طباعة

الزواج

كانت الصديقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام في محلها الذي اختصها اللّه به من العظمة تكتنفها فضائل جمة تقاعست عن مداها كافة البشر و انحط عن دراها ذوو المئاثر منذ بدء الخليقة كيف لا و قد جاء بها النبي صلّى اللّه عليه و آله للمباهلة (قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا نساءكم و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين) و كانت خامسة أصحاب الكساء المعنيين بآية التطهير (انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهّركم تطهيراً) و لم يفت ء والدها الأقدس ينوه بفضلها و يصحر بشرفها الوضاح في ملأ من أصحابه و على رؤوس الأشهاد كقوله ان اللّه يغضب لغضب فاطمة و يرضى لرضاها
[منتخب كنزالعمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 96 و 97 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 153.]]

و هي سيّدة نساء العالمين:
و ان مريم أحصنت فرجها فقد أحصنت فاطم بعدها و جاءت بسبطي نبي الهدى
و جاءت بعيسى نبي الهدى و جاءت بسبطي نبي الهدى و جاءت بسبطي نبي الهدى
[في البحار ج 10 ص 16 انهما لحسان. .

إلى الكثير من كلماته التي تنم عن مستوى مجدها الباذخ فكانت لها الميزة الخاصة على نساء العالمين حتى على أخواتها اللائي هنّ أكبر منها في السنّ
(زينب و رقية و اُم كلثوم) فإن نبي الإسلام لم ينبى ء عنهنّ و لا ببعضه و لما علمت الصحابة ان ما حازته فاطمة من القداسة والرفعة لم تنلها أي امرأة حتى بنات الأنبياء كانت لهم مطامع طامحة إلى مصاهرة النبي صلّى اللّه عليه و آله منها تهالكاً منهم في الحصول على ذلك الخطر الشامخ والحظوة بالإقتران بمثلها من (حوراء إنسية و محدثة مرضية) غير ان هيبة النبوّة كانت تصدّهم عن مذاكرة النبي صلّى اللّه عليه و آله لا سيّما بعد أن شاهدوا ردّ من خطبها معلّلاً بأنه ينتظر في أمر فاطمة الوحي الإلهي.
[في منتخب كنزالعمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 99 والسيرة الحلبية ج 2 ص 217 والصواعق المحرقة ص 84 و ذخائر العقبى ص 30 و تاريخ الخميس ج 1 ص 407 ان النبي صلّى اللّه عليه و آله ردّ أبابكر و عمر لمّا خطباها و قال: اني أنتظر أمر السماء.]

مع انه لم يرد أحداً خطب أخواتها و ليس ذلك إلّا لعلمه بأن خلفاءه على الاُمة لابدّ و أن يكونوا منها و ان أبا الأوصياء لا يكون رجلاً عادياً من غمار الناس و ان تلك النطف الطاهرة لا يقلها أي صلب إلا من سبق العلم الأزلي بأن يكون و عاءلها حتى ينقلها إلى أمثاله من رحم طاهرة لا يخالطها نجس الشرك و لا سفاح الكفر.
كما ان اختيارهم لهاتيك المنصات لا يكون إلّا بنص من مبدع كيانهم و مودع العصمة فيهم و إلا فنبي العظمة لم يزل يهتف في اُمته بأن المسلم كفؤ المسلم مكتسحاً بذلك عادات الجاهلية و مفاخراتهم و لم يبرح عاملاً به و آمراً قومه بالعمل به فزوّج المقداد بن الأسود من ضباعة بنت عمه الزبير بن عبدالمطلب
[من الغريب يخرج منهما عبداللّه فيحارب علياً عليه السلام يوم الجمل و يكون المهاجر بن خالد بن الوليد معه يوم صفين.]] و زوّج زيد بن حارثة من زينب بنت حجش ابنة عمته اميمة بنت عبدالمطلب إلا ان أمر فاطمة فوق ذلك الأمر العادي كما يقول الإمام الصادق: «لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ من آدم فمن دونه»
[الكافي والكليني والتهذيب للطوسي في باب الكفائة.]

و لأجله صدر التكليف الخاص بسيد الوصيّين عليه السلام أن لا يتزوّج امرأة مادامت فاطمة موجودة
[أمالي الطوسي ص 27 و مناقب ابن شهر آشوب ج ص 93 و بشارة المصطفى ص 136.] فلم يتزوّج أميرالمؤمنين امرأة حتى ماتت فاطمة كما ان النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يتزوّج حتى توفّيت خديجة و قال السيّد أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية هذا التحريم من خصائص فاطمة
[السيرة النبوية بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 12.]

لأنها قطب رحى الوجود مهجة قلب عالم الإمكان و مركز الخمسة من أهل العبا و في محياها بعين الأوليا بل وجهها الكريم وجه الباري روح النبي في عظيم المنزلة و في الكفاء كفؤ من لا كفؤ له
في قوسي النزول والصعود و بهجة الفردوس في الجنان و محور السبع علواً و إبا عينان من ماء الحياة والحيا و قبلة العارف بالأسرار و في الكفاء كفؤ من لا كفؤ له و في الكفاء كفؤ من لا كفؤ له
[من اُرجوزة آية اللّه الحجة الشيخ محمد حسين الاصفهاني (قده). .

و بينا النبي صلّى اللّه عليه و آل يرد كل من أتاه خاطباً لها حتى ساءه عبدالرحمن بن عوف حين غالى في المهر فمد النبي صلّى اللّه عليه و آله يده المباركة إلى حصى و تناوله فإذا هو درّ و مرجان و قال: ان من يقدر على هذا لا يهمّه كثرة المهر
[مدينة المعاجز ص 144 والبحار ج 10 ص 33.]]

إذ هبط الأمين جبرئيل معه سنبل و قرنفل من الجنة أهداهما اللّه إليه و أعلمه بما أمر اللّه به من تزويج علي عليه السلام من فاطمة بخمسمائة درهم تكون سنّة لاُمته و قد فرض اللّه سبحانه لها خمس الدنيا و ثلثي الجنة و أربعة أنهار في الأرض الفرات و دجلة و نيل مصر و نهر بلخ و أخبره بأنه إذا زوّجها من علي عليه السلام جرى منهما أحد عشر إماما لكل اُمة إمام في زمانهم يتعلّمون منه كما علم قوم موسى مشربهم
[دلائل الإمامة لابن جرير ص 18.]

و انه سبحانه أمر الملائكة أن يزيّنوا الجنان و أمر الحور العين بقرائة طاها و ياسين و حمسعق و أرسل سحابة نثرت الدرّ والياقوت و اللؤلؤ والسنبل والقرنفل فالتقطت الملائكة
[تفسير فرات ص 157.]

والحور و تهادين به
[كشف الغمة ص 142 و مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 105.]

و انه تعالى شأنه قال: الحمد ردائي والعظمة كبريائي والخلق كلهم عبيدي و إمائي
[مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 106.] يا ملائكتي و سكان جنّتي باركوا على علي بن أبي طالب حبيب محمد و علي فاطمة بنت محمد فإني قد باركت عليهما و قد زوّجت أحبّ النساء إليّ من أحبّ الرجال إليّ من النبيّين والمرسلين.

فقال راحيل: يا رب و ما بركتك عليهما بأكثر مما رأينا لهما في جنانك؟ فقال عزّ و جل: ان من بركتي عليهما اني أجمعهما على محبّتي و أجعلهما حجّة على خلقي و عزّتي و جلالي لأخلقنّ ذريّة منهما أجعلهم خزاني في أرضي و معادن علمي و دعاة إلى ديني بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيّين والمرسلين
[روضة الواعظين ص 126.]

و خطب راحيل في البيت المعمور فقال:
الحمد للّه الأول قبل أولية الأولين الباقي بعد فناء العالمين نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين و بربربيته مذعنين و له على ما أنعم شاكرين حجبنا من الذنوب و سترنا من العيوب و أسكننا في السماوات و قربنا في السرادقات و حجب عنا النهم والشهوات و جعل نهمتنا في تسبيحه و تقديسه، الباسط رحمته الواهب نعمته جلّ عن الإلحاد أهل الأرض من المشركين و تعالى بعظمته عن إفك الملحدين و ان الملك الجبّار اختار صفوة كرمه و عبد عظمته على بن أبي طالب لأمته سيدة النساء بنت خير النبيّين و سيّد المرسلين و إمام المتّقين فوصل حبله بحبل رجل من أهل المصدق دعوته و المبادر إلى كلمته (على الوصول) بفاطمة البتول) ابنة الرسول محمد صلّى اللّه عليه و آله.

و ان اللّه سبحانه و تعالى أنشأ في شجرة طوبى صكاكاً بعدد ما يعلمه من محبي علي و فاطمة فيها فكاكهم من النار و خلق ملائكة تحتها فلما هز رضوان تلك الشجرة تساقطت الصكاك فحفظتها الملائكة و في يوم القيامة لا يبقى محب لهما إلا و يأتيه الملك و بيده صك فيه خلاصه من النار
[الصواعق المحرقة ص 103 و تاريخ بغداد ج 4 ص 210 و اسدالغابة ج 1 ص 206 و الإصابة ج 1 ص 82 بترجمة سنان بن شفعلة و مناقب الخوارزمي و رشفة الصادي ص 28 و كشف الغمة ص 137.]

و في حديث الباقر عليه السلام: انها نثرت الدرّ والياقوت والزبرجد الأحمر والأخضر والأصفر و مناشير و مخطوطة بالنور فيها أمان مذخور إلى يوم القيامة
[دلائل الإمامة ص 18 ط نجف.]

و هبط على النبي صلّى اللّه عليه و آله ملك يقال له محمود مكتوب بين كتفيه محمد رسول اللّه علي وصيّه فقال: يا رسول اللّه ان اللّه بعثني أن اُزوّج النور من النور أعني فاطمة من علي
[أمالى الصدق ص 353 مجلس 86 والمحتضر ص 133.]

و لما علم النبي صلّى اللّه عليه و آله بما حكم اللّه به دعا ابنته الزهراء و أوقفها على ما اختاره اللّه و قضاه و سألها عن رغبتها فيه فسكتت فصاح النبي: اللّه
أكبر سكوتها إقرارها و سأل أميرالمؤمنين عما يجده من الصداق فقال: لا أجد إلا درعي و سيفي و فرسي و ناضحي فأمره صلّى اللّه عليه و آله ببيع الدرع حيث لا غناء له عن السيف والفرس والناضح
[كفاية الطالب في مناقب على بن أبي طالب للكنجي الشافعي ص 166.] فكان قيمتها خمسمائة درهم

[المروي في دلائل الإمامة ص 135 كانت قيمتها أربعمائة ولكن المتحصل مما يؤثر في تقدير مهر السنة الذي لا يتخطاه المؤمن اثنا عشر اوقية و نشا يساوي من الدراهم المضروبة خمسمائة درهم و على هذا مشى الشارع الأقدس في نسائه و بناته و قرره للاُمة و ما أثبته التاريخ من صداق اُم حبيبة بنت أبي سفيان بأنه أربعة آلاف درهم لا ينقض ذلك الأساس الرصين فلقد أعلمنا أئمة الدين من آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله خطبها و هي في الحبشة و ان النجاشي ساق إليهما ذلك المهر إذاً فمن الراجح المؤكد ترجيح القول بأن مهر فاطمة خمسمائة درهم و هو مهر السنّة كما صحّحه ابن شهر آشوب في المناقب ج 2 ص 408 والمجلسي في البحار ج 20 ص 33 فلا يعبؤ بما في ذخائر العقبى و منتخب كنزالعمال ج 5 ص 99 بهامش مسند أحمد ج 5 والصواعق المحرقة ص 85 من تقدير مهر فاطمة بأربعمائة مثقال.

و أما ما رواه في الكافي من ان مهر فاطمة في السماء خمس الأرض و في المناقب لابن شهر آشوب اضافة ثلث الجنة و أربعة أنهار الأرض فهو من الخصائص الخارجة عن مستوى الإدراك يرجع علمه إلى آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و لا يرمى بالرد بعد أن كان علمهم صعب مستصعب لا يتحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه بالإيمان.]
و خرج رسول اللّه إلى أصحابه يعلمهم بالوحي الإلهي فقال: أيها الناس انما أنا بشر مثلكم أتزوّج فيكم و ازوّجكم إلا فاطمة فإن تزويجها نزل من السماء
[البحار ج 10 ص 42 عن الكافي.] و هذا جبرئيل يخبرني عن اللّه تعالى انه أشهد ملائكته على انه زوّج فاطمة من علي و أمرني أن اُزوّجهما في الأرض و اشهدكم على ذلك
[بشارة المصطفى ص 179.]

ثم رقي صلّى اللّه عليه و آله المنبر فقال:
الحمد للّه الذي رفع السماء فبناها و بسط الأرض فدحاها و أثبتها بالجبال
فأرساها و أخرج منها ماءها و مرعاها الذي تعاظم عن صفات الواصفين و تجلّل عن لغات الناطقين و جعل الجنّة ثواب المتّقين والنار عقاب الظالمين
[التهذيب.] الحمد للّه المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه و سطوته، النافذ أمره في سمائه و أرضه، الذي خلق الخلق بقدرته و ميّزهم بأحكامه و أعزّهم بدينه و أكرمهم بنبيّه محمد صلّى اللّه عليه و آله
[الصواعق المحرقة ص 84 و مدينة المعاجز ص 147.]

عباد اللّه انكم في دار أمل و عدو أجل و صحة و علل دار زوال و تقلّب أحوال جعلت سبباً للإرتحال فرحم اللّه امرءاً قصر من أمله و جدّ في عمله و أنفق الفضل من ماله و أمسك الفضل من قوته ليوم فاقته يوم يحشر فيه الأموات و تخشع له الأصوات و تذهل الاُمهات و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى يوم يوفيهم اللّه دين الحق و يعلمون ان اللّه هو الحق المبين يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً و ما عملت من سوء تود لو انّ بينها و بينه أمداً بعيداً و من يعمل مثقال ذرّة خيراً يره و من يعمل مثقال ذرّة شراً يره يوم تبطل فيه الأنساب و تقطع الأسباب و يشتد الحساب فمن زحزح عن النار و اُدخل الجنّة فقد فاز و ما الحياة الدينا إلا متاع الغرور
[تاريخ الخميس ج 1 ص 408 و ذخائر العقبى ص 30 والصواعق ص 84 و دلائل الإمامة ص 16.]

ثم ان اللّه جعل المصاهرة نسباً لاحقاً و أمراً مفترضاً نسخ بها الآثام و أوشج بها الأرحام و ألزمها الأنام فقال عزّ من قائل: (و هو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً و صهراً و كان ربّك قديراً).
فأمر اللّه يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره و قدره يجري إلى أجله فلكلّ قضاء قدر و لكل قدر أجل كتاب يمحو اللّه ما يشاء
و يثبت و عنده اُم الكتاب.
أيها الناس ان الأنبياء حجج اللّه في أرضه الناطقون بكتابه العاملون بوحيه و ان اللّه أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي بن أبي طالب فإن اللّه قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة و اُشهدكم اني زوّجته من فاطمة
[مدينة المعاجز ص 147.] و التفت إلى علي عليه السلام قائلاً: أرضيت يا علي؟

فقال عليه السلام: رضيت عن اللّه و عن رسوله.
فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله: جمع اللّه شملكما و أسعد جدّكما و بارك عليكما و أخرج منكما كثيراً طيّباً
[تاريخ الخميس ج 1 ص 408.]

و أمره النبي صلّى اللّه عليه و آله أن يخطب فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: الحمد للّه الذي ألهم بفواتح علمه الناطقين و أنار بثواقب عظمته قلوب المتّقين و أوضح بدلائل أحكامه طرق السالكين و أبهج بابن عمّي المصطفى العالمين حتى علت دعوته دواعي الملحدين و استظهرت كلمته على بواطل المبطلين و جعله خاتم النبيين و سيد المرسلين فبلغ رسالة ربّه و صدع بأمره و أنار من اللّه آياته، الحمد للّه الذي خلق العباد بقدرته و أعزّهم بدينه و أكرمهم بنبيّه محمد صلّى اللّه عليه و آله و رحم و كرم و عظم و شرف الحمد للّه على نعمائه و أياديه الحمد للّه الذي قرب من حامديه و دنا من سائليه و وعد الجنّة من يتّقيه و أنذر بالنار من يعصيه نحمده على قديم إحسانه و أياديه حمد من يعلم انه خالقه و باريه و مميته و محيه و مسائله عن مساويه و نستعينه و نستهديه و نؤمن به و نستكفيه و نشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له شهادة تبلغة و ترضيه و انّ محمداً عبده و رسوله صلى اللّه عليه صلاة تزلفه و تحظيه و ترفعه و تصطفيه والنكاح مما أمر اللّه به و يرضيه و اجتماعنا مما قدره اللّه و أذن فيه.
و هذا رسول اللّه زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم و قد رضيت فاسألوه واشهدوا
[مناقب ابن شهر آشوب ج 2 ص 108.]