• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إحتجاج السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)

تجمد فكري، وعقدت الحيرة لساني، فوضعت كلتا يدي على رأسي ثم قلت كل هذا ونحن لا ندري، أمرٌ لا يصدق.
فلم يدعني خالي أرتاح قليلاً... حتى أنعش أعصابي فبادرني قائلاً: هذا فيما يتعلق باحتجاج أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام)، ودعيني أقرأ عليك مما جاء عن أحتجاج الزهراء (عليها السلام).
خالي: بغض النظر عن ما جاء في المصادر الشيعية من استنكار أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، فقد ذكر أبو الفضل أحمد بن طيفور وجاء في شرح بن أبي الحديد في المجلد الرابع وفي أعلام النساء لعمر رضا كحالة(1)، قالت (عليها السلام) في خطبتها -التي كان أهل البيت (عليهم السلام) يلزمون أولادهم بحفظها كما يلزمونهم بحفظ القرآن-:
(ويحهم أنى زحزحوها(2) عن رواسي الرسالة؟!
وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين، الطبن(3) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك الخسران المبين.
وما الذي نقموا من أبي الحسن؟
نقموا والله منه نكير سيفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله، وتالله لو تكافأوا(4) على زمام نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، لأعتقله وسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشة(5) ولا يتعتع راكبه ولأوردهم منهلاً روياً فضفاضاً(6) تطفح ضفتاه ولا يترنم جانباه ولأصدرهم بطانة(7) ونصح لهم سراً وأعلاناً غير متحل منهم بطائل إلا بغمر الناهل(8) وردعة سورة الساغب(9)، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض وسيأخزهم الله بما كانوا يكسبون، ألا هلم فأستمع وما عشت أراك الدهر عجباً، وإن تعجب، فقد أعجبك الحادث، إلى لجأ لجأوا؟! وبأي عروة تمسكوا، لبئس المولى ولبئس العشير، بئس للظالمين بدلا، أستبدلوا والله الذنابا بالقوادم، والعجز بالكاهل فرغماً لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا هم المفسدون ولكن لا يشعرون، ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدي فمالكم كيف تحكمون …إلى آخر الخطبة).
بينما هو يقرأ أحسست برعشة تسري إلى جميع أجزاء بدني وجرت دمعة على خدي.. وكيف لا أبكي وقد أحسست بأنفاس الزهراء الطاهرة تتسرب مع أنفاسي إلى أعماق نفسي، فكانت تلك الكلمات حروفاً من نور تشع في وجداني، ورب السماء والأرض لوا أنكر أهل الدنيا جميعاً هذه الكلمات لعشت بها وحيدة في فيافي الأرض وقفارها، أترنم بأجراس كلماتها وترقص نفسي طرباً بأزيز أنغامها، وهنا يكون العشق والحب، وتهيم الروح سكراً بلب معناها.
كففت دمعي وتوسلت بخالي أن لا يقطع الحوار بسبب اضطرابي... دعاني إلى النوم لكي تهدأ أعصابي، قلت كم هي الليالي التي لم نستفد منها إلا النوم فإن كانت ليلة القدر خير من ألف شهر فهذه الليلة خير من ألف يوم، فتلك الليلة تكتب فيها الأقدار وهذه الليلة تبعث فيها الأرواح.
وبعد إلحاح قال خالي: أختم لكِ هذه الليلة بحوار عمر مع جدنا العباس الذي نتشرف بالانتساب إليه.
كما جاء في الكامل لأبن الأثير(10)، وشرح النهج لأبن أبي الحديد(11) وتاريخ الطبري(12).
قال عمر: أتدري ما منع قومكم بعد محمد (صلى الله عليه وسلم)؟
قال بن عباس: فكرهت أن أجيبه فقلت له: إن لم أكن أدري فإن أمير المؤمنين يدري.
فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا على قومكم بجحاً بجحاً(13) فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
عندها قال ابن عباس: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب، تكلمت.
قال: تكلم.
فقال بن عباس: أما قولك يا أمير المؤمنين، اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلوا أن قريش اختارت لأنفسها من حين اختار الله لها، لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فأن الله غز وجل، وصف قوماً بالكراهة، فقال:{ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}
قال عمر: هيهات يا بن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقال بن عباس: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقاً فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلاً فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
قال عمر: بلغني أنك تقول إنما صرفوها عنا حسداً وبغياً وظلماً.
فقال بن عباس: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلماً فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسداً فإن آدم حُسِدَ ونحن ولده المحسودون.
فقال عمر: هيهات، هيهات، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسداً لا يزول.
فقال بن عباس: مهلاً يا أمير المؤمنين لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا).
خالي: والدليل على أن أهل البيت عليهم السلام محسودون على المكانة التي خصهم بها الله قوله تعالى (أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله ولقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيما) والتدبر في هذه الآية يكشف لنا أن الحسد وقع على هؤلاء الناس بسبب عطا ربك لهم ا (لكتاب والحكمة والملك العظيم) لأن المعلوم والمحكم في هذه الآية أن الله أعطا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك العظيم، والمتشابه علينا في هذه الآية هو من المقصود بالناس في هذه الآية وما هو الفضل الذي أُعطيّ لهم، ولاستجلاء المعنى المقصود لا بد من أجراء المقابلة (فالناس يقابلهم آل إبراهيم) (والفضل، يقابله الكتاب والحكمة والملك العظيم) فهل يا ترى من هؤلاء الناس في أمة محمد يقابلون آل إبراهيم، هل تجدي غير آل محمد كفء ونظير لآل إبراهيم، فيتضح بذلك إن الناس المقصودون في هذه الآية هم آل محمد (ص) أما الفضل الذي أُعضيّ لهم فهو الكتاب والحكمة والملك العظيم، فيكون معنى الآية (أم يحسدون آل محمد على ما أتاهم الله من الكتاب والحكمة والملك العظيم، ولقد أتينا آل أبراهيم مثل ما أعطيناهم من الكتاب والحكمة والملك العظيم) فهل عرفتِ بذلك السبب الذي جعلهم يزيلوا آل محمد عن مراتبهم التي رتبهم الله بها.
يا عزيزتي: قد تبين للجاهل قبل العالم، وإياكِ أن تحيدي عن قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قلت: كل ما ذكرته مقنعاً، ومستنداً على الأدلة والبراهين الساطعة، وهذا خلاف ما كنا نعرفه عن الشيعة الذين كانوا في تصورنا أبعد الناس عن الحق، وكل ما يمكن أن أجزم به الآن حتى لا كون متعجلة بالحكم بأحقية مذهبكم أن الشيعة طائفة إسلامية يجب أن تحترم وأن كانوا يختلفون مع عامة المسلمين من أهل السنة في بعض الأمور التي يمكن تجاوزها في سبيل الوحدة الإسلامية، وللأنصاف يا خالي لقد سررت جداً بهذا الحوار وقد تعلمت منه درساً لن أنساه أبداً، وهو عدم الحكم على الآخرين بالأفكار المسبقة، والرجوع إليهم لا إلى من يخالفهم، وأنا أعتقد أن من أعظم المصائب التي تعيشها امتنا هي فقدانها لأرضية الحوار.
ولكن عفواً يا خالي مازال هناك سؤالاً يراودني، هل غاب هذا عن العلماء؟ ولماذا لم يتوصل أحد منهم لما ذكرت؟
خالي: لقد أثلجتِ صدري بهذا الكلام الذي ينم عن وعي وشعور كاملين بالمسؤولية، التي أمرنا القرآن الكريم أن نتحلى بها من معرفة المنهج القرآني في المباحثة والمناظرة العلمية الذي يعترف بالطرفين، قال تعالى معلماً رسوله (ص) مخاطبة الكفار والمشركين:{وإنّا أو إياكم لعلى هدى أوفي ضلال مبين}، فانظري إلى هذا التعامل الأخلاقي النبيل، فلم يقل لهم أني على حق و أنتم على ضلال، بل قال إما نحن أو أنتم على حق أو على باطل.. فهذا هو منهج القرآن عندما طرح للجميع حرية المناقشة قائلاً:{قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين} فكان رسول الله (ص) يسمع براهينهم ويردها بالتي هي أحسن، وقد سجل القرآن نماذجاً كثيرةً سواء كانت مع رسول الله (ص) أو مع الأنبياء السابقين، ففي قصة إبراهيم ونمرود، وموسى وفرعون، خير عبر، وقد أثبت الله سبحانه وتعالى حجج وبراهين الكافرين في قرآنه، وأعطاها من القداسة ما أعطى غيرها من الآيات ولم يجوّز لمسلم أن يمسها من غير وضوء بناء على الفقه الشيعي، فأين هؤلاء الذين يشنعون ويفترون على الشيعة بكل ما هو باطل من هذا المنهج القرآني الأصيل(14).
أما قولكِ لماذا لم يتوصل أحد لما ذكرت؟
قال تعالى {أكثرهم للحق كارهون} وقال {أكثر الناس لا يعلمون} {أكثر الناس لا يشكرون} {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} {فأبى أكثر الناس ألا كفورا} {أكثر الناس لا يؤمنون}.. هذا أولاً.
ثانياً: هناك من هو مصداق قوله تعالى {وجحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا}
ثالثاً: هنالك مجموعة من نخبة السنة وعلمائها من كسر الأغلال وتعدى حواجز الكبت الإعلامي، والتحقوا بركب التشيع في كل أنحاء العالم، فتمسك بعض العلماء بموقفهم ليس دليلاً على بطلان مذهب آل البيت و إلا حكمنا ببطلان مذهب أهل السنة أيضاً لتمسك علماء الطوائف الأخرى بعقيدتهم.
____________
1 - ج3 ص 1208، وقد أخرج خطبة الزهراء أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة وفدك.
2 - أي الخلافة.
3 - أي الخبير.
4 - التكافؤ: التساوي، والزمام الذي نبذه إليه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) -أي ألقاه إليه - إنما هو زمام الأمة في أمور دينها ودنياها، والمعنى أنهم لو تساووا جميعاً في الإنقياد بذلك الزمام والإستسلام إلى ذلك القائد العام، لأعتقله أي وضعه بين ركابه، وساقه كما يعتقل الرمح.
5 - سار بهم سيراً سجحاً أي سيراً سهلاً.ولايكلم خشاشة أي لا يجرح أنف البعير، والخشاش: عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام ولايتعتع ركابه، أي لايصيبه اذى.
6 - أي يفيض منه الماء.
7 - أي شبعانين.
8 - أي ري الظمآن.
9 - أي كسر شدة الجوع.
10 - ج3 ص63.
11 - ج3 ص107.
12 - ج4 ص223.
13 - التبجح بالشي، أي الفرح به.
14 - راجع كتاب الحقيقة الضائعة، لمعتصم سيد أحمد، ص30 تحت عنوان ملاحظات للباحث لا بد منها، وص218 مع أحسان إلهي ظهير.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page