النمو والكفاله والتربيه
قال الله تعالى في شان مريم: «فتقبلها ربها بقبول حسن وانبتها نباتا حسنا و كفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا»
[ ياتى في اول الباب الثامن شرح لهذه الايه.] فهذه كلها من كرامات الله العظيمه لمريم، و بهذه الكرامات فضلها على نساء العالمين. فقوله: «وانبتها نباتا حسنا» يدل على انها كانت تنمو و تشب بعانيه خاصه الهيه احسن مما قدره الله تعالى لغيرها في الطبيعه البشريه نظير ما ورد
[ كما في روضه الكافي في قصه ولاده ابراهيم، و رواه في البحار الجزء 12 باب قصص ولادته (عليه السلام) عن كمال الدين.] في شأن ابراهيم الخليل (عليه السلام) ان الله تعالى جعله يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعه، و يشب في الجمعه كما يشب غيره
في الشهر، و يشب في الشهر كما يشب غيره في السنه. و ورد
[ باب تاريخ ولاده النبى (صلى الله عليه و آله) من البحار الجزء 15.] في شان نبينا (صلى الله عليه و آله) ايضا كذلك، فهذه الكرامه الالهيه تمثلت في الاسلام لبضعه نبيه، فقدم تقدم في باب كيفيه ولادتها انها كانت تنمى في اليوم كما ينمى الصبى في الشهر و تنمى في الشهر، كما ينمى الصبى في السنه.
و في خبر آخر
[ ياتى الاشاره اليه في التعليقه التاليه.] : لم تزل فاطمه تشب في اليوم كالجمعه، و في الجمعه كالشهر، و في الشهر كالسنه. و لايخفى ان التقدير المذكور في الخبرين تقريبى، فلايقدح الاختلاف المترائى منهما في مقداره.
و اما قوله تعالى: «و كفلها زكريا» فمعناه ان الله تعالى صير زكريا النبى (عليه السلام) كفيلا لها، و ذلك بعدما اختلفوا بينهم في كفالتها فاقرعوا لها كما قال الله تعالى: «و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم» فاخرج الله القرعه لزكريا النبى (عليه السلام) كرامه لمريم، فان كفاله الصبى اذا كانت لعبد صالح مخلص، فهى تفضل من الله تعالى للصبى، وقد كانت كفاله الزهراء «سلام الله عليها» خاصه باشرف انبياء الله وافضلهم حينما كان ينزل عليه الوحى من الله تعالى، فكان يربيها برفق و رافه و رحمه الى ما يرضاه و يريده من التبتل اليه و مكارم الاخلاق و محاسن الاداب، و يزيد على ذلك انها ولدت من خديجه التى هى افضل النساء في زمانها و اطهرهن و اكرمهن عندالله، فطبعا كانت تهتم بشوون بنتها من التربيه لها و تاديبها بالمحاسن النسائيه من حسن التبعل و تدبير البيت
و تربيه الاولاد، و لذلك روى
[ في البحار في الباب الاول من الجزء 43 عن دلائل الامامه باسناده عن ابن عباس، والموجود في بعض نسخ البحار اداب منى بتقديم الدال على الهمزه الثانيه، لكن المحكى عن بعضها تقديم الهمزتين، و هو الاصح الانسب بالمقام.] عن ام سلمه انها قالت: تزوجنى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بعدما دخل المدينه، و فوض امر ابنته الى فكنت اودبها و كانت والله اادب منى و اعرف بالاشياء كلها.
واما قوله تعالى «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب» فقد ثبت مثله لفاطمه الزهراء (سلام الله عليها) كما ورد مستفيضا في اخبار العامه والخاصه و كان ذلك لها مكررا.
فروى الزمخشرى في كشافه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) انه جاع في زمن قحط فاهدت له فاطمه (رضى الله عنها) رغيفين و بضعه لحم آثرته بها، فرجع بها اليها و قال: هلمى يا بنيه، فكشفت عن الطبق فاذا هو مملوه خبزا و لحما، فبهتت و علمت انها نزلت من عندالله، فقال لها: انى لك هذا فقالت: هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال (عليه الصلاه والسلام) الحمد لله الذى جعلك شبيهه سيده نساء بنى اسرائيل، ثم جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا والحسن والحسين و جميع اهل بيته، فاكلوا حتى شبعوا و بقى الطعام كما هو، فاوسعت فاطمه على جيرانها.
و هذا الخبر رواه الخوارزمى ايضا في مقتله باسناده عن جابر بن عبدالله بزياده فى اوله، و رواه ابن شهرآشوب عن تفسير الثعلبى عن جابر باختصاره، و روى العياشى في تفسيره عند الايه عن الامام الباقر (عليه السلام)
قال: ان فاطمه ضمنت لعلى (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز و قم البيت، و ضمن لها على ما كان خلف الباب من نقل الحطب والطعام، فقال لها يوما: هل عندك شى ء؟ قالت: لا ما كان عندنا ثلاثه ايام شى ء نقريك به، قال: افلا اخبرتنى قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) نهانى ان اسالك شيئا، فخرج (عليه السلام) فاستقرض دينارا فلقى مقدادا فقال له: ما اخرجك في هذه الساعه؟ قال المقداد: الجوع، فقال (عليه السلام): فهو اخرجنى وقد استقرضت دينارا و اوثرك به، فاقبل فوجد رسول الله (صلى اله عليه و آله و سلم) جالسا و فاطمه تصلى و بينهما شى ء مغطى، فلما فرغت احضرت ذلك الشى ء فاذا جفنه من خبز و لحم، قال: يا فاطمه انى لك هذا؟ قالت: هو من عندالله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الا احدثك بمثلك و مثلها؟ قال: بلى، قال: مثل زكريا الحديث. وقد روى هذا الخبر في ذخائر العقبى و في البحار باب مناقبها عن تفسير فرات و كشف الغمه عن ابى سعيد الخدرى مرسلا، و عن امالى الطوسى عنه باسناده، و في كل منها تفصيل زائد.
و روى الخوارزمى في مقتله حديثا طويلا باسناده عن ابن عباس في قضيه اعرابى، و في آخره: ان فاطمه صلت و دعت بقولها الهى انزل علينا مائده كما انزلتها على بنى اسرائيل، قال ابن عباس: فهوالله ما استتمت الدعوه الا و هى ترى جفنه من ورائها يفوح قتارها فاتت بها الى النبى و على والحسنين (عليهم السلام) فقال لها على: انى لك هذا؟ فقال له النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) كل يا اباالحسن و لاتسال الحمدلله الذى لم يمتنى حتى رزقنى ولدا مثلها مثل مريم بنت عمران كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا الايه. و روى في البحار باب مناقبها عن الكافي باسناده عن الامام الباقر (عليه السلام) انه قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم)
لفاطمه: اخرجى تلك الصفحه فاخرجت صفحه فيها ثريد و عراق يفور، فاكل هو و على و فاطمه والحسنان ثلاثه عشر يوما الحديث، و ذكر في آخره انه اعطت فاطمه (عليهاالسلام) شيئا من الصحفه ام ايمن فنفدت.
و قال ابن شهرآشوب في مناقبه فصل حليتها و تواريخها: ان للزهراء (سلام الله عليها) من هذا الباب ما لا ينكره مسلم من حديث المقداد و خبر الطائر والرمان والعنب والتفاح والسفر جل و غيرها، و ذلك مما يقطع على انها كانت تاكل ما لم يكن لغيرها من جميع الخلق بعد هبوط آدم و حوا (عليهماالسلام) ثم ذكر حديث في ذلك يشبه آخر ما مر من حديث المقداد، والحمد لله رب العالمين.
