طباعة

المقدمة

في صراعٍ لم يشهد له التاريخ مثيلاً كان معاوية ينصاع إلى بَلادةِ الطبع مثلما يوغل في إثم العداوة، فترتدُّ لديه أسباب الرفعة إلا أن يحثّ الخُطى غير جدير، لأن يبلغ شأو غريمه وليس ببالغه وهو مأخوذ بِضِعةِ الانتساب، أو موسوم بإثم المآل ليُطلق عليه طليق يوم الفتح، حين فتح الله لنبيّه أسباب النصر، لينهزم عدوّه بجريرة الشنآن غير آبه بما مَنَّ الله عليه من الفداء، ونبيّه من العفو والاحسان حتّى يجد نفسه منحازاً إلى خسّةِ المكافأ‌ة، فيثأر عدوّاً جبّاراً يفتك بالقيم التي تظاهر عليها من قبل هو وأبو سفيان مؤلّب الأحزاب.
فوراثة العداء تحمله على أن يعيد الكرّة مع سبط الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) ليذيقه مرارة التمرّد والشقاق، ويتجرّع الحسن غصص العداء لـيُدال الصراع بينه وبين أصحابه في رفضهم للحرب فيتألّبون عليه حتّى يقفل إلى كوفته مأسوراً بخطط الغدر ومواقف الخيانة وقد أذعن للهدنة دون الحيلة إلى إتمام مهام القتال التي ورثها من أبيه.
وهاهي ساباط تشهد هدنة الحرب، كما  تشهد غدر الناس بسبط الرسول (صلى الله عليه و آله وسلم) فيقبل بما تمليه عليه ظروف الخذلان.
لم يكن بين الحسن بن عليّ(عليهما السلام) وبين معاوية صلحاً بقدر ما هي هدنة الحرب وموادعة السلام لحين ما تنقشع ظروف الخيانة التي أرخت بسدولها على رغبة الإمام في مواصلة الحرب، فيستجيب مكرهاً، ويقبل ممتحناً بما يعانيه من جيشه في حبّ العافية والخلود إلى مزايدات الغدر، وقد تساوم فيه القوم لـيُسلّموه إلى عدوّه مأسوراً .
لم يكن الحسن بن عليّ(عليهما السلام) في نيته قبول هدنة الحرب لولا ما يجده من هؤلاء في الاستسلام والركون إلى الدعة حتّى قبِلَ شروط الهدنة وهو عالمٌ بأنّ معاوية لم يكن أهلاً للوفاء بما أملاه عليه العهد، بل هو أحرى أن يفجرَ بما تعاقد عليه الطرفان.
فكان جديراً بمعاوية الغدر ليكون جديراً بِسُبّةِ الأجيال.
وجديراً بالحسن الوفاء ليكون جديراً بالخلود.

ذكرى شهاد‌ة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)
25 شوال 1425 هـ
محمّد علي السيد يحيى الحلو