• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

* (الفتنة الكبرى) *

واقرأ صحيفة من " الفتنة الكبرى " للدكتور طه حسين قال في بدء كتابه. هذا حديث أريد أن أخلصه للحق ما وسعني إخلاصه للحق وحده، وأن أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلى تحري الصواب سبيلا، وأن أحمل نفسي فيه على الانصاف لا أحيد عنه ولا أمالئ فيه حزبا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أشايع فيه فريقا من الذين اختصموا في قضية عثمان دون فريق، فلست عثماني الهوى، ولست شيعة لعلي، و لست أفكر في هذه القضية كما كان يفكر فيها الذين حاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.
وأنا أعلم أن الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيام عثمان رحمه الله، فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعلي رحمه الله بعد النبي أحدا لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارا، ومنهم من يتردد بين هذا وذاك يقتصد في عثمانيته شيئا، أو يقتصد في تشيعه لعلي شيئا، فيعرف لأصحاب النبي مكانتهم ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضل بعد ذلك أحدا منهم على الآخر يرى أنهم جميعا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة، وكل هؤلاء إنما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها و يتفانون في سبيلها، لأنهم يفكرون في هذه القضية تفكيرا دينيا، يصدرون فيه عن الإيمان، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والاستمساك بيقينه وابتغاء رضوان الله بكل ما يعمل في ذلك أو يقول.
وأنا أريد أن أنظر إلى هذه القضية نظرة خالصة مجردة لا تصدر عن عاطفة ولا هوى، ولا تتأثر بالإيمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا كاملا من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها الخ.
هكذا يحسب الدكتور ويبدي أنه لا يروقه النزول على حكم العاطفة ولا التحيز إلى فئة أو جنوح إلى مذهب، وقد تجرد فيما كتب عن كل ذلك حتى عن الإيمان والدين، وزعم أنه قصر نظرته في قضايا عثمان على البساطة ليتسنى له الحكم الطبيعي، والقول في تلكم الحوادث على الحقائق المحضة، هكذا يحسب الدكتور، لكنه سرعان ما انقلب على عقبيه كرا على ما فر منه، فلم يسعه إلا الركون إلى العواطف ومتابعة النزعات، فلم يرتد إلا تلكم السفاسف التي اختلقتها سماسرة العثمانيين، ولم يسرح في مسيره إلا مقيدا بسلاسل أساطير الأولين التي سردها الطبري ومن شايعه أو سبقه بتلك الأسانيد الواهية والمتون المزيفة التي أوقفناك عليها في هذا الجزء وفيما سبقه من الأجزاء، فلم نجد مائزا بين هذا الكتاب وبين غيره من الكتب التي حسب الدكتور أن مؤلفيها حدت بهم الميول والنزعات، فما هو إلا فتنة كبرى كما سماه هو بذلك.
ترى الدكتور يحايد حذرا من أن يحيد عن مهيع الحق ويجور في الحكم، و زعم الحياد أسلم في اليوم الحاضر كما كان في الأمس الدابر، فذهب مذهب سعد بن أبي وقاص الحايد في القضية واتبع أثره، قال في ديباجة كتابه: عاش قوم من أصحاب النبي حين حدثت هذه القضية وحين اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها تاريخهم فلم يشاركوا فيها ولم يحتملوا من أعبائها قليلا ولا كثيرا، وإنما اعتزلوا المختصمين وفروا بدينهم إلى الله، وقال قائلهم سعد بن أبي وقاص رحمه الله: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول: أصاب هذا وأخطأ ذاك.
فأنا أريد أن أذهب مذهب سعد وأصحابه رحمهم الله، لا أجادل عن أولئك ولا عن هؤلاء، وإنما أحاول أن أتبين لنفسي وأبين للناس الظروف التي دفعت أولئك وهؤلاء إلى الفتنة، وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم وما زالت تفرقهم إلى الآن، وستظل تفرقهم في أكبر الظن إلى آخر الدهر، وسيرى الذين يقرأون هذا الحديث أن الأمر كان أجل من عثمان وعلي وممن شايعهما وقام من دونهما، وأن غير عثمان لو ولي خلافة المسلمين في تلك الظروف التي وليها لتعرض لمثل ما تعرض له من ضروب المحن والفتن، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه. ا هـ.
هاهنا نجد الدكتور جاريا على ما عهد إلى نفسه تجرد عن العواطف، وجانب المبادئ الدينية، وحايد الدين الحنيف حقا، ونظر إلى القضية بالحرية المحضة، وحسبها فتنة يحق للعاقل أن يكون فيها كابن لبون لا ظهر له فيركب ولا ضرع فيحلب، ونعم الرأي هذا لولا الاسلام المقدس، لولا ما جاء به نبي العظمة، لولا ما نطق به كتاب الله العزيز، لولا ما تقتضيه فروض الانسانية والعواطف البشرية القاضية بخلاف ما ذهب إليه الدكتور، وإني لست أقضي العجب منه، ولست أدري كيف يقدس مذهب ابن أبي وقاص، أيسوغ للباحث المسلم أن يصفح في تلكم القضايا عن حكم الدين المقدس، ويشذ عما قرره نبي الاسلام، ويسحق العواطف كلها حتى ما يستدعيه الطبع الانساني والغريزة العادلة في كسح الفساد والتفاني دون صالح المجتمع العام؟
ألم يكن هنالك كتاب ناطق أو سنة محكمة أو شريعة حاكمة أو عقل سليم يبعث الملأ الديني إلى الدفاع عن كل مسلم مدت إليه يد الظلم والجور فضلا عن خليفة الوقت الواجب طاعته؟
ما الذي أحوج المتمسك بعرى الدين الحنيف إلى سيف يعقل ويبصر وينطق والله يقول: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؟ أو لم يكفهم إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه.
ما الذي أذهل الدكتور عن قول الصحابي العظيم حذيفة اليماني: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل؟ وكيف يشتبه الحكم في القضية على المسلم النابه وهي لا تخلو عن وجهين، فإن عثمان إن كان إماما عادلا قائما بالقسط عاملا بالكتاب والسنة مرضيا عند الله؟ فالخروج عليه معلوم الحكم عند جميع فرق المسلمين لا يختلف فيه اثنان، ولا تشذ فئة عن فئة، وإن لم يكن كذلك وكان كما حسبه أولئك العدول من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومرت آرائهم ومعتقداتهم فيه؟
فالحكم أيضا بين مبرهن بالكتاب العزيز كما استدل بذلك الثائرون عليه لما قال لهم: لا تقتلوني فإنه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه. أو كفر بعد إسلامه، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها. فقالوا: إنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الأرض فسادا، وقتل من بغى، ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وكابرت عليه. الحديث " راجع ص 205 " فنحن لا نعرف وجها للحياد كما ذهب إليه ابن أبي وقاص في القضية وفي المواقف الهائلة بعدها، فالحياد - وإن راق الدكتور - تقاعد عن حكم الله، وتقاعس عن الواجب الديني، وخروج عما قررته الحنيفية البيضاء، نعم: الحياد حيلة أولئك المتشاغبين المتقاعدين عن بيعة إمام المتقين أمير المؤمنين، المتقاعسين عن نصرته، المتحايدين عن حكم الكتاب والسنة في حروبه ومغازيه، عذر تترس به سعد بن أبي وقاص وعبد الله ابن عمر وأبو هريرة وأبو موسى الأشعري ومحمد بن مسلمة السابقون الأولون من رجال الحياد الزائف، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page