• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع

    نوجز فيما يلي أهم عوامل الفهم التركيبي أو الإلتقاطي للتشيع ونتائجه ، في تسع مسائل ، وإن كانت كل واحدة منها تستحق كتاباً لتفصيلها.

 

المسألة الأولى

  النظرة الخاطئة الى التاريخ الإسلامي

 

   في مطلع هذا القرن كان تحدي الغربيين للإسلام والمسلمين كبيراً ، فقد أخذهم الغرور بثورتهم الصناعية وتقدمهم المادي ، ونشطوا لغزوا العالم ، وأخذوا يروجون لنظرية تفوق الإنسان الأوروبي ، بينما كان العالم الإسلامي غارقاً في الركود والتخلف ، تحت حكم الخلافة العثمانية ، والقاجارية...

   وبعد استفحال موجة الغزو الغربية ، جاءت موجة المد الشيوعي واليساري في أوائل هذا القرن أيضاً ، وكان تحديهم أكثر صراحة ووقاحة !

 

   وكان الرد الطبيعي من علماء المسلمين ومثقفيهم أن قالوا لهم: مهلاً أيها الغربيون والشرقيون ، لاتفخروا علينا فنحن أيضاً أبناء دين وحضارة وأمجاد !

   لقد استطاع نبينا(ع)وديننا العظيم أن يؤسس مداً حضارياً ، وينشئ دولة عالمية ، في مدة قياسية ، في حين كنتم أنتم غارقين في الركود والتخلف !

   نحن هزمنا كسرى وقيصر وفتحنا بلادهما ، وأقمنا دولاً حديثة وحضارة عالمية ، أسسنا فيها العلوم ، وعلمنا الشعوب ، ومن جملتهم أنتم !

   إنكم مدينون لنا في ثورتكم الصناعية وحضارتكم ، لأنا نحن الذين أسسنا العلوم الطبيعية فاستثمرتموها وطورتموها ، فنحن المؤسسون والأساتذة ، وأنتم التلامذة النابغون !

   أما العلوم الإنسانية فكنا وما زلنا معلمين فيها لكم ولغيركم ، لأن ما يوجد في الإسلام من مبادئ وقيم وشريعة سماوية عادلة فوق ما عندكم ، وما زالت مجتمعاتكم بجاجة اليه !

   كان هذا المنطق هو السائد عند المسلمين ، وفيه قدر من الصواب ، وفيه ردة فعل وتفاخر بـ(القومية الإسلامية) .

 

   وعندما نجح الغربيون في إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1925م. بمساعدة الحركة الوهابية وحركة القومية العربية ، وسيطروا على البلاد التي كانت تحكمها ، وأقاموا فيها دولاً قومية عربية وغير عربية.. طفحت ثقافتهم التي تنتقد الدين والتاريخ الإسلامي ، وتأثر بها أبناء المسلمين ، فتعززت عند المتدينين مكانة ثقافة القومية الإسلامية .

 

   وكان أمثال السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده ، والشاعر محمد إقبال لاهوري ، يمثلون فكر إنهاض الأمة ، في مقابل موجة الغزو الغربي وثقافته ، وعلى وَقْع صيحاتهم وأفكارهم تأسست الحركات والأحزاب الإسلامية في أندونيسيا ، ثم في مصر ثم في بقية البلاد ، وتبنت ثقافة التفاخر بأمجاد الإسلام وتاريخه وخلافته .

 

 

   كان من السهل عليك أن تلاحظ أيام الموجة الشيوعية في العراق وبعدها كتب الإفتخار بأمجاد الإسلام تملأ أسواق الكتب في النجف ، وتختار ما تريده من كتب جمال الدين الأفغاني ، وحسن البنا ، والمودودي ، ثم سيد قطب ، ومحمد قطب ، وظفر الدين خان..الى آخر قائمة المؤلفين الذين يجيبون على فكر الغربيين واليساريين ، ويتفاخرون بأمجاد الإسلام وتاريخه .

   كانت تلك الكتب مادة المتدينين لمناقشة الشيوعيين في العراق ، ومادة الخطيب في مساجد مصر ولبنان والهند ، ومادة مقدم البرنامج الديني في إذاعات الدول العربية التي تسمح بذلك .

   كانت أنشودتنا الفكرية هي النظرة السنِّية الىأمجاد تاريخ الاسلام في فتوحاته وحضارته وشمول دولته لكل آسيا وإفريقيا ، ووصولها الى فرنسا .

 

   هذه النظرة التي تكاد تعتبر أن كل ما حدث في تاريخنا كان صحيحاً بل معجزة ، وتقول إن الأمة ابتعدت عن ذلك الإسلام الصحيح فتسلط عليها أعداؤها وقوضوا كيانها السياسي المتمثل بالخلافة العثمانية ، وأن علينا إعادة دولة الخلافة مجدداً ، مع تحسينات تجعلها تتسع لجميع مذاهبه .

 

   لكن هذا الفكر إن صح جواباً على هجمة الثقافة الغربية والشيوعية ، فلا يصح أن يؤثر علينا نحن أتباع أهل البيت(ع)فنعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وأنظمته ، وننتقص من مقام أهل البيت الطاهرين(ع)بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الإسلامي ، وإن لم يطبق مشروعهم بعدُ .

 

   فلا بد لنا أن نركز أولاً على قضيتهم(ع)بصفتها البرنامج الرباني الذي تركته الأمة ، فتخبطت في ضياعها وصراعاتها وعانت منها ، أكثر مما نَعِمَتْ بما بقي فيها من زَخْم نبوي وهداية ، سلمت من شر برنامجها الأرضي !

 

   لذلك وجب علينا أن نتعامل بدقة مع مفردات الفتوحات والإنجازات المدنية والحضارية التي حققتها الأمة قبل أن تضعف وتنهار ، فننظر الى كل مفردة على حدة ، ونقيِّمها بميزان الإسلام من وجهة نظر أهل البيت(ع).

 

   مثلاً الدخول التاريخي للنعمان بن مقرن&على كسرى يزدجرد ، وكان اختاره علي(ع)وأشار على عمر أن يرسله اليه ، فدخل على كسرى باعتزاز ودعاه الى الإسلام أو الجزية !

   فهذا أمرٌ يعتز به المسلم، فإن من أمجاد الإسلام أنه جعل واحداً من شيوخ قبيلة مزينة الصحراوية كالنعمان ، يخاطب رئيس ثاني أمبراطورية في العالم بهذا الخطاب القوي الواثق ! ( تاريخ اليعقوبي:2/143).

 

   وقصةُ الحمامة التي عششت على خيمة للجيش الإسلامي الذي فتح مصر ، وعندما أرادوا أن يرحلوا أخذتهم الشفقة على فراخها أو بيضها فتركوا لها الخيمة أو الفسطاط ، فسميت المنطقة بفسطاط مصر !

   هذه القصة أيضاً من أمجاد الإسلام لأنها رمزٌ تحول إنساني أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين كان بعضهم يدفنون بناتهم وهن أحياء!(معجم البلدان:4/263)

 

   وحقيقةُ أن المسلمين كانوا أرحم الفاتحين ، حتى أن كثيراً من أهل البلاد المفتوحة  طلبوا منهم فتح بلادهم ، وإنقاذهم من استعمار الروم والفرس !

   هذه أيضاً من أمجاد الإسلام التي تخفف من الأخطاء ، والقتل ، والنهب ، التي ارتكبها المسلمون في عمليات الفتح .

 

 

 

   وعلى صعيد الحضارة ، والمدنية ، والقوة السياسية للدولة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى وفي العهد العثماني ، تكثر قائمة الإنجازات الإيجابية...

 

 

   لكن ذلك لايجيز لنا أن نغمض عيوننا عن السلبيات الكبرى في تاريخ الإسلام ، التي جرَّت الأمة الى أسوأ نتائج الضعف والإنهيار !

   ولو لم يكن منها إلا مواجهة الأمة لنبيها(ع)في حياته ، ورفضها التعهد له بتنفيذ كتابه الذي يؤمِّنُها من الضلال والإنحراف والإنهيار ، لكفى !

 

   ولو لم يكن منها إلا رفض الأمة منظومة الترتيب الإلهي للحكم بعد نبيها وإقصاؤها آل نبيها(ع)عن الحكم ، وجعلها الخلافة لقبائل قريش ، لمن غلب منهم بالسيف ، لكفى !

 

   ولو لم يكن منها إلا الحكم الديكتاتوري ومصادرة حريات الأمة ، وتشريع بيعة الحاكم بالتهديد بالسيف ، من يوم السقيفة الى يومنا هذا ، لكفى !

 

 

   أليس عجيباً أن نقول إن الإسلام أعطى الإنسان قيمته الإنسانية ، وضمن له حرياته المشروعة ، ثم نرى أنه بمجرد أن أغمض النبي(ع)عينيه صادروا حريات المسلمين في سقيفة قريش ، وسَنُّوا سُنَّة البيعة بالإجبار والتهديد بالقتل وحرق البيوت ! فلم نجد بعد ذلك اليوم في تاريخ الأمة حاكماً لم يجبر المسلمين على بيعته ، غير الإمامين علي والحسن(ع) !

 

 

   إن علينا عندما ننظر الى أمجاد الإسلام العظيمة ، أن ننظر الى ما يقابلها من جرائم عظيمة ، أدت الى تبخير كل ذلك الكيان ، وجعله حكايةً في خبر كان! 

 

   وعندما نتحدث عن أزهى عصور الإسلام وقوة دولته في عصر هارون الرشيد ، علينا أن نعرف أيَّ سفاح كان هذا الخليفة ، الذي رأى كرامات الإمام الكاظم(ع)ومعجزاته وشاهد آيات الله على يديه ، فازداد قلبه قسوة ولم يقنع بسجنه الطويل ، حتى قتله !

 

   أن نعرف أن هذا (الخليفة الرشيد) ظل يتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الناس الى أشلاء الى آخر دقيقة من حياته كما يرويه محبوه وليس مبغضوه !

   قال الطبري في تاريخه:6/525: (عن ابن جامع المروزي عن أبيه قال: كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع ، قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً، كما لم تفتني ! فقال له: يا أميرالمؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله ، أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ! فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لاتشحذ مداك ، أتركها على حالها! وفَصِّلْ هذا الفاسق وعجل لايحضرنَّ أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاءً ! فقال: عُدَّ أعضاءه ، فعُدَّت له أعضاؤه فإذا هي أربعة عشر عضواً ! فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه! ثم أغمي عليه وتفرق من حضره! ) . انتهى.

 

 

   ولم يكن الخلفاء العثمانيون أفضل من هذا الخليفة القصاب ، بل أسوأ !

 

   إن الذين حكموا الأمة من مخالفي أهل البيت(ع)مَثَلُهُمْ كقراصنة بحرٍ سَطَوْا على سفينة نبيٍّ ، فاعتقلوا ربانها ومعاونيه ، وأبحروا بالسفينة وأهلها وحاربوا لصوصاً آخرين في طريقهم ، وحققوا عليهم انتصارات .

   وفي المقابل اضطهدوا أهل السفينة وساموهم سوء العذاب ، واتخذوا بعضهم أعواناً ، ولم يوصلوا السفينة الى الساحل ، بل اختلفوا فيما بينهم وتقاتلوا ، فرسَوْا بها في جزيرة ، فاستلمها لصوص أجانب غنيمةً باردة !

 

   وخلاصة الأمر:  ما دمنا نؤمن بإمامة أهل البيت النبوي(ع)وظلامتهم العظيمة  ونقيِّمُ تاريخ الإسلام بميزان الإسلام ، فلا بد أن ننظر معاً الى الوجهين المضئ والمظلم ، فهذا الوجه المظلم هو الذي قوض الكيان الشكلي للإسلام ومكَّن الظلام الغربي من السيطرة !

 

   العلاقة بين المعصوم(ع)وغاصبي سلطته:

 

   من أبرز مصاديق الخلل في فهم تاريخ الإسلام ، الخطأ الذي يقع فيه بعض هؤلاء في فهم العلاقة بين الأئمة المعصومين(ع)وغاصبي سلطتهم .

   فمن الواضح أن الجدلية بين نبي صادق(ع)ومُدَّعٍ للنبوة ، أو بين إمامٍ مختارٍ من ربه(ع)وبين غاصبٍ لسلطته ، لايمكن أن تكون إلا جدلية النفي التام ! فالقيادة المعصومة والغاصبة ضدان يستحيل أن يجتمعا . ومهما بدا لنا من إمضاء المعصوم(ع)لوضعٍ من الأوضاع ، فلا بد أن يكون رحمةً بالأمة من أجل تقليل الضياع ، وتأخير الإنهيار ، وحفظ ما يمكن من المهدور ، وتصريف ما يجب تصريفه من الأمور .

   ومحالٌ أن يكون إعطاءَ روحٍ لميت ، أو منحَ شرعيةٍ لغاصب !

 

   وبهذا نعرف أن كل محاولات التقليل من هذه الجدلية لاتنسجم مع أسِّ أساس المذهب الذي هو بيعة الغدير ، وبقية نصوص النبي(ع)القاطعة على إمامة علي(ع)والعترة الطاهرة وعصمتهم(ع)، ولا مع موقف أمير المؤمنين والصديقة الزهراء وجميع الأئمة(ع)الذي يؤكد على أن كل ترتيب يزعمه أحد في قبال المعصوم فهو ردٌّ على الله تعالى ورسوله(ع)ومَعْلَمٌ من معالم الضلال البشري في مقابل الهدى الإلهي ، وخطُّ انحرافٍ في مقابل الصراط المستقيم .

   إن النبي(ع)والأئمة(ع)مهما أمرونا أن نسكت علىنظام حكم من غصبهم سلطانهم الرباني ، أو أن نتعاون معه في المشتركات ، فلم يجيزوا لنا أن نعطي نظامه حرفاً من الشرعية ، إلا ما جاز في خوف وتقية .

 
   نسبة الفتوحات الإسلامية الى الولاة لا إلى الأمة:
 

   يُهَوِّل علينا خصوم أهل البيت(ع)بأن أبا بكر وعمر وعثمان هم الذين قادوا الفتوحات الإسلامية ، وأن علياً(ع)انشغل عنها بالحروب الداخلية ،  حرب الجمل عائشة وطلحة والزبير ، وحرب صفين مع معاوية ، والنهروان مع الخوارج ، فقد أوقف حركة الفتوحات ، أو أنها كانت تمت قبل عهده .

   وهم يريدون بذلك إثبات فضيلة لخلفاء قريش ، توجب غض النظر عما ارتكبوه من غصب الخلافة ، وإقصاء أهل البيت(ع) !

   وقد أثر هذا التهويل على بعضهم لعدم اطلاعهم على دور أمير المؤمنين (ع)ودور الأمة في الفتوحات . ونكتفي هنا بذكر ملاحظات كلية حول ذلك :

 

   1 ـ لقد هيأ النبي(ع)المسلمين للفتوحات وأخبرهم من أول بعثته بأن الله تعالى وعده أن تفتح أمته بلاد كسرى وقيصر وتملك كنوزهما ، وكان ذلك معروفاً للجميع وكأنه من عقائد الإسلام وأحكامه .

   ففي مجمع الزوائد:9/103:  (عن عفيف الكندي قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت مكة فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبايع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجراً قال: فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه إذ نظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي ، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين ناهز الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي . قال فقلت للعباس يا عباس: ما هذا ؟ قال: هذا محمد بن أخي بن عبد الله بن عبد المطلب . قال قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد . قال: فقلت من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه . قال قلت: فما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي ، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى ، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر !!

   قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد فحسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانياً مع على بن أبي طالب !! رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والطبراني بأسانيد ، ورجال أحمد ثقات.).انتهى.

 

   وفي الكافي:8/216: عن الإمام الصادق(ع)قال: (لما حفر رسول الله(ع) الخندق مروا بكدية (وصلوا الى صخرة صلبة) ، فتناول رسول الله(ع)المعول من يد أمير المؤمنين(ع)فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول الله(ع): لقد فتح عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى) !

   ونسب ابن هشام في سيرته:2/365 و:3/706 ، هذا القول الى مُعتَّب بن قشير الأنصاري . والمهم إثبات أن الوعد الإلهي بالفتوحات كان معروفاً للجميع ، وأن الأمة كانت متحفزة لذلك ، ومعتقدة أن فتح بلاد فارس والروم وعدٌ من الله الذي لايخلف الميعاده ، وأن أي حاكم يتولى السلطة بعد النبي (ع)كان محكوماً لهذه العقيدة ، مجبوراً على أن يوجه الأمة وجهتها النبوية .

 

   2- أن خلافة أبي بكر كانت نحو سنتين ، ولم يكن فيها إلا مقدمات الفتوحات , أما في خلافة عمر فكان علي(ع)هو المدبر الحقيقي للفتوحات ، وكان تلاميذه الفرسان عمدة قادتها الميدانيين ، مثل عمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن عمرو ، وحجر بن عدي ، ومالك الأشتر ، وهاشم المرقال ، وعبادة بن الصامت ، وخالد بن سعيد بن العاص وإخوته أبان وعمرو ، وبريدة الأسلمي ، وبلال بن رباح ، وعبدالله بن خليفة البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وبديل بن ورقاء الخزاعي والنعمان بن مقرن.. وغيرهم من الفرسان الذين كانوا من شيعة علي(ع) ، والذين قامت على أكتافهم حروب الفتوحات .

 

   ويكفي أن نعرف أن المسلمين هزموا في أول معركة لهم مع الفرس قرب الكوفة ، وهي التي تسمى (يوم القادسية ، ويوم الجسر ، وقيس الناطف) حتى طمع الفرس في غزو المدينة ، وأعدوا جيشاً ذا عدد ، فخاف عمر واستشار الصحابة ، فثبته أمير المؤمنين(ع)وطمأنه بالنصر ، وأشار عليه أن يقيم في المدينة ويرسل مدداً للمسلمين ، واختار لمددهم عدداً من القادة الفرسان .

   ومن المعروف عن عمر أنه كان خوافاً ولم يكن يوماً فارس حرب ، وقد شهد بأن أبا بكر وصفه بالجبن والخور !  ففي كنز العمال: 6/527: ( عن عمر قال: لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولانزكي فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش ، فقال: رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك ! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ! ماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟! هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي!! والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً ، قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني ، وأدب الناس على أمور هانت عليَّ كثير من مؤنتهم حين وليتهم ).

 

   وبعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر العراق والبصرة والأهواز ، أوقف عمر الفتوحات ! قال الطبري:3/176: (قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز ، وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولانصل إليهم ! كما قال لأهل الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولا نصل إليهم ! ) .

   وفي الطبري:3/246: (عن أبي الجنوب اليشكري عن علي بن أبي طالب قال: لما قدم على عمر فتح خراسان قال لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار ، فقال علي وما يشتد عليك من فتحها ، فإن ذلك لموضع سرور !) .

 

   والأمر في فتح الشام كفتح العراق ، وهما أساس كل الفتوحات الإسلامية ، فيكفي أن نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي(ع)مثل حذيفة ، وحجر بن عدي ، وخالد بن سعيد بن العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة فتوحات الشام ، فخالف عمر وأصرَّ عمر على عزله لأنه من شيعة علي ، لكنه ذهب قائدأ ميدانياً ، وهاشم المرقال الذي كان قائد الرجالة ، ومالك الأشتر ، الذي غير الميزان لمصلحة المسلمين في معركة اليرموك وهي أهم معارك المسلمين مع الروم عندما برز الى قائد الروم وبطلهم (ماهان) فقتله !

   قال ابن الأعثم في كتابه الفتوح ص230:

   ( ثم سار ماهان من أرض حمص في مائة ألف فارس ، حتى نزل اليرموك وهو نهر من أنهار بلد الأردن ، فلما استقر به الموضع إذا قناطر قد أقبل في مائة ألف فارس حتى نزل به مع ماهان ، قال: وإذا بطريق من بطارقة الروم يقال له جرجيس قد أقبل من عند ملك الروم مدداً لماهان في مائة ألف فارس ، قال : فصار ماهان في أربعمائة ألف فارس ) .

   وقال في ص268: (وبرز ماهان فخرج إليه رجل من دوس فقتله ماهان ، وخرج إليه ثان فقتله ! وجال ماهان وقوي قلبه ودعا بالبراز فسارع المسلمون إليه وكل يقول: اللهم اجعل قتله على يدي ، فكان أول من برز إليه مالك النخعي ثم جاوله في ميدان الحرب ، فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال: لا ، أنا مالك النخعي صاحب رسول الله(ع)، فحمل على مالك وضربه بعموده على بيضته فغاصت البيضة في جبهته فشترت عينه ، فمن ذلك اليوم سمي (الأشتر) وكان من فرسان العرب المذكورة ، فصبر نفسه وحمل على ماهان والدم يسيل من جبهته ! وأخذته أصوات المسلمين فقوى عزمه . قال مالك: فاستعنت عليه بالله عز وجل وصليت على محمد(ع) وضربته ضربة عظيمة فقطع سيفي فيه قطعاً غير موهن ، فلما حس بحرارة الضربة ولى منهزماً ، فصاح خالد بالمسلمين: يا أهل الصبر والبأس إحملوا على القوم ما داموا في دهشتهم...الخ.). انتهى.

 

   ولامجال لتفصيل دور علي(ع)وتلاميذه في الفتوح ، وهو يحتاج الى دراسة جادة تكشف الواقع ، وتنفي عنه تزييف رواة  السلطة القرشية .

 

   قال(ع)شاكياً قريشاً:

   ( اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم أضمروا لرسولك (ع)ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحِلْتَ بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ . اللهم احفظ حسناً وحسيناً ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد .

   وقال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله(ع)ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه ؟ أمرها ؟

   قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! إن العرب كرهت أمر محمد(ع) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته !

   ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكراً !

    ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت: لولا إنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف !!

   وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله(ع)لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة !!

   اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة ، ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضي على منهاج نبيك(ع) ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك).(شرح النهج:20/298).

 

   3- حتى لو سلمنا أن لسلطة الخلافة القرشية وخلفائها دوراً في الفتوحات،

فإن ذلك لايغير من الأمر شيئاً ، ولا يعطي شرعية لحكم خالف النص النبوي والأمر الإلهي وقام على أساس العصبة القبلية وأن قبائل استكثرت على بني هاشم النبوة والخلافة ، فقررت أن تأخذ منهم الخلافة وتجعلها في قبائلها !! وقد صرح بمعنى ذلك عمر بن الخطاب! ولا مجال للتفصيل .

 

~        ~

 


 

 

 

المسألة الثانية
 الفهم الخاطئ للوحدة الإسلامية

 
   وحدة الأمة فريضة شرعية على جميع المسلمين ، ومطلب لجميعهم ، لكنها مع ذلك حلمٌ بعيد المنال !
   والسبب هو السياسة التي فرقت وما زالت تفرق الأمة ! 
   وأهم مشاريع الوحدة ثلاثة:
 

   1- الوحدة بالإجبار على مذهب الخليفة وطاعته:

 

   وهي تعني سيطرة خليفة أو حاكم على الأمة وفرض مذهبه وأفكاره عليها بالقوة ، ومصادرة حريات المعارضين الثقافية والمذهبية والسياسية .

 وهي التي طبقها أبو بكر وعمر وعثمان بعد النبي(ع)وكذلك بنو أمية وبنو العباس ، ثم طبقتها الدول المنشقة عنهم كدولة الأدارسة في المغرب ، ودولة الأمويين في الأندلس ، ثم الدول الوارثة لهم كدولة المماليك في مصر ، وأخيراً دولة الخلافة العثمانية .

   وهي الوحدة التي يتبناها أصحاب مشروع الخلافة الإسلامية في عصرنا ، كحزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي ، وكل الحركات التي تدعو الى إعادة  أمجاد الإسلام والخلافة .

   ونحن بصفتنا أتباع مذهب أهل البيت(ع)وفقهه ، لانستطيع أن نعتبر دول الخلافة دولاً شرعية ، ولا إسلامية بالمعنى الحقوقي ، لأن الحكم فيها قام على الغلبة والقهر ، وليس على دستور ونظام حكم محدد الأجهزة والآليات ! ولأنها صادرت الحريات الشرعية لفئات واسعة من الأمة ، إن لم يكن لجميعها ،  وهما أمران يحتاجان الى بحث مستقل .

   ونستثني دولة أمير المؤمنين علي(ع)لأنه الحاكم الوحيد الذي قام حكمه على البيعة بالإختيار ، ولم يجبر أحداً على بيعته أو القتال معه ، وأعاد الى المسلمين حريتهم في التعبير والعمل معه أو ضده !

   إن نقطتي الضعف هاتين(الحكم بالغلبة، ومصادرة الحريات) هما السبب في انهيار الدول التي قامت في تاريخنا الإسلامي ، رغم أنها كانت تملك أفضل الظروف ، وأقوى عوامل الثبات والإستمرار !

   فقد كانت النتيحة الطبيعية للنظام القرشي الذي ولدته السقيفة وقمعت لأجله الأنصار وأهل البيت(ع)، أن يتسلط بنو أمية ، وأن يسببوا في الأمة ردة فعل فيتسلط بنو العباس ، ثم تتسلط عسكرتاريا المماليك والأتراك ، ثم تدفن الخلافة العثمانية بيد الغربيين في استانبول ، وبمساعدة حركات (التحرر) العربية ، والحركة الوهابية السلفية !

 

   2- الوحدة التلفيقية بين المذاهب:

 

   يتصور البعض أن بالإمكان توحيد المسلمين مذهبياً بالإتفاق على المشتركات في العقائد والفقه ، وحل المسائل الخلافية بحلول وسط .

   ويكثر هذا التصور في المثقفين على الطريقة الغربية ، الذين لايعني لهم الدين شيئاً كثيراً ، فضلاً عن الفروقات بين مذاهبه! كما يوجد في مناطق تعايش السنة والشيعة ، فيقول بعضهم: أنا مسلم وكفى ، نريد إسلاماً بلا مذاهب !

   والإشكال عليه أنه مشروع نظري غير قابل للحياة ، فليس له ضابطة تعيِّن المشتركات ، ولا مَن سيختارون المذهب الملفق من المذاهب ؟! 

  ولو فرضنا أنه تحقق في صيغة من الصيغ ، وصار للمذهب (المنتخب) قوانين حكومية ، فسيكون سبباًً لخلافات جديدة بين الناس !

   قد يقال: نعم ، ولهذا يستدل العلمانيون على ضرورة القوانين العلمانية ، بأن المسلمين مختلفون على المذهب الذي يجب تطبيقه ، فالأفضل أن تكون القوانين مدنية حتى لا نقع في مشكلة الصراع المذهبي .

   والجواب: أن الحل الإسلامي للقوانين لاينحصر بفرض مذهب بالغلبة والقهر ، أو مذهب تلفيقي ! بل يكون بإعطاء الحرية المذهبية للمسلمين .

   وثانياً ، أن النظام العلماني نفسه ليس إلا شكلاً غربياً لنظام القهر والغلبة ! فهو لايحل مشكلة الدستور والقوانين ، بل يلجأ الى الحكم العسكري  لخوفه من الإنتخابات الحرة !

   وثالثاً ، أن النظام العلماني ليس حلاً لمشكلة المذهبية ، بل هو إحداث قول ثالث ومذهب إضافي تعارضه أكثرية المسلمين من مختلف المذاهب !

 

 

   3- الوحدة السياسية مع حفظ الحريات الإقليمية والمذهبية:

 

   وهو الأكثر ملاءمة للإسلام وروح العصر ، لأنه لايقوم على القهر والغلبة ، بل يعطي الحرية المذهبية للمسلمين ، ويركز على وحدتهم في حفظ مصالحهم العليا كشؤون الدفاع ، والتنمية ، والحفاظ على الثقافة الإسلامية .

  وهذه الوحدة التي دعا اليها أهل البيت(ع)بعد أن خسرت الأمة وحدتها الطبيعية بوفاة النبي(ع)ودخلت تحت وحدة الإجبار على مذهب الخليفة!

 

   مقولة إخفاء المذهب من أجل الحفاظ على الوحدة !

 

   كنا في الستينات نفكر أنَّنا كأصحاب مشروع نهضوي بالأمة ، لابد أن نحرص على وحدتها ، ونغض النظر عن مذهبنا، ونخاطبها إسلامياً لامذهبياً !

   وبما أن أئمتنا(ع)أئمة لكل الأمة ، فعلينا أن نقدمهم بصفتهم قادة عملوا لإغناء المسار الإسلامي وتصحيحه . لكنه تصور خاطئ للأسباب التالية:

 

   1- أن مخاطبة الأمة بالإسلام بدون مذهب أو بإخفائه ، قد يصح من شخص يحتاج الى إخفاء مذهبه مثل السيد جمال الدين الأفغاني ، لأن إظهار مذهبه يضر بهدفه الذي نذر له حياته ، وهو المحافظة على الأمة من الغزو الغربي ، والعمل لتقوية قيادتها المتمثلة بالخلافة العثمانية .

   أما الحركة التي تنطلق من علماء في الحوزة العلمية في النجف ، وتعمل في وسط شيعي ، وأحياناً نادرة في وسط سني ، فلا يمكنها أن تواصل مخاطبتها للأمة بدون مذهب إلا مدة قصيرة ! لأن مذهبها معروف من سلوك أفرادها ، وسوف ينظر أتباع المذاهب الأخرى بريبة الى أسلوبهم في إخفاء مذهبهم ، ويطلبون منهم تحديد موقفهم من المذاهب .

   وهذا ما حدث بالفعل، فقد تم تصنيف الحركات الإسلامية المرتبطة بعلماء الشيعة الى حركات مذهبية ، سواء من الحكومات أو الجمهور السني ، وصار ذلك لازمةً لها لاتنفك عنها ، ولم ينفعها ابتعادها عن إعلان مذهبها ، ولا تحاشيها الخطاب المذهبي في ثقافتها !

 

 

   2- أن من أقوى عوامل نجاح الوحدة بين المسلمين ، صدق الداعية الى الوحدة في طرحه وممارسته ، فداعية الوحدة سيكون أقدر على تحقيق هدفه إذا أظهر مذهبه الذي يعتقد به، فقال أنا شيعي أتبع مذهب أهل البيت(ع) ، أو أنا سني أتبع المذهب الشافعي ، ومع ذلك أدعو وأعمل لوحدة المسلمين وتآخيهم ، للنهوض بواقعهم الى واقع أفضل .

   فهذا الصدق في الشخصية ، شخصاً أو حركة ، أدْعَى الى ثقة الموافق والمخالف ، بينما إخفاء المذهب أو تعويمه ، يعني وجود ظلال مبهمة تؤثر سلبياً على الثقة ، وقد يخطر في بال الذين يدعوهم الى الوحدة والتعاون ، أن هذا لو كان مخلصاً لمذهبه لأظهره ، وحيث لم يظهره ولم يكن صادقاً مع مذهبه ، فكيف يكون صادقاً في دعوته لوحدة المسلمين؟!

 

   3- إن القول بأن أئمتنا(ع)أئمةٌ لكل المسلمين ، وأنهم حملوا همَّ الإسلام والأمة كلها ، مَنْ وافقهم ومن خالفهم ، وعملوا لمصلحة الجميع ، وأنا يجب أن نقدمهم الى جميع الأمة والى العالم بأحسن أسلوب..

   هذا كله صحيحٌ ، لكنه لايجيز لنا بحال أن ننسب الى هؤلاء المعصومين الطاهرين المطهرين(ع)أنهم أقروا مسار الأمة المنحرف ، أو نحمِّلهم شيئاً من أوزار أنظمتها وجرائم طغاتها في صراعهم على السلطة وأنهار الدماء التي أجروها من ملايين المسلمين المخالفين لهم !

 

   وكيف يجوز لنا أن نحمِّل المعصومين الأطهار(ع)الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمعارضة حكام الجور، شيئاً من أوزار الإنحرافات الخطيرة عن الإسلام ، التي سببت أسوأ الكوارث في الأمة ، حتى أدت الى انهيار كيانها بالكامل وتسليط الغربيين على شؤونها ومقدراتها ؟!

 

   البحث العلمي المذهبي لاينافي الوحدة الإسلامية:

 

   كان المهم عند أساتذتنا بعد الموجة الشيوعية: العمل للإسلام كما يفهمونه  فقد اعتبروا ذلك فريضةً متفقاً عليها ، وأصدروا حكمهم على الذين لايرونها فريضةً بأنهم موالون للسلطة ، أو خائفون لايملكون الشجاعة !

   ومع أنهم لم يبحثوا المسألة بحثاً فقهياً في موقف الأئمة(ع)ورواياتهم الشريفة في الخروج على الحاكم ، وفتاوى الفقهاء ! 

   مع ذلك كانت الأولوية المطلقة عندهم لعمل التوعية على هذا الخط فقط .

 

   ولهذا السبب ، كانت نظرتهم الى البحث العلمي المذهبي سلبية ، لأنه في تصورهم إشغالٌ للأمة ببعضها ، ناتجٌ عن عدم الوعي، أو عن تحريك أعداء الإسلام ، وأنَّ واجبنا الإبتعاد عنها ، ونُصح أصحابها ، وأحياناً مقاومتها !

   هكذا وبكل بساطة ، شطب هؤلاء المحترمون على كل فعاليات البحوث العلمية لبيان التشيع ، ورد الحملات الظالمة عليه ! وكأن مقاومة أعداء الأمة والعمل لإقامة حياتها على أساس الاسلام ، يستلزم سكوتنا عن الطعن في مذهب أهل البيت(ع)، ويتنافى مع الدفاع عنه  وبيان جواهره للأمة والعالم !

   وبذلك وجَّهونا ولو عن غير قصد ، الى مقاومة دفاعات علماء الشيعة وكتَّابهم عن التشيع ، بحجة أنها أعمال مذهبية ، تضر بمسيرة الأمة نحو وحدتها ومقاومة أعدائها !

   كانت خسارتنا كبيرة طوال انشغالنا عن الدفاع عن مذهب أهل البيت الطاهرين(ع) ، ولم تقتصر على خسارتنا لثقافتنا المذهبية اللازمة ، بل تحولنا عن غير قصد الى عامل يعضد تلك الحملات الضارية ، التي يشنها النواصب والأجانب على مذهب أهل البيت(ع)وأتباعه ، بمن فيهم نحن !!

 

   نضحي بوحدة الطائفة ولا نربح وحدة الأمة:

   من مفارقات أصحاب هذا الإتجاه أنهم مشغوفون بالوحدة الإسلامية ، يلهجون بها دائماً ويعملون لها ، ويرقبون أي عمل قد يثير أحداً من أبناء المذاهب فيقفون ضده .

   حسناً جزاكم الله خيراً ، فأنتم كمن يعمل للحفاظ على وحدة أهل حيِّه الذي يسكن فيه ، لكن هل يصح له أن يخرب وحدة بيته ؟!

   ما بالكم لاتراعون جمهور الشيعة وعلماءهم ومراجعهم الذين يخالفونكم بمقدار ما تراعون فلان السلفي ، أو فلان الحنفي؟ أليس الدار قبل الجار ؟!

~        ~

 

 

المسألة الثالثة

 تعويم الإجتهاد، وتعويم المرجعية

 

    كان الإجتهاد عند السنيين محصوراً بالمذاهب الأربعة ، وإذا فتح بابه فإنما يفتح لكبير علماء الأزهر ، ويتقيد الشعب المصري برأيه وأكثر العالم السني .

   أما بعد ضرب مكانة الأزهر ، فقد تعوَّم مركز الفتوى ، ودخل فيه من هبَّ ودب ، ممن يرغب أن يكون مفتياً له أتباع !

   أرادت السلطة المصرية والغربيون ، أن يستبدلوا مركزية الأزهر الدينية الخطيرة برمز ديني تعينه السلطة ! ولم يحسبوا حساب المخزون الديني في الأمة ، وأن جذور الأزهر ستنبت في كل بلد أزهر جديداً ، ومفتين جدداً !

   لقد ضربوا مركز الفتوى الطبيعي ومكانة العلماء الطبيعية عند المسلمين ، لكنهم زرعوا بذور عشرات المراكز ، فأنبتت مئات القيادات الدينية ، وأكثرهم جهلاء ، يفتون في كل أمور الدين ، بلا تخصص في علومه ، ولا قواعد في فهم نصوصه ، ولا ضوابط للإجتهاد !

   إن ماحدث في مصر تعويمٌ فوضويٌّ لمرجعية الدين أغرق الموازين وطفح بسببه جيل من (المجتهدين) كل بضاعة الواحد ظنونه واستحساناته، وقدرته على إقناع بعض الناس بأن يقلدوه ويعملوا بفتاواه ، وربما بأوامره العسكرية !

 

   لقد ملأ التعويم المصري للإجتهاد أسواق الأمة وأذهانها بظنون المفتين الجدد وتخيلاتهم ، وصار معنى طلب العلم طلب الظن، وطلب الإحتمال !

   ومصر هي مصر ! التي كانت وما زالت مؤثرة على كل العالم الإسلامي ، حتى على خصومها الوهابيين، وعلينا نحن الشيعة رغم خصوصيتنا المذهبية!

 

   فمن طريف ما نلاحظه أن علماء المذهب الوهابي الذين هم مقلدون تقليداً حنبلياً لابن تيمية ، والشيخ محمد عبد الوهاب ، قلدوا المصريين في تعويم الإجتهاد في الدين فأباحوه حتى لعوامهم ! فهذه هيئة علمائهم تعطي إجازة اجتهاد لمعلمة عادية ، تسألهم:

سؤال:أنا مدرسة دين متخرجة من الكلية المتوسطة قسم دراسات إسلامية، وقد اطلعت على مجموعة من الكتب الفقهية ، فما هو الحكم حين أسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن على حسب معرفتي، أي عن طريق القياس والإجتهاد دون التدخل في أحكام الحرام والحلال ؟

جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد: عليك مراجعة الكتب والإجتهاد ، ثم الإجابة بما غلب على ظنك أنه الصواب ولاحرج عليك في ذلك ! أما إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب فقولي لاأدري ، وعديهن بالبحث ثم أجيبيهن بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم للاهتداء إلى الصواب حسب الأدلة الشرعية . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

(التوقيع: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء . عضو: عبدالله بن قعود ، عضو: عبدالله بن غديان. نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي ، الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن باز - كتاب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية، مجلد:5/ 48 ـ 49 ، فتوى رقم 4798) .

 

أما السؤال الثالث من الفتوى رقم 4400 ، فهو من طالب مبتدئ يسألهم: هل أن من لم يحفظ ستة آلاف حديث فلايحل له أن يقول لأحد هذا حلال وهذا حرام ، فليتوضأ وليصل صلاته فقط .

أجابته هيئة علماء الوهابية: كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها ، فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة ، ولو لم يكن حافظاً للعدد المذكور في السؤال . ( نفس المصدر ونفس التواقيع ) .

   وبهذه الفتاوى تضع يدك على السبب في انشقاقات الوهابيين وكثرة فرقهم حتى زادت على الثلاثين ، وعلى سر تكفيرهم لبعضهم ! وماذا ينتظر الذين يفتحون باب الإجتهاد للحفاة ، ويقولون بحجية الظنون والإستحسانات !

 

~        ~

 

   كما نلاحظ أنا نحن الشيعة لم نسلم من داء تعويم الإجتهاد المصري ! فقد سرى فينا ، ونشأت ناشئة من متعلمينا ومن صغار طلبة علوم الدين يكتبون في عقائد الإسلام وشريعته ، ويفتون فيها كما يفتي كبار الفقهاء !!

 

   أذكر أنني قرأت يوماً قبل نحو ثلاثين سنة ، الرواية التالية في علل الشرائع للصدوق+:1/241 ، قال: (حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم على بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي(ع)أهو ولي الله ؟ قال: نعم ، قال أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم . قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟! فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولايشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث اليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث اليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،  فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون . ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .

   ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك ، فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار، ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم(ع)إلهاً هوخالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحـد بما أتت بـه الأنبياء والرسل ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .

   قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ماذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن ابراهيم، لأن يلقى بي من شاهق أو أَخِرَّ من السماء فتخطفني الطير ، أو تهوي بى الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه ) . انتهى .

 

 

   قرأت هذه الرواية الشريفة وتأملت فيها ، لأنها تعني أن غالبيتنا المطلقة نحن الكتاب الإسلاميين والدعاة المحترمين ، عندما نحلل عقائد الإسلام وأحكامه ونصدر فيها أحكامنا ، نفعل بأنفسنا أكثر من إلقائها من شاهق !!

   نقول يريد الإسلام هذا الأمر ، ولا يريد ذاك ، ويقصد كذا ولا يقصد كذا ، بغير علم إلا اتباع الظن والإستحسان ، وتقليد الكتَّاب المصريين !!

 

   رواية الصدوق صحيحة ، ومنطقها قوي ، ووقعها على المثقفين أثقل من الجبال ! والسبب أنهم تعودوا أن يكتبوا في مسائل الدين بآرائهم ، فهم أبناء الإجتهاد المصري ومدرسته الإخوانية، وأبناء عصر الإنسان الغربي الذي أعطى لنفسه الحق في تحليل الدين ، بل في اختراع دين ودعوة الناس إليه !

 

   لا أريد بذلك إلغاء دور العقل في فهم الدين وتحليله ، لكني أريد (عقلنة) دور العقل، والوقوف به عند مدركاته القطعية فهي فقط الحجة الشرعية ! 

   أريد من أتباع الإجتهاد المصري أن يريحوا الإسلام والمسلمين من ظنونهم واستحساناتهم ، ويعترفوا بأن الإسلام العزيز عليهم ، قد احترم نفسه بقدر مبدأ أرضي عادي ، حيث لايعطي لكل أحد الحق في فهم نصوصه وتقديمها الى الناس باسمه ؟!

   فما بالهم هوَّنوا الإسلام وجعلوا تفسيره مشاعاً لكل أحد ، بلا ضوابط ، ولا شروط ، لا في التفسير ، ولا في المفسِّر ؟!!

   إن من الفروق الأساسية بيننا وبين المذاهب السنية أن الاجتهاد الفقهي عندنا يبحث عن العلم و(الحجة القطعية) من الكتاب أو السنة أو العقل ، إما على الحكم الشرعي مباشرة ، أوعلى ما يجب عمله عند الشك في الحكم ، فالفقيه دائماً طالب علم وحجة قطعية ، وليس طالب ظن واحتمال !

   بينما يقوم منهج الإستنباط السني في مرحلته الأولى على طلب العلم بالحكم ، فإن لم يحصل للمجتهد انتقل فوراً الى اجتهاد الرأي ، وهو يعني اتباع الظن مهما كانت درجته نازلة ! بل يعني الإكتفاء بالقياس والإستحسان والمصالح المرسلة ، وهي أقل من الظن، لأنها لاتفيد غالباً أكثر من الإحتمال!

 

   ويترتب على هذا الفرق أمور عديدة ، تؤكد ضرورة التخصص وصعوبة شروطه ، وبالتالي مركزية الإجتهاد والأعلمية في المرجعية والتقليد .

 

   ومن هنا ، يتضح لنا ما فعله تعويم الإجتهاد في الأمة ، وما ارتكبه مروجوه من تقديم ظنونهم واحتمالاتهم الى قرائهم وأتباعهم على أنها دين الله تعالى ، ومفاهيمه وأحكامه ! ويتضح لنا تأثير ذلك على فهم النبي(ع)والأئمة(ع) ، وأصول العقيدة ، وتفاصيلها .

 

   في اعتقادي أنه لابد لنا أن نضع حداً لأتباع الإجتهاد المصري في أوساطنا الشيعية ، وأن نساعد المذاهب السنية على معالجة (بازار)الظنون والإحتمالات وندعو فقهاءهم الى وضع ضوابط للإجتهاد ، ووضع حد لأولئك المزدحمين في سوقه ، والمتجهين الى الدخول فيه بلا بضاعة !!

 

   العلاقة بين تعويم الإجتهاد وتعويم المرجعية والقيادة:

 

   من الذي له الحق بأن يفتي؟ ومن له الحق بأن يقود ويأمر وينهى؟

   تقول الثقافة الغربية إن الحق لمن غلب ، مهما كانت وسائله في الغلبة ! وتميل الى ذلك مذاهب إخواننا السنيين فتعتبر أن من تسلط من الأمة فقد صار حاكماً شرعياً ، بقطع النظر عن سلوكه ووسائله في الغلبة !

   لكن الأسوأ من مقولة الحكم لمن غلب ، مقولة: الفتوى لمن غلب ، التي يتبناها اليوم كل المجتهدين بلا بضاعة ، والتجار بلا رأسمال ، والأطباء بلا وسائل ،  وهم كثيرون في ساحة العمل الإسلامي ، وكل واحد منهم يقدم المبررات الشرعية على أن له الحق في التصدى للفتوى وقيادة الأمة ، وأمر المسلمين ونهيهم ، ودعوتهم الى الإسلام ، وأن على الأمة أن تسمع له وتطيع !!

   ومعنى ذلك أن نضيف الى تعويم القيادة والحكم تعويم الفتوى! وأن نعرف أننا في نظرية الفتيا والقيادة الدينية التي نعمل بها في مجتمعاتنا ، لافرق بيننا وبين الثقافة الغربية ، في قانون المغالبة والغلبة ، الغربي الجاهلي الإسلامي !!

   ومعنى ذلك أن مجتمعاتنا سوف لاتعرف الهدوء ، مادامت أبواب الفتوى والقيادة  مفتوحة على مصاريعها ! فرغبة الفتوى والقيادة مغروزة في الناس ، والمجتمع لايتسع لتحقيق رغباتهم الجميع ، فالنتيجة غابة الفتاوى والقيادات !

 

~        ~

 

 

 

 

 

المسألة الرابعة

  تكبير مشكلة الغلو وتصغير مشكلة التقصير

 

   يتصور البعض أن المشكلة الوحيدة في قضية أهل البيت(ع)هي الغلو ، مع أن الغلو محصورٌ في حفنة من الناس غَلَوْا في بعض أهل البيت(ع)وألَّهُوهُمْ وجعلوهم شركاء لله تعالى، والعياذ بالله ! وقد حسم المسلمون موقفهم منهم وأجمعوا على كفر كل من ألَّهَ مخلوقاً ، أو أشركه مع الله تعالى.

 

 

   لقد غفل هؤلاء أو تغافلوا عن أن المشكلة في قضية أهل البيت(ع)ليست الغلو ، بل هي تقصير المسلمين في أداء فرائض الله تعالى في حقهم ، من وجوب ولايتهم ومحبتهم ، ومعرفتهم ، والتلقي منهم ، والإهتداء بنورهم..

 

   المشكلة في أن أكثر المسلمين أعرضوا عن عمد أو عادة ، عن أهل بيت نبيهم(ع)وابتعدوا عن ولايتهم ، وحتى عن فهمهم ، وابتلوا بمرض حب مخالفيهم وظالميهم وأعدائهم !

 

   والأسوأ من التقصير أن بعض المقصرين تبرعوا بمحاربة المسلم الذي يؤدي فريضة ربه في حق أهل بيت نبيه صلوات الله عليه وعليهم ! فتراهم يصفون محبيهم وشيعتهم بالضلال والغلو ، وقد يحكمون عليهم بالكفر !

   لقد توارثوا هذا الموقف الظالم تجله الشيعي الأصيل، من أسلافهم أتباع الخلافة القرشية ، كما وصفهم الكميت بن زيد الأسدي& ، فقال:

 

وطائفـةٌ  قـد  كفَّرَتْنِي  بحُبَِكُـمْ       وطائفـةٌ   قالـوا  مسـئٌ  ومذنـبُ

فما  ساءني  تكفيرُ هاتيكَ  منهمُ      ولا عيبُ  هاتيكَ  التي  هي  أعْيَبُ

يعيبونني  من  خِبِّهم   وضلالهمْ         على حبكم ، بل يسخرونَ وأعجب

وقالـوا   ترابيٌّ   هواهُ   ورأيـهُ       بذلـك   أدعـى   فيهـمُ   وألَقَّـبُ

فلا  زلتُ منهم  حيث يتهمونَنِي        ولا   زلتُ   في   أشياعكمْ  أتقلب

وأحمل   أحقادَ  الأقارب فيكم         وينصب لي في  الأبعدين  فأنصب

بخاتمكم غصباً  تجوز  أمورهم      فلم  أرَ  غصباً  مثله  حين  يغصب

فقل للذي في ظل عمياءَ  جونةٍ         ترى الجور عدلاً أين لاأينَ تذهب

بـأي  كتاب  أم   بأيـة   سنـة         ترى  حبهـم  عاراً  عليَّ  وتحسب

فما  ليَ  إلا  آلَ   أحمدَ  شيعةٌ        وما ليَ  إلا  مذهبَ  الحق  مذهب

 

 

 

   يتهمنا هؤلاء المعترضون بأن اعتقادنا بمقامات أهل البيت(ع)وكلامنا فيهم يشبه كلام الغلاة ، لأنه يخرج بهم عن حدود البشرية التي أكد عليها الله تعالى بقوله: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ . (سورة فصلت:6) .

 

   لكن الأولى بهم أن يتهموا فهمهم ، ويحكموا على أنفسهم بالسذاجة ، حيث أخذوا الجزء الأدنى من وصف الآية للنبي(ع): بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وتركوا جزءَها الأعلى: يُوحَى إِلَيَّ !

   نعم إنه(ع)بشر مثلنا تجري عليه القوانين التي تجري علينا إلا ماشاء الله ، لكن هذه جَنْبَةٌ من شخصيته فقط ، أما الجَنْبَةُ الأخرى فهي أن له قدرةً على تلقي الوحي من رب العالمين سبحانه ! وهل هي حقيقة بسيطة أن يكون إنسانٌ مثلنا فيه القدرة على تلقي العلم من خالق السماوات والأرضين ؟!

   كأنهم لم يؤمنوا بأن شخصية المعصوم(ع)ذات جنبتين، بإحداهما ينفتح على الغيب ويتلقى ، وبالثانية يتعامل مع البشر فيهديهم ! وأنَّى لأحدنا ولكل أهل الأرض أن تكون في شخصيته نافذة على خالق الكون يتلقى منه؟!

 

   وقد يتصور البعض أن هذا الوصف يختص بشخصية النبي(ع)فلايصح توسيعه الى الأئمة(ع)، لكن فاتهم أن اختصاص وحي النبوة بخاتم الأنبياء (ع)لاينفي أن يكون للأئمة المعصومين من عترته(ع)جنبة انفتاح على الغيب والتلقي من الله تعالى ، بما يشاء من وسائل غير وحي النبوة .

   فاتهم أنهم أوصياء النبي هم الأئمة الربانيون الذين بَشَّرَ بهم ، وأمر الأمة بمودتهم وطاعتهم ، وجعلهم عِدْلَ القرآن في وجوب التمسك بهم !

 

   لقد حاول الحكام القرشيون أن ينكروا هذه الجنبة في شخصيات الأئمة (ع)لكنهم عجزوا بسبب قوة نصوصها وقوة واقعها ! فقد واجهتهم معجزات الأئمة(ع)وأفحمتهم !

   وما زالت النصوص والمعجزات تواجه أتباعهم حتى يظهر الله خاتمهم الموعود(ع) فيظهر به الحق ، ويظهر دينه على الدين كله !

 

 

~        ~

 

 

 

 

 

المسألة الخامسة

 التنقيص من مقام المعصوم(ع)

 

   توجد مسألتان أساسيتان في معرفة المعصومين(ع)هما: مقام المعصوم(ع) والعلاقة الجدلية بين الأئمة(ع)وبين خلافة أبي بكر وعمر خاصة .

   وينبغي لنا أن نعترف أنا عندما انطلقنا في العمل الإسلامي على أثر الموجة الشيوعية ، أهملنا فهم هاتين المسألتين ، أو قررنا أن نتجاوزهما لتصورنا عدم الحاجة اليهما في عملنا ، أو لمراعاة مخاطبنا الذي هو كل الأمة الإسلامية!

 

   كنا نتصور أن بحث مقام المعصومين(ع)وعلاقتهم بالخلافة القرشية ، سوف لايؤثر على فهمنا الذي توصلنا اليه لحياتهم وأدوارهم(ع)!

   وفاتنا أن فهم مقام المعصوم يعني فهم برنامج عمله الرباني ، وأن فهم موقفه من نظام حكم أبي بكر وعمر ، يعني تطبيقه لبرنامج عمله الرباني ! وكلاهما يؤثران على فهم شخصية المعصوم(ع)وعمله ، أبلغ التأثير !

 

   المعصوم(ع)إنسان اختاره الله تعالى صاحب العلم المطلق والحكمة المطلقة وعصمه من الخطأ والهوى ، وجعله إماماً لعباده ، وحجةً على خلقه !

   فماذا تعني للمسلم الشيعي هذه الصفات الثلاث المتفق عليها في مذهبنا ؟!

 

   إنها تعني أن حلم جميع المفكرين والعقلاء ، والمعذبين في الأرض ، قد تحقق ! وقد انحلت مشاكلهم الفكرية والعملية ، وأن علينا جميعاً أن نترك فذلكاتنا ونعطل فلسفاتنا ونطيعه ، ونطيف حول بيته الذي أذن الله أن يرفع ، ونؤدي فروض الإحترام لمقامه الشامخ ، ونتفكر فيه لعلنا نفهمه !

   تعني أن علينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا لقول المعصوم(ع)وفعله وسلوكه ، حتى الفتات منها ، إن كان عنده فتات.. ففتاته خير من كل خبزنا !

 

   أجل ، ما دام ثبت لنا بالنص القطعي وبدليل العقل القطعي ، أن الله تعالى قد اختار ، فقد انتهى الأمر ، وانحسمت القضايا ، وبدأ ما يجب علينا !

   وأول ما علينا أن نرضى بالذي اختاره رب العالمين وجعله علينا إماماً ، ونحبه ، ثم نفهمه ، ونصغي اليه ونطيعه مهما كلفنا ذلك ، ثم لانلتفت الى من خالفه كائناً من كان شخصه ، وكائناً ما كان موقعه ، فكل شخص مقابله وكل مقام بعد الذي اختاره الله رب العالمين ، هوى وهواء وهباء !

 

   المعصوم ، ليس قضيةً صغيرة ، بل هو أكبر قضية عملية للأمة بعد نبيها !

   إمامٌ مفتوحةٌ له نوافذ الغيب ، مهديٌّ من ربه ، يملك الخريطة للبشرية ، وليس كمن أضاعوا قضية خلقهم ، وخريطة طريقهم ، أو ضاعوا فيها !

   الإمام عالمٌ يملك العلم القطعي ، وليس كعلماء الأرض ومفكريها ، الذين جمعوا بضاعتهم من الظنون والإحتمالات ، وقليل قليل منها اليقين !

 

 

   كثيراً ما كنت أفكر كيف لم نهتم بفهم شخصية المعصوم(ع)؟!

   وكيف يمكن أن نبني فكرنا بقطع النظر عن مقامه، ونحن نعتقد أن مشروع المعصومين من عترة النبي(ع)، مازال موجوداً فعلاً ولم ينته بعدُ ، فلم يتركه الله تعالى بسبب ترك الأمة له ! فما زال سبحانه يقول: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، وما زال قراره تعالى أن يملأ الأرض بخاتمهم قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً ، وما زال هذا الإمام موعوداً من ربه الحكيم وجده المصطفى ، حياً يرزق ، مدَّ الله في عمره ، فهو يعمل في برنامجه مع الخضر وجنود الله في الغيب ، حتى يأذن الله له ربه بالظهور ، فيكمل مشروع الإسلام ، ويظهره على الدين كله ، ويعيد مسيرته الى نصابها..

 

   ما دام الأمر كذلك ، فرؤيتنا للتاريخ تختلف كثيراً ، وللمستقبل أيضاً !

   ومشروعنا في هداية الناس ودعوتهم الى الإسلام لابد أن يكون منسجماً مع المشروع الإلهي للإسلام في المعصومين من العترة(ع)وأن يكون مشروعاً ممهداً لخاتمهم الموعود صلوات الله عليه . ومن أول شروط الإنسجام أن ينص أي مشروع عمل توعوي على مقام المعصوم(ع)في ثقافته .

 

   ما دمنا نعتقد أنه قد وجد هذا المعصوم(ع)بعد النبي(ع)، وأن النبي دلَّ الأمة عليه ، وأعلنه لها ولياً وإماماً ، وأخذ منها البيعة والمواثيق على اتِّباعه ، فالمسألة تختلف كثيراً !

 

   لو أردنا أن نضرب للأمة مثلاً مصغراً ، لقلنا إن مثلها كجماعة في صحراء قاحلة ، فيهم شخص واحد يملك الخريطة لنجاتهم ويجيد قراءتها ، فائتمروا عليه وعزلوه ورفضوا خريطته ، واتخذوا بدله أئمة ضلال تاهوا بهم يميناً وشمالاً ، تيهاً بعد تيه ، وضلالاً في ضلال ، حتى شتتوهم في كل واد ، ومزقوهم شرَّ ممزق !

   ونكتفي أمام هذا الكتاب بهذه الكلمات في بيان مقام الإمام المعصوم(ع).

~        ~

 

   تبقى مسألة من أسوأ أنواع التنقيص من مقام لمعصوم(ع) ، وهي مصادرة مقامات المعصومين(ع)وإعطاؤها لغير المعصومين !

   وظواهرها في أصحاب التشيع الإلتقاطي كثيرة ، وقد توجد في غيرهم من الشيعة الأصيلين مع الأسف ، حيث يدَّعون عملياً عصمة غيرالمعصوم ويغالون فيه ، وينسجون له الفضائل ، ويمنعون من انتقاد أفكاره وأعماله !

 

   ويظهر أن كل الذين يُنقصون من مقام أهل البيت(ع)يبتلون بالغلو في غيرهم ! فكأنه جزاء من الله تعالى لمن يقصر في تعظيم حجته المعصوم(ع)، أن يبتليه بتعظيم غيره !

   ويمكن أن نفسر ذلك حسياً بأن الإئتمام وتعظيم القدوة نزعةٌ في شخصية الإنسان قد تصل الى الغريزة ، فإن لم تصرف في موضعها الصحيح صرفت في غيره ، كما نرى في غريزة الحب والبغض .

 

   ومن ظواهرها ، اختراع العصمة الجائزة لغير المعصومين(ع)، في مقابل العصمة الواجبة ! ووصفهم بها بعض كبار أنصار المعصومين(ع) ، وبعض يحبونهم ! مع أنه لاتوجد رواية ولا دليل عقلي عليها !

 

   ومن ظواهرها ، ادعاء العناية الخاصة للإمام صاحب الزمان(ع)بأشخاص يحبونهم ، شبيهاً بالنيابة الخاصة عنه ، أو عن غيره من المعصومين(ع) ، وقد يدعون له الكرامات والولاية التكوينية ، بل السفارة !

 

   ومن ظواهرها ، إعطاء عدد من الصفات الخاصة بالمعصومين(ع)لغيرهم كصفة الخلافة في الأرض ، ووعد الله للمستضعفين بها ، وإعطاء الألقاب الخاصة بالمعصومين(ع) لغيرهم...

   الى آخر القائمة في مشكلة مصادرة مفاهيم الإسلام ومفاهيهم المذهب !

 

~        ~

 

المسألة السادسة

 نظرتهم الخاطئة الى زيارة الأئمة(ع)ومراسم  عاشوراء

 

   من المجمع عليه في مذهب أهل البيت(ع)فضل زيارة قبر النبي(ع)وبقية المعصومين من عترته الطاهرة(ع)، خاصة الإمام الحسين والإمام الرضا(ع).

   وقد وردت في ذلك روايات صحيحة بلغت حد التواتر وعمل بها الشيعة من عصر الأئمة(ع)الى يومنا هذا ، وأفتى بها فقهاؤنا القدماء والمتأخرون .  

   وقد أكدت الروايات والفتاوى ما لزائرهم من فضل وثواب في الدنيا والآخرة ، وأطلقت ذلك ولم تقيده بقيد أو شرط . 

   الى أن جاء تأثير فكر الإخوان المسلمين والإخوان الوهابيين ، فقام بعض المتأثرين به بوضع شروط لثواب الزيارة ، ثم لمحتواها ! فقالوا إن ثواب الزيارة بمقدار ما فيها من عمل سياسي لمعارضة النظام ، وتوعية الأمة على إقامة الحكم الإسلامي ! وادعوا أن الروايات التي تصف ذلك الثواب العظيم ناظرة الى ذلك الهدف مختصة بظرفه ، أما في مثل ظرفنا فثواب ذهابك الى كربلاء بقدر الأجرة التي تعطيها للسيارة ، وقدر السلام العادي على الإمام الحسين(ع) ، والركعات التي تصليها هناك ! .

 

   كنا شباناً متحمسين لزيارة كربلاء مشياً على الأقدام في المواسم ، أو بالسيارة في ليالي الجمع ، فكان بعض أستاتذنا يناقشنا بهذا الكلام ، وكان بعضنا يناقشه ، أو يسكت احتراماً له ، دون أن يقتنع !

 

   وطالت الأيام ، حتى اكتشفنا أن الفهم السياسي للدين فهمٌ ناقص يُخرجه عن كونه ديناً إلهياً كامل الأبعاد ! وأن صاحب هذا الفهم مشغوفٌ بعامل واحد ، مصابٌ بالتسطيح الذهني ، وعدم فهم بقية الجوانب !

 

   ومن هذا النوع ، مسألة مخاطبة النبي(ع)أو الإمام(ع)وأن تطلب منه أن يشفع لك الى الله تعالى في المغفرة أو قضاء حوائجك .

   وقد كنت بحكم تربيتي وتأثري ببعض أساتذتي ، أخاطب أمير المؤمنين (ع)عندما أزوره وأطلب منه الشفاعة أوقضاء حاجتي ، وكان بعضهم لايعجبه ذلك ويتبرم منه !

   ناقشته أكثر من مرة ، فلم يكن عنده حجة إلا أن مخاطبة المعصوم(ع)قد يفهم منها إشراكه مع الله تعالى !

   كنت أقول له وهل أنا أطلب منه(ع)من جيبه حتى أكون أشركته مع الله ؟! إنما أطلب منه مما أعطاه الله تعالى ، وأطلب منه لأن الله أمرني أن أتخذه واسطة وأتوسل به اليه في قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:35)

   وأي وسيلة الى الله أعظم من محمد وآل محمد(ع)؟!

 

   لم يكن يقبل كلامي ، وغاية ما وصلنا اليه ذات يوم أن قال: إذا كان قولك هذا لايؤثر في ذهنك ذرة من الشرك فقله ، أما أنا فلا أقوله !!

 

   والأمر في مراسم عزاء الإمام الحسين(ع)أكثر وضوحاً ، لأنها عمل شعبي وثيق الصلة بالعمل السياسي , ولذا كثرت أطروحاتهم لها !

   يريدون من الحسين(ع)أن يكون ثائراً على طريقتهم ، ولعلاقة الشيعة به أن يغلب فيها الطابع السياسي على الطابع العقائدي والعاطفي !

   ويشنون حملة على مراسم العزاء القديمة من أجل هدمها وإعادة تشكيلها حسب فهمهم للإمام الحسين(ع)، وهدفهم من مراسم عاشورائه !

 

   وهنا يصطدمون بالجمهور الشيعي فيما يعارضون من مراسم ويهاجمونه ، أو فيما يقبلونه ويريدون التدخل فيه وصرفه الى غرضهم !

 

   ولاحلَّ لخلاف الشيعة معهم في هذا الموضوع كما في غيره !

   لأنهم من جهة لايقبلون التعددية في الرأي والعمل ، فمن لم يكن معهم فهو ضذدهم ، وكأنه خارج عن الدين !

   ومن جهة ، يريدون فرض مرجعيتهم في مسائل الإختلاف ، من السياسيين أو من صغار العلماء ، بينما يريد الشيعة تحكيم مراجع الدين الذين يقلدونهم  لأنهم المرجعية الشرعية في مسائل الإختلاف !

 

~        ~

 

 

 

 

 

المسألة السابعة

 مرض الآحادية ، والجرأة على مقام المراجع  والعلماء

 

     مرض الآحادية:

   ندرس في الحوزة في أول دروسنا في قطر الندى وألفية ابن مالك: قال الكوفيون وقال البصريون ، فنعرف أنهم يختلفون في الرأي ، لكنهم لايتعادون ولا يتقاتلون !  ثم نقرأ في المنطق ، والمعاني والبيان ، وأصول الفقه ، والفقه ، والتفسير ، وفي كل علم ندرسه أو نقرأ فيه ، أنه توجد آراء مختلفة في المسائل ، فلا يتعادى أهلها ، ولا يكره بعضهم بعضاً ، ولا هم يحزنون !

 

   نتعلم بذلك أنه يوجد في المسائل العلمية موافق ومخالف ورأي ثالث ، وأن أصحابها يتعايشون لأنهم يؤمنون بالتعددية ، فيدافع كل منهم عن رأيه ، وينتقد رأي من خالفه ، لكنه يحترمه ويتعايش معه .

 

   ونقرأ عن حقوق المؤمن على المؤمن ، في الإخاء ، والمودة ، والمواساة ، وحفظه في الغيب ، وتحريم غيبته.. ونرى نماذج عالية من سلوك المؤمنين مع بعضهم ، من عصور أئمتنا(ع)الى يومنا .

 

   ونولد في بيوت تحترم العلماء ، وتقدس المراجع ، ثم نقرأ عن مكانتهم ومقامهم وسيرتهم ، فنحبهم أكثر ونقلدهم ونتعلم منهم . ثم نتعرف على اختلاف آرائهم ، فنعذرهم لأن اجتهادهم مشروع ، ولأن الله تعالى يحاسب المرجع والعامي على قناعته هو بينه وبين ربه ، وليس على قناعتي أنا !

 

   وفي التاريخ والعقائد ، ننتقد الآحاديين الذين اضطهدوا أصحاب الرأي الآخر ، وسلبوا منهم حقهم الشرعي في التعبير عن رأيهم ، ومنعوهم من قول ما يعتقدون ، وانتقاد ما يخالفون ، وأجبروهم على بيعتهم بالسيف !

   ونقول إن أئمتنا(ع)وشيعتهم ضحية فرض الرأي ومصادرة الحرية ! وإن أمير المؤمنين علياً(ع)هو الحاكم الوحيد بعد النبي(ع)الذي احترم الإنسان المسلم ورد اليه حريته ، فلم يجبر أحداً على بيعته ، ولم يجبر أحداً من الذين بايعوه أن يقاتل معه الناكثين والقاسطين والمارقين !

   نقول ذلك ونقبله ، فإذا جاء دور العمل دخلنا في امتحان التطبيق الصعب !

 

   الفردية المفرطة عند الإلتقاطيين وجرأتهم على المراجع:

 

   إن مرض الآحادية وظلم أصحاب الرأي المخالف واضطهادهم، مرضٌ عامٌّ  لايسلم منه إلا المعصومون(ع)والقليل من الأولياء الذين قهروا شرَّ أنفسهم فاتسعت صدورهم لخصومهم، وبحثوا لهم عن المعاذير ، واتقوا الله فيهم حق تقاته ، فلم يقدموا على عمل ضدهم ، إلا مجبرين بحكم الشرع والتكليف!

 

   لكن نلاحظ أن مرض الآحادية في الإلتقاطيين أكثر من غيرهم ! وأنهم من أشد الناس على من خالفهم ! فكم وصموا مراجع النجف وعلماءها الذين خالفونهم الرأي ، بصفات يندى لها جبين المتدينين ، وأقلها الجمود والقعود عن الواجب ! لكنهم غير حاضرين لأن يسمعوا وجهة نظرهم ، والسبب الشرعي عندهم في مخالفتهم لمشروعهم السياسي ، وطريقتهم في العمل !

   والذي يقرر أن لايسمع رأي من خالفه ويفهمه، كيف ننتظر منه أن يحترمه ويحفظ حقه ، ويتعايش بالحسنى معه ؟!

 

   والذي يُسْكره الغرور فيفقد توازنه عندما يرى حوله عدداً من الأنصار المسلحين ، ويريد من المراجع أن يطيعوه.. ماذا تنتظر منه إذا حكم ؟!

 

   والوجه في الأمر واضح ، فإن الذي ينقص من مقام المعصوم(ع)ويظلمه ، أحرى بأن ينقص من مقام غيره ويظلمه !

 

   العلاقة بين الجرأة على العلماء والجرأة على سفك الدماء:

   قال علي(ع): (إذا كان في رجل خلة رائعة فانتظروا أخواتها). ( نهج البلاغة: 4/103) .

   ومعناه أنه إن كان فيه صفة سيئة فانتظروا أخواتها أيضاً ، لأن صفات الإنسان الرائعة والعائبة ، مجموعات أو عوائل مترابطة .

   ومن عائلة الجرأة على حرمة المراجع والعلماء ، الجرأة على حرمات بقية الناس ! ومن عائلة الإعتداء على حرمات الناس المعنوية ، إمكانية الإعتداء على حرمات وجودهم ، وارتكاب سفك دمائهم .

 

   إن من أصعب امتحانات الله تعالى للإنسان أن يمتحنه بخصم يخالفه الرأي ويعمل ضده ، ومع ذلك يوجب عليه أن يحفظ دمه وعرضه وغيبته ، إلا في موضوع ظلامته فيجيز له أن يجهر بها: (لايُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148)

   هنا يمكننا أن نفهم حقيقة الشخص بأن ندرس تعامله مع خصمه ، خاصة في المسائل السياسية ، فنعرف أنه متدين ، أو فاسق ، أو مجرم !

   أما صاحب الدين فيقف عند حدود الله تعالى ولايتعداها ، وقليل ما هم !  

   وأما الفاسق فيطلق العنان للسانه وعمله لكن الى مادون القتل وسفك الدم !

   وأما المجرم فلا يقف في خصومته عند حد ، بل هو مستعد لأن يسفك دم خصمه ، ودم من يتصل به !!

   وإذا وصل أمر الإنسان الى القتل بغير حق ، فقد خرج من الدين ومن الإنسانية ، وصار وحشاً مفترساً ، لكنه مع الأسف بصورة (إنسان متدين) !!

 

 

المسألة الثامنة

 النزعة المادية والضيق بالغيبيات

    بعض هؤلاء يحمل في قلبه عقدة من الغيبيات ، فتراه يرد معجزات الأئمة صلوات الله عليهم وكراماتهم، أو يميل الى ردها حتى لو كانت بسند صحيح!

بل يرد أكثر معجزات النبي(ع)التي رواها الشيعة والسنة بأسانيد صحيحة !!

    وتصل حساسيته الى رواة الكرامات فتراه يضغف الرواة الأجلاء الذين أجمعت الطائفة على توثيقهم مثل جابر بن يزيد الجعفي& ، والعلماء الأجلاء الذين أجمعت الطائفة على وثاقتهم وعدالتهم ، مثل السيد ابن طاووس+ ، لمجرد أنهما يعتقدان بالمعجزات والكرامات ويرويانها !

   تراه يشبه أصحاب النزعة الغربية العلمانية ، الذين يكبرون الماديات ، ويفسرون بها الأمور الغيبية ، ويردون منها ما لا يقبل التفسير المادي !

   عندما أسمع أحدهم وهو يتحامل على الغيبيات ويردد كلمة الغيبيات بإهمال واستخفاف ، لا أملك إلا التعجب لهذا (العالم أو الطالب أو المسلم المتدين) ، المعتقد بالله ورسوله(ع)وبالكتاب والسنة ، وهو مع ذلك يتكلم بهذا الكلام !

   وهل الإسلام إلا الغيب ؟! أليس وجود الله تعالى الذي نعبده غيباً ؟ أليست الآخرة التي نوقن بها غيباً ؟ أليس الغيب في القرآن أضعاف الشهادة ؟

   أليس الغيب يحيط بنا من كل جانب ؟!

    يقول بعضهم ، أنا أؤمن بالغيب ، لكني أناقش في وسائل إثباته ، وفي إشاعة ثقافة الغيبيات في عوام الناس .

   وهو كلام يغريك لأول سماعه ،كأن صاحبه عالم متثبت محتاط ! لكنك عندما تتعرف على أفكاره ومبانيه وسلوكه ، تجد أنه لايؤمن بالمفردة الغيبية حتى لو صح دليلها على مبناه ، ويتمحل لتفسيرها تفسيراً مادياً !

   إنه نزَّاعٌ الى الماديات ، معرضٌ عن الغيبيات ، وكأنه يكرهها !

   ولو سألتهم عن مقولتهم عن ثقافة الغيبيات: ماذا يضركم أن يعتقد الناس بالغيبيات؟ وأن يتلو الخطباء على أسماع المسلمين من منابر الجمعة ومنابر العزاء الحسيني آياتها ورواياتها ، ويشرحوا لهم مفاهيمها ، ويقصوا عليهم قصصها ؟!

   لقال قائلهم إن انشغال الأمة بالغيبيات يبعدها عن واقعها ، ويقلل من استجابتها للدعوة الى العمل الإسلامي ، وأداء واجبها لإقامة الدولة الإسلامية ،

   وهذا يعني تخلف الأمة في الوعي والعمل السياسي الواجب !

   هنا ينكشف سر حساسيتهم من الغيبيات !

   فالواقع الذي يجب على الأمة وعيه هو الواقع الحسي السياسي فقط ، والغيب ليس من الواقع ، ولا يصح الإنشغال به إلا بقدر ملح الزاد فقط !

    من أين جاء هذا التعريف للواقع ، إلا من الفهم الغربي ، الذي يتفق تماماً مع الفهم السلفي في الحساسية من المعجزات والكرامات والغيبيات ؟!!

   لقد انكشف السر ! فالمطلوب سَوْق الأمة في مساق معين ، وإيمانها بالغيبيات والمعجزات والكرامات يعيق ذلك !

   لهذا تجب التخلية ثم التحلية! التخلية من زيادة الإيمان بالغيبيات ، والتحلية بوعي الواقع الإسلامي والعمل السياسي له !

    ولماذا لايكون الواقع الإسلامي شاملاً لوعي الخارج الحسي ، ووعي الغيب في مختلف شؤون العقيدة والحياة ، وفي طليعته وعي مقامات النبي(ع) والأئمة(ع)ومعجزاتهم وكراماتهم ، ومعايشتها ؟!

    وأين هم عن صفات أصحاب الأمام المهدي(ع)وأنهم رهبان بالليل  ، وقد أعدهم الله تعالى لأكبر تغيير ، وإقامة أعظم دولة على وجه الأرض ؟!: 

    قال المفيد+في الإختصاص ص208: (عن طارق بن شهاب قال: سمعت حذيفة يقول: سمعت رسول الله(ع)يقول: إذا كان عند خروج القائم ينادي مناد من السماء: أيها الناس قطع عنكم مدة الجبارين وولي الأمر خير أمة محمد فالحقوا بمكة ، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام .

   قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا هذا الرجل ، قال: هو رجل من ولد الحسين كأنه من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ، اسمه اسمي ، فعند ذلك تفرخ الطيور في أوكارها والحيتان في بحارها ، وتمد الأنهار ، وتفيض العيون وتنبت  الأرض ضعف أكلها ، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقيه إسرافيل فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ) .

  ~        ~

 المسألة التاسعة

 من ظواهر الإتجاه الإلتقاطي  و صفات أصحابه

    من الظواهر البارزة في أصجاب هذا الإتجاه ، ضعف اطلاعهم على مصادر التشيع ، خاصة في الكلام والحديث والتفسير ، مع أن بعضهم كثير القراءة لأنواع الكتب ، لكنه معرضٌ عن دراسة مصادرنا وقراءتها ، ومشغوفٌ بأجواء ثقافية مشبعة بالمفاهيم الغربية والسنية !

    وبعضهم مشكلته شخصية ، فهو من صغره لم تتركز عقيدته ولم يستوعبها من أسرته ومحيطه ، وعاش التزلزل في عقيدته بالله تعالى ورسوله(ع) والأئمة المعصومين(ع) !

   وعندما كَبُر لم يبْنِ عقيدته ، ولم يتفهم الإسلام والمذهب من مصادره وعلمائه ، بل اختار تركيبية متنافرة ، أو التقاطية متضادة !

   ومن الواضح أن درجة استيعاب أي دين أو مذهب ، تتبع المستوى العلمي للشخص ، ومستوى تدينه ومعايشته الفكرية والروحية لعقائده وقادته .

    وبعضهم كأنَّ عمله أن يرصد فضائل أهل البيت الطاهرين(ع)المجمع عليها عند الطائفة ، حتى ما رواه السنيون بأحاديث صحيحة ، فينشر التشكيك فيها !  

   تراه لا تكاد تسلم منه آية في حقهم(ع)حتى مثل آية المودة في القربى ، وآية التطهير ، وآية البلاغ ، وآية المباهلة ، إلا وضعَّف مقامهم الرباني فيها ، أو أدخل معهم غيرهم ، أو شكك في دلالتها ، أو في الروايات المفسرة لها !

ثم تراه يرصد الأحاديث النبوية في حقهم(ع)حتى حديث الغدير ، وحديث الثقلين، وحديث الكساء، فيشكك في دلالتها ، أو في سندها، أو يخدش فيها!

   لذلك رأى مراجع الدين أن من واجبهم حراسة عقائد المذهب الحق ، والوقوف في وجه أمثال هذه الأفكار التحريفية لعقائده ومفاهيمه .

    وبعضهم يحرص على تقديم التشيع الإلتقاطي الى العالم ! خاصة بعد الثورة الإيرانية حيث كثر الطلب في العالم لمعرفة الشيعة ، وعقائدهم ، فكثرت الكتابات والخطابات عن عقائد الشيعة وفقههم وتاريخهم وشخصياتهم ، واختلط ما هو أصيل من مذهب التشيع  فيما هو غريب عنه ملصق به !

   وكان من أسبابه أن بعض الجهلاء أو أصحاب الإتجاه الإلتقاطي نشطوا في الكلام عن مذهب التشيع والكتابة عنه بآرائهم ، دون الإستناد الى مصادر الشيعة ونصوصهم ، وآراء كبار علمائهم .

    وقد وصل الأمر ببعضهم أن سمى المعصومين(ع)مجتهدين ، وسمى من ظلمهم مجتهدين! ونسب الى الأئمة(ع)العمل بالظن في أمور الدين ، مع أن عصمتهم(ع)من البدائه وضروريات مذهب التشيع ، وأن الذين تبنوا العمل بالظن هم أعداؤهم ، فقاومه الأئمة (ع)بشدة !!

    وبعضهم مفتونٌ بالعصرنة ، مبهورٌ بالأفكار الغربية ، يهشُّ ويبشُّ لمقالاتها وكتبها . أو مغالٍ في الفلسفة اليونانية والغربية ، كأنه يرى الفلاسفة أنبياء أو أصحاب مقام قريب من مقامهم !

   وهو في المقابل لايكبر مصادر الثقافة الإسلامية ، ولايقدِّر علماء المسلمين قدرهم .

   وكثير منهم ، سطحيون في الفكر.. والعمل ..

  

   الى آخر صفاتهم ولحن قولهم ، الذي يعرفهم به المؤمنون الأصيلون .

 ~        ~

    استناد خصوم الشيعة الى آراء أصحاب هذا الإتجاه:

    من نتائج هذا الإتجاه السيئ على الشيعة ، أن بعض خصوم مذهب أهل البيت(ع)، خاصة السلفييين ، يأخذون آراء أصحابه على أنها تمثل التشيع ، ويهاجمونه بها ، ويثيرون بها الشبهات !

   مع أنهم يعرفون أن الملاك في آراء المذهب ليس فهم عوامه ، ولا فهم الشاذ من أتباعه، بل ما دَوَّنه مراجع المذهب المعترف بعلمهم ومرجعيتهم ، وما هو ثابت من سيرة أتباعه جيلاً فجيلاً وصولاً الى جيل الرواة والفقهاء من تلاميذ الأئمة(ع).

    لقد قسمنا خصومنا الشيعة بسبب هؤلاء الى شيعة معتدلين وشيعة متطرفين ، ومدحوا أولئك المعتدلين لانتقادهم بعض عقائد التشيع ومفاهيمه !

   قيل لأحدهم إن صحيفة سلفية كتبت بسبب كلامك: أحد أئمة الشيعة يعترف بزيف مذهبهم ! فقال: لماذا بسببي؟ أنا لم أقل لهم أن يكتبوا !

    وبعضهم يقيم علاقات ودية مع خصوم مذهب التشيع ، ويناغيهم في نقد الشيعة و(غلوهم)في أهل البيت(ع)! وعندما يسأل عن ذلك ينكر ! أو يعترف بأن له علاقات ودية معهم ، ويقول إنه لايوافقهم على طعنهم في التشيع !

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page