طباعة

عدالة الصحابة عند المستبصر طارق زين العابدين


من أسباب زعم القائلين بعدالة جميع الصحابة:
لقد اعتمد القائلون بعدالة كافّة الصحابة، زعموا أنّ الأحاديث صادرة عن النبيّ (ص)، ولهذا منعوا الكلام فيهم وفي تمييز غثّهم من سمينهم، واعتبروهم طبقاً لذلك في عصمة من الجرح والطعن. بل اعتبروا الكلام فيمَن خالف الشرع منهم فسقاً وخروجاً عن دائرة الإسلام. وهذا الكلام لا يصدر الا عمّن أضاع أسس القياس والمعيار الشرعىّ في معرفة الناس وأفعالهم، واعتمد على التقليد الأعمى وعدم الواقعيّة.
إنّ فرض القول بعدالة كافّة الصحابة، هو في الواقع كتم للأنفاس وتسلّط على الدين وفرض للآراء وردّ لنظر القرآن في بعض الصحابة. والذين يصحّحون أخطاء الصحابة قد أخطأوا في معرفة مقياس صحّة الأعمال، واختلط عليهم ذلك الأمر، هذا مع إحسان الظنّ بهم وإلاّ فهم قد خضعوا لسلطان السياسة والعصبيّة، فهم بتصحيح أخطاء الصحابة يسعون الى الضغط على الشرع ليتقبّل هذه الأخطاء ويعطيها مكاناً عنده بعد طلائها بطلاء الشرع لتصبح ذلك مصدراً للتشريع. لقد غفل هؤلاء عن أنّ الشرع هو الذي يجب أن يكون المقياس في صحّة أو بطلان أعمال الناس سواء كانوا صحابة أو غير صحابة.(1)
إنّ فرار الصحابة عن بعض ساحات المعارك أمر أثبته التاريخ وحفظه القرآن آيات تُتلى. وفي غزوة اُحد يقول الطبرىّ: «وتفرّق عنه أصحابه، ودخل بعضهم المدينة، وانطلق بعضهم فوق الجبل الى الصخرة فقاموا عليها».(2)
فكيف بهذه الصُحبة التي لا تمنع صاحبها من إرتكاب خطأ كهذا وقد حصلوا فيها على العدالة؟! وكيف تكون تلك العدالة وقد تركوا نبيّهم في تلك المعارك عرضة لسيوف الحاقدين من المشركين وبه قد نالوا تلك الصحبة؟! ولو لا بعض الصحابة العدول حقّاً لا نطفأ نور الإسلام، ولكن أتمّه الله بهم إذ وقفوا الى جنب النبيّ (ص) يصدّون عنه كلّ خطر، ويحمونه بأبدانهم، ويفدونه بأرواحهم رضي الله عنهم.(3)
ــــــــــــــــــــــــــــ
1) دعوة الى سبيل المؤمنين، طارق زين العابدين: 39.
2) تاريخ الطبريّ 2: 201 غزوة أحد.
3) دعوة الى سبيل المؤمنين، طارق زين العابدين: 43.