طباعة

في الارواح والاشباح والميثاق

في الارواح والاشباح والميثاق

ان لله تعالى قبل هذا العالم الجسمانى عوالم غيبيه لايعلم كنهها وعددها غيره منها عالم الارواح قال الله سبحانه «و يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربى و ما اوتيتم من العلم الا قليلا» و ورد في اخبار مستفيضه من طرق الشيعه والسنه

[ رواها في البحار باب حقيقه النفس والروح و باب خلق الارواح قبل الاجساد من المجلد الرابع عشر و هما في الجزء 61 من الطبعه الطهرانيه بدار الكتب الاسلاميه بعده اسانيد، و في صحيح البخارى في كتاب بدء الخلق باسناده عن عائشه، و في صحيح مسلم في كتاب البر والصله عن ابى هريره، و في كنز العمال الجزء التاسع في الباب الاول من كتاب الصحبه عن ابن مسعود و سلمان، و في شرح القسطلانى على البخارى نقل عن بعضهم.

ان القلوب لاجناد مجنده- قول الرسول و من ذا فيه يختلف

فما تعارف منها فهو موتلف- و ما تناكر منها فهوء مختلف ] عن النبى والائمه المعصومين (عليهم السلام) ان الارواح جنود مجنده فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف. وقد اختلف الكلمات في تفسيره، فقيل: انه اشاره الى تقدم خلق الارواح على الاجساد وان ما تعارف منها في عالمها قبل دخولها في الاجساد اما بالتواصل او بالحالات والصفات، او بالمواد تاتلف في هذا العالم، و لذا قد يرى الانسان احدا فيحبه او يبغضه من دون خير او شر سبق منه اليه، و يدل على هذا المعنى ما في بعض هذه الاخبار مثل ما في البحار باب خلق الارواح قبل الاجساد عن كتاب العلل لشيخنا الصدوق (عليه الرحمه)

باسناده القوى عن الامام الصادق (عليه السلام) ان الارواح جنود مجنده فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هاهنا، و ما تناكر منها في الميثاق اختلف هاهنا. و عنه (عليه السلام) ان الله تعالى اخذ ميثاق العباد وهم اظلله قبل الميلاد، فما تعارف من الارواح ائتلف، و ما تناكر منها اختلف. و لكن روى ايضا في امالى الصدوق

[ في المجلس التاسع والعشرين و عنه في البحار باب حقيقه النفس والروح.] باسناده عن الامام الباقر (عليه السلام) ان العباد اذا ناموا خرجت ارواحهم الى السماء، فما رات الروح في السماء فهو الحق، و ما رات في الهواء فهو الاضغاث، الا وان الارواح جنود مجنده، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، فاذا كانت الروج في السماء تعارفت و تباغضت، فاذا تعارفت في السماء تعارفت في الارض، و اذا تباغضت في السماء تباغضت في الارض.

و روى الصفار في البصائر

[ في جزئه الثامن باب ان الامام يعرف شيعته من عدوه و رواه عنه في البحار الجزء 25 باب بدو ارواح الائمه (عليهم السلام).] باسناده القوى عن الاصبغ بن نباته، قال: كنت مع اميرالمؤمنين (عليه السلام) فاتاه رجل فسلم عليه و قال: انى والله لاحبك في الله واحبك في السر، كما احبك في العلانيه، وادين الله بولايتك في السر، كما ادين بها في العلانيه، و بيده (عليه السلام) عود فطاطا به راسه، ثم نكت بعوده في الارض ساعه، ثم رفع راسه اليه، و قال: ان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) حدثنى بالف حديث لكل حديث الف باب، و ان ارواح المؤمنين تلتقى في الهواء فتشام، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، ويحك لقد كذبت فما اعرف وجهك في الوجوه، ولا اسمك في الاسماء الحديث. و نحوه في كتاب الاختصاص المنسوب الى شيخنا المفيد (عليه الرحمه) بالاسناد عن الاصبغ،

كما في البحار باب خلق الارواح قبل الاجساد. و روى المتقى الهندى في كنز العمال الجزء التاسع باب فضل الصحبه من الافعال عن شقيق بن سلمه

[ من كبار التابعين ذكره ابن حجر في النسم الثانى من اصابته و كان مع على (عليه السلام) بصفين ووثقه جماعه كما في تهذيب التهذيب.] نحو ذلك باختصار و قد ذكر (عليه السلام) فيه ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: ان الارواح كانت تلاقى في الهواء فتشام ما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف، وورد فيه بعد ذلك انه لما كان من امر على (عليه السلام) ما كان، كان الرجل ممن خرج عليه، ثم ذكر في الكنز ان رجاله ثقات. والمستفاد من هذه الاخبار سيما اولها ان تعارف الارواح يكون في هذا العالم بنوم او نحوه، لكنه لا منافاه بين ذلك و بين المعنى الاول، لجواز تحقق كلا الامرين، و كون المراد بالحديث السابق كليهما، او في كل خبر ما يخصه، والله العالم.

هذا وقد صرح ايضا في اخبار مستفيضه بان الارواح خلقت قبل الاجساد، فعن الامام الصادق (عليه السلام)

[ رواه في رجال الكشى في ترجمه سفيان الثورى باسناده عنه (عليه السلام) في حديث طويل نقل منه في البحار هذه الجمله في اخبار المقام و بطوله في تاريخ الامام الصادق (عليه السلام) باب احوال اصحابه.] ان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: خلق الله الارواح قبل الاجساد بالفي عام، ثم اسكنها الهواء فما تعارف منها ائتلف هاهنا و ما تناكر منها ثم اختلف هاهنا. وعنه (عليه السلام)

[ كما في الكافي كتاب الحجه باب معرفه الائمه (عليهم السلام) اوليائهم باسناد قوى، و رواه في البصائر باب ان اميرالمؤمنين عرف ما راى في الميثاق من جزئه الثانى بهذا الاسناد و اسانيد اخر عن الامام الصادق (عليه السلام) بالفاظ مختلفه لايتفاوت فيما ذكر من المعنى و هو العرض.] ان رجلا جاء الى اميرالمؤمنين (عليه السلام) و قال: أنا

والله احبك و اتولاك، فقال له: كذبت، فقال: بلى والله فكرر ثلاثا، فقال له الامام (عليه السلام): كذبت ما انت كما قلت ان الله خلق الارواح قبل الابدان بالفى عام، ثم عرض علينا المحب لنا، فوالله ما رايت روحك فيمن عرض فسكت الرجل ولم يراجعه. و في خبر آخر

[ رواه في البصائر الباب المذكور باسنادين عن بعض اصحاب اميرالمؤمنين (عليه السلام) و ذكر في احدهما ان القائل ابن ملجم المرادى (لعنه الله تعالى) و ان الامام (عليه السلام) قال لاصحابه هذا قاتلى.] قتل له اميرالمؤمنين (عليه السلام): ان الارواح خلقت قبل الابدان بالفي عام ثم اسكنت الهواء، فما تعارف منها ثم ائتلف هاهنا، و ما تناكر منها ثم اختلف هاهنا و ان روحى انكر روحك، و قد يستفاد منهما ان التعارف بالنسبه اليه (عليه السلام) كان بعرض المحب عليه، و يحتمل فيهما تعدد القضيه، و كون المراد بالتعارف في هذا ما هو لسائر الارواح من تواصل و نحوه، كما ان الظاهر تغاير القضيه فيهما مع ما في خبر الاصبغ المتقدم لاختلافه عنهما في عالم التعارف، و قد مر فيما ذكرنا انه يمكن تحقق كلا الامرين، فمقتضى الجميع انه (عليه السلام) اجاب كل احد بما يناسبه، و على كل فالظاهر من هذه الاخبار ان الارواح انما هى ارواح آحاد الناس لا النفوس الكليه او الملائكه كما قيل

[ ان قيل: فما وجه اختصاص اميرالمؤمنين (عليه السلام) من غيره بمعرفه محبه من عدوه بسبب تعارف الارواح كما هو صريح هذه الاخبار؟ قلت: يظهر وجهه مما ورد ايضا في بعض اخبار الباب من انه (عليه السلام) كان متوسما اى متفرسا، وقد قال الله تعالى «ان في ذلك لآيات للمتوسمين» وانه عرض عليه المحب بعد خلق الارواح، كما مر في خبر الكافي و ياتى نحوه، و انه روى في البصائر والاختصاص قبل حديث الاصبغ المذكور في حديث آخر عن الاصبغ ايضا عنه (عليه السلام) قال على المنبر: ان شيعتنا من طينه مخزونه قبل ان يخلق الله آدم بالفي عام وانى لا عرفهم لان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) لما تفل في عينى و كنت ارمد قال: اللهم اذهب عنه الحر والبرد و بصره صديقه من عدوه. الحديث.

و اما سائر الناس فقد حصل لهم بذاك التعارف شى ء من الحب والبغض المرموزين كما ورد عنه (عليه السلم) في الباب المذكور من البحار انه لما احتضر قال فيما اوصى لبنيه: ان القلوب جنود مجنده تتلاحظ بالموده و تتناجى بها، و كذلك هى في البغض فاذا احببتم الرجل من غير خير سبق منه اليكم فارجوه، و اذا ابغضتم الرجل من غير سوء سبق منه اليكم فاحذروه.]

والحاصل ان النصوص بتقدم خلق الارواح على الاجساد كثيره جدا، و عقد المجلسى (رحمه الله تعالى) في بحار الانوار بابا خاصا بذلك

[ في المجلد الرابع عشر و هو في الجزء 61 من الطبعه الحديثه.] و ذكر فيه انها قريبه من التواتر و هو كذلك قطعا، فقد اورد في هذا الباب خمسه عشر حديثا او اكثر مصرحه بذلك بهذا اللفظ او نحوه، و اسانيد جمله منها قويه، كما اشرنا الى بعضها عند ذكره، و بعضها صحيح او حسن كالصحيح، مثل ما رواه عن الكافي، و هو موجود فيه في باب نتف و جوامع من الروايه في الولايه من كتاب الحجه عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن بكير بن اعين كان ابوجعفر (عليه السلام) يقول: ان الله تعالى اخذ ميثاق شيعتنا بالولايه لنا وهم ذر يوم اخذ الميثاق على الذر بالاقرار له بالربوبيه و لمحمد (صلى الله عليه و آله و سلم) بالنبوه، و عرض الله (عز و جل) على محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) امته في الطين و هم اظله، و خلقهم من الطينه التى خلق منها آدم، و خلق الله ارواح شيعتنا قبل ابدانهم بالفي عام و عرضهم عليه و عرفهم رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و عرفهم عليا و نحن نعرفهم في لحن

القول. و نحوه في البصائر باب ان الائمه (عليهم السلام) يعرفهون ما راوا في الميثاق من جزئه الثانى، و في محاسن البرقى باب الميثاق من كتاب الصفوه، و ذكر في المحاسن بعده انه رواه ايضا عثمان بن عيسى عن ابى الجراح عن ابى جعفر (عليه السلام) و زاد فيه: و كل قلب يحن الى بدنه. و ايضا في البحار في باب حقيقه النفس والروح قبل الباب المذكور ما هو صريح في ذلك، كما اورد في باب خلق النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من الجزء 15 و باب بدو ارواح الائمه (عليهم السلام) من الجزء 25 و باب تاريخ ولاده اميرالمؤمنين (عليه السلام) من الجزء 35 و باب حدوث العالم و بدو خلقه من الجزء 57 نصوصا كثيره في الغايه تدل على تقدم خلق ارواحهم و انوارهم (عليهم السلام)

[ فمن امثالها ما اورده في الجزء 15 عن كتاب العلل باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: يا مفضل اما علمت ان الله تبارك و تعالى بعث رسول الله (صلى الله عليه و اله و سلم) و هو روح الى الانبياء (عليهم السلام) و هم ارواح قبل خلق الخلق بالفي عام. الحديث اورده بتمامه في الجزء 39 باب ان اميرالمؤمنين (عليه السلام) قسيم الجنه والنار. و روى فيما ذكر من الجزء 57 عن كتاب العيون عن الامام الرضا (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ان اول ما خلق الله (عز و جل) ارواحنا فانطقنا بتوحيده و تحميده ثم خلق الملائكه الخبر.

و ياتى تمامه عند تعرضنا لبعض اخبار الباب.] فالحق ان دعوى التواتر المعنوى بل فوقه في اخبار تقدم خلق الارواح على الاجساد قريبه جدا.

و مع ذلك انكر شيخنا المفيد (رحمه الله تعالى) و هو من اجل الفقهاء و محققى الفرقه الاماميه هذا القول، و ذكر في رسالته اجوبه المسائل السرويه

[ هذه الرساله طبعت اولا في النجف الاشرف ثم في مدينه قم مع عده رسائل له و كلامه في المقام نقله عنه في البحار باب الطينه والميثاق من الجزء 5 و باب خلق الارواح قبل الاجساد المذكور و يستفاد من كلامه ان هذا الخبر موجود في اخبار العامه ايضا لكنى لم اعثر على ذلك مسندا في كتبهم نعم اشار اليه الفخر الرازى في آخر تفسيره لقوله تعالى «و يسئلونك عن الروح» و الآلوسى في تفسير قوله تعالى «و نفخت فيه من روحى «من سوره الحجر و رواه السيوطى في الدر المنثور في قوله تعالى «و اذا اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم» عن محمد بن كعب القرظى و ابى بن كعب موقوفا.] ان الخبر بذلك من الآحاد، قال: وقد روته العامه كما روته

الخاصه وليس مما يقطع بصحته، و ان ثبت فالمعنى ان الله تعالى قدر الارواح في علمه قبل اختراع الاجساد، فخلق الارواح قبلها خلق تقدير في العلم وليس بخلق لذواتها والخلق لها بالاحداث يكون بعد خلق الاجسام والصور، والا لكانت الارواح تقوم بانفسها ولا تحتاج الى آلات تحتملها، ولكنا نعرف ما سلف لنا من الاحوال قبل الاجساد، كما نعلم احوالنا بعد خلق الاجساد، و هذا محال لاخفاء بفساده. و ذكر نحو ذلك ايضا في رسالته

[ هذه الرساله ايضا مطبوعه مع رسالته اوائل المقالات و حكى كلامه فيها في البحار باب حقيقه النفس والروح من الجزء 61.] في شرح عقائد الصدوق الا انه ذكر فيها ان الوجه للخبر على تقدير صحته ان الله تعالى خلق الملائكه قبل البشر بالفي عام، فما تعارف منها قبل خلق البشر ائتلف عند خلق البشر، و ما لم يتعارف منه اذ ذاك اختلف بعد خلق البشر، وليس الامر كما ظنه اصحاب التناسخ و دخلت الشبهه فيه على حشويه الشيعه، فتوهموا ان الذوات الفعاله الماموره والمنهيه كانت مخلوقه في الذر تتعارف و تعقل و تفهم و تنطق، ثم خلق الله لها اجسادا من بعد ذلك فركبها فيها الى آخر كلامه في الرد على ما قاله شيخنا الصدوق (عليه الرحمه) في باب الاعتقاد في النفوس و الارواح من رساله الاعتقادات، و فيه الطعن على اصحابنا المتعلقين بالاخبار ببعد الذهن

و قله فطنه و ترك النظر في اسنادها وعدم الفرق بين حقها وباطلها والتحصيل لمعانيها.

ولكن يرد عليه اولا ان ما ذكره من كون الاخبار المذكوره آحادا ممنوع، كما بيناه اجمالا مع الاشاره الى تفصيله، وقد اورد هو بعض ما ورد في ذلك في كتابه الامالى والاختصاص المنسوب اليه، ففى الاول

[ في المجلس الثالث عشر و رواه عنه في البحار باب جوامع مناقب اميرالمؤمنين (عليه السلام) من الجزء 40 الحديث 77] باسناده عن الصحابى الجليل ابى الهيثم بن التيهان قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): ان الله (عز و جل) خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام و علقها بالعرش وامرها بالتسليم على والطاعه لى، و كان اول من سلم على واطاعنى من الرجال روح على بن ابى طالب (عليه السلام). و من الثانى ما رواه عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) في حديث لاميرالمؤمنين (عليه السلام) مع امراه لم ترض بقضائه لزوجها، فنسبها الى هنات، فقال له عمرو بن الحريث: ما اعرفك بالكهانه، فقال (عليه السلام): انها ليست بالكهانه ولكن الله خلق الارواح قبل الابدان بالفي عام، فلما ركبها في ابدانهم كتب بين اعينهم كافر و مومن، الى ان قال: ثم انزل بذلك قرآنا، فقال: «ان في ذلك لآيات للمتوسمين» فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) المتوسم ثم انا من بعده الحديث.

و ثانيا لا دليل عقلا على استحاله تقوم الروح بنفسها، او تعلقها بشى ء آخر غير البدن كالهواء، كما مر في عده نصوص، و صرح بنحوه في غيرها، فان حقيقه الروح غير معلومه لنا، و معرفتها بالكنه والصفات خارجه عن امكان البشر، كما قال الله تعالى «قل الروح من امر ربى و ما

اوتيتم من العلم ألا قليلا» فكما انه بعد موت الجسد حى باق بمقتضى آيات القرآن والنصوص الكثيره الوارده في احوال النوم والموت يمكن ان يكون قبل خلقه كذلك، و عدم معرفتنا لما سلف منها لاجل ان حكمه الله تعالى جرت على ان يكون التذكر للاحوال الماضيه باسباب ظاهريه طبيعيه، و لذا لايذكر الانسان ما مضى عليه في حال الطفوله و كثيرا مما مضى عليه في شبابه، مع انه يذكرها بعد الموت في الاخره، كما قال الله تعالى «يوم يتذكر الانسان ما سعى».

هذا و يظهر منه في كلامه المذكور ان القول يتقدم خلق الارواح من لوازم القول بالتناسخ، والحال انه اجنبى عنه ظاهرا، فان القول بالتناسخ الباطل كما حكاه المجلسى (رحمه الله) في معاد البحار انما هو بانكار الحشر والمعاد الجسمانى والجنه والنار، او القول بقدم الارواح، وليس فيما ذكره الصدوق (رحمه الله) في الباب المذكور دلاله على ذلك اصلا، بل صرح في هذه الرساله بعد بابين آخرين ببطلان التناسخ، و ان من دان به فهو كافر لانه انكار للجنه والنار، و على كل فالوجوه العقليه لاستحاله شى ء انما تعارض النصوص الشرعيه اذا كانت موجبه للعلم بها، واما ان كانت محض شبهه كبعض ما اورد على أصل المعاد مثل شبهه الآكل والماكول و نحوها في بعض مسائل التوحيد اذا لم يعلم رمز بطلانها ورودت النصوص والادله الشرعيه على خلافها، كان اللازم هو الركون الى الادله الشرعيه والتمسك بها و دفع الشبهات عن النفس بذلك.

فتحصل من جميع ذلك ان عالم الارواح قبل الاجساد ثابت بالقطع من آثار اهل البيت (عليهم السلام) اجمالا، لكن لم يعلم كنهه و كيفته و افعاله و احواله تفصيلا، و قد يعبر عنه بعالم الاشباح لما ياتى في بعض الاخبار من ان ارواح الائمه او انوارهم (عليهم السلام) كانت اشباح نور

اى صورا نوريه.

وللشيخ الرئيس ابن سينا قصيده معروفه في الروح اوردها شيخنا البهائى (رحمه الله) في كتابه الكشكول

[ و اوردها العلامه الجليل السيد عبدالله الشبر في الجزء الثانى من كتابه مصابيح الانوار و شرحها و ذكر من آخره ان الجواب الحقيقى عن آخرها هو ما في الخبر التالى.] اولها:

·                     هبطت اليك من المحل الارفع محجوبه عن كل مقله عارف وصلت على كره اليك و ربما كرهت فراقك فهى ذات تفجع

·                     و رقاء ذات تعزز و تمنع و هى التى سفرت و لم تتبرقع كرهت فراقك فهى ذات تفجع كرهت فراقك فهى ذات تفجع

[ في البحار باب حقيقه النفس والروح عن قرب الاسناد باسناد قوى عن الامام الباقر (عليه السلام) ان روح آدم لما امرت ان تدخل فيه كرهته، فامرها ان تدخل كرها و تخرج كرها.

ثم ذكر بعض احوال الروح و كيفيه تعلقها بالبدن، و ذكر في آخرها ما حاصله لاى شى ء تعلقت بالبدن بعد ما كانت في ارفع محل، فان كان لحصول كمال لها فلم تفارق البدن قبل حصوله غالبا، ثم قال:

·                     انعم برد جواب ما انا فاحص عنه فنار العلم ذات تشعشع

·                     عنه فنار العلم ذات تشعشع عنه فنار العلم ذات تشعشع

هذا و يظهر جوابه مما رواه شيخنا الصدوق (رحمه الله تعالى)

[ في كتابى التوحيد الباب 62 والعلل الباب 13 و رواه عنه في البحار الباب المذكور.] باسناده عن عبدالله بن الفضل الهاشمى، قال قلت لابى عبدالله (عليه السلام): لاى عله جعل الله تعالى الارواح في الابدان بعد كونها في ملكوته الاعلى في ارفع محل؟ فقال: ان الله تعالى علم ان الارواح في شرفها و علوها متى تركت على حالها نزع اكثرها الى دعوى الربوبيه دونه (عز و جل) فجعلها بقدرته في الابدان التى قدرها لها في ابتداء التقدير نظرا لها و رحمه بها، واحوج بعضها الى بعض، و علق بعضها على بعض و رفع

بعضها فوق بعض درجات، و كفى ببعض، و بعث اليهم رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين و منذرين يامرونهم بتعاطى العبوديه والتواضع لمعبودهم بالانواع التى تعبدهم بها، و نصب لهم عقوبات في العاجل وعقوبات في الآجل، و مثوبات في العاجل و مثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير، و يزهدهم في الشر، و ليذلهم بطلب المعاش والمكاسب، فيعلموا بذلك انهم مربوبون و عباد مخلوقون و يقبلوا على عبادته، فيستحقوا بذلك نعيم الابد و جنه الخلد، و يامنوا من النزوع الى ما ليس لهم بحق، ثم قال (عليه السلام) يا ابن الفضل ان الله تبارك و تعالى احسن نظرا لعباده منهم لانفسهم، الا ترى انك لاترى فيهم الا محبا للعلو على غيره حتى ان منهم لمن قد نزع الى دعوى الربوبيه، و منهم من قد نزع الى دعوى النبوه بغير حقها، و منهم من قد نزع الى دعوى الامامه بغير حقها، مع ما يرون في انسفهم من النقص والعجز والضعف والمهانه والحاجه والفقر والآلام المتناوبه عليهم والموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم، يا ابن الفضل ان الله تعالى لايفعل بعباده الا الاصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون.

قوله (عليه السلام) نزع بصيغه المجهول اى اشتاق او مال، ولا يخفي ان ما ذكره الامام الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث في شان النفوس البشريه انما هو من العلوم الغيبه الالهيه التى يشهد عليها الوجدان والفطره البشريه انما هو من العلوم الغيبيه الالهيه التى يشهد عليها الوجدان والفطره السليمه لما ترى انها بطبعها مائله الى التكبر والطغيان اذا زالت عنها الآلام، كما ذكره الله تعالى في مواضع من القرآن، فقال: «و اذا مس الانسان ضر دعا ربه منيبا اليه ثم اذا خوله نعمه منه نسى ما كان يدعو اليه من قبل و جعل لله اندادا ليضل عن سبيله» فلو كانت ثابته في محلها الارفع خاليه عن الالم والابتلاء كان طغيانها اكثر، وليس كونها هناك عاصما لها، فان

ابليس اللعين اقام كثيرا في الملائكه المقربين، و كان يرى آيات الله الكبرى في السماء، و معذلك استكبر من بينهم و كفر بالله، فنعوذ به من الزلل والطغيان و عصمنا من رذائل الشيطان. و كانه من هذا الحديث الشريف اخذ شيخنا محمد جواد البلاغى النجفي (قدس سره) قصيدته لمعارضه قصيده ابن سينا مجيبا له عن سواله المذكور فقال:

·                     نعمت بان جائت بخلق المبدع يعنى قوله تعالى «ارجعى الى ربك راضيه مرضيه». تبعت سبيل الرشد نحو الانفع تنحو السبيل الى المحل الارفع هذا هداك و ما تشائى فاصنع هذا هداك و ما تشائى فاصنع

·                     ثم السعاده ان يقول لها ارجعى خلقت لا نفع غايه ياليتها الله سواها والهمها فهل نعمت بنعماء الوجود و نوديت هذا هداك و ما تشائى فاصنع

الى ان قال في آخرها:

·                     كم قائل فيها يقول وسائل و جوابه في (يسألونك) أن يع

·                     و جوابه في (يسألونك) أن يع و جوابه في (يسألونك) أن يع

و هى مطبوعه تلو تعليقته على مكاسب شيخنا الانصارى (عليه الرحمه).

و هناك عالم آخر يسمى بالذر والميثاق، فقد ورد ان الله تعالى اخرج ذريه آدم (عليه السلام) قبل هذه النشاه الدنيويه، و جعل فيهم آله النطق والادراك، فاخذ منهم الميثاق لنفسه بالربوبيه، واشهدهم بذلك على انفسهم. والاخبار بذلك من طرق الخاصه والعامه كثيره، و نسب القول به الى جل اهل الحديث و جماعه من المفسرين، و بذلك فسروا قوله تعالى «واذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى» الآيه، ولكن انكره جماعه من اهل النظر و اولوا الآيه بالاستعاره والتمثيل لما فيها من القرينه اللفظيه كما نذكر، و لوجوه عقليه او

خارجيه مثل ان الحجه لاتتم في الدنيا الا بالتذكر، والمفروض انهم نسوا ما اخذ عليهم في تلك النشاه من الميثاق و ان صلب آدم لايسع جميع ذرات ولده، و ان ذرات اولاد اولاده انما تحدث في اصلاب آبائهم بالتغذى من المواد الارضيه، ولم تكن موجوده في صلب آدم، و غير ذلك مما ذكر في تفسير الرازى و غيره.

و قال شيخنا المفيد (رحمه الله) في رسالته اجوبه المسائل السرويه: ان الصحيح من هذا الحديث ان الله تعالى اخرج الذريه من ظهر آدم كالذر فملا بهم الافق، و جعل على بعضهم نورا لايشوبه ظلمه، الى ان قال: وانما فعل الله تعالى ذلك ليدل آدم (عليه السلام) على العاقبه منه، و يظهر له من قدرته و سلطانه و عمله بالكائن قبل كونه ليزداد آدم يقينا بربه، و يدعوه ذلك الى التوفر على طاعته، ثم قال: واما الاخبار التى جائت بان ذريه آدم استنطقوا في الذر فاخذ عليهم العهد فاقروا، فهى من اخبار التناسخيه الى آخر كلامه في ذلك و في تاويل الآيه بالمجاز والاستعاره و هو طويل.

هذا ولكن الحق ثبوت هذا العالم ايضا على الوجه الاول، لان النصوص الوارده فيه كثيره جدا لا سيما من طرق الاماميه، و اسناد عده منها معتبره و دلالتها عليه ظاهره، ولا يبعد دعوى التواتر المعنوى فيها، و هى مبثوثه في اصولنا الاربعه و غيرها، فنذكر هنا نزرا يسيرا منها.

فروى الكلينى (رحمه الله) في الكافي باب فطره الخلق عالى التوحيد من كتاب الايمان والكفر، والصدوق في كتابه التوحيد في باب مثل ما في الكافي باسنادهما الصحيح عن زراره بن اعين قال: سالت ابا جعفر الباقر (عليه السلام) عن قول الله (عز و جل): «و اذ اخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم و اشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى» قال: اخرج من ظهر آدم ذريته الى يوم القيامه، فخرجوا كالذر فعرفهم و اراهم

نفسه (في نسخه التوحيد صنعه) و لولا ذلك لم يعرف احد ربه، و قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): كل مولود يولد على الفطره. يعنى على المعرفه بان الله (عز و جل) خالقه كذلك قوله تعالى «ولئن سالتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله» و رواه في تفسير العياشى عند الآيه الاولى، وفيه: و لولا ذلك ما عرف احد ربه، و ذلك قوله تعالى «ولئن سالتهم» الآيه بدون قوله (عليه السلام) كل مولود الخ.

و في الكافي في ابواب طينه المؤمن من الكتاب المذكور والعلل الباب 9 عله خلق الخلق باسنادهما القوى عن حبيب السجستانى قال: سمعت ابا جعفر يعنى الباقر (عليه السلام) يقول: ان الله (عز و جل) لما اخرچ ذريه آدم (عليه السلام) من ظهره لياخذ عليهم الميثاق بالربوبيه له، و بالنبوه لكل نبى، فكان اول من اخذ عليهم الميثاق بنبوته محمد بن عبدالله (صلى الله عليه و آله و سلم) ثم قال الله تعالى لآدم: انظر ماذا ترى، فنظر الى ذريته و هم ذر قد ملووا السماء، قال: يا رب ما اكثر ذريتى ولامر ما خلقتهم فما تريد منهم باخذك الميثاق عليهم؟ قال الله (عز و جل): يعبدوننى لايشركون بى شيئا و هم يؤمنون برسلى و يتبعونهم، قال: يا رب فمالى ارى بعض الذر اعظم من بعض، و بعضهم له نور كثير، و بعضهم له نور قليل، و بعضهم ليس له نور؟ فقال الله (عز و جل): كذلك خلقتهم لا بلوهم في كل حالاتهم. الحديث و فيه سوال آدم من الله تعالى عن سر اختلافهم في الاعمار والارزاق و سائر حالاتهم و ما قاله تعالى في ذلك من عمله بالمصالح.

و روى شيخنا الطوسى (رحمه الله) في اماليه ج 2 ص 91 طبعه النجف عن ابى سعيد الخدرى (رضى الله تعالى عنه) قال: حج عمر بن الخطاب في امرته، فلما افتتح الطواف حاذى الحجر الاسود فاستمله و قبله

و قال: اقبلك وانى لاعلم انك حجر لاتضر ولا تنفع، ولكن كان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بك حفيا، و لولا انى رايته يقبلك ما قبلتك، و كان في الحجيج على (عليه السلام) فقال: بلى والله انه ليضر و ينفع، قال عمر: فبم قلت ذلك يا ابا الحسن؟ قال: بكتاب الله تعالى، قال: اشهد انك لذو علم بكتاب الله فاين ذلك من الكتاب؟ قال قوله تعالى «واذ اخذ ربك من بنى آدم» الآيه و اخبرك ان الله تعالى لما خلق آدم مسح ظهره فاستخرج ذريته من صلبه في هيئه الذر، فالزمهم العقل و قررهم انه الرب و انهم العبيد، فاقروا له بالربوبيه، و شهدوا على انفسهم بالعبوديه، والله (عز و جل) يعلم انهم في ذلك في منازل مختلفه، فكتب اسماء عبيده في رق، و كان لهذا الحجر يومئذ عينان و شفتان و لسان، فقال: افتح فاك ففتح فالقمه ذلك الرق، ثم قال له: اشهد لمن وافاك بالموافاه يوم القيامه. الحديث.

و نحوه في مستدرك الحاكم ج 1 كتاب المناسك باسناده عن ابى سعيد الخدرى، و تفسير العياشى عند الآيه عن عبدالله بن الحلبى

[ في تفسير البرهان عبدالله الكلبى والاظهر عبيدالله الحلبى كما في حج البحار.] ] عن ابى جعفر و ابى عبدالله (عليهماالسلام) الا انه لم يصرح فيهما باخراج الذريه من ظهر آدم (عليه السلام) بل ورد فيهما ان عليا (عليه السلام) قال لعمر بن الخطاب في ذاك الموقف بعد تلاوه الايه عليه: ان الذريه اقروا لله تعالى بانه الرب وانهم العبيد، فاخذ عليهم الميثاق، و كتب في رق والقمه الحجر.

و روى على بن ابراهيم القمى (رحمه الله) كما في التفسير المنسوب اليه و تفسير البرهان والصافي باسناد صحيح عن ابن مسكان عن ابى عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى «و اذ اخذ ربك» الآيه قلت: معاينه كان هذا؟ قال (عليه السلام): نعم فثبتت المعرفه و نسوا الموقف

و سيذكرونه، و لولا ذلك لم يدر احد من خالقه و رازقه، فمنهم من اقر بلسانه في الذر ولم يومن بقلبه فقال تعالى «فما كانوا ليومنوا بما كذبوا به من قبل»

[ سوره يونس الايه 74 و سوره الاعراف الايه 101 بدون لفظه «به».] و في محاسن البرقى باب بدو الخلق من كتاب مصابيح الظلم باسناده الصحيح عن زراره عنه (عليه السلام) في هذه الايه قال: كان معاينه لله (عز و جل)

[ قال المجلسى (رحمه الله) في البحار في كتاب العدل والمعاد في بيان الحديث: المعاينه مجاز عن المواجهه بالخطاب اى خلق الكلام قباله وجههم.] فانساهم المعاينه واثبت الاقرار في صدورهم، و لولا ذلك ما عرف احد خالقه ولا رازقه و هو قول الله تعالى «ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله». و في كتاب العلل للصدوق (عليه الرحمه) باسناد موثق عن زراره قال: سالت اباجعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز و جل) الايه قال: ثبتت المعرفه و نسوا الوقت (الموقف خ ل) و سيذكرونه يوما، و لولا ذلك لم يدر احد من خالقه و لا من رازقه. و نحوهما في تفسير العياشى عن زراه عنهما (عليهماالسلام) وقد تقدم بعض ما دل على ذلك ايضا في اخبار تقدم خلق الارواح عن العلل والكافي والمحاسن باسانيد عنهما (عليهماالسلام) بعضها صحيح و بعضها موثق او قوى.

هذا و يستفاد ايضا من عده نصوص اخر ان اخذ الميثاق على الذر كان من الطينه الاوليه قبل خلق آدم (عليه السلام) ففى الكافي ابواب طينه المومن باسناده الصحيح عن زراره ان رجلا سال اباجعفر (عليه السلام)

[ في العياشى عن زراره ان رجلا سال ابا عبدالله (عليه السلام) الخ.] عن قول الله (عز و جل): «واذ اخذ ربك من بنى آدم» الايه فقال: حدثنى ابى ان الله (عز و جل) قبض قبضه من تراب التربه التى خلق منها آدم (عليه السلام) فصب عليها الماء العذب الفرات، ثم تركها اربعين صباحا، ثم

صب عليها الماء المالح الاجاج فتركها اربعين صباحا، فلما اخترمت الطينه اخذها فعركها عركا شديدا، فخرجوا كالذر من يمينه و شماله، وامرهم جميعا ان يقعوا في النار، فدخل اصحاب اليمين فصارت عليهم بردا و سلاما، و ابى اصحاب الشمال ان يدخلوها.

و فيه ايضا باسناد صحيح عن الحلبى عن ابى عبدالله (عليه السلام) ان الله (عز و جل) لما اراد ان يخلق آدم (عليه السلام) ارسل الماء على الطين، ثم قبض قبضه فعركها، ثم فرقها فرقتين بيده، ثم ذراهم فاذا هم يدبون، ثم رفع لهم نارا فامر اهل الشمال ان يدخلوها فذهبوا اليها فهابوها فلم يدخلوها، ثم امر اهل اليمين ان يدخلوها فدخلوها فامر الله (عز و جل) النار فكانت عليهم بردا و سلاما، فلما راى ذلك اهل الشمال قالوا: ربنا اقلنا فاقالهم، ثم قال لهم: ادخلوها فذهبوا فقاموا ولم يدخلوها، فاعادهم طينا و خلق منها آدم الحديث. و هو صريح فيما ذكرنا، و نحوه ما في خبر عبدالله بن سنان عنه (عليه السلام) المروى فيه بعد ابواب طينه المؤمن حيث ان فيه فقال تعالى لهم: كونوا طينا باذنى فخلق منه آدم (عليه السلام).

و مقتصى الجمع بين هذه النصوص هو القول بتكرر اخراج الذر واخذ الميثاق، كما حكى المجلسى (رحمه الله) في المرآه كتاب الحجه باب نتف و جوامع مثل ذلك عن المحدث الاسترابادى فيما فهمه من روايات الائمه (عليهم السلام) و يوديه ما في تفسير على بن ابراهيم باسناده عن على بن معمر عن ابيه سالت اباعبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عز و جل) «هذا نذير من النذر الاولى» قال: ان الله تعالى لما ذرا الخلق في الذر الاول، فاقامهم صفوفا قدامه بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله و سلم) فامن به قوم و انكره قوم، فقال الله تعالى «هذا نذير من النذر الاولى» يعنى به محمدا (صلى الله عليه و آله و سلم) حيث دعاهم الى الله

(عز و جل) في الذر الاول. و نحوه باختصار من اوله في بصائر الدرجات الجزء الثانى باب ان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عرف ما راى في الاظله والميثاق.

وقد يحتمل ان يكون المراد بظهر آدم في الاخبار الاولى طينته الاوليه، و بخلقه تقديره في علم الله، او تسويته قبل نفخ الروح فيه فيجمع بين النصوص المذكوره و غيرها بذلك و يحمل ما في بعضها من قول آدم و سواله على غير ظاهره كلسان الحال لكنه تأويل بعيد لاداعى اليه و ابعد منه تاويل جميع هذه النصوص و نحوها الوارده لاثبات عالم الذر بالاستعاره والتمثيل و ان المراد استنطاق حقائق بنى آدم بالسنه قابليتها و استعداد ذواتها حينما كانت نفوسهم في اصلاب عقليه و معادن اصليه، و مكنها الله تعالى من العلم بربوبيته و اعطاها شهود هوياتهم فصار ذلك بمنزله الاشهاد والاقرار بالقول نظير قوله تعالى «فقال لها وللارض اتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين» فان هذا النحو من التاويل طرح لظواهر كلمات اهل البيت المعصومين (عليهم السلام) و مناف لوجوب التعبد بها مع عدم لزوم محذور عقلى فيه. قال المجلسى (رحمه الله) في البحار باب الطينه والميثاق من الجزء الخامس بعد نقل كلام المفيد (عليه الرحمه) في ذلك: ان بتلك الدلائل الضعيفه لايمكن الاجتراء على طرح خبر واحد فكيف يمكن بامثالها طرح تلك الاخبار الكثيره والموافقه لظاهر الآيه الكريمه.

نعم لايمكن لاحد منا ادعاء العلم بكليفيه اخراج الذرات و حقيقه وجودها وصورها والسنه نطقها على نحو ما للانسان في هذه النشاه الدنيويه و غير ذلك من صفات الاجسام، لكن لايقتضى ذلك جواز انكار اصلها او تاويل النصوص بغير ظاهرها سيما و ان في بعضها ما لا يقبل

التاويل المذكور اصلا، مثل ما رواه في الكافي و غيره ان الامام الصادق (عليه السلام) سئل كيف اجابوا و هم ذر فقال: جعل فيهم ما اذا سالهم اجابوه. و في تفسير العياشى انه (عليه السلام) سئل انهم قالوا بالسنتهم قال نعم و بقلوبهم فقيل له و اى شى ء كانوا يومئذ قال (عليه السلام): صنع منهم ما اكتفي به. و من اراد التوسع في ذلك والاطلاع على كثره هذه الاخبار و تواترها و مبلغ مفادها فليراجع الكافي والوافي باب العرش والكرسى من كتاب التوحيد، و باب نكت من التنزيل في الولايه

[ اورد في الكافي في هذا الباب روايات فسر فيها بعض الايات بالميثاق، و قد اورد في الوافي هذه الروايات في باب ما نزل فيهم و في اوليائهم، كما اورد في الكافي بعد هذا الباب ما ورد في اخذ الميثاق بولايتهم، و في الوافي عقد لذلك بابا على حده.] و باب اخذ الميثاق بولايتهم من كتاب الحجه و ابواب طينه المومن والكافر و ما بعدها من كتاب الايمان والكفر، و ما ورد في بدو حجر الاسود و عله استلامه من كتاب الحج و ما ورد في عزل الرجل عن زوجته عند الجماع. و في بدو خلق الانسان من كتاب النكاح، و راجع البحار الجزء الثالث من طبعته الجديده باب الدين الحنيف والتعريف في الميثاق، والجزء الخامس باب الطينه والميثاق، والجزء السادس والعشرين باب تفضيل الائمه (عليهم السلام) على الانبياء واخذ ميثاقهم، والجزء السابع والستين باب طينه المومن، و غير ذلك من الابواب المطابقه او المناسبه لما ذكر من الكافي.

و راجع ايضا تفسير البرهان في الايه المباركه، و من كتب العامه تفسير الطبرى والخازن والدر المنثور، فقد حكى فيها عن ابن عباس و ابن مسعود و ناس من الصحابه و غيرهم تفسير الايه بذلك لما رووه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من التصريح بهذا التفسير، فعن ابن

عباس (رضى الله عنه)

[ رواه عنه ابن حنبل في مسنده والطبرى في تفسيره بالاسناد و رواه في الدر المنثور و كنز العمال كتاب خلق العالم عن النسائى والحاكم والبيهقى عنه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم).] عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: اخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعنى عرفه، فاخرج من صلبه كل ذريه ذراها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا

[ اى معاينه كما مر في بعض رواياتنا و مر معناه، و في نسخه البرى «فتلا».] قال «الست بربكم قالوا بلى شهدنا» الى قوله تعالى «بما فعل المبطلون».

هذا و اما ظاهر الايه المباركه فقد يقال بانه اجنبى عن ذلك، لان مفادها اخذ ذريه بنى آدم من ظهور بنى آدم لا اخذ ذريه آدم من صلبه، وان معنى الذريه هو الاولاد، كما قال تعالى في آخر هذه الايه «و كنا ذريه من بعدهم» و قال في آيه اخرى «كما انشاكم من ذريه قوم آخرين» و ما كان في صلب آدم (عليه السلام) اول خلقه او في طينته الاوليه لم يكن اولادا له و لذلك اختار جماعه

[ كشيخنا المفيد (رحمه الله) في اجوبه المسائل السرويه والسيد المرتضى (رضى الله عنه) فيما حكاه عنه في البحار باب الطينه والميثاق، والزمخشرى في الكشاف، و ابن شهر آشوب في كتابه متشابه القرآن، و نسب في تفسير الرازى والخازن هذا المعنى الى اصحاب النظر.] ان معنى الايه اخراج اولاد بنى آدم من اصلاب آبائهم و خلقهم من نطفهم في هذه الدنيا جيلا بعد جيل والتعبير بلفظه «اذ اخذ» الظاهره في الزمان الماضى لاجل ان كثيرا منهم قد مضى زمانهم حين نزول الايه، فيقاس عليهم من ياتى بعدهم، واشهادهم على انفسهم اشاره الى ما جعل فيهم من قوه العقل و قدره الادراك، و جبلوا عليه في الفطره من معرفه خالقهم و رازقهم، و نصب لهم من الدلائل و آثار الصنعه على ان لهم

محدثا بحيث قد اضطروا جميعا الى الاعتراف له تعالى بالربوبيه كما قال تعالى «قل من رب السماوات السبع و رب العرش العظيم سيقولون لله» و قال تعالى «و لئن سئلتهم من خلقهم ليقولن الله فانى يوفكون» و غير ذلك من الايات الكثيره. ولا ريب ان ذلك من قسم الاشهاد على النفس والاقرار عليها، وان لم تكن في الخارج صوره سوال و جواب، فالايه بما انها وارده في سوره الاعراف تلو آيات في شان بنى اسرائيل و ما ذكرهم الله تعالى به من الحجج والمواثيق، ناظره الى اتمام الحجه عليهم بانهم المسئولون عن كفرهم و عصيانهم في القيامه دون اسلافهم لما ثبت عليهم من الاقرار بعباده الله (عز و جل) المستلزمه لطاعته والايمان بالنبى (صلى الله عليه و آله و سلم).

ولكن التحقيق ان يقال: ان حمل الاشهاد والقول في الايه على المعنى المذكور مجازا او استعاره و تخييلا بعيد عن ظاهر الكلام هنا، و قياسه على قوله بعض العرب انه قال الجدار للوتد لم تشقنى فقال الوتد: اسال من يدقنى، غير وجيه لان هذا كالشعر المنزه عنه كلام الله سبحانه، والتنظير له بقوله تعالى «فقال لها و للارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائيعن» فاسد لان الظاهر من الايات والنصوص ان لكل موجود من الحيوان والجماد ادراكا و شعورا و نطقا خاصا به زائدا على ما فيه من الدلاله ذاتا على حدوثه و مقهوريته، و لذا قال الله سبحانه «ولكن لا تفقهون تسبيحهم و قال (عز و جل) « طوعا او كرها» فان مقهوريتها الذاتيه بطبعها لا تكون الا طوعا مجازا، و اما صدر الايه فيجوز كما في بعض التفاسير حمله على ان الله تعالى اخرج اولا ذريه آدم من ظهره، ثم اخرج من ذريته ذريتهم، و ليس معنى الذريه خاصا مما بعد الولاده في الدنيا، لكن لم يذكر في الايه اخراج ذريه آدم، ولم يتعرض في النصوص للترتيب المذكور، كغالب القصص

القرآنيه حيث لا تعرض فيها لاكثر الخصوصيات

[ و نظير المقام قوله تعالى في سوره البقره «واذ واعدنا موسى اربعين ليله» مع انه في سوره الاعراف «وواعدنا موسى ثلاثين ليله واتممناها بعشر».] و لعله لعدم مدخليه ذكره هنا في غرض الاحتجاج، فبهذا يحصل التوفيق بين الآيه والنصوص، و من المعلوم انه يجوز رفع اليد في الجمله عن ظاهر الايات اذا ورد تفسيرها عن المعصوم (عليه السلام) بنص صحيح كقوله تعالى «الرحمن على العرض استوى».

ثم انه بعد التنزل عن ذلك و دعوى فساد حمل الايه على ما ذكر نقول: ان كثيرا من نصوص المقام لاتعرض فيها للايه، ولا تنافي بينهما، فيستفاد من الايه معناها الظاهر المذكور و من هذه النصوص عالم الذر على النحو الذى تقدم. و اما النصوص التى ذكر فيها تفسير الايه بذلك كبعض ما مر، فالمراد تاويلها و بيان المعنى الباطن، فقد ثبت في احاديث اهل البيت (عليهم السلام) ان للقرآن الكريم ظاهرا و باطنا و تنزيلا و تاويلا وانه لايعلم تاويله غير الله تعالى الا النبى والراسخون في العلم من عترته (عليهم صلوات الله) فيمكن ان يكون المراد ان ما ذكره الله تعالى في هذه الايه من اعتراف الناس بفطرتهم و طبعهم في هذه الدنيا بالربوبيه لله سبحانه له سر معنوى تقصر عنه عقولهم، و هو ما سبق لهم في الذر قبل خلقهم كما مر في النصوص انه لولا ذلك لم يدر احد من خالقه ورازقه، و مثل هذا التاويل لآيات القرآن كثير في اخبار اهل البيت (عليهم السلام) و ربما يطعن عليها الغافل لزعمه ان المراد بها بيان المعنى الظاهر للايه مع كون ظاهرها امرا آخرا كتفسير قوله تعالى عم يتسائلون بولايه على (عليه السلام).

واما الاشكالات العقليه على عالم الذر، فاجمال ما فيها من وجوه

الدفع اولا: انها ليست برهانا على امتناع تلك النشاه، وانما هى شبهه في مقابل الدليل لايتيسر حلها حيث لايعلم رمز بطلانها من اجل ان العقول مانوسه بالعالم المادى و قاصره عن حقيقه ما سواه من العوالم الغيبيه، كاحوال الجنه والنار والبرزخ، فربما يكون الميت بين ايدينا او في قبره معذبا بانواع النقمات او مرزوقا بالنعم، كما هو المستفاد من الايات والاخبار، ولا تدرك حواسنا الظاهره شيئا منها.

و ثانيا: نقول في دفع الاشكالات الثلاث المذكوره اول البحث ان الحجه تتم على الناس في هذا العالم بمعرفتهم طبعا لخالقهم اجمالا، و هى بسبب ما حدث لهم في تلك النشاه، كما صرح به الامام الباقر و الصادق (عليهماالسلام) في احاديث زراره و ابن مسكان المتقدمه و ان الذريه الماخوذه من ظهر آدم او من طينته الاصليه كما تقدم كلاهما في النصوص ليست من المواد والاجرام الارضيه التى تتحول الى النطفه، بل هى اجزاء لطيفه عاليه تمتزج بنحو خاص في المواد الارضيه ليتكون منهما الانسان بامر خالقه، فان في هذا العالم اسرارا غيبيه لايعلمها غير الله سبحانه، فقد ثبت بالاكتشاف الجديد والالات الدقيقه ان في قطره دم او نطفه من الانسان ذرات كثيره من الجراثيم، و مع ذلك يمكن ان يكون فيها اشياء لم تصل اليها يد الاكتشاف، او لن تصل اليها ابدا، فاذا كان هذا شان الذرات الارضيه القابله للادراك بالحواس الظاهره، فكيف لايجوز وجود ذرات عاليه الطف من ذلك في ظهر آدم اوفي طينته تكون اصلا او دخيلا في انسانيه الانسان، واما سائر الاشكالات الاخر فيظهر دفعها بنحو ذلك، كما اشار اليه الفخر الرازى في تفسيره عند بحثه الطويل للايه.

هذا محصل ما عندى من التحقيق في عالم الذر، و اجماله انه ثابت بالنصوص الكثيره المعتبره، و لا دليل عقلا على استحالته، و لا ينافيه ظاهر

الايه الكريمه، وقد عبر عنه في بعض الاخبار بالاظله كما مر، او بالظلال كما ياتى في خبر الكافي، و عبر عنه ايضا في بعضها بالاشباح، وقد يقال كما حكاه الطبرى في جامعه انه عالم الارواح، و لعله يظهر من الخبر المتقدم في اول الباب عن علل الصدوق (عليه الرحمه) لكن المستفاد من النصوص المتقدمه في الارواح خلافه، حيث صرح فيها بتقدم خلقها على الابدان او على الاجساد بالفي عام، و في بعضها قبل ان يخلق آدم (عليه السلام) و على كل فهذا امر آخر لسنا بصدد تحقيقه، بل قد يشكل ذلك لغموض الاخبار فيه، والله العالم.

اذا تبين ذلك كله فاعلم انه قد ورد في اخبار كثيره متضافره ان لرسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و على و فاطمه و كذا الائمه الطاهرين من اولادها (عليهم السلام) في تلك العوالم الروحانيه مقامات عاليه و كرامات ساميه و بركات عظيمه، و قربا معنويا من الله تعالى، مثل ان خلق ارواحهم من نور عظمه الله و كان ذلك قبل خلق سائر الاشياء من الارض والسماء والماء والهواء والعرش والملائكه و غير ذلك من المخلوقات، و ان الله تعالى لما خلق هذه الاشياء اشهدهم خلقها و عرضها عليهم و اجرى عليها طاعتهم، وانهم كانوا اشباح نور حول العرش في اظلله خضراء بين يدى الله سبحانه يعبدونه و يسبحونه و يهللونه، و بتسبيحهم و تهليلهم سبحت الملائكه و هللت، و انه حنيما اخذ الله تعالى على خلقه الميثاق لنفسه بالربوبيه كانوا اول من اقر بها بعد رسوله (صلى الله عليه و آله و سلم) فحملهم العلم والدين، ثم اخذ على سائر خلقه الميثاق لهم بالطاعه والولايه، و ان آدم (عليه السلام) لما خلقه الله واسجد له الملائكه نظر الى ساق العرش فراى مكتوبا عليه اسماء محمد و على و فاطمه والحسن والحسين و نعوتهم (عليهم السلام) فسال عنهم، فقال الله (عز و جل): من

ذريتك و هم خير منك و من جميع خلقى، و لولاهم ما خلقتك و لا خلقت الجنه والنار و لا السماء و الارض

[ رواه في البحار باب ارتكاب ترك الاولى من قصص آدم عن الامام الرضا (عليه السلام) و نحوه اخبار اخر، و في خبر: ان آدم (عليه السلام) راى انوار اشباحهم من ذروه العرش اى اعلاه فسال عنها، فقال الله (عز و جل): افضل خلائقى. و قال ايضا: نقلتهم من اشرف بقاع عرشى الى ظهرك، و لذلك امرت الملائكه بالسجود لك.] و ان الله تعالى امر الملائكه بالسجود لادم لان انوارهم في صلبه، و غير ذلك من انحاء القدس والعظمه والجلال بفضل الله الكبير المتعال.

·                     هم النور نور الله جل جلاله و اسمائهم مكتوبه فوق عرشه و لولاهم لم يخلق الله آدما و لا كان زيد في الانام و لا عمرو

·                     هم التين والزيتون والشفع والوتر و مكنونه من قبل ان يخلق الذر و لا كان زيد في الانام و لا عمرو و لا كان زيد في الانام و لا عمرو

و لا سطحت ارض و لا رفعت سما- و لا طلعت شمس و لا اشرق البدر

سرى سرهم في الكائنات و فضلهم- و كل نبى فيه من سرهم سر

[ من قصيده طويله راقيه في اهل البيت (عليهم السلام) للشيخ ابن العرندس الحلى احد اعلام الشيعه في القرن التاسع، اوردها شيخنا الامينى (رحمه الله) في سابع الغدير.

و قال الصدوق (رحمه الله) في رساله الاعتقادات: يجب ان يعتقد ان الله تعالى لم يخلق خلقا افضل من محمد و اهل بيته (عليهم الصلاه والسلام) وانهم احب الخلق الى الله واكرمهم و اولهم اقرارا به لما اخذ الله ميثاق النبيين، و ان الله تعالى بعث نبيه محمدا (صلى الله عليه و آله و سلم) للانبياء في الذر، و ان الله (عز و جل) اعطى ما اعطى كل نبى على قدر معرفته و معرفه نبينا و سبقه الى الاقرار به، و نعتقد ان الله تعالى خلق جميع الخلق له و لاهل بيته (عليهم السلام) و انه لولاهم لما خلق الله سبحانه السماء والارض و لا الجنه و النار و لا آدم و حواء و لا الملائكه و لا شيئا مما خلق.

اقول: وقد كان بنائى اولا على ترك النقل للنصوص في ذلك هنا، لغموض مغزاها و صعوبه تحملها على الناس القاصرين، ثم بدا لى التعرض لنزر منها، فانها اكثر من ان تحيط بها هذه الرساله بل من الجدير ان توضع لها رساله على حده جامعه للتحقيق في اسانيدها و متونها، والتفصيل لشرحها بقدر ما تدركه الافهام العاديه، و انى قد اردت حينا ان اتصدى لذلك، لكن لم يحصل التوفيق لا كماله، فمن حبس نفسه على نشر الحقائق و اراد ذلك ابتغاء مرضاه الله فليراجع بحار الانوار و سائر المصادر المذكوره هنا في الابواب المشار اليها في المتن او التعليقه للاخبار المتقدمه والتاليه، و يراجع غايه المرام للعالم المتبحر السيد هاشم البحرانى (رحمه الله تعالى) في بابيه الاولين، فاقول و بالله التوفيق:

الحديث الاول: روى الصدوق (عليه الرحمه) في كتاب العلل

[ في الباب 156 من اوله و عنه في البحار باب بدو خلق النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من الجزء 15 و باب ولاده اميرالمؤمنين (عليه السلام) من الجزء 35 و رواه الطبرى الامامى في دلائل الامامه باب ولاده الامام الحسن (عليه السلام) باسناده.] ] باسناده عن معاذ بن جبل ان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: ان الله (عز و جل) خلقنى و عليا و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) قبل ان يخلق الدنيا بسبعه آلاف عام قلت: فاين كنتم يا رسول الله؟ قال: قدام العرش نسبح الله و نحمده و نقدسه و نمجده، قلت: على اى مثال؟ قال: اشباح نور حتى اذا اراد الله تعالى ان يخلق صورنا صيرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم اخرجنا الى اصلاب الاباء و ارحام الامهات، و لا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر. الخبر.

الثانى: روى على بن محمد الخزاز القمى

[ من علماء الاماميه الثقاه في اواخر القرن الرابع، وعده شيخنا الطهرانى في طبقاته من اعلام القرن الخامس يروى عن الصدوق و اضرابه، و ياتى ذكر كتابه الكفايه في بحث آيه التطهير، و ربما نسب هذا الكتاب الى الصدوق، و عن بعض نسبته الى المفيد، و كلاهما خلاف الظاهر، وقد روى هذا الخبر في البحار الجزء 36 باب نصوص الرسول على الائمه (عليهم السلام) عن كتاب ارشاد القلوب للديلمى عن الشيخ المفيد رفعه الى انس، و لعله من النسبه المذكوره لكتاب الكفايه الى المفيد.] في كتابه كفايه الاثر باب ما جاء من انس بن مالك باسناده عنه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) في حديث، قال: خلقنى الله تعالى واهل بيتى من نور واحد قبل ان يخلق آدم بسبعه آلاف عام، ثم نقلنا الى صلب آدم، ثم نقلنا من صلبه في اصلاب الطاهرين الى ارحام الطاهرات، فقلت: يا رسول فاين كنتم و على اى مثال كنتم؟ قال: كنا اشباحا من نور تحت العرش نسبح الله و نمجده. الخبر و فيه النص على امامه اثنى عشر من اهل البيت باسمائهم.

اقول: النصوص في ان الله تعالى جعل انوار خلق النبى والائمه (عليهم صلوات الله) في صلب آدم عند خلقه، ثم نقلها الى الاصلاب الشامخه والارحام المطهره كثيره في ضمن نصوص المقام من ابواب بدو خلقهم، و في باب تفضيلهم على الملائكه، و باب خلق آدم و امر الملائكه بالسجود له، كما ورد من طرق الخاصه والعامه

[ راجع تفسير مجمع البيان والبرهان والدر المنثور للسيوطى.] تاويل قوله تعالى في آخر سوره الشعراء «و تقلبك في الساجدين» بتنقله (صلى الله عليه و آله و سلم) في اصلاب الانبياء من نبى الى نبى حتى اخرجه الله تعالى من صلب ابيه، و معلوم ان هذه الانوار غير المواد العاليه النوريه الحادثه في اصلاب آبائهم (عليهم السلام) عند خلقهم في الدنيا حيث مر في احاديث

خلق الزهراء (سلام الله عليها) انه كان من ثمار الجنه تناولها النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ليله المعراج، و ان خلق سائر الائمه (عليهم السلام) من قطره ماء تحت العرش تنزل على ما ياكله والده، و بالجمله فهذا من الغيوب التى تقصر العقول عن لمس ما دونه كما قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) لجابر ان امرهم يجل عن ان يوصف، و احوالهم تدق عن ان تعلم، لانهم نجوم الله في ارضه، الخبر وقد مر تمامه في تذييل الباب الاول.

الثالث: روى الصدوق في معانى الاخبار

[ باب معنى الامانه و عنه البحار الجزء 11 باب ترك الاولى، والجزء 26 باب ان دعاء الانبياء استجيب بالتوسل بهم، و صدره عنه في الجزء 61 باب خلق الارواح قبل الاجساد الى قوله فغشيها نورهم.] باسناده عن المفضل بن عمر قال ابو عبدالله الصادق (عليه السلام): ان الله تعالى خلق الارواح قبل الاجساد بالفي عام، فجعل اعلاها و اشرفها ارواح محمد و على و فاطمه والحسن والحسين والائمه من بعدهم (صلوات الله عليهم) فعرضها على السماوات والارض والجبال، فغشيها نورهم، فقال الله تعالى للسماوات والارض والجبال: هولاء احبائى واوليائى و حججى على خلقى و ائمه بريتى ما خلقت خلقا هو احب الى منهم، و لمن تولاهم خلقت جنتى، و لمن خالفهم و عاداهم خلقت نارى الى آخر الحديث، و هو طويل ذكر فيه ان آدم راى منزلتهم في الجنه فوجدها اشرف منازلها، و راى اسمائهم مكتوبه على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله فسال الله (عز و جل) عنهم، فقال الله تعالى: لولاهم ما خلقتكما هولاء خزنه علمى و امنائى على سرى، و لما عصى آدم و اخرج من الجنه قالا: اللهم انا نسئلك بحق الاكمرمين عليك محمد و على و فاطمه والحسن والحسين والائمه (عليهم السلام) الا تبت علينا و رحمتنا، فتاب الله عليهما انه هو التواب الرحيم.

الرابع: روى ايضا في العلل و عيون الاخبار و كمال الدين

[ كما في البحار الجزء 26 باب فضل النبى و اهل بيته (عليهم السلام) على الملائكه و في الجزء 57 باب حدوث العالم عن العيون قوله ان اول ما خلق الله الخبر.] باسناده عن الامام الرضا عن آبائه عن اميرالمؤمنين (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): ما خلق الله (عز و جل) خلقا افضل منى و لا اكرم عليه منى، فقلت: يا رسول الله فانت افضل او جبرئيل؟ فقال: ان الله تبارك و تعالى فضل انبيائه المرسلين على ملائكته المقربين، و فضلنى على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدى لك يا على وللائمه من بعدك، ولولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنه ولا النار ولا السماء ولا الارض، فكيف لا نكون افضل من الملائكه وقد سبقناهم الى معرفه ربنا و تسبيحه و تهليله و تقديسه، لان اول ما خلق الله (عز و جل) خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و تحميده، ثم خلق الملائكه الى ان قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم): ثم ان الله تعالى خلق آدم (عليه السلام) فاودعنا صلبه وامر الملائكه بالسجود له تعظيما لنا و اكراما و كان سجودهم لله (عز و جل) عبوديه ولادم اكراما و طاعه لكوننا في صلبه الحديث و هو طويل.

الخامس: و روى في كتابه فضائل الشيعه

[ و رواه عنه في البحار الجزء 11 باب سجود الملائكه لادم والجزء 15 باب بدو خلق النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و الجزء 25 باب بدو خلقهم، والجزء 39 باب حب على (عليه السلام) و انه ايمان، وقد ذكر فيها اجمالا انه رواه باسناده عن ابى سعيد.] عن ابى سعيد الخدرى (رضى الله عنه) قال: كنا جلوسا مع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) اذ اقبل رجل، فقال: يا رسول الله اخبرنى عن قوله (عز و جل) «استكبرت ام كنت من العالين» فمن هو الذى اعلى من الملائكه؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): انا و على و فاطمه والحسن والحسين كنا في

سرادق العرش نسبح الله و تسبح الملائكه بتسبيحنا قبل ان يخلق الله (عز و جل ) آدم بالفي عام، فلما خلق الله (عز و جل) آدم امر الملائكه ان يسجدوا له ولم يامرنا بالسجود فسجد الملائكه كلهم الا ابليس فانه ابى ولم يسجد، فقال الله تبارك و تعالى «استكبرت ام كنت من العالين» عنى من هولاء الخمسه المكتوبه اسمائهم في سرادق العرش، فنحن باب الله الذى يؤتى منه، بنا يهتدى المهتدى، فمن احبنا احبه الله و اسكنه جنته و من ابغضنا ابغضه الله و اسكنه ناره، و لا يحبنا الا من طاب مولده.

و هذه الخبر رواه السيد شرف الدين الحسينى الاسترابادى من علماء القرن العاشر في كتاب تاويل الايات

[ عند الآيه المذكوره في سوره صاد، و هذا الكتاب مطبوع جديدا بالتحقيق، وقد ذكر فيه اسناد الصدوق بالتفصيل الى ابى سعيد الخدرى، و مر آنفا انه في البحار ذكر اسناده اجمالا، فيظهر منهما انه سقط من نسخه الفضائل الموجوده، كما انه في البحار اسقطه عن كنز الجامع، لكن ذكره المصحح في تعليقته، و هو كما في تاويل الايات.] عن ابى جعفر محمد بن بابويه و هو الصدوق (رحمه الله) و رواه ايضا في البحار الجزء 26 باب فضل النبى و اهل بيته (عليهم السلام) على الملائكه عن كتاب كنز جامع الفوائد و هو مختصر من تاويل الايات المذكور، كما صرح به في اول البحار، الا انه ذكر فيهما: فلما خلق الله (عز و جل) آدم امر الملائكه ان يسجدوا له و لم يومروا بالسجود الا لاجلنا، فسجدت الملائكه الخ. ولا ينافي هذا الخبر ما مر في خبرى معاذ و انس من ان خلقهم كان قبل خلق الدنيا و آدم بسبعه آلالف عام، و في خبر قبيصه الجعفي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: كنا اشباح نور حول العشر نسبح الله قبل ان يخلق آدم بخمسه عشر الف

عام، و في غيره اكثر من ذلك او اقل

[ كما في البحار الجزء 15 باب بدء خلق النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) والجزء 57 باب حدوث العالم و اول غايه المرام.] ، فان هذا من احوال العوالم الغيبيه العلويه التى لا مدخل فيها للزمان والاعوام بالعد والحساب، والمراد طول الدهر، فيمكن فيها اختلاف التعابير، والله العالم.

السادس: روى الشيخ ابو عبدالله بن عياش

[ هو احمد بن محمد بن عبيدالله بن عياش الجوهرى من محدثى الاماميه توفي سنه احدى و اربعمائه، كما في رجال النجاشى، و كتابه المقتضب رساله و جيزه طبع في قم والنجف وقد روى هذا الخبر عنه في البحار في الجزء 25 باب بدو خلقهم، والجزء 57 اواخر الباب المذكور آنفا، والجزء 53 آخر باب الرجعه.] في كتابه مقتضب الاثر في النص على الائمه الاثنى عشر باسناده عن سلمان (رضى الله عنه) عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال في حديث: يا سلمان خلقنى الله من صفوه نوره و دعانى فاطعته، و خلق من نورى نور على فدعاه الى طاعته فاطاعه، و خلق من نورى و نور على فاطمه فدعاها فاطاعته، و خلق منى و من على و فاطمه الحسن والحسين فدعاهما فاطاعاه الى ان قال: ثم خلق منا و من نور الحسين تسعه ائمه فدعاهم فاطاعوه قبل ان يخلق الله (عز و جل) سماءا مبنيه او ارضا مدحيه او هواءا و ماءا و ملكا و بشرا، و كنا بعلمه انوارا نسبحه و نسمع له و نطيع الخبر.

و رواه الطبرى الامامى (رحمه الله) في دلائل الامامه باب معرفه القائم (عليه السلام) والحسين بن حمدان الخصيبى

[ بالخاء المعجمه والصاد المهمله والباء الموحده في آخره على الاصح منسوب الى جده الخصيب من قدماء المحدثين، ذكره الشيخ والنجاشى و رماه الثانى بفساد المذهب، و لعل المراد به الغلو لروايته امثال هذا الخبر، و سياتى الكلام في ذلك انشاء الله تعالى، و كتابه الهدايه طبع في بيروت جديدا، وقد روى عنه هذا الخبر في البحار فيما ذكرنا من الجزء 15 نقلا من كتاب (خص) اى منتخب البصائر للشيخ حسن بن سليمان الحلى عنه.] في كتابه الهدايه

الكبرى بالاسناد عن سلمان (رضى الله عنه) و قوله (عليه السلام) كنا بعلمه اى بسبب علمه تعالى بمصالح الخلق و حاجتهم الى وساطه الحجه والرحمه والفضل جعلنا انوارا مسبحين. نظير ما في قوله تعالى في سوره النساء «لكن الله يشهد بما انزل اليك انزله بعلمه» او كقوله تعالى «تجرى باعيننا» «واصنع الفلك باعيننا» والله العالم.

السابع: روى السيد المذكور آنفا في كتابه تاويل الايات عن صاحب كتاب الواحده باسناده عن ابى حمزه الثمالى عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) قال اميرالمؤمنين (عليه السلام): ان الله تعالى احد واحد تفرد في وحدانيته، ثم تكلم بكلمه فصارت نورا، ثم خلق من ذلك النور محمدا (صلى الله عليه و آله و سلم) و خلقنى و ذريتى، ثم تكلم بكلمه فصارت روحا فاسكنه الله في ذلك النور، واسكنه في ابداننا، فنحن روح الله و كلماته، و بنا احتجب عن خلقه، فما زلنا في ظله خضراء حيث لاشمس و لا قمر ولاليل و لانهار و لاعين تطرف نعبده و نقدسه و نسبحه قبل ان يخلق خلقه و اخذ ميثاق الانبياء بالايمان والنصره لنا، و ذلك قوله (عز و جل): «واذ اخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب و حكمه ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتومنن به «يعنى بمحمد (صلى الله عليه و آله و سلم) و لتنصرن وصيه الخبر.

و رواه في البحار الجزء 15 الباب المذكور، والجزء 26 باب تفضيلهم (عليهم السلام) على الانبياء عن كتاب كنز جامع الفوائد، وقد مر انه مختصر من تاويل الايات، و ذكر في البحار في الموضع الثانى ان قوله (عليه

السلام) بنا احتجب اى جعلنا حجابا بينه و بين خلقه، او احتجب معنا عن خلقه فجعلنا محجوبين عنهم.

قلت: ولكن رواه الحسن بن سليمان الحلى في كتابه الموسوم في طبعه بمختصر بصائر الدرجات عن كتاب الواحده بالسند المذكور في تاويل الايات والموجود فيه مكان ما ذكر فبنا احتج على خلقه

[ و كذا في البحار الجزء 52 باب الرجعه عن (خص) يعنى منتخب البصائر لهذا الشيخ، و كانه غير المختصر الذى ذكرنا، وقد رواه ايضا عنه عن كتاب الواحده بالسند المشار اليه الا انه سقط عن نسخه البحار ابوحمزه الثمالى، واما كتاب الواحده ففى فهرست الشيخ انه لمحمد بن حسن بن جمهور العمى بالعين المهمله و تشديد الميم، و في رجال النجاشى انه لابنه الحسن و هو ثقه، و هذا اقرب.] و هذا اظهر. ولا يخفي ان ما ذكر في الخبر من معنى الايه فانما هو من قبيل التاويل والمعنى الباطن نحو ما ذكرنا هنا في آيه الذر، فقد مر آن ذلك ثابت في اخبار اهل البيت (عليهم السلام) والنصوص الوارده عنهم في تاويل الايه المذكوره بما ذكر او نحوه مستفيضه، فراجع تفسير البرهان والبحار باب تفضيل الائمه على الانبياء (عليهم السلام) و على غيرهم من الجزء 26 فلا ينافي ذلك تفسيرها في كتب الخاصه والعامه و اخبار اهل البيت (عليهم السلام) بمعناه الظاهر على اختلاف بينهم في ذلك ايضا كما في مجمع البيان والله العالم.

الثامن: روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين

[ باب ما روى عن الصادق (عليه السلام) من النص على القائم، و عنه في البحار فيما ذكر من الجزء 15 و 25 و في الثانى روى خبر المحتضر المذكور في المتن.] باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) ان الله تبارك و تعالى خلق اربعه عشر نورا قبل خلق الخلق باربعه عشر الف عام فهى ارواحنا، فقيل له: يا ابن رسول الله

و من الاربعه عشر؟ فقال: يا محمد و على و فاطمه والحسن والحسين والائمه من ولد الحسين آخرهم القائم الذى يقوم بعد غيبته.

و رواه في البحار ايضا عن الحسن بن سليمان الحلى عن كتابه المحتضر بالحاء المهمله والضاد المعجمه و هو غير المختصر المتقدم ذكره آنفا، رواه عن كتاب منهج التحقيق باسناده عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) و فيه خلق اربعه عشر نورا من نور عظمته قبل خلق آدم باربعه عشر الف عام فهى ارواحنا الخ... وقد تقدم انه لاتنافي بين التحديد باربعه عشر في هذا الخبر و بين ما في غيره من الاقل او الاكثر، و ذكر في البحار في باب بدو خلقهم وجوها اخر لعدم التنافي، فراجع.

التاسع: روى ايضا في كمال الدين

[ في مقدمته و عنه في البحار الجزء 11 باب سجود الملائكه والجزء 26 باب تفضيل الائمه على الانبياء (عليهم السلام).] باسنادين عن الامام الصادق (عليه السلام) ان الله تبارك و تعالى علم آدم (عليه السلام) اسماء حجج الله كلها، ثم عرضهم و هم ارواح على الملائكه، فقال: ابنئونى باسماء هولاء ان كنتم صادقين بانكم احق بالخلافه في الارض لتسبيحكم و تقديسكم من آدم قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم، قال الله تبارك و تعالى: يا آدم انبئهم باسمائهم فلما انباهم باسمائهم وقفوا على عظيم منزلتهم عندالله تعالى، فعلموا انهم احق بان يكونوا خلفاء الله في ارضه و حججه على بريته، ثم غيبهم عن ابصارهم و استعبدهم بولايتهم و محبتهم و قال لهم: الم اقل لكم انى اعلم غيب السماوات والارض واعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون.

وورد في التفسير المنسوب الى امامنا العسكرى (عليه السلام)

[ هذا الكتاب طبع مرارا وليس من تاليف الامام (عليه السلام) قطعا و انما ورد فيه اخبار كثيره عنه في تفسير القرآن واختلف اصحابنا في اعتباره والمتيقن انه صالح للتاييد، و هذا الخبر رواه عنه ايضا في البحار الجزء 11 باب فضل آدم.] ان الله تعالى قال: «و علم آدم الاسماء كلها» اسماء انبياء الله و اسماء محمد و على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) والطيبين من آلهما و خيار شيعتهم و عتاه اعدائهم «ثم عرضهم» عرض محمدا و عليا والائمه «على الملائكه» اى عرض اشباحهم و هم انوار في الاظله الى آخره بنحو ما مر من حيث المعنى. و لاينافيهما ما ورد ايضا في هذا التفسير و غيره مكما في البحار الجزء 11 باب سجود الملائكه، من ان الله تعالى علم آدم اسماء كل شى ء من الارضين والجبال والنبات و غيرها، فانه يجوز ان يعلمه

[ قيل: ان المراد بتعليمه خلقه عالما بها لا تعليمه بعد خلقه والله العالم.] اسماء جميع الموجودات التى يحتاج آدم الى معرفتها في التعيش والتكلم و تحصيل الفضل و الكمال، ثم يعرض الله سبحانه على الملائكه لامتحانهم والرد عليهم خصوص بعض الاعيان التى لها اهميه كبرى في معرفه اسمائها واحوالها من انوار حجج الله تعالى و ائمه الخلق، و لا دليل على وجوب رجوع ضمير الجمع المذكر الى جميع الاسماء كما قيل، او الى جميع اعيانها كما في تفاسير العامه، فان في القرآن الكريم رموزا و اشارات لايعرفها الا من انزله الله تعالى في بيوتهم و خوطبوا به كما قاله الامام الباقر (عليه السلام) في حديث

[ رواه في روضه الكافي و عنه في البحار في احوال الامام الباقر (عليه السلام) باب مناظراته مع المخالفين من الجزء 46 والنصوص بمضمون ذلك كثيره، فراجع الوسائل كتاب القضاء الباب 13.] لقتاده بن دعامه البصرى المعروف عند العامه

بالفقه و تفسير القرآن و ياتى هنا في الحديث الرابع عشر كلام آخر معه.

العاشر: روى الشيخ الكينى (رحمه الله) في الكافي

[ باب مولد النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من كتاب الحجه و رواه عنه في البحار باب بدو خلقه (صلى الله عليه و آله و سلم) من الجزء 15 و في باب حدوث العالم من الجزء 57 مرتين و شرحه في الاخيره في الحديث 140.] باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال الله تعالى يا محمد انى خلقتك و عليا نورا يعنى روحا بلا بدن قبل ان اخلق سماواتى و ارضى وعرشى و بحرى، فلم تزل تهللنى و تمجدنى، ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحده، فكانت تمجدنى و تقدسنى و تهللنى، ثم قسمتهما ثنتين و قسمت الثنتين ثنتين فصارت اربعه محمد واحد و على واحد و الحسن والحسين ثنتان، ثم خلق الله تعالى فاطمه من نور ابتداها روحا بلا بدن، ثم مسحنا بيمينه فافضى نوره فينا.

اقول: ذكر الاصحاب في شرح هذا الحديث وجوها اوضحها واقربها بسائر الاخبار ما ذكره المجلسى (عليه الرحمه) في البحار والمرآه، و حاصله ان المراد بقوله «ثم جمعت روحيكما» يعنى جعل ماده بدنهما في صلب آدم، و قوله «فكانت تمجدنى» يعنى بنفسها او بتوسط الطينات المقدسه، و قوله «ثم قسمتها ثنيتن» يعنى في عبدالله و ابى طالب، و قوله «ثم قسمت الثنتين ثنتين» يعنى بعد انتقالهما في على و فاطمه، فقوله «ثم خلق الله فاطمه من نور ابتداها روحا بلا بدن» ليس للترتيب الذكرى و انما هو راجع الى ما بعد خلق النور الاول او بعد الجمع و قبل قسمه الثنتين، و قوله «ثم مسحنا بيده» من كلام الامام الصادق (عليه السلام) و هو كنايه عن التفضل والرحمه باجراء نوره في الائمه ايضا بالتوالد والتناسل، و في بعض النسخ ثم مسحهها و في نسخه فاضاء نوره فينا، والله العالم.

الحادى عشر: روى في الكافي ايضا

[ في الباب المذكور و عنه في البحار في البابين المذكورين آنفا و شرحه في اولهما.] باسناده عن جابر بن يزيد

الجعفي قال ابوجعفر الباقر (عليه السلام): ان الله اول ما خلق خلق محمدا و عترته الهداه المهتدين، فكانوا اشباح نور بين يدى الله قلت: و ما الاشباح؟ قال: ظل النور ابدان نورانيه بلا ارواح، و كان مويدا بروح واحده و هى روح القدس فيه كان يعبد الله و عترته، و لذلك خلقهم حلماء علماء برره اصفياء يعبدون الله بالصلاه والصوم والسجود والتسبيح والتهليل و يصلون الصلوات و يحجون و يصومون.

اقول: تكرر في احاديث المقام ذكر الاشباح كما تقدم بعضها، و هى جمع الشبح بالتحريك، ففى تهذيب اللغه و لسان العرب هو ما يبدو للانسان شخصه من الناس و غيرهم، يقال شبح لنا اى مثل. و في الجمهره هو الشخص تراه من بعيد، فكان المراد في هذه الاخبار الهياكل الظاهره، و لذا فسر في هذا الخبر بابدان نورانيه، و لعل تفسيرها بظل النور من جهه اللطافه او التبعيه للاصل، واضافته اما بيانيه اى الظل الذى هو نور او معنويه اى الظل للنور الاول الذى خلقه الله (عز و جل) و خلق منه محمدا واهل بيته (عليهم السلام) كما في الاحاديث المتقدمه، فقد ورد في نصوص مستفيضه

[ راجع لها البحار في البابين المذكورين آنفا و باب بدو ارواحهم من الجزء 25 و راجع الباب الاول من هذه الرساله في حديث خلق الزهراء (سلام الله عليها) و حديث جابر الانصارى في تذييله.] انهم مخلوقون من نور الله او من نور عظمته او من نور الانوار. قال الامام على بن الحسين (عليهماالسلام): ان الله خلق محمدا و عليا و احد عشر من ولده من نور عظمته، فاقامهم اشباحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق و يسبحون الله و يقدسونه، و هم الائمه من ولد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)

[ رواه في الكافي باب ما جاء في الاثنى عشر من كتاب الحجه باسناده عن ابى سعيد العصفرى عن عمرو بن ثابت عن ابى حمزه يعنى الثمالى عنه (عليه السلام) و في البحار باب حدوث العالم عن كتاب ابى سعيد عباد العصفرى في بابى بدو خلق النبى و بدو ارواحهم (عليهم السلام) عن كمال الدين باسناده عنه و ذكر فيه: من نور عظمته ارواحا في ضياء نوره الخ.]

و قوله (عليه السلام) ابدان نورانيه توضيح لكل من اشباح نور و ظل النور، و قوله «بلا ارواح» يعنى الارواح الماديه المخلوقه في اجساد البشر لا انها كانت صورا محضه، فقد صرح في النصوص المتقدمه و غيرها بخلقهم ارواحا، وليس المراد بالنور هنا ما نراه باعيننا في العالم الجسمانى، وانما هو من العوالم الروحانيه التى لايمكن ادراك حقيقته لمن قصرت حواسه و معرفته على الامور الدنيويه، و غايته التشبيه بما في هذا العالم و الله العالم.

و لايخفي ان عالم الاشباح في كلام العلماء يراد به ذلك وقد يراد به عالم الذر و الميثاق و يقال لهما ايضا الاظله والظلال كما تقدم و ياتى في الاخبار، قال الشاعر:

·                     يا اهل بيت رسول الله انكم اعطاكم الله ما لم يعطه احدا- اشباحكم كن في بدو الظلال له- وانتم الكلمات اللاى لقنها- و انتم قبله الدين التى جعلت- للقاصدين الى الرحمن محرابا

·                     لاشرف الخلق جدا غاب او آبا حتى دعيتم لعظم الفضل اربابا دون البريه خزانا و حجابا جبريل آدم عند الذنب اذتابا للقاصدين الى الرحمن محرابا للقاصدين الى الرحمن محرابا

[ حكاها ابن شهر آشوب في مناقبه في مناقب الامام الحسن (عليه السلام) عن ابن حماد و هو على بن حماد العبدى البصرى من افاضل الشعراء المخلصين لاهل البيت (عليهم السلام) و يظهر من اشعاره كثره علمه و علو معرفته، و عده في آخر معالم العلماء من المجاهرين يعنى الذين لم يلاحظوا التقيه في اشعارهم، و حكى انه لم يذكر بيتا الا في اهل البيت (عليهم السلام) ترجمه مفصلا سيدنا الامين في حرف العين من اعيان الشيعه و شيخنا الامينى في الجزء الرابع من كتابه الغدير.

الثانى عشر: في الكافي ايضا

[ باب مولد النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و عنه في البحار باب بدو خلقه وباب حدوث العالم و نحوه مرسلا باختصار في كتاب عيون المعجزات للشيخ حسين بن عبدالوهاب من علماء القرن الخامس في حديث حبابه الوالبيه عن الامام الباقر (عليه السلام)، و عنه في البحار ايضا في الجزء 46 باب معجزات الامام الباقر (عليه السلام).] ] باسناده عن المفضل يعنى ابن عمر قلت للصادق (عليه السلام): كيف كنتم حيث كنتم في الاظله؟ قال: كنا عند ربنا ليس عنده احد غيرنا في ظله خضراء نسبحه و نقدسه و نهلله و نمجده و ما من ملك مقرب و لاذى روح غيرنا حتى بدا له في خلق الاشياء، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكه و غيرهم، ثم انهى علم ذلك الينا.

اقول: الظاهر ان المراد بالاظله هنا عالم الاشباح المذكور في الخبر السابق و غيره و قوله (عليه السلام) كنا عند ربنا اى مقربين لديه سبحانه كقوله تعالى «في مقعد صدق عند مليك مقتدر» واحتمل المجلسى (رحمه الله) في المرآت و البحار ان يكون قوله في ظله خضراء كنايه عن معرفه الرب سبحانه اى كانوا مغمورين في انوار معرفته و مشعوفين به و قوله «حتى بدا له» اى اراد و قوله «ثم انهى» اى اوصل وابلغ علم المخلوقات الينا، نظير ما ياتى في الخبر التالى، والله العالم.

الثالث عشر: في الكافي ايضا

[ باب مولد النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و عنه في البحار باب بدو خلقه و في فصل التفويض الجزء 25 و في باب حدوث العالم مرتين و شرحه بالتفصيل في فصل التفويض و مرآت العقول.] باسناده عن محمد بن سنان قال: كنت عند الامام ابى جعفر الثانى (عليه السلام) فاجريت اختلاف الشيعه، فقال: ان الله تعالى لم يزل متفردا بوحدانيه، ثم خلق محمدا و عليا و فاطمه

فمكثوا الف دهر ثم خلق جميع الاشياء فاشهدهم خلقها و اجرى طاعتهم عليها و فوض امورها اليهم، فهم يحلون ما يشاوون و يحرمون ما يشاوون و لن يشاووا الا ان يشاء الله تبارك و تعالى، ثم قال (عليه السلام) يا محمد هذه الديانه التى من تقدمها مرق و من تخلف عنها محق، و من لزمها لحق خذها اليك.

اقول: قوله (عليه السلام) فاشهدهم خلقها اى خلقها بحضرتهم و علمهم، فكانوا مطلعين على اسرار الخلق و كيفيته و اطواره و لاينافيه قوله تعالى «ما اشهدتهم خلق السماوات والارض و لاخلق انفسهم» لان ذلك راجع الى الشياطين او المشركين لقوله تعالى قبله «افتتخدونه و ذريته اولياء من دونى وهم لكم عدو» فالمعنى كيف تطيعون الشياطين و تولونهم ولم يعطهم لله تعالى اسرار خلقه، فيجوز ان يعطيها الله اوليائه و يشهدهم عليه، و لاجله يوجب على سائر خلقه طاعتهم، كما قال الامام (عليه السلام) في هذا الخبر: اجرى طاعتهم عليها، بل قد تكون الايه ظاهره في ذلك لان نفي اشهاد الخلق عن الشياطين بعد المنع عن اتخاذهم اولياء مشعر بتعليله بذلك، و مقتضاه ثبوت الاشهاد في اولياء الله الذين امر بطاعتهم و ولايتهم بقوله تعالى «انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلوه و يوتون الزكوه و هم راكعون».

و قوله (عليه السلام) و فوض امورها اليهم يعنى في احكام الدين لا في التكوين من الخلق والرزق و غيرهما، لقوله (عليه السلام) بعده فهم يحلون ما يشاوون و يحرمون ما يشاوون، و يويده انه في البحار في فصل التفويض روى هذا الخبر بعينه عن كتاب رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسى و ذكر فيه: و فوض امر الاشياء اليهم في الحكم والتصرف

والارشاد والامر والنهى في الخق لانهم الولاه، فلهم الامر والولايه والهدايه، فهم ابوابه و نوابه و حجابه، يحللون ما شاء و يحرمون ما شاء و لا يفعلون الا ما شاء عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بامره يعلمون. و انه في غير واحد من الاخبار قد اطلق التفويض على ذلك، مثل ما رواه عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: من احللنا له شيئا اصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال، لان الائمه منا مفوض اليهم فما احلوا فهو حلال و ما حرموا فهو حرام.

و حاصل الكلام فيه ان ان الائمه الطاهرين (عليهم السلام) منعوا شديدا شيعتهم من القول بالتفويض في حقهم فيما يرجع الى الخلق والرزق و نحوهما من افعال الله لعباده حتى انه جعلوا القائل به مشركا، والنصوص في ذلك كثيره صريحه اوردها في البحار باب نفي الغلو فيهم، و ما الحق به من فصل بيان التفويض من الجزء 25 وقد صرح بمعنعه و كفر القائل به علماء الشيعه، كشيخنا الصدوق في عقائده و شخينا المفيد (رحمهما الله تعالى) في شرحهها، و لافرق فيه بين القول باستقلال الائمه (عليهم السلام) في تلك الافعال وانها تصدر بقدرتهم و ارادتهم حقيقه و بين القول بان الله تعالى يفعلها عقيب ارادتهم، فان هذا و ان لم يكن مستحيلا عقلا، ولعل معجزات الانبياء (عليهم السلام) احيانا كشق القمر كانت بهذا النحو، لكن النصوص المشار اليها نافيه لذلك ايضا.

و اما في امور الدين فقد صرحت نصوص كثيره بثبوته لهم و عقد لها في الكافي و الوافي بابا خاصا بها الا ان مقتضى الجمع بينها و بين ماورد ايضا من الايات والنصوص الكثيره من اتباعهم لحكم الله تعالى و اتباع الائمه (عليهم السلام) لحكم الله و سنه نبيه (صلى الله عليه و آله و سلم)

و انهم لا يقولون شيئا بآرائهم

[ كما في البحار كتاب العلم باب ان عندهم (عليهم السلام) مواد العلم و اصوله في الجزء 2.] ان الله تعالى قد فوض الى النبى تشريع ما لم ينزل فيه حكم من الله فقال تعالى «و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» و قال «و لايحرمون ما حرم الله و رسوله» و غير ذلك من الايات الكريمه، مثل ما ورد منها في وجوب طاعته مضافا الى طاعه الله، و ذلك كتحريم كل مسكر، و زياده ركعتين في الصلوات الرباعيه، و تشريع نوافل الصلاه والصيام، و اطعام الجد من الارث مع اب الميت و غير ذلك.

ففى الكافي باسناده الصحيح عن زراره انه سمع ابا جعفر و اباعبدالله (عليهماالسلام) يقولون: ان الله تبارك و تعالى فوض الى نبيه (صلى الله عليه و آله و سلم) امر خلقه لينظر كيف طاعتهم، ثم تلا هذه الايه «ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» واما ما نزل فيه حكم من الله فقد قال تعالى فيه «واتبع ما يوحى اليك من ربك» و قال تعالى: «قل ما يكون لى ان ابدله من تلقاء نفسى ان اتبع الا ما يوحى الى انى اخاف ان عصيت ربى عذاب يوم عظيم».

و كذلك فوض الله سبحانه الى اوصيائه والائمه الطاهرين من اهل بيته (عليهم السلام) تطبيق ما شرعه الله و رسوله من الاحكام الدينيه الكليه على مواردها الخاصه بحسب ما يرونه من المصالح الوقتيه ان الفرديه، و لعله لذلك ربما وقع بينهم اختلاف في بعض الموارد لتقيه و نحوها، مثل ما ورد عن الامام الرضا (عليه السلام) في وقت العدول من حج التمتع الى الافراد انه كان موسى بن جعفر (عليهماالسلام) يقول صبح يوم الترويه و كان جعفر او ابوه (عليهماالسلام) يقول زوال يوم الترويه ثم اختار هو الزوال.

كما فوض الله اليهم ايضا بيان بعض الاحكام في زمان، او لبعض المكلفين بحسب ما يرونه، نظير ما فوض الله تعالى الى سليمان بن داود (عليهماالسلام) بقوله «هذا عطاونا فامنن او امسك بغير حساب» فان تعذيب الشياطين في القيود ولو كانوا كفره فسقه او اطلاقهم منها من الاحكام الشرعيه و راجع الى الله تعالى، لكن فوضها عطاء الى نبيه الكريم على ما يراه بغير حساب، اى من غير ان يحاسب عليه فيما يفعله. هذا اجمال الكلام المناسب للمقام في بحث التفويض و تفصيله في محل آخر

[ كمرآه العقول في شرح اصول الكافي للمجلسى (عليه الرحمه) باب التفويض من كتاب الحجه، والبحار باب نفي الغلو و ما بعده، و لا يفوتن الباحثين ما كتبه الامام الخمينى في كتابه اربعين حديثا باللغه الفارسيه في شرح الحديث الحادى والثلاثين.] فلابد من تنزيل ما في الخبر المزبور على القسم الجائز الثابت لهم بسائر الاخبار، والله العالم.

الرابع عشر: في الكافي ايضا

[ الباب 9 من كتاب الاطعمه، و عنه في البحار فيمامر من احوال الامام الباقر (عليه السلام)] باسناده عن ابى حمزه الثمالى في حديث ان الامام اباجعفر الباقر (عليه السلام) قال لقتاده بن دعامه البصرى فقيه البصره: ويحك يا قتاده ان الله (عز و جل) خلق خلقا من خلقه، فجعلهم حججا على خلقه، فهم اوتاد في ارضه قوام بامره نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه اظله عن يمين عرشه، فسكت قتاده طويلا ثم قال: اصلحك الله والله لقد جلست بين يدى الفقهاء و قدام ابن عباس، فما اضطرب قلبى قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك، قال له ابوجعفر (عليه السلام): ويحك اتدرى اين انت انت بين يدى بيوت اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال رجال لا تلهيهم تجاره و لا بيع عن ذكر الله و اقام الصلاه و ايتاء الزكاه، فانت ثم و نحن اولئك،

فقال قتاده: صدقت والله ما هى بيوت حجاره و لا طين. الحديث.

و فيه السوال عن اكل الجبن و حكمه (عليه السلام) بجوازه و عدم حرمته بما يجعف فيه من انفحه الميت، وقد اشرنا في آخر الحديث التاسع الى كلام آخر للامام الباقر (عليه السلام) لقتاده في تفسير القرآن، فلعله كان جزءا من هذا الحديث رواه غير ابى حمزه الثمالى، فصارا حديثين في الكافي.

فهذه اربعه عشر حديثا اخترتها للمقام بعدد المعصومين (عليهم السلام) و هى كما ذكرنا اولا جزء يسير من سائرها بحيث لاريب في جواز دعوى التواتر المعنوى لها، كما يعلم بمراجعه اجماليه الى الابواب المشار اليها للاخبار المذكوره هنا، وقد اعتنى اصحابنا بشان هذه النصوص فاوردوها فيما صنفوه من كتب الفضائل و شروح الزيارات، لاسيما الزياره الجامعه الكبيره التى يشهد سبكها في النظم و المتانه بصدورها عن بيت الوحى والعصمه، وقد شرحها جماعه من العلماء

[ منهم السيد عبدالله الشبر سماه الانوار اللامعه و السيد حسين الهمدانى سماه الشموس الطالعه، والشيخ الجليل الاغا نجفي الاصفهانى سماه حقائق الاسرار، والمجلسى الاول في شرحيه الفارسى والعربى على كتاب من لايحضره الفقيه، و هذه الشروح مطبوعه، و ذكر شيخنا الرازى (رحمه الله) في كتابه الذريعه في حرف الشين عده اخرى، و اخيرا شرحها مفصلا شيخنا الفاضل المتبحر محمد جواد الكربلائى نزيل طهران (سلمه الله تعالى) في خمس مجلدات، و من الشروح للشيخ احمد الاحسائى لكنه ليس على وجه مرضى.] و فيها كلمات تدل على المقام منها: خلقكم الله انوارا، فجعلكم بعرشه محدقين حتى من علينا بكم، فجعلكم في بيوت اذن الله ان ترفع و يذكر فيها اسمه، و جعل صلواتنا عليكم و ما خصنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا و طهاره لانفسنا. الخ.

وقد مر ان الشيخ الصاوق (رحمه الله تعالى) جعل مضمون بعض النصوص من العقائد الواجبه، و روى بعضها باسانيد اهل السنه عن جماعه من الصحابه كما تقدم.

و روى في كتابى العلل و معانى الاخبار

[ و رواه في البحار عن العلل في باب تاريخ ولاده اميرالمؤمنين (عليه السلام).] عن احمد بن الحسين المروانى، قال: و ما لقيت انصب منه اى النصب بمعنى العداوه لاميرالمؤمنين (عليه السلام) باسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: خلقت انا و على بن ابى طالب من نور واحد نسبح الله يمنه العرش قبل ان يخلق آدم بالفي عام، فلما ان خلق الله آدم جعل ذلك النور في صلبه، الى ان قال: فلم يزل ينقلنا الله (عز و جل) من اصلاب طاهره الى ارحام طاهره حتى انتهى بنا الى عبدالمطلب. الخبر.

و نحوه في البحار باب تاريخ ولاده اميرالمؤمنين (عليه السلام) عن امالى شيخنا الطوسى (رحمه الله) باسناده عن انس بن مالك عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فقد اورد الشيخنان و غيرهما امثال هذا الخبر من طرق العامه تنبيها على ان لايتوهم اختصاص روايه هذه الفضائل بالشيعه فتكون اثبت للحجه والزم على المخالفين، مكما اوردوا في غير المقام لتاييد مذهب الشيعه في الاصول والفروع احاديث من طرق العامه لهذه العله.

هذا ولكن ذكرنا فيما سبق اتن شيخنا المفيد (رحمه الله تعالى) انكر عالم الارواح قبل الاجساد و عالم الذر والميثاق بالمعنى المذكور سابقا، وانكر ايضا عالم الاظله والاشباح، فقال في اجوبه المسائل السرويه: ان الاخبار بذكر الاشباح تختلف الفاظها و تتباين معانيها، وقد بنت الغلاه

عليها اباطيل كثيره، و صنفوا كتبا لغوا فيها و هزووا فيما اثبتوا في معانيها، و اضافوا ما حوته الكتب الى جماعه من شيوخ اهل الحق، و تخرصوا الباطل باضافتها اليهم، من جملتها كتاب سموه كتاب الاشباح والاظله و نسبوا تاليفه الى محمد بن سنان، ثم قال: والصحيح في حديث الاشباح الروايه التى جائت عن الثقاه بان آدم (عليه السلام) راى على العرش اشباحا يلمع نورها، فسال الله (عز و جل) عنها فاوحى الله اليه انها اشباح رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و اميرالمؤمنين و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) و اعلمه انه لولا الاشباح التى يراها ما خلقه و لاخلق سماءا ولا ارضا، و الوجه فيما اظهره الله تعالى من الاشباح والصور لادم ان يدله على تعظيمهم و تبجيلهم، و جعل ذلك اجلالا لهم و مقدمه لما يفرضه من طاعتهم، و دليلا على ان مصالح الدين والدنيا لاتتم الا بهم، ولم يكونوا في تلك الحال صورا مجيبه و لا ارواحا ناطقه، لكنها كانت صورا على مثل صورهم في البشريه تدل على ما يكونون عليه في المستقبل من الهيئه و النور الى آخر كلامه و فيه ان آدم لما تاب سال الله تعالى بحقهم فقبلت توبته.

و ظاهره ان تلك الاشباح انما كانت تصويرا محضا عنهم (عليهم السلام) لادم من دون ان يكون لها ماده اصيله او ارواح نوريه، وانما اظهر الله لادم (عليه السلام) تصاويرهم ليعلمه بخلقهم فيما بعد، كما انه كتب اسمائهم على العرش لذلك، و هذا مخالف للنصوص الكثيره المتقدمه و غيرها مما دل على خلق ارواحهم و انوارهم قبل خلق آدم، وانها كانت تسبح الله و تقدسه، وانه تعالى جعل انوارهم في صلبه، وليس هذا مباينا للشرع والعقل، وانما الذى او هم ترددا فيه او امتناعا منه ان اكثر رواه تلك النصوص مجهول، او مذكور في كتب الرجال بقدح مثل الغلو والافراط والارتفاع، كمحمد بن سنان، والمفضل بن عمر، والحسين بن عبيدالله

السعدى واضرابهم، لكن المتاخيرن من العلماء اجابوا عن ذلك بان سبب رمى هولاء بذلك روايتهم لتلك الفضائل و خوارق عادات الائمه و معجزاتهم (عليهم السلام).

قال المجلسى الاول (رحمه الله) في شرحه العربى على كتاب الفقيه باب الطهاره في حديث رواه جابر بن يزيد الجعفي في ماء البئر، قال: الذى ظهر لنا من التتبع ان جابر بن يزيد ثقه جليل من اصحاب اسرار الائمه و خواصهم، والعامه تضعفه لهذا كما يظهر من مقدمه صحيح مسلم، و تبعهم بعض الخاصه لان احاديثه تدل على جلاله الائمه (عليهم السلام) ولما لم يكنه القدح فيه لجلالته قدح في رواته، و اذا تاملت احاديثه يظهر لك ان القدح ليس فيهم بل فيمن قدحه باعتبار عدم معرفه الائمه (عليهم السلام) كما ينبغى، والذى ظهر لنا من التتبع التام ان اكثر المجروحين سبب جرحهم علو حالهم، كما يظهر من الاخبار التى وردت عنهم (عليهم السلام): اعرفوا منازل الرجال على قدر رواياتهم عنا والظاهر ان المراد بقدر الروايه الاخبار العاليه التى لاتصل اليها عقول اكثر الناس، و ورد عنهم متواترا ان حديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبى مرسل او عبد مومن امتحن الله قلبه للايمان الى آخر كلامه.

و قال المجلسى الثانى في البحار باب نفي الغلو من كتاب الامامه الجزء 25: افرط بعض المتكلمين والمحدثين في الغلو لقصورهم عن معرفه الائمه (عليهم السلام) و عجزهم عن ادراك غرائب احوالهم و عجائب شوونهم، فقدحوا في كثير من الرواه الثقاه لنقلهم بعض غرائب المعجزات.

و قال المحقق المتتبع الوحيد البهبهانى في مقدمه التعليقه على منهج المقال: الظاهر ان كثيرا من القدماء سيما القميين منهم ابن الغضائرى كانوا يعتقدون للائمه (عليهم السلام) منزله خاصه من الرفعه والجلال، و مرتبه

معينه من العصمه والكمال بحسب اجتهادهم و رايهم و ما كانوا يجوزون التعدى عنها، و كانوا يعدون التعدى ارتفاعا و غلوا على حسب معتقدهم، حتى انهم جعلوا مثل نفي السهو عنهم غلوا، بل ربما جعلوا مطلق التفويض اليهم او التفويض المختلف فيه او المبالغه في معجزاتهم و نقل العجائب من خوارق العادات عنهم، او الاغراق في شانهم و اجلالهم و تنزيههم عن كثير من النقائص و اظهار كثير قدره لهم و ذكر علمهم بمكنونات السماء والارض ارتفاعا و مورثا للتهمه به، ثم ذكر في نفس التعليقه في ترجمه بعض المجروحين انه يمكن ان يكون سبب جرحهم روايتهم لخوارق الائمه و فضائلهم.

و يشهد له ما حكاه الشيخ الكشى في رجاله في ترجمه على بن حماد الازدى عن محمد بن مسعود قال: على بن حماد متهم و هو الذى يروى كتاب الاظله، و كان مراده بكتاب الاظله هو الذى فيه بعض الاخبار المتقدمه كخبر المفضل المذكور فيه كيف كنتم حيث كنتم في الاظله الخ فقد رواه على بن حماد عنه، و ذكر الشيخ النجاشى في رجاله اسماء جماعه لهم كتاب الاظله منهم محمد بن سنان المذكور في بعض هذه الاخبار و عبدالرحمن بن كثير الهاشمى

[ مما ورد عن هذا الرجل ما رواه في الكافي باب العرش والكرسى من كتاب التوحيد باسناده عنه عن داود الرقى عن ابى عبدالله (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: «و كان عرشه على الماء» و خلاصته ان الله تعالى حمل دينه و علمه الماء قبل ان يكون ارض او سماء او جن او انس، فلما اراد ان يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم؟ فاول من نطق رسول الله و اميرالمؤمنين و الائمه (صلوات الله عليهم) فقالوا: انت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكه: هولاء حمله دينى و علمى و امنائى في خلقى، و قال لبنى آدم: اقروا لله بالربوبيه و لهولاء النفر بالولايه والطاعه، يا داود ولايتنا موكدن عليهم في الميثاق، و رواه الصدوق في التوحيد والعلل.]

و من اراد الاطلاع على بعض عقائد السلف و اختلافهم في شوون الائمه (عليهم السلام) فليراجع كتاب كشف القناع عن وجه حجيه الاجماع للمحقق المتتبع الشيخ اسد الله الكاظمى التسترى (رحمه الله تعالى) فان فيه فوائد جمه من مذاهب قدماء الاماميه.

والحاصل ان الغلو المحرم ما هو من قبيل نسبه الحلول والربوبيه والمعبوديه اليهم، او نسبه الافعال الخاصه بالله تعالى من الخلق والرزق والاحياء والاماته والشفاء و قضاء الحاجات التى ليس امرها بيد البشر، و كذا ما كان من العباده كالسجود لهم. واما الفضائل العجيبه و الكرامات المنيفه من الله تعالى كالامور المذكوره هنا، فهى اوصاف ممكنه و نسبتها اليهم والاعتقاد بها موقوفه على دليل معتبر يوجب الوثوق والطمانينه من نص صحيح يرويه الثقاه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) او اخبار مستفيضه، فان هذه الفضائل ليست الا كسائر الامور الغيبيه التى يجب ان يعتقد بها المسلم لدليل من ظاهر الكتاب والسنه المعتبره.

نعم لاريب ان ما ذكرنا في هذا الباب اسرار غامضه يصعب الايمان بها جدا، و هى من قبيل ما ورد عنهم (عليهم السلام) ان احاديثنا صعب مستصعب لايحتمله الا ملك مقرب او نبى مرسل او مومن امتحن الله قلبه للايمان. والنصوص بذلك عنهم كثيره، و عقد في الكافي والوافي في كتاب الحجه بابا خاصا بها، و في البحار ايضا اورد كثيرا منها في كتاب العلم الجزء 2 باب ان حديثهم صعب، وقد مر آنفا عن المجلسى الاول (رحمه الله) في شرح الفقيه دعوى التواتر فيها لكثرتها.

والمستفاد من مجموعها على اختلاف الفاظها ان ما عليه اهل البيت (عليهم السلام) من الولايه والخلافه والمنازل العاليه والعلوم الموهوبه لهم من الله (عز و جل) مما يصعب على عامه الناس ان يومنوا بها، ففى حديث

الاربعمائه المروى في خصال الصدوق و غيره عن اميرالمؤمنين (عليه السلام): خالطوا الناس بما يعرفون و دعوهم مما ينكورن، و لاتحملوهم على انفسكم و علينا ان امرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب او نبى مرسل او عبد قد امتحن الله قلبه للايمان.

و عنه (عليه السلام) في نهج البلاغه الخطبه 187: لا يقع اسم الهجره على احد الا بمعرفه الحجه في الارض، فمن عرفها و اقربها فهو مهاجر، ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجه فسمعتها اذنه و وعاها قلبه، ان امرنا صعب مستصعب لايحمله الا عبد مومن امتحن الله قلبه للايمان، و لايعى حديثنا الا صدور امينه و احلام رزينه.

و في الكافي باسناده عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): ان حديث آل محمد صعب مستصعب لا يومن به الا ملك مقرب او نبى مرسل او عبد امتحن الله قلبه للايمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم و عرفتموه فاقبلوه و ما اشمازت منه قلوبكم وانكر تموه فردوه الى الله والى الرسول و الى العالم من آل محمد وانما الهالك ان يحدث احدكم بشى ء منه لايحتمله فيقول: والله ما كان هذا، و الله ما كان هذا والانكار هو الكفر. الى غير ذلك من النصوص بهذا المعنى.

و اورد ابن ابى الحديد في شرح خطبه النهج المذكوره كلاما آخر لاميرالمؤمنين (عليه السلام) ظاهره ايضا ما ذكرنا حيث قال فيه: الا ان الذريه افنان انا شجرتها و دوحه انا ساقها و انى من احمد (صلى الله عليه و آله و سلم) بمنزله الضوء من الضوء كنا اظلالا تحت العرش قبل خلق البشر و قبل خلق الطينه التى منها البشر اشباحا عاليه لا اجسام ناميه ان امرنا صعب مستصعب لا يعرف كنهه الا ثلاثه ملك مقرب او نبى مرسل او

عبد امتحن الله قلبه للايمان، فاذا انكشف لكم سر او وضح لكم امر فاقبلوه والا فاسكتوا تسلموا وردوا علمه الى الله (عز و جل).

تتميم: قد مر في الاحاديث المتقدمه ان آدم (عليه السلام) توسل بالخمسه الطاهره (عليهم السلام) فسال الله تعالى بحقهم ان يتوب عليه، و هذا مما ورد فيه نصوص مستفيضه من طرق الخاصه والعامه، فقد رواها السيد البحرانى (عليه الرحمه) في تفسير البرهان و اول غايه المرام، والمجلسى (رحمه الله) في البحار باب ترك الاولى من الجزء 11 و باب ان دعاء الانبياء استجيب بالتوسل بهم من الجزء 26، ففيها: ان آدم رآى اسمائهم مكتوبه على ساق العرش، فقال: يا رب من هولاء؟ فقال الله (عز و جل): من ذريتك و هم خير منك و من جميع خلقى، و لولاهم ما خلقتك و لاخلقت الجنه والنار ولا السماء والارض فلما اقترف الخطيئه اوحى الله اليه ان يدعوه باسمائهم فسال الله تعالى بمحمد و على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) ان يتوب عليه فتاب الله عليه. وقد ورد في جمله من هذه النصوص ان هذا هى الكلمات التى تلقاها من ربه، و في بعضها ذكر للائمه بعد الحسين (عليهم السلام) ايضا.

و روى السيوطى في الدر المنثور عن ابن عباس (رضى الله عنه) قال: سالت النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) عن الكلمات التى تلقاها آدم من ربه قال سال بحق محمد و على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) الا تبت على فتاب عليه.

و فيه عن على (عليه السلام) في حديث عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ان جبرئيل قال له قل: اللهم انى اسئلك بحق محمد و آل محمد الخ، و لا ينافيها ما في النصوص ايضا ان الكلمات قوله لا اله الا انت سبحانك و بحمدك عملت سوءا و ظلمت نفسى فاغفرلى و ارحمنى و انت

خير الغافرين. و نحو ذلك فان مقتضى الجمع انه كان جميع ذلك.

فنختم الكلام في هذا الباب بابيات رواها ابن شهرآشوب في مناقبه للامام الصادق (عليه السلام) في باب معالى اموره:

·                     في الاصل كنا نجوما يستضاء بنا نحن البحور التى فيها لغائصكم مساكن القدس والفردوس نملكها من شذ عنا فبرهوت مساكنه و من اتانا فجنات و رضوان

·                     و للبريه نحن اليوم برهان در ثمين و ياقوت و مرجان و نحن للقدس و الفردوس خزان و من اتانا فجنات و رضوان و من اتانا فجنات و رضوان

و الحمد لله رب العالمين و نساله ان يتوت علينا و يجعلنا من الصالحين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين.