الحراك الديمقراطي المصري مستمر، وميدان التحرير وسط القاهرة ما زال القبلة التي يتوجه اليها شباب الثورة للتعبير عن آرائهم ومخاوفهم في الوقت نفسه من حدوث انحراف او خطف لانجازهم الكبير الذي تجسد في اسقاط نظام ديكتاتوري فاسد جثم على صدور المصريين لاكثر من ثلاثين عاما.
القدس العربي
ابنا: تظاهر الآلاف من الشباب للمطالبة بتطبيق المزيد من الاصلاحات الديمقراطية وازالة جذور النظام الفاسد وبقاياه، بينما ذهب آخرون الى مقر السفارة الاسرائيلية وسط القاهرة وهدموا باظفارهم وصدورهم المليئة بالايمان والعزم السور الذي اقامته الحكومة المصرية لحماية السفارة الاسرائيلية، ومنع اقتراب المتظاهرين منها.
تظاهر الآلاف امام السفارة الاسرائيلية في القاهرة رسالة بالغة الاهمية الى المجلس العسكري الحاكم اولاً، والى السلطات الاسرائيلية في تل ابيب، تؤكد ان الشعب المصري لا يريد استمرار وجودها في قلب عاصمته، ولا معاهدات السلام التي فرضتها عليه، وباتت تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهله.
كان مؤلماً ان يقاطع الاسلاميون هذه المظاهرات، وان لا يشاركوا شباب مصر مطالبهم العادلة في المزيد من الاصلاح، وتصحيح مسار العملية الديمقراطية، حفاظاً على ارث الثورة، ووفاء لدماء شهدائها، خاصة اننا لا يخامرنا شك ان هؤلاء مع الاهداف المحقة لهؤلاء المتظاهرين، ومع مطالبهم الوطنية في اغلاق السفارة المصرية في القاهرة.
ندرك جيداً ان المجلس العسكري الحاكم في مصر يتولى قيادة البلاد في مرحلة انتقالية صعبة، ويتحمل اعباء اقتصادية وأمنية ضخمة، وتبذل قيادته جهوداً كبيرة لتجنب الوقوع في اخطاء تعطي نتائج عكسية. مثلما ندرك في الوقت نفسه ان توقعات ابناء الشعب المصري ضخمة وان الاصلاح، والخروج من عنق زجاجة الازمة الاقتصادية الخانقة يحتاج الى وقت. ولكن هذا لا يعني تجنب المجلس اتخاذ مواقف قوية ترتقي الى مكانة مصر ودورها ومكانتها خاصة فيما يتعلق بالموضوع الاسرائيلي.
القوات الاسرائيلية انتهكت السيادة المصرية مرتين، الاولى عندما دخلت ارض سيناء تحت ذريعة مطاردة بعض المتورطين في عملية ايلات، والثانية عندما قتلت خمسة جنود مصريين وهي تعلم مسبقاً انهم ليس لهم اي علاقة بهذه العملية، وكانوا يؤدون واجبهم في حفظ الامن وعدم السماح بأي هجمات فدائية عبر الحدود المصرية ضد اهداف اسرائيلية.
هذا الانتهاك كان يتطلب موقفاً مصرياً قوياً اقله طرد السفير الاسرائيلي من القاهرة، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي لاسرائيل في مصر، ومطالبة الحكومة الاسرائيلية ليس بتقديم تعويض لأسر الشهداء (والدم لا يعوض في رأينا مهما بلغت ضخامة الاموال) وانما ايضاً بتقديم اعتذار صريح وواضح لا لبس فيه.
لا نقارن مصر بتركيا، ليس لان تركيا اكبر او اصغر، اقوى او اضعف اقتصاديا او عسكريا، وانما لان مصر هي القيادة والريادة في العالمين العربي والاسلامي، وهي التي خاضت حروب العرب جميعاً ضد اسرائيل وقدمت آلاف الشهداء، وهي التي انتهكت سيادتها وكرامتها بمثل هذا العدوان الاسرائيلي على ارضها وجنودها.