• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الغلو في فضايل عثمان : 7 - تعطيل الخليفة القصاص

أخرج الكرابيسي في أدب القضاء بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب إن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: لما قتل عمر إني مررت بالهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجى فلما رأوني ثاروا فسقط من بيتهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه فانظروا إلى الخنجر الذي قتل به عمر فإذا هو الذي وصفه فانطلق عبيد الله بن عمر فأخذ سيفه حتى سمع ذلك من عبد الرحمن فأتى الهرمزان فقتله وقتل جفينة بنت أبي لؤلؤة صغيرة وأراد قتل كل سبي بالمدينة فمنعوه، فلما استخلف عثمان قال له عمرو بن العاص: إن هذا الأمر كان وليس لك على الناس سلطان فذهب دم الهرمزان هدرا.
وأخرجه الطبري في تاريخه 5: 42 بتغيير يسير والمحب الطبري في الرياض 2.
150، وذكره ابن حجر في الإصابة 3: 619 وصححه باللفظ المذكور.
وذكر البلاذري في الأنساب 5: 24 عن المدائني عن غياث بن إبراهيم: إن عثمان صعد المنبر فقال: أيها الناس إنا لم نكن خطباء وإن نعش تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله، وقد كان من قضاء الله إن عبيد الله بن عمر أصاب الهرمزان وكان الهرمزان من المسلمين (1) ولا وارث له إلا المسلمون عامة وأنا إمامكم وقد عفوت أفتعفون؟ قالوا:
نعم. فقال علي: أقد الفاسق فإنه أتى عظيما قتل مسلما بلا ذنب. وقال لعبيد الله: يا فاسق! لئن ظفرت بك يوما لأقتلنك بالهرمزان.
وقال اليعقوبي في تاريخه 2: 141 أكثر الناس في دم الهرمزان وإمساك عثمان عبيد الله بن عمر فصعد عثمان المنبر فخطب الناس ثم قال: ألا إني ولي دم الهرمزان وقد وهبته لله ولعمر وتركته لدم عمر. فقام المقداد بن عمرو فقال: إن الهرمزان مولى لله ولرسوله وليس لك أن تهب ما كان لله ولرسوله. قال: فننظر وتنظرون، ثم أخرج عثمان عبيد الله بن عمر من المدينة إلى الكوفة وأنزل دارا له فنسب الموضع إليه " كويفة ابن عمر " فقال بعضهم.

أبا عمرو! عبيد الله رهن * فلا تشكك بقتل الهرمزان

وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 8: 61 بإسناد عن عبيد الله بن عبيد بن عمير قال: لما طعن عمر رضي الله عنه وثب عبيد الله بن عمر على الهرمزان فقتله فقيل لعمر: إن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان. قال ولم قتله؟ قال: إنه قتل أبي. قيل: وكيف ذلك؟
قال: رأيته قبل ذلك مستخليا بأبي لؤلؤة وهو أمره بقتل أبي. وقال عمر: ما أدري ما هذا انظروا إذا أنا مت فاسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان، هو قتلني؟ فإن أقام البينة فدمه بدمي، وإن لم يقم البينة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.
فلما ولي عثمان رضي الله عنه قيل له: ألا تمضي وصية عمر رضي الله عنه في عبيد الله؟ قال: ومن ولي الهرمزان؟
قالوا: أنت يا أمير المؤمنين! فقال: قد عفوت عن عبيد الله بن عمر.
وفي طبقات ابن سعد 5: 8 10 ط ليدن: انطلق عبيد الله فقتل ابنة أبي لؤلؤة وكانت تدعي الاسلام، وأراد عبيد الله ألا يترك سبيا بالمدينة يومئذ إلا قتله فاجتمع المهاجرون الأولون فأعظموا ما صنع عبيد الله من قبل هؤلاء واشتدوا عليه وزجروه عن السبي فقال: والله لأقتلنهم وغيرهم. يعرض ببعض المهاجرين، فلم يزل عمرو ابن العاص يرفق به حتى دفع إليه سيفه فأتاه سعد فأخذ كل واحد منهما برأس صاحبه يتناصيان، حتى حجز بينهما الناس، فأقبل عثمان وذلك في الثلاثة الأيام الشورى قبل أن يبايع له، حتى أخذ برأس عبيد الله بن عمر وأخذ عبيد الله برأسه ثم حجز بينهما وأظلمت الأرض يومئذ على الناس، فعظم ذلك في صدور الناس وأشفقوا أن تكون عقوبة حين قتل عبيد الله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة.
وعن أبي وجزة عن أبيه قال: رأيت عبيد الله يومئذ وإنه ليناصي عثمان وإن عثمان ليقول: قاتلك الله قتلت رجلا يصلي وصبية صغيرة، وآخر من ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الحق تركك. قال: فعجبت لعثمان حين ولي كيف تركه؟ ولكن عرفت إن عمرو بن العاص كان دخل في ذلك فلفته عن رأيه.
وعن عمران بن مناح قال جعل سعد بن أبي وقاص يناصي عبيد الله بن عمر حيث قتل الهرمزان وابنة أبي لؤلؤة، وجعل سعد يقول وهو يناصيه:

لا أسد إلا أنت تنهت واحدا * وغالت أسود الأرض عنك الغوائل (2)

فقال عبيد الله:

تعلم أني لحم ما لا تسيغه * فكل من خشاش الأرض ما كنت آكلا

فجاء عمرو بن العاص فلم يزل يكلم عبيد الله، ويرفق به حتى أخذ سيفه منه، وحبس في السجن حتى أطلقه عثمان حين ولي.
عن محمود بن لبيد: كنت أحسب إن عثمان إن ولي سيقتل عبيد الله لما كنت أراه صنع به، كان هو وسعد أشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه.
وعن المطلب بن عبد الله قال: قال علي لعبيد الله بن عمر: ما ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها؟ قال: فكان رأي علي حين استشاره عثمان ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان حتى تركه، فكان علي يقول: لو قدرت على عبيد الله بن عمر ولي سلطان لاقتصصت منه.
وعن الزهري: لما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار فقال: أشيروا علي في قتل هذا الذي فتق في الدين ما فتق. فاجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجعون عثمان على قتله وقال: جل الناس: أبعد الله الهرمزان وجفينة يريدون يتبعون عبيد الله أباه. فكثر ذلك القول، فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين!
إن هذا الأمر قد كان قبل أن يكون لك سلطان على الناس فاعرض عنه، فتفرق الناس عن كلام عمرو بن العاص.
وعن ابن جريج: إن عثمان استشار المسلمين فاجمعوا على ديتها، ولا يقتل بهما عبيد الله بن عمر، وكانا قد أسلما، وفرض لهما عمر، وكان علي بن أبي طالب لما بويع له أراد قتل عبيد الله بن عمر، فهرب منه إلى معاوية بن أبي سفيان، فلم يزل معه فقتل بصفين (3).
وذكر الطبري في تاريخه 5: 41 قال: جلس عثمان في جانب المسجد لما بويع ودعا عبيد الله بن عمر، وكان محبوسا في دار سعد بن أبي وقاص، وهو الذي نزع السيف من يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة أبي لؤلؤة، وكان يقول: والله لأقتلن رجالا ممن شرك في دم أبي. يعرض بالمهاجرين والأنصار فقام إليه سعد فنزع السيف من يده، وجذب شعره حتى أضجعه إلى الأرض وحبسه في داره حتى أخرجه عثمان إليه فقال عثمان لجماعة من المهاجرين والأنصار: أشيروا علي في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله. فقال بعض المهاجرين: قتل عمر أمس ويقتل ابنه اليوم؟
فقال عمرو بن العاص: يا أمير المؤمنين! إن الله قد أعفاك أن يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان، إنما كان هذا الحدث ولا سلطان لك، قال عثمان: أنا وليهم وقد جعلتها دية واحتملتها في مالي، قال: وكان رجل من الأنصار يقال له: زياد بن لبيد البياضي إذا رأى عبيد الله بن عمر قال:

ألا يا عبيد الله! مالك مهرب * ولا ملجأ من ابن أروى (4) ولا حفر 0
أصبت دما والله في غير حله * حراما وقتل الهرمزان له خطر 0
على غير شئ غير أن قال قائل * أتتهمون الهرمزان على عمر 0؟
فقال سفيه والحوادث جمة: نعم اتهمه قد أشار وقد أمر 0
وكان سلاح العبد في جوف بيته * يقلبها والأمر بالأمر يعتبر 0

قال: فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه قال: فأنشأ زياد يقول في عثمان:

أبا عمرو عبيد الله رهن * فلا تشكك بقتل الهرمزان
فإنك إن غفرت الجرم عنه * وأسباب الخطا فرسا رهان
أتعفو؟ إذ عفوت بغير حق * فما لك بالذي تحكي بدان

فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشذ به. وذكره ابن الأثير في الكامل 5: 31.
قال الأميني: الذي يعطيه الأخذ بمجامع هذه النقول أن الخليفة لم يقد عبيد الله قاتل الهرمزان وجفينة وابنة أبي لؤلؤة الصغيرة، مع إصرار غير واحد من الصحابة على القصاص، ووافقه على ذلك مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام، لكنه قدم على رأيه الموافق للكتاب والسنة، وهو أقضى الأمة بنص النبي الأمين وعلى آراء الصحابة إشارة عمرو ابن العاصي ابن النابغة المترجم في الجزء الثاني صفحة 120 176 ط 2 بترجمة ضافية تعلمك حسبه ونسبه وعلمه ودينه حيث قال له: إن هذا الأمر كان وليس لك على الناس سلطان.. الخ. على حين إن من كانت له السلطة عندئذ وهو الخليفة المقتول في آخر رمق من حياته حكم بأن يقتص من ابنه إن لم يقم البينة العادلة بأن هرمزان قتل أباه، ومن الواضح إنه لم يقمها، فلم يزل عبيد الله رهن هذا الحكم حتى أطلق سراحه، وكان عليه مع ذلك دم جفينة وابنة أبي لؤلؤة.
وهل يشترط ناموس الاسلام للخليفة في إجرائه حدود الله وقوع الحوادث عند سلطانه؟ حتى يصاخ إلى ما جاء به ابن النابغة، وإن صحت الأحلام؟ فاستيهاب الخليفة لماذا؟ وهب إن خليفة الوقت له أن يهب أو يستوهب المسلمين حيث لا يوجد ولي للمقتول، ولكن هل له إلغاء الحكم النافذ من الخليفة قبله؟ وهل للمسلمين الذين استوهبهم فوهبوا ما لا يملكون رد ذلك الحكم البات؟ وعلى تقدير أن يكون لهم ذلك فهل هبة أفراد منهم وافية لسقوط القصاص، أو يجب أن يوافقهم عليها عامة المسلمين؟
وأنت ترى إن في المسلمين من ينقم ذلك الاسقاط وينقد من فعله، حتى إن عثمان لما رأى المسلمين إنهم قد أبوا إلا قتل عبيد الله أمره فارتحل إلى الكوفة وأقطعه بها دارا وأرضا، وهي التي يقال لها: كويفة ابن عمر، فعظم ذلك عند المسلمين وأكبروه وكثر كلامهم فيه. (5)
وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو سيد الأمة وأعلمها بالحدود والأحكام يكاشف عبيد الله ويهدده بالقتل على جريمته متى ظفر به، ولما ولي الأمر تطلبه ليقتله فهرب منه إلى معاوية بالشام، وقتل بصفين، كما في " الكامل " لابن الأثير 3: 32، وفي " الاستيعاب " لابن عبد البر: إنه قتل الهرمزان بعد أن أسلم وعفا عنه عثمان، فلما ولي علي خشي على نفسه فهرب إلى معاوية فقتل بصفين، وفي مروج الذهب 2: 24: إن عليا ضربه فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حشوة جوفه، وإن عليا قال حين هرب فيطلبه ليقيد منه بالهرمزان: لئن فاتني في هذا اليوم، لا يفوتني في غيره.
هذه كلها تنم عن إن أمير المؤمنين عليه السلام كان مستمرا على عدم العفو عنه، و إنه لم يكن هناك حكم نافذ بالعفو يتبع، وإلا لما طلبه ولا تحرى قتله، وقد ذكره بذلك يوم صفين لما برز عبيد الله أمام الناس فناداه علي: ويحك يا ابن عمر!
علام تقاتلني؟ والله لو كان أبوك حيا ما قاتلني. قال: أطلب بدم عثمان. قال أنت تطلب بدم عثمان، والله يطلبك بدم الهرمزان، وأمر على الأشتر النخعي بالخروج إليه. (6)
إلى هنا انقطع المعاذير في إبقاء عبيد الله والعفو عنه، لكن قاضي القضاة اطلع رأسه من ممكن التمويه، فعزى إلى شيخه أبي علي أنه قال (7): إنما أراد عثمان بالعفو عنه ما يعود إلى عز الدين، لأنه خاف أن يبلغ العدو قتله فيقال: قتلوا إمامهم، و قتلوا ولده، ولا يعرفون الحال في ذلك فيكون فيه شماتة. ا ه‍.
أولا تسائل هذا الرجل؟ عن أي شماتة تتوجه إلى المسلمين في تنفيذهم حكم شرعهم وإجرائهم قضاء الخليفة الماضي في ابنه الفاسق قاتل الأبرياء، وإنهم لم تأخذهم عليه رأفة في دين الله لتعديه حدوده سبحانه ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، ولم يكترثوا لأنه في الأمس أصيب بقتل أبيه واليوم يقتل هو فتشتبك المصيبتان على أهله، هذا هو الفخر المرموق إليه في باب الأديان لأنه منبعث عن صلابة في إيمان، و نفوذ في البصيرة، وتنمر في ذات الله، وتحفظ على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله؟ و أخذ بمجاميع الدين الحنيف، فأي أمة هي هكذا لا تنعقد عليها جمل الثناء ولا تفد إليها ألفاظ المدح والاطراء؟ وإنما الشماتة في التهاون بالأحكام، وإضاعة الحدود بالتافهات، واتباع الهوى والشهوات، لكن الشيخ أبا علي راقه أن يكون له حظا من الدفاع فدافع.
ثم إن ما ارتكبه الخليفة خلق لمن يحتذي مثاله مشكلة ارتبكوا في التأول في تبرير عمله الشاذ عن الكتاب والسنة. فمن زاعم إنه عفى عنه ولولي الأمر ذلك. و هم يقولون: إن الإمام له أن يصالح على الدية إلا إنه لا يملك العفو، لأن القصاص حق المسلمين بدليل إن ميراثه لهم وإنما الإمام نائب عنهم في الإقامة وفي العفو إسقاط حقهم أصلا ورأسا وهذا لا يجوز، ولهذا لا يملكه الأب والجد وإن كانا يملكان استيفاء القصاص وله أن يصلح على الدية (8).
وثان يحسب إنه استعفى المسلمين مع ذلك وأجابوه إلى طلبته وهم أولياء المقتول إذ لا ولي له. ونحن لا ندري أنهم هل فحصوا عن وليه في بلاد فارس؟ والرجل فارسي هو وأهله، أو إنهم اكتفوا بالحكم بالعدم؟ لأنهم لم يشاهدوه بالمدينة، وهو غريب فيها ليس له أهل ولا ذووا قرابة، أو أنهم حكموا بذلك من تلقاء أنفسهم؟ وما كان يضرهم لو أرجعوا الأمر إلى أولياءه في بلاده فيؤمنوهم حتى يأتوا إلى صاحب ترتهم فيقتصوا منه أو يعفوا عنه؟.
ثم متى أجاب المسلمون إلى طلبة عثمان؟ وسيدهم يقول: أقد الفاسق فإنه أتى عظيما. وقد حكم خليفة الوقت قبله بالقصاص منه، ولم يكن في مجتمع الاسلام من يدافع عنه ويعفو إلا ابن النابغة، وقد مر عن ابن سعد قول الزهري من إنه أجمع رأي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجعون عثمان على قتله.
وثالث يتفلسف بما سمعته عن الشيخ أبي علي، وهل يتفلسف بتلك الشماتة والوصمة والمسبة على بني أمية في قتلهم من العترة الطاهرة والدا وما ولد وذبحهم في يوم واحد منهم رضيعا ويافعا وكهلا وشيخا سيد شباب أهل الجنة؟.
وهناك من يصوغ لهرمزان وليا يسميه " القماذبان " ويحسب إنه عفى بإلحاح من المسلمين أخرج الطبري في تاريخه 5: 43 عن السري وقد كتب إليه شعيب عن سيف بن عمر عن أبي منصور قال سمعت القماذبان يحدث عن قتل أبيه قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها إلى بعض فمر فيروز بأبي ومعه خنجر له رأسان فتناوله منه و قال: ما تصنع في هذه البلاد؟ فقال: أبس به. فرآه رجل فلما أصيب عمر قال: رأيت هذا مع الهرمزان دفعه إلى فيروز، فأقبل عبيد الله فقتله فلما ولي عثمان دعاني فأمكنني منه ثم قال: يا بني هذا قاتل أبيك وأنت أولى به منا فاذهب فاقتله. فخرجت به وما في الأرض أحد إلا معي إلا أنهم يطلبون إلي فيه فقلت لهم: ألي أقتله؟ قالوا: نعم. وسبوا عبيد الله، فقلت: أفلكم أن تمنعوه؟ قالوا: لا، وسبوه. فتركته لله ولهم فاحتملوني، فوالله ما بلغت المنزل إلا على رؤوس الرجال وأكفهم.
ولو كان هذا الولي المزعوم موجودا عند ذاك فما معنى قول عثمان في الصحيح المذكور على صهوة المنبر: لا وارث له إلا المسلمون عامة وأنا إمامكم؟ وما قوله الآخر في حديث الطبري نفسه: أنا وليهم وقد جعلته دية واحتملتها في مالي؟ ولو كان يعلم بمكان هذا الوارث فلم حول القصاصا إلى الدية قبل مراجعته؟ ثم لما حوله فلم لم يدفع الدية إليه واحتملها في ماله؟ ثم أين صارت الدية وما فعل بها؟ أنا لا أدري.
ولو كان المسلمون يعترفون بوجود القماذبان وما في الأرض أحد إلا معه وهو الذي عفى عن قاتل أبيه فما معنى قول الخليفة: وقد عفوت، أفتعفون؟ وقوله في حديث البيهقي: قد عفوت عن عبيد الله بن عمر؟ وما معنى استيهاب خليفة المسلمين وولي المقتول حي يرزق؟ وما معنى مبادرة المسلمين إلى موافقته في العفو والهبة؟ وما معنى تشديد مولانا أمير المؤمنين في النكير على من تماهل في القصاص؟ وما معنى قوله عليه السلام لعبيد الله يا فاسق! لئن ظفرت بك يوما لأقتلنك بالهرمزان؟ وما معنى تطلبه لعبيد الله ليقتله أبان خلافته؟ وما معنى هربه من المدينة إلى الشام خوفا من أمير المؤمنين؟ وما معنى قول عمرو بن العاصي لعثمان: إن هذا الأمر كان وليس لك على الناس سلطان؟ وما معنى قول سعيد بن المسيب: فذهب دم الهرمزان هدرا؟ وما معنى قول لبيد بن زياد وهو يخاطب عثمان. أتعفو إذ عفوت بغير حق. الخ؟. وما معنى ما رواه ملك العلماء الحنفي في بدائع الصنائع 7: 245 وجعله مدرك الفتوى في الشريعة؟ قال: روي إنه لما قتل سيدنا عمر رضي الله عنه خرج الهرمزان والخنجر في يده فظن عبيد الله إن هذا هو الذي قتل سيدنا عمر رضي الله عنه فقتله فرفع ذلك إلى سيدنا عثمان رضي الله عنه فقال سيدنا علي رضي الله عنه لسيدنا عثمان: اقتل عبيد الله. فامتنع سيدنا عثمان رضي الله عنه و قال: كيف أقتل رجلا قتل أبوه أمس؟ لا أفعل، ولكن هذا رجل من أهل الأرض و أنا وليه أعفو عنه وأودي ديته.
وما معنى قول الشيخ أبي علي؟: إنه لم يكن للهرمزان ولي يطلب بدمه والإمام ولي من لا ولي له، وللولي أن يعفو.
ولبعض ما ذكر زيفه ابن الأثير في الكامل 3: 32 فقال: الأول أصح في إطلاق عبيد الله لأن عليا لما ولي الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام، ولو كان إطلاقه بأمر ولي الدم لم يتعرض له علي. ا ه‍.
وقبل هذه كلها ما في إسناد الرواية من الغمز والعلة، كتبها إلى الطبري السري ابن يحيى الذي لا يوجد بهذه النسبة له ذكر قط، غير إن النسائي أورد عنه حديثا لسيف بن عمر فقال: لعل البلاء من السري (9) وابن حجر يراه السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي الذي كذبه يحيى بن سعيد وضعفه غير واحد من الحفاظ، ونحن نراه السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفى 258، وقد أدرك ابن جرير الطبري شطرا من حياته يربو على ثلاثين سنة، كذبه ابن خراش، ووهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث وزاد ابن حبان: ويرفع الموقوفات لا يحل الاحتجاج به، وقال النقاش في حديث: وضعه السري (10) فهو مشترك بين كذابين لا يهمنا تعيين أحدهما.
والتسمية بابن يحيى محمولة على النسبة إلى أحد أجداده كما ذكره ابن حجر في تسميته بابن سهل (11) هذا إن لم تكن تدليسا، ولا يحسب القارئ إنه السري بن يحيى الثقة لقدم زمانه وقد توفي سنة 167 (12) قبل ولادة الطبري الراوي عنه المولود سنة 224 بسبع وخمسين سنة.
وفي الاسناد شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول، قال ابن عدي: ليس بالمعروف وقال الذهبي: راوية كتب سيف عنه فيه جهالة (13).
وفيه سيف بن عمر التميمي راوي الموضوعات، المتروك، الساقط، المتسالم على ضعفه: المتهم بالزندقة، كما مرت ترجمته في صفحة 84. وقد مر عن السيوطي إنه ذكر حديثا بهذا الطريق وقال: موضوع فيه ضعفاء أشدهم سيف بن عمر. وفيه أبو منصور، مشترك بين عدة ضعفاء لا يعول عليهم ولا على روايتهم.


* (عذر مفتعل) *
إن المحب الطبري أعماه الحب وأصمه فجاء بعذر مفتعل غير ما ذكر قال في رياض النضرة 2: 150: عنه جوابان: الأول إن الهرمزان شارك أبا لؤلؤة في ذلك وملأه، وإن كان المباشر أبو لؤلؤة وحده لكن المعين على قتل الإمام العادل يباح قتله عند جماعة من الأئمة، وقد أوجب كثير عن الفقهاء القود على الآمر والمأمور وبهذا اعتذر عبيد الله بن عمر وقال: إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره إنه رأى أبا لؤلؤة و الهرمزان وجفينة يدخلون في مكان ويتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه فقتل عمر في صبيحة تلك فاستدعى عثمان عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال: انظروا إلى السكين فإن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلا وقد اجتمعوا على قتله. فنظروا إليها فوجدوها كما وصف عبد الرحمن، فلذلك ترك عثمان قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجود القود لذلك، أو لتردده فيه فلم ير الوجوب للشك.
والجواب الثاني: إن عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة لأنه كان بنو تيم وبنو عدي مانعون من قتله، ودافعون عنه، وكان بنو أمية أيضا جانحون إليه، حتى قال له عمرو بن العاص: قتل أمير المؤمنين عمر بالأمس، ويقتل ابنه اليوم؟ لا والله لا يكون هذا أبدا، ومال في بني جمح، فلما رأى عثمان ذلك اغتنم تسكين الفتنة وقال: أمره إلي وسأرضي أهل الهرمزان منه.
قال الأميني: إن إثبات مشاركة هرمزان أبا لؤلؤة في قتل الخليفة على سبيل البت لمحض ما قاله عبد الرحمن بن أبو بكر من إنه رآهما متناجيين وعند أبي لؤلؤة خنجر له رأسان دونه خرط القتاد، فإن من المحتمل إنهما كانا يتشاوران في أمر آخر بينهما، أو أن أبا لؤلؤة استشاره فيما يريد أن يرتكب فنهاه عنه الهرمزان، لكنه لم يصغ إلى قيله فوقع القتل غدا، إلى أمثال هذين من المحتملات، فكيف يلزم الهرمزان والحدود تدرأ بالشبهات؟ (14)
هب إن عبد الرحمن شهد بتلك المشاركة، وادعى إنه شاهد الوقفة بعينه، فهل يقتل مسلم بشهادة رجل واحد في دين الله؟ ولم تعقد البينة الشرعية مصافقة لتلك الدعوى، ولهذا لما أنهيت القضية من اختلاء الهرمزان بأبي لؤلؤة إلى آخرها إلى عمر نفسه قال: ما أدري هذا انظروا إذا أنامت فاسألوا عبيد الله البينة على الهرمزان، هو قتلني؟ فإن أقام البينة فدمه بدمي، وإذا لم يقم البينة فأقيدوا عبيد الله من الهرمزان.
وهب أن البينة قامت عند عبيد الله على المشاركة، فهل له أن يستقل بالقصاص؟
أو إنه يجب عليه أن يرفع أمره إلى أولياء الدم؟ لاحتمال العفو في بقية الورثة مضافا إلى القول بأنه من وظائف السلطان أو نائبه، وعلى هذا الأخير الفتوى المطردة بين العلماء. (15)
على إنه لو كانت لعبيد الله أو لمن عطل القصاص منه معذرة كهذه لأبدياها أمام الملأ المنتقد، ولما قال مولانا أمير المؤمنين اقتل هذا الفاسق، ولما تهدده بالقتل متى ظفر به، ولما طلبه ليقتله أبان خلافته، ولما هرب عنه عبيد الله إلى معاوية، ولما اقتصر عثمان بالعذر بأنه ولي الدم، وإن المسلمين كلهم أولياء المقتول، ولما وهبه واستوهب المسلمين، ولما كان يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسألة، ولما قام إليه سعد بن أبي وقاص وانتزع السيف من يده وجزه من شعره حتى أضجعه وحبسه في داره.
وهب إنه تمت لعبيد الله هذه المعذرة فبماذا كان اعتذاره في قتل بنت أبي لؤلؤة المسكينة الصغيرة، وتهديده الموالي كلهم بالقتل؟
2 - أنا لا أدري من أين جاء المحب بهذا التاريخ الغريب من نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد الله، وجنوح الأمويين إليهم بصورة عامة؟ حتى يخافهم الخليفة الجديد. وأي خليفة هذا يستولي عليه الفرق من أول يومه؟ فإذا تبينت عليه هذه الضؤلة في مفتتح خلافته، فبأي هيبة يسوس المجتمع بعده؟ ويقتص القاتل، ويقيم الحدود، ولكل مقتص منه أو محدود قبيلة تغضب له، ولها أحلاف يكونون عند مرضاتها.
ليس في كتب التاريخ والحديث أي أثر مما ادعاه المحب المعتذر، وإلا لكان سعد بن أبي وقاص أولى بالخشية يوم قام إلى عبيد الله وجز شعره، وحبسه في داره، ولم ير أي تيمي طرق باب سعيد، ولا عدوي أنكر عليه، ولا أموي أظهر مقته على ذلك، لكن المحب يريد أن يستفزهم وهم رمم بالية.
ثم لو كان عند من ذكرهم جنوح إلى تعطيل هذا الحكم الإلهي حتى أوجب ذلك حذار الخليفة من بوادرهم؟ فإنه معصية تنافي عدالة الصحابة، وقد أطبق القوم على عدالتهم. ولو كان الخليفة يروعه إنكار المنكرين على ما يريد أن يرتكب؟ فلما ذا لم يرعه إنكار الصحابة على الأحداث في أخرياته؟ حتى أودت به، أكان هيابا ثم تشجع؟

سل عنه المحب الطبري.
____________
(1) أسلم على يد عمر وفرض له في الفين كما في الإصابة وغيرها.
(2) الشعر لكلاب بن علاط أخي الحجاج بن علاط.
(3) حذفنا أسانيد هذه الأحاديث روما للاختصار وهي كلها مستندة.
(4) أروى بنت كريز أم عثمان كما مر في 120.
(5) راجع ما مر في ص 133، ومعجم البلدان 7: 307.
(6) مروج الذهب 2: 12.
(7) راجع شرح ابن أبي الحديد 1: 242.
(8) بدايع الصنايع لملك العلماء الحنفي 7: 245.
(9) تهذيب التهذيب 3: 460.
(10) تاريخ الخطيب 9: 193، ميزان الاعتدال 1: 380، لسان الميزان 3: 13، وما مر في ج 5: 231 ط 2.
(11) لسان الميزان 3: 13.
(12) تهذيب التهذيب 3: 461.
(13) ميزان الاعتدال 1: 448، لسان الميزان 3: 145.
(14) سنن ابن ماجة 2: 112، سنن البيهقي 8: 238، سنن الترمذي 2: 171، أحكام القرآن للجصاص 3: 330، تيسير الوصول 2:20.
(15) كتاب الأم للشافعي 6: 11، المدونة الكبرى 4: 502، فيض الإله المالك للبقاعي 2: 286.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page