• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

زاد المسافر: الكتاب والسنة

زاد المسافر: الكتاب والسنة

   طلب بعض الأفاضل بمناسبة قرب سفرهم للتبليغ (زاد المسافر)، وزاد المسافر مصطلح ، تطبيقه هنا فقط: الكتاب والحديث ..

   بعضهم يراجعنا ويسأل هل نذهب الى التبليغ بمناسبة شهر رمضان أم لا ؟ الشيطان يقول لاتذهب ، أما الله تعالى فيقول إذهبوا ! فاختاروا بينهما ، قال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَارَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (سورة التوبة: 122)

   إن حاجة البلاد الى مبلغين في المحافظات والقرى، حاجة كبيرة لا توصف  في أصول الدين وفروعه ، فالأجانب ينشطون في البلد ويبنون مساجد في القرى، ويوظفون فيها أئمة مساجد ومبلغين، ويضللون أفواجاً من شباب الشيعة ويحرفونهم عن مذهب أهل البيت(ع)!

   ففي مثل هذا الظروف لا يصح أن نسأل: هل نجلس أم نذهب ؟!

   هذا من جهة الخطر على أصول الدين..

   أما من جهة الأحكام فكثير من الناس في المدن لايعرفون الحلال والحرام مع كثرة أئمة الجماعة والعلماء ، فكيف بالقرى النائية؟! إنهم جميعاً مسلمون شيعة، ومائدة التبليغ هذه وضعت من قبل صاحب الزمان(ع)من أجل خدمة ضعفاء الشيعة هؤلاء. ومن الطبيعي أن يكون في السفر مشقة، خاصة في شهر رمضان .

   أين نذهب ، ماذا نعمل ، ماذا يحدث ؟ هذه الأفكار موجودة..

   ولكن توجد كلمة واحدة تسهل الأمر ، وهي أن هذا السفر ليس سفر تجارة وكسب، بل هو سفر عمل لهداية الناس.. وما دام كذلك فلا بد أن نعرف ما هو عمل الهداية ؟

   لو أنكم أدركتم ماهية هذا السفر لانحلت كل المشكلات ، فما معنى هداية الناس التي نسافر من أجلها؟ وهذا المجلس والحمد لله ليس مجلس عوام نتحدث اليهم. والهداية أول واجبات مقام الإمامة ، تلك الإمامة التي بحثنا في جلسة سابقة مقامها الرفيع، قال الله تعالى:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَاعَابِدِينَ (سورة الأنبياء: 73 )

   فعمل كل واحد منكم في هذا السفر هو عمل ابراهيم الخليل(ع)، هو عمل أمير المؤمنين(ع)، عمل الإمام الحسين(ع).. هذه عظمة هذا العمل .

  إنه لا كلام أعلى من كلام أئمة الدين صلوات الله عليهم، فأرجو أن تقرروا جميعاً بدون استثناء من هذا اليوم أن يقرأ الواحد منكم كل يوم صفحة من أول كتاب البحار. إن هذه الجهود التي بذلها أساطين العلم من أجلكم ، أمثال الشيخ الأنصاري والآخوند وآقا ضيا والأصفهاني أعلى الله مقامهم ، والأفكار التي طرحوها إنما هي مقدمة لتصيروا أهل فكر واجتهاد ، وتستعملوا ذلك في فهم الآيات والأحاديث ، فاقرؤوا صفحة من البحار بتلك الحصيلة العلمية التي استفدتموها من درسكم في الحوزة ، وتأملوا في دقائقها ، وواصلوا هذا البرنامج في حياتكم.

   غرضي مما أقوله أن أبين لكم أن المسافة بيننا وبين الوصول الى الأسرار كبيرة ، فقد قرأنا زيارة الجامعة كل عمرنا ، فتأملوا فيها فقرة فقرة .

من فقراتها: كلامكم نور وأمركم رشد. فما معناه؟ معناه أنكم جميعاً تطلبون النور ، وتبحثون عن النور ، لكن هذا النور ليس في شفاء ابن سينا ، ولا في المباحث المشرقية للرازي ، ولا في كلمات أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس..

   هذا النور في قلب عدة من المستقيمين ، ذوي القلوب المتوقدة من شعاع (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ ) .

 

   ابن سينا في آخر عمره وبعد أن قضى حياته في الفلسفة المشائية، وولج كل الأبواب بحثاً عن ضائعه ، واصطدم رأسه بالصخور مرات عديدة... في آخر عمره فهم أن ضائعه لايوجد في تلك المداخل وإنما يوجد في القرآن ، فكتب كلمات يفهم منها ذلك ، وكان يقضي نهاره وليله في قراءة القرآن !

 

   أما أنتم فيمكنكم أن تكونوا يقظين من أول أعماركم وتصلوا من الآن الى القرآن والحديث ، الى: ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ! )

 ابن سينا في آخر عمره ، وبسبب قصة لايتسع المجال لشرحها الآن، وصل ، لكن بعد فوات الأوان! لكنه قرر أن يغتنم ما بقي له من أيام، وأخذ في قراءة القرآن ومطالعته الى أن توفي !

   أما النبي(ع)فقال:(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً . )

 

   كلامكم نور.. نقرأ هذا اليوم نوراً من أنوارهم صلوات الله عليهم ، في هذه الرواية الشريفة ، فإن لم نصل الى عمقها وأسرارها ، فإن مجرد قراءتنا لها نور وإن وصلنا الى شرحها فهو نور على نور.

   قال علي بن الحسين عليه الصلاة والسلام: (أوحى الله تعالى إلى موسى: حَبِّبْنِي إلى خلقي، وحَبِّبْ خلقي إليَّ. قال: يارب كيف أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني، فلئن ترد آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام نهارها، وقيام ليلها .

قال موسى: ومن هذا العبد الآبق منك؟

قال: العاصي المتمرد.

قال: فمن الضال عن فنائك؟

قال: الجاهل بإمام زمانه تعرفه، والغائب عنه بعد ما عرفه، الجاهل بشريعة دينه، تعرفه شريعته،ومايعبدبه ربه ويتوصل به إلى مرضاته.قال علي بن الحسين(ع): فأبشروا علماء شيعتنا بالثواب الأعظم والجزاء الأوفر).( البحار:2/4)

   إقرؤوا بتفكير.. ما معنى هذه الكلمة:حَبِّبْنِي إلى خلقي، وحَبِّبْ خلقي إليَّ ؟! يقول الله تعالى هذا الكلام لنبيه موسى(ع)بعد أن نجح في تلك الإمتحانات وعبر تلك المراحل ، ووصل الى تلك المقامات !

   يقول له: الآن حان الوقت الذي تكون فيه دلاَّلاً لمحبتي !

   لله ، أي دلالون نحن بين الله وخلقه؟! إن كل واحد منكم يذهب الى بلد أو قرية، فهو دلال بين الخالق والخلق! هذا هو عملكم، فافهموا ماذا تعملون، وبأي نية تذهبون ، ثم انظروا في نتيجة ذلك.

   قال: يا رب كيف أفعل ، لكي أصل الى هذا المقام ؟

   قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ..

   ويسأل بعضهم: هل نذهب للتبليغ أم لا نذهب؟ وإذا ذهبنا ماذا نفعل؟

   الجواب كله هنا.. لقد حدد لك كيف تذهب، وماذا تقول وكيف، وماذا تفعل، وأي نتيجة تهدف من عملك.. فلم يبق شئ !

 

   عندما تذهبون وتريدون أن تتحدثوا إلى الناس حببوهم بالله تعالى، قوُّوا علاقتهم به وحبهم له ، فبذلك تحببون الله تعالى بخلقه.. كيف ؟

   طريق ذلك أن تقرؤوا بابين: باباً في آلاء الله ، وباباً في نعمائه: ذكرهم بآلائي ونعمائي.. هذا هو إعجاز كلام الأئمة(ع).

   لقد قرأتم في كتب المقدمات أن الآلاء هي المواهب المعنوية ، والنعماء هي المواهب الظاهرية.. والإنسان المبلغ للدين يجب أن يكون عالماً بآلاء الله تعالى ونعمائه ، لابد له أن يعرف عالم ملك كل إنسان وعالم ملكوته، وطريق ذلك التعمق والغور في الأحاديث .

   ذكروا الناس بما أعطاهم الله تعالى في ظاهرهم وفي باطنهم، ولا تحتاجون الى شئ غيره، فبهذا تفتِّحون أكمام ورودهم ، وتيقظون فيهم فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ( سورة الروم:30 ) .

   أحيوا فيهم ذلك العشق الكامن في أعماق فطرة الناس لخالقهم ، فإن أحييتم حبهم له، صاروا مطيعين لربهم ، وصاروا محبوبين له.

   وبذلك تكونون حببتم الناس بربهم ، وحببتموه بهم .

   وإذا ذهب أحدكم شهراً للتبليغ فليعاود ذلك مرة أخرى ، وإن طبَّق ما سنذكره إجمالاً ، فسوف تتحول شخصيته الى إكسير ، أين منه الذهب؟!

   وطريق ذلك هذه الرواية الشريفة التي لايتسع المجال لشرحها ، فلنكمل قراءة ألفاظها: فلئن ترد آبقاً عن بابي أو ضالاًعن فنائي..إن تفعل واحداً من هذين: ترد إنساناً آبقاً هارباً من ربه ، أو ترشد إنساناً ضالاً عن رحاب ربه الى فنائه !

   لاحظوا أن المتكلم هوالله تعالى، والمستمع نبي الله موسى(ع)، والموضح هو الإمام زين العابدين وتاج الساجدين(ع)!

 

   إن عملكم في التبليغ أحد هذين الأمرين: إما آبقٌ تردونه الى البيت ، أو ضالٌّ لايعرف الفناء ترشدونه اليه! وفي كلمة الآبق والضال، مالا يتسع له المجال .

   ياموسى، إن فعلت هذا فنتيجته: أفضل لك من عبادة مئة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها ! فأجر المبلغ للدين ليس تلك الدريهمات القليلة أو الكثيرة ، إن هذا التفكير غلط ، بل هو جوهر عظيم يسَّرَهُ الله لكم وجعله من نصيبكم ، فلا تدعوا الشيطان يسلبه منكم !

   القضية ، أن كل واحد منكم إن استطاع أن يرجع آبقاً الى ربه، أو يهدي ضالاً الى ربه ، فعمله أفضل من مئة سنة عبادة، ليست من عبادته وصلاته وصومه هو ، بل من عبادة نبي الله موسى بن عمران(ع)وصلاته وصومه!

   من مئة سنة يصوم موسى(ع)كل أيامها ويصلي كل لياليها !!

   ثم شرح الله تعالى لموسى معنى الآبق والضال:

   قال موسى: ومن هذا العبد الآبق منك؟ قال: العاصي المتمرد .

   فاعمل عملاً ترد فيه هذا العبد الهارب الى ربه، تعيد تارك الصلاة الى ربه بإعادته الى صلاته ، وتارك الصوم الى ربه بإعادته الى صومه ، وتعيد آكل الحرام الى ربه بالتوبة من الحرام.

   قال: فمن الضال عن فنائك؟ قال: الجاهل بإمام زمانه تعرفه ، والغائب عنه بعد ما عرفه ، الجاهل بشريعة دينه، تعرفه شريعته وما يعبد به ربه ويتوصل به إلى مرضاته !

 

   إن كل فقرة من هذا الرواية فيها بحث مفصل، فاجعلو نصها برنامجاً شهرياً لعملكم في التبليغ، وعسى أن نتوفق لتفصيل شرحها.

   ونتيجتها أن مسؤوليتكم مركبة من عملين:

 

   الأول، أن تعلموا الناس فروع دينهم ومسائل الحلال والحرام ، وترغبوهم في أداء الواجبات وترك المحرمات ، فتردوا الآبق الى ربه.

 

   والثاني، أن تعرفوهم بأصل دينهم، وأصل الدين إمام الزمان(ع).. ومع أن الخطاب من الله تعالى لنبيه موسى بن عمران(ع)، فقد بين فيه أهمية إمام الزمان في التدين بالدين الإلهي في كل عصر، وهو كلام عظيم يفهم سره كبار العلماء والحكماء ! ذلك أن الإمام هو الرابط بين الخلق والخالق ، هو حرف الربط ، وبدون حرف الربط محال أن يرتبط المحمول بالموضوع !

  إن قلوب الناس كلها بمنزلة المحمول ، وذات القدوس والمبدأ المتعالي عز وجل موضوع الموضوعات ، والرابط بينهما صاحب الزمان صلوات الله عليه . فإن كان الشخص بعيداً عن هذا الحرف كان ضالاً عن فناء الله تعالى ورحابه، مهاناً في فناء غيره ، فهو كالنبت بلا جذور ، ومحال أن يثمر نبت بلا جذور !

 

   ونتيجة هذا الحديث الشريف: أن تعرفوا أيها المسافرون للتبليغ أن جذر المسائل الشريعة وأحكام الحلال والحرام وجذعها هو صاحب الزمان(ع)، وثمرة هذه الشجرة المباركة سعادة الدنيا والآخرة . فإن أوصلتم شخصاً واحداً من أيتام آل محمد وشيعتهم الى هاتين الكلمتين، أو بذلتم جهدكم في ذلك، فثمرته ثواب صوم الدهر وصلاته من نبي الله موسى بن عمران(ع)!

   وشاهد ذلك قول الإمام زين العابدين(ع)في آخر الحديث: فأبشروا علماء شيعتنا بالثواب الأعظم ، والجزاء الأوفر . والإمام لايبالغ في كلامه ولا يُغرق ، فهو يخبر عن هذا الثواب العظيم ويتكفل به عن الله تعالى ، لمن رد عبداً آبقاً عن باب الله ، أو رد عبداً ضالاً الى فناء الله تعالى!

   فاستبشروا بهذا الثواب الأعظم والجزاء الأوفر وبشروا به ، ولا يكن مجلسٌ من مجالسكم خالياً من ذكر إمام العصر صلوات الله عليه ، فليكن في كل مجلس أو خطبة مسألة أو قضية تتعلق به، وإن فعلتم ذلك فمحال أن لاينظر اليكم ، وإذا نظر اليكم بعناية فإن نتيجة ذلك قدتصل الى خير عظيم ، يدرك ولا يوصف !

   اللهم صل على وليك الحجة بن الحسن العسكري عدد ما في علمك ، صلاةً دائمة بدوام ملكك وسطانك .

   اللهم سلم على وليك الحجة بن الحسن العسكري، سلاماً دائماً بدوام ملكك وسلطانك .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page