صورة متخذة من أعطيات الخليفة والكنوز العامرة ببركته
إقرأ ولا تنس قول مولانا أمير المؤمنين في عثمان: قام نافجا حضينه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.
وقوله الآتي بعيد هذا: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال.
بقي هنا أن نسأل الخليفة عن علة قصر هذه الأثرة على المذكورين ومن جرى مجراهم من زبانيته، أهل خلقت الدنيا لأجلهم؟ أو أن الشريعة منعت عن الصلات وإعطاء الصدقات للصلحاء الأبرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله كأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود إلى نظرائهم؟ فيجب عليهم أن يقاسوا الشدة، ويعانوا البلاء، و يشملهم المنع بين منفي ومضروب ومهان، وهذا سيدهم أمير المؤمنين يقول: إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم تفويقا (1) أي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة.
وهل الجود هو بذل الرجل ماله وما تملكه ذات يده؟ أو جدحه من سويق غيره؟ (2) كما كان يفعل الخليفة. ليتني وجدت من يحير جوابا عن مسئلتي هذه؟ أما الخليفة فلم أدركه حتى استحفي منه الخبر، ولعله لو كنت مستحفيا منه لسبقت الدرة الجواب.
نعم يعلم حكم تلكم الأعطيات والقطائع وقد أقطع أكثر أراضي بيت المال (3) من خطبة لمولانا أمير المؤمنين، ذكرها الكلبي مرفوعة إلى ابن عباس قال: إن عليا عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله، فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عنه أضيق (4).
قال الكلبي: ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقضبت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر أن لا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره وغير داره، وأمر أن ترجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها، فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من
أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها، فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. وقال الوليد بن عقبة " المذكور آنفا " يذكر قبض علي عليه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه:
بني هاشم! كيف الهوادة بيننا؟ * وعند علي درعه ونجائبه
بني هاشم! كيف التودد منكم؟ * وبز ابن أروى فيكم وحرائبه
بني هاشم! إلا تردوا فإننا * سواء علينا قاتلاه وسالبه
بني هاشم! إنا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه
قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتها:
وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه
قال: أي كان كافرا كما كان كسرى كافرا، وكان المنصور رحمه الله تعالى إذا انشد هذا البيت يقول: لعن الله الوليد هو الذي فرق بين نبي عبد مناف بهذا الشعر (5).
هذه الأبيات المعزوة إلى عبد الله نسبها المسعودي في مروج الذهب 1: 443 إلى الفضل بن العباس بن أبي لهب وذكر منها:
وكان ولي العهد بعد محمد * علي وفي كل المواطن صاحبه
علي ولي الله أظهر دينه * وأنت مع الأشقين فيما تحاربه
وأنت امرؤ من أهل صيفور مارح * فما لك فينا من حميم تعاتبه
وقد أنزل الرحمن إنك فاسق * فما لك في الاسلام سهم تطالبه
____________
(1) نهج البلاغة 1: 126.
(2) يقال: جدح جوين من سويق غيره. مثل يضرب لمن يجود بأموال الناس.
(3) السيرة الحلبية 2: 87.
(4) نهج البلاغة 1. 46، شرح ابن أبي الحديد 1: 90.
(5) شر ابن أبي الحديد 1: 90.