• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تعقيب على الأقوال

تعقيب على الأقوال

أمّا الزعم الأوّل: فيبطله أنّ القادة الذين قادوا الحملة إنّما قادوها لتخليص الناس من جور الاُمويين، وبإمكان أي قارئ أن يستبين الحقيقة باستقراء أحوال الحكم الاُموي الذي سايره الجور والظلم من أيامه الاُولى حتى سقط أيام مروان ابن محمّد آخر حكام الاُمويين، ومن الخطأ أن نورد شاهداً أو شاهدين للتدليل على ذلك محاولة إيضاح الظلم والجور، فإنّ كل أيامهم كانت مليئة بالظلم والجور، وإنّي لاُحيل القارئ إلى تتبّع التأريخ من أيام معاوية الأوّل حتّى نهاية الدولة وفي كتب كل المسلمين لا الشيعة وحدهم، فربّما يقال: إنّ الشيعة خصوم الاُمويين وهم يحقدون عليهم، وهذه كتب الطبري وابن الأثير وابن كثير وابن خلدون وما شئت فخذ لترى إلى أين وصلت الحالة، حتّى بلغ الأمر حدّاً يوجزه أحد الشعراء بقوله:

واحربا يا آل حرب منكم***يا آل حرب منكم واحربا

منكم وفيكم وإليكم وبكم***ما لو شرحناه فضحنا الكتبا

وأمّا الزعم الثاني: فيبطله أنّ قادة الحملة ووجوهها هم العرب، وقد أفاض في ذلك الجاحظ برسالته المسمّاة «مناقب الأتراك»، وقد ذكر من قادة الحملة: قحطبة بن شبيب الطائي، وسليمان بن كثير الخزاعي، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وخالد بن إبراهيم الذهلي، ولاهز بن طريف المزني، وموسى بن كعب المزني، والقاسم بن مجاشع المزني، كما نصّ المؤرخون على أسماء القبائل العربية التي كانت مقيمة في خراسان والتي كوّنت الزحف في معظمه، وهم: خزاعة وتميم وطي وربيعة ومزينة، وغيرها من القبائل العربية، وللتوسع في معرفة أسماء القادة والقبائل العربية التي جاءت في الحملة للقضاء على الحكم الاُموي يراجع كتاب «ابن الفوطي مؤرّخ العراق» لمحمّد رضا الشبيبي، فقد توسع في إيراد النصوص التأريخية من اُمهات الكتب، وشرح أهداف الحملة ونوعية الجيش والأقطاب الذين اشتركوا بالحملة، وبالجملة بكل ملابسات الموضوع([1]) .

والشقّ الثاني الوارد في الزعم، وهو: أنّ العناصر غير العربية أرادت الانتقام، لأنّها كانت محرومة من الاشتراك بالمناصب، فهو بالجملة غير صحيح; لأنّ كثيراً من العناصر الأجنبية والموالي شغلوا مناصب كبيرة في العهد الاُموي على امتداد هذا العهد، ولم يكن وضعهم أيام العباسيين يختلف كثيراً عن وضعهم أيام الاُمويين، وقد أشار لذلك الدكتور أحمد أمين بقوله: فسلطة العنصر الفارسي كانت تنمو في الحكم الاُموي وعلى الأخص في آخره، ولو لم يتح لها فرصة الدولة العباسية لاُتيحت فرص اُخرى مختلفة الأشكال([2]) .

لقد تولّى جماعة من غير العرب مناصب مهمة، ومنهم: سرجون بن منصور كان مستشاراً لمعاوية، ورئيس ديوان الرسائل، ورئيس ديوان الخراج مرداس مولى زياد كان رئيس ديوان الرسائل، وزاذا نفروخ كان رئيس ديوان خراج العراق، ومحمّد بن يزيد مولى الأنصار كان والياً على مصر من قبل عمر بن عبد العزيز، ويزيد بن مسلم مولى ثقيف كان والياً على مصر، وكان منهم القضاة والولاة ورؤساء دواوين الخراج وقد تغلغلوا في أبعاد الدولة وشُعَبها بصورة واسعة([3]) .

هذا من ناحية، ومن ناحية اُخرى أنّ وضع العرب لم يكن يستأثر باهتمام الاُمويين إلاّ بمقدار ما يحقق مصالح الاُمويين أنفسهم، فإذا اقتضت مصالحهم أن يضربوا العرب بعضهم ببعض فعلوا، كما حدث ذلك أكثر من مرة في حكم الاُمويين فراجع([4]) . وقد تعرّض الدكتور أحمد أمين إلى ذلك وشرحه مفصلا، وبيّن كيف كان العرب يضرب بعضهم بعضاً إذا اقتضى الأمر ذلك، فراجع([5]) .

وأمّا الزعم الثالث: وهو انتشار الفكر الشيعي عن طريق الموالي وتعاظم نفوذهم وامتداده تبعاً لذلك، فيكذِّبه أنّ هذا المضمون بجملته غير صحيح، فقد نكب الفرس أيام العباسيين وضرب نفوذهم أكثر من مرّة، ومن أمثلة ذلك: القضاء على أبي مسلم وأتباعه أيام المنصور، والقضاء على البرامكة أيام الرشيد، والقضاء على آل سهل أيام المأمون، وهكذا، يبقى أنّ الموالي لمعوا في ميادين اُخرى فذلك صحيح بالجملة، وتصوّر نفوذ الفرس إنّما هو من أيام السفّاح حتى أيام المأمون، وهي كماترى لا تثبت للفرس والموالي نفوذاً خارج دائرة العباسيين، وإنّما ضمن دائرتهم بحيث يستطيعون احتواءهم في أيّ وقت .

أمّا الفترة التي تبدأ من عصر المتوكّل حتى نهاية الحكم العباسي فإنّ الحكم العباسي ضعف نفوذه حتى انقضَّ عليه حكّام الأطراف . ولا يعني ذلك استشراء نفوذ الفرس فقط، بل هو شأن الكيان الضعيف الذي ينهشه كلّ طامع .

إنّ العوامل التي أدّت إلى ضعف الحكم العباسي أشبعها الباحثون بالتفصيل .

إنّ تصوير نفوذ الفرس بالشكل الذي أورده بعضهم ونفوذ الموالي مبالغ فيه غاية المبالغة، فإذا كانت الشعوبية قد وجدت أيام العباسيين فإنّها امتداد لنزعة الشعوبية منذ أيام الاُمويين، وإذا كان للفرس نفوذ فلم يصل إلى الحدّ الذي ينتزع نفوذ العرب، بل كان ذلك النفوذ ملحوظاً من قبل الدولة ومسموحاً به لأهداف كثيرة استهدفها العباسيون من السماح بذلك .

يقول فلهوزن عن نفوذ الفرس في العصر العباسي: أمّا أنّ النفوذ الفارسي كان هو الراجح، فهو أمر غير مؤكّد([6]) .

أمّا الشقّ الثاني من هذا الزعم، وهو تنفّس التشيّع أيام العباسيين فهو غير صحيح، بل العكس هو الصحيح، فإنّ العباسيين اُولعوا بدم الشيعة وأئمتهم، وتعرّض التشيّع في مختلف أدوارهم إلى محن وخطوب مروّعة عدا فترات بسيطة مرّت مرور الغمام، كما هو الحال في فترة البويهيين . وبالجملة أنّ كتب التاريخ قد حفظت لنا صوراً مروّعة من تعرّض الشيعة للإبادة أيام العباسيين، وبوسع القارئ الرجوع إلى أي كتاب من كتب التأريخ الرئيسية ليرى ذلك واضحاً .

وبعد هذا التعقيب البسيط على هذه المزاعم، أعود إلى تلاميذ المستشرقين الذين نسجوا على منوال أساتذتهم فقلّدوهم في هذا الزعم، وهو فارسية التشيّع ومنهم:

1 ـ الدكتور أحمد أمين:

يذهب الدكتور أحمد أمين إلى استيلاء الفكر الفارسي على التشيّع برغم قِدم التشيّع على دخول الفرس فيه; وذلك لأنّ أكثر الشيعة فرس ـ على زعمه ـ فغلبت نزعاتهم على التشيّع وصبغته بالفارسية، ولنستمع إلى قوله حرفياً:

«والذي أرى كما يدلّنا التاريخ أنّ التشيّع لعليٍّ بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام ولكن بمعنى ساذج، ولكنّ هذا التشيّع أخذ صبغةً جديدةً بدخول العناصر الاُخرى في الإسلام، وحيث إنّ أكبر عنصر دخل في الإسلام هم الفرس فلهم أكبر الأثر بالتشيّع»([7]).

ويقول في مورد آخر: «فنظرة الشيعة في عليٍّ وأبنائه هي آبائهم([8]) الأولين من الملوك الساسانيين، وثنوية الفرس كانوا منبعاً يستقي منه الرافضة في الإسلام، فحرّك ذلك المعتزلة لدفع حجج الرافضة»([9]) .

إنّي أطلب من القارئ هنا التأمل في هذه اللهجة الحادّة التي يفح منها الشرر والنار حتى يعرف مدى موضوعية أحمد أمين ونظرائه، وقد دأب أحمد أمين على اجترار هذه الفكرة وترتيب الآثار عليها كما يظهر ذلك واضحاً في كلّ مؤلفاته، إنّ التركيبة التي تكوّنَ منها أحمد أمين هي الحقد والكراهية للشيعة، زائداً تقليد المستشرقين فيما يقولونه عنهم .

2 ـ محمّد أبو زهرة:

يذهب الشيخ محمّد أبو زهرة إلى نفس رأي أحمد أمين، ويضيف له: إنّ أكثر الشيعة الأوائل فرس، ولنستمع إلى ما يقوله في هذا الموضوع وهو يستعرض آراء المستشرقين ويعقِّب عليها، قال: وفي الحقّ أنّا نعتقد أنّ الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته، ويزكّي هذا أنّ أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة، وأنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس([10]).

ورحم الله أبا الطيّب المتنبي إذ يقول:

ودهرٌ ناسُهُ ناسٌ صِغارٌ***وإن كانت لهم جُثثٌ ضخامُ

وأبو زهرة مورد انطباق هذا البيت، إنّه يقول: «إنّ الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس»، وأنا أطلب من كل قارئ أن يستخرج لي من الشيعة الأولين خمسة من الفرس، وأنا متأكد سلفاً أنّهم لا يجدون هذا العدد، فهل تبقى بعد ذلك قيمة لأقوال مثل أبي زهرة، وكم لأبي زهرة من أقوال لا تعرف التحقيق؟ وعلى كلّ حال لقد لقي الرجل ربّه وأسأل الله تعالى له العفو .

3 ـ أحمد عطية الله:

وهذا الرجل ممّن نسج على منوال المستشرقين بنسبة التشيّع للفارسية، فهو يرى أنّ الأفكار الشيعية تأثرت بالفارسية عن طريق عبدالله بن سبأ، الذي نقل للتشيّع أكثر من رافد فكري، ومن هذه الروافد الفارسية، فقد قال بالحرف الواحد:

«وإنّ ابن السوداء انتقل إلى المدينة وبثّ فيها أقوالا وآراء منافية لروح الإسلام، نابعة من يهوديته ومن معتقدات فارسية كانت شايعة في اليمن، وبرز في صورة الداعية المنتصر لحق الإمام عليٍّ(عليه السلام)، وادّعى أنّ لكلّ نبيّ وصيّاً وأنّ عليّاً وصي محمّد . . .» إلى آخره([11]) .

هذه مجرد عيّنة من النماذج التي نسجت على منوال المستشرقين، وإنّك لتجد هذه الفكرة عند المتأخرين من كتّاب السنّة شائعة يتلقاها الخلف عن السلف، ثم يحاول تعميقها وترسيخها بما يملكه هو من عبقرية، وسوف لا أتعجّل الردّ على الفكرة إلاّ بعد أن أستوفيها، فأذكر لك أقوالهم في تعليل دخول الفرس للتشيّع، فإنّ ذلك يكون بمثابة الروح للبحث .

إنّ أبرز هذه التعليلات التي ساقوها واعتبروها مبرّراً لدخول الفرس إلى التشيّع ثلاثة اُمور:

أسباب دخول الفرس للتشيّع في نظر السُنّة:

1 ـ الأمر الأوّل: إصهار الحسين إلى الفرس، لأنّه تزوّج ابنة يزدجرد وهو أحد الملوك الساسانيين، اسمها شاه زنان، فولدت له عليَّ بن الحسين الذي اجتمعت فيه الخواص الوراثيّة للأكاسرة وخواص الإمامة من آبائه، كما يقول أبو الأسود الدؤلي:

وإنّ وليداً بين كسرى وهاشم***لأكرم من نيطت عليه التمائم

وفي ذلك تقول سميرة اللّيثي معقِّبةً على رأي أرنولد توينبي في انتشار الإسلام بين الفرس:

الذي أدّى إلى انتشار الإسلام هو زواج الحسين من شاهبانو إحدى بنات يزدجرد، وقد رأى الفرس في أولاد شاهبانو والحسين وارثين لملوكهم الأقدمين([12]). فزواج الحسين على رأي هؤلاء أحد العوامل التي أدت إلى انتشار التشيّع لأهل البيت عند الفرس .

2 ـ الأمر الثاني: التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس، ومن ذلك موضوع الحقّ الإلهي، فكلٌّ منهما يرى أنّ الحقّ الإلهي ثابت لمن يتولاّه من القادة، فالفارسي يراه للملوك الفرس، والشيعي يراه للإمام الذي يقول بإمامته، وهذا المعنى وإن صوّره بعضهم بأنـّه تأثّر من الشيعة بالفرس، ولكن لمّا كان التشيّع أقدم من دخول الفرس فيه، ولمّا كان الروّاد من الشيعة كلّهم عرب كما أثبتنا ذلك فيما سلف، ولمّا كانت نظرية الشيعة في الإمام لم تختلف عند زرارة عمّا كانت عليه عند أبي ذرّ وعمّار، ينتج من ذلك أنّ نظرية الحقّ الإلهي التقى بها الشيعة مع الفرس، ولم تكن نتيجة تأثر بآراء الفرس بحكم إيمان الشيعة بأنّ عليّاً وصي النبيّ(صلى الله عليه وآله)وأنّه منصوص عليه، وقد دأب على ذكر هذا التقارب كثير من المستشرقين وتلاميذهم، يقول محمّد أبو زهرة:

«وبعض العلماء ومنهم دوزي المستشرق قرّر أنّ أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية، إذ أنّ العرب تدين بالحرية والفرس تدين بالملك وبالوراثة، ولا يعرفون معنى الانتخاب . . .»، إلى أن قال: «إنّ الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسيّة حول الملك ووراثته»([13]) .

وكذلك يذهب إلى هذا الرأي أحمد أمين وجملة من المستشرقين ذكرهم هو من الذاهبين لهذا الرأي، وقد أفاض في شرح هذا المعنى في كتابه فجر الإسلام معزّزاً رأيه بآراء المستشرقين([14]) .

3 ـ الأمر الثالث: إرادة هدم الإسلام عن طريق الدخول في المذهب الشيعي والتستّر بحبّ أهل البيت(عليهم السلام)، ثمّ نقل أفكارهم الهدّامة للإسلام، كالقول بالوصية والرجعة والمهدي وغير ذلك . وفي ذلك يقول أحمد أمين: والحقّ أنّ التشيّع كان مأوى يلجأ إليه كلّ من أراد هدم الإسلام، لعداوة أو حقد، ومَن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهنديّة، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، كلّ هؤلاء كانوا يتّخذون حبّ أهل البيت(عليهم السلام)ستاراً([15]) وأرجو ملاحظة نغمة استعداء السلطة على الشيعة فهي نغمة ضرب عليها الكثيرون من قبله ومن بعده، كصاحب المنار مثلا([16]) .

إنّ هذا الاتجاه في تصوير التشيّع بأنـّه أثر فارسي واضح عند كثير من المتأخرين، مثل: محبّ الدين الخطيب، وأحمد شلبي، ومصطفى الشَكعة، وغيرهم .

ولأجل إلقاء الضوء على صحة أو عدم صحة هذه الدعاوى التي نُسبت للتشيّع، وبالذات الاُمور الثلاثة التي علّلوا بها دخول الفرس للتشيّع، لابدّ من ذكر اُمور:

1. الردّ على الاُمور الثلاثة.

2. تحديد هوية التشيّع عرقياً.

3. تحديد هوية التشيّع فكرياً.

4. تحديد هوية السنّة من نفس المنطلق، والعلل التي أخذ بها كتّاب السنّة.

وسنبحث هذه الاُمور .

 

الإجابة على أسباب دخول الفرس للتشيّع:

1 ـ الأمر الأوّل: إصهار الحسين (عليه السلام) إلى الفرس:

إنّ من القواعد المسلّم بها: أنّ حكم الأمثال فيما يجوز أو لا يجوز واحد، وبناءً على هذا فإنّ العلّة التي ذكرها هؤلاء الكتّاب في اعتناق التشيّع من قبل الفرس وهي إصهار الحسين(عليه السلام) للفرس موجودة عند عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعند محمّد بن أبي بكر، فقد ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار وغيره من المؤرخين: أنّ الصحابة لما جاؤوا بسبي فارس في خلافة الخليفة الثاني كان فيهم ثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السبايا، وأمر الخليفة ببيع بنات يزدجرد، فقال الإمام عليّ(عليه السلام): إنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهنّ، فقال الخليفة: كيف الطريق إلى العمل معهنّ؟ فقال: يُقوَّمن ومهما بلغ ثمنهنّ قام به من يختارهنّ . فقُوِّمن، فأخذهنَّ عليّ(عليه السلام)، فدفع واحدة لعبد الله بن عمر، واُخرى لولده الحسين، واُخرى لمحمّد بن أبي بكر، فأولد عبد الله بن عمر ولده سالماً، وأولد الحسين زين العابدين، وأولد محمّد ولده القاسم، فهؤلاء أولاد خالة واُمهاتهم بنات يزدجرد([17]) .

وهنا نسأل إذا كانت العِلّة في دخول الفرس للتشيّع هي مصاهرة الحسين للفرس، فلماذا لا تطّرد هذه العلّة فيتسنّن الفرس لإصهار عبدالله بن عمر لهم، ومحمّد بن أبي بكر كذلك؟ وكلّ من محمّد وعبد الله أبناء خليفة، كما كان الحسين ابن خليفة . بالإضافة ] إلى[ أنّ كلاًّ من يزيد بن الوليد بن عبد الملك واُمّه شاه فرند بنت فيروز بن يزدجرد ومروان بن محمّد آخر خلفاء بني اُمية اُمّه اُمّ ولد من كُرد إيران، فلماذا لا تُطَّرد العلّة هنا أيضاً([18])، وبالعكس لماذا لا يميل العرب السُنّة لأهل البيت الذين اُمهاتهم عربية في حين نجد قسماً من العرب يبغض أهل البيت كالنواصب مثلا؟ هذا سؤال يوجَّه للعقول التي تقول ولا تفكّر .

2 ـ الأمر الثاني: التقارب في الآراء بين الشيعة والفرس، وأنّ كلاّ منهما يقول بنظرية الحقّ الإلهي، ويقول بالوراثة ولا يعرف الانتخاب.

وفي هذا الأمر شيئان: الأوّل الاتحاد في الآراء الذي يسبّب الدخول للتشيع، وهذا الأمر لا يقول به من يحترم عقله، فمتى كان مجرد الاشتراك في رأي دافعاً للاتحاد بالعقيدة؟ إنّ كلّ باحث يعلم أنّ كلّ اُمّة أو جماعة لا تخلو من الاتحاد مع بعض الاُمم الاُخرى في رأي من الآراء أو مسألة من المسائل، ومع ذلك فلا يقوم ذلك سبباً للاندماج، ولنعد لأحمد أمين نفسه ونلزمه بنتائج رأيه إذا وجد السبب، فإنّه يقول عند بحثه لمسألة الجبر والاختيار:

إنّ مسألة الجبر والاختيار تكلّم فيها قبل المسلمين فلاسفة اليونان ونقلها السريانيون عنهم، وتكلم فيها الزرادشتيون كما بحث فيها النصارى ثم المسلمون([19]) .

وقد توزّع هؤلاء بين القول بالجبر والقول بالاختيار، وبناءً على منطق أحمد أمين فإنّ المسلمين نصارى; لأنهم اتّحدوا مع النصارى في شقٍّ مِن الرأي، وإلاّ فما هو ] مسوّغ[ أحمد أمين في اعتباره الشيعة فرساً، لأنّهم اتّحدوا مع الفرس بالقول بنظرية الحقّ الإلهي؟

أمّا الشق الثاني من الدعوى، وهو: أنّ كلاًّ من الفرس والشيعة يقولون بالوراثة فهو باطل فيما يخص الشيعة، لأنّ الشيعة لا تعتبر الإمامة متوارثة، ولا تقول بالإرث في ذلك، بل تذهب إلى أنّ الإمام منصوص عليه من قبل الله تعالى عن طريق النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو الإمام، وكتب الشيعة طافحة بذلك([20]) .

وليست مسألة النصّ على الإمام من المسائل المتأخرة عندهم، بل هي معلومة من الصدر الأوّل عند الطبقة الاُولى، وذلك لوضوح النصوص التي اعتبروها مصدرهم في مسألة الإمامة .

وللتدليل على ذلك أذكر محاورة طريفة حدثت بين الخليفة الثاني وعبدالله ابن عباس، وكان الخليفة الثاني يأنس بابن عباس ويميل إليه كثيراً، فقال له يوماً: يا عبد الله، عليك دماء البدن إن كتمتها، هل بقي في نفس عليّ شيء من الخلافة؟

يقول ابن عباس: قلت: نعم، قال: أوَ يزعم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)نصَّ عليه؟ قلت: نعم.

فقال عمر: لقد كان من رسول الله في أمرهِ ذروة من قول لا تثبت حجة ولا تقطع عذراً، ولقد كان يربَع في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطة على الإسلام، فعلم رسول الله أنّي علمت ما في نفسه فأمسك([21]) .

إنّ للمنع الذي أشار اليه الخليفة عمر، هو عندما طلب النبيّ من أصحابه في ساعاته الأخيرة ] كتفاً[، وقال: «عليَّ بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً»، فقال الخليفة عمر: إنّه يهجر، وقد غلب عليه الوجع([22]) .

وعلى العموم أنّ هذه المحاورة وأمثالها توضّح رأي الشيعة في موضوع الإمامة، وأنّها بالنصّ وليست بالوارثة، فمن أين جاء المستشرقون وتلاميذهم بنظرية الوراثة لو لا عدم الإحاطة بالتشيع أو التحريف واتّباع الهوى؟!

3 ـ الأمر الثالث: وهو أنّ دخول الفرس في الإسلام هو إرادة هدمه، ثم لتحقيق مآربهم ونقل نظريات أسلافهم، وهو ادعاء طريف ولابُدّ من الوقوف قليلا حوله، فنقول:

أولا: إنّ مؤلّفات هؤلاء القوم في الدفاع عن الإسلام ومساجدهم ومؤسساتهم الدينية وجهادهم في سبيل الله كلّ ذلك يشكّل شواهد قائمة على كذب هذه الدعوى .

وثانياً: لابدّ من سؤال لهؤلاء القائلين بهذا القول في أنّ إرادة الإلحاد والهدم عند الفرس، هل هي مختصّة بالفرس الذين اختاروا الاسلام ودخلوا في التشيّع، أو أنّها عند كل الفرس مَن كلّ من كان، من السنّة منهم، أو مِن الشيعة؟ ولابدّ أن تكون الإجابة بالعموم، لأنّ إرادة الإلحاد جاءت من كونهم فرساً، لا من أمر آخر، وإذا كانت كذلك فلماذا انصبّت الحملات على الفرس الشيعة فقط دون الفرس السنّة؟

وقد يقول قائل: إنّ ذلك انتقل للفرس من الشيعة، وهنا ينتقل الكلام إلى عقائد الشيعة، وقد ذكرنا أنّ مصدر عقائدهم الكتاب والسنّة فلا سبيل لرميهم بما ينافي الكتاب والسنّة. هذا إذا كان هؤلاء يبحثون عن الحقيقة، وهم أبعد الناس عنها، ولو لم يكونوا بعيدين عن الإرادة الخيّرة لما بضّعوا شِلَو الاُمة وفرّقوها شيعاً، ولخجلوا من المفارقات في أقوالهم; لأنّنا سنوقفك عن قريب على أنّ تأريخ وفقه وعقائد أهل السنّة أبطاله الفرس أنفسهم، ونحن لا نرى بذلك أيّ عيب أو غضاضة ما دمنا نعلم أنّنا كلّنا من مصدر واحد، وما دام قرآننا يصرّح آناء الليل وأطراف النهار بشعار الوحدة وتوحيد المصدر بقوله تعالى: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِن مَاء مَهِين)([23]) .

وثالثاً: أنّ المسائل التي أوردها القوم واعتبروها ممّا يهدم الدين ورموا بها الشيعة الفرس مثل الوصاية والرجعة والقول بالمهديّة يشاركهم بها أو بمثلها أهل السنّة، وما سمعنا أحداً ينبزهم بها أو يعتبرها عليهم سبّة، كما أنّ هذه القضايا وردت في روايات أهل السنّة بطرق موثوقة، وسنذكر ذلك قريباً إن شاء الله .

هذا، بالإضافة إلى أنّ هذه الآراء ليست من ضروريات الإسلام عند الشيعة، وقد تكون من ضروريات المذهب كالقول بالمهدي، فلماذا كلّ هذا الضجيج المفتعل؟ ولماذا كلّ هذا الصرف للطاقات الذي يخلق فجوات بين أهل القبلة فضلا عن عدم جدواه؟ ولماذا هذا الحماس المفتَعل إزاء اُمور لا ينفرد بها الشيعة، بل يقول بها السنّة أنفسهم؟

_______________________________________
[1] . مؤرّخ العراق ابن الفوطي : 1/36 و37 .

[2] . ضحى الإسلام: 1/3.

[3] . راجع الإمام الصادق لأسد حيدر : 1/344 .

[4] . مروج الذهب: ج2 .

[5] . ضحى الإسلام : 1/20 .

[6] . الزندقة والشعوبية لسميرة الليثي : 81 .

[7] . فجر الإسلام : 276 .

[8] . الظاهر: هي نظرة آبائهم.

[9] . فجر الإسلام : 111 .

[10] . تاريخ المذاهب الإسلامية : 1/41 .

[11] . القاموس الإسلامي: 3/222 .

[12] . الزندقة والشعوبية: 56.

[13] . تاريخ المذاهب الإسلامية : 1/40 .

[14] . فجر الاسلام : 276 .

[15] . المصدر السابق .

[16] . مجلة المنار لرشيد رضا: مجلد 11 سنة 1326 هـ .

[17] . فجر الإسلام : 91 .

[18] . تاريخ الخميس للدياربكري: 2/321 ـ 322 .

[19] . فجر الاسلام : 284 .

[20] . الفصول المهمة لشرف الدين: 281 ، وعقائد الإمامية للمظفر: 71 .

[21] . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 3/97 .

[22] . اُنظر صحيح البخاري : 5/137 ، انظر طبقات ابن سعد : 4/61 ، وانظر النهاية لابن الأثير : 5/246 (مادة هجر).

وفي هذا المعنى يقول أحد الشعراء :

أوصى النبي فقال قائلهم:***قد راح يهجر سيّدُ البشر

لكنّ أبا بكر أصاب ولم***يهجر وقد أوصى إلى عمر

لأنّ كلاّ منهما كانت وصيته في مرض الموت .

[23] . المرسلات : 20 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page