: أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أسلم أبواه غيره. وذكره القرطبي في تفسيره 16: 194.
وأخذ غير واحد من المتأخرين كالشبلنجي ونظراؤه هذين الحديثين فعدوهما من فضائل أبي بكر المتسالم عليها.
قال الأميني: نحن نقدس ساحة علي وعائشة عن مثل هذا الكذب الفاحش الذي ينادي التاريخ بخلافه، وتكذبه سيرة الصحابة المهاجرين، وإنما الحب الدفين قد أعمى رواة هذه الأفيكة وأصمهم عما في غضون الكتب، فأسرفوا في القول وتغالوا في الفضائل غير مكترثين لمغبة قيلهم، أهذا مبلغهم من العلم؟ أم يقولون على الله الكذب وهم يعلمون؟
هاجر بنو مظعون من بني جمح. وبنو جحش بن رثاب حلفاء بني أمية. وبنو البكير من بني سعد بن ليث حلفاء بني عدي بن كعب. بأهليهم وأموالهم، وغلقت دورهم بمكة هجرة ليس فيها ساكن كما في سيرة ابن هشام 2: 79، 117 أكانت نساء تلكم الأسر الكبيرة أرامل أو عقائم؟ أو كانت أبنائها أيتاما من الأبوين أيامى؟ أو كانت آباؤها رجالا بلا أعقاب قاتل الله الحب كيف يعمي ويصم.
وهلم معي نقرأ صحيفة من تراجم المهاجرين هذا عمار بن ياسر مهاجر عظيم وأبواه في الرعيل الأول من المعذبين في الاسلام. قال مسدد كما في تهذيب التهذيب 7: 408: لم يكن في المهاجرين من أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر. فهذا ينفي إسلام والدي أبي بكر ويكذب ذلك المختلق.
وهذا عبد الله بن جعفر هاجر أبوه ومعه عبد الله وأخواه محمد وعون ومعهم أمهم أسماء بنت عميس.
وهذا عمرو بن أبان بن سعيد الأموي، من المهاجرين وأبوه شهد خيبرا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وأمة فاطمة بنت صفوان مسلمة.
وهذا خالد بن أبان الأموي أخو عمرو بن أبان المذكور.
وهذا إبراهيم بن الحارث بن خالد التميمي، هاجر مع أبيه وأمه ريطة بنت الحارث بن جبلة.
وهذا الحاطب بن الحارث الجمحي من المهاجرين وهاجر معه أبوه وأمه فاطمة بنت المجلل.
وهذا الحطاب بن الحارث الجمحي، هاجر مع أبيه وأمه وأخيه الحاطب ومعه امرأته فكيهة بنت يسار.
وهذا حكيم بن الحارث الطائفي، هاجر مع امرأته وبينه ومعه أبواه وهما مسلمان.
وهذا خزيمة بن جهم بن قيس العبدري هاجر مع أبيه وأخيه عمرو ومعهم أمهما أم حرملة بنت عبد الأسود.
وهذا جابر بن سفيان بن معمر الجمحي هاجر هو وأبوه وأمه حسنة.
وهذا جنادة بن سفيان الجمحي هاجر ومعه أمه حسنة وأخوه جابر المذكور.
وهذا سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، هاجر أبوه وهاجرت بعده أمه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله مع ابنها سلمة.
وهذا جناب بن الحارثة بن صخر العذري، هاجر إلى المدينة وأبوه قد أسلم.
وهذا الحارث بن قيس السهمي هاجر مع بنيه الحارث وبشر ومعمر فهم مهاجرون و أبوهم الحارث قد أسلم وهاجر.
وهذا السائب بن عثمان بن مظعون الجمحي. من المهاجرين وأبوه مهاجر عظيم.
وهذا سليط بن سليط بن عمرو العامري. قال عمر: دلوني على فتى مهاجر هو و أبوه. فدلوه عليه.
وهذا عبد الرحمن بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه.
وهذا عبد الله بن صفوان بن قدامة. هاجر هو وأبوه.
وهذا عامر بن غيلان بن سلمة الثقفي. هاجر إلى رسول الله وأبوه قد أسلم.
وهذا عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي. من المهاجرين ووالده صحابي عظيم، وهذا عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة مهاجر وهاجر أبوه وأسلم جده وجدته أم الخير.
على زعم القوم وسيأتي الكلام في إسلامهما.
وهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب. مهاجر وأبوه قد أسلم وهاجر.
وهذا محمد بن عبد الله بن جحش. أحد المهاجرين ومعه أبوه وأمه.
وهذا عبد الله بن المطلب بن أزهر. أحد المهاجرين وأبوه مهاجر.
وهذا معمر بن عبد الله بن نضلة. أحد المهاجرين ووالده مهاجر.
وهذا مهاجر بن قنفذ بن عمير القرشي التيمي. من المهاجرين السابقين إلى الاسلام وأبوه له صحبة.
وهذا موسى بن الحرث بن خالد القرشي التيمي. مهاجر ابن مهاجر.
وهذا النعمان بن عدي بن نضلة. مهاجر هو ووالده.
راجع سيرة ابن هشام 21، طبقات ابن سعد، تاريخ الطبري، الاستيعاب، أسد الغابة، كامل ابن الأثير، تاريخ ابن كثير، عيون الأثر لابن سيد الناس، الإصابة، تهذيب التهذيب، السيرة الحلبية.
ولعل الباحث يقف في غضون السير وكتب التاريخ ومعاجم التراجم كثيرا من نظراء هؤلاء من المهاجرين الذين أسلم آبائهم أو آبائهم وأمهاتهم. فما جاء به المحب الطبري و السيوطي ومن لف لفهما من فضيلة إسلام والد أبي بكر أو والديه دون سائر الصحابة وعزوه إلى مولانا أمير المؤمنين ليس إلا مجهلة ومخرقة نشأت من الغلو الفاحش في الفضائل.

 

* (إسلام والدي أبي بكر) *


هلم معي نحاسب إسلام والدي أبي بكر أحقا هما أسلما؟ فضلا عن أن يخص بهما الاسلام من بين آباء المهاجرين وأمهاتهم، أم لم ينبأ به خبير؟ بل هو نبأ كنبأ إسلام والدي غيره من المهاجرين يناقش فيه وإنما ولده الغلو في الفضائل. أما إسلام أبي قحافة فيقال: إنه أسلم يوم الفتح وقد أتى به ابنه أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يؤثر إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته غير مرة واحدة في تلك السنة يوم ذاك. وها نحن نذكر جميع ما ورد في إتيانه ذاك، ونجعل تلكم الروايات المروية فيه قسمين:
الأول ما لم يذكر فيه إيعاز إلى إسلامه. والثاني ما يوعز فيه إلى إسلامه.

* (القسم الأول) *
1 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 245 عن أبي عبد الله محمد بن أحمد القاضي ابن القاضي قال: حدثني أبي ثنا محمد بن شجاع ثنا الحسين (1) بن زياد عن أبي حنيفة عن يزيد بن أبي خالد عن أنس رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرته فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه تكرمة لأبي بكر.
سكت الحاكم عما في سند هذه الرواية ولم يصححه على عادته في الكتاب، وتبعه في ذلك الذهبي في تلخيصه، كل ذلك تكرمة لأبي بكر، وإن بخسا الحق و الحقيقة فيه:
1 - محمد بن شجاع البغدادي أبو عبد الله ابن الثلجي الفقيه. قال أحمد إمام الحنابلة: مبتدع صاحب هوى. وقال عبد الله بن أحمد: سمعت القواريري قبل أن يموت بعشرة أيام وذكر ابن الثلجي فقال هو كافر. قال: فذكرت ذلك لإسماعيل القاضي فسكت، فقلت: ما أكفره إلا بشئ سمعه منه قال: نعم.
وقال زكريا الساجي: فأما ابن الثلجي فكان كذابا احتال في إبطال حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورده نصرة لمذهبه، وفي المنتظم: نصرة لأبي حنيفة ورأيه.
وقال ابن عدي، كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يبليهم بذلك.
وقال الأزدي: كذاب لا تحل الرواية عنه لسوء مذهبه، وزيغه عن الدين.
وقال الجوزجاني: وقال موسى بن القاسم الأشيب: كان كذابا خبيثا (2) وفيه:
2 - الحسن بن اللؤلؤي الكوفي. قال يحيى بن معين: كذاب.
وقال ابن المديني: لا يكتب حديثه.
وقال محمد بن عبد الله بن نمير: يكذب على ابن جريج.
وقال أبو داود: كذاب غير ثقة.
وقال أبو حاتم: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف متروك.
وقال نضر بن شميل لرجل كتب كتب الحسن: لقد جلبت إلى بلدك شرا.
وقال أبو ثور: ما رأيت أكذب من اللؤلؤي، كان على طرف لسانه: ابن جريج عن عطاء.
وقال أحمد بن سليمان: رأيته يوما في الصلاة وغلام أمرد إلى جانبه في الصف فلما سجد مد يده إلى خد الغلام فقرصه فقذفته فلا أحدث عنه.
وقال ابن أبي شيبة: كان أبو أسامة يسميه الخبيث.
وقال يعقوب بن سفيان، والعقيلي، والساجي: كذاب.
وقال النسائي: ليس بثقة ولا مأمون (3) إقرأ واحكم. أتخفى هذه كلها على الحاكم والذهبي؟ لا ها الله.
2 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب قال:
ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ثنا حسين بن محمد المروزي ثنا عبد الله بن عبد الملك الفهري ثنا القاسم بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: جئت بأبي أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا تركت الشيخ حتى آتيه؟ فقلت: بل هو أحق أن يأتيك. قال: إنا لنحفظه لأيادي ابنه عندنا.
وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 50 فقال: رواه البزار وفيه عبد الله ابن عبد الملك الفهري ولم أعرفه. وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: عبد الله منكر الحديث.
وقال الذهبي في الميزان 2: 55، وابن حجر في لسانه 2: 311: قال ابن حبان: " عبد الله " لا يشبه حديثه حديث الثقات يروي العجائب. وقال العقيلي: منكر الحديث لا يتابع عليه، وقال أبو زرعة: هو ضعيف يضرب على حديثه. وقال البرقاني: سألت أبا الحسن عنه قلت: ثقة؟ قال: لا ولا كرامة. إنتهى ما في الميزان ولسانه. وفي السند: القاسم بن محمد عن أبيه عن أبي بكر، توفي القاسم بن محمد سنة 108 / 9 وهو ابن 70 / 72 سنة كما في صفة الصفوة لابن الجوزي 2 ص 50 وتوفي والده محمد سنة 38 فتكون ولادة القاسم سنة وفاة أبيه محمد، وإن أخذنا قول ابن سعد من أن القاسم توفي سنة 112 وهو ابن سبعين سنة فيكون القاسم عند وفاة والده ابن أربع سنين فأنى له الرواية عن أبيه.
وأما رواية محمد عن أبيه أبي بكر فلا يصح إذ محمد ولد عام حجة الوداع سنة عشرة من الهجرة وتوفي والده في جمادى الآخرة عام ثلاثة عشر، فأين يكون مقيل هذه الرواية من الصحة؟ قال الذهبي في تلخيص المستدرك في تعقيب هذه الرواية:
القاسم لم يدرك أباه ولا أبوه أبا بكر.
3 - أخرج الحاكم في المستدرك 3، 244 عن القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن سالم بن الجعابي الحافظ ألا وحدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، بإسناده عن أنس قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه يوم فتح مكة بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه.
ليت شعري ما الذي دعا الذهبي إلى تسليم رواية الجعابي هذه وترك الغمز فيها وقد ترجمه في ميزانه 3: 113 وقذفه بقوله: إنه فاسق رقيق الدين، وقال الخطيب:
كثير الغرائب، ومذهبه في التشيع معروف، ونسب إليه ابن الجوزي ما هو بري منه، وحكي عن الحاكم أنه قال: قلت للدارقطني: بلغني إن ابن الجعابي تغير بعدنا. فقال:
وأي تغير. فقلت: هذا فهمه في الحديث. قال: أي والله حدث عن الخليل بن أحمد صاحب العروض بعشرين حديثا بأسانيد ليس له فيها أصل. إلى آخر ما أتى به القوم في ترجمته، راجع تاريخ الخطيب 3: 26، المنتظم لابن الجوزي 7: 38، لسان الميزان 5: 322.
ثم كيف خفي عليه وعلى الحاكم أن الجعابي ولد سنة 285 وتوفي 355 باتفاق المؤرخين فأنى تصح روايته عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن المتوفى 292؟ كما أرخه الذهبي في ميزان الاعتدال، هذا أخذا بما في لفظ الذهبي في تلخيصه من حذف حرف " ألاو " من السند وأما على ما في لفظ الحاكم من " ألاو " فيكون الراوي عن أبي شعيب المتوفى 202 هو نفس الحاكم المولود سنة 321.
على أن الذهبي قال في الميزان 2: 30: كان أبو شعيب غير متهم لكنه أخذ الدراهم على الحديث، وحكى ابن حجر عن ابن حبان في لسان الميزان 3: 271 إنه قال: كان يخطئ ويهم.
4 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 244 عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر ثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة فأتى به النبي صلى الله عليه وآله فلما وقف به على رسول الله صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله: غيروه (4) ولا تقربوه سوادا.
متن هذه الرواية يكذبه كل ما ورد في إتيان أبي قحافة إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن في الجميع أن الآتي به هو أبو بكر. ثم مر في حديث أنس أنه نظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج من شدة حمرتها، فما معنى ما ورد في هذا الرواية من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غيروه ولا تقربوه سوادا؟
وأما سندها ففيها عبد الله بن وهب قال ابن معين: ابن وهب ليس بذاك. وفي ابن جريج كان يستصغر. ميزان الاعتدال 2: 86.
وفيها أبو الزبير محمد بن مسلم الأسدي المكي ففي الميزان 3 ص 125: يرد ابن حزم من حديث أبي الزبير ما يقول: عن جابر ونحوه، لأنه عندهم ممن يدلس فإذا قال. سمعت وأخبرنا احتج به. قال الأميني: هذا الحديث مما قال فيه أبو الزبير عن جابر فهو يرد على ما قاله ابن حزم.
وقال أبو زرعة وأبو حاتم: أبو الزبير: لا يتحج به وقال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي واحتج عليه رجل بحديث عن أبي الزبير فغضب وقال: أبو الزبير محتاج إلى دعامة.
وعن ورقاء قال: قلت لشعبة: مالك تركت حديث أبي الزبير؟ قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان وقال شعبة: قدمت مكة فسمعت من أبي الزبير فبينا أنا جالس عنده إذ جاءه رجل يوما فسأله عن مسألة فرد عليه فقلت له: يا أبا الزبير! تفتري على رجل مسلم قال: إنه أغضبني. قلت: من يغضبك تفتري عليه؟ لا رويت عنك حديثا أبدا. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 9: 440 وحكى تضعيف أيوب وأحمد وغيرهما إياه.
وعن أبي الزبير هذا أخرج الحاكم في المستدرك 3: 245 عن جابر أنه قال:
أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بأبي قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اخضبوا لحيته.
5 - أخرج ابن حجر من طريق محمد بن زكريا العلائي (5) عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا تركت الشيخ حتى آتيه؟ قال:
أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي، ألتمس بذلك قرة عينك. الإصابة 4: 116.

* (رجال الاسناد) *
1 - محمد بن زكريا الغلابي البصري. قال الذهبي: ضعيف. وقال ابن حبان:
يعتبر بحديثه وإذا روي عن ثقة. وقال ابن مندة: تكلم فيه. وقال الدارقطني يضع الحديث. وذكر الصولي بإسناده حديثا فقال: هذا كذب من الغلابي، ميزان الاعتدال 3: 58.
2 - العباس بن بكار البصري. قال الدارقطني: كذاب. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم والمناكير.        ميزان الاعتدال 2: 18.
3 - أبو بكر الهذلي البصري. قال الدوري ليس بشئ وقال أيضا: ليس بثقة.
وقال ابن معين: ليس بشئ. وقال غندر: كان يكذب وقال أبو زرعة ضعيف. وقال أبو حاتم: لين الحديث يكتب حديثه ولا يحتج بحديثه. وقال النسائي: ليس بثقة و لا يكتب حديثه. وقال ابن الجنيد: متروك الحديث. وقال ابن المديني: ضعيف ليس بشئ ضعيف جدا، ضعيف ضييف. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه. وقال الدارقطني:
منكر الحديث متروك. وقال يعقوب بن سفيان: ضعيف ليس حديثه بشئ. وقال المروزي:
كان أبو عبد الله يضعف أمره. وقال ابن عمار: بصري ضعيف. وقال أبو إسحاق: ليس بحجة. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال الذهبي: ضعفه أحمد وغيره. وقال غندر وابن معين: لم يكن بثقة. وقال يزيد بن زريع: عدلت عنه عمدا. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري: ليس بالحافظ عندهم.
راجع ميزان الاعتدال 3: 345، تهذيب التهذيب 12: 46، وقال ابن حجر في الإصابة بعد ذكر الحديث: إسناد واه.
6 - قال ابن حجر في الإصابة 4: 117: أخرج أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا تركت الشيخ حتى نأتيه؟ قال أبو بكر: أردت أن يؤجره الله، والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب لو كان أسلم (6) مني بأبي.
هذا الحديث كسابقه لا يدل على إسلام أبي قحافة وهو نظير قول عمر للعباس أنا بإسلامك إذا أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب يعني لو كان أسلم (7) وأما رجال إسناده ففيه:
1 - موسى بن طارق. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به كما قاله الذهبي في الميزان 3: 211. وفيه:
2 - موسى بن عبيدة قال الذهبي: قال أحمد: لا يكتب حديثه. وقال النسائي وغيره: ضعيف. وقال ابن عدي: الضعف على روايته بين. وقال ابن معين ليس بشئ.
وقال مرة: لا يحتج بحديثه. وقال يحيى بن سعيد: كنا نتقي حديثه. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق ضعيف الحديث جدا. ميزان الاعتدال 3: 214. وفيه:
3 عبد الله بن دينار. قال العقيلي: روى عنه موسى بن عبيدة ونظراؤه أحاديث مناكير الحمل فيها عليهم. تهذيب التهذيب 5: 202.

* (القسم الثاني) *
لا يوجد في كتب الحديث ومعاجم التراجم ما يدل على إسلام أبي قحافة إلا ما أخرجه أحمد في مسنده 6: 349 من طريق ابن إسحاق عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنة له من أصغر ولده: أي بنية إظهري بي على أبي قبيس، قالت: وقد كف بصره، قالت: فأشرفت به عليه فقال: يا بنية ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا. قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا قال: يا بنية ذلك الوازع يعني الذي يأمر الخليل و يتقدم إليها ثم قالت: قد والله انتشر السواد. فقال: قد والله إذا دفعت الخيل فاسرعي بي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته وفي عنق الجارية طوق لها من ورق فتلقاها رجل فاقتلعه من عنقها قالت: فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة و دخل المسجد أتاه أبو بكر بأبيه يقوده فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه قال: فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له:
أسلم، فأسلم ودخل به أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه كأنه ثغامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا من شعره، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته فقال:
انشد بالله وبالاسلام طوق أختي فلم يجبه أحد، فقال: يا أخية: إحتسبي طوقك.
وفي لفظ المحب الطبري في الرياض 1، 45: إحتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم قليل.
قال الأميني: هذه الرواية لا تصح لمكان محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار المدني نزيل العراق وليست هي إلا من موضوعاته. قال سليمان التيمي: ابن إسحاق كذاب. وقال هشام بن عروة: كذاب.
وقال مالك: دجال من الدجاجلة.
وقال يحيى القطان: أشد أن محمد بن إسحاق كذاب.
وقال الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه، وكان يرمى بغير نوع من البدع.
وقال ابن نمير: يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة.
وقال أيوب بن إسحاق: سألت أحمد فقلت له: يا أبا عبد الله! إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا.
وقال أبو داود: سمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال: كان رجلا يشتهي الحديث فيأخذ كتب الحديث فيضعها في كتبه، وكان يدلس، وكان لا يبالي عمن يحكي عن الكلبي وغيره.
وقال عبد الله بن أحمد: ما رأيت أبي أتقن حديثه قط، وكان يتتبعه بالعلو والنزل، قيل له: يحتج به؟ قال: لم يكن يحتج في السنن.
وقال ابن معين: ليس بذاك، ضعيف، ليس بقوي.
وقال النسائي: ليس بقوي.
وقال ابن المديني: كذبه سليمان التميمي، ويحيى القطان، ووهيب بن خالد وقال الدارقطني: لا يحتج به. وقال: اختلفت الأئمة فيه وليس بحجة إنما يعتبر به.
وقال هشام بن عروة: يحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر والله إن رآها قط وقال وهيب: سألت مالكا عنه فاتهمه.
وقال أحمد: هو كثير التدليس جدا (8).
وأخرج الحاكم في المستدرك 3: من طريق الحديث الرابع المذكور عن عبد الله ابن وهب عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله هنأ أبا بكر بإسلام أبيه.
وفيه مضافا إلى ما أسلفناه في الحديث الرابع: إن زيد بن أسلم توفي سنة 136.
وعده ممن لقي ابن عمر (9) فلا تصح روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وقد ولد بعده بكثير.
على أن ابن حجر قال في تهذيب التهذيب 3: 397: ذكر ابن عبد البر في مقدمة التمهيد ما يدل على أنه كان يدلس. وقال في موضع آخر: لم يسمع من محمود بن لبيد وحكى عن ابن عيينة أنه قال: كان زيد رجلا صالحا وكان في حفظه شئ. ونقل عن غيره قوله: لا أعلم به بأسا إلا أنه يفسر برأيه القرآن ويكثر منه، وفي ميزان الاعتدال 1: 361: إنه كان يفسر القرآن برأيه.

هذا إسلام أيي قحافة وحديثه وليس إلا دعوى مجردة مدعومة بالواهيات، ولا يثبت بها إسلام أي أحد، ويظهر من نفس رواية أحمد أن إتيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله [ على فرض تسليمه ] لم يكن إلا لاسترداد ما أخذه المسلمون من ابنته من الطوق، ولو كان له إسلام ثابت وكان إيتانه للاسلام لكان يعيد زيارته صلى الله عليه وآله وسلم مرة بعد أخرى، وكان ينتهز الفرص أيام اقامته تلك في مكة ويستفيد من نمير علمه، ويأخذ منه معالم دينه، وكان حقا عليه أن يزوره في حجة الوداع، ولو كان له إسلام لكان يروي عنه صلى الله عليه وآله ولو حديثا واحدا، أو كان يروي عن أصحابه ولو عن واحد منهم، ولو كان قد أسلم لكان تنقل عنه كلمة في الاسلام، أو قول في الذب عنه، أو حرف واحد في الدعوة إليه أو كان له في التاريخ ذكر عن أيام إسلامه، ونبأ عن آثار إيمانه بالله وبرسوله، ولا أقل من روايته هو بحديث إسلامه.
ثم إن صح الخبر وقد أكرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: هلا تركت الشيخ في بيته. الخ. وكان ذلك كما مر تكرمة لأبي بكر فما بال الصحابة ترد شفاعة مثل هذا الرجل العظيم؟ الذي عظمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الكلمة القيمة التي لم تؤثر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في أحد من الصحابة حتى في أعمامه صلى الله عليه وآله وفيهم العباس الذي يستسقي به الغمام وهم يسمعونها منه صلى الله عليه وآله ما بالهم يصفحون عن شفاعته في والده بإعادة الطوق إليه و هو شيخ كبير حديث العهد بالاسلام حري بأن يكرم؟ وما بال أبي بكر الذي أنفق جل ماله لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على زعم القوم يأخذ بيد أخته ويأتي بها إلى مجتمع الثويلة وينشد الحضور بالله وبالاسلام ويسألهم رد طوقها إليها؟ وما الطوق وما قيمته والصحابة لم تقبل فيه شفاعة شيخهم يوم ذاك وخليفتهم في الغد؟ وكيف يستعظم أبو بكر أمر الطوق ويأمر أخته بالاحتساب ويرى الأمانة قليلة في الصحابة يوم ذاك مع حضور نبيهم فيهم؟ فما كان محلهم من الأمانة بعد يومهم ذاك بثلث سنين وقد ارتحل النبي صلى الله عليه وآله من بين ظهرانيهم؟ وكيف صاروا بعد فقدهم نبيهم عدولا؟ أنا لا أدري.
____________
(1) الصحيح: الحسن بن زياد.
(2) ميزان الاعتدال 3: 71، المنتظم لابن الجوزي 5: 57، تهذيب التهذيب 9: 220.
(3) ميزان الاعتدال 1: 228، لسان الميزان 2: 208.
(4) قال الذهبي في تلخيص المستدرك: غيروه يعني الشيب.
(5) الصحيح: الغلابي.
(6) هذه الجملة أعني (لو كان أسلم) دخيل من المتأخرين نظراء ابن حجر ولا توجد في الأصول القديمة راجع الرياض النضرة 1: 45.
(7) الإصابة 4: 117.
(8) راجع ميزان الاعتدال 3: 21 - 24، تهذيب التهذيب 9: 38 - 46.
(9) تاريخ ابن كثير 10 ص 61، مرآة الجنان 1 ص 284.


 

إسلام أم أبي بكر

ليس إسلام أم الخير أم أبي بكر إلا كإسلام أبيه أبي قحافة، لا يدعم بدليل و لا تقومه البرهنة.
أخرج الحافظ أبو الحسن خيثمة بن سليمان الأطرابلسي قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري قاضي المصيصة، حدثنا أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن إسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله، حدثني عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: حدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما اجتمع أصحاب النبي وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال: يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم، جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ويحرفهما لوجهه، وأثر ذلك حتى ما يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تيم تتعادى فأجلوا المشركين عن أبي بكر وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه بيته ولا يشكون في موته، ورجع بني تيم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة و رجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم فتكلم آخر.
النهار: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه، فلما خلت به وألحت جعل يقول:
ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: والله ما أعلم بصاحبك. قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت إلى أم جميل فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله. قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت: قالت: نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت منه أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت: إن قوما نالوا منك هذا لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم الله لك قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هذه أمك تسمع قال: فلا عين عليك منها قالت: سالم صالح. قال فأنى هو؟ قالت في دار الأرقم قال: فإن لله علي آليت أن لا أذوق طعاما ولا شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمهلتاه حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخلتا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فانكب عليه فقبله وانكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقه شديدة فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله عز وجل لها عسى أن يستنقذها بك من النار. فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت. (1)
قال الأميني: تفرد بهذا الحديث عبيد الله بن محمد العمري، رماه النسائي بالكذب، وحكاه عنه الذهبي وابن حجر (2) وقال الدارقطني في حديث آخر تفرد به العمري أيضا: ليس بصحيح تفرد به العمري وكان ضعيفا.
وبقية رجال السند كلهم تيميون فيهم عبد الله وعبيد الله من أولاد طلحة بن عبيد الله مجهولان لا يعرفان. وعبد الله ومحمد بن عمران من أولاد طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، أو: من أولاد طلحة بن عبيد الله أيضا وهما مجهولان كسابقيهما على أن أبا بكر لا يعد من المعذبين في الاسلام، ولو كان له هذا الموقف في ذلك اليوم العصبصب وكانت على النبأ مسحة من الصحة لكان يذكر في صفحة كل تاريخ، ولم يكن يهمله أي مؤرخ، أمن المعقول أن يحفظ التاريخ في طياته تعذيب الموالي ولم يكن في صفحته ذكر عن مثل هذا الموقف لمثل أبي بكر:
ثم لو لم يكن الحفاظ عدوا هذه الرواية من موضوعات عبيد الله العمري وكان عندهم ثقة برجالها ولو بالعلاج ولو بقيل قائل لما أعرضوا عنها في تلكم القرون الخالية كلها، وكان يتلقاها حافظ عن حافظ وإمام عن إمام ولم تكن تخص روايتها بالمحب الطبري وابن كثير المتخصصين لذكر الموضوعات والأحاديث المفتعلة أو من يحذو حذوهما. وفي نفس الرواية ما يكذبها من شتى النواحي:
1 - إن عائشة ولدت في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة (3) والقضية على تسليم قبولها قد وقعت في السادسة من البعثة فأين كانت عائشة يوم ذاك؟ أشاهدت موقف أبيها وهي على ثدي أمها بنت سنة أو سنتين؟ لماذا لم يرو ذلك عن أبيها أو عن أمها أو عن أم جميل؟ لعل الرواية من ولائد القرون المتأخرة عنهم، ولدتها أم الفضائل بعد قضاء الدهر على حياة من خلقت لأجله.
2 - إن في لفظ الرواية: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية و وثلاثين رجلا. فعلى هذا لم يكن أبو بكر يوم ذاك مسلما أخذا بقول النبي صلى الله عليه وآله صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا (4) وما مرت من الصحيحة عن أمير المؤمنين عليه السلام لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الناس بسبع سنين (5) وما أسلفنا من صحيحة الطبري: إن أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين رجلا (6).
3 - في الرواية: ألح أبو بكر على رسول الله في الظهور فقال: يا أبا بكر! إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلخ. يكذبه ما في السير من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أظهر الدعوة قبل ذلك اليوم بثلاث سنين.
وروى ابن سعد وابن هشام والطبري وغيرهم: إن الله عز وجل أمر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه، وأن ينادي الناس بأمره ويدعو إليه فقال له: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (7) وكان قبل ذلك في السنين الثلاث من مبعثه إلى أن أمر بإظهار الدعوة إلى الله مستسرا مخفيا أمره صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه:
وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين، فإن عصوك فقل إني برئ مما تعملون (سورة الشعراء 214 - 17) (8).
فإظهار النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعوته كان بأمر من المولى سبحانه من دون سبق أي إلحاح من أي أحد عليه من أبي بكر أو غيره سواء كان أسلم أبو بكر يوم ذاك أولم يسلم.
على أن أبا بكر عد ممن كان يدعو سرا بعد ذلك اليوم بعد ظهور الدعوة من المسلمين فأين مقيل إلحاحه على رسول الله في الظهور من الصحة يوم ذاك؟ قال ابن سعد في طبقاته 1: 185: كان أبو بكر يدعو ناحية سرا، وكان سعد بن زيد مثل ذلك، وكان عثمان مثل ذلك، وكان عمر يدعو علانية وحمزة بن عبد المطلب فإسرار أبي بكر في الدعوة يوم إعلان عمر كان بعد ذلك اليوم، إذ أسلم عمر بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة. بعد أربعين رجلا (9) وقد مر في الرواية أن القضية وقعت والمسلمون ثمان وثلاثون نسمة.
وذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 259 حديثين في إسلام أم أبي بكر أحدهما عن ابن عباس قال أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم الزبير وأم عبد الرحمن بن عوف وأم عمار فقال:
فيه: خازم بن الحسين وهو ضعيف. وقال الذهبي في الميزان 1: 315: قال ابن معين: خازم ليس بشئ. وقال أبو داود: روى مناكير وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
والحديث الثاني للهيثمي عن طريق الهيثم بن عدي قال: هلك أبو بكر فورثاه أبواه جميعا وكانا أسلما. ثم قال: إسناده منقطع.
قال الأميني: كأن الحافظ الهيثمي يوهم بكلمته الأخيرة أن علة الحديث هي انقطاعه فحسب ولم يذكر بقية رجاله حتى تقف عليها نظارة التنقيب غير أن في ذكر الهيثم بن عدي الكذاب كفاية. قال البخاري: ليس بثقة كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي وغيره متروك الحديث. وقالت جارية الهيثم: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي فإذا أصبح جلس يكذب، وقال النسائي أيضا: منكر الحديث و ذكر حديثا وعده من افتراء الهيثم على هشام بن عروة. وقال أبو حاتم، متروك الحديث وقال أبو زرعة: ليس بشئ. وقال العجلي: كذاب وقد رأيته وقال الساجي: سكن مكة وكان يكذب. وقال إمام الحنابلة أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس. وقال الحاكم النقاش: حدث عن الثقات بأحاديث منكرة. وعد البيهقي والنقاش والجوزجاني الحديث من الموضوعات لكون الهيثم فيه. وقال أبو نعيم: يوجد في حديثه المناكير (10).
فإسلام أم أبي بكر كإسلام والده أبي قحافة قط لا يثبت. والذي ذكر إسلامهما من المؤرخين كابن كثير والديار بكري والحلبي وغيرهم لا يعول على قولهم بعد ما عرفت الحال في مستند أقوالهم، فلا قيمة للدعوى المجردة والتقول بلا دليل.
ويعرب عن جلية الحال بقاء أم الخير " أم أبي بكر " في حبالة أبي قحافة في مكة، وقد أسلمت هي على قول من يقول بإسلامها في السادسة من البعثة وأسلم أبو قحافة في الثامن من الهجرة سنة الفتح كما سمعت فتخللت بين إسلامهما ثلاثة عشر عاما، فبأي كتاب أم بأية سنة بقيت تلك المسلمة أم مثل أبي بكر تلك السنين المتطاولة في نكاح أبي قحافة الذي لم يسلم بعد؟ وما الذي جمع بينهما؟ والفراق بينهما كان أول شعار الإسلامية. فأين إسلامها؟ وبماذا يثبت والحال هذه؟
____________
(1) الرياض النضرة 1: 46، تاريخ ابن كثير 3: 30.
(2) ميزان الاعتدال 2: 180، لسان الميزان 4: 112.
(3) طرح التثريب 1: 147، الإصابة 4: 359.
(4) راجع الجزء الثالث ص 220 ط 2.
(5) راجع الجزء الثالث ص 221 ط 2.
(6) تاريخ الطبري 2: 215.
(7) سورة الحجر آية 94.
(8) تاريخ الطبري 2: 216، طبقات ابن سعد 1: 183، سيرة ابن هشام 1: 274.
الكامل 2: 23، تفسير القرطبي 10: 62، عيون الأثر لابن سيد الناس 1: 99، تاريخ أبي الفدا ج 1: 116، تفسير ابن كثير 2: 559، تفسير الخازن 3: 109، تفسير الشوكاني 3: 139.
(9) الاستيعاب هامش الإصابة 2: 459، تأريخ ابن كثير 3: 31
(10) ميزان الاعتدال 3: 265، لسان الميزان 6: 209، الغدير 5: 270 ط 2.


 

* (أبو بكر وأبواه في القرآن) *

لعبت أيدي الهوى بكتاب الله، وحرفت الكلم عن مواضعها، وجاء من يؤلف في التفسير وقد أعماه الحب وأصمه يخبط خبط عشواء، فتراه كحاطب ليل يروي في كتابه أساطير السلف الأولين من الوضاعين مرسلا إياها إرسال المسلم من دون أي تحقيق وتثبت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ومع ذلك يرون أنفسهم أئمة وقادة في علم القرآن العزيز. حتى يرون أن قوله تعالى في الأحقاف 15: ووصينا الانسان بوالديه حسنا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين.
نزلت في أبي بكر.
ويروون عن علي أمير المؤمنين وابن عباس أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا، حملته أمة تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهرا، أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه وغيره. فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده. فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة صدق أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة فلما بلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني أن اشكر نعمتك أنعمت علي وعلى والدي، واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلهم.
الكشاف 3: 99، تفسير القرطبي 16: 193، 194، الرياض النضرة 1: 47، مرقاة الوصول ص 121، تفسير الخازن 4: 132، تفسير النسفي هامش الخازن 4: 132، تفسير الشوكاني 5: 18.
ألا مسائل هؤلاء الأعلام المغفلين عن أن كون مدة الحمل والفصال ثلاثين شهرا هل يخص بأبي بكر فحسب حتى يخص بالذكر؟ أم هو مطرد في خلق الله، إما بكون مدة الحمل ستة أشهر ومدة لإرضاع حولين كاملين، وإما بكون الحمل تسعة أشهر والارضاع واحدا وعشرين شهرا؟ وإن الحري بالذكر هو الأول شذوذه عن العادة المطردة.
ثم إن كان هذا من خاصة أبي بكر وحكاية لحمله وفصاله فكيف يصح لمولانا أمير المؤمنين وابن عباس الاستدلال بالآية مع ما في سورة لقمان على كون أقل الحمل ستة أشهر كما مر في الجزء السادس ص 93 - 95 ط 2 فالآية الكريمة لا تبين إلا ما هو السائر الدائر بين البشر بأحد الوجهين المذكورين وبهذا يتم الاستدلال. وفيه قال ابن كثير في تفسيره 4: 157: وهو استنباط قوي صحيح ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. وابن كثير مع إكثاره بنقل الموضوعات لم يوعز إلى نزول الآية في أبي بكر لما يرى في نقله من الفضيحة على نفسه.
ثم إن في نص الآية: إن ذلك الانسان قال ما قاله وقد بلغ أشده وبلغ من عمره أربعين عاما. وأبو بكر لم يكن مسلما يوم ذاك لا هو ولا أبوه ولا أمه، أما هو فقد قدمنا أنه أسلم بعد سبع من البعثة بنصوص مرت في الجزء الثالث ص 220 - 223 ط 2 وأما أبوه فقد أسلم " إن أسلم " يوم الفتح في السنة الثامنة من الهجرة وكان لأبي بكر يومئذ ست وخمسون سنة أو أكثر.
وأما أمه فقد أسلمت " إن أسلمت " في السنة السادسة من البعثة وأبو بكر يوم ذاك ابن أربع وأربعين سنة أو أكثر منها.
فبماذا أنعم الله عليه وعلى والديه يوم قال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي. وكلهم غير مسلمين؟ والجملة دعائية بالنسبة إلى إلهام الشكر على ما أنعم الله به عليه وعلى والديه فحسب، وأما بالنسبة إلى كونهم من المنعم عليهم فخبرية تقتضي سبق تلك النعمة على ظرف الدعاء، فالقول بأن الله سبحانه استجاب له فأسلم والداه وأولاده كلهم مهزأة غير مدعومة بشاهد.
على أن أخبار إسلام والديه " بعد تسليمها والغض عما فيها " تدل على أن إسلام أمه كان بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لها بالاسلام، وإسلام أبيه من بركة مسحه صلى الله عليه وآله يده على صدره، فأين دعاء أبي بكر؟
وأما ما في ذيل الرواية مما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من أنه لم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر. فحاشا أمير المؤمنين بقول مثل ذلك، وقد عرفناك ص 310 - 312 زرافات من المهاجرين أسلموا هم وآبائهم وأمهاتهم ويقدمهم هو سلام الله عليه بالأولية والأولوية.



* (آية أخرى في أبي بكر وأبيه) *
وردت في قوله تعالى من سورة المجادلة: 62: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون.
من طريق ابن جريج: إن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وآله فصكه أبو بكر ابنه صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: أو فعلته لا تعد إليه فقال والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته. فنزلت قوله: لا تجد قوما. الآية.
تفسير القرطبي 17: 307 تفسير الزمخشري 3: 172، مرقاة الوصول حاشية نوادر الأصول ص 121، تفسير الآلوسي 28: 36.
قال الأميني: أصفق رجال التفسير على أن سورة الأحقاف التي مرت فيها الآية الأولى مكية، وعلى أن سورة المجادلة مدنية، وعلى أن هذه الآية نزلت بعد ردح من الزمن من نزول الأحقاف، ويظهر من تفسير القرطبي وابن كثير والرازي أنها نزلت بعد بدر واحد فيقع نزولها على هذا في السنة الرابعة من الهجرة تقريبا، فما وجه الجمع بين الآيتين على تقدير تسليم نزولهما في أبي بكر، والأولى منهما كما مر نص على أن أبا قحافة ممن أنعم الله عليه يوم كان لأبي بكر أربعون سنة، ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي. وهذه الآية كما ترى نص في أن أبا قحافة يوم نزولها - وكان يوم ذاك لأبي بكر ثلث و خمسون سنة تقريبا - كان ممن حاد الله ورسوله.
والذي يهون الخطب أن متن هذه الرواية كالرواية السبقة الوارد ة في الآية الأولى يكذب نفسها، إذ الآية كما سمعت نزلت بالمدينة، وظاهر الرواية وقوع القصة بها، و يوم ذاك كان أبو قحافة بمكة، فأين وأنى اجتمع أبو بكر مع أبيه وصكه؟
ثم هل يشترط وجوب قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وآله بقرب السيف ممن سمعه؟ أو شرع هذا الحكم بعد القضية؟ أو خص أبو قحافة منه بالدليل، سل من أعماه الغلو في الفضائل وأصمه، إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا، ويقولون هو من عند الله، و ما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون.


 

29- ملك يرد على شاتم الخليفة


أخرج يوسف بن أبي يوسف في الآثار ص 208 عن أبيه يعقوب بن إبراهيم القاضي عن أبي حنيفة قال: بلغني أن رجلا شتم أبا بكر فحلم أبو بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ثم إن أبا بكر رد عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: شتمني فلم تقم وقمت حين رددت عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ملكا كان يرد عنك فلما رددت أنت ذهب فقمت.
وأخرجه أحمد في مسنده 2: 436 من طريق أبي هريرة: إن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويتبسم فلما أكثر رد عليه بعض قوله فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت؟ قال: إنه كان معك ملك يرد عنك فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان.
قال الأميني: لم نعرف طريق بلاغ الحديث أبا حنيفة حتى نقف على مبلغه من الصحة ولعل أبا يوسف القاضي بمفرده يكفيه وهنا نظرا إلى بعض ما قيل فيه كقول الفلاس: صدوق كثير الخطاء.
وقول أبي حفص: صدوق كثير الغلط.
وقول البخاري: تركوه.
وقول يحيى بن آدم: شهد أبو يوسف عند شريك فرده وقال: لا أقبل من يزعم أن الصلاة ليست من الإيمان.
وقول ابن عدي: يروي عن الضعفاء.
وقول ابن المبارك بسند صحيح: إنه وهاه، وقوله لرجل: إن كنت صليت خلف أبي يوسف صلوات تحفظها فأعدها وقوله: لإن أخر من السماء إلى الأرض فتخطفني الطير أو تهوى بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أروي عن ذلك.
وقال رجل لابن المبارك: أيهما أصدق؟ أبو يوسف أو محمد؟ قال: لا تقل أيهما أصدق.
قل: أيهما أكذب.
وقول عبد الله بن إدريس: كان أبو يوسف فاسقا من الفاسقين.
وقول وكيع لرجل قال: أبو يوسف يقول كذا وكذا: أما تتقي الله بأبي يوسف تحتج عند الله عز وجل؟.
وقول أبي نعيم الفضل بن دكين: سمعت أبا حنيفة يقول لأبي يوسف: ويحكم كم تكذبون علي في هذه الكتب ما لم أقل؟.
وقول يحيى ين معين: لا يكتب حديثه. وقوله: كان ثقة إلا إنه كان ربما غلط .
وقول يزيد بن هارون: لا تحل الرواية عنه كان يعطي أموال اليتامى مضاربة و يجعل الربح لنفسه.
وقول ابن أبي كثير مولى بني الحارث أو النظام لما دفن أبو يوسف:

سقى جدثا به يعقوب أمسى * من الوسمي منبجس ركام
تلطف في القياس لنا فأضحت * حلالا بعد حرمتها المدام
ولولا أن مدته تقضت * وعاجله بميتته الحمام
لاعمل في القياس الفكر حتى * تحل لنا الخريدة والغلام (1)

وأما طريق أحمد ففيه سعيد بن أبي سعيد المدني وقد اختلطه قبل موته بأربع سنين كما في تهذيب التهذيب 4: 39، 40، ومتن الرواية يشهد على صدورها منه في أيام اختلاطه.
ومما لا ريب فيه إساءة الأدب من كلا المتسابين بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله ورفع أصواتهما بطبع من حال المتشاتم فإنه لا يؤتي به همسا والله يقول: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول. الآية وقد نزلت في أبي بكر وعمر تماريا عند رسول الله صلى الله عليه وآله كما مر حديثه في الجزء السابع ص 223.
وماذا على أبي بكر لو بقي متحلما مراعيا لأدب حضرة النبي إلى آخر مجلسه؟
كما فعله أولا لذلك أوان ما فعله أولا كان منه رمية من غير رام؟ فلا ينقلب إلى الإساءة وإزعاج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قام عنه.
وماذا عليه لو قام معه فيقطع مادة البغضاء؟ وماذا عليه لو سكت عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يسئ الأدب بالاعتراض والنقد على قيامه؟.
وماذا عليه لو أبقى الملك وهو يحسبه مظلوما فيسب الرجل ردا عليه؟ لكنه رآه مكافئ الظالم فتركه.
وعجبي مما في لفظ أحمد من قول النبي لأبي بكر: فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان. الخ. كيف كان ذلك المحفل خلوا من الشيطان إلى أن رد عليه أبو بكر والرجل كان يشتم أبا بكر ويكثر، ولما رد عليه وقع الشيطان؟ فكأن رد أبي بكر كان من همزات الشيطان دون سب الرجل إياه، وكأن النبي الأعظم لم تكن له مندوحة عن سماع شتم الرجل أبا بكر، أو لم تكن فيه مغضبة دون رد أبي بكر إياه؟
إن هذا لشئ عجاب.
ثم هل في عالم الملكوت من يقابل البذاءة بمثلها؟ أو إن هناك عالم القداسة لا يطرقه الفحش والسباب المقذع لقبحهما الذاتي؟ وهل لله سبحانه ملائكة قيضهم لذلك العمل القبيح؟ وهل هذا التقييض مخصوص بأبي بكر فحسب؟ أو إنه يكون لكل متسابين من المؤمنين إذا سكت أحدهما؟ وهل قيضت الملائكة للرد على من هجا رسول الله من المشركين؟ أنا لم أقف على أثر في هذه كلها، وليست المسألة عقلية فتعضدها البرهنة، مع قطع النظر عن استهجان العقل السليم لذلك، والمتيقن: إن جزاء الشاتم إن كان ظالما مرجئ إلى يوم الجزاء، وأما رده بقول لا يسمعه الظالم فيتأدب ويرتدع، ولا المظلوم فيشفي غليله، ولا أي أحد فيكون فضيحة لمرتكب القبيح فعساه يترك شنعته، فمن التافهات، نعم: أخرج الخطيب في تاريخه 5: 280 من طريق سهل بن صقين عن أبي هريرة مرفوعا: أن لله تعالى في السماء سبعين ألف ملك يلعنون من شتم أبا بكر وعمر.
غير أن الخطيب نفسه أردفه بقوله: سهل يضع. راجع ما أسلفناه في الجزء الخامس صفحة 280 ط 2.
____________
(1) تاريخ الخطيب البغدادي 14: 257، ميزان الاعتدال، لسان الميزان 6: 300.

 

30- خطبة النبي صلى الله عليه وآله في فضل الخليفة


أخرج البخاري في المناقب باب قول النبي: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر ج 5: 242 وباب الهجرة ج 6: 44 من طريق أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال: فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن إخوة الاسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر.
وزاد في لفظ ابن عساكر: فعلمنا أنه مستخلفه. وفي لفظ الرازي في تفسيره 2:
347: ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة.
قال الأميني: راجع الجزء الثالث من كتابنا هذا صفحة 176 - 187 ط 2 تزدد وثوقا بما تضمنته هذه الرواية من أكذوبة حديث الأبواب وسدها، وما لابن تيمية هنالك من مكاء وتصدية.
وأما بقية الحديث فمما فيه قول أبي سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا. لم يخص هذا العلم بأبي بكر وإنما تحمله كل من سمعه صلى الله عليه وآله ووعى أقواله في حجة الوداع الذي كان يقول فيها: يوشك أن أدعى فأجيب. إلى ما يقارب ذلك مما هو مذكور في الجزء الأول. وهب أن العلم بذلك كان مقصورا على الخليفة لكنه أي علم هذا يباهى به؟ أهو حل عويصة من الفقه؟ أو بيان مشكلة من الفلسفة؟ أو شرح غوامض من علوم الدين؟ أو كشف مخبأ من أسرار الكون؟ لم يكن في هذا العلم شئ من ذلك كله وإنما هو على فرض الصحة تنبه منه إلى أنه صلى الله عليه وآله يريد نفسه، ولعله سمعه قبل ذلك فتذكره عندئذ، وقد أسلفناه في الجزء السابع عند البحث عن أعلمية الرجل بما لا مزيد عليه. فراجع.
وأما قوله: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. فأي من لأي أحد في صحبته. صلى الله عليه وآله وسلم وإنفاق ماله في دعوته؟ ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها (1)، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها (2)، وكانت لرسول الله المنة على البشر عامة بالدعوة والهداية والتهذيب، وإن صاحبه أحد وناصره فلنفسه نظر ولها نصح، يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين (3)، لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين (4).
على أن منة المال لأبي بكر سالبة بانتفاء الموضوع وسنوقفك على جلية الحال، وقصة الخلة في ذيل الرواية أوقفناك عليها في الجزء الثالث وإنها موضوعة، ويعارضها موضوع آخر أخرجه الحافظ السكري من طريق أبي بن كعب أنه قال: إن أحدث الناس عهدي بنبيكم صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بخمس ليال دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول:
إنه لم يكن نبي إلا وقد اتخذ من أمته خليلا وأن خليلي من أمتي أبو بكر ابن أبي قحافة، ألا وإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا (5).
وموضوع آخر أخرجه الطبراني من طريق أبي أمامة إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وإن خليلي أبو بكر. كنز العمال 6: 138.
وموضع آخر أخرجه أبو نعيم من طريق أبي هريرة: لكل نبي خليل في أمته وإن خليلي أبو بكر. كنز العمال: 140.
هكذا تعارض سلسلة الموضوعات بعضها بعضا لجهل كل من واضعيها بما أتى به الآخر. ولكل منته وسعة باعه في نسج الأكاذيب، وما الله بغافل عما يعملون.
وقبل هذه كلها ما في رجال سند الرواة من الآفة لمكان إسماعيل بن عبد الله أبي عبد الله بن أبي أويس ابن أخت مالك ونسيبه والراوي عنه.
قال ابن أبي خيثمة: صدوق، ضعيف العقل ليس بذاك يعني إنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ من غير كتابه.
وقال معاوية بن صالح: هو وأبوه ضعيفان.
وقال ابن معين: هو وأبوه يسرقان الحديث. وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى ابن معين: مخلط يكذب ليس بشئ.
وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: غير ثقة. وقال اللالكائي: بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدي إلى تركه، ولعله بان له ما لم يبن لغيره لأن كلام هؤلاء كلهم يؤل إلى أنه ضعيف.
وقال ابن عدي: روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد. قال الأميني هذه الرواية التي رواها عن خاله من تلك الغرائب.
وذكره الدولابي في الضعفاء وقال: سمعت النصر بن سلمة المروزي يقول: ابن أبي أويس كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب.
وقال العقيلي في الضعفاء عن يحيى بن معين أنه قال: ابن أبي أويس لا يسوى فلسين وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح.
وذكره الاسماعيلي في المدخل فقال: كان ينسب في الخفة والطيش إلى ما أكره ذكره.
وقال بعضهم: جانبناه للسنة.
وقال ابن حزم في المحلى: قال أبو الفتح الأزدي حدثني سيف بن محمد: إن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.
وأخرج النسائي من طريق سلمة بن شبيب أنه قال: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شئ فيما بينهم (6).
أليس من الجزاف والقول الزور، قول النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم: إتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان: البخاري ومسلم؟.
أكتاب هذا حديثه وهذه ترجمة رجال إسناده وهو أخف ما فيه من الطامات يصلح أن يكون أصح الكتب بعد القرآن؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم، ولو كان هذا شأن الأصح المتفق عليه فما قيمة غيره في سوق الاعتبار؟.
____________
(1) سورة فصلت: 46.
(2) سورة الاسراء: 7.
(3) سورة الحجرات: 17.
(4) سورة آل عمران: 164.
(5) الرياض النضرة للمحب الطبري 1: 83، إرشاد الساري للقسطلاني 6: 83.
(6) تهذيب التهذيب 1: 312.


 

31- (ثناء أمير المؤمنين عليه السلام على الخليفة) إلى 66


أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 97 من طريق الحسن قال قال علي عليه السلام:
لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقد منا أبا بكر.
وأخرجه مرسلا أيضا المحب الطبري في الرياض النضرة 1: 150 فقال: وعنه قال: قال علي: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يصلي بالناس وقد رأى مكاني وما كنت غائبا ولا مريضا، ولو أراد أن يقدمني لقدمني فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا.
وعن قيس بن عبادة قال قال لي علي بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياما ينادي بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الاسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعنا.
قال الأميني: ما أجرأ الحفاظ على رواية هذه الأكاذيب الفاحشة، وإغراء بسطاء الأمة المسكينة بالجهل، والتمويه على الحقائق بأمثال هذه الأفائك؟ وهم مهرة الفن ولا يغرب عن أي أحد منهم عرفان ما في تلكم المختلقات من الغمز والاعتلال.
نعم وكم وكم يجد الباحث في طيات أجزاء كتابنا هذا مما يكذب هذه الأفيكة من التاريخ المتسالم عليه، والحديث الصحيح، والنصوص الصريحة من كلمات مولانا أمير المؤمنين، وشتان بينه وبين كلمات الحفاظ والمؤرخين حول تخلف علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر؟ مثل قول القرطبي في المفهم شرح صحيح مسلم في شرح حديث منه. قوله: كان لعلي من الناس جهة حياة فاطمة قال: جهة أي جاه واحترام كان الناس يحترمون عليا في حياتها كرامة لها كأنها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر. انصرف الناس عن ذلك الاحترام ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرق جماعتهم.
نعم: أكثر الوضاعون في الكذب على سيد العترة أمير المؤمنين وبان ذلك في الملاء حتى قال عامر بن شراحيل: أكثر من كذب عليه من الأمة الإسلامية هو أمير المؤمنين عليه السلام (1) وإليك نماذج مما يعزى إليه وهو سلام الله عليه برئ منه، أضفها إلى أحاديث الغلو في فضائل أبي بكر.
32 - عن علي: أول من يدخل من الأمة الجنة أبو بكر وعمر وإني لموقوف مع معاوية للحساب.
33 - عن علي مرفوعا: يا علي! لا تكتب جوازا لمن سب أبا بكر وعمر فإنهما سيدا كهول أهل الجنة بعد النبيين. ويأتي بلفظ آخر.
34 - عن علي مرفوعا: الخليفة بعدي أبو بكر وعمر ثم يقع الاختلاف.
35 - عن علي مرفوعا: يا علي! سألت الله ثلاثا أن يقدمك فأبى علي إلا أن يقدم أبا بكر.
36 - عن علي: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلي: أن أبا بكر سيتولى بعده ثم عمر ثم عثمان ثم أنا.
37 - عن علي: إن الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثناه عمر وثلثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
38 - عن علي: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا حتى عهد إلي: إن أبا بكر يلي الأمر بعده ثم عمر ثم عثمان ثم إلي فلا يجتمع علي.
39 - عن علي مرفوعا: أتاني جبرئيل فقلت: من يهاجر معي؟ قال: أبو بكر، ويلي أمر أمتك من بعدك وهو أفضل أمتك من بعدك.
40 - عن علي مرفوعا: أعز أصحابي إلي، وخيرهم عندي، وأكرمهم على الله، وأفضلهم في الدنيا والآخرة أبو بكر الصديق. الحديث بطوله.
41 - عن علي إنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله، إنه لصاحب الغار، وثاني اثنين، وإنا لنعلم بشرفه وكبره. الحديث.
42 - عن علي مرفوعا: يا علي إن الله أمرني أن اتخذ أبا بكر وزيرا، وعمر مشيرا وعثمان سندا، وإياك ظهيرا، أنتم أربعة فقد أخذ الله ميثاقكم في أم الكتاب، لا يحبكم إلا مؤمن ولا يبغضكم إلا فاجر، أنتم خلائف نبوتي، وعقدة ذمتي، وحجتي على أمتي، لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تعافوا.
43 - قيل لعلي: يا أمير المؤمنين! من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر. قيل: ثم من؟ قال عمر. قيل: ثم من؟ قال: عثمان. قيل: ثم من؟
قال: أنا.
44 - خطب علي خطبة وقال في آخرها: واعلموا إن خير الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم أنا. وقد رميت بها في رقابكم وراء ظهوركم فلا حجة لكم علي.
45 - سئل علي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: أخبرنا عن أبي بكر ابن أبي قحافة قال: ذاك امرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل عليه السلام وعلى لسان محمد صلى الله عليه وآله كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله رضيه لديننا فرضينا لدنيانا.
46 - عن علي: إنه كان يحلف بالله إن الله تعالى أنزل اسم أبي بكر من السماء: الصديق.
47 - عن علي: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من صلى إلى القبلة علي بن أبي طالب.
48 - عن عبد الرحمن (2) بن أبي الزناد عن أبيه قال: أقبل رجل فتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب فقال: يا أمير المؤمنين! ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكر وأنت أورى منقبة، وأقدم إسلاما، وأسبق سابقة؟ قال: إن كنت قرشيا فأحسبك من عائذة، قال نعم. قال: لولا إن المؤمن عائذ الله لقتلتك. ويحك إن أبا بكر سبقني لأربع لم أوتهن ولم اعتض منهن: سبقني إلى الإمامة. أو تقدم الإمامة. و تقدم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الاسلام. الحديث بطوله وفي آخره: ثم قال: لا أجد أحدا يفضلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري.
49 - عن علي: جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يهاجر معي؟
فقال: أبو بكر، وهو الصديق. مر بلفظ آخر.
50 - جاء أبو بكر وعلي يزوران النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بستة أيام فقال علي لأبي بكر: تقدم يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: ما كنت لأتقدم رجلا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: علي مني كمنزلتي من ربي. فقال علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من أحد إلا وقد كذبني غير أبي بكر، وما منكم من أحد يصبح إلا على بابه " على باب قلبه " ظلمة إلا باب أبي بكر. فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله؟ قال: نعم. فأخذ أبو بكر بيد علي ودخلا جميعا.
51 - عن علي مرفوعا: ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر.
52 - عن علي: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! ألا تستخلف؟
فقال: إن يعلم الله فيكم خيرا استعمل عليكم خيركم. فعلم الله فينا خيرا فأستعمل علينا أبا بكر.
53 - عن علي قال: أفضلنا أبو بكر.
54 - عن علي مرفوعا: ينادي مناد يوم القيامة: أين السابقون الأولون؟ فيقال من؟ فيقول: أين أبو بكر الصديق؟ فيتجلى الله لأبي بكر خاصة وللناس عامة.
55 - عن علي مرفوعا: الخير ثلثمائة وسبعون خصلة إذا أراد الله بعبد خيرا جعل فيه واحدة منهن فدخل بها الجنة قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله! هل في شئ منها؟
قال: نعم جمع من كل.
56 - عن علي مرفوعا: يا أبا بكر! إن الله أعطاني ثواب من آمن به منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك ثواب من آمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة.
57 - إلتقى أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب فتبسم أبو بكر في وجه علي فقال له علي: مالك تبسمت؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي بن أبي طالب الجواز. فضحك علي وقال: ألا أبشرك يا أبا بكر!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكتب الجواز إلا لمن أحب أبا بكر.
58 - عن علي مرفوعا: نازلت ربي فيك ثلاثا فأبى إلا أبا بكر
59 - عن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدا نأخذ به في الإمارة، و لكنه شئ رأيناه من قبل أنفسنا، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن قبل أنفسنا. ثم استخلف أبو بكر فأقام واستقام، ثم استخلف عمر فأقام واستقام، حتى ضرب الدين بجرانه.
60 - قال أبو بكر لعلي بن أبي طالب: قد علمت أني كنت في هذا الأمر قبلك؟
قال: صدقت يا خليفة رسول الله! فمد يده فبايعه.
61 - قام أبو بكر بعد ما بويع له وبايع له علي وأصحابه فأقام ثلاثا يقول: أيها الناس قد أقتلكم بيعتكم، هل من كاره؟ قال: فيقوم علي في أوائل الناس يقول: لا والله لا نقيلك ولا نستقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذا الذي يؤخرك؟.
وفي لفظ: ولولا إنا رأيناك أهلا ما بايعناك.
وفي لفظ سويد بن غفلة: لما بايع الناس أبا بكر قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس أذكر بالله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه، قال: فقام إليه علي بن أبي طالب ومعه السيف فدنا منه حتى وضع رجلا على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: والله لا نقيلك. الحديث
62 - عن علي مرفوعا: خير أمتي بعدي أبو بكر وعمر.
63 - عن علي إنه دخل على أبي بكر وهو مسجى فقال: ما أحد لقي الله بصحيفة أحب إلي من هذا المسجى.
64 - عن علي: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا أن أفضلنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفنا إن أفضلنا بعد أبي بكر عمر رضي الله تعالى عنهما.
65 - عن علي: مرفوعا: يا علي! هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين و الآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي. قال: فما أخبرتهما حتى ماتا.
66 - عن علي مرفوعا: أول من يحاسب يوم القيمة أبو بكر. يأتي بطوله.
هذه غياهب الإفك والإحن، وأغشية التمويه والدجل، ظلمات بعضها فوق بعض ، أو قل: هي أساطير الأولين التي اكتتبوها، أحاديث الغلو وقصص الخرافة لفقتها يد الأمانة الخائنة على السنة النبوية تقولا على مولانا أمير المؤمنين، لقد فصلنا القول فيها في طيات أجزاء (3) كتابنا هذا، وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا.
____________
(1) تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 77.
(2) قال ابن معين. ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشئ. وعن ابن المدني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وكان عبد الرحمن يخط على حديثه، وضعفه الساجي وابن شيبة، وقال النسائي لا يحتج بحديثه. تهذيب التهذيب 6: 171.
(3) تجد بسط المقال حول جلها في الجزء الخامس ص 297 375 ط 2.


 

67- ليلة الغار والخليفة فيها


أخرجها أبو نعيم الاصبهاني في حلية الأولياء 1: 22 عن عبد الله بن محمد بن جعفر عن محمد بن العباس بن أيوب عن أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب عن أبي معاوية عن هلال بن عبد الرحمن عن عطاء بن أبي ميمونة أبي معاذ عن أنس بن مالك قال: لما كان ليلة الغار قال: أبو بكر يا رسول الله! دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شئ كانت لي قبلك. قال: ادخل، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه، فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فأين ثوبك يا أبا بكر؟ فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: أللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة. فأوحى الله تعالى إليه: إن الله قد استجاب لك.
وقال ابن هشام في السيرة 2: 98: حدثني بعض أهل العلم إن الحسن البصري قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمس الغار لينظر أفيه سبع أو حية يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه.
وذكره ابن كثير في تاريخه 3: 179 فقال: فيه انقطاع من طرفيه.
وفي مرسل المحب الطبري في الرياض 1: 65: دخل أبو بكر الغار فلم ير فيه جحر إلا أدخل إصبعه فيه حتى أتى على جحر كبير فأدخل رجله فيه إلى فخذه ثم قال:
ادخل يا رسول الله! فقد مهدت لك الموضع تمهيدا.
وبات أبو بكر بليلة منكرة من الأفعى فلما أصبح قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا أبا بكر؟ وقد تورم جسده فقال: يا رسول الله! الأفعى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلا أعلمتني؟ فقال أبو بكر: كرهت أن أفسد عليك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على أبي بكر فاضمحل ما كان بجسده من الألم وكأنه أنشط من عقال.
وقال في مرسل آخر عن عمر في ص 68: كان في الغار خروق فيها حيات و أفاعي فخشي أبو بكر أن يخرج منها شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه ويلسعنه الحيات والأفاعي، وجعلت دموعه تتحادر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: يا أبا بكر! لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته وهي الطمأنينة لأبي بكر.
والذي صححه الحاكم في المستدرك من طريق عمر من الحديث قوله: فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله! حتى استبرئ الحجرة فدخل واستبرأ ثم قال: أنزل يا رسول الله! فنزل فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر.
فقال الحاكم: صحيح لولا إرسال فيه.
وفي حديث زيفه ابن كثير بالإرسال أيضا: قال أبو بكر: كما أنت حتى أدخل يدي فأحسه وأقصه فإن كانت فيه دابة أصابتني قبلك. قال نافع: فبلغني إنه كان في الغار جحر فألقم أبو بكر رجله ذلك الجحر تخوفا أن يخرج منه دابة أو شئ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي لفظ: لما دخل الغار سدد تلك الأجحر كلها وبقي منها جحر واحد، فألقمه كعبه فجعلت الأفاعي تنهشه ودموعه تسيل " تاريخ ابن كثير 3: 180 " فقال: في هذا السياق غرابة ونكارة.
وزاد عليه الحلبي في السيرة: قد كان صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجر أبي بكر رضي الله تعالى عنه ونام فسقطت دموع أبي بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
مالك يا أبا بكر؟ قال لدغت فداك أبي وأمي، فتفل رسول الله على محل اللدغة فذهب ما يجده.
وقال: زاد في رواية: وإنه رأى على أبي بكر أثر الورم فسأل عنه فقال: من لدغة الحية فقال: هلا أخبرتني؟ قال: كرهت أن أوقظك فمسحه النبي صلى الله عليه وسلم فذهب ما به من الورم والألم.
وقال: قال بعضهم: والسر في اتخاذ رافضة العجم اللباد المقصص على رؤوسهم تعظيما للحية التي لدغت أبا بكر في الغار، لأنهم يزعمون أن ذلك على صورة تلك الحية.
السيرة الحلبية 2: 39، 40، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1: 342.
قال الأميني: للباحث حق النظر في هذه الرواية من عدة نواحي، أولا من حيث رجال السند ولا إسناد لها منذ يوم وضعت، ولا تروى في كتب السلف والخلف إلا مرسلة إما من الطرفين كرواية ابن هشام، وإما من طرف واحد كإسناد الحاكم وأبي نعيم، ومن الغريب جدا أن القضية مشتركة بين اثنين ليس إلا، وهما: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وروايتها بطبع الحال تنحصر بهما غير أنها لم تنقل عنهما ولم يوجد لهما ذكر في أي سند، والدواعي في مثلها متوفرة لأن يذكر مع الأبد، وتتداولها الألسن، إذ فيها من أعلام النبوة، وكرامة مع ذلك لأبي بكر.
وإسناد أبي نعيم المذكور لا يعول عليه لمكان عبد الله بن محمد بن جعفر، قال ابن يونس: خلط في الآخر، ووضع أحاديث على متون معروفة، وزاد في نسخ مشهورة فافتضح وحرقت الكتب في وجهه.
وقال الحاكم عن الدار قطني: كذاب ألف كتاب سنن الشافعي وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي.
وقال الدارقطني: وضع في نسخة عمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث.
وقال علي بن رزيق: كان إذا حدث يقول: لأبي جعفر ابن البرقي في حديث بعد حديث: كتبت هذا عن أحد. فكان يقول نعم عن فلان وفلان. فاتهمه الناس بأنه يفتعل الأحاديث، ويدعيها ابن البرقي كعادته في الكذب. قال: وكان يصحف أسماء الشيوخ (1).
على أن عبد الله بن محمد توفي سنة 315 كما في لسان الميزان فلا تتم رواية أبي نعيم عنه وهو من مواليد 336.
وفيه: محمد بن العباس بن أيوب الحافظ الشهير بابن الاخزم، قال أبو نعيم نفسه:
اختلط قبل موته بسنة كما في لسان الميزان 5: 216 ولما لم يعلم تاريخ صدور الرواية منه أهو قبل الاختلاط أم بعده؟ - إن لم تعد الرواية من بينات الاختلاط - سقطت عن الاعتبار كما هو الشأن في رواية كل من اختلط. عن:
أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب، أحسبه السرخسي، أخرج الخطيب في تاريخه 5: 140 حديثا من طريقه فقال: رجاله كلهم ثقات معروفون بالثقة إلا المؤدب. عن:
أبي معاوية محمد بن خازم، مرجئ مدلس رئيس المرجئة بالكوفة كما في تهذيب التهذيب 9: 139. عن:
هلال بن عبد الرحمن قال العقيلي: منكر الحديث، وقال بعد ما ذكر له أحاديث:
كل هذه مناكير لا أصول لها ولا يتابع عليها. وقال الذهبي: الضعف على أحاديثه لائح فليترك. " لسان الميزان 6: 202 " عن:
عطاء بن أبي ميمون. ثقة صالح قدري لا يحتج بحديثه، راجع تهذيب التهذيب 7: 215.
ولما لم يصح شئ من أسانيد الرواية ومتونها لم يوعز إليها السيوطي في الخصايص الكبرى في باب ما وقع في الهجرة النبوية من الآيات والمعجزات، وقد ذكر فيه أحاديث ضعيفة مع النص على ضعفها، فكأنه عرف بأن ذكر هذه الرواية تمس كرامة المؤلف وتحط مكانة تأليفه عن الأنظار، وهكذا لم يذكرها أحد ممن ألف في أعلام النبوة ومعاجز النبي الأعظم.
ثانيا: إن الأصول القديمة في القرون الأولى لا يوجد فيها إلا أن أبا بكر دخل الغار قبل النبي صلى الله عليه وآله لينظر أفيه سبع أو حية كما في سيرة ابن هشام، ولم يصح عند الحاكم من القصة إلا هذا المقدار كما سمعت ولو صح شئ زايد على هذا لما فاتته روايته ولو مرسلة.
وزيدت في القرن الرابع قصة الثوب وبقاء جحر واتكاء أبي بكر عليه بعقبه ودعاء النبي صلى الله عليه وآله له لاتقائه عنه صلى الله عليه وآله بثوبه عن لدغ الحشرات المزعومة.
وجددت النغمات في قرن المحب الطبري المتخصص الفنان في رواية الموضوعات وجمع شتاتها، فجاء في روايته ما سمعت غير أن ألفاظه مع وجازته مضطربة جدالا يلتئم شئ منها مع الآخر.
ثم جاء الحلبي فنوم رسول الله صلى الله عليه وآله ورأسه في حجر أبي بكر، وسقى وجه رسوله الكريم بدموع أبي بكر المتساقطة من الألم، كل هذه لم يبرد كبد الحلبي وما شافي غليله، فوجه قوارصه على الرافضة وألبس رؤوسهم لبادا مقصصا على صورة تلك الحية الموهومة التي لم يزعن رافضي قط بوجوده.
ثم لما أدخل أبو بكر رجله في الجحر ونزل النبي صلى الله عليه وآله ووجده قاعدا لا يتحرك، ورام أن ينام، ووضع رأسه الشريف في حجره، هلا سأل صلى الله عليه وآله صاحبه عن حالته العجيبة وجلوسه المستغرب الذي لا يقوم عنه؟ وهل يمكن له أن يستر على صاحبه كلما فعل وهو معه ينظر إليه من كثب؟.
وأي لديغ هذا؟ وأي تصبر وتجلد؟ وأي منظر مهول؟ رجل الرجل في الجحر إلى فخذه ولا ثوب عليه، ورأس النبي العظيم في حجره، والأفاعي والحيات تلدغه و تلسعه من هنا وهنا، لا اللديغ يتململ السليم، حتى يحرك رجله أو عقبه فتجد تلكم الحشرات مسرحا فتبعد عنه، ولا يأن ولا يحن ولا تسمع له زفرة وإن الدموع تتحادر حتى يستيقظ النبي الذي تنام عينه ولا ينام قلبه (2) فينجي صاحبه الذي اختاره لصحبته من لسعة الحيات والأفاعي.
وهل من العدل والعقل والمنطق أن يحفظ الله نبيه عن كل هاتيك النوازل؟ و يري له في الدرأ عنه آية بعد آية في سويعات؟ من ستره عن أعين مشركي قريش لما مر بهم من بين أيديهم، وإنباته شجرة في وجهه تستره بها، وإيقاعه حمامتين وحشيتين بفم الغار، ونسج العناكيب باب الغار بأمر منه تعالى شأنه (3)، ويدع صاحبه الذي اتخذه بأمره، وتفانى في حب النبي صلى الله عليه وآله، وعرض نفسه للمهالك دونه بدخوله الغار قبله، فلم يدفع عنه لدغ الحيات والأفاعي، ولا يرحمه في تلك الحالة التي تكسر القلوب، وتشجي الافؤدة، وينظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ويقول له: لا تحزن إن الله معنا. والمسكين يبكي وتسيل دموعه.
م - وهلا كان يعلم أبو بكر أن الله الذي أمر نبيه بالهجرة وأدخله الغار يكلاءه عن لدغ الحيات والأفاعي بقدرته كما أعمى عنه عيون البشر الضاري، وقصر عن النيل منه مخالب تلك الفئة الجاهلة؟.
وهلا كان يؤمن بأن صاحبه المفدى لو اطلع على حاله لينجيه بمسحة مسيحية أو بدعوة مستجابة؟ فكل ما حكي عنه لماذا؟ ]
نعم: أعمى الحب مختلق الرواية وأصمه فجاء بالتافهات غلوا في الفضائل.
____________
(1) لسان الميزان 3: 345.
(2) أخرج الشيخان في الصحيحين مرفوعا: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي، وأخرجا أيضا مرفوعا: إن الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم.
(3) طبقات ابن سعد 1: 213، الخصايص الكبرى 1: 185: 186.


 

68- الشيطان لا يتمثل بأبي بكر


أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه 8: 334 عن محمد بن الحسين قطيط أبي الفتح شيباني الذي ترجمه في تاريخه ولم يذكره بثقة. عن
2 - خلف بن عامر الضرير، قال الذهبي في ميزانه 1: فيه جهالة، قال ابن الجوزي:
روى حديثا منكرا " يعني هذا الحديث " (1). عن
3 - محمد بن إسحاق بن مهران أبي بكر الشافعي قال الخطيب في تاريخه 1: 258:
حديثه كثير المناكير. وحسبك في عرفان حاله حديثه الذي أخرجه الخطيب في ترجمته مرفوعا: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه فإنه أمين مأمون. فراو يكون هذا حديثه لا يرتاب من كذبه ووضعه. عن
4 - أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي ذكره ياقوت في المعجم 3: 228 وقال: قالوا:
كان ضعيفا فيما يرويه. قال ابن عدي الحافظ: يحدث عن الأصمعي والقرقساني بمناكير وقال أبو أحمد الحافظ: لا يتابع على جل حديثه.
وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب 1: 60 كلمة ابن عدي وأبي أحمد وزاد عليها: قال الحاكم أبو عبد الله: سكت مشايخنا عن الرواية عنه، وقال ابن حبان: ربما خالف، قال الذهبي: ليس بعمدة.
وقال السيوطي في بغية الوعاة 5: 144: قال ابن عيسى: يحدث بمناكير. عن رجال ثقات عن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي، ومن رأى أبا بكر الصديق في المنام فقد رآه فإن الشيطان لا يتمثل به.
قال الأميني: لم يدع القوم خاصة للأنبياء أماثل البشر إلا وقد أشركوا بهم فيها أناسا ليسوا أمثالهم في العصمة والقداسة والنفسيات الكريمة والملكات الفاضلة، أخرج الشيخان حديث من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي. ورواه الحفاظ من طرق صحيحة لا مغمز لها، ونص السيوطي كما في شرح المناوي على تواتره، ورآه أئمة الفن من خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله ومن فضائله التي تخص به، وفصلوا القول في بيان أسراره، وعده السيوطي من خصائصه صلى الله عليه وآله في الخصايص الكبرى 2: 258 تحت عنوان " باب ومن خصائصه إن رويته في المنام حق " ولم أجد أحدا من شراح الحديث سلفا وخلفا يوعز إلى هذه الموضوعة التي جاء بها الخطيب في القرن الخامس، فكأن الكل ضربوا عنها صفحا وعرفوا إنها مكذبة مختلقة، غيران الخطيب راقه أن يرويها ويسكت عما في إسنادها من العلل شأنه في فضائل غير العترة الطاهرة، وأعجب منه إن ابن حجر ذكرها في لسان الميزان 2: 403 في ترجمة خلف بن عامر فقال: روى عن محمد بن إسحاق بن مهران بسند صحيح. وهو الذي ترجم ثلاثة من رجال السند بما سمعت، هكذا تخط يد الغلو في الفضائل الجانبية على ودايع العلم والدين، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (2).
____________
(1) لسان الميزان 2: 403.
(2) سورة البقرة: 79.


 

69- أبو بكر لم يسؤ النبي قط


أخرج الخلعي وابن مندة وغيرهما من طريق سهل بن مالك قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع صعد المنبر فقال: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط فاعرفوا له ذلك (1).
قال ابن منده: غريب لا نعرفه إلا من وجه خالد بن عمرو الأموي. وقال ابن حجر بعد نقله: قلت: خالد بن عمرو متروك واهي الحديث إلى أن قال نقلا عن أبي عمر: و مدار حديثه (2) على خالد بن عمرو وهو متروك وإسناد حديثه مجهولون ضعفاء يدور على سهل بن يوسف أو مالك بن يوسف (3).
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب 3: 109 في ترجمة خالد بن عمرو: قال أحمد منكر الحديث، ليس بثقة يروي أحاديث بواطيل، وعن يحيى بن معين قال: ليس حديثه بشئ، كان كذابا يكذب، حدث عن شعبة أحاديث موضوعة، وقال البخاري والساجي وأبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: متروك الحديث ضعيف. و قال أبو داود: ليس بشئ وقال النسائي: ليس بثقة. وقال صالح بن محمد البغدادي: كان يضع الحديث. وقال ابن حبان: كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات لا يحل الاحتجاج بخبره. وقال ابن عدي: روى عن الليث وغيره أحاديث مناكير وأورد له أحاديث من روايته عن الليث عن يزيد ثم قال: وهذه الأحاديث كلها باطلة، وعندي إنه وضعها على الليث ونسخة الليث عن يزيد عندنا ليس فيها من هذا شئ وله غير ما ذكرت و عامتها أو كلها موضوعة، وهو بين الأمر من الضعفاء، وعن أحمد بن حنبل أنه قال: أحاديثه موضوعة. الخ.
قال الأميني: إقرأ ثم انظر إلى أمانة الحافظ المحب الطبري يروي هذه الأكذوبة محذوف الاسناد مرسلا إياها إرسال المسلم ويعد ها من فضائل أبي بكر، وتبعه في جنايته هذه غير واحد من المؤلفين، وهم يحسبون إنهم يحسنون صنعا، ويحسبون إنهم على شئ ألا إنهم هم الكاذبون.
____________
(1) الرياض النضرة 1: 127، الإصابة 2: 90.
(2) يعني حديث سهل.
(3) الإصابة 2: 90.


 

70- الآيات النازلة في أبي بكر


قال العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص 134: عن الشيخ زين العابدين البكري إنه لما قرأت عليه قصيدة جده محمد البكري ومنها:

لإن كان مدح الأولين صحائفا * فإنا لآيات الكتاب فواتح

قال المراد: بأول الكتاب: ألم ذلك الكتاب. فالألف أبو بكر، واللام لله، والميم محمد.
وذكر البغوي: إن المراد من قوله تعالى: واتبع سبيل من أناب إلي (1) هو أبو بكر
ذكر أهل التفسير في قوله تعالى: ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة: إنه الصديق. قال الشيخ محمد زين العابدين: كان للصديق ثلثمائة كرسي وستون كرسيا على كل كرسي حلة بألف دينار.
قال الأميني: هاهنا ننهي البحث عن فضائل أبي بكر، ولا يسعنا الولوج في الكلام حول الآيات التي تقول القوم نزولها فيه، وقد حرفوا آيا كثيرة، وقالوا في كتاب الله ما سولت لهم الميول والشهوات، وراقهم الغلو في الفضائل لدة ما سمعت من المخازي، كما لا نفيض القول في الغلو الفاحش فيه بالقريض مثل قول الشاعر العلامة الملا حسن أفندي البزاز الموصلي في ديوانه ص 42:

إن قدر الصديق جل فأضحى * كل مدح مقصرا عن علاه
ليت شعري ما قيمة الشعر فيمن * جاء في محكم الكتاب ثناه؟
كل من في الوجود يبغي رضا * الله تعالى والله يبغي رضاه

وقوله في مدحه أيضا:

إن ذكر الصديق ما دار إلا * ملاء الكون هيبة ووقارا
صاحب الغار كان للسيد * المختار والله صاحبا مختارا
تاه في ذكره الوجود فلولا * هيبة منه أو قرته لطارا

نعم لنا حق النظر في ثروة أبي بكر التي منحوه بها، فكانت من جرائها له المنن على رسول الله وعلى الدين والمسلمين، تلك الثروة الطائلة التي هيئت له ألف ألف أوقية - كما جاء فيما أخرجه النسائي (2) عن عائشة قالت: فخرت بمال أبي في الجاهلية وكان ألف ألف أوقية (3) - ونضدت له ثلثماة وستين كرسيا في داره، وأسدلت على كل كرسي حلة بألف دينار، كما سمعته عن الشيخ محمد زين العابدين البكري، وأنت تعلم ما يستتبع هذا التجمل من لوازم وآثار، وأثاث ورياش، ومناضد وأواني وفرش، لا تقصر عنها في القيمة، وما يلزم من خدم وحشم، وقصور شاهقة، وغرف مشيدة، وما يلازم هذه البسطة في المال من خيل وركاب وأغنام ومواشي وضيعة وعقار، إلى غيرها من توابع الجاه والمال.
أنا لا أدري أي باحة كانت تقل ذلك كله؟ ولم يفز بمثلها يومئذ أحد من ملوك الدنيا، وهل كانت الكراسي المذكورة منضدة في غرفة واحدة؟ فما أكبرها من غرفة؟
تضاهي ميادين القتال، ومفازات البراري، وما أكبر الدار التي هي إحدى غرفها؟ و أي يوم كان يوم قبول أبي بكر؟ تزدلف إليه فيه الرجال فتجلس على تلكم الكراسي ، ولم لا نسمع من السير والتواريخ عن ذلك اليوم ركزا؟ أكان في أفواه الجالسين عليها أوكية عن نقل شئ من حديثه؟ وطبع الحال يقضي أن يكون في ذلك المحتشد العظيم المتكرر في كل أسبوع، وعلى الأقل في كل شهر. وأقل منه في كل سنة، ولا أقل من انعقاده في العمر مرة، من الأنباء ما لا يلهو التاريخ عن ذكره، ولا يستسهل المؤرخ تركه، لكنك بالرغم من ذلك كله لا تجد عنه إلا همسا يتخافت به العبيدي بعد لأي من عمر الدهر.
ومن أي حرفة أو مهنة أو صنعة أو ضياع حصل على الرجل مليون أوقية من النقود؟
وكان يومئذ يوم فاقة لقريش، وكانوا كما وصفتهم الصديقة الطاهرة في خطبتها مخاطبة أبا بكر والقوم معه: كنتم تشربون الطرق (4) وتقتالون الورق، أذلة خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله برسوله (5).
ولعل في ذلك اليوم كان ما رواه الماوردي في أعلام النبوة ص 146 من طريق مالك بن أنس إنه بلغه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فسألهما فقال: ما أخرجكما؟ فقالا: أخرجنا الجوع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: و أنا أخرجني الجوع فذهبوا إلى أبي الهيثم بن التيها فأمر له بحنطة أو شعير عنده يعمل.
الحديث.
ثم متى أدركت عائشة العهد الجاهلي؟ وقد ولدت بعد المبعث بأربع أو خمس سنين (6) وهل كانت تفخر في دور الاسلام بثروة بائدة في الجاهلية وصاحبها جائع في الحال الحاضر؟.
ولست أدري ما الذي قضى على تلكم الآلاف المؤلفة؟ وما الذي أفناها وأبادها وأفقر صاحبها؟ حتى أصبح ولا يملك شيئا، أو كان لا يملك يوم هجرته إلا أربعة أو خمسة أو ستة آلاف من الدراهم - إن كان ملكها - ولو كان أنفق أي أحد عشر معشار ذلك المال لدوخ العالم صيته، وكان يومئذ يعد في الرعيل الأول من أجواد الدنيا ولم يوجد في صحيفة التاريخ ذكر من تلكم الآلاف والكراسي والحلل، هب أن الذهبي قال في حديث عائشة: ألف الثانية باطلة قطعا فإن ذلك لا يهيأ لسلطان العصر. وأقر ابن حجر تعقيبه في تهذيب التهذيب (7) فأين قصة ألف أوقية الصحيحة في صحائف التاريخ؟.
وإن صحت الأحلام، وصدقت هذه القصص الوهمية، وكان لأبي بكر ذلك المال الطائل الخيالي لما افتقر أبو قحافة والده لأن يكون أجير عبد الله بن جذعان للنداء على طعامه، ولم يكن يقتني بتلك الخسة لماظة من العيش كما قاله الكلبي في المثالب وأشار إليه أمية بن الصلت في قصيدة يمدح بها ابن جذعان بقوله:
له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى عليها * لباب البر يلبك بالشهاد (8)
قال الكلبي: المشمعل هو: سفيان بن عبد الأسد. وآخر: أبو قحافة، وفي تعليق مسامرة الأوائل ص 88: يقال: إن الداعي هو أبو قحافة والد الصديق.
بل يحق على صاحب ألف ألف أوقية، وثلثمائة وستين كرسيا محلى بالديباج أن ينادي على الطعام في دور ضيافته عشرة مثل أبي قحافة فضلا عن أن يكون أجير أناس آخرين بدراهم زهيدة، أو بشبع من الطوى.
وإن كان لأبي بكر عندئذ ما حسبوه من الثروة أو شطر منها لما احتاج إلى أن يبتاع للهجرة مع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم راحلتين بثمانمائة درهم (9) ثم قدم إحديهما لرسول الله صلى الله عليه وآله فلم يقبلها إلا بالثمن، وقال صلى الله عليه وآله: إني لا أركب بعيرا ليس لي، قال أبو بكر: فهو لك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي قال: لا، ولكن ما الثمن الذي إبتعتها به؟
قال: كذا وكذا قال: قد أخذتها بذلك (10).
ولم يكن رد رسول الله صلى الله عليه وآله إياها إلا لضعف حال أبي بكر من ناحية المال، أو إنه لم يرقه أن يكون لأحد عليه منة حتى لا يفتعل عليه بعد ملاوة من الدهر بقول من افتعل عليه: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر. كما مر في ص 33 من هذا الجزء.
على إن للنظر في رواية الراحلتين مجالا واسعا بما رواه ابن الصباغ في الفصول المهمة والحلبي في السيرة 2: 44 من أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أسماء بنت أبي بكر أن تأتي عليا وتخبر بموضعهما وتقول له: يستأجر لهما دليلا ويأتي معه بثلاث من الإبل بعد مضي ساعة من الليلة الآتية وهي الليلة الرابعة، فجاءت أسماء إلى علي كرم الله وجهه فأخبرته بذلك، فاستأجر لهما رجلا يقال له: الأريقط بن عبد الله الليثي، وأرسل معه بثلاث من الإبل، فجاء بهن إلى أسفل الجبل ليلا فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم رغاء الإبل نزل من الغار هو وأبو بكر فعرفاه.
وفيه صراحة بأنه لم تكن هناك راحلتين لأبي بكر معبأتين بركوبهما، وإنما جئ بالرواحل مستأجرة، وقد جمع الحلبي بين هذا وبين حديث الراحلتين بأن المراد باستيجار علي رضي الله عنه إعطاؤه الأجرة. وهذا الجمع يأباه لفظ الحديثين كما ترى.
ولقد روي كما يأتي إن الذي استصحبه أبو بكر من المال يوم هاجر من المدينة وهو كل ما يملكه أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، فأين هذا من الألف ألف أوقية؟ والكراسي المذكورة وحللها المقومة بثلاثمائة وستين ألف دينار وما يتبعها؟ و أي نسبة بين صاحب تلك الثروة وبين ما لا يملك إلا هذه الدراهم المعدودة؟
وأي نسبة بينها وبين أيامه وأيام أبيه بمكة وبين ما كان يحترف به في المدينة من بيع الابراد والأقمشة على عنقه وعلى صاعده وحرفة ضئيلة يدور بها في الأزقة و الأسواق من دون أن يستقر في متجر أو حانوت.
أخرج ابن سعد من طريق عطاء قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وما كسوه في الرأس والبطن.
وروى من طريق عمير بن إسحاق: إن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟ هاتها أكفيكها. فقال: إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب من عيالي.
وفي لفظ آخر لابن سعد أيضا: إن أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له وقال: لا تغروني من عيالي.
وفي لفظ الحلبي. لما بويع أبو بكر بالخلافة أصبح رضي الله عنه على ساعده قماش وهو ذاهب إلى السوق فقال له عمر: أين تريد؟. الخ (11).
ثم متى كان إنفاقه لثروته الطائلة على النبي صلى الله عليه وآله وفي مناجحه ومصالحه، حتى كان به أمن الناس عليه بماله؟ وكيف أنفق ولم يره أحد ولا رواه أي ابن أنثى؟
ولم لم يذكر التاريخ موردا من موارد نفقاته؟ وقد حفظ له تقديم راحلة واحدة للنبي صلى الله عليه وآله مع رده إياها وأخذه ثمنها، كما حفظ لكل من أنفق شيئا في مهمات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وغزواته ومصالح الاسلام والمسلمين.
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتاجه في شخصياته وما يتعلق بها بمكة قبل الهجرة فإن عمه أبا طالب سلام الله عليه كان متكفلا لذلك كله قبل زواجه بخديجة، وبعده كان مال خديجة تحت يده وهي في طوعه، وإنما وقعت الحاجة بعد الهجرة لتوسع نطاق الاسلام، وتمطط أمره فكان يحتاج إلى تجهيز الجيوش وقيادة العساكر، وهؤلاء رجال بني سالم بن عوف، ورجال بني بياضة، ورجال بني ساعدة وفي مقدمهم سعيد بن عبادة، ورجال بني الحرث بن الخزرج، ورجال بني عدي أخوال رسول الله الأكرمين كل منهم رفع عقيرته يوم دخوله صلى الله عليه وآله المدينة بقوله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة (12).
ولم يكن عند أبي بكر يومئذ من المال غير ما جاء به من مكة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كان جاء به وأنى لك بإثباته؟ - وما عساها أن تجدي نفعا وماهي وما قيمتها تجاه ذلك السلطان العظيم؟ لكنا مع غض النظر عن ذلك نسائل أيضا مدعي الانفاق إنه متى أنفقها؟ وفي أي مصرف أدرها؟ وفي أي أمر بذلها؟ ولأي حاجة سمح بها؟ ولم خفي ذلك على خلق الله من أولئك الصحابة؟ ولماذا عزب عن المؤرخين؟ فلم يسطروها في صحائف التاريخ ولا ذكروها في فضائل الخليفة، وهل قام عمود الاسلام وتم أمره بهذه الدريهمات المجهول مصرفها؟ وعاد أبو بكر أمن الناس على رسول الله بماله؟.
والعجب كل العجب إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم جهرا، فأنزل الله فيه القرآن فقال:
الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون (13) سورة البقرة 274.
وهو سلام الله عليه تصدق بخاتمه للسائل فذكره تعالى في كتابه العزيز بقوله:
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون (14) سورة المائدة: 55.
وأطعم هو وأهله مسكينا ويتيما وأسيرا فأنزل الله فيهم قوله: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " سورة هل أتى " وقد أسلفنا تفصيل أمرهم هذا في الجزء الثالث ص 106 - 111 ط 2.
وأما أبو بكر فينفق جميع ماله في سبيل الله ويراه النبي الأعظم أمن الناس عليه في صحبته وماله، ولم يوجد له مع ذلك كله ذكر في الكتاب العزيز، هذا لماذا؟
أنت تدري.
والأعجب: أن أبا بكر غدا أمن الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله بإنفاق أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهما - إن كانت له - ولم يكن عثمان كذلك وقد أنفق أضعاف ما أنفقه أبو بكر، وبعث إلى رسول الله في غزوة بعشرة آلاف دينار كما جاء في مكذوبة أبي يعلى (15) فوضعها بين يديه فجعل صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها ويدعو له بقوله: غفر الله لك يا عثمان!
ما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما هو كائن إلى يوم القيامة (16)، ما يبالي عثمان ما فعل بعدها.
وإني أرى الأنجح للمدعي أن يسحب كلامه ويقول: لا أعلم بشئ من ذلك، ولا أثبت شيئا منه، وإنما اختلقه الغلو في الفضائل.
ولعل الباحث يقف على ما أخرجه الحافظان: الحاكم وأبو نعيم أو على ما جاء به البيضاوي والزمخشري، فيقع ذلك منه موقعا حسنا ويطالبني المخرج منه، فإليك البيان:
أما الأخيران فقد ذكر البيضاوي في تفسيره 1: 185، والزمخشري في الكشاف 1: 286: إن قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم. الآية. نزلت في أبي بكر حين تصدق بأربعين ألف دينار، عشرة بالليل، و عشرة بالنهار، وعشرة بالسر، وعشرة بالعلانية.
هذه المرسلة التي لم أعرف قائلها ومن الصحابة والتابعين ولم أقف على عزوها إلى أحد من السلف في كتب القوم إلا سعيد بن مسيب المعروف بانحرافه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، اختلقتها يد الوضع تجاه ما أخرجه الحافظ من نزولها في علي أمير المؤمنين ومنحت فيها لأبي بكر أربعين ألف دينار لتقريب نزول الآية فيمن أنفق كمية كبيرة كهذه إلى فهم بسطاء الأمة دون منفق أربعة دراهم، ذاهلا عما هو المتسالم عليه عند القوم من أخذ أبي بكر يوم هجرته إلى المدينة أربعة أو خمسة أو ستة آلاف درهم، و هي جميع ما كان بمكة. والآية المذكورة في سورة البقرة، وقد أصفقت أئمة الحديث والتفسير على نزولها بالمدينة في أوليات الهجرة (17). قال ابن كثير في تفسيره: هكذا قال غير واحد من الأئمة والعلماء والمفسرين، ولا خلاف فيه. فأنى لأبي بكر عند نزول الآية الأربعون ألف دينارا؟ تصدق بها أم لم يتصدق، ولم يكن يملك إلا دريهمات إن صح حديثها أيضا، وستعرف إنه لا يصح تعقب السيوطي هذ، المرسلة بقوله: خبر إن الآية نزلت فيه لم أقف عليه، و كأن من ادعى ذلك فهمه مما أخرجه ابن المنذر عن ابن إسحاق قال: لما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه واستخلف عمر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إن بعض الطمع فقر، وإن بعض اليأس غنى، وإنكم تجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون، واعلموا أن بعضا من الشح شعبة من النفاق، فأنفقوا خيرا لأنفسكم، فأين أصحاب هذه الآية؟ وقرأ الآية الكريمة، وأنت تعلم إنها لا دلالة فيها على المدعى. ا ه‍ (18)
وجاء مختلق آخر (19) فروى عن سعيد بن المسيب مرسلا من الطرفين: إن الآية المذكورة نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف في نفقتهم في جيش العسرة يوم غزوة تبوك.
وذكر الرازي في تفسيره 2: 347 فقال: إن اللتي نزلت في عثمان لإنفاقه جيش العسرة هي قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى. الآية.
وقد أعمى الحب بصائر القوم، فحرفوا الكلم عن مواضعه، وقالوا في كتاب الله ما زين لهم الشيطان، خفي على المغفلين إن الآيتين من سورة البقرة آية 262 و 274 وهي أول سورة نزلت بالمدينة المشرفة كما قاله المفسرون (20) وقد نزلت قبل غزوة تبوك و جيشها - جيش العسرة الواقعة في شهر رجب سنة تسع - بعدة سنين، فلا يصح نزول أي من الآيتين في عثمان.

* وأما ما أخرجه الحافظان *
1 - فأخرج أبو نعيم في الحلية 1: 33 عن محمد بن أحمد بن محمد الوراق عن إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي عن سلمة بن حفص السعدي عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحق عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا.

* رجال السند *
1 - محمد بن أحمد الوراق. كذبه أبو بكر بن إسحاق قاله الحاكم. لسان الميزان 5: 51.
2 - إبراهيم بن عبد الله المخرمي قال الدار قطني: ليس بثقة حدث عن الثقات بأحاديث باطلة. لسان الميزان 1: 72.
3 - سلمة بن حفص السعدي، شيخ كوفي قال ابن حبا ن: كان يضع الحديث فذكر له حديثا منكرا. وقال: لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه. وروى عنه حديثا فقال: لا أصل له. لسان الميزان 3: 67.
2 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر حمل أبو بكر معه جميع ماله خمسة ألف أو ستة ألف (21) درهم فأتاني جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال:
إن هذا والله قد فجعكم بماله مع نفسه، فقلت: كلا يا أبت! قد ترك لنا خيرا كثيرا، فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت، وكان أبو بكر يجعل أمواله فيها وغطيت على الأحجار بثوب ثم جئت فأخذت بيده فوضعتها على الثوب فقال: أما إذا ترك هذا فنعم قالت: ووالله ما ترك قليلا ولا كثيرا.

* رجال السند *
1 - أحمد بن عبد الجبار أبو عمر الكوفي. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه و أمسكت عن الرواية عنه لكثرة كلام الناس فيه، وقال مطين: كان يكذب. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم تركه ابن عقدة. وقال ابن عدي: رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان ابن عقدة لا يحدث عنه. وكان أحمد يلعب بالحمام الهدى (22)
2 - محمد بن إسحاق. أسلفنا في الجزء السابع صفحة 319 ط 2 كلمات الحفاظ فيه وإنه كذاب دجال مدلس لا يحتج به.
3 - أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 32: من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أرقم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما قال: فجئت بنصف مالي قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: فقلت: مثله و أتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شئ أبدا.
ورواه من طريق عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر.
كفى الاسناد ضعفا هشام بن سعد أبو عباد المدني. كان يحيى بن سعد لا يروي عنه وعن أحمد قال: ليس هو محكم الحديث. وقال حرب: لم يرضه أحمد، وقال ابن معين:
ضعيف، ليس بذلك القوي. ليس بشئ حديثه مختلط، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف وكان متشيعا. وقال ابن المديني: صالح وليس بالقوي. وقال الخليلي: أنكر الحفاظ حديثه في المواقع. وذكره ابن سفيان في الضعفاء (23)
وأما عبد الله بن عمر العمري فقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد: كان يزيد في الأسانيد ويخالف وكان رجلا صالحا. وقال ابن المديني: ضعيف. وعن يحيى بن سعيد:
لا يحدث عنه. وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث.
وقال ابن سعد. كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابن شيبة: يزيد في الأسانيد كثيرا (24)
وأما زيد بن أرقم فالصحيح: زيد بن أسلم مولى عمر ففي النسخة تصحيف.

لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون
وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم
سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين
" القصص: 51، 155 "
____________
(1) سورة لقمان: 15.
(2) ميزان الاعتدال 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
(3) الأوقية: أربعون درهما.
(4) الطرق بفتح المهملة: الماء المجتمع الذي خيض فيه وبيل وبعر فكدر. لسان العرب.
(5) بلاغات النساء ص 13، أعلام النساء 3: 1208.
(6) الإصابة 4: 359، ويستفاد ذلك من صحيح البخاري في باب زواج عائشة، وتاريخ ابن عساكر 1: 304، والاستيعاب.
(7) ميزان الاعتدال للذهبي 2: 341، تهذيب التهذيب 8: 325.
(8) مثالب الكلبي، الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني 8: 4، مسامرة الأوائل ص 88.
(9) طبقات ابن سعد 1: 212 تاريخ ابن كثير 3: 177، 178.
(10) صحيح البخاري 6: 47 تاريخ الطبري 2: 245، سيرة ابن هشام 3: 98، 100، طبقات ابن سعد 1: 213، تاريخ ابن كثير 3: 184 188.
(11) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 130: 131، صفة الصفوة لابن الجوزي 1: 97، السيرة الحلبية 2: 388.
(12) أسلفنا حديثه في الجزء السابع ص 269.
(13) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن عساكر وابن جرير. راجع تفسير القرطبي 3: 347، تفسير البيضاوي 1: 185، تفسير الزمخشري 1: 286، تفسير الرازي 2: 369، تفسير ابن كثير 1: 326، تفسير الدر المنثور 1: 363، تفسير الخازن 1: 208، تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
(14) راجع ما مر في الجزء الثاني ص 47 و ج 3: 155 - 163 ط 2.
(15) أخرجه بإسناد واه وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 612.
(16) هذه الجملة توهن متن الرواية، وتعرب عن إنها مكذوبة على رسول الله:
(17) تفسير القرطبي 1، 132، تفسير ابن كثير 1: 35، تفسير الخازن 1: 91، تفسير الشوكاني 1: 61.
(18) راجع تفسير الآلوسي 3: 48.
(19) راجع تفسير الشوكاني 1: 265، تفسير الآلوسي 3: 48.
(20) راجع تفسير القرطبي 1: 132، تفسير الخازن 1: 19، تفسير الشوكاني 1: 16.
(21) كذا في الموضعين والصحيح: آلاف. كما في جميع المصادر.
(22) تاريخ الخطيب 4: 263، تهذيب التهذيب 1: 51.
(23) تهذيب التهذيب 11: 40.
(24) تهذيب التهذيب 5: 327.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page