• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في فضلها و سيادتها على النساء

في فضلها و سيادتها على النساء

ان الله تعالى خص بعض عباده المومنين بفضائل عظيمه من العلم والحكمه والطهاره والرساله والعصمه والاخلاص، و غير ذلك من البركات والكمالات المعنويه، ففضلهم بها على سائر خلقه، و جعلهم ائمه يهدون بامره، كما قال تعالى: «ان الله اصطفي آدم و نوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذريه بعضها من بعض والله سميع عليم» وقال (عز و جل): «يختص برحمته من يشاء والله ذوا الفضل العظيم» و غير ذلك من الايات الكثيره الوارده في شوون الانبياء و تفضيلهم و وجوب طاعتهم و ولايتهم.

وقد خص الله تعالى من جماعه النساء مريم بنت عمران بالتفضيل والتكريم ما كاد يلحقها بمقام الانبياء، فقال عز من قائل «واذ قالت الملائكه يا مريم ان الله اصطفاك و طهرك واصطفاك على نساء العالمين» فذكر في هذه الايه من كراماتها تكليم الملائكه لها واصطفائها مرتين

[ قيل في تفسير المرتين وجوه، ولا يبعد ان يكون المراد بيان نفس التعدد.] و تطهيرها من الفواحش الظاهريه والارجاس الروحيه من الشك في الله والشرك والكفر و رذائل الاخلاق، و يحتمل كون المراد اعم منها و من دنس الطمث

العارض لطبيعه النساء، كما ورد في بعض الاخبار انها بتول لم تر حمره قط

[ تقدم ذلك في باب اسماء فاطمه (عليهاالسلام) لكن روى ايضا كما في البحار باب قصص مريم ج 14 من الطبعه الجديده خلافه والترجيح للاول، فانه اوفق بعموم ظاهر الايه و ما ورد في تكريمها.]

و من كراماتها في القرآن ان الله تعالى تقبلها بقبول حسن اى لخدمه الكنيسه اجابه لدعاء امها ولم تكن الانثى لائقه لهذا المقام، وانه تعالى انبتها نابتا حسنا اى كان نموها احسن من غيرها في الطبيعه البشريه و كفلها زكريا اى صبر زكريان النبى (عليه السلام) كفيلا لها حيث انها او تمت من ابيها، فتشاح في كفالتها احبار بنى اسرائيل اذ كانت بنت امامهم و صاحب قربانهم فاقرعوا لها، كما قال الله تعالى «و ما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم و ما كنت لديهم اذ يختصمون

[ قيل: ان القرعه لاتكون الا بعد التشاح، فقوله تعالى «اذ يختصمون» اشاره الى ان تشاحهم كان على حد الخصومه، وورد في بعض الاخبار انهم تقارعوا فيها مره اخرى بعد ما ولدت عيسى، فراجع البحار باب قصصها.] فاخرج الله القرعه لزكريا (عليه السلام) و هو زوج خالتها او اختها على اختلاف الاخبار، والخاله او الاخت الكبرى بمنزله الام، وقد ورد في الاخبار ان مريم او تمت من الام ايضا.

ثم ذكر الله سبحانه من كراماتها العاليه انه رزقها من عنده بغير الاسباب العاديه «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم انى لك هذا قالت هو من عندالله»

[ تقدم في الباب السادس ان هذه الكرامه ثبتت للزهراء (سلام الله عليها) ايضا.] فروى انه كانت عندها فاكهه الشتاء في الصيف و بالعكس، و انه كلمتها الملائكه مره اخرى و قالت «يا

مريم ان الله يبشرك بكلمه منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا والآخره و من المقربين و يكلم الناس في المهد و كهلا و من الصالحين» ثم ارسل الله اليها روحه «فتمثل لها بشرا سويا» فانكرته واستعاذت منه بالله العظيم، فقال لها الروح الامين «انما انا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا» بقدره الله و ارادته من غير زوج ليكون آيه للناس و رحمه، ثم لما اجائها المخاض اى وجع وضع الحمل الى جذع نخله للراحه واستوحشت من الوحده و خافت تهمه قومها ناداها ولدها المبارك لانسها و طيب نفسها من رحمها او من وجه الارض، و قيل: ناداها الملك حيث كان محافظا لها في مكان اسفل من موضعها «ان لاتحزنى قد جعل ربك تحتك سريا» اى جدولا من عذب ماء

[ تفسير السرى بذلك معروف، كما في جامع الطبرى والدر المنثور، الا انهم اختلفوا في انه بلغه الحجاز او النبط، و قيل: هو بمعنى الشريف، فالمراد ولدها المبارك لشرفه و سيادته، والاول اظهر وانسب بما بعده، و رواه الطبرسى في تفسيره الجوامع عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) مرسلا.] «و هزى اليك بجذع النخله تساقط عليك رطبا جنيا» اى طريا كالمجنى باليد في الطراوه والسلامه بخلاف ما يسقط منها بنفسه او بهز الريح فانه معيب غالبا او يابس، و روى ان الله تعالى اظهر لها في تلك الحال جدول الماء واحيى لها جذع النخله اليابسه واثمرها الرطب دفعه في غير اوانه، كما انبت شجره من يقطين على يونس النبى (عليه السلام) و اخرج ماء زمزم بمكه لاسماعيل (عليه السلام).

و بالجمله قد جعل الله تعالى هذه المراه المكرمه من آياته البينه و دلائله القيمه على قدرته و توحيده، كما قال (عز و جل) «و جعلناها و ابنها آيه للعالمين» فبذلك فضلها على سائر الناس و جعلها سيده النساء.

ثم جعل الله سبحانه في امه الاسلام بضعه سيد انبيائه (صلوات الله

عليه و على آله) عديله مريم في التفضيل والسياده بل افضل منها

[ افضليتها على مريم (عليهاالسلام) امر مفروغ عنه عند ائمه العتره الطاهره و اوليائهم من الشيعه الاماميه، و ياتى تحقيقه انشاء الله تعالى في آخر هذا الباب من هذه الرساله.] فقد خصها من نساء المومنين بفضائل عظيمه وانزل في شوونها العاليه آيات كريمه، ووردت عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) في صحاح الخاصه والعامه سنن قويمه يقصر عن احصائها هذا المختصر، فانها نذكر في هذا الباب يسيرا منها، كما ان جميع ما مر من النصوص في الابواب السابقه سيما الباب الثانى مصرحه بذلك.

فمما نزل فيها من الايات القرآنيه قوله تعالى

[ هذه هى الايه الاحدى والستون من سوره آل عمران، والمستفاد من بعض النصوص انها و آيتين قبلها نزلت في قضيه وفد نجران منفرده عما قبلها من آيات اول السوره، ولكن ورد في بعض ما رواه في البحار لهذه القضيه، و فيما حكاه الواحدى في اسباب النزول، والسيوطى في الدر المنثور في اول تفسيرهما للسوره عن غير واحد ان جميعها الى بضعه و ثمانين آيه نازله فيهم، وان كل واحده منها ناظره الى بعض امورهم مثل ان قوله تعالى: «زين للناس حب الشهوات» الخ اشاره الى ما كانوا عليه من التجمل، و هذا ربما يكون مخالفا لما رووه في جمله منها من شان نزول آخر لها، نعم لا ريب انها مرتبطه بالقضيه في المعنى حتى قيل: انها من قبيل براعه الاستهلال، والتفصيل في ذلك خارج عن حد المجال، والله العالم باسرار كلامه.] «فمن حاجك فيه من بعد ما جائك من العلم فقل تعالوا ندع انبائنا و ابنائكم و نسائنا و نسائكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين» و مجمل القضيه

[ تفصيلها مذكور في كتب السير والاخبار، لاسيما بحار الانوار في بابى المباهله من الجزء 21 و 35 من الطبعه الجديده، حيث اورد فيهما كثيرا مما رواه الخاصه والعامه واورد في اولهما خبرا طويلا عن السيد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) في اقباله ذكر فيه ما حدث في نجران من الموامرات والمناظرات الكثيره بين روسائهم و من ذكروه من البشائر الوارده في كتب الانبياء (عليهم السلام) في شان نبينا (صلى الله عليه و آله و سلم) واوصافه و فضائل بضعته الطاهره و عترته الاطيبين، ثم ذكر فيه تفصيل قدومهم المدينه و مناظرتهم للنبى و كيفيه خروجه (صلى الله عليه و آله و سلم) للمباهله و اقدامه عليها و نكوصهم عنها، فالحق كما نبه عليه سيدنا المحقق شرف الدين (رحمه الله تعالى) في رسالته الكلمه الغراء ان يخرج الخبر من كتاب الاقبال و ينشر كرساله على حده بعد التحقيق في تفسير كلماته الغريبه و توضيح مواضعه المشكله، والرجوع لذلك الى سائر النصوص الوارده في بشائر النبوه، بل الحق ايضا ان يترجم بغير العربيه تتميما لفوائده، وقد روى في البحار باب تفضيل الائمه على الانبياء ج 26 شطرا من هذا الخبر عن كتاب تفضيل الائمه للحسن بن سليمان الحلى عن جمع من الصحابه، و في عده مواضعه زياده على ما في الاقبال لايستغنى عنها الباحث.] ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) كتب في السنه العاشره من

الهجره الى اسقف نجران واهلها يدعوهم الى الاسلام و عباده الله و توحيده، وان ابوا فالجزيه، والا فالحرب العوان

[ ورد نص كتابه (صلى الله عليه و آله و سلم) في تاريخ اليعقوبى والدر المنثور، و حكاه شيخنا الاحمدى (سلمه الله) في الجزء الاول من مكاتيب الرسول عن غيرهما.] و كان اهل نجران نصارى متعبدين متصعبين في ديانتهم. وقد روى اللكينى (رحمه الله) في الكافي باب ارواح الكفار من كتاب الجنائز عنه (صلى الله عليه و آله و سلم) ان شر النصارى نصارى نجران. و روى السيوطى في الدر المنثور في تفسير الايه عنه (صلى الله عليه و آله و سلم) يقول: ليت بنى و بين اهل نجران حجابا، فلا اراهم و لايرونى من شده ما كانوا يمارونه.

فلما قرا الاسقف كتابه فزع شديدا و دعا اهل مشورته واعلمهم به، فكانت بينهم الموامرات في ذلك و المقاولات حوله و ما يلزمهم من الاعمال تجاهه، حتى اجتمع رايهم على ان ياتوا النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) في

المدينه فيناظروه و يحاجوه في دينهم و دينه، فركب منهم اربعون فارسا من اعيانهم، و قيل: ستون و في بعض الاخبار سبعون، و فيهم اربعه عشر من زعماء القوم و في الاربعه عشر ثلاثه يوول اليهم الامور في نجران و هم السيد واسمه الايهم و هو ثمالهم

[ بكسر الثاء المثلثه اى من يقوم بامرهم والايهم بفتح الهمزه و زان جعفر.] و صاحب رحلهم، والعاقب و هو اميرهم و صاحب مشورتهم الذى لايصدرون الا عن امره و رايه واسمه عبدالمسيح، وابو حارثه ابوالحارث بن علقمه واسمه حصين كما في خبر الاقبال، و هو اسقفهم الاول

[ الاسقف لفظه معربه يقال لرئيس النصارى في الدين و هو فوق القسيس دون المطران، والمستفاد من اخبار القضيه انه كان في نجران يوم ذاك اساقفه، و كان ابو حارثه مقدمهم واسنهم. و في الدر المنثور عن ابن عباس ما يدل على ان السيد والعاقب ايضا من الاساقفه.] و حبرهم وامامهم و صاحب مدارسهم و كنائسهم، و كان قد شرف فيهم و درس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، و كانت ملوك الروم شرفوه و مولوه و بنوا له الكنائس لعلمه و اجتهاده فوفدوا على رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و عليهم ثياب الحبرات وارديه الحرير متختمين بالذهب، و قال من رآهم من الصحابه: ما راينا وفدا من وفود العرب الذين قدموا المدينه تلك الايام اجمل من هولاء، فاعرض عنهم النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) حتى غيروا ما عليهم من الثياب والخواتيم.

ثم جرت بينهم كلمات و مناظرات و كانت عمده مناظراتهم في شان عيسى المسيح (سلام الله عليه) فمما قال ابوحارثه الاسقف: ما تقول في المسيح؟ فقال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم): هو عبدالله و رسوله، فقالوا: ان كان عبدا فمن ابوه و لايكون بشر من غير اب؟ فانزل الله

سبحانه «ان عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» فلما اصروا على جهلهم و لجاجهم وانزل الله تعالى فيهم «فمن حاجك فيه» الخ قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم): ان الله تعالى امرنى بمباهلتكم على ان نجعل اللعنه على الكاذب، فرضوا به و قالوا: انصفت، فتواعدوا لها غدا.

فلما رجعوا الى منازلهم قال الاسقف و غيره من روسائهم: ان باهلنا بقومه واصحابه باهلناه فانه ليس بنبى، وان باهلنا باهله خاصه فاحذروا مباهلته فانه صادق، فلما اصبحوا غدا النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) محتضنا للحسين آخذا بيد الحسن و فاطمه تمشى خلفه و على خلفها، و في روايه اخرى آخذا بيد على والحسنان بين يديه و فاطمه تتبعه، و في ثالثه كان بيمينه على و بيساره الحسن والحسين و من ورائهم فاطمه

[ حاول السيد بن طاووس (رحمه الله) في كتابه سعد السعود للجمع بين ذلك بان مكان المباهله كان بعيدا عن بيته (صلى الله عليه و آله و سلم) فاختلف نظم حركتهم، فروى كل احد من الناس ما رآه.] و هو يقول لهم: اذا انا دعوت فامنوا، فقال اسقف نجران: يا معشر النصارى انى لارى وجوها لو سالوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله، فلاتباهلوهم فتهلكوا و لايبقى على وجه الارض نصرانى الى يوم القيامه، ففزعوا و ارسلوا الى النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ان يقيلهم و يعفيهم عن المباهله

[ المستفاد من نصوص الباب ان استقالتهم كانت بعد ما حضر النبى واهله (عليهم الصلاه والسلام) موضع المباهله و تهيووا لها منتظرا لحضور الخصم، وقد اقبل الناس من المهاجر والانصار و غيرهم لينظروا الامر، فعند ذلك قال الاسقف: جثى والله محمد كما يجثوا الانبياء للمباهله، فخافوا و قالوا: يا ابا القاسم اقلنا. و في الخبر كما في البحار عن سعد السعود و نحوه عن الاقبال انه لما رفع النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) يده الى السماء اصفر لون السيد والعاقب و زلزلا حتى كاد ان تطيش عقولهما. هذا وقد صرح في النصوص ايضا بانهم اعترفوا بنبوه نبيا (صلى الله عليه و آله و سلم) قبل ان يقدموا المدينه وانه انقطع عذرهم بحضورهم عنده، فكان قبولهم للمباهله اولا لجاجا كما قال الله تعالى «من بعد ما جائك من العلم» و نكوصهم عنها لمشاهده امارت الهلاك.] و يرضى

عنها بالمصالحه على حكمه في اموالهم بما يريد، فاقالهم و صالحهم على الجزيه في كل سنه، و كتب لهم بها كتابا

[ قد ورد نص الكتاب في كتب السير، كارشاد المفيد و تاريخ اليعقوبى على الختلاف يسير في الفاظهما، و اورده شيخنا الاحمدى الميانجى (حفظه الله تعالى) في اول الجزء الثانى من كتابه القيم مكاتيب الرسول بصوره مبسوطه و شرحه بما ينبغى مراجعته، و حاصل الجميع انه صالحهم على الفي حله من حلل الاواقى يودونها الفا في رجب والفا في صفر، و شرط عليهم امورا اخر مذكوره فيها.] و قال (صلى الله عليه و آله و سلم) كما في كشاف الزمخشرى و تفسير الرازى والسيره الحلبيه: والذى نفسى بيده ان الهلاك قد تدلى على اهل نجران و لولاعنوا لمسخوا قرده و خنازير ولاضطرم عليهم الوادى نارا و لاستاصل الله نجران واهله حتى الطير على رووس الشجر، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا اقول ليتهم قد فعلوا ليامن المسلمون من فتنهم ولكن لله الامر.

و روى ايضا كما في البحار فيما حكاه عن كتاب الاقبال و سعد السعود والاختصاص انه قال (صلى الله عليه و آله و سلم) للسيد والعاقب: اما انكم لو باهلتمونى بمن تحت الكساء لاضرم الله عليكم الوادى نارا تاجج، ثم لساقها الله (عز و جل) في اسرع من طرف العين الى من ورائكم فحرقتهم تاججا. والمراد بمن تحت الكساء على و فاطمه و الحسنان (عليهم السلام) حيث ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) امر بقصد شجرتين فكنس ما بينهما، ثم امر بكساء اسود فنشر عليهما و ادخلهم تحته، كما ورد

ذلك في صدر هذا الخبر

[ يظهر من ذلك ان مكان المباهله كان خارج المدينه، و مرآنفا عن ابن طاووس (رحمه الله) انه كان بعيدا عن بيت النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و سمعت من بعض الحجاج الزائرين انه الآن معروف عند الشيعه يزورونه وراء مقبره البقيع.]

وقد اشار الامام موسى بن جعفر (عليهماالسلام) اليه في مناظرته لهارون، فقال كما رواه الصدوق في كتابه العيون في الحديث التاسع من الباب السابع: ولم يدع احد من انه ادخل النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) تحت الكساء عند المباهله للنصارى الا عليا وفاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) فكان تاويل قوله تعالى «ابنائنا» الحسن والحسين (عليهماالسلام) «ونسائنا» فاطمه «وانفسنا» على بن ابى طالب. و ياتى في شرح آيه التطهير ان قضيه الكساء متعدده، و هذه منحازه عما كان في بيت ام سلمه و غيره عند نزول تلك الايه، والله العالم.

و روى في مجمع البيان في تفسير الايه، و في الاصابه في ترجمه السيد النجرانى من حرف السين، ان السيد والعاقب لم يلثا الا يسيرا حتى رجعا الى النبى (صلى الله عليه و آله) في المدينه واسلما، فانزلهما النبى (صلى الله عليه و آله) في دار ابى ايوب الانصارى، كما ورد في عده اخبار ان ابا حارثه الاسقف ايضا كان عارفا بالنبى (صلى الله عليه و آله) و مقرا به لقومه قبل قدومه المدينه و بعده، لكن لم يسلم حرصا على موقعه و رياسته التى حازها من قبل ملوك الروم، وقد صرح بذلك لاخيه كرز بن علقمه و قال له: انه النبى الذى كنا ننتظره، فاضمر اخوه على ذلك حتى اذا قدم المدينه اسلم كما ذكره صاحب مجمع البيان في كتابه اعلام الورى.

فظهرت بذلك كله بحمدالله اعلام النبوه اعلام النبوه و دلائلها لكل احد من المومن والكافر الى يوم القيامه، لان آيه المباهله في القرآن باقيه اليها ببيان

واضح و حجه بالغه، كما ظهر بها ايضا فضل اهل بيته الاطيبين (عليهم السلام) فضلا لايواسيه فضل و مكرمه لم يثبت مثلها لاحد غير المقربين والمرسلين، حيث قد صاروا برهانا قاطعا لتوحيد الله و رسالته نبيه (صلى الله عليه و آله) و كانت آثار القدس والجلال الالهى والقرب من الله تعالى مشهوده من ظواهر احوالهم لخصومهم الذين هم من اهل الكتاب و ذوى المعرفه بشوون الانبياء (عليهم السلام) و ذلك لما ورد في الاخبار من قول الاسقف لاصحابه: انى لارى وجوها لو سالوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لازاله بها، كما نص بذلك في تفسير الثعلبى والزمخشرى والرازى والخازن والبيضاوى و غيرها من كتب التفسير والسير. و قال الزمخشرى في آخر القصه: و فيه دليل لاشى ء اقوى منه على فضل اصحاب الكساء.

اضف الى ذلك قول النبى (صلى الله عليه و آله) لهم: اذا انا دعوت فامنوا، فانه (صلى الله عليه و آله) على جلالته وثقته بنفسه في القرب من الله تعالى واستجابه دعواته يرى تامينهم لدعائه متمما لغرضه في الاستجابه فقرن انفسهم بنفسه قربا و كرامه عندالله عز و جل.

وايضا مقتضى قوله تعالى: «و نسائنا» انه (صلى الله عليه و آله) كان مامورا بدعوه عده من نسائه واقلهن ثلاث، كما هو مفاد صيغه الجمع في العرف واللغه، لكن لم يدع منهن احدا من ازواجه المومنات و قراباته المهاجرات، كعمته المكرمه صفيه و بنات اعمامه و عماته وامامه بنت كريمته زينب من ابى العاص بن الربيع، و كانت ايام المباهله مبلغ

[ فانه تزوجها على (عليه السلام) بعد وفاه فاطمه (عليهاالسلام) بثلاثه ايام في السنه الحاديه عشر، و كانت المباهله في السنه العاشره.] النساء، و كان (صلى الله عليه و آله) يحبها كثيرا و يكرمها كما في ترجمتها من الاستيعاب

والاصابه، فلم يخرج منهن احدا الا بضعته الطاهره فاطمه الزهراء (سلام الله عليها) فهذا دليل على انه لم يكن عنده لهذه المهمه غيرها من النساء، كما لم يكن عنده من الانفس والابناء غير على و ولديه (عليهم السلام) وقد تواترت النصوص من طرق الشيعه والسنه على انه (صلى الله عليه و آله) لم يخرج لها غيرهم.

فقد مر آنفا عن الامام موسى بن جعفر (عليهماالسلام) انه قال لهارون: لم يدع احد انه ادخل فيها الا اياهم. و روى مسلم في صحيح والترمذى في جامعه باب فضائل على (عليه السلام) و مناقبه باسنادهما عن سعد بن ابى وقاص ان معاويه بن ابى سفيان امره فقال له: ما منعك ان تسب اباتراب؟ فقال له سعد: اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فلن اسبه لان تكون لى واحده منهن احب الى من حمر النعم الى ان قال: و لما نزلت هذه الايه «فقل تعالوا ندع ابنائنا وابنائكم» الخ دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا و فاطمه و حسنا و حسينا فقال: اللهم هولاء اهلى. و رواه ابن حنبل في مسنده ج 1 ص 185 والحاكم النيشابورى في مستدركه ج 3 ص 150 والحاكم الحسكانى في شواهد التنزيل عند آيه المباهله، و شخينا الطوسى في اماليه ج 1 ص 313 طبعه النجف باسنادهم عن سعد بن ابى وقاص، لكن بدون ذكرهم لقصه معاويه معه و امره اياه يعنى بالسب.

و قال الحاكم النيسابورى في كتابه معرفه علوم الحديث ص 50 طبعه بيروت: قد توارت الاخبار في التفاسير عن عبدالله بن عباس و غيره ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اخذ يوم المباهله بيد على والحسن والحسين و جعلوا فاطمه ورائهم، ثم قال: هولاء ابنائنا وانفسنا و نسائنا فهلموا انفسهكم وابنائكم و نسائكم ثم نبتهل.

وقال الجصاص

[ هو احمد بن على ابوبكر الرازى الفقيه الحنفي، قال الخطيب في تاريخه ج 4 ص 314: امام اصحاب الراى في وقته، كان مشهورا بالزهد والورع، ورد بغداد في شبيته و درس الفقيه ولم يزل حتى انتهت اليه الرياسه و رحل اليه المتفقهه الى آخر كلامه فيه توفي سنه سبعين و ثلاثمائه و كتابه المذكور تفسير لآيات في فروع الاحكام بترتيب القرآن و ذكر ما في المتن هنا في سوره آل عمران.] في احكام القرآن: نقل رواه السير و نقله الاثر لم يختلفوا فيه ان النبى (صلى الله عليه و آله) اخذ بيد الحسن والحسين و على و فاطمه (رضى الله عنهم) ثم دعا النصارى الذين حاجوه الى المباهله فاحجموا عنها، و قال بعضهم لبعض: ان باهلتموه اضطرم عليكم الوادى نارا ولم يبق نصرانى و لانصرانيه الى يوم القيامه.

وقال شيخنا الطبرسى في مجمع البيان: اجمع المفسرون على ان المراد بابنائنا الحسن والحسين و بنسائنا فاطمه لانه لم يحضر المباهله غيرها من النساء، ثم قال: لا احد يدعى دخول غير على و زوجته و ولديه فيها.

و قال الفخر الرازى في تفسير الايه بعد ايراد القصه مفصلا: و روى انه (صلى الله عليه و آله) لما خرج في المرط الاسود جاء الحسن فادخله، ثم جاء الحسين فادخله، ثم فاطمه: ثم على (رضى الله عنهم) ثم قال (صلى الله عليه و آله): «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» ثم قال الرازى: واعلم ان هذه الروايه كالمتفق على صحتها بين اهل التفسير والحديث. و نحوه في تفسير النيسابورى بعد ما نسب فيه الروايه الى عائشه، و سياتى البحث فيها في ذكر آيه التطهير انشاء الله تعالى.

و بالجمله النصوص و كلمات اعلام الفريقين في اختصاص هذه الفضيله العظيمه بهولاء الخمسه (عليهم السلام) كثيره لايكاد ينكره الا مكابر، وقد احتج بها اميرالمؤمنين (عليه السلام) بصوره المناشده في سائر فضائله تاره على ابى بكر لا حقيته منه بالخلافه، و اخرى على اصحاب

الشورى لاولويته منهم بالبيعه، و ثالثه على جماعه المهاجرين والانصار ايام خلافه عثمان لافضليته على جميع الصحابه، ففى كل هذه المواقف كانوا يصدقونه في اختصاص الايه به و باهله و ولديه (عليهم السلام)

[ كما في احتجاج الطبرسى في حديثى احتجاجه (عليه السلام) على ابى بكر و اصحاب الشورى، و خصال الصدوق (عليه الرحمه) في حديث احتجاجه على ابى بكر من ابواب الاربعين، و امالى الطوسى حديث يوم الدار ج 2 ص 163 طبع النجف، و كتاب سليم بن قيس، و صواعق ابن حجر في بابه الحادى عشر، حيث روى عن الدار قطنى ان عليا (عليه السلام) احتج على اهل الشورى فقال: انشدكم بالله هل فيكم احد اقرب الى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) في الرحم منى و من جعله نفسه وابنائه ابنائه ونسائه نسائه غيرى؟ قالوا اللهم لا.]

و احتج بها الامام الحسن (عليه السلام) يوم وادع معاويه في خطبته المشهوره على رووس الاشهاد والجم الغفير فقال في جمله فضائلهم و خصائصهم: اخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) للمباهله من الانفس معه ابى، و من البنين اياى و اخى، و من النساء امى من الناس جميعا، فنحن اهله و لحمه و دمه و نفسه

[ كما في امالى الطوسى ج 2 ص 177 و نحوه في ص 172]

و مثله الامام الحسين (عليه السلام) في مشهد منى قبل موت معاويه بسنه او سنتين، و كان ذلك بعد ما حذر معاويه الناس شديدا عن ذكر فضيله لعلى (عليه السلام) و امرهم بوضع الفضائل المزعومه للخلفاء و نشرها بين عوام الناس، فجمع الامام (عليه السلام) هناك بنى هاشم و كثيرا ممن حج من الصحابه والتابعين المعروفين بالصلاح فقام فيهم خطيبا، واجهر بفضائل كثيره لاميرالمومنين (عليه السلام) من جملتها ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) لم يات لمباهله النصارى الا به و بصاحبته و ابنيه

فعرفه الحاضرون و قالوا: اللهم نعم

[ كما في كتاب سليم بن قيس الهلالى، و حكاه عنه في البحار في المجلد الثامن من الطبعه القديمه الكمبانيه ص 564.]

ثم انه بعد ملاحظه هذه النصوص والكلمات و غيرها مما لم نذكر سيما ما ورد في كتب اهل السنه

[ الف شيخنا المحدث المتتبع قوام الدين الوشنوى ( سلمه الله تعالى) رساله في اهل البيت و آله المباهله، جمع فيها جمله ضافيه مما اورده اهل السنه في كتب التفسير والحديث والتاريخ، ثم ذكر فيها ان نقل احاديث الباب من طرق الشيعه الاماميه و نقل كلمات اعلامهم يحتاج الى رسالته مفرده اخرى.] من الاخبار و كلمات الاعلام يجزم كل معتدل منصف باختلاق ما رواه الحلبى في سيرته مرسلا، و تبعه الدحلانى ان عمر بن الخطاب قال للنبى (صلى الله عليه و آله و سلم): لولا عنتهم يا رسول الله بيد من كنت تاخذ قال: آخذ بيد على و فاطمه والحسن والحسين و عائشه و حفصه. و ما رواه ابن عساكر كما في تفسير الالوسى عن جعفر بن محمد بن ابيه (رضى الله عنهم) انه لما نزلت الايه جاء بابى بكر وولده و بعمر وولده و بعثمان وولده و بعلى وولده، وقد اعترف الالوسى على تعصبه بان المشهور المعول عليه لدى المحدثين هو الاول، و ان هذا خلاف ما رواه الجمهور.

وافظع من ذلك ما حكاه صاحب المنار في تفسيره عن استاده انه قال: الروايات متفقه على ان النبى (صلى الله عليه و آله) اختار للمباهله عليا و فاطمه و ولديهما: و يحملوان كلمه «نسائنا» على فاطمه، و كلمه «انفسنا» على على فقط، و مصادر هذه الروايات الشيعه و مقصدهم منهم معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتى راجت على كثير من اهل السنه، ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الايه، فان كلمه

«نسائنا» لايقولها العربى و يريد بها بنته لاسيما اذا كانت له ازواج، و لا يفهم هذا من لغتهم و ابعد من ذلك ان يراد بانفسنا على (عليه الرضوان) ثم ان وفد نجران الذين قالوا: ان الايه نزلت فيهم لم يكن معهم نسائهم و اولادهم و كل ما يفهم من الايه امر النبى (صلى الله عليه و آله) ان يدعو المحاجين و المجادلين في عيسى من اهل الكتاب الى الاجتماع رجالا و نساءا واطفالا، و يجمع هو المومنين رجالا و نساءا واطفالا، و يبتهلون الى الله تعالى بان يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى الى آخر كلامه.

هذا كلامه المنقول بعين لفظه، و كانه انكر اصلا خروجه (صلى الله عليه و آله) واقدامه واقدام النصارى للمباهله، وانما طلب منهم ذلك فلم يقبلوه و لو قبلوه كان اللازم خروج المومنين رجالا و نساءا لها، وان الروايات الوارده في خروجه (صلى الله عليه و آله) باهل بيته كلها موضوعه من جهه الشيعه لتزويج مذهبهم واهل السنه اخذوها منهم وادرجوها في كتبهم من غير علم. و هذا مما لاينبغى ان يتفوه به من له ادنى بصيره واطلاع، اذ كيف يمكن ان يكون ما اخرجه مسلم في صحيحه، والترمذى في جامعه، و ابن حنبل في مسنده، والحاكم النيسابورى في مستدركه، والامام الطبرى في تفسيره الجامع، والواحدى في اسباب النزول، و غيرهم من قدماء اهل الحديث والتفسير باسانيدهم الكثيره عن سعد بن ابى وقاص

[ ذكرنا فيما سبق روايه سعد بن ابى وقاص عن مسلم والترمذى و غيرهما، و روايه ابن عباس فيما حكيناه عن الحاكم النيسابورى، و اما عن جابر بن عبدالله فقد رواه عنه الواحدى في اسباب النزول، و ابن الجوزى في تذكره الخواص، و قال: رواه عنه اهل السير. وان شئت المزيد فراجع الدر المنثور للسيوطى.] و عبدالله بن عباس و جابر بن عبدالله الانصارى كلها ماخوذه من اخبار الشيعه و موضوعه من قبلهم بنحو لم يعلم به اهل السنه، وقد سمعت

ما عن الحاكم النيسابورى في كتاب معرفه علوم الحديث، والجصاص في احكام القرآن، و هما من اعلام السنه من دعوى تواتر الاخبار عن ابن عباس و غيره و عدم اختلاف نقلتها فيه.

واما قوله «ان كلمه نسائنا لايقولها العربى و يريد بها بنته لاسيما اذا كان له ازواج» فهو حق لو كان المراد هنا استعمال لفظه النساء في البنت الواحده على نحو تكون مدلولها المطابقى و لو محازا، لكنه ليس كذلك و انما هو في هذا المقام من باب الاتيان بالمصداق الممكن، كما يقال لاحد: انفق اموالك في سبيل الله، ولم يكن عنده مما يصلح للانفاق الا ثوب او درهم واحد، و نظيره في القرآن كثير منها قوله تعالى: «الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم» فان القائل المذكور كان واحدا، و يشهد لذلك ان المفسرين من اعلام الادب والعربيه كالزمخشرى والبيضاوى لم يستشكلوا في الايه بذلك ولم يحتمل احد منهم كونه مخلا ببلاغتها القرآنيه.

واما قوله «انه وفد نجران لم تكن معهم نساء و اولاد» فيرده اولا انه تخرص على الغيب، حيث لم تكن القضيه بحقها و تفصيلها محفوظه في التواريخ، مع انها كانت مهمه في الغايه، ولم يكن حمل النساء والاولاد في الاسفار خارجا عن عاده العرب، بل يقال كما في تفسير الكشاف في شرح الايه: انهم كانوا يسوقون النساء معهم في الحروب لتمنعهم من الهرب، وقد ذكر الطبرسى (رحمه الله تعالى) في كتاب الاعلام الورى انه في المباهله غدا العاقب والسيد بابنين على احدهما درتان كانهما بيضتا حمام. و ذكر اليعقوبى في تاريخه انهما غديا بابنين لهما عليهما الدر والحلى. و في خبر الاقبال لابن طاووس (رحمه الله) انهما خرجا بولديهما صبغه المحسن و عبدالمنعم و ساره و مريم اى فكانت ساره و مريم نسائهما.

و ثانيا: ان عدم وجود النساء والاولاد معهم لا يوجب ريبا في

القضيه، لجواز ان يكون الامر بدعائهم لتفخيم شان المباهله والمبالغه في اتمام الحجه عليهم، كما في قوله تعالى في المعارضه للقرآن الكريم «وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين» و مقتضى ذلك في المقام هو الترخيص لهم في الاقدام على مباهله كامله ليستعينوا باعزتهم في الابتهال الى الله (عز و جل) وقد كان في وسعهم ان يستمهلوا النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) لذلك الى حين قريب، فاذ لم يفعلوه لمزمهم ان يحضروا لها بانفسهم، لان الاصل في المباهله اجتماع الخصمين للدعاء على الكاذب، وليس حضور الاهل والاولاد شرطا في صحتها، كما قلنا آنفا ان ظاهر الايه ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ايضا كان مامورا بدعوه عده من نسائه وانفسه، لكن لم يكن عنده لهذه المهمه غير على و فاطمه (عليهماالسلام).

بقى الكلام فيما ذكره بعض مفسرى العامه، كالزمخشرى في الكشاف على ما يظهر من لحن كلامه من ان المراد من انفسنا نفس النبى (صلى الله عليه و آله) على رغم ما رووه جميعا من ان عليا (عليه السلام) كان معه في المباهله.

و هذا باطل من وجوه: الاول ان الانسان لا يدعو نفسه للخروج و لايقال عرفا لمن خرج الى شى ء انه دعا نفسه للخروج اليه، و قياسه على قوله تعالى: «فطوعت له نفسه قتل اخيه» مع الفارق كما لايخفى، اذ المراد بالنفس في هذه الايه هو الهوى والميل النفسانى، و هذا قد يدعو الشخص الى الفساد كما قال تعالى «ان النفس لاماره بالسوء» واما في تلك الايه فارماد ذاته و عينه.

و ثانيا: انه لو كانت هذه الكلمه محذوفه و كانت الايه: «ندع ابنائها و ابنائكم و نسائنا و نسائكم ثم نبتهل» لم يكن معناها ان يرسل ابنيه و فاطمه

دون ان يخرج بنفسه معهم فبناءاً على ما ذكر يلزم ان يكون ذكر كلمه أنفسنا بلافائده لكونه معلوما.

و ثالثا: انه على ما ذكر فمقتضى ترتيب البيان ان يذكره قبل ابنائنا و نسائنا لانهم كانوا بتبعه في الدعوه و كان (صلى الله عليه و آله) هو الاصل فيها، و اهتمام الانسان بحفظ اهله و اولاده مقدما على نفسه لايقتضى تقديمهم بالذكر في مقام يكون الاحتجاج بهم على الخصم بتبع الاحتجاج بنفسه كان يقول دعوت اهلى و اولادى و نفسى الى اثبات حقى.

و رابعا: انه على هذا التقدير لم يكن وجه لاخراجه (صلى الله عليه و آله) معه عليا اذ كان خارجا عما امره الله تعالى، وقد تقدم في خبر الحاكم ان النبى (صلى الله عليه و آله) بعدما خرج معهم للمباهله قال لخصومه: هولاء ابنائنا وانفسنا و نسائنا، فهلموا انفسكم و ابنائكم و نسائكم، فالمراد بانفسنا في الايه ليس الا من كان بمنزله نفسه الشريفه، وقد ثبت بالنصوص الكثيره المتقدمه و غيرها المقبوله عند الجميع انه لم يكن معه من الانفس الا على (عليه السلام).

·                                 فهو في آيه التباهل نفس المصطفي ليس غيره اياها

·                                 المصطفي ليس غيره اياها المصطفي ليس غيره اياها

[ للشيخ كاظم الازرى (رحمه الله تعالى) في قصيده طويله هائيه. .

]

و لذلك روى شيخنا المفيد (عليه الرحمه) كما في الفصول المختاره

[ ص 17 طبعه النجف، و رواه عنه في البحار ج 10 ص 350 و ج 35 ص 258.] انه قال المامون العباسى للرضا (عليه السلام): اخبرنى باكبر فضيله لاميرالمومنين (عليه السلام) يدل عليها القرآن، فقال (عليه السلام): فضيلته في المباهله قال الله تعالى: «فمن حاجك...» الايه فدعى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الحسن والحسين فكانا ابنيه، و دعا فاطمه فكانت في هذا الموضع نسائه، و دعا اميرالمؤمنين فكان نفسه بحكم الله (عز و جل) وقد

ثبت انه ليس احد من خلق الله سبحانه اجل من رسول الله (صلى الله عليه و آله) وافضل، فوجب ان لا يكون احد افضل من نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله) بحكم الله (عز و جل) الى آخر كلامه لدفع الشبهه عن كون المراد بانفسنا شخص الرسول (صلى الله عليه و آله) على نحو ما تقدم آنفا.

و روى شيخنا الصدوق (عليه الرحمه) في عيون الاخبار باسناده عن الامام الرضا (عليه السلام) انه في مجلس المامون احتج على جماعه من علماء عراق و خراسان لفضل العتره الطاهره بآيات من القرآن منها هذه الايه و قال: فبرز النبى (صلى الله عليه و آله) عليا والحسن والحسين و فاطمه (صلوات الله عليهم) و قرن انفسهم بنفسه، فهل تدرون ما معنى قوله وانفسنا؟ قالوا: عنى به نفسه فقال الرضا (عليه السلام): لقد غلطتم انما عنى بها على بن ابى طالب، و مما يدل على ذلك قول النبى (صلى الله عليه و آله) لينتهن بنو وليعه

[ في القاموس بنو وليعه كسفينه حى من كنده.] او لابعثن اليهم رجلا كنفسى يعنى على بن ابى طالب، ثم قال: فهذه خصوصيه لايتقدمهم فيها احد، و فضل لايلحقهم فيه بشر، و شرف لايسبقهم اليه خلق اذ جعل نفس على كنفسه.

اقول: قضيه بنى وليعه مذكوره في شرح ابن ابى الحديد عند كلامه (عليه السلام) في ذم الاشعث بن قيس ج 1 ص 97 طبعه مصر ففيه: لما قدمت كنده حجاجا قبل الهجره عرض رسول الله (صلى الله عليه و آله) نفسه عليهم كما كان يعرض نفسه على احياء العرب، فدفعه بنو وليعه من بنى عمرو بن معاويه و لم يقبلوه، فلما هاجر (صلى الله عليه و آله) و تمهدت دعوته و جائته وفود العرب جائه وفد كنده فيهم الاشعث بن قيس و بنو وليعه فاسلموا، فاطعم رسول الله (صلى الله عليه و آله) بنى وليعه طعمه من

صدقات حضرموت، و كان قد استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضى الانصارى، فدفعها زياد اليهم فابوا اخذها و قالوا: لاظهر

[ اى الحملوه لتحملها الى بلادهم.] لنا فابعث بها الى بلادنا على ظهر من عندك، فابى زياد و حدث بينهم شر كاد ان يكون حربا، فرجع منهم قوم الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و كتب زياد اليه يشكوهم، و في هذه الواقعه كان الخبر المشهور عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لبنى وليعه: لتنتهن او لابعثن عليكم رجلا عديل نفسى يقتل مقاتلتكم و يسبى ذراريكم، قال عمر بن الخطاب: فما تمنيت الاماره الا يومئذ و جعلت انصب له صدرى رجاء ان يقول هو هذا، فاخذ بيد على و قال: هو هذا الى آخر القصه من رده بنى وليعه و اول امرهم الى السبى والقتل.

و روى شيخنا الصدوق (عليه الرحمه) في كتاب الخصال في احتجاج اميرالمؤمنين (عليه السلام) يوم الشورى من ابواب الاربعين باسناده عن ابى الطفيل عامر بن واثله انه قال في فضائله: نشدتكم بالله هل فيكم احد قال له رسول الله (صلى الله عليه و آله) لينتهن بنو وليعه او لابعثن اليهم رجلا كنفسى طاعته كطاعتى و معصيته كمعصيتى يغشاهم بالسيف غيرى قالوا اللهم لا. و نحوه في مناقب الخوارزمى باب فضائل شتى باسناده عن عامر بن واثله، و في امالى الطوسى عن ابى ذر الغفارى (رضى الله عنه) ج 2 ص 160 طبعه النجف، و لفظه فيهما: لتنتهن او لابعثن اليكم الخ بصيغه الخطاب.

وقد ورد ايضا عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) نحو هذا الكلام لعلى ( عليه السلام) في قضيه وفد ثقيف، فروى الخوارزمى في مناقبه باب

انه اقرب الناس الى رسول الله باسناده عن المطلب بن عبدالله بن حنطب

[ المطلب بن عبدالله لم يكن من الصحابه وانما يحدث عنهم وقد يروى عن ابيه و هو على ما قيل صحابى كما في اسد الغابه في ترجمته و حنطب على وزن جعفر.] انه قال (صلى الله عليه و آله) لوفد ثقيف حين جاووه: لتسلمن او ليبعثن الله رجلا منى او قال مثل نفسى، فليضربن اعناقكم بالسيف و ليسبين ذراريكم و لياخذن اموالكم، قال عمر بن الخطاب: فوالله ما تمنيت الاماره الا يومئذ، و جعلت انصب صدرى له رجاء ان يقول هو هذا، قال: فالتفت الى على بن ابى طالب فاخذ بيده و قال: هو هذا هو هذا. و نحوه في الاستيعاب في ترجمه على (عليه السلام) عن المطلب بن عبدالله، و في السيره الحلبيه ج 3 باب غزوه خيبر مرسلا

[ حاول في السيره الحلبيه للجمع بين ما قاله عمر بن الخطاب في هذا المقام و قوله في خيبر ما احببت الاماره الا ذاك اليوم بعد ما سمع النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لاعطين الرايه رجلا يحب الله و رسوله... فراجع و قد مر آنفا ان عمر قال ذلك في قضيه بنى وليعه ايضا.] و لفظه فيهما: لتسلمن او لابعثن رجلا الخ.

و روى الحاكم في مستدركه ج 2 ص 120 كتاب الجهاد باسناده عن المطلب بن عبدالله عن مصعب بن عبدالرحمن بن عوف عن ابيه ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد ما رجع عن حصر الطائف قال: ايها الناس انى لكم فرط و انى اوصيكم بعترتى خيرا و موعدكم الحوض، والذى نفسى بيده لتقيمن الصلاه و لتوتن الزكاه او لابعثن عليكم رجلا منى او كنفسى، فليضربن اعناق مقاتليكم و ليسبين ذراريكم، فراى الناس انه يعنى ابابكر ان عمر، فاخذ بيد على (عليه السلام): فقال: هذا، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد. و نحوه في امالى الطوسى ج 2 ص 118 و زاد عليه انه قال

المطلب بن عبدالله قلت لمصعب: فما حمل اباك على ما صنع (يعنى في الشورى حيث صرف بيعته الى عثمان) قال: انا والله اعجب من ذلك.

و روى ايضا في الامالى في الصفحه المذكوره باسناده عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) عن جابر بن عبدالله الانصارى (رضى الله عنه) ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لوفد الطائف: اما والذى نفسى بيده ليقيمن الصلاه وليوتن الزكاه او لابعثن اليهم رجلا هو منى كنفسى، فليضربن اعناق مقاتليهم و ليسبين ذراريهم هو هذا واخذ بيد على (عليه السلام) الحديث. و نحوه في الصفحه 192 من الجزء المذكور باسناده عن ابى ذر (رضى الله عنه) و زاد فيه انه قال ابوبكر و عمر: ما راينا كاليوم في الفضل قط

[ المتحصل من هذه الاخبار و ما في كتب السير والمغازى ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد ما غزى حنينا و هزم هوازن اقبل على الطائف فحصرها لكن لم يوذن له من الله تعالى في فتحها، فرجع فجائه و فدهم لاسلام قومهم بشروط منها ان لا يخضعوا لصلاه و زكاه، فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): لاخير في دين لاركوع فيه و لاسجود: ثم قال لهم: لتقيمن الصلاه و لتوتن الزكاه الى آخر ما مر، و للتوسع في ذلك راجع البحار الجزء 21 باب غزوه حنين.]

ثم اقول: واما ما ورد عنه (صلى الله عليه و آله و سلم) من ان عليا منى وانا منه، فكثير لايحصى من اخبار الخاصه والعامه، فمنها في غزوه احد حينما كان يقاتل و يدافع وحده و ابلى في ذلك بلاءا عظيما، فقال جبرئيل: يا محمد اترى هذه المواساه من على، فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): انه منى وانا منه، فقال جبرئيل (عليه السلام) وانا منكما. كما في خصال الصدوق، وامالى الطوسى، و مناقب الخوارزمى في حديث المناشده

[ تقدم شطر منه قريبا، و ياتى الكلام في بعض شوونه عند ذكر آيه تطهير.] يوم

الشورى، و اورده الطبرى فى تاريخ والجزرى فى كامله فى قضيه وقعه احد و رواه الحافظ الگنجى فى كفايته باسناده عن ابى رافع الصحابى.

و منها: فى حديث عمرانى بن حصين الذى رواه اعلام المحدثين كالترمذى فى جامعه باب مناقب على (عليه السلام) والنسائى فى خصائصه، وابن حنبل فى مسنده، والحكام فى المستدرك و غيرهم باسنادهم عنه و فى الفاظه فيها زياده و اختلاف يسير.

و حاصله انه: قال بعث رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) سريه واستعمل عليهم عليا، فمضى (عليه السلام) فى السريه واصاب الغنيمه، فاصطفى لنفسه من خمسها جاريه، فتعاقد اربعه منهم على شكايته، فلما قدموا المدينه قام احدهم فقال: يا رسول الله الم تر ان عليا صنع كذا فاعرض عنه و كذا الثانى والثالث، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فاقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليهم والغضب يبصر فى وجهه و قال: ما تريدون من على ان عليا منى وانا منه، و هو ولى كل مومن بعدى.

و مثله حديث بريده الاسلمى الا ان فيه ان خالدا بن الوليد كتب معه الى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قال بريده: فلما اتيت بالكتاب و قرا عليه رايت الغضب فى وجهه، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ، فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): لا تقع فى على فانه منى وانا منه و هو وليكم بعدى قاله مرتين من قوله فانه منى كما فى مسند احمد ج 5 ص 356.

وقد ابان سيدنا المحقق الشريف فى كتابه المراجعات عن شان الحديثين و مصادرهما الكثيره، و طرقهما المستفيضه المعتبره والفاظهما المتقاربه، و حكى عن الطبرانى تفصيلا فى الحديث الثانى، فجاء فى آخره ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) خرج مغضبا و قال: ما بال اقوام ينتقصون عليا من ابغض عليا فقد ابغضنى، و من فارق عليا فقد فارقنى ان عليا منى و انا

منه، خلق من طينتى و انا خلقت من طينه ابراهيم وانا افضل من ابراهيم ذريه بعضها من بعض، الحديث. و رواه ابن حجر فى صواعقه فى المقصد الثانى من آيه الموده عن الطبرانى.

و روى الخوارزمى فى مقتله و مناقبه باب ان عليا (عليه السلام) اقرب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) باسناده عن الامام الباقر عن ابيه عن جده (عليهم السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): كنت انا و على نورا بين يدى الله (عز و جل) من قبل ان يخلق آدم

[ تقدم فى الباب الثانى من هذه الرساله اخبار كثيره بهذا المعنى مع شرحها يسيرا.] باربعه عشر الف عام، فلما خلق الله تعالى ابى آدم سلك ذلك النور فى صلبه، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب الى صلب حتى اقره فى صلب عبدالمطلب، فقسمه قسمين قسما فى صلب عبدالله و قسما فى صلب ابى طالب، فعلى منى وانا منه لحمه لحمى و دمه دمى. الحديث.

و باسناده فى المناقب ان عائشه قالت: من خير الناس بعدك يا رسول الله؟ قال: على بن ابى طالب هو نفسى وانا نفسه.

و بالجمله النصوص فى ذلك كثيره جدا بالغه حد التواتر، و هى باسرها شاهده على تاويل قوله تعالى وانفسنا، و ليس المقام موضوعا لسردها، فمن اراد التوسع فيها فليراجع بحار الانوار ج 35 باب نزول سوره البرائه و ج 37 باب مناقب اصحاب الكساء و ج 38 باب جوامع الاخبار الداله على امامه على (عليه السلام) و باب انه اخص بالرسول و احبهم اليه، و غير ذلك من الابواب المناسبه، كما ياتى بعضها فى اواخر هذه الرساله، و لايفوتن باحثا ما اودعه سيدنا المحقق شرف الدين فى كتابه ابو هريره فى البحث عن حديث تامير ابى بكر على الحج، فان فيه من

التحقيق ما يزيح العله و يجلى الحقيقه عن مقام اميرالمؤمنين (عليه السلام) و اولويته بالرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) حيا و ميتا واحقيته بخلافته و الحمد لله.

تتميم: قال الرازى فى تفسيره فى آيه المباهله: انه كان فى الرى رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصى

[ هو الشيخ الجليل سديد الدين محمود بن على بن الحسن الحمصى من فقهاء الاماميه و متكلميهم، روى عنه الشيخ منتجب الدين و ورام بن ابى فراس و ابن ادريس، كما فى بحث ميراث المجوس من السرائر، و ترجمه الشيخ النورى فى خاتمه المستدرك ج 3 ص 478 و كذا فى امل الامل و روضات الجنات و غيرهما، وقد وقع الخلاف فى ضبط الحمصى و معناه، فقيل: انه بالحاء والصاد المهملتين، و عن الشيخ البهائى ان حمص قريه بالرى و هى الان خراب، و قيل غير ذلك.] و كان معلم الاثنى عشريه و كان يزعم ان عليا (رضى الله عنه) افضل من جميع الانبياء سوى محمد (صلى الله عليهم) واستدل

[ يظهر نحو هذا الاستدلال من كلام الامام الرضا (عليه السلام) للمامون فيما تقدم من المتن قريبا و كذا من كلامه الاخر لجماعه العلماء المتقدم ايضا.] بقوله تعالى: «وانفسنا» اذ المراد به غير شخص النبى (صلى الله عليه و آله) و ليس هو الا على (عليه السلام) فدلت الايه على ان نفس على نفس محمد، و معناه ان نفسه بمنزله نفسه، و مقتضى ذلك مساواتهما فى جميع الوجوه، و خرج عن هذا العموم النبوه و افضليه النبى من على (عليهم السلام) للاجماع فيبقى فيه غيرهما، وقد ثبت بالاجماع ان نبينا (صلى الله عليه و آله) افضل من جميع الانبياء، فوجب ان يكون على كذلك، ثم ايده بما رواه الموافق والمخالف

[ كما فى البحار ج 39 باب ان فى على (عليه السلام) خصال الانبياء (عليهم السلام) و مناقب ابن المغازلى والخوارزمى و ذخائر العقبى و كفايه الطالب باسانيد عن جمع من الصحابه و فيها اختلاف فى ذكر الخصال و عدد النبياء.] عن النبى (صلى الله عليه و آله) قال: من اراد ان يرى آدم فى علمه و نوحا فى طاعته و ابراهيم فى خلته

و موسى فى هيبته و عيسى فى صفوته، فلينظر الى على بن ابى طالب (عليه السلام) حيث دل على انه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم.

ثم قال الرازى: واما سائر الشيعه، فقد كانوا يستدلون بالايه على ان عليا افضل من الصحابه، واجاب عن الحمصى بان الاجماع منعقد ايضا على ان النبى افضل ممن ليس بنبى، فيخص به ظاهر الايه كما خص بافضليه نبيا (صلى الله عليه و آله) منه بالاجماع انتهى كلامه ملخصا

[ و ذكر نحوه فى كتابه الاربعين، كما حكاه عنه المجلسى فى البحار ج 35 باب آيه المباهله.] فراجعه بتمامه، وانعم النظر فيه تجده ان الرازى مع اشتهاره فى التشكيك قد اعترف فى لحن كلامه بتماميه الاستدلال بالايه لافضليه على (عليه السلام) على جميع الصحابه بل وبتماميه الاستدلال بها لافضليته على سائر الانبياء لولا ما ادعاه من الاجماع على افضليه كل نبى على غيره، لكن هذا الاجماع المدعى غير ثابت عند الاماميه و دل على خلافه النصوص الوارده عن المعصومين «عليهم السلام» كما ذكره المجلسى (عليه الرحمه) فى البحار فى ذيل البحث عن الايه الجزء 35 و غيره، ثم ان فى المقام مطالب اخر اجملنا عن ذكرها لخوف الاطناب.

و من الايات فى تفضيل الزهراء (سلام الله عليها) قوله تعالى فى سوره الاحزاب «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» فانها نزلت فى رسول الله و على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) خاصه بحكم النصوص المتواتره من طرق الشيعه والسنه، فقد رواه جمع من الصحابه منهم ام المومنين ام سلمه (رضى الله عنها) حيث كان نزول الايه فى بيتها فروى عنها جماعه.

منهم 1 الامام السجاد على بن الحسين (عليهماالسلام) كما فى امالى شيخنا الطوسى ج 1 ص 378 طبعه النجف، و رواه عنه فى البحار ج 35 باب آيه التطهير.

2 حكيم بن سعد كما فى تفسير الطبرى عند الايه، و رواه الحاكم الحسكانى فى شواهد التنزيل عند ذكر نزولها فى اهل البيت لكن باختصار و كذا ابن المغازلى فى مناقبه عند ذكر الايه باسناده.

3- عبدالله بن ربيعه مولى ام سلمه، كما فى شواهد التنزيل، و رواه فى امالى الطوسى باسناده عن عبدالله بن مغيره مولى ام سلمه، كما فى طبعه النجف ج 1 ص 269 او عبدالله بن معين، كما فى نسخه قديمه من الامالى مصححه، و كذا عنه فى البحار الباب المذكور آنفا، و على كل فالظاهر اتحاد الرجلين و كون احدهما مصحفا او منسوبا الى الجد، و ذلك لاتحاد رواتهما و متن الخبر، و يحتمل التعدد فان المستفاد من التراجم و اسانيد اخبار ام سلمه و غيرها انه كان لها (رضى الله عنها) جماعه من الموالى وان لم يكن بعضهم معروفا.

4- عبدالله بن وهب بن زمعه

[ هو زمعه بن الاسود بن المطلب الاسدى زوج قريبه اخت ام سلمه قتل فى بدر كافرا و ابوه الاسود من الذين قال الله تعالى فيهم «انا كفيناك المستهزئين» و ابنه وهب ابو عبدالله كان من مسلمه الفتح، وقد روى فى مسند احمد و سنن ابى داود انه فى حجه الوداع كان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عند ام سلمه مساء يوم النحر، فدخل عليها وهب بن زمعه و رجل من آل ابى اميه يعنى من اقرباء ام سلمه متقمصين، فقال (صلى الله عليه و آله و سلم) لوهب: هل افضت يا اباعبدالله الخ. و هو اخو عبدالله بن زمعه ابن اخت ام سلمه و صهرها على بنتها زينب. كما فى الطبرى و شواهد التنزيل.

5- عطا بن يسار كما فى شواهد التنزيل و اسد الغابه فى ترجمه ام

سلمه، و مستدرك الحاكم ص 146 من جزئه الثالث، و قال الحاكم بعد ايراده: صحيح على شرط البخارى و لم يخرجه، واقره الذهبى فى تلخيصه و نحوه فى جزئه الثانى ص 416 و رواه الخوارزمى فى مناقبه.

6- شهر بن حوشب، كما فى الطبرى و مسند ابن حنبل فى عده موارد من احاديث ام سلمه، و جامع الترمذى باب فضل فاطمه (عليهاالسلام) من مناقبه، قال: حديث حسن صحيح، و هو احسن شى ء روى فى هذا الباب، و رواه فى شواهد التنزيل باسايند كثيره عن اكثر عن عشره رجال يروونه عن شهر عن ام سلمه بالتفصيل، و ذكر بعدها انه رواه عنه جماعه سوى هولاء.

7- ابوسعيد الخدرى (رضى الله عنه) كما فى الطبرى و شواهد التنزيل والدر المنثور للسيوطى، لكن ياتى هذا فيما نرويه عنه بنفسه.

8- ابوعبدالله الجدلى، كما فى البحار عن تفسير فرات الكوفى، و عن يحيى بن الحسن بن بطريق صاحب كتابى العمده والمستدرك فى الفضائل، والجدلى كان من اصحاب اميرالمؤمنين (عليه السلام) و صاحب رايه المختار على شرطته.

9- ابو ليلى الكندى، كما فى شواهد التنزيل، و مسند ابن حنبل ج 6 ص 292 فى آخر حديث عطاء بن ابى رباح عمن سمع ام سلمه.

و رواه فى البحار عن ابن طاووس فى كتابه سعد السعود.

10- ابوهريره كما فى الطبرى و شواهد التنزيل.

11- عطيه الطفاوى عن ابيه، كما فى مسند ابن حنبل ج 6 ص 296 و 304 و هذا ليس فيه ذكر لنزول الايه الا انه مشتمل على حديث الكساء فى الجمله و نحوه فى تفسير الحبرى

[ هو الحسين بن الحكم الكوفى المحدث المتوفى 286 و تفسيره طبع جديدا بتحقيق العلامه السيد محمد رضا الجلالى (حفظه الله).] ] عند سوره الاحزاب.

12- عمره بنت افعى الهمدانيه، كما فى شواهد التنزيل

[ رواه باسناده عن عمار الدهنى عنها عن ام سلمه، ثم رواه ايضا باسناده عنه عن عقرب عن ام سلمه بمضمون الاول و ظاهره تعددهما، ولكن المظنون ان عقربا لقب لعمره المذكوره لكون ابيها مسمى بافعى، والله العالم.] وامالى الصدوق فى مجلسه الثانى والسبعين، و فى البحار عن تفسير فرات.

هذا ما عثرت عليه من اسماء من روى الحديث عن ام سلمه من الصحابه والتابعين، و ياتى فى احاديث اميرالمؤمنين (عليه السلام) انه لما ذكر الحديث فى جماعه المهاجرين والانصار قالوا كلهم: نشهد ان ام سلمه حدثتنا بذلك، فرحم الله ام المومنين و جزاها عن نبيه واهل بيته خيرا حيث اهتمت بنشر هذه الفضيله المهمه لهم اخلاصا لله تعالى و موده فيهم، كما اهتمت بنشر فضائل اميرالمؤمنين (عليه السلام) بعد ما وقعت الفتنه واختلف الناس فيه

[ كما ورد ذلك فى كتب الخاصه والعامه كالمسند و مستدرك الحاكم فى باب فضائله، و روى فى اختصاص المفيد و شرح ابن ابى الحديد عند كلامه (عليه السلام) فى ذم النساء انه لما ارادت عائشه ان تخرج من مكه الى البصره ذكرتها ام سلمه بفضائله لتصرفها عن مقصدها، ثم كتبت اليه و هو فى المدينه بما يريدون و بعثت اليه ابنها عمر ليشهد مشاهده.]

و محصل ما روى عنها فى المقام ان الايه نزلت فى بيتها على النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) فدعا عليا و فاطمه و ابنيهما فجللهم بكساء و قرا عليهم الآيه، و دعا لهم بقوله اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فقالت ام سلمه: وانا معكم او قالت: انا من اهل بيتك يا رسول الله، فقال لها: انك الى خير. و فى بعض هذه الاخبار- كما فى مسند احمد و غيره- انها رفعت الكساء لتدخله طلبا لفضل الآيه، فجذبه

النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من يدها. و فى خبر الامام السجاد (عليه السلام) عنها قالت: جئت لادخل معهم، فقال: كونى مكانك انك الى خير انت من ازواج نبى الله. و نحوه فى غيره، و قد ود فى بعض هذه النصوص انه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لها بعد سوالها ان تكون منهم انك على خير، و مقتضى الجمع بينهما انه قال لها كلتا الكلمتين فاختصره الرواه، و يوديه ما ياتى فى حديث الامام الحسن (عليه السلام) من انه قال لها: يرحمك الله انت على خير و الى خير و ما ارضانى عنك و لكنها خاصه لى ولهم.

و عل كل ففى جمله مما روى عنها فى ذلك زيادات على ما ذكر، و بينها اختلاف كثير فى خصوصيات القضيه، و لذلك استظهر محب الدين الطبرى فى ذخائر العقبى والسيد ابن طاووس فى طرائفه انه وقعت القضيه فى بيتها مكررا، و ذلك لان فى بعضها ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) كان فى بيتها فامرها باحضار اولئك الاربعه، و فى جمله اخرى انه كان فى بيتها فجائته فاطمه فامر فاطمه باحضار زوجها و ولديها، كما ان فى كيفيه تجليلهم يظهر من كثير من النصوص ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) اخذ الكساء بكله فالقاه عليهم و جللهم و نفسه به.

مثل ما فى مسند احمد و شواهد التنزيل انه قالت ام سلمه: فاجتذب من تحتى كساءا خيبريا كان بساطا لنا على المنامه فلفه عليهم جميعا، فاخذ بشماله طرفى الكساء والوى بيده اليمنى الى ربه (عز و جل) و قال: اللهم اهل بيتى اذهب عنهم الرجس الخ. و غير ذلك مما تضمن التعبير باخذ الكساء او انتزاعه، او تضمن التعبير بالقائه عليهم، او اثارته، او ادارته، و نحوها من الكلمات والعبارات الداله على رفعه (صلى الله عليه و آله و سلم) لاصل الكساء على رووسهم و تغطيتهم به مع نفسه، و ان ام سلمه

رفعت طرفه بعد نزول الآيه لتدخل معهم، و مع ذلك ورد فى النصوص ايضا انه (صلى الله عليه و آله و سلم) اجلسهم على الكساء واخذ باطرافه الاربعه بشماله فضمه فوق رووسهم و اوما بيمناه الى ربه فقال: اللهم هولاء اهل البيت اذهب عنهم الرجس الخ، كما صرح بذلك فى حديث ابى هريره عن ام سلمه.

و فى مسند احمد و غيره عن عطاء بن ابى رباح

[ بالباء الموحده، والظاهر انه من فقهاء العامه المشهورين.] عمن سمعها قالت: دخلوا على النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) فجلسوا و هو على منامه له تحته كساء خيبرى وانا اصلى فى الحجره، فانزل الله تعالى «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الآيه، فاخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم اخرج يده فالوى بها الى السماء: ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى و خاصتى (حامتى) فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فادخلت راسى البيت فقلت: وانا معكم يا رسول الله قال: انك الى خير، ثم ذكر فى المسند ص 292 من جزئه السادس انه روى مثل ذلك عن ام سلمه ابو ليلى و حوشب.

قلت: الصواب شهر بن حوشب، و ابو ليلى هو الكندى كما فى شواهد التنزيل، حيث روى الحديث عنهما بواسطه احمد بن حنبل و غيره، واختلفت النصوص ايضا فى هيئه اجتماعهم و فى كون الكساء فدكيا او خيبريا، و غير ذلك من وجوه الاختلاف التى يطول الكلام بنقلها. و يمكن ان يظهر لمن راجعها فى المصادر المذكوه انه كانت القضيه فى بيت ام سلمه اكثر من مرتين، و لا بعد فيه اذ كانت القضيه مهمه جدا، والله العالم.

و لايخفى ان قوله (صلى الله عليه و آله و سلم) لام سلمه (رضى الله

عنها) انك الى خير او على خير رد لها عن قولها: «انا معكم» وردع عن سوالها ان تكون منهم على وجه المجامله والاكرام دون المجابهه بالانكار كما كان ذلك من خلقه الكريم فى رد السائلين و ليبس معناه نعم انك من اهلى بالنسبه الى حكم الآيه، لمنافاته لظهور النصوص الكثيره فى حصرها على الاربعه، و انه مر آنفا على الامام الحسن (عليه السلام) انه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لها: ما ارضانى عنك ولكنها خاصه لى ولهم، و انه فى بعض النصوص

[ كما فى البحار و تفسير الطبرى و شواهد التنزيل فى روايات على بن الحسين (عليهماالسلام) و ابو سعيد الخدرى (رضى الله عنه).] قال لها: انك الى خير انت من ازواج نبى الله، فان ظاهره حصر منزلتها فى زوجيته، فاراد (صلى الله عليه و آله و سلم) تكريمها واقناعها بذلك عما سالته، حيث ان زوجيتها له فضل عظيم، والا فكونها من ازواجه معلوم لها و لغيرها، بل قد ورد فى بعضها

[ كما فى الطبرى عن حكيم بن سعد والبحار و شواهد التنزيل عن عمره الهمدانيه.] انه لم يقل لها انك من اهل البيت وانه لو قال لها ذلك كان احب اليها مما تطلع عليه الشمس و فيما ياتى عن اميرالمؤمنين (عليه السلام) ايضا تصريح بحصر الآيه فيهم.

و روى ابوعطيه الطفاوى، كما فى مسند احمد فيما اشرنا اليه اولا عن ام سلمه قالت: بينما رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فى بيتى اذ قالت الخادم: ان عليا و فاطمه بالسده، فقال لى: قومى عن اهل بيتى، فتنحيت فى ناحيه البيت قريبا، فدخل على و فاطمه و معهما الحسن والحسين (عليهم السلام) فاخذهما و قبلهما و وضعهما فى حجره، واعتنق عليا و فاطمه ثم اغدف عليهما ببرده له و قال: اللهم اليك لا الى النار انا و اهل بيتى، فقلت: يا رسول الله وانا، فقال: وانت.

و هذا ايضا ظاهر كالصريح فى حصر اهل بيته فيهم، ولا ينافيه ما فى

آخره كما لا يخفى. و هذا وان لم تكن آيه التطهير مذكوره فيه لكن المستفاد منه عموم الحصر للآيه، لما ياتى فى آخر البحث من ان المراد بالبيت فيها و فى حديث الثقلين بيت النبوه لا السكنى.

و الاغداف بالغين المعجمه والفاء قال ابن الاثير فى نهايته: فى الحديث انه (عليه السلام) اغدف على على و فاطمه سترا اى ارسله واسبله. والبرده نوع من كساء جامع. و فى الموضع الآخر من المسند فى هذا الحديث فاغدف عليهم خميصه سوداء. والخميصه ثوب مربع من خز او صوف معلم، فهى ايضا نوع من الكساء، كما انه ورد التعبير عنه ايضا فى بعض الاخبار بالعباء فانه ايضا نوع منه الا انه يمكن ان ذلك من تعدد القضيه.

و روى الكلينى (رحمه الله) فى الكافى باب ما نص الله و رسوله على الائمه ( عليهم السلام) من كتاب الحجه، والعياشى فى تفسيره عند قوله تعالى فى سوره النساء اطيعوا الله و رسوله و اولى الامر منكم والامام الصادق (عليه السلام) انه قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد ما نزلت الآيه وادخلهم فى الكساء: اللهم ان لكل نبى اهلا وثقلا و هولاء اهل بيتى و ثقلى، فقالت ام سلمه: الست من اهلك؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): انك الى خير، ولكن هولاء اهلى و ثقلى

[ ورد ذلك فى حديث طويل ذكر فيه الامام (عليه السلام) ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ذكر الامته امامه اهل بيته بقوله اوصيكم بكتاب الله واهل بيتى، و نحو ذلك و انزل الله تعالى تصديقا له: «انما يريد الله» الآيه فبينهم (صلى الله عليه و آله) بقضيه الكساء لئلا يدعى الامامه غيرهم من اقربائه بزعم انهم من اهل بيته. و مما ذكر فى الحديث التصريح بان الله تعالى اذهب عنهم الرجس، و ياتى جزء آخر منه فى اواخر البحث عن الايه، والراوى له عن الامام (عليه السلام) ابوبصير و هو اما المرادى او الاسدى، و كلاهما من اجلاء اصحابه الثقاه سيما الاول و هو هنا اظهر، وقد رواه عنه فى الكافى باسنادين صحيحين والحمد لله.] فاتضح بحمدالله ان

ما فى مسند احمد و شواهد التنزيل باسنادهما عن عبدالحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن ام سلمه من انه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال لها بلى و ادخلها فى الكساء بعد ما قضى دعائه لهم شاذ لا يعبا به، وقد تفرد عبدالحميد بذلك، و سائر ما روى عن شهر فى هذه القضيه و هى كثيره رواها عنه جماعه عن الرواه كما تقدم خاليه عنه، وقد ذكر الالوسى فى تفسيره ان اخبار ادخاله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا و فاطمه و ابنيهما (رضى الله عنهم) تحت الكساء و قوله اللهم هولاء اهل بيتى و عدم ادخاله ام سلمه اكثر من ان يحصى.

و ممن روى من الصحابه حديث الكساء و تلاوه الآيه واثله بن الاسقع

[ فى الاستيعاب انه اسم والنبى (صلى الله عليه و آله) يتجهز الى تبوك و يقال: انه خدم النبى (صلى الله عليه و آله) ثلاث سنين و كان من اهل الصفه يقال: انه نزل البصره ثم سكن الشام، ثم تحول الى بيت المقدس و مات بها و هو ابن مائه و قيل: بل توفى بدمشق روى عنه الشاميون مكحول و عبدالله بن عامر و شداد، و ذكر فى الاصابه انه آخر من مات بدمشق من الصحابه.] فقد اخرج عنه المحدثون انه شهدها فى بيت فاطمه، ففى مسند ابن حنبل ج 4 ص 107 باسناده عن شداد

[ هو ابوعمار ابن عبدالله الدمشقى حكى ابن حجر فى التهذيب توثيقه عن جماعه، والاخبار المرويه عن واثله فى هذه القضيه اكثرها بواسطه هذا الرجل، رواها عنه الاوزاعى امام اهل الشام و غيره، و فى مناقب الخوارزمى باب ان عليا من اهل البيت روى مثل ذلك عن واثله بواسطه ابى الازهر و كانه المغيره بن قروه الثقفى الدمشقى.] قال: دخلت على واثله بن الاسقع و عنده قوم فذكروا

[ يعنى بما لاينبغى من الشتم كما فى الطبرى (نعوذ بالله من الضلال.] عليا (عليه السلام) فلما قاموا قال لى: الا اخبرك بما رايت من رسول الله (صلى الله عليه و آله) قلت: بلى، قال: اتيت

فاطمه اسالها عن على قالت: توجه الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فجلست انتظره حتى جاء رسول الله و معه على والحسن والحسين (عليهم السلام) آخذ كل منهما بيده حتى دخل فادنى عليا و فاطمه فاجلسهما بين يديه، واجلس حسنا و حسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه او قال كساه، ثم تلى هذه الايه: «انما يريد الله ليذهب...» و قال: اللهم هولاء اهل بيتى و اهل بيتى احق.

و نحوه فى تفسير الطبرى و فيه التصريح بقوله سالت عن على فى منزله، و مستدرك الحاكم ج 2 ص 416 عند تفسير سوره الاحزاب و ج 3 باب مناقب اهل البيت (عليهم السلام) ص 147 و شواهد التنزيل بعده اسانيد، و عن تفسير الثعلبى و غيره، لكن فى بعضها زاد على ما ذكر ان واثله قال: يا رسول الله وانا من اهلك فقال: وانت من اهلى او نحو هذا الكلام، فقال واثله: انها لمن ارجى ما ارتجى.

اقول: الزياده غير معتبره عندنا، كما يتضح مما ذكرناه آنفا فى حديث ام سلمه، و على تقدير صحتها يمكن ان يكون المراد منها انه منهم فى بعض شوون المعيشه، او بعض مراتب الاحترام، لانه كان من خدام النبى (صلى الله عليه و آله) لا دخوله معهم فى حكم الآيه، والا لم يكن للف الثوب عليهم حكمه، و لا لقوله (صلى الله عليه و آله): اللهم هولاء اهل بيتى معنى، و لعله (صلى الله عليه و آله) قال لواثله كلمه خير ليرده بها عما ساله على وجه جميل، مثل ما قاله لام سلمه فظن واثله من كلمته ما سالته او ظنه بعض الرواه من كلام واثله، اذ النقل بالمعنى كان شايعا فى الاخبار و كان موجبا لتمويهات كثيره.

و على كل فصريح هذه الأخبار ان هذه القضيه وقعت في بيت فاطمه، فهي غير ما وقع فى بيت ام سلمه.

نعم فى روايه اخرى

[ شواهد التنزيل و رواه ابن طاووس فى طرائفه عن مسند ابن حنبل، لكم لم اعثر عليه فى المسند فى احاديث واثله، و لعل مراده بالمسند كتاب فضائل ابن حنبل.] عن واثله قال: رايتنى ذات يوم وقد جئت رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو فى بيت ام سلمه، فجاء الحسن فاجلسه على فخذه اليمنى و قبله، و جاء الحسين فاخذه واجلسه على فخذه اليسرى و قبله، و جائت فاطمه فاجلسها بين يديه، ثم دعا عليا فجاء، ثم اغدف عليهم كساء خيبريا كانى انظر اليه، ثم قال: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...» الآيه.

و هذا اما محمول على ان واثله شهد القضيه فى بيت ام سلمه ايضا، كما استظهره ابن طاووس فى الطرائف، فلعله لاجل خدمته كان يتردد فى بيوت النبى (صلى الله عليه و آله) فشهدها مكررا، او يحمل على اشتباه بعض الرواه و كان الصواب فى بيت فاطمه، لان وقوعها فى بيت ام سلمه معروف، فانصرف ذهن الرواى اليها، والله العالم.

و ممن شهد القضيه و رواها عائشه، كما روى الثعلبى

[ هو ابواسحاق احمد بن محمد بن ابراهيم النيسابورى المتوفى 337 قال ابن خلكان: انه اوحد زمانه فى علم التفسير، و تفسيره كبير فاق غيره من التفاسير.

اقول: والروايه المذكوره اوردها فى آيه التطهير، وقد اخذتها من النسخه المخطوطه فى مكتبه السيد المرعشى بقم، و رواها عنه شيخنا الطبرسى فى مجمع البيان.] فى تفسيره كشف البيان باسناده عن رجل من بنى الحارث بن تيم الله يقال له مجمع

[ هو جميع بن عمير التيمى، فذكر ابن حجر فى التهذيب انه يقال له ايضا مجمع و جامع، و تقدم شطر من حديثه هذا فى اوائل الفائده الرابعه من الباب السابق، و ذكرنا شيئا من ترجتمه و ما قيل فى حديثه.] قال: دخلت مع امى على عائشه فسالتها امى عن خروجها يوم الجمل، فقالت: كان قدرا من الله ثم سالتها عن على (عليه السلام) فقالت:

تسالنى عن احب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و زوج احب الناس اليه، لقد رايت عليا و فاطمه و حسنا و حسينا جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله) بثوب عليهم، ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى و حامتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و نحوه فى شواهد التنزيل فى عده روايات

[ رواها باسانيد عن العوام بن حوشب عن جميع، و هو ابن عم العوام، و ذكر فى بعضها ان جميعا قال: دخلت امى على عائشه فذهبت لادخل فقالت عائشه: انى اراه قد احتلم فحجبتنى و سالتها اممى عن على فقالت... مثل الكلام المتقدم.] و مفادها ايضا اختصاص اهل بيته (عليهم السلام) بهولاء و اختصاص دعائه بهم.

و روى مسلم فى صحيحه باب فضائل الحسن والحسين (عليهماالسلام) باسناد آخر عن عائشه ان النبى (صلى الله عليه و آله) خرج غداه و عليه مرط

[ المرط بالكسر كساء. والمرحل بتشديد الحاء المهمله كما فى نهايه ابن الاثير ما فيه صور الرحال او بالجيم المعجمه ما فى صور الرجال. و يحتمل ان يكون من المرجل اى آله كالمسط يضرب به الكساء لتسويته.] مرحل من شعر اسود، فجاء الحسن فادخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جائت فاطمه فادخلها، ثم جاء على فادخله، ثم قال: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...» الآيه. و نحوه فى مستدرك الحاكم ج 3 ص 147 و تفسير الطبرى و شواهد التنزيل. و ذكر الحافظ الگنجى فى كفايه الطالب ان هذا حديث متفق على صحته، و اورده الزمخشرى فى الكشاف، والرازى فى تفسيره عند آيه المباهله لتميم قصتها، كما مر عن الرازى مع قوله بانه كالمتفق على صحته بين اهل التفسير والحديث، فمقتضاه ان عائشه شهدت ذلك عند خروج النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) الى المباهله، فهى قضيه اخرى غير ما كان فى بيت ام سلمه

و فاطمه، و يويده ما ياتى فى روايه سعد بن ابى وقاص.

و ممن رواها من الصحابه جابر بن عبدالله الانصارى، ففى شواهد التنزيل باسناده عنه ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) دعا عليا و ابناه و فاطمه، فالبسهم من ثوبه ثم قال: اللهم هولاء اهلى.

و فيه ايضا باسناد آخر عنه قال: نزلت هذه الآيه على النبى (صلى الله عليه و آله) و ليس فى البيت الا فاطمه والحسن والحسين و على (عليهم السلام): «انما يريد الله...» فقال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم): اللهم هولاء اهلى.

و روى على بن محمد الخزار القمى، و هو من علماء الاماميه فى اوائل القرن الخامس فى كتابه كفايه الاثر

[ ص 66 من طبعته الحديده بقم وله طبعه قديمه مع كتاب الاربعين للمجلسى، و رواه فى البحار عنه باب نصوص الرسول (صلى الله عليه و آله) على الائمه الجزء 36.] باسناده عن جابر قال: كنت عند النبى (صلى الله عليه و آله) فى بيت ام سلمه فانزل الله هذه الآيه: «انما يريد الله...» فدعا بالحسن والحسين و فاطمه فاجلسهم بين يديه و دعا عليا فاجلسه خلف ظهره و قال: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. و قالت ام سلمه: وانا معهم يا رسول الله، قال: انت على خير، فقلت: يا رسول الله لقد اكرم الله هذه العتره الطاهره والذريه المباركه بذهاب الرجس عنهم، قال: لانهم عترتى من لحمى و دمى فاخى سيد الاوصياء، وابنى خير الاسباط، و ابنتى سيده النسوان و منا المهدى الخير.

و منهم: عمر بن ابى سلمه ابن ام سلمه، ففى جامع الترمذى

[ فى كتاب التفسير عند سوره الاحزاب، و كتاب المناقب باب مناقب اهل البيت (عليهم السلام).]

باسناده عنه قال: نزلت هذه الآيه على رسول الله (صلى الله عليه و آله): «انما يريد الله...» في بيت ام سلمه، فدعا (صلى الله عليه و آله) فاطمه و حسنا و حسينا، فجللهم بكساء و على خلف ظهره فجلله بكساء، ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قالت ام سلمه: وانا معهم يا رسول الله، قال: انت على مكانك وانت الى خير. و رواه في ذخائر العقبى عن الترمذى و في كفايه الطالب عن الطبرانى.

و رواه ايضا في تفسير الطبرى باسناده عن عمر بن ابى سلمه و لفظه: فدعا حسنا و حسينا و فاطمه فاجلسهم بين يديه و دعا عليا فاجلسه خلفه فتجلل هو و هم بالكساء، ثم قال: هولاء اهل بيتى... و نحوه في شواهد التنزيل باسناده عن عمر بن ابى سلمه بطريقين الا انه اورده في احاديث ام سلمه، و ذكر ان عمر قد رواه عنها، لكن الظاهر من متن الخبر في جميع ما ذكر انه قد رواه من نفسه، فيمكن انه كان في بيت امه و شهد القضيه.

و منهم: عبدالله بن جعفر بن ابى طالب (رضى الله عنه) كما في مستدرك الحاكم

[ ج 3 ص 148 باب مناقب اهل البيت (عليهم السلام) و قال: صحيح الاسناد.] باسناده عنه قال: لما نظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) الى الرحمه

[ يعنى الوحى و آيه الكتاب قال الله تعالى: «وانه لهدى و رحمه للمومنين.] هابطه قال: ادعوا لى ادعوا لى فقالت صفيه من يا رسول الله؟ قال: اهل بيتى عليا و فاطمه و الحسن والحسين، فجيى ء بهم فالقى عليهم كسائه، ثم رفع يديه ثم قال: اللهم هولاء آلى فصل على محمد وآل محمد، وانزل الله (عز و جل): «انما يريد الله...» الآيه.

و في تفسير الثعلبى و شواهد التنزيل باسنادهما عنه لما نظر رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الى الرحمه هابط من السماء قال: من يدعو؟

مرتين. قالت زينب: انا يا رسول الله، فقال ادعى لى عليا و فاطمه والحسن والحسين، قال ابن جعفر: فجعل حسنا عن يمينه و حسينا عن يساره و عليا و فاطمه و جاهه، ثم غشاهم كساءا خيبريا، ثم قال: اللهم لكل نبى اهل و هولاء اهلى، فانزل الله تعالى «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الآيه فقالت زينب: الا ادخل معكم؟ فقال (صلى الله عليه و آله و سلم): مكانك فانك الى خير انشاء الله.

اقول: زينب هذه اما بنت ام سلمه ان كانت القضيه في بيتها كما روى عنها في ذخائر العقبى

[ باب انهم (عليهم السلام) اهل البيت، رواه عن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده يعنى عبدالله بن عمرو بن العاص انه دخل على زينب بنت ابى سلمه، فحدثته ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان عند ام سلمه، فجعل حسنا من شق و حسينا من شق و فاطمه في حجره، فقال: رحمه الله و بركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد و انا و ام سلمه جالستان فبكت ام سلمه، فنظر اليها رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: ما يبكيك؟ فقالت: يا رسول الله خصصتهم و تركتنى و ابنتى فقال: انك وابنتك من اهل البيت.

و نحوه في مجمع الزوائد ج 9 ص 171.

و من الظاهر ان هذا الخبر ليس من حديث الكساء لعدم ذكر الكساء فيه و لا نزول آيه التطهير و لادخول على (عليه السلام) فيه، فقول النبى لام سلمه انك و ابنتك من اهل البيت يعنى من حيث دخولهما في قوله رحمه الله و بركاته عليكم اهل البيت، كما هو مقتضى المقام.] حديثا آخر يشبه حديث الكساء، او بنت رسول الله (صلى الله عليه و آله) او بنت جحش زوج النبى (صلى الله عليه و آله و سلم).

و منهم: عبدالله بن عباس، كما في مسند ابن حنبل

[ ج 1 ص 331 و في المستدرك ج 3 ص 133 و رواه في شواهد التنزيل عن ابن عباس مقتصرا على هذه الجمله، و ذكر فيه انه اختصره من كلام طويل قبله و بعده.] و مستدرك

الحاكم و غيرهما باسنادهم عنه في حديث طويل ذكر فيه عشر فضائل لعلى (عليه السلام)

[ في مستدرك الحاكم و تلخيص الذهبى: بضع عشر فضائل ليست لاحد غيره، و هذا صريح باختصاص هذه الفضائل به (عليه السلام).] فقال: واخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ثوبه، فوضعه على على و فاطمه و حسن و حسين فقال: «انما يريد الله...» الآيه.

وقد تقدم في اول الباب السابق خبر ان آخر ان عن ابن عباس في هذا المعنى، و ياتى ايضا خبر آخر عنه في مرور النبى (صلى الله عليه و آله) على بيتهم و قرائه الآيه عليهم.

و منهم: سعد بن ابى وقاص، فروى الشيخ الطوسى في اماليه ج 2 ص 212 باسناده عن ابن عباس قال: كنت عند معاويه وقد نزل بذى طوى، فجائه سعد بن ابى وقاص فسلم عليه، فقال معاويه: يا اهل الشام هذا سعد و هو صديق لعلى، فطاطا القوم رووسهم فسبوا عليا، فبكى سعد، فقال معاويه: ما الذى ابكاك؟ قال: ولم لاابكى لرجل من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه و آله) يسب عندك و لا استطيع ان اغير، وقد كان في على خصال لان تكون في واحده منهن احب الى من الدنيا و ما فيها، الى ان قال: والخامسه نزلت هذه الآيه: «انما يريد الله...» فدعا النبى (صلى الله عليه و آله) عليا و حسنا و حسينا و فاطمه. فقال: اللهم هولاء اهلى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و روى في خصائص الانسائى و شواهد التنزيل باسنادهما عن عامر بن سعد

[ هو ابن سعد بن ابى وقاص.] قال: مر معاويه بسعد فقال: ما يمنعك ان تسب ابا تراب، فقال: اما ماذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلا اسبه، لان

تكوين لى واحده منها احب الى من حمر النعم، الى ان قال: و لما نزلت هذه الايه: «انما يريد الله...» دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عليا و فاطمه و حسنا و حسينا و قال: هولاء اهلى.

و روى الحاكم في مستدركه ج 3 ص 108 و 147 والطبرى في جامعه عند آيه التطهير باسنادهما عن سعد انه نزل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) الوحى، فادخل عليا و فاطمه و ابنيها تحت ثوبه، ثم قال: رب هولاء اهلى و اهل بيتى.

و في شواهد التنزيل باسناده عنه انه قال لمعاويه بالمدينه: لقد شهدت من رسول الله (صلى الله عليه و آله) في على ثلاثا لان تكون لى واحده منها احب الى من حمر النعم، شهدته وقد اخذ يدى ابنيه الحسن والحسين و فاطمه وقد جار

[ اى تضرع، كما قال تعالى: «فاليه تجارون».] الى الله تعالى و هو يقول: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و هذا صريح في ان سعدا شهد ذلك بنفسه، و لعله كان عند خروج النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) للمباهله، لما مر آنفا في حديث عائشه.

هذا وقد تقدم في آيه المباهله عن صحيح مسلم و جامع الترمذى ان سعدا قال لمعاويه في سبب امتناعه عن سب اميرالمؤمنين (عليه السلام) انه لما نزل قوله تعالى «فقل تعالوا ندع ابنائنا و ابنائكم» الخ. دعا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا و فاطمه و حسنا و حسينا و قال: اللهم هولاء اهلى. و مقتضى الجمع بين ذلك و ما ذكر هنا انه قال له نزول كلتا الآيتين، و ان قول النبى (صلى الله عليه و آله) كان بعد كلتيهما، فاختصره الرواه فذكر بعضهم آيه التطهير و آخر آيه المباهله، واقتصر ثالث على ذكر نزول

الوحى، كما مر عن مستدرك الحاكم و جامع الطبرى. و يحتمل ان قضيه معاويه مع سعد كانت مرتين، فاكتفي سعد في كل مره بذكر احدى الآيتين، و على كل يدل ما تقدم منه في آيه المباهله على حصر اهله (صلى الله عليه و آله و سلم) بهولاء الاربعه، فيكون لا محاله تفسيرا لايه التطهير ايضا، و دليلا على اختصاصها بهم (عليهم السلام).

و منهم: ابوسعيد الخدرى (رضى الله عنه) ففى شواهد التنزيل باسانيد عن عطيه العوفي عنه في قول الله (عز و جل): «انما يريد الله...» الآيه قال: جمع رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) عليا و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم ادار عليهم الكساء، فقال: هولاء اهل بيتى اللهم اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و نحوه في تاريخ بغداد

[ ج 10 ص 278 باسناده عنه عن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم).]

و في الدر المنثور للسيوطى قال: اخرج ابن مردويه والخطيب عن ابى سعيد قال: كان يوم ام سلمه فنزول جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) بهذه الآيه «انما يريد الله...» فدعا بحسن و حسين و فاطمه و على، فضمهم اليه و نشر عليهم الثوب والحجاب على ام سلمه مضروب، ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى، اللهم اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قالت ام سلمه: و انا معهم يا نبى الله، قال: انت على مكانك و انك على خير. و ياتى عن ابى سعيد خبران آخران في اختصاص الآيه بهم عند ذكر تمام النصوص.

و ممن روى من الصحابه قضيه حديث الكساء اصحابه الذين نزلت فيهم الآيه المباركه، فقد روى بصوره مفصله مبسوطه عن فاطمه الزهراء (سلام الله عليها) و هو بتلك الصوره معروف عند الشيعه الاماميه، يتبركون بذكره في محافلهم و يتوسلون به الى الله تعالى في حوائجهم و شدائدهم،

و نظمه جمع من الشعراء بالعربيه والفارسيه

[ اورد السيد العالم محيى الدين الغريفي في رساله آيه التطهير عده منظوماته العربيه و ممن نظمه بالفارسيه الشاعر المخلص المعروف بوفائى كما في ديوانه اوله:

حديثى است از حضرت فاطمه- كه بى واهمه گويش با همه]

و قد رواه الشيخ الجليل المتتبع فخر الدين الطريحى صاحب مجمع البحرين في كتابه المنتخب مرسلا، و اورده الفقيه البارع السيد شهاب الدين النجفي المرعشى نزيل مدينه قم (تغمده الله برضوانه) في آخر تعاليقه على الجزء الثانى من احقاق الحق مسندا الى جابر بن عبدالله الانصارى عن الزهراء (سلام الله عليها) وقد نقل ذلك عن كتاب عوالم العلوم

[ للشيخ المتبحر عبدالله بن نور الدين البحرانى تلميذ المجلسى و معينه في تاليف بحار الانوار، و كتابه العوالم كبير جدا على غرار البحار، و لم يطبع منه قبل ذلك الا مقتل الحسين (عليه السلام) و اجزائه المخطوطه نادره الوجود، و ذكر الشيخ البافقى في رسالته المذكوره ان سبعين جزءا منها موجوده في بلده يزد بمكتبه ميرزا سليمان، و ان هذا الحديث مذكور في جزئه الحادى عشر في احوال سيده النساء (سلام الله عليها) وقد وقف اخيرا بعض الافاضل بمدينه قم على بعض نسخ الكتاب، فطبع عده اجزائه مع التحقيق بصوره حسنه منها الجزء الحادى عشر، و ليس فيه هذا الحديث، ثم وقف على نسخه اخرى من هذا الجزء و فيه الحديث مسندا بهامشها، فطبعه ثانيا و طبع فيه بالاوفست عين الصفحه التى فيها الحديث ايضا، فجزاه الله تعالى عن اهل بيت نبيه خيرا حيث اشاد مدرسه باسم الامام المهدى لتحقيق و جمع آثارهم (عليهم السلام).] بواسطه العالمين الجليلين الشيخ محمد تقى البافقى اليزدى، والشيخ محمد الصدوقى اليزدى

[ هذا الشيخ الجليل كان في السابق مقيما في بلده قم و مدرسا بها، و قرات عنده اللمعه والقوانين، ثم انتقل الى بلده يزد علما بها و من المجاهدين، واخيرا كان امام الجمعه الى ان اغتيل في اليوم العاشر من شهر رمضان سنه الف و اثنتين واربعمائه بعد صلاه في سبيل الاسلام في اعوام الثوره الاسلاميه الايرانيه بقياده الامام الخمينى (رحمه الله تعالى).] (رحمهما الله تعالى)

في رسالتهما اليه، ولكنه ذكر في رساله الصدوقى ان الحديث و اسناده مكتوب في هامش الكتاب.

اقول: و لما كانت العظمه والاهتمام لاصل القضيه، و هو نزول آيه التطهير للخمسه المذكورين (عليهم السلام) وقد بان ذلك جليا بالصحاح الصريحه والنصوص المستفيضه من طريق العتره الطاهره و غيرهم بحيث لامجال فيه لارتياب احد غير مكابر، اجملنا عن نقل السند المشار اليه لهذا الخبر والبحث حوله لثبوت مهمته بدون ذلك و سائر ما تضمنه تلك الصوره من الفضائل العظيمه لهولاء الخمسه عند الله تعالى و بركات ذكر حديثهم هذا في مجالس شيعتهم قد ثبت ايضا في سائر الاخبار الوارده عنهم (عليهم السلام) وقد مر بعضها في الباب الثانى من هذه الرساله، كما ان اشتهار متنه في كتب الادعيه والزيارات و غيرها من المولفات

[ الف الفاضل المحترم السيد حسين الكرمانى (حفظه الله) رساله مفصله في حديث الكساء سماها مجمع الانوار، و اورد في اولها متنه العربى بالسند المذكور، ثم شرحه بالفارسيه بما ينبغى من التحقيق و ساعده التوفيق.] اغنانا عن نقله بطوله في هذا المختصر.

و ورد عن الامام اميرالمؤمنين (عليه السلام) ايضا روايه اصل الحديث و احتجاجه به على الصحابه في شتى مواقف، فلم ينكر عليه احد منهم، فتاره احتج به في سائر خصائصه و فضائله على ابى بكر لافضليته و اولويته منه بالخلافه، كما رواه شيخنا الصدوق (عليه الرحمه) في كتابه الخصال

[ في ابواب الاربعين باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) و نحوه في احتجاج الطبرسى مرسلا، و اورده عنهما في البحار في المجلد الثامن من طبعته القديمه باب احتجاجه (عليه السلام) على ابى بكر في امر البيعه.] فقال له: انشدك بالله الى و لاهلى و ولدى آيه التطهير من

الرجس ام لك و لاهل بيتك قال ابوبكر بل لك و لاهل بيتك، قال (عليه السلام): فانشدك بالله انا صاحب دعوه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و اهلى وولدى يوم الكساء اللهم هولاء اهلى اليك لا الى النار ام انت، قال: بل انت واهلك و ولدك.

واخرى احتج به على ابى بكر ايضا بمحضر المهاجرين والانصار في امر فدك، حيث انتزعها ابوبكر من يد الصديقه (سلام الله عليها) و لم يقبل منها دعواها النحله فقال له اميرالمؤمنين (عليه السلام) في جمله كلامه اخبرنى عن قول الله (عز و جل) «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الخ فيمن نزلت فينا ام في غيرنا، قال: بل فيكم، فقال (عليه السلام): فلو ان شاهدين شهدا على فاطمه بفاحشه ما كنت صانعا، قال: اقيم عليها الحد كما اقيم على سائر المسلمين، قال (عليه السلام): كنت اذا عندالله من الكافرين لانك رددت شهاده الله لها بالطهاره و قبلت شهاده الناس عليها كما رددت حكم الله و رسوله ان جعل لها فدكا و قبضته الخ

[ رواه الشيخ الجليل على بن ابراهيم القمى (رحمه الله) في تفسيره عند قوله تعالى في سوره الروم «وآت ذا القربى حقه» باسناده الصحيح عن الصادق (عليه السلام) في كلام حكاه عن على (عليه السلام) في امر فدك، و نحوه في احتجاج الطبرسى و كتاب العلل للشيخ الصدوق، و رواه في البحار عن هذه المصادر في المجلد المذكور باب نزول الآيات في فدك.]

و ثالثه يوم الشورى على اصحابها لاحقيته منهم بالبيعه، فقد روى الصدوق (رحمه الله) في خصاله

[ في ابواب الاربعين و ما فوقه.] باسناده عن عامر بن واثله، قال: كنت في البيت يوم الشورى، فسمعت عليا (عليه السلام) و هو يقول فذكر دعوى الاحقيقه والاولويه بامر الخلافه بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) والاحتجاج عليهم بكثير من خصائصه المعلومه، من جملتها انه

قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد انزل الله فيه آيه التطهير: «انما يريد الله ليذهب» الخ. فاخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) كساءا خيبريا فضمنى فيه و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم قال: يا رب هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، قالوا: اللهم لا.

و روى الحافظ الحنفي ابو المويد الخوارزمى في مناقبه في الفصل التاسع عشر منه باسناد آخر عن ابى الطفيل عامر بن واثله، قال: كنت مع على (عليه السلام) في البيت

[ يعنى على باب البيت، كما رواه الخوارزمى بعد ذلك. و في الامالى بعد حديث ابى ذر روى عن ابى الطفيل قال: فلما اجتمعوا اجلسونى على الباب ارد عنهم الناس، وقد ورد ان عمر بن الخطاب امرهم ان يدخلوا بيتا و يغلقوا عليهم بابه، و لايدخل عليهم احد الا ابنه عبدالله حتى تتم بيعتهم.] يوم الشورى و سمعته يقول لهم: لاحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم و لاعجيمكم تغيير ذلك، الى ان قال: فانشدكم بالله هل فيكم احد انزل الله فيه آيه التطهير، حيث قال: «انما يريد الله» الخ. غيرى قالوا: اللهم لا.

و روى شيخنا الطوسى (رحمه الله) في اماليه ج 2 ص 159 طبعه النف حديث المناشده في ذاك اليوم طويلا بالاسناد يرفعه الى ابى ذر (رضى الله عنه) فمما ذكر فيه انه قال (عليه السلام): فهل فيكم احد انزل الله فيه آيه التطهير حيث يقول الله تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الخ. غيرى و زوجتى وابنى قالوا: لا، ثم قال (عليه السلام) بعد عده اخرى من فضائله: فهل فيكم احد طرح عليه رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ثوبه وانا تحت الثوب و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) و قال: اللهم انا واهل بيتى اليك لا الى النار غيرى، قالوا: لا. و نحوه في احتجاج الطبرسى عن الامام الباقر (عليه السلام) الا ان لفظه في

الجمله الاولى قال: نشدتكم بالله هل فيكم احد اذهب الله عنه الرجس و طهره تطهيرا غيرى؟ قالوا: لا.

واعلم ان اصل حديث المناشده من الامام (عليه السلام) في ذاك اليوم و احتجاجه لحقه ببعض فضائله الموجبه لاختصاصه بالخلافه عن غيره من اهم الاثار و اثبتها في واقعه الشورى.

وقد رواه من غير المذكورين ابو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) و ابو الاسود الدولى، كما في امالى الطوسى

[ رواه بالاسناد عنهما بعد حديث ابى ذر و ابى الطفيل.] (رحمه الله) وقد حكى فيه عن ابى الاسود انه قال: كنت على باب البيت الذى فيه جماعه الشورى انا و نفر معى حاجتهم ان يسمعوا الحوار الذى يجرى بين الجماعه. و ذكر ابن ابى الحديد في شرح قوله (عليه السلام) في الخطبه 72 من النهج «لقد علمتم انى احق بها من غيرى» ان منا شدته لهم بخصائصه التى بان بها منهم و من غيرهم في الجمله مستفيضه في الروايات، ولكن اختلف النقل في تعديدها قله و كثره وزياده و نقيصه، فراجع المصادر المذكوره او البحار باب الشورى من المجلد المتقدم ذكره آنفا في التعليقه.

و من المعلوم ان هذا الاختلاف اما لاختلاف الحاضرين في مقدار ما حفظوه، او اختلاف الرواه عنهم في ضبطها او نقلها، و لذا اختلفت الروايات في مقدار ما نقل عن ابى الطفيل، و على كل فما ورد في لسان الميزان لابن حجر في ترجمه الحارث بن محمد ج 2 ص 156 من انكار اصل حديث المناشده في ذاك اليوم ناش من قله المراجعه والتتبع في الحديث، او حسن الظن الشديد باسلافهم، اعاذنا الله تعالى من العصبيه.

و من المواقف التى احتج فيه اميرالمؤمنين (عليه السلام) بآيه التطهير ايام خلافه عثمان، وقد اجتمع كثير من المهاجرين والانصار في المسجد فتذاكروا فضلهم، فقال (عليه السلام) في جمله من فضائله: ايها الناس

اتعلمون ان الله (عز و جل) انزل في كتابه «انما يريد الله» الايه. فجمعنى و فاطمه و ابنى حسنا و حسينا، ثم القى علينا كساءا فدكيا

[ في اكثر الاخبار وصف الكساء بالخيبرى، وقد ذكرنا في اخبار ام سلمه انه يمكن كون الاختلاف لتعدد القضيه، و هذه الكلمه غير مذكوره في كمال الدين و لا في البحار عن كتاب الاحتجاج.] و قال: اللهم هولاء اهل بيتى و لحمتى يولمنى ما يولمهم و يجرحنى ما يجرحهم فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فقالت ام سلمه: و انا يا رسول الله، فقالت: انت الى خير انما انزلت في وفي اخى و ابنتى فاطمه و ابنى و تسعه من ولد الحسين خاصه وليس معنا احد غيرنا. رواه الطبرسى (رحمه الله) في الحتجاجه مرسلا عن سليم بن قيس الهلالى، والصدوق في كمال الدين بالاسناد عنه، و اورده في البحار باب احتجاجه (عليه السلام) على المهاجرين والانصار من المجلد المذكور.

و من تلك المواقف ايام صفين، وقد ارسل معاويه بن ابى سفيان ابا هريره و ابا الدرداء بكتاب الى الامام (عليه السلام) فقال لهما كلاما طويلا ليبلغاه معاويه، و كان عنده جمع من اصحابه، فمما قال (عليه السلام): ايها الناس اتعلمون ان الله انزل في كتابه، الى آخر ما في الخبر المتقدم باختلاف يسير في بعض الفاظه

[ رواه الشيخ الجليل النعمانى في كتاب الغيبه في الباب الرابع باسناده عن كتاب سليم بن قيس، و عن عمر بن ابى سلمه، و رواه في البحار في المجلد المذكور باب كتبه (عليه السلام) الى معاويه عن كتاب سليم و غيبه النعمانى.] ، وقد ورد في كليهما بعد ذلك ان الجماعه الحاضرين قالوا كلهم: تشهد ان ام سلمه حدثتنا بذلك، فسالنا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فحدثنا به كما حدثتنا به ام سلمه.

و روى الثقفي في كتاب الغارات

[ ج 1 ص 195 و رواه عنه في البحار في الباب المذكور آنفا.] ان عليا (عليه السلام) كتب الى

معاويه و نقل الكتاب بطوله وقد ذكر فيه: و نحن اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

و روى السيد ابن طاووس (رحمه الله تعالى) في كتاب اليقين الباب الثانى والعشرين بعد الماه بالاسناد انه قال ابن عباس: كتب الى اميرالمؤمنين (عليه السلام) بعض شيعته من الشام ان معاويه و عمرو بن العاص و اضرابهما اجتمعوا فذكروه و عابوه، قال: فدخلت عليه بالكوفه ليلا فقال (عليه السلام) كلاما من جملته: والذى فلق الحبه و برا النسمه لقد قرنت برسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) حيث يقول (عز و جل): «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت».

و روى الصدوق (رحمه الله) في الخصال ابواب السبعين بالاسناد عن مكحول انه قال اميرالمؤمنين (عليه السلام): لقد علم المستحفظون من اصحاب النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) انه ليس فيهم رجل له منقبه الا وقد شركته فيها و فضلته، ولى سبعون منقبه لم يشركنى فيها احد منهم، الى ان قال: واما السبعون فان رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) نام و نومنى و زوجتى فاطمه و ابنى الحسن والحسين والقى علينا عبائه قطوانيه، فانزل الله تبارك و تعالى فينا «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الآيه، و قال جبرئيل (عليه السلام): انا منكم يا محمد فكان سادسنا جبرئيل، هذا ما عثرنا عليه من كلام على (عليه السلام) في تاويل آيه التطهير.

و اما الامام الحسن (عليه السلام) فقد خطب خطبه طويله جليله يوم اجتمع بمعاويه للاصطلاح و كان يوما مشهودا عظيما بكثره الناس و الموقعيه الساسيه، فقال بعد الحمد والشهاده: انا اهل بيت اكرمنا الله بالاسلام واخترانا و اصطفانا و اجتبانا فاذهب عنا الرجس و طهرنا تطهيرا، والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق و دينه ابدا، و طهرنا من كل افن وعيبه

مخلصين الى آدم نعمه منه، ثم قال بعد عده كلمات في تفضيل اميرالمؤمنين و اهل البيت (عليهم السلام): وقد قال الله تعالى «انما يريد الله» الخ. فلما نزلت آيه التطهير جمعنا رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) انا واخى وامى وابى، فجللنا و نفسه في كساء لام سلمه خيبرى، و ذلك في حجرتها و يومها، فقال: اللهم هولاء اهل بيتى و هولاء اهلى و عترتى، فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فقالت ام سلمه (رضى الله عنها): ادخل معهم يا رسول الله، فقال (صلى الله عليه و آله و سلم) لها: يرحمك الله انت على خير و الى خير و ما ارضانى عنك، ولكنها خاصه لى و لهم، ثم مكث رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) بعد ذلك بقيه عمره حتى قبضه الله تعالى اليه، ياتينا كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاه يرحمكم الله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا، رواه شيخنا الطوسى (رحمه الله) في اماليه ج 2 ص 177 طبعه النجف باسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) و نحوه في شواهد التنزيل بدون ذكر الخطبه.

و خطب (عليه السلام) بالكوفه بعد شهاده ابيه، و هى ايضا خطبه مهمه في موقع عظيم، فقال بعد الحمد والثناء على الله تعالى و ذكر اميرالمؤمنين (عليه السلام) و مدحه بما كان له من العظمه، ايها الناس من عرفنى فقد عرفنى و من لم يعرفنى فانا الحسن، الى ان قال: انا ابن البشير، انا ابن النذير، وانا ابن الداعى الى الله، وانا من اهل البيت الذى اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

رواه الشيخ الطوسى في الامالى ج 1 ص 276 بالاسناد عن ابى

الطفيل والحاكم النيشابورى في مستدركه باسناده عن الامام السجاد (عليه السلام)

[ و رواه بهذا الاسناد في البحار ج 25 باب معنى آل محمد (عليهم السلام) عن كنز الفوائد للكراجكى باختصار في بعض رجاله و لفظ الحديث في هذه الخطبه «انا من اهل البيت» والظاهر انه بصيغه المتكلم وحده.] و رواه شيخنا المفيد (رحمه الله) في ارشاده عن ابى مخنف باسناده عن ابى اسحاق السبيعى و غيره، و رواه في البحار باب خطب الامام الحسن (عليه السلام) من الجزء 43 عن ابى الفرج الاصفهانى في مقاتل الطالبين.

و خطب ايضا لاهل الكوفه كما في شواهد التنزيل عند آيه التطهير باسناده عن ابى جميله، قال: خرج الحسن (عليه السلام) يصلى بالناس و هو بالكوفه

[ قضيه الطعن في فخذه (عليه السلام) كانت بساباط مدائن و هى معروفه، فالمراد بالكوفه هنا كورتها المسماه بالعراق.] فطعن في فخذه بخنجر فمرض شهرين، ثم خرج فحمد الله، ثم قال: يا اهل العراق اتقوا الله فينا فانا امرائكم و ضيفانكم و اهل البيت الذين سمى الله في كتابه «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس» الخ. و رواه ايضا باسناده عن هلال بن يساف قال: سمعت الحسن بن على (عليهماالسلام) و هو يخطب و يقول: يا اهل الكوفه اتقوا الله فينا فاذا امرائكم و انا ضيفانكم و نحن اهل البيت الذين قال الله تعالى «انما يريد الله» الخ. قال يعنى هلال: فما رايت يوما قط اكثر باكيا من يومئذ، وليس في هذا ذكر للطعن بالخنجر.

و حكى ابن ابى الحديد في شرح النهج ج 4 ص 10 طبعه مصر عن المدائنى ان عمرو بن العاص لقى الامام الحسن (عليه السلام) في الطواف فقال له: يا حسن زعمت ان الدين لا يقوم الا بك و بابيك، فقد رايت الله

اقامه بمعاويه، فجعله راسيا بعد ميله الى آخر هذيانه، فاجابه الامام (عليه السلام) بما هو اهله، و ذكر في آخر كلامه: اياك عنى فانك رجس و نحن اهل بيت الطهاره اذهب الله عنا الرجس و طهرنا تطهيرا، فافحم عمرو وانصرف كئيبا.

وقد ورد نحو هذا الكلام عن الامام الحسين (عليه السلام) لمروان بن الحكم في المدينه بعد موت معاويه، فروى الخوارزمى في مقتله في فصله التاسع انه اشار مروان للامام ان يبايع يزيد بن معاويه فاسترجع (عليه السلام) و قال: على الاسلام السلام اذا بليت الامه براع مثل يزيد، ثم جرى بينهما الكلام الى ان غضب مروان و قال: لا تفارقنى حتى تبايع صاغرا فانكم آل ابى تراب قد ملئتم شحناء و اشربتم بغض آل ابى سفيان، و حقيق عليهم ان يبغضوكم، فقال الحسين (عليه السلام): اليك عنى فانك رجس وانى من اهل بيت الطهاره قد انزل الله تعالى فينا «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» فنكس مروان راسه و لم ينطق.

اقول: ثم احتذت حذوه واقتفت اثره واتمت حجته شقيقته الكبرى و شريكته في المصائب العظمى اخته المكرمه، و ذلك بعد شهادته حينما ادخلها الطغاه من الاعداء مع اهلها من الصبيان والنساء على اللعين عبيدالله بن زياد في قصر الاماره بالكوفه، والقصر غاص باهله من اعيان العرب، فدخلت (سلام الله عليها) متنكره في ارذل الثياب لئلا تعرف، لكن جلال النبوه و بهاء الامامه و مهابه العظمه والعفاف قد غضيها بحيث امتازت عمن حولها من مجللات النساء في كيفيه الورود والانحياز الى مكانها حتى استلفت نظره ابن زياد في سلطانه الغاشم و فتحه الغرور، فسال عنها فلم يحبه احد، فاعاد السوال ثانيه بل و ثالثه، كما في عده مصادر الحديث،

فقالت حينذاك بعض امائها و نقل قولها بعض الحاضرين من الرحال: انها زينب بنت اميرالمؤمنين (عليه السلام) فاراد اللعين ان يشمت بها بكلام يرضاه الناس لتبرير شناعته، فقال: الحمدلله الذى فضحكم و قتلكم واكذب احدوثتكم، فاجابتها سليله النبوه بحجه بالغه و كلام حق الهى في رحابه الصدر و اطمينان القلب مع ما كان فيه من الاشجان المحرقه، فقالت: الحمدلله الذى اكرمنا بنبيه محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) و طهرنا من الرجس تطهيرا، انما يفتضح الفاسق و يكذب الفاجر و هو غيرنا، فعرضت بهذا الكلام الى فضيحه ابن زياد و فسقه و كذبه و فجوره، فلما ان راى اللعين ان تدليسه لم يفده و لم يوثر شيئا بل انقلب عليه اعاد الحوار بصوره احرى، و قال: كيف رايت صنع الله باخيك و اهل بيتك، فافحمته عقيله بنى هاشم يحجه اخرى ابلغ من الاول و قالت: ما رايت الا جميلا، هولاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم الى آخر القضيه، و هى معروفه في كتب المقتل والتاريخ كارشاد المفيد و تاريخ الطبرى و مقتل الخوارزمى، و في لفظ الاخير طهرنا بكتابه تطهيرا، و لله در العلامه المجيد السيد محمد جمال الدين الهاشمى (تغمده الله تعالى برضوانه) في قصيده عاليه كما في الجزء الاول من ديوانه المطبوع جديدا:

·                                 فتسائل ابن زياد عنها شامتا و رمى لزينب نظره امويه متسائلا عنها و رب مسائل و مضى يخاطبها و يشمت و هى في و هناك ادت للجهاد رساله فضحت اميه و هى في جبروتها و اذا يزيد و حمه و جيوشه اضحوكه منها العقيده تسخر

·                                 بكرائم فيها الكرامه تفخر كانت عن الحقد الدفين تعبر هو بالجواب من المعرف اخبر حال لها حتى العدى تتاثر علويه فيها الحقائق تظهر فاذا بها من كل خزى اقذر اضحوكه منها العقيده تسخر اضحوكه منها العقيده تسخر

هذا ما تيسر لى استقصاوه من روايه الصحابه لحديث الكساء و نزول آيه التطهير في هولاء الخمسه، وقد كان البناء في نقل الاخبار على الاختصار دون الاطاله والاكثار، و لذا اقتصرت في كثير منها سيما في اخبار ام سلمه على مجرد الاشاره، فعلى مريد التفصيل و مزيد التحقيق مراجعه المطولات

[ الف صديقنا الفاضل المحترم السيد على الابطحى الاصفهانى (سلمه الله) كتابا كبيرا في آيه التطهير جمع فيه جمله ضافيه من احاديث الفريقين الوارده في شانها، وقد طبع منه جزان ضخمان، و ننتظر جزوه الثالث. او المصادر المذكوره في الاثناء.

وقد وضح مما اوردناه ان النصوص الوارده في ذلك لكثرتها و استفاضه طرقها في كل طبقه تكون من المتواترات المعنويه المفيده للقطع واليقين بها، وان مفادها تخصيص الايه بهولاء المعصومين و تفضيلهم بها على جميع المسلمين لما صرح بذلك في بعضها، و لوضوح ان الحكمه في حصر النبى (صلى الله عليه و آله) اياهم مع نفسه الشريفه في كسائه و لفه عليهم و قرائه الايه عليهم و دعائه لهم بقوله: اللهم هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و منع زوجته ام سلمه (رضى الله عنها) على جلالتها و كرامتها عنده عن الدخول معهم بل ردها عن كونها منهم بعد التماسها ليست الا ذلك.

مضافا الى ما رواه الطبرى في تفسيره والسيوطى في الدر المنثور عن ابى سعيد الخدرى عن النبى (صلى الله عليه و آله) قال: نزلت هذه الايه في خمسه في وفي على و فاطمه والحسن والحسين. و رواه ابن حجر في الصواعق عن احمد بن حنبل عن ابى سعيد موقوفا، و عن الطبرانى عنه مرفوعا كما روى عنه بالوجهين في غيرهما من المصادر.

و يويد ذلك ما ورد ان النبى (صلى الله عليه و آله) كان بعد نزول الآيه

ياتيهم في اوقات الصلاه و يقوله لهم: الصلاه رحمكم الله «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس...» الى ان قبضه الله تعالى، كما تقدم في حديث الامام الحسن (عليه السلام) و نحوه في امالى الطوسى ج 1 ص 88 عن على (عليه السلام) حيث قال كان ياتينا كل غداه فيقول الصلواه الخ.

و عن انس بن مالك

[ كما في تفسير الطبرى عند الآيه و مسند ابن حنبل ج 3 ص 259 و مستدرك الحاكم ج 3 ص 158 و جامع الترمذى باب تفسير سوره الاحزاب و شواهد التنزيل و غيرها.] ] انه (صلى الله عليه و آله) كان يمر ببيت فاطمه سته اشهر اذا خرج الى صلوه الفجر فيقول: الصلاه يا اهل البيت: «انما يريد الله...». و في تفسير الطبرى: سته اشهر كلما خرج الى الصلوه.

و عن ابى الحمراء

[ اسمه هلال بن الحارث او ابن ظفر معدود في الصحابه من موالى النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) ذكره في الاستيعاب والاصابه في باب الكنى و في اسد الغابه في باب الاسماء، و قال: انه خادم النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و حديثه المذكور مروى عنه باسانيد في تفسير الطبرى و شواهد التنزيل والاصابه والاستيعاب، لكن ورد في بعضها سته اشهر و في آخر مثل ذلك.] الصحابى قال: خدمت النبى (صلى الله عليه و آله) نحوا من تسعه اشهر، فما مر يوم يخرج الى الصلاه الا جاء الى باب على و فاطمه، فاخذ بعضادتى الباب ثم يقول: السلام عليكم و رحمه الله و بركاته، الصلاه رحمكم الله «انما يريد الله...».

و نحوه عن ابن عباس فيما رواه السيوطى في الدر المنثور عنه، و فيه التصريح بانا شهدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) تسعه اشهر يفعل ذلك كل يوم خمس مرات عند وقت كل صلاه.

و في الدر المنثور ايضا عن ابى سعيد الخدرى (رضى الله عنه) قال: لما دخل على (عليه السلام) بفاطمه جاء النبى (صلى الله عليه و آله) اربعين

صباحا الى بابها يقول: السلام عليكم اهل البيت و رحمه الله و بركاته. الصلوه رحمكم الله انما يريد الله الايه و نحوه في مناقب الخوارزمى و شواهد التنزيل و فيهما ايضا عن ابى سعيد لما نزل قوله تعالى و امر اهلك بالصلوه كان (صلى الله عليه و آله و سلم) ياتى باب فاطمه و على تسعه اشهر فيقول الصلوه يرحمكم الله انما يريد الله الايه و رواه الحافظ الگنجى في كفايه الطالب الباب الماه و فيه ثمانيه اشهر و قال رواه محدث الشام في مناقب على (عليه السلام) بطرق شتى.

قلت لعل الاختلاف بين هذه الاخبار في مده مروره (صلى الله عليه و آله) لاجل اختلافهم فيما شهدوه، والمستفاد مما تقدم عن اميرالمؤمنين والامام الحسن (عليهماالسلام) انه كان من يوم نزول الايه الى ان قبضه الله تعالى، فلعله كان ذلك نحو تسعه اشهر، كما في اخبار ابن عباس و ابى الحمراء و ابى سعيد الخدرى.

و على كل حال يدل ذلك على اهتمام النبى (صلى الله عليه و آله) ببلاغه المبين في تخصيص الايه يعترته المذكورين حتى لايطمع احد من ازواجه و اقربائه في المشاركه لهم في فضلها، كما ان تكريره لقضيه الكساء حيث كانت مره في بيت فاطمه، واخرى في بيت ام سلمه، و ثالثه في غيرهما كما تقدم، كان ايضا لهذه المهمه و لذا لم تدع احد من ازواجه دخولها في هذه الايه مع كونها في سياق الايات الوارده في شوونهن، فلو لم يكن اختصاصها باولئك الخمسه معلوما مسلما لكن لام المومنين عائشه حيث ادعت لنفسها فضائل عظيمه مثل ان الوحى ينزل على النبى (صلى الله عليه و آله) في لحافها دون سائر ازواجه، و انها كانت تسابق النبى (صلى الله عليه و آله) فتسبقه و نحو ذلك ايضا من فضائلها هذه الايه

لكنها ذكرتها في فضائل هولاء الخمسه مع ما كان في نفسها منهم من الهنات والهفوات وقد تقدم حديثها في ذلك في محله.

الا انه قد ابتدع بعض التابعين من المنحرفين عن اهل البيت (عليهم السلام) فخصوا الايه بنساء النبى (صلى الله عليه و آله) منهم عكرمه مولى ابن عباس، كما في الطبرى والدر المنثور و غيرهما، و حكى عنه انه كان ينادى بذلك في الاسواق، و مقاتل بن سليمان كما في تفسيرى الثعلبى والخازن، و عروه بن الزبير كما في الدر المنثور، بل حكى عنه ان الآيه نزلت في بيت خالته عائشه على خلاف جميع النصوص المتقدمه، وقد كان هذا الرجل من المنحرفين عن اميرالمؤمنين (عليه السلام) كما في شرح ابن ابى الحديد عند قوله (عليه السلام) سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم، و كان عكرمه من الخوارج.

وقد اورد المحقق المتتبع شرف الدين (قدس سره) في رسالته الكلمه الغراء في شانه و شان مقاتل كلمات عن اهل التراحم داله على خبثهما و معاداتهما لاهل البيت (عليهم السلام) و حكى في الدر المنثور انه حكى عكرمه هذا الراى عن ابن عباس ايضا، و هذه نسبه باطله لما تقدم عن ابن عباس في عده اخبار من التصريح بخلاف ذلك، وقد ورد عن غير واحد منهم على بن عبدالله بن عباس ان عكرمه كان يكذب على ابن عباس. و على كل حال فهذا الراى فاسد جدا، لمنافاته للنصوص الصحيحه الكثيره، و عدم اختصاص لفظه «اهل البيت» في اللغه بالنساء و عدم نص خارجى آخر يدل على هذا الاختصاص و منافاته لضمير المذكر في عنكم و يطهركم.

نعم هنا راى آخر ذكره بعض مفسرى العامه كالزمخشرى والرازى، حيث اعرضوا عن مفاد النصوص المتقدمه و نظروا الى نفس الآيه من جهه

السياق واللغه، فذكروا انها عامه لنسائه و سائر اقربائه الاقربين.

و تفصيل ذلك و توضيحه: ان نظم الايات يقتضى ارتباط هذه الجمله بما قبلها و بعدها من قوله تعالى: «و قرن في بيوتكن و قوله تعالى: «و اذكرن ما يتلى في بيوتكن» كما في سائر الايات التى تكون من هذا القبيل مما ورد في القصص او الاحكام، مضافا الى ظهور لفظه «انما» في التعليل لما قبلها، واهل البيت في اللغه و عرف العرب شامل المزوجه، كما قال الله تعالى في خطاب الملائكه لزوجه ابراهيم الخليل (عليه السلام): «قالوا اتعجمين من امر الله رحمه الله و بركاته عليكم اهل البيت».

و تذكير ضمير الجمع في عنكم و يطهركم للتغليب اما باعتبار دخول النبى (صلى الله عليه و آله) كما في آيه ابراهيم، او لكون المراد باهل البيت جميع اقربائه من اولاده كالحسن والحسين (عليهماالسلام) و اعمامه و بنى اعمامه، كما ورد انه لما استشهد ابن عمه عبيده بن الحارث يوم بدر قال له: انت اول شهيد من اهل بيتى. و هذا الاحتمال اولى وارجح فالايه ظاهره الشمول لازواجه واقربائه الاقربين، لكن لاتدل على تفضيل مطلق لهم زائدا على ما في غيرها من الآيات الوارده في شان نسائه، وانما تدل على فضيله تعليقيه، كقوله تعالى في آيه التيمم: «ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم» حيث ان معناه ان ايجاب الوضوء عليكم للصلاه عند وجدان الماء و تيمم الصعيد عند فقده ليس لمحض ان يكلفكم بما يشق عليكم بل لمصلحه ان يطهركم بالماء والصعيد المدخل في الصلاه التى هى اعظم القربات لله تعالى، فالمراد انكم ان تحملتم ذلك و تكلفتم له جعل الله لكم الطهاره بهما واتم عليكم نعمته للقرب بالعباده.

فمعنى هذه الآيه ايضا ان تكليف نساء النبى (صلى الله عليه و آله) بامور زائده عن تكليف سائر النساء من الاعراض عن زينه الدنيا والقرار في

بيوتهن و ان يذكرن ما يتلى فيها من آيات الله والحكمه و غير ذلك مما ذكره الله في هذه الآيات و غيرها، كتحريم التزوج عليهن بعد الرسول (صلى الله عليه و آله) ليس تكليفا مجردا لمحض انهن صرن ازواج النبى واردن الله و رسوله، بل لاجل ان ما نهين عنه رجس لهن، او انه يمكن ان يستتبع ارجاسا في حقهن، فاراد الله بذلك و بامرهن بكثره التقوى والاحسان و اقامه الصلاه وايتاء الزكاه و تلاوه الآيات ان يذهب عنهن تلك الارجاس و يطهرهن منها.

ولما كانت التكاليف العامه كلها من النهى عن المحرمات والامر بالعبادات في سائر الناس ايضا كذلك، اذ جميع المحرمات من الفواحش والمنكرات ارجاس والعبادات كلها تطهر من الشرك والوساوس، كما قال الله تعالى: «ان الصلاه تنهى عن الفحشاء والمنكر» و قال في اليهود او المنافقين: «اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم» يعنى ان المومنين قد اراد الله تطهير قلوبهم بايمانهم، فلا محاله كان المراد بهذه الايه تطهير نساء النبى (صلى الله عليه و آله) اكثر من سائر النساء لاجل احترامه (صلى الله عليه و آله) كما يدل على ذلك قول «تطهيرا» فانه مفعول مطلق جى ء به للمبالغه، و ظاهره و ان كان مفعولا ليطهركم، لكن لما كان التطهير عباره عن اذهاب الرجس او اعم منه كان في المعنى مفعولا لكليهما.

و بالجمله فالمراد بالآيه ان من تكلف منهن و اتت بما كلفها الله تعالى في هذه الآيات، فلا محاله تحصل لها الطهاره الكامله التى وعدها الله زائدا على تطهير سائر النساء، فهذه الايه مثل قوله تعالى: «يا نساء النبى لستن كاحد من النساء ان اتقيتن» و قوله تعالى: «و من يقنت منكم لله و رسوله و تعمل صالحا نوتها اجرها مرتين» وهذا ليس فيه تفضيل مطلق، وانما هو تفضيل معلق على الاتيان بما كلفه الله تعالى.

واظن ان هذا المعنى للآيه واضح، لكنه مغاير لما هو المستفاد من النصوص المذكوره من اراده الله تعالى تكوينا لتظهير اولئك الخمسه و اذهاب الرجس عنهم مطلقا، والا لم يكن وجه لحصر النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) نفسه الشريفه و اياهم في كسائه و قرائه الآيه عليهم و دعائه لهم بالخصوص على وجه ظاهر في الاختصاص و حرص ام سلمه على الدخول معهم و منعها عنه و غير ذلك مما مر.

هذا مضافا الى ان صريح تلك النصوص ان نزول هذه الايه كان منحازا عن نزول سائر الايات التى قبلها و بعدها، وانها بالخصوص نزلت في بيت ام سلمه مع كون ما قبلها نزلت قبل ذلك لمشاجره وقعت بين النبى (صلى الله عليه و آله) و بين ازواجه فهجرهن شهرا، فلابد ان يكون لهذه الجمله من قوله: «انما يريد الله- الى قوله- تطهيرا» خصوصيه عما قبلها و بعدها.

فالذى اراه انه لما نزلت هذه الجمله بين النبى (صلى الله عليه و آله) بسننه المقدسه لاصحابه كرارا ان المراد باهل البيت المذكور فيها نفسه و هولاء الاربعه، و ان المراد منها طهارتهم بعنايه الله تعالى من الفواحش الظاهريه والمعنويه من الشك والشرك و غيرهما من الارجاص، وانه تعالى فضلهم بذلك على سائر الناس على نحو قوله تعالى: «ان الله اصطفى آدم و نوحا و آل ابراهيم و آل عمران على العالمين» و غيره من الايات الوارده في شوون الانبياء و تفضيلهم بها على سائر الخلق تكوينا بالهدايه والاخلاص والاصلاح، فبذلك رشحهم لخلافته الكبرى و زعامه الناس في امور الدنيا والدين، لكن امر النبى (صلى الله عليه و آله) بوضع الايه في سياق آيات النساء ليستفاد منها بسننه هذا المعنى الخاص، و بسياقها المعنى الاول الشامل للنساء، وانما فعل ذلك لما راى من المصالح النبويه في جمع الايات الالهيه

و ترتيبها، حيث انه اعرف بمغزاها و مواقعها.

و من مصالح ذلك انه ابقى للآيه بمعناها الخاص لاهل البيت، واحفظ لها عن تناول ايدى الظالمين من بنى اميه و اشياعهم، و ذلك لانه كان النبى (صلى الله عليه و آله) يعلم بتسلطهم على ج ميع شوون الاسلام والمسلمين، فيلعبون بالدين و كتابه الكريم، و يفتنون الناس عنهما لما اخبره الله تعالى عنهم بقوله: «و ما جعلنا الرويا التى اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه في القرآن» فانه لو امر بوضعها في موضع خاص باهل بيته بحيث يستفاد منها بوجه ظاهر تفضيلهم على سائر الناس على حد كثير لجهدوا بكل قواهم في تحريفها و اسقاطها من الكتاب، كما جهدوا في معاداه وصيه و اخيه اميرالمؤمنين (عليه السلام) فحملوا الناس كرها على البرائه منه و سبه على منابر المسلمين في شرق ارض الاسلام و غربها، و اسقاطه في اعين العامه عن رتبته التى رتبه الله عليها، و كما جهدوا في قتال عترته و سوق الناس الى قتلهم مع ما علم كل احد من البرو الفاجر بما ذكره النبى (صلى الله عليه و آله) في الامر بموالاتهم و مودتهم والتشديد في ايذائهم، ولم يكن هذا بايسر من تحريف الكتاب، فكان وضع هذه الايه في هذا الموضع محققا و مصداقا لقومه تعالى: «انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون» حيث ان حفظه و ان كان من الله تعالى لكن باسبابه العاديه، كما ان حفظ النبى (صلى الله عليه و آله) من اليهود والمنافقين والكفار قبل مبعثه و بعده كان من الله تعالى لامحاله، لكن باسباب ظاهريه من تحذره (صلى الله عليه و آله) و جهاده، و كذلك حفظ الاسلام بعده من معرات المنافقين كان ايضا من الله تعالى لكن بصبر اميرالمؤمنين و مصالحه الحسن و جهاد الحسين (عليهم السلام) و في الحديث ابى الله ان يجرى الاشياء الا باسباب

[ كما في الكافي باب معرفه الامام من كتاب الحجه عن الصادق (عليه السلام).]

فعلى ما ذكرنا يجوز ان يكون المراد بالايه كلا المعنيين و لا ضير فيه الا استعمال اللفظ الواحد فيهما و جوازه محل خلاف معروف في علم الاصول، والحق عندنا جوازه خصوصا في هذا المقام، اذ ليس اراده كلا المعنيين في استعمال واحد.

على انه يمكن ان يكون المعنى الاول العام صوريا، وليس بمراد من اللفظ حقيقه، حيث ان اصل هذا المعنى في نفسه حق مستفاد من سائر الايات المتقدمه الوارده في شان نساء النبى (صلى الله عليه و آله) فلو تخيل الناس ارادته من هذه الايه لم يقدح في شى ء.

و يويد ذلك ما رواه العياشى في تفسيره في مقدمته عن زراره بن اعين عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: ليس شى ء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الايه ينزل اولها في شى ء و اوسطها في شى ء و آخرها في شى ء، ثم قال: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» من ميلاد الجاهليه يعنى ان هذه الايه من هذا القبيل، و قوله «من ميلاد الجاهليه» تفسير للتطهير و بيان لبعض مصاديقه، و ياتى التفصيل في ذلك قريبا.

هذا كله على القول بان ترتيب الايات و وضع كل ما نزل منها في مواضعها الموجوده بايدينا كان بامر الرسول (صلى الله عليه و آله) لكتاب الوحى، كما هو المعروف بين العامه، و يدل عليه ما رووه

[ مثل ما رووه عن ابن عباس، كما في تفسير الخازن. والكشاف عند قوله تعالى: «واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله» انها آخر آيه نزلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) فقال جبرئيل: ضعها على راس ماتين و ثمانين من سوره البقره، و عاش بعدها رسول الله (صلى الله عليه و آله) احدا و عشرين يوما، و حكى السيوطى في الاتقان في مساله جمع القرآن في الجزء الاول عن غير واحد الاجماع على ان ترتيب الايات توقيفي من النبى (صلى الله عليه و آله) ثم روى جمله من اخبارهم الداله على ذلك تصريحا او اشاره.

منها: ما رواه عن ابن حنبل و ابى داود و غيرهما عن ابن عباس قال قلت لعثمان: ما حملكم على ان عمدتم الى الانفال و هى من المثانى، والى برائه و هى من المئين، ففرنتم بينهما و لم تكتبوا بينها سطر «بسم الله الرحمن الرحيم» و وضعتموها في السبع الطوال، فقال عثمان: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) تنزل عليه السوره ذات العدد، فكان اذا انزل عليه الشى ء دعا بعض من كان يكتب فيقول: ضعوا هولاء الايات في السوره التى يذكر فيها كذا و كذا، و كانت الانفال من اوائل ما نزل بالمدينه، و كانت برائه من آخر ما نزل من القرآن، و كانت قصتها شبيهه بقصتها، فظننت انها منها، فقبض (صلى الله عليه و آله و سلم) و لم يبين لنا انها منها، فمن اجل ذلك قرنت بينهما و لم اكتب بينهما «بسم الله الرحمن الرحيم».

اقول: و يدل على ذلك ايضا ما هو المحسوس من النظم الخاص والربط اللطيف بين الايات و كذابين جملات آيه واحده، مع انه ربما كان بعضها مستقلا في النزول عن الجمله الاخرى، كما في قوله تعالى: «ان الله يحب التوابين و يحب المتطهرين» فانه نزل في البراء بن معرور وقد استنجى بالماء، وقد وقع ذلك في ذيل قوله تعالى: «و يسئلونك عن المحيض...» و قوله تعالى: «فمن كان به اذى من راسه ففديه من صيام او صدقه او نسك» فانه نزل في كعب بن عجره ايام الحديبيه، وقد وقع في ذيل قوله تعالى: «واتموا الحج والعمره لله» وانما نزل هذا بالمدينه كما يظهر من نصين صحيحين عن ابى جعفر و ابى عبدالله (عليهماالسلام) فراجع تفسير البرهان و قوله تعالى بعدهما فمن تمتع بالعمره الى الحج فما استيسر من الهدى نزل في حجه الوداع بعد الحديبيه بثلاث سنين الى غير ذلك، و هذا النحو من النظم والربط لايقدر عليه من تولى جمع القرآن.] في ذلك،

مضافا الى انه الموافق لحكمته (صلى الله عليه و آله) في المحافظه على وحى الله، و هذا هو المختار عندى واما بناءا على القول بان هذا الترتيب الموجود كان ممن ولى من الصحابه لجمع القرآن بعد الرسول (صلى الله عليه و آله

و سلم) فالامر اوضح واسهل.

و مثل هذه الايه فيما ذكر قوله تعالى: «اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى و رضيت لكم الاسلام دينا» فانه بمقتضى النصوص المستفيضه نزل يوم الغدير في ولايه اميرالمؤمنين (عليه السلام) ولكن وضع بين تحريم الميته على الناس و تحليلها للمضطر، و كذا آيه الموده الاتى ذكرها هنا و آيات الابرار في سوره هل اتى، فان مقتضى النصوص انها مدنيه نزلت في على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) ولكن وضعت في الايات المكيه لحكم نبويه مثل ما ذكرناه آنفا كما روى ذلك في احتجاج الطبرسى في حديث احتجاج اميرالمؤمنين (عليه السلام) على زنديق في آى متشابهه من القرآن بالنسبه الى قوله تعالى انما وليكم الله و رسوله والذين آمنوا الخ.

بقى الكلام في امرين: الاول ذكرنا ان المراد بالايه بمقتضى النصوص المتقدمه انما هو اراده الله تعالى تكوينا لاذهاب الرجس عنهم و تطهيرهم تفضلا منه تعالى عليهم، و تفضيلا لهم على العالمين، و ذلك فضل الله يوتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فعلى هذا نقول: اراده الله تعالى على هذا الوجه واقعه لامحاله كما تقدم في عده روايات ان الله تعالى اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، و لا ينافيه ما تقدم من ان النبى (صلى الله عليه و آله) دعا لهم بقوله: اللهم ان هولاء اهل بيتى فاذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، لاحتمال انه كان هذا الدعاء قبل نزول الايه، فانزلها الله تعالى اجابه له كما هو الظاهر من بعض النصوص، و ذكره السيد المرتضى (رضى الله عنه) في كتاب الشافي

[ في ص 181 من الشافي و ص 375 من تلخيصه، و هما مطبوعان معا بطبعه عجميه قديمه، و طبع التلخيص بالنجف الاشرف ايضا حديدا، و ما ذكر موجود في ج 2 ص 252 منه، و هذان الكتابان من تراث الشيعه الاماميه و مآثرها المكنونه، و فيهما تحقيقات واسعه في مسائل الامامه ينبغى الامعان فيها.] و الشيخ الطوسى (رحمه الله) في تلخيصه.

على ان دعائه على تقدير كونه بعد نزول الايه يمكن ان يكون شكرا لله تعالى، حيث انه كاشف عن رغبته و شوقه الى الموعود او كان دعائه شرطا عند الله تعالى لوقوع ارادته عليهم بعد ذلك في المواقع التى يعرض لهم الخطاء فيعصمهم بدعائه، وقد كان مثل ذلك في قضيه بدر حيث ان الله تعالى وعد المسلمين نصره على لسان النبى (صلى الله عليه و آله) فقال: «و اذ يعدكم الله احدى الطائفتين انها لكم» و قال: «و يريد الله ان يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين» واخبر (صلى الله عليه و آله) اصحابه بمصارع المشركين قبل ورودهم ببدر، و اراه الله المشركين في منامه قليلا ليخبر به اصحابه فيجترووا على القتال، و مع ذلك لما عباهم للقتال فزع الى ربه يناشده ما وعده من النصر، كما في سيره ابن هشام، و زاد عليه في مغازى الواقدى انه قال له عبدالله بن رواحه: ان الله اجل واعظم من ان تنشده، فقال: يا ابن رواجه الا انشد الله وعده؟ ان الله لا يخلف الميعاد.

و روى في تفسير مجمع البيان عند قوله تعالى: «اذ تستيغيثون ربكم» في سوره الانفال انه (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: اللهم انجز لى ما وعدتنى، فهذا يدل على رمز خاص في دعائه، فتكون آيه التطهير ايضا كذلك، كدعاء ملائكه الله المقربين للمومنين بقولهم في سوره المومن «ربنا وادخلهم جنات عدن التى وعدتهم». الخ. والتعبير في الايه لهذه الاراده بصيغه المضارع دون الماضى لاجل الاستمرار و شمول اذهاب الرجس عنهم لما يتفق لهم في التالى من مواقع الزلل والعصيان، و ذلك لان المراد

بالرجس مطلق الاقذار المعنويه من الشك في المعارف والوساوس الشيطانيه والفواحش الظاهريه و ما حرمه الله تعالى من الذنوب، كما صرح به في النصوص الاماميه، و ذكره المفسرون من غيرهم، فقد تقدم في حديث الامام الحسن (عليه السلام) انه قال: والرجس هو الشك، فلانشك في الله الحق و دينه ابدا، و طهرنا من كل افن و عيبه مخلصين الى آدم نعمه منه.

و روى الكلينى (رحمه الله) في الكافي باسناده الصحيح عن الامام الصادق (عليه السلام) في حديث تقدم صدره في احاديث ام سلمه (رضى الله عنها) انه ذكر نزول الايه بالنحو المتقدم، ثم قال: والرجس هو الشك والله لانشك في ربنا ابدا. و مثله في تفسير العياشى عن الامام الباقر (عليه السلام) و لفظه لانشك في ديننا ابدا. و في الكافي ايضا في باب المصافحه من كتاب الايمان والكفر في حديث صحيح عن ابى جعفر الباقر (عليه السلام) قال: و انا لانوصف و كيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس و هوالشك. ولعله انما ذكر فيها الشك فقط لانه اصل كل عيب و عصيان و طهاره القلب منه مستلزمه لكل طاعه و عباده لله سبحانه، وقد توصل صاحبه الى درجه العصمه، فانه ينظر حينئذ بنور الله تعالى و هو اليقين الحاصل في قلبه و لذا قال الامام (عليه السلام): انا لانوصف.

و روى في البحار باب معنى آل محمد (عليهم السلام) من الجزء 25 من الطبعه الجديده عن كتاب كنز الفوائد عن جعفر بن محمد عن على (عليهم السلام) قال: ان الله فضلنا اهل البيت و كيف لايكون كذلك والله (عز و جل) يقول في كتابه: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» فقد طهرنا من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، فنجن على منهاج الحق.

و قال الطبرى في تفسير الايه من كتابه جامع البيان: يقول الله تعالى

انما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا اهل بيت محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) و يطهركم من الدنس الذى الذى يكون في اهل معاصى الله تطهيرا. و في تفسير الرازى قال: ليذهب عنكم الرجس اى يزيل عنكم الذنوب و يطهركم تطهيرا اى يلبسكم خلق الكرامه. الى غير ذلك من كلماتهم

[ راجع لها الى رساله الكلمه الغراء للمحقق شرف الدين (رحمه الله).] و مر قريبا في خبر العياشى تطهيرهم من ميلاد الجاهليه.

و لهذا كله تدل الايه على عصمه هولاء الخمسه الطاهرين، و سياتى انشاء الله تعالى مزيد الكلام في ذلك في بحث عصمه الزهراء (سلام الله عليها).

الامر الثانى: المستفاد من احاديث الاماميه الماثوره عن ائمتهم (عليهم السلام) ان الايه شامله للائمه الاثنا عشر، فعن الامام السجاد (عليه السلام) كما في تفسير الطبرى و غيره قال بالشام بعد مقتل ابيه لرجل شامى: اما قرات في الاحزاب: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت...» قال الشامى: ولانتم هم، قال: نعم.

و روى الكلينى في الكافي

[ كتاب الحجه باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولايه.] باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال في قوله تعالى: «انما يريد الله ...» الآيه يعني الأئمه و ولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و روى في البحار ج 36 ص 336 عن كفايه الاثر باسناده عن الحسين بن على عن ابيه (عليهم السلام) قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في بيت ام سلمه وقد نزلت عليه: «انما يريد الله ليذهب...» الايه فقال: يا على هذه الآيه نزلت فيك و في سبطى و الائمه من ولدك. و تقدم ايضا في احاديث

اميرالمؤمنين (عليه السلام) ما دل عليه و غير ذلك

[ راجع تفسير البرهان و غايه المرام كلاهما للمحدث الكبير السيد هاشم البحرانى (قدس سره) و حسبنا من ذلك ما في الزياره الجامعه الكبيره المرويه عن الامام الهادى (عليه السلام) ففيه: عصمكم الله من الزلل و آمنكم من الفتن و طهركم من الدنس و اذهب عنكم الرجس و طهركم تطهيرا.]

و ظاهرها ان معنى الايه عام لهم و ان كان مورد نزولها في الخمسه، كما ان غالب الايات القرآنيه نزلت في شخص خاص و معناها عام لغيره، و يمكن ان يكون معناها خاصا بهولاء الخمسه و حكمها شاملا للبقيه منهم على نحو الجرى والتاويل، كالايات النازله في بنى اسرائيل الشامل حكمها لهذه الامه كما يظهر ذلك من بعض ما رواه في تفسير البرهان والله العالم.

و على كل تقدير ليس المراد بالبيت في الايه بيت السكنى المصنوع بالطين واللبن والا لدخلت في ازواجه، و لا بيت النسب عموما والا دخل فيه اعمامه و ابنائهم، و كلاهما مخالف لصريح النصوص المذكوره الان و في السابق، بل المراد بيت الوحى والرساله والمعارف الالهيه، كما ورد في بعض الاخبار على ما رواه في البحار في باب آيه التطهير

[ من الجزء 35 من الطبعه الجديده، و مثله في الزياره الجامعه الكبيره: السلام عليكم يا اهل بيت النبوه و موضع الرساله و مختلف الملائكه و مهبط الوحى، و غير ذلك مما ورد في نصوص الفضائل والزيارات و جمله القول فيه ان المراد بالبيت هنا بيت النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) لكن اضافه لاهل اليه تختلف باعتبار السكنى والقرابه والنبوه، فباعتبار الاخير لاينسب اليه الا من له حظ كامل من آثار النبوه من العلوم والمعارف الالهيه، كما لا يقال لولد عالم تقى انه من اهل بيت العلم والتقى الا اذا كان متصفا بهما دون الفاسق وان كان سكناه و نشوه في بيت ابيه، كما قيل شعر بالفارسيه:

پسر نوح با بدان بنشست- خاندان نبوتش گم شد

و بذلك يظهر المراد مما رواه في الكافي باب نتف و نكت من التنزيل في الولايه باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) في قول الله (عز و جل): «رب اغفرلى ولوالدى و لمن دخل بيتى مومنا» يعنى الولايه من دخل في الولايه دخل في بيت الانبياء و قوله تعالى: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت» يعنى الائمه و ولايتهم من دخل فيها دخل في بيت النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و حكى الالوسى في تفسيره عند الايه عن عبدالله المشهدى مثل ما قلناه، فعليه لا ينافي ان يكون سائر اقربائه (عليه الصلاه والسلام) و كذا ازواجه بل و خدمه ايضا يعدون من اهل بيته لكن باعتبار السكنى والمعيشه، كما مر في بعض الاخبار المتقدمه كخبر واثله بن الاسقع.] ان النبى (صلى

الله عليه و آله) قال لهم: السلام عليكم يا اهل بيت النبوه و معدن الرساله و مختلف الملائكه الصلاه رحمكم الله: «انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت و يطهركم تطهيرا» كما ان قول النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) انى تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتى اهل بيتى ايضا لا يراد بهم الا هولاء المذكورين، و لذا لم يدع احد من ازواجه و اقربائه دخلوه في هذا الحديث، و الحمد لله على ما هدانا ووفقنا لاكمال البحث في آيتى المباهله والتطهير.

و من الايات النازله في تفضيل الزهراء «سلام الله عليها» قوله تعالى في سوره الشورى: «قل لااسئلكم عليه اجرا الا الموده في القربى و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور» فقد استفاضت النصوص عن ائمه اهل البيت (عليهم السلام) ان المراد بالقربى قربى النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) و هم على و فاطمه والحسن والحسين (عليهم السلام) خاصه. و عن جماعه من اهل السنه، كاحمد والطبرانى والحاكم والثعلبى والزمخشرى، و اضرابهم من المحدثين والمفسيرين باسنادهم عن ابن عباس انه قال: لما نزلت الايه قالوا: يا رسول الله من قرابتك هولاء الذين

وجبت علينا مودتهم؟ قال: على و فاطمه و ابناهما. وقد ورد ايضا في عده احاديث من طرق الشيعه والسنه ان الانصار جاوا الى النبى (صلى الله عليه و آله) فقالوا هذه اموالنا خذها لنوائبك فنزلت الايه، فعلى هذا كان معنى الايه لا اسئلكم على تبليغ الرساله والوحى الالهى اليكم اجرا الا ان تودوا قرابتى، فكانت مودتهم بمنزله اجره على جهوده و مشاقه التى تزول عنها الجبال في التبليغ، و من ذلك يظهر اهميه هذا الاجر و فرض ادائه على الناس، كما صرح به في النصوص، و ورد في الزياره الجامعه الكبيره و لكم الموده الواجبه و الدرجات الرفيعه...

هذا اجمال الكلام في الايه ولما طال الكلام في الايتين المتقدمتين احببت الاكتفاء في هذه الايه بهذا الاجمال، فمن اراد التفصيل فليراجع الكشاف و مجمع البيان و تفسير البرهان والبحار ج 23 باب ان مودتهم اجر الرساله، و لا يفوتن باحثا ما اورده شرف الدين (قدس سره) في رسالته القيمه الكلمه الغراء في تفضيل الزهراء (سلام الله عليها) حيث اوضح المرام بنصوص معتبره و كلمات الاعلام، ورد ما ذكره المخالفون في معنى الايه و دفع شبهاتهم ببيان متقن و تحقيق محكم، فجزاه الله عن اهل بيت نبيه خير جزاء الناصحين فقد استفدنا منه في رسالتنا كثيرا.

تذييل: يظهر لكل من نظر وامعن في هذه الايات الثلاث و ما ذكرناه و ذكره غيرنا في تبيانها ان لهولاء الخمسه الاطيبين ارتباط معنوى خاص بينهم في المزايا الالهيه والخصائص الربانيه، لا يشاركهم فيها احد من العالمين، فهذا مويد لما تقدم في هذه الرساله من اختصاصهم بفضائل في اصل الطينه و عالم الارواح والذر والميثاق والحمدلله، هذا كله في نصوص الكتاب و كفي بها حجه و فصلا للخطاب.

واما نصوص السنه على تفضيل الزهراء (سلام الله عليها) فهى كثيره معروفه في الصحاح و كتب الفضائل.

والاطناب في سردها خارج عما قصدناه من الاختصار سيما يعد ما تقدم من محكمات الكتاب، فنكتفي بالاشاره الى بعضها.

فعن النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) قال: افضل نساء اهل الجنه اربع: خديجه بنت خويلد، و فاطمه بنت محمد (صلى الله عليه و آله) و آسيه بنت مراحم امراه فرعون، و مريم بنت عمران. رواه ابن حنبل في المسند ج 1 ص 293 باسناده عن ابن عباس و نحوه في الاستيعاب في ترجمه خديجه و فاطمه، و كذا في خصال الصدوق (عليه الرحمه) في ابواب الاربعه باسناده عن ابن عباس، و في خبر آخر قال (صلى الله عليه و آله و سلم): خير نساء العالمين اربع: مريم بنت عمران، و ابنه، مراحم امراه فرعون، و خديجه بنت خويلد، و فاطمه بنت محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) رواه في الاستيعاب في ترجمه خديجه باسناده تاره عن ابى هريره، و اخرى عن انس يعنى ابن مالك، و رواه في ترجمه فاطمه ايضا باسناده عن ابى هريره.

و في خبر ثالث قال (صلى الله عليه و آله و سلم): حسبك من نساء العالمين مريم و خديجه و فاطمه و آسيه، رواه الترمذى في جامعه باب فضل خديجه و صححه، و رواه في ذخائر العقبى عن احمد يعنى ابن حنبل و لعله من مناقبه.

و رواه المحقق شرف الدين (رحمه الله) في الكلمه الغراء عن جمع من المحدثين عن انس و جابر قال: و لايسعنا استقصاء من اخرجه بطرقهم المختلفه اليهما.

و في رابع قال (صلى الله عليه و آله و سلم): اربع نسوه سيدات نساء

عالمهن: مريم، و آسيه، و خديجه، و فاطمه، وافضلهن عالما فاطمه، رواه في ذخائر العقبى عن الحافظ الثفي الاصفهانى

[ الظاهر انه ابراهيم بن محمد الثقفي صاحب كتاب الغارات المطبوع و غيره من مصنفات كثيره اصله كوفي ثم انتقل الى اصفهان و كان زيديا ثم قال بالامامه، ترجمه شيخنا الطوسى و النجاشى (رحمهما الله تعالى) في فهرستيهما.] عن ابن عباس (رضى الله عنه).

و في خامس قال (صلى الله عليه و آله و سلم): كمل من الرجال كثير و لم يكمل من النساء الا مريم و آسيه و خديجه و فاطمه، كما في تفسير الطبرى عند قوله تعالى: «و اذ قالت الملائكه يا مريم» الايه باسناده عن ابى موسى الاشعرى.

و في سادس قال (صلى الله عليه و آله و سلم): ان الله تعالى اختار من النساء اربعا مريم و آسيه و خديجه و فاطمه، رواه شيخنا الصدوق ايضا في خصاله في باب آخر من ابواب الاربعه باسناده عن الامام موسى بن جعفر (عليهماالسلام) عنه (صلى الله عليه و آله و سلم) في حديث و رواه في البحار باب مناقب فاطمه عن الخصال، ثم روى فيه عنه ايضا ان فيما اوصى به النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) الى على (عليه السلام) ان الله (عز و جل) اشرف على الدنيا فاختارنى منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانيه فاختارك على رجال العالمين بعدى، ثم اطلع الثالثه فاختار الائمه من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثم اطلع الرابعه فاختار فاطمه على نساء العالمين و روى الخوارزمى في مقتله نحو ذلك لفاطمه وامها.

وقد ورد ايضا عن جماعه من الصحابه ان النبى (صلى الله عليه و آله) قال: فاطمه سيده نساء العالمين، او نساء اهل الجنه، او نساء امتى. فعن

عمران بن الحصين انه (صلى الله عليه و آله) عاد فاطمه و هى مريضه، فقال لها: كيف تجدينك يا بنيه؟ قالت: انى لوجعه و انه ليزيدنى انى مالى طعام آكله. قال: يا بنيه اما ترضين انك سيده نساء العالمين، قالت: يا ابت فاين مريم بنت عمران؟ قال: تلك سيده نساء عالهمها، وانت سيده نساء عالمك، واما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والاخره. اخرجه في الاستيعاب، و رواه في ذخائر العقبى عن الحافظ الدمشقى بزياده في كيفيه دخوله و تسترها عن عمران بملائه و عبائه، و نحوه في مقتل الخوارزمى، والموجود في نسخته انه قال (صلى الله عليه و آله و سلم): تلك سيده نساء عالمها وانت سيده نساء العالمين.

و عن حذيفه بن اليمان قال: تبعت النبى (صلى الله عليه و آله) بعد صلاه العشاء، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتبعته ثم قال: ما رايت العارض الذى عرض لى قبيل؟ قلت: بلى. قال: فهو ملك من الملائكه لم يهبط الى الارض قبل هذه الليله، فاستاذن ربه ان يسلم على و يبشرنى ان الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه وان فاطمه سيده نساء اهل الجنه. رواه ابن حنبل في المسند ج 5 ص 391 من احاديث حذيفه، و نحوه في الصواعق عن الترمذى والنسائى وابن حبان.

و عن ابى هريره قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ان ملكا من السماء لم يكن زارنى فاستاذن ربى في زيارتى، فبشرنى ان فاطمه سيده نساء امتى، وان حسنا و حسينا سيدا شباب اهل الجنه. رواه في فضائل الخمسه عن خصائص النسائى و غيره.

و عن على (عليه السلام) ان النبى (صلى الله عليه و آله) قال لفاطمه: الا ترضين ان تكونى سيده نساء اهل الجنه و ابنيك سيدا شباب اهل الجنه.

رواه في فضائل الخمسه عن كنزل العمال.

و عن عائشه قالت: كنا ازواج النبى (صلى الله عليه و آله) عنده جميعا له نغادر منا واحده، فاقبلت فاطمه تمشى ما تخفي مشيتها من مشيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلما رآها رحب بها، ثم اجلسها عن يمينه او عن شماله ثم سارها، فبكت بكاءا شديدا، فلما راى حزنها سارها الثانيه اذا هى تضحك، قالت عائشه: فلما قام رسول الله (صلى الله عليه و آله) سالتها عما سارك قالت: ما كنت لافشى على رسول الله (صلى الله عليه و آله) سره، فلما توفي قلت لها: عزمت عليكم لما اخبرتنى، قالت: اما الان فنعم اما حين سارنى في الامر الاول فانه اخبرنى ان جبرئيل كان يعارضه بالقرآن كل سنه مره، وانه قد عارضنى به هذا العام مرتين، ولا ارى الاجل الا قد اقترب فاتقى الله واصبرى فانى نعم السلف لك فبكيت، فلما راى جزعى سارنى الثانيه قال: يا فاطمه الا ترضين ان تكونى سيده نساء المومنين، او سيده نساء هذه الامه.

و هذا الحديث قد رواه المحدثون امثال البحارى و مسلم والترمذى في صحاحهم، و ابن حنبل في مسنده، و ابن حجر في اصابته و غيرهم، والفاظه فيها مختلفه، و روى نحوه في ذخائر العقبى عن ام سلمه و فاطمه ايضا. قال في ذخائر العقبى: قد تضمن حديث مسلم عن عائشه ان النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) اخبرها اولا بشيئين اخبرها بموته و بانها اول اهله لحوقا به فبكت، ثم اخبرها بانها سيده نساء المومنين فضحكت. و تضمن حديث الدولايى عن ام سلمه انه (صلى الله عليه و آله) اسرا اليها اولا بموته فبكت، و ثانيا بلحوقها به وانها سيده نساء اهل الجنه فضحكت. و تضمن حديث الترمذى و ابى حاتم

عن عائشه انه اسر اليها اولا بموته فبكت، و ثانيا بانها اول لاحق به فضحكت. فيحمل ذلك على صدوره في مجالس متعدده توفيقا بين الاحاديث الى آخر كلامه.

اقول: حديث الدولايى المذكور عن ام سلمه رواه الترمذى ايضا في باب فضل ازواج النبى (صلى الله عليه و آله و سلم) من جامعه، وقد تضمن انه كان ذلك عام الفتح، وانه دعاها لذلك و بعض احاديث عائشه مصرح بانه كان في وجعه الذى توفي فيه (صلى الله عليه و آله و سلم) كما في جامع الترمذى باب ما جاء في فضل فاطمه، فما ذكر من الحمل على تعدد القضيه صحيح في الجمله في غير حديثى عائشه المذكورين. واما فيهما، فالظاهر ان الاختلاف المذكور فيهما في سبب بكائها و ضحكها كان من قبل الرواه لعدم ضبطهم له صحيحا.

والذى يناسب ذاك المقام و شان الزهراء (سلام الله عليها) هو ما رواه الدولايى عنها نفسها من انه (صلى الله عليه و آله و سلم) اخبرها اولا بموته فبكت جزعا لفراقه، ثم اخبرها تسليه و تبشيرا لها بانها اول اهله لحوقا به وانها سيده نساء اهل الجنه فضحكت بذلك لما دخل عليها من السرور بسرعه لحوقها به و قله مكثها في الدنيا بعده.

كما ورد ذلك لها في قضيه اخرى تشبه تلك القضيه رواها في البحار باب وفاته (صلى الله عليه و آله و سلم) من الجزء 22 عن كتاب كفايه الاثر

[ مر التعريف بمصنفه مجملا في بحث رواه حديث الكساء من آيه التطهير.] بالاسناد الى عمار قال: لما حضر رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) الوفاه دعا بعلى (عليه السلام) فساره طويلا، ثم قال: يا على انت وصيى و وارثى، قد اعطاك الله علمى و فهمى، فاذا مت ظهرت لك

ضغائن في صدور قوم و غصبت على حقك، فبكت فاطمه والحسنان (عليهم السلام) فقال لفاطمه: يا سيده النسوان مم بكائك؟ قال: يا ابه اخشى الضيعه بعدك، قال: ابشرى يا فاطمه فانك اول من يلحقنى من اهل بيتى لاتبكى و لاتحزنى فانك سيده نساء اهل الجنه، واباك سيد الانبياء، و ابن عمك خير الاوصياء، وابناك سيدا شباب اهل الجنه، و من صلب الحسين يخرج الله الائمه التسعه مطهرون معصومون و منهم مهدى هذه الامه.

و روى ابن الاثير الجزرى في تاريخه الكامل ج 2 ص 323 انه لما اشتد برسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) وجعه و نزل به الموت جعل ياخذ الماء بيده و يجعله على وجهه و يقول: و اكرباه، فتقول فاطمه (عليهاالسلام): واكربى لكربك... فلما راى (صلى الله عليه و آله و سلم) شده جزعها استدناها و سارها فبكت ثم سارها الثانيه فضحكت، فلما توفي (صلى الله عليه و آله و سلم) سالتها عائشه عن ذلك، فقالت: اخبرنى انه ميت فبكيت، ثم اخبرنى انى اول اهله لحوقا به فضحكت. و روى عنها انها قالت: ثم سارنى الثانيه و اخبرنى انى سيده نساء اهل الجنه فضحكت. و هذا ايضا مويدا لما ذكرناه فانه مقتضى الجمع بين الروايتين هنا بعد وضوح عدم اى تناف بينهما.

و على كل تثدير فالمستفاد من مجموع هذه النصوص وامثالها الكثيره تفضيل الزهراء (سلام الله عليها) على جميع نساء المومنين من الاولين والاخرين حتى على اقرانها الثلاث المذكورات، ولكن وقع الكلام بين العامه في افضليتها على مريم بنت عمران.

و منشا توهم الخلاف في ذلك امران: احدهما قوله تعالى في شان مريم «واصطفاك على نساء العالمين» بزعم عمومه لجميع العالمين والثانى

وجود بعض الاخبار الظاهره في ذلك، مثل ما رواه في الاستيعاب والاصابه عن ابى سعيد الخدرى قال النبى (صلى الله عليه و آله و سلم): فاطمه سيده نساء اهل الجنه الا ما كان من مريم بنت عمران. ورواه في الصواعق عن الحاكم، و ما رواه في الاستيعاب ايضا كما في ذخائر العقبى عن ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) افضل نساء العالمين بعد مريم فاطمه و خديجه و آسيه. ولكن يدفع الاستدلال بالايه ما صرح به في النصوص المتقدم بعضها من ان المراد بها عالم زمانها. واما الخبران، فيعارضهما النصوص الاماميه عن ائمه التعتره الطاهره (عليهم السلام) و هى اكثر عددا واصح سندا واصرح دلاله واتفقت عليها كلمتهم.

فقد روى الصدوق (عليه الرحمه) في معانى الاخبار باب معنى ان فاطمه سيده نساء العالمين باسناده عن المفضل بن عمر، قال: قالت لابى عبدالله (عليه السلام): قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) في فاطمه انها سيده نساء العالمين اهى سيده نساء عالمها، فقال: ذاك لمريم كانت سيده نساء عالمها، و فاطمه سيده نساء العالمين من الاولين والاخرين.

و روى في اماليه

[ المجلس 73 و لهذا الخبر صدر تقدم في هذه الرساله في اوائل الباب السابع.] باسناده عن ابن عباس عن النبى (صلى الله عليه و آله) انه قيل: يا رسول الله اهى سيده نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فاما ابنتى فاطمه فهى سيده نساء العالمين من الاولين والاخرين.

و في كتاب العلل

[ باب العله التى من اجلها صارت فاطمه محدثه، و روى هذه الاخبار في البحار باب مناقبها ج 43.] باسناده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: انما سميت فاطمه محدثه لان الملائكه تهبط من السماء فتناديها كما تنادى

مريم، فتقول: يا فاطمه «ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين» يا فاطمه «اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين فتحدثهم و يحدثونها، فقالت لهم ذات ليله: اليست المفضله على نساء العالمين مريم، فقالوا: ان مريم كانت سيده نساء عالمها وان الله جعلك سيده نساء عالمك و عالمها و سيده نساء الاولين والاخرين.

على انه قد تقدم في الباب الاول والثانى من النصوص الوارده في منزلتها عندالله تعالى في بدو خلقها و في الذر والميثاق و عالم الارواح ما يزيل الريب عن ذلك، و كذا ما تقدم في الباب السابع من قول النبى (صلى الله عليه و آله): ان فاطمه بضعه منى، و هى روحى التى بين جنبى و ثمره فوادى. اذ لاريب في ان النبى (صلى الله عليه و آله) افضل الاولين والاخرين، والمسلم لايعدل ببضعه نبيه احدا من العالمين، وقد وافق الاماميه في ذلك جمع من محققى العامه، كالتقى السبكى، والجلال السيوطى، والبدر الزركشى، والتقى المقريزى، كما حكاه عنهم العلامه شرف الدين في الكلمه الغراء، و حكاه ايضا عن غيرهم في كتابه النص والاجتهاد في تعليقه على الاجتهاد في نحله الزهراء (سلام الله عليها) ثم قال: و هذا هو الذى صرح به احمد زينى دحلان مفتى الشافعيه، و نقله عن عده من اعلامهم في سيرته النبويه.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page