• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الغلو في فضايل عثمان : 32 - أيادي الخليفة عند مروان

أعطى مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عمه وصهره من ابنته أم أبان خمس غنائم أفريقية وهو خمسمائة ألف دينار، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطبا الخليفة:
سأحلف بالله جهد اليميـــن ما ترك الله أمرا سدى
ولكن خلفت لنا فتنة * لكي نبتلى لك أو تبتلى
فإن الأمينين قد بينا * منار الطريق عليه الهدى
فما أخذا درهما غيلة * وما جعلا درهما في الهوى
دعوت اللعين فأدنيته * خلافا لسنة من قد مضى
وأعطيت مروان خمس العبا د ظلما لهم وحميت الحمى
هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف ص 84، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168، و ذكر البلاذري الأبيات في الأنساب 5: 38 ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع وإليك لفظها:
أقسم بالله رب العبا - د ما ترك الله خلقا سدى
دعوت اللعين فأدنيته * خلافا لسنة من قد مضى
قال: يعني الحكم والد مروان.
وأعطيت مروان خمس العبا د ظلما لهم وحميت الحمى
ومال أتاك به الأشعري * من الفئ أنهيته من ترى
فأما الأمينان إذ بينا * منار الطريق عليه الصوى
فلم يأخذا درهما غيلة * ولم يصرفا درهما في هوى
وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 261 ونسبها إلى عبد الرحمن، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنه قال: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين أفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم. وفي رواية أبي مخنف: فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان (1).
وفي رواية الواقدي كما ذكره ابن كثير: صالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال: لآل مروان (2) وفي رواية الطبري عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن كعب قال: لما وجه عثمان عبد الله بن سعد إلى أفريقية كان الذي صالحهم عليه بطريق أفريقية (جرجير) ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، فبعث ملك الروم رسولا وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد. إلى أن قال: كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم. قلت: أو لمروان؟
قال لا أدري. (تاريخ الطبري 5: 50).
وقال ابن الأثير في الكامل 3: 38: وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أخذ عليه، وهذا أحسن ما قيل في خمس أفريقية، فإن بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد. وبعضهم يقول: أعطاه مروان الحكم، وظهر بهذا إنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقية. والله أعلم.
وروى البلاذري وابن سعد: إن عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي.
فأنكر الناس عليه ذلك. (3)
وأخرج البلاذري في الأنساب 5: 28 من طريق الواقدي عن أم بكر بنت المسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يحدثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه. فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرا لك، لقد غزوت معنا افريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقا وأعوانا وأخفنا ثقلا، فأعطاك ابن عفان خمس افريقية وعملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين. فشكاه مروان إلى عروة وقال: يغلظ لي وأنا له مكرم متق.
قال ابن أبي الحديد في الشرح 1: 67: أمر (عثمان) لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان: أتبكي إن وصلت رحمي؟ قال: لا. ولكن أبكي لأني أظنك إنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقت في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا. فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم! فإنا سنجد غيرك، وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية.
وقال الحلبي في السيرة 2: 87: وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضي الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية.
* مروان وما مروان؟ *
مر في صفحة 246 ما صح من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله على أبيه وعلى من يخرج من صلبه. وأسلفنا ما صح من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.
وأخرج الحاكم في المستدرك 4: 479 من طريق عبد الرحمن بن عوف وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.
وذكر الدميري في حيوة الحيوان 2: 399، وابن حجر في الصواعق ص 108، والحلبي في السيرة 1 6 337 ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا ابن الوزغ لست هناك. فيما ذكره ابن أبي الحديد 2: 56.
وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله: ويل لأمتي مما في صلب هذا (4).
وفي شرح ابن أبي الحديد 2: 55 نقلا عن الاستيعاب: نظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك. وفي لفظ ابن الأثير: ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك. " أسد الغابة 4: 348 " ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في كنز العمال 6: 91.
وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان: يبايعك مروان يا أمير المؤمنين: أو لم يبايعني قبل قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة (5) وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر " نهج البلاغة ".
قال ابن أبي الحديد في الشرح 2: 53: قد روي هذا الخبر من طريق كثيرة ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب " نهج البلاغة " وهي قوله عليه السلام في مروان: يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وإن له إمرة. الخ.
هذه الزيادة أخذها ابن أبي الحديد من ابن سعد ذكرها في طبقاته 5: 30 ط ليدن قال: قال علي بن أبي طالب يوما ونظر إليه: ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة الكلب أنفه. ا ه‍. وهذا الحديث كما ترى غير ما في " نهج البلاغة " وليس كما حسبه ابن أبي الحديد زيادة فيه، ولا توجد تلك الزيادة في رواية السبط أيضا في تذكرته ص 45. والله العالم.
قال البلاذري في الأنساب 5: 126: كان مروان يلقب خيط باطل لدقته وطوله شبه الخيط الأبيض الذي يرى في الشمس، فقال الشاعر ويقال: إنه عبد الرحمن بن الحكم أخوه:

لعمرك ما أدري وإني لسائل * حليلة مضروب القفا كيف يصنع (6)
لحى الله قوما أمروا خيط باطل * على الناس يعطي ما يشاء ويمنع (7)

وذكر البلاذري في الأنساب 5: 144 في مقتل عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان ليحيى بن سعيد أخي الأشدق قوله:

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل * ومثلكم يبني البيوت على الغدر

وذكر ابن أبي الحديد في شرحه 2: 55 لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه قوله:
وهبت نصيبي منك يا مرو كله * لعمرو ومروان الطويل وخالد
ورب ابن أم زائد غير ناقص * وأنت ابن أم ناقص غير زائد

ومن شعر مالك الريب " المترجم في الشعر والشعراء لابن قتيبة " يهجو مروان قوله:

لعمرك ما مروان يقضي أمورنا * ولكن ما تقضي لنا بنت جعفر (8)
فيا ليتها كانت علينا أميرة * وليتك يا مروان أمسيت ذاحر

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 72 من طريق أبي يحيى قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان يتسابان فجعل الحسن يسكت الحسين فقال مروان: أهل بيت ملعونون. فغضب الحسن وقال: قلت أهل بيت ملعونون. فوالله لقد لعنك الله وأنت في صلب أبيك. أخرجه الطبراني وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6: 90 نقلا عن ابن سعد وأبي يعلى وابن عساكر.
إن الذي يستشفه المنقب من سيرة مروان وأعماله إنه ما كان يقيم لنواميس الدين الحنيف وزنا، وإنما كان يلحظها كسياسات زمنية فلا يبالي بإبطال شئ منها أو تبديله إلى آخر حسب ما تقتضيه ظروفه وتستدعيه أحواله، وإليك من شواهد ذلك عظائم وعليها فقس ما لم نذكره:
1 أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 4: 94 من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم عينا معاوية حاجا، قدمنا معه مكة قال: فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة فإذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به. فقال لهما: وما ذاك؟ قال: فقال له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة؟
قال: فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قالا: فإن ابن عمك قد أتمها وإن خلافك إياه له عيب. قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا أربعا.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 156 نقلا عن أحمد والطبراني فقال:
رجال أحمد موثقون.
فإذا كان لعب مروان وخليفة وقته معاوية بالصلاة التي هي عماد الدين إلى درجة يقدم فيها التحفظ على عثمان في عمله الشاذ عن الكتاب والسنة على العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أخضع معاوية لما ارتآه من الرأي الشائن في صلاة العصر، فما ذا يكون عبثهما بالدين فيما هو دون الصلاة من الأحكام؟.
وإن تعجب فعجب إنه يعد مخالفة عثمان في رأيه الخاص له عيبا عليه يغير لأجله الحكم الديني الثابت، ولا يعد مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترك لأجلها الأباطيل والأحداث.
ومن العجب أيضا أن ينهى معاوية عن مخالفة عثمان، ولا ينهى من خالف رسول الله صلى الله عليه وآله عن مخالفته. أهؤلاء من خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله؟ وأعجب من كل ذلك حسبان أولئك العابثين بدين الله عدولا وهذه سيرتهم ومبلغهم من الدين الحنيف.
2 أخرج البخاري من طريق أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت ثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم.
فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. وفي لفظ الشافعي: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم.
أترى مروان كيف يغير السنة؟ وكيف يفوه ملأ فمه بما لا يسوغ لمسلم أن يتكلم به؟ كأن ذلك مفوض إليه، وكأن تركها المنبعث عن التجري على الله ورسوله يكون مبيحا لإدامة الترك، لماذا ذهب ما كان يعلمه أبو سعيد من السنة؟ ولماذا ترك؟
نعم: كان لمروان في المقام ملحوظتان: الأولى اقتصاصه أثر ابن عمه عثمان، والآخر إنه كان يقع في الخطبة في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ويسبه ويلعنه فتتفرق عنه الناس لذلك فقدمها على الصلاة لئلا يجفلوا فيسمعوا العظائم ويصيخوا إلى ما يلفظ به من كبائر وموبقات. راجع تفصيلا أسلفناه صفحة 164 171 من هذا الجزء.
ويستظهر مما سبق ص 166 من كلام عبد الله بن الزبير: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غيرت حتى الصلاة. إن تسرب التغيير ولعب الأهواء بالسنن لم يكن مقصورا على الخطبة قبل الصلاة فحسب، وإنما تطرق ذلك إلى كثير من الأحكام كما يجده الباحث السابر أغوار السير والحديث.
3 سبه لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان الرجل كما قال أسامة بن زيد:
فاحشا متفحشا (9).
الحجر الأساسي في ذلك هو عثمان جرأ الوزغ اللعين على أمير المؤمنين يوم قال له: أقد مروان من نفسك. قال عليه السلام مم ذا؟ قال: من شتمه وجذب راحلته. وقال له: لم لا يشتمك؟ كأنك خير منه؟ (10) وعلاه معاوية بكل ما عنده من حول وطول، لكن مروان تبعه شر متابعة، ولم يأل جهدا في تثبيت ذلك كلما أقلته صهوة المنبر، أو وقف على منصة خطابة، ولم يزل مجدا في ذلك وحاضا عليه حتى عاد مطردا بعد كل جمعة وجماعة في أي حاضرة يتولى أمرها، وبين عماله يوم تولى خلافة هي كلعقة الكلب أنه " تسعة أشهر " كما وصفها مولانا أمير المؤمنين، ولم تكن هذه السيرة السيئة إلا لسياسة وقتية، وقد أعرب عما في سريرته بقوله فيما أخرجه الدارقطني من طريقه عنه قال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي. فقيل له: مالكم تسبونه على المنبر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك (11).
م قال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 142: وبسند رجاله ثقات: إن مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة، ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب، ثم أعيد مروان فعاد للسب، وكان الحسن يعلم ذلك فيسكت ولا يدخل المسجد إلا عند الإقامة، فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته بالسب البليغ لأبيه وله، ومنه: ما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها: من أبوك؟
فتقول: أبي الفرس. فقال للرسول: إرجع إليه فقل له: والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأني أسبك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة، قد أكرم جدي أن يكون مثلي مثل البغلة. إلخ. ].
ولم يختلف من المسلمين اثنان في إن سب الإمام ولعنه من الموبقات، وإذا صح ما قاله ابن معين كما حكاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب 1: 509 من إن كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ا ه‍.
فما قيمة مروان عندئذ؟ ونحن مهما تنازلنا فإنا لا نتنازل عن أن مولانا أمير المؤمنين كأحد الصحابة الذين يشملهم حكم كل من سبهم ولعنهم، فكيف ونحن نرى إنه عليه السلام سيد الصحابة على الإطلاق، وسيد الأوصياء، وسيد من مضى ومن غبر عدا ابن عمه صلى الله عليه وآله وهو نفس النبي الأقدس بنص الذكر الحكيم، فلعنه وسبه لعنه وسبه وقد قال: صلى الله عليه وآله: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (12).
وكان مروان يتربص الدوائر على آل بيت العصمة والقداسة، ويغتنم الفرص في إيذائهم قال ابن عساكر في تاريخه 4: 227: أبى مروان أن يدفن الحسن في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله، قد دفن عثمان بالبقيع. ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتى مات. ا ه‍.
أي خليفة هذا يجلب رضاه بإيذاء عترة رسول الله؟ ومن ومن أولى بالدفن في الحجرة الشريفة من السبط الحسن الزكي؟ وبأي كتاب وبأية سنة وبأي حق ثابت كان لعثمان أن يدفن فيها؟ ومن جراء ذلك الضغن الدفين على بني هاشم كان ابن الحكم يحث ابن عمر على الخلافة والقتال دونها. أخرج أبو عمر من طريق الماجشون وغيره: إن مروان دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه فعرضوا عليه أن يبايعوا له قال: وكيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم ونقاتلهم معك. فقال:
والله لو اجتمع علي أهل الأرض إلا فدك ما قاتلتهم، قال: فخرجوا من عنده ومروان يقول:
والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا (13)
لماذا ترك الوزغ سنة الانتخاب الدستوري في الخلافة بعد انتهاء الدور إلى سيد العترة؟ وما الذي سوغ له ذلك الخلاف؟ وحض ابن عمر على الأمر، وتثبيطه على القتال دونه، بعد إجماع الأمة وبيعتهم مولانا أمير المؤمنين؟ نعم: لم يكن من يوم الأول هناك قط انتخاب صحيح، ورأي حر لأهل الحل والعقد، أنى كان ثم أنى؟
والملك بعد أبي الزهراء لمن غلبا

هذا مروان
فهلم معي إلى الخليفة نستحفيه الخبر عن هذا الوزغ اللعين في صلب أبيه وبعد مولده بماذا استباح إيواءه وتأمينه على الصدقات والطمأنينة به في المشورة في الصالح العام؟ ولم استكتبه وضمه إليه فستولي عليه؟ (14) ونصب عينيه ما لهج به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وما ناء به هو من المخاريق والمخزيات، ومن واجب الخليفة تقديم الصلحاء من المؤمنين وإكبارهم شكرا لأعمالهم لا الاحتفال بأهل المجانة والخلاعة كمروان الذي يجب الانكار والتقطيب تجاه عمله الشائن، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (15) وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة.
وهب أن الخليفة تأول وأخطأ لكنه ما هذا التبسط إليه بكله؟ وتقريبه وهو ممن يجب إقصاءه، وإيواءه وهو ممن يستحق الطرد، وتأمينه وهو أهل بأن يتهم، ومنحه بأجزل المنح من مال المسلمين ومن الواجب منعه، وتسليطه على أعطيات المسلمين ومن المحتم قطع يده عنها؟.
أنا لا أعرف شيئا من معاذير الخليفة في هذه المسائل لعل لها عذرا وأنت تلومها لكن المسلمين في يومه ما عذروه وهم الواقفون على الأمر من كثب، والمستشفون للحقايق الممعنون فيها، وكيف يعذره المسلمون ونصب أعينهم قوله عز من قائل: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله؟ أليس إعطاء الخمس لمروان اللعين خروجا عن حكم القرآن؟ أليس عثمان هو الذي فاوض بنفسه ومعه جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجعل لقومه نصيبا من الخمس فلم يجعل ونص على أن بني عبد شمس وبني نوفل لا نصيب لهم منه؟.
قال جبير بن مطعم: لما قسم رسول الله سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب (16) أتيته أنا وعثمان فقلت: يا رسول الله! هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا؟ وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنهم لم يفارقوني أو: لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وإنما هم بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه، ولم يقسم رسول الله لبني عبد الشمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس شيئا كما قسم لبني هاشم وبني المطلب (17) ومن العزيز على الله ورسوله أن يعطى سهم ذوي قربى الرسول صلى الله عليه وآله لطريده ولعينه، وقد منعه النبي صلى الله عليه وآله وقومه من الخمس، فما عذر الخليفة في تزحزحه عن حكم الكتاب والسنة، وتفضيل رحمه أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على قربى رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم الذين أوجب الله مودتهم في الذكر الحكيم؟ أنا لا أدري. والله من ورائهم حسيب.
____________
(1) الأنساب 5: 27، 28.
(2) تاريخ ابن كثير 7: 152. لا يخفى على القاري تحريف ابن كثير رواية الواقدي والصحيح ما ذكره الطبري عنه.
(3) طبقات ابن سعد 3: 44 ط ليدن، الأنساب للبلاذري 5: 25.
(4) أسد الغابة 2: 34، الإصابة 1: 346، السيرة الحلبية 1: 337، كنز العمال 6: 40.
(5) هم بنو عبد الملك: الوليد. سليمان. يزيد. هشام. كذا فسره الناس وعند ابن أبي الحديد هم أولاد مروان: عبد الملك. بشر. محمد. عبد العزيز.
(6) أشار بقوله: مضروب القفا إلى ما وقع يوم الدار، فإن مروان ضرب يوم ذاك على قفاه كما يأتي حديثه في الجزء التاسع إن شاء الله تعالى.
(7) ورواهما وما قبلهما ابن الأثير في أسد الغابة 4: 348.
(8) بنت جعفر هي الهاشمية الشهيرة بأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب زوجة عبد الملك بن مروان. ثم طلقها فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس.
(9) الاستيعاب في ترجمة أسامة.
(10) يأتي حديثه تفصيلا في قصة أبي ذر في هذا الجزء إن شاء الله تعالى.
(11) الصواعق لابن حجر ص 33.
(12) مستدرك الحاكم 3: 121، مسند أحمد 6: 323. وسيوافيك تفصيل طريقه.
(13) الاستيعاب ترجمة عبد الله بن عمر.
(14) كما ذكره أبو عمر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 348
(15) مر الحديث في ص 169.
(16) المطلب أخو هاشم لأب وأم وأمهما عاتكة بنت مرة.
(17) صحيح البخاري 5: 28، الأموال ص 331، سنن البيهقي 6: 340، 342، سنن أبي داود 2: 31، مسند أحمد 4: 81، المحلى 7: 328.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page