• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

أهم الإتجاهات التي تبلورت أو تكونت بسبب الهزة الشيوعية

أهم الإتجاهات التي تبلورت أو تكونت بسبب الهزة الشيوعية

 

    يتوقف فهم نشوء الإتجاهات الفكرية والسياسية الحديثة في كل مجتمعاتنا الشيعية ، على فهم تأثير الموجة الشيوعية في العراق(1377-1381هـ.1958ـ1962م.) على الحوزة العلمية في النجف الأشرف .

   وقد حدثت تلك الموجة بسبب أن زعيم الثورة عبد الكريم قاسم تحالف مع الحزب الشيوعي العراقي ، وكان أقوى حزب شيوعي في البلاد العربية ،  واعتمد عليهم في تشكيل حرس الثورة (المقاومة الشعبية) ، وأطلق يدهم في العمل الإجتماعي والسياسي ، فاستغلوا فرصتهم أوسع استغلال ، وساعدتهم على ذلك عوامل داخلية وخارجية ، لايدخل في غرضنا  الحديث عنها .

 

   بدأت الموجة الشيوعية في العراق بشعار (الدين أفيون الشعوب) ، ونشطوا في نشر هذا المفهوم القنبلة بكل ما استطاعوا من وسائل ! ولك أن تقدر فعل الدعوة الى الإلحاد ورفض الدين من أساسه ، في شعب مسلم كالعراق !

 

   كانت تحدياً للجميع ، لأصل وجود دين ! وتحدياً خاصاً لأصل وجود الحوزة العلمية في النجف ، ووجود العتبات المقدسة ، والعلماء السنيين ومراكزهم العلمية في بغداد والموصل ، ومشاهد أئمتهم !!

   كان المسلم المتدين في تلك الفترة ذليلاً ، كأنه ارتكب بإيمانه بالدين ذنباً يعوق تقدم كل المجتمع !

   أما طالب العلم من أمثالنا فكان حسب تهريجهم من بقايا وجود الإقطاع الرأسمالي ، وبقايا الدين الذي يخدر الشعوب عن الثورة والتقدم والرقي !

   كنا نعيش الخوف في النهار ، فلا نخرج من مدارسنا وبيوتنا إلا مجموعات وإلى مسافات قصيرة ! أما في الليل فنعيش الرعب من أن تدخل علينا بعض المنظمات الشيوعية المسلحة فتقتلنا ، أو تقتادنا الى السجن !

   وكان بعضنا ينتظر أن تصدر أوامر بمنع الدراسات الدينية وحل الحوزات العلمية ، ومنع زيارة المشاهد المشرفة ، لولا أن عبد الكريم قاسم قام بوضع حدوداً لحلفائه الشيوعيين ، بعد أن ضاقت بهم ذرعاً تركيبة المجتمع العراقي الإسلامية القبلية ، التي لا تتحمل هذا النوع من التطرف !

 

   لقد بلغ الأمر أن صاحب دكان في سوق العمارة اسمه محمد أبو اللبن مجاور لمنزل السيد محسن الحكيم+المرجع العام للشيعة في العالم ، كان إذا رأى السيد خرج الى صلاة الجماعة في الصحن الحيدري الشريف ، رفع صوت المذياع في دكانه بأناشيد الشيوعيين ، فإذا وصل السيد الى أمام دكانه  رفع صوته: (عفلقي عفلقي) ! وكان السيد&يأمر بعدم جوابه والصبر عليه !!

 

   ومعنى عفلقي: بعثي ، نسبة الى ميشيل عفلق ، فقد كان البعثيون والقوميون حزبيْن ناشئيْن مؤيديْن لجمال عبد الناصر ، يعملان ضد نظام عبد الكريم قاسم ، وكان الشيوعيون يطاردونهم ويتهمون من عارضهم بأنه ضد الثورة والزعيم الأوحد ويصفونه بأنه عفلقي ، وكان من شعاراتهم:

(والمايصفق عفلقي ، والحبال موجودة) أي: من لم يصفق للزعيم الأوحد فهو بعثي جزاؤه القتل ، والحبال حاضرة لسحله في الشوارع !

 

~        ~

 

   لقد انتهت الموجة الشيوعية الى غير رجعة ، لكن لك أن تقدر ما أحدثته من هزة وتحدٍّ في الحوزة والأمة ، وما نتج عنها من اتجاهات في العمل الديني ، في حوزاتنا ومجتمعاتنا !

 

  كان وما زال لتلك السنوات الأربع أوسع التأثير الفكري ، على الحوزة العلمية والعمل الإسلامي ، ليس في العراق فحسب ، بل في امتدادات الحوزة حيثما يوجد شيعة في البلاد العربية وإيران والعالم !

   وبذلك صح أن نسميها: سنوات الهزة ، والتنظير ، والتأسيس لأهم الإتجاهات الفكرية والسياسية الموجودة في حوزاتنا وعالمنا الشيعي الى اليوم .

 

   وما أسهل على من واكب تلك الفترة أن يعرف أصول أكثر الإتجاهات والأفكار ، والكتب والمقالات ، التي يراها اليوم في بيروت أو القطيف أو طهران أو كراتشي..لأنها ليست إلا رشحاً من تلك الينابيع التي نبعت وأخذت مجراها بعد الهزة الشيوعية ، في آخر الخمسينات وأوائل الستينات !

 

   فعلى صعيد المرجعية والحوزة ومشاريع تطوير هيكليتها ومناهجها ، نجد أن الأفكار المطروحة كلها ترجع الى الإتجاهين التقليدي والإصلاحي اللذين احتدم النقاش حولهما ، وطرحت لهما المشاريع المتعددة في تلك السنوات .

 

   وعلى صعيد فهم الإسلام والعمل الإسلامي، فالإتجاهات الثلاثة التقليدي ، والحركي ، والعصري.. ترجع الى تلك الفترة أو تتغذى من فكرها ونتاجها !

 

 

   لقد تجمعت الأسباب والعوامل يومها لتكوين تلك الإتجاهات في الفكر الشيعي والعمل الشيعي ، وأهمها العوامل الأربعة التالية:

   المحفز القوي الذي هو الموجة الشيوعية ، والفراغ الديني ، ووجود نابغين مؤسسين ، ووجود نماذج تحتذى لهم من الفكر والأعمال والتنظيمات .

 

    أما الإتجاهات التي تبلورت أو ولدت في تلك السنوات الأربع التاريخية، فهي:

 

   1-المرجعية التي تعتقد بوجوب الإنكماش الحضاري:

   2- المرجعية التي تعتقد بوجوب الإصلاح المطلبي:

 

   تعايشت المرجعية الشيعية عبر التاريخ مع الحكومات المختلفة ، من زمن العباسيين الى الخلافة العثمانية وحكم القاجاريين في إيران ، لكن مع اتفاق المراجع على مشروعية التعايش ، كان يوجد فيهم اتجاهان:

   اتجاه إصلاحي ، يرى وجوب قيام المرجعية بحركة مطلبية من السلطة لأخذ حقوق الشيعة في الحرية المذهبية ، والشؤون الإجتماعية والمعيشية.

   واتجاه آخر ، يتخوف من دخول المرجعية في الأمور السياسية سواء كانت من نوع الثورة على السلطة ، أو من نوع الحركة المطلبية ، ويرى أن واجب المرجعية ينحصر في تبليغ الدين وحفظ معالمه ، وأن هذا هو الطريق الوحيد لحفظ التشيع ومواجهة الإنحرافات الداخلية ، والغزو الثقافي الغربي .

 

   وكان هذا الإتجاه الذي سميناه(الإنكماش الحضاري)هو الغالب على تاريخ مراجعنا رضوان الله عليهم ، وحجتهم فيه أنه لايمكن إقامة حكم إسلامي فلا يجب علينا ذلك ، بل يجب علينا المحافظة على هويتنا وهوية من يسمع كلامنا من الموالين المتدينين، وأن ننكمش عن الذوبان في المحيط المخالف والثقافات الغازية ، ونكون فئة مسالمة تتعايش مع الأنظمة المختلفة ، لكنها تصر على ثقافتها وخصوصيتها ، الى أن يشاء الله ، ويظهر حجته(ع).

   لكن مراجعنا أصحاب نظرية الإنكماش الحضاري كان يتنازلون عنها في الهزات التي تواجه الأمة ، ومنها الغزو الغربي لبلاد الخلافة العثمانية ، حيث غلب منطق الدفاع عن بلاد المسلمين وبيضة الإسلام، فأفتوا بالجهاد الدفاعي، وخرجوا مع جمهورهم وعشائرهم الى ساحات الجهاد ، وقاتلوا الإنكليز الى جنب جيش الخلافة العثمانية ، وسطروا بطولات فيما سمي بـ(ثورة العشرين).

 

   وعندما غلبهم الإنكليز ورتبوا الأمر مع رؤساء العشائر(القادة الحقيقيين لثورة العشرين) واتفقوا معهم أن ينصبوا على العراق ملكاً من أولاد الشريف حسين، عاد المراجع الى حوزاتهم وسيرتهم في اعتزال العمل السياسي ، ومواصلة عملهم الأصلي في التدريس والتبليغ وحفظ معالم الدين، والتعايش مع الحكومة الجديدة ، كما كانوا يتعايشون مع الوالي العثماني !

 

   في تلك الفترة توجهت سهام النقد الى المرجعية لماذا لم يواصلوا العمل حتى يفرضوا الحكم الإسلامي في العراق ، أو لماذا لم يشاركوا في الحكومة ويفرضوا على الملك والإنكليز شخصيات كفوءة ، فقد تسبب رفضهم المشاركة في أن يعتمد الإنكليز والملك على موظفي الدولة العثمانية ويسلموهم مقدرات البلد ، وقد كان أحدهم مثلاً نوري السعيد !

 

   لكن المراجع كانوا يسرون بحجتهم الى خاصتهم بأننا قد غُلبنا ولاجمهور لنا ، ولا أدوات ضغط بأيدينا ، ومشاركتنا في الحكم لن تكون إلا شهادة زور وإعطاء شرعية لغير الشرعي ، وهذا ليس شغلنا !

 

   عادت المرجعية الى تقليديتها الإنكماشيةحتى كانت مرجعية السيد الحكيم فانتهج+التقليدية الإصلاحية ، واغتنم فرصة زيارة الملك فيصل الى النجف حيث كان عُرْف المرجعية يقضي بأن يلتقي المرجع مع الملك في حرم أمير المؤمنين(ع) ، فالتقى به وقدم له مجموعة مطالب تتعلق بالحرية المذهبية ، وإنصاف المناطق المحرومة .

 

   وعندما نجحت ثورة عبد الكريم قاسم أرسل اليه السيد+رسالة تهنئة تضمنت عدداً من المطالب المشابهة .

 

   كما كان يرسل مطالبه المشابهة الى عبد السلام عارف وأخيه عبد الرحمن عارف ، ثم الى البعثيين .

   أما اصطدامه في آخر حياته+مع البعثيين فكانت له عوامل أجبرته على تجاوز الخط الإصلاحي المطلبي الذي يؤمن به . وللحديث عنها مجال آخر .

 

 

   3- المرجعية الموضوعية:

 

   وهي مشروع طرحه أستاذنا الشهيد السيد محمد باقر الصدر+ ، مقابل النوعين الأولين من المرجعية ، على أساس أنهما مرجعية ذاتية تتمحور حول شخص المرجع ومعتمديه من أولاده ووكلائه ، وتموت مشاريعها بموته.

   وسمهاها أيضاً المرجعية الرشيدة ، في مقابل المرجعة غير الرشيدة ، ويسميها بعضهم المرجعية المؤسساتية ، في مقابل المرجعية غير المنظمة ! 

   وقد بقي هذا المشروع في ذهنه+ولم يشهد التطبيق !

   وقد تبنت مشروعها حركة الدعوة الإسلامية في الستينات ، وكتب الأستاذ محمد عبد الساعدي تصوراً للمرجعية ومجلس الفقهاء ونشره في كتاب ، وخلاصته أن تكون المرجعية مؤسسة مجلس فقهاء شبيهة بالفاتيكان ، تقدم  المشورة والفتاوى الفقهية للحاكم المسلم ، ليختار أصلحها في نظره .

   كما تبنى بعضهم مشروع المرجعية الرشيدة أخيراً ، ولم ينجح في تطبيقها ، وقد ناقشنا هذا الموضوع في كتاب: (نظرات في المرجعية)

 

4- الإتجاه العصري العلماني:

 

   وهو اتجاه يتبناه مثقفون من أنواع متعددة ، ففيهم علماء دين ومتدينون ، وفيهم غير متدينين ، وملحدون . ذلك أن مصطلح العلمانية في بلادنا كان وما زال عاماً عائماً ، يشمل الملحدين واليساريين والقوميين ، وبعض المتدين التقليديين الذين يعتقدون بأن الحكم بالدين لغير النبي(ع)والإمام المعصوم (ع)عملٌ يضر بالدين ، ويبعد الناس عنه أكثر مما يقربهم اليه !

   ويدَّعون أن مشروعهم يمنع الصراعات الدينية التي تنشأ من تبني الدولة للدين ، كما ينزه الدين من أن يستغله نظام حكم فيمارس الظلم والقتل والإضطهاد باسمه وينفر الناس منه !

 

   والمقولة المشتركة بينهم: أن الدولة يجب أن تكون دنيوية على أساس العلم والقانون والعدالة.. الى آخر المبادئ الإنسانية بتعبيرهم .

   ويقول المتدينون منهم: نحن لانتبنى تعطيل أحكام الإسلام، بل يجب علينا أن نعمل بكل وسعنا لبلوغ هذا الهدف العظيم ، لكنا نعتقد عدم إمكان تطبيقها إلا على يد المعصوم(ع) !

   ويقولون إنهم لايتبنون العلمانية التي تعادي الدين كعلمانية تركيا وروسيا ، بل العلمانية التي تعطي الحرية للسلوك الفردي ، وتضمن حرية ممارسة شعائر الدين ومؤسساته القانونية ، كما في أكثر البلاد الغربية .

 

 

   وكان غالبية السياسيين الشيعة والسنة في الستينات ، في العراق وغيره ، من هؤلاء العلمانيين، وكان عدد قليل من طلبة الحوزة يتأثرون بهم ، ويميلون الى القومية وأفكار التجديد الغربي .

 

5- الإتجاه الحركي الحزبي:

 

   ما أن انتشرت فتوى المرجع الحكيم+ضد الشيوعية ، حتى أحدثت موجة ضد الشيوعيين في أنحاء المجتمع العراقي ، وبدأت الوفود الشعبية من المحافظات تتقاطر على النجف مؤيدة للسيد المرجع+ ، وتحولت الحوزة العلمية وبيوت علماء الشيعة والسنة ومراكزهم ، الى خلية عمل لنشر البيانات والكتب ، وعقد المجالس لإدانة الشيوعيين وتأييد الإسلام وعلمائه .

 

   وفي أيام الشعور بالنصر على موجة الإلحاد ، انفتح سوق العمل الحركي والإصلاحي على مصراعيه ، وبدأ التداول في النجف وبغداد وكربلاء وغيرها  بين علماء ومثقفين ، في مشاريع العمل الإسلامي .

 

   لم يكن يوجد عند الشيعة إلا تنظيم إيراني(فدائيان خلق)وهو تنظيم فدائي يتبنىالعنف والإغتيال للتوصل الى إقامة نظام إسلامي ، ولم يكن معروفاً في البلاد العربية ، إلا في بعض الأوساط المتصلة بالإير انيين كالنجف .

 

   وكان يوجد تنظيم آخر نشأ في النجف ، اسمه(الشباب المسلم)وكان تنظيماً سرياً بقيادة المرحوم الشيخ عز الدين الجزائري ، وهو شبيه بتنظيم الشباب المسلم الذي نشأ قبل سنوات في سوريا ، بعد أن ضرب جمال عبد الناصر تنظيم الإخوان المسلمين في مصر ، وحظر فروعه في سوريا وغيرها .

 

   وكان عند السنة في العراق تنظيم الإخوان المسلمين ، وكان تنظيماً قوياً خاصة في الموصل وبغداد . وقد نافسه تنظيم حزب التحرير ، وكان بعض الشيعة في هذين التنظيمين ، فخرجوا منهما وشاركوا في أطروحات العمل الإسلامي ، والمداولات التي استمرت شهوراً حولها .

   واستقرت مداولات المتشاورين والمنظِّرين على تأسيس عدة حركات ، أهمها الدعوة الإسلامية ، كمشروع لإقامة الدولة الإسلامية العالمية ، وكان بعض مؤسسيها متأثرين بأفكار التنظيمات التي كانوا فيها أو أعجبوا بها ، وقد أخذوا موقعاً قيادياً في الدعوة فكانوا أصحاب التأثير في أفكارها وقرارها .

   في مقابل ذلك تأسست حركات شيعية أخرى ، كانت أقرب الى المرجعية والحوزة من حركة الدعوة ، لأنها تتبنى قيادة المرجعية ، بينما تتبنى الدعوة قيادة شورى الحزب ، وأغلب أعضاء تلك الشورى لم يكونوا من الحوزة .

 

   وللحديث عن ذلك مجال آخر .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page