• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

قصة الحصار الثاني

قصة الحصار الثاني (1)
أخرج البلاذري من طريق أبي مخنف قال: لمّا شخص المصريّون بعد الكتاب الذي كتبه عثمان فصاروا بأيلة (2) أو بمنزل قبلها رأوا راكبا خلفهم يريد مصر فقالوا له: من أنت؟ فقال: رسول أمير المؤمنين إلى عبد الله بن سعد، وأنا غلام أمير المؤمنين. وكان أسود فقال بعضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه ألا يكون صاحبه قد كتب فينا بشئ، ففعلوا فلم يجدوا معه شيئا، فقال بعضهم لبعض: خلوا سبيله فقال كنانة بن بشر: أما والله دون أن أنظر في إداوته فلا. فقالوا: سبحان الله أيكون كتاب في ماء؟ فقال: إن للناس حيلا. ثم حل الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة، أو قال: مضمومة، في جوف القارورة كتاب في أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فإذا فيه:
أما بعد: فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس و كنانة، وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا، ثم أوثقهم على جذوع نخل.
فيقال: إن مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الكتاب، قالوا: عثمان محل، ثم رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا المدينة فلقوا عليا بالكتاب وكان خاتمه من رصاص، فدخل به علي على عثمان فحلف بالله ما هو كتابه ولا يعرفه وقال: أما الخط فخط كاتبي، وأما الخاتم فعلى خاتمي، قال علي فمن تتهم؟ قال: أتهمك وأتهم كاتبي. فخرج علي مغضبا وهو يقول: بل هو أمرك. قال أبو مخنف: وكان خاتم عثمان بدء عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه.
وفي لفظ جهيم الفهري قال: أنا حاضر أمر عثمان فذكر كلاما في أمر عمار. فانصرف القوم راضين ثم وجدوا كتابا إلى عامله على مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريين، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى علي فأتاه به فحلف له أنه لم يكتبه ولم يعلم به.
فقال له علي: فمن تتهم فيه؟ فقال: أتهم كاتبي وأتهمك يا علي! لأنك مطاع عند القوم ولم تردهم عني.
وجاء المصريون إلى دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم: يا عثمان! أهذا كتابك؟ فجحد وحلف فقالوا: هذا شر، يكتب عنك بما لا تعلمه، ما مثلك يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة. فقال: ما كنت لأنزع قميصا قمصنيه الله، أوقال: سربلنيه الله. وقالت بنو أمية: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت، فقال: يا سفهاء! إنكم لتعلمون أنه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم أصلحت أمره مرة بعد أخرى. فما حيلتي؟ وانصرف وهو يقول: أللهم إني برئ مما يقولون ومن دمه إن حدث به حدث.
قال: وكتب عثمان حين حصروه كتابا قرأه ابن الزبير على الناس يقول فيه: والله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصته وأنتم معتبون من كل ما ساءكم، فأمروا على مصركم من أحببتم، وهذه مفاتيح بيت مالكم فادفعوا إلى من شئتم فقالوا: قد اتهمناك بالكتاب فاعتزلنا.
وأخرج ابن سعد من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن عثمان وجه إلى المصريين لما أقبلوا يريدونه محمد بن مسلمة في خمسين من الأنصار أنا فيهم فأعطاهم الرضى وانصرفوا فلما كانوا ببعض الطريق رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان ففتشوه فإذا معه قصبة من رصاص في جوف إداوة فيها كتاب إلى عامل مصر: أن أفعل بفلان كذا، وبفلان كذا، فرجع القوم إلى المدينة فأرسل إليهم عثمان محمد بن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه.

صورة أخرى
عن سعيد بن المسيب قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتى عشرة سنة، وكان كثيرا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يجيئ من أمرائه ما يكره أصحاب محمد، فكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الحجج الآخرة استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله ابن مسعود وأبي ذر عمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار و أحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر، فلما جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، كتب إليه كتاب يتهدده فيه، فأبى أن ينزع عما نهاه عثمان عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله، فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب وكان متكلم القوم فقال له: إنما يسألك القوم رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما فاعزله واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فانصفهم منه. فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه. فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصديق فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر. فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعا فلما كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك؟ وما شأنك؟ كأنك هارب أو طالب. فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخرى: أنا غلام مروان، وجهني إلى عامل مصر برسالة، قالوا: فمعك كتاب؟ قال: لا. ففتشوه، فلم يجدوا معه شيئا وكانت معه إداوة قد يبست فيها شئ يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح.
فجمع محمد من كان معه المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجئ إلي متظلما منك إن شاء الله، فلما قرأوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتيم نفر ممن كان معه، ودفعه إلى رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظا، وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما في الكتاب.
وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرصه كثيرا، ودخل علي وطلحة والزبير وسعد وعمار في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم بدري على عثمان ومع علي الكتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم. قال: وأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله: ما كتبت هذ الكتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه فقال له علي: أفالخاتم خاتمك؟ قال: نعم. قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به؟ فحلف بالله: ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط. وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أنه لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه عن الأمر ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، فلزموا بيوتهم فأبى عثمان أن يخرج مروان.
فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا. قال: أفيكم سعد؟ فقالوا: لا. فسكت، ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت.

لفظ الواقدي
من طريق محمد بن مسلمة وقد أسلفنا صدره في ص 132، 133، وإليك بقيته: فوجدنا فيه هذا الكتاب فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد: فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى أتيك أمري، وعمرو بن الحمق، فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن البياع الليثي مثل ذلك. قال: فقلت: وما يدريكم أن عثمان كتب بهذا؟ قالوا: فيقتات مروان على عثمان بهذا فهذا شر، فيخرج نفسه من هذا الأمر. ثم قالوا: انطلق معنا إليه فقد كلمنا عليا ووعدنا أن يكلمه إذا صلى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص فقال: لا أدخل في أمركم، وجئنا سعيد بن زيد بن عمرو فقال مثل هذا، فقال محمد: فأين وعدكم علي؟ قالوا: وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه. قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه فقلنا: إن هؤلاء المصريين بالباب فأذن لهم، قال: ومروان جالس فقال مروان: دعني جلعت فداك أكلمهم. فقال عثمان: فض الله فاك اخرج عني، وما كلامك في هذا الأمر؟ فخرج مروان وأقبل علي عليه قال وقد أنهى المصريون إليه مثل الذي انهوا إلي فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم، فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شور فيه، فقال محمد بن مسلمة: والله إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فادخلهم عليك فليسمعوا عذرك. قال: ثم أقبل عثمان على علي فقال: إن لي قرابة ورحما والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك، فأخرج إليهم فكلمهم فإنهم يسمعون منك. قال علي: والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم. قال: فادخلوا.
قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة فعرفت أنه الشر بعينه قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام قال: فتكلم القوم وقد قدموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع، فردنا علي ومحمد بن مسلمة و ضمن لنا محمد النزوع عن كل ما تكلمنا منه، ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة قالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت: نعم، ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل عليك ويكون حجة لنا بعد حجة، حتى إذا كنا بالبويب (3) أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا، وطول الحبس لنا، وهذا كتابك، قال: فحمد الله عثمان أثنى عليه ثم قال: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت ولا علمت قال: فقلت وعلي جميعا: قد صدق. قال: فاستراح إليها عثمان فقال المصريون: فمن كتبه؟ قال: لا أدري. قال: أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات المسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم؟ قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عزوجل. قال: وكثرت الأصوات واللغط فما كنت أظن أنهم يخرجون حتى يواثبوه قال: وقام علي فخرج فلما قام علي قمت وقال المصريون: أخرجوا فخرجوا، ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله فما برحوا محاصرته حتى قتلوه.
وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار: أن الذي كان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي (4) وهو الذي كان يدعو عليه أمير المؤمنين عليه السلام في قنوته مع أناس كما مر حديثه في ج 2: 32 1 ط 2، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1: 165.
وأخرج من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الأخرى. تاريخ الطبري 5: 132.

الخليفة تواب عواد
أخرج الطبري من طريق سفيان بن أبي العوجاء قال: قدم المصريون القدمة الأولى فكلم عثمان محمد بن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الأنصار فأتوهم بذي خشب فردهم ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد فكروا وانتهوا إلى المدينة وقد تخلف بها من الناس الأشتر و حكيم بن جبلة فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال: هذا مفتعل. قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك؟ قال: أجل، ولكنه كتبه بغير أمري قالوا: فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؟ قال: أجل، ولكنه خرج بغير إذني. قالوا: فالجمل جملك قال: أجل، ولكنه أخذ بغير علمي. قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته، وقالوا له: إنك ضربت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند ما يستنكرون من أعمالك، فأقد من نفسك من ضربته وأنت له ظالم، فقال: الإمام يخطئ ويصيب فلا أقيد من نفسي لأني لو أقدت كل من أصبته بخطأ أتى على نفسي قالوا: إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع، فإذا كلمت فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها و إلى مثلها ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق ولامنا فيك محمد بن مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرأ منك وقال: لا أدخل في أمره، فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عز وجل عليك فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت أنه كتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك عليه وخاتمك فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم، والأثرة في القسم، والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس، والإظهار للتوبة ثم الرجوع إلى الخطيئة ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نجعلك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحدث مثل ما جربنا منك، ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا، فإن ذلك أسلم لنا منك، فقال عثمان:
فرغتم من جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم، قال:
الحمد لله وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد: فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء أما قولكم: تخلع نفسك. فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عزوجل وأكرمني به وخصني به على غيري ولكني أتوب وأنزع ولا أعود لشئ عابه المسلمون، فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه.
قالوا: إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم نقم عليه لكان علينا أن نقبل منك، وأن ننصرف عنك ولكنه: قد كان منك من الأحداث قبل هذا ما قد علمت ولقد انصرفنا عنك في المرة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك، وكيف نقبل توبتك؟ وقد بلونا منك أنك لا تعطي من نفسك التوبة من ذنب إلا عدت إليه، فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال من معك من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك فنقتلك، أو تلحق أرواحنا بالله.
فقال عثمان: أما أن أتبرأ من الإمارة فإن تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من أمر الله عز وجل وخلافته وأما قولكم: تقاتلون من قاتل دوني. فإني لا آمر أحدا بقتالكم (5) فمن قاتل دوني فإنما قتل بغير أمري، ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد (6) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق، فالله الله في أنفسكم فابقوا عليها إن لم تبقوا علي: فإنكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دما. قال: ثم انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمد بن مسلمة فكلمه أن يردهم فقال: والله لا أكذب الله في سنة مرتين. تاريخ الطبري 5: 120، 121.
____________
(1) مصادرها: الأنساب 5: 26 - 69، 95 الإمامة والسياسة 1: 33 - 37، المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 2: 263، تاريخ الطبري 5، 119، 120، الرياض النضرة 2: 123، 125، الكامل لا بن الأثير 3: 70، 71، شرح ابن أبي الحديد 1: 165، 166 تاريخ ابن خلدون 2: 397، تاريخ ابن كثير 7: 173، 174، 186، 189، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، 107، السيرة الحلبية 2: 84، 86، 87، تاريخ الخميس 2: 259، واللفظ للبلاذري والطبري.
(2) أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام. وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام.
(3) البويب: مدخل أهل الحجاز بمصر.
(4) تاريخ الطبري 5: 115:
(5) لم يكن معه هناك غير بني أبيه حتى يأمر أحدا بالقتال وهم ليسوا هناك وقد تحصنوا يوم قتله بكندوج أم حبيبة كما يأتيك حديثه.
(6) كان يتأهب للقتال، ويستعد بالسلاح، ويكتب إلى الأجناد، ويجلب إلى المدينة الجنود المجندة من الشام، وغيرها، غير أنه كان يغفل الناس بكلماته هذه وسنوافيك كتبه.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page