• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بين ألم الشك.. وخداع الذات

من أصعب اللحظات التي يعيشها الإنسان هي الحيرة والشك والتردد، وهي من الآلام المعنوية التي لا يتمكن الإنسان من وصف عمقها و مداها، ومن هنا كانت السعادة ذات مفهوم معنوي وليس تصوري، وفي اعتقادي أن السعادة هي الحالة التي تقابل حالة الشك والاضطراب، فاليقين والاطمئنان هي حقائق يسعى الإنسان إلى اكتسابها، هذا ما جعلني أشك في أصل شرعية البحث في مذاهب الإسلام، فقد اضطرب حالي منذ أن بدأت بالتفكير في المذاهب وتبدلت تلك الحالة التي كانت فيها نوع من الصفاء والنظرة المثالية لواقع الإسلام، وبدأت تهتز في يدي تلك المرآة الصافية التي أنظر من خلالها إلى وحدة الأمة الإسلامية، فقد بدأ لي أني بدأت الطريق بالمقلوب فبدل أن أصل إلى الاطمئنان زوبعت في نفسي سحب وعواصف خلخلت كل كياني وأرجعتني إلى نقطة الصفر، هل يمكن أن يحدث في الإسلام كل ما حدث؟ ألم يتكفل الله بحفظه؟ وكيف يكون الشيء محفوظاً بين هذا الشتات؟
عشت أسلي نفسي بتلك الصورة القديمة، وأقنعها بذلك الواقع الموروث، لحظات هي التي يسكن فيها روعي عندما أنشغل بأمور الدنيا، ولكن ما زال شبح الموت يلاحقني، ويخنقني حتى لا يكاد يسع صدري أنفاسي، فأتوجه إلى الله بقلب كأنه ليس بقلبي.. قلب لا يرى في الوجود غير نفسي وربي فأجد في المناجاة حلاوة لا يمكن أن يتذوقها ذهني، فتصيح أعماق كياني أنت الحق ياربي، ولكن كيف الوصول إليك وقد أظلمت من الشك نفسي؟!..
وكأن نداءاً يخترق أذني... أقتحم المجهول، فذاك الشك هو الطريق إلى المطلوب، وتلك الصورة الجميلة هي استرسال مع المجهول، فالاطمئنان أما أن يكون حقيقة مبنية على العلم وحينها تزول الجبال ولا يزول، وإما خداع للنفس سرعان ما يزول، وهذا هو خداع ألذات الذي كثيراً ما ينخدع فيه الناس فأول حقيقة علمية تشكلت عندي في تلك المرحلة إن الإسلام يمكن أن يقع فيه الاختلاف بسبب المنهجيات المتعددة ودوافع الفهم المختلفة، فقد أثرت الظروف السياسية والاجتماعية على طول الحقب التاريخية في إفراز مدارس متباينة كلها تنتسب إلى الإسلام، حتى أصبح الصراع العقائدي حالة شبه طبيعية في المنظومة الإسلامية، كانت هذه الحقيقة بمثابة مفتاح مهم لأنها تمثل في البدء الاعتراف بالواقع مما يؤهلني في خوض غمار البحث بدل أن يغمض الإنسان عينيه ويمني نفسه بمثالية الواقع والحقيقة الأخرى هي أن كل هذه المذاهب لا يمكن أن تكون ممثلة لحقيقة واحدة وهي الإسلام المحمدي، إلا إذا أعترف العقل بإمكانية اجتماع المتناقضين وهو محال، في حين إن هذا الخلاف لم يكن شكلي في بعض الرسوم الخارجية بعيداً عن المضمون والجوهر كما يمني البعض نفسه، وإنما خلاف يبتدئ من المسائل الفقهية التي تمثل شعار الإنسان المسلم مروراً ببعض المفاهيم الجوهرية التي تتشكل منها الانتماءات المذهبية انتهاءً بعمق المفاصل العقدية المتمثلة في التوحيد.
فمن هنا لا يصح القول أن كل الطرق مؤدية إلى روما، كما لا تصح الادعاءات المطلقة لكل مذهب بأنه هو الحق وغيره باطل وضلال، فلا عقلية التسامح الصوفي ولا عقلية الجمود المذهبي هي الحاكم في بناء البحث العلمي.
فاللا منطق والقفز على مدركات العقل حالة سلبية لم تكرس فقط الفوضى المذهبية فقد امتدت يداها لتعبث في واقعنا الحياتي حتى أدمّنا روائح التخلف وعشنا في ركام الواقع خوفاً من المجهول.
فكيف تكون كل المذاهب على حق والحق واحد لا يتعدد؟! وحكم العقل يقتضي أن يكون هنالك طريق واحد يمثل دين محمد (ص) والعجب كل العجب أن يتفق الفرقاء على وجود فرقة ناجية من بين الفرق، فقد أكد رسول الله (ص) بقوله (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) ألا يكون ذلك حافزاً على تنبيه العقل، وإيقاظه من حجب الموروث، فكيف يكتفي كل إنسان بما ورث من المذاهب ثم يمني نفسه بالنجاة، ألا يحفز ذلك الإنسان على ضرورة البحث الجدي لمعرفة الفرقة الناجية التي بشر بها رسول الله (ص).
فهل هناك ضرورة إذاً للبحث في المذاهب لاختيار الطريق عن يقين دون تقليد؟ أم هل هو المصير المحتوم بمصير الآباء والأجداد …؟
وما هو السبيل إذا لم يكن المصير محتوماً؟
السبيل هو الحقيقة الثالثة التي أعانتني في مواصلة الطريق وهي الانفتاح والحوار مع الجميع، فالإيمان بهذه الحقيقة يكشف ذلك الستار المضروب عن كل المصاعب التي صنعها الإيمان باللامعقول، ولذا كان الحوار سنة الله، فلا بد أن يكون هو الحاكم لنتمكن من فرز الحق عن الباطل والعلم عن اللا علم، ومن هنا نرفض كل الدعاوى القائمة على التحجر ونكران الآخر لا لشيء إلا لأنه هو الآخر، فإن كان الحوار شعاراً يتغنى به الجميع، فلماذا ينغلق صاحب كل مذهب على مذهبه؟ ولماذا لا يكون النقاش والحوار هو الثقافة السائدة بين كل مذاهب الإسلام؟ ألم يقل تعالى {قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين}
ولذا كان الحوار أول ركيزة منهجية أرتكز عليها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بداية من خلق آدم والحوار مع إبليس للسجود لسيدنا آدم قال تعالى {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، فسجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس أستكبر وكان من الكافرين، قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي، استكبرت أم كنت من العالين قال، أنا خير منه خلقتني من نار وخلقتني من طين، قال فأخرج منها فإنك رجيم}سورة ص، إلى عهد خاتم الأنبياء محمد (ص) الذي فتح باب الحوار مع المشركين وأهل الكتاب مع كونه يمثل الحق المطلق قال تعالى {إنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال …}
هذا هو منهج القرآن في التعامل مع الخصم فيجعل لهما كامل الحرية في الاستدلال والبرهنة، وهذا الأسلوب يقودنا لاستعمال عقولنا المقفلة دائماً بحجة أن آباءنا على هذا المذهب قال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤكم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} سورة البقرة.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page