• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سر عظمة الإمام الحسين (عليه السّلام)

الصفحة (111)
ترى لماذا كتب الله (عزّ وجلّ) عن يمين العرش بأنّ الحسين (عليه السّلام) (مصباح هدى وسفينة نجاة)(1) ؟ وكيف جعل السبط الشهيد بمثابة سفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلف عنها هلك ؟ ولماذا هذه الكرامة البالغة لشخص أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) عند الله , وأنه ـ كما جاء في الحديث ـ : (( إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض ))(2) , أي إنّ أهل السماء أعرف بالحسين وكرامته من أهل الأرض , مع أنّنا نجد أنّ كرامته عند أهل الأرض ليست بالقليلة ؟
في كلِّ عام يحلّ علينا موسم محرّم ، موسم الحزن الثائر ، فنجد الدنيا وكأنها قد انقلبت ؛ فالشوارع تتجلّل بالسواد ، والناس يفرضون على أنفسهم لباس الحزن ، والإذاعات ومحطات التلفاز تبثّ برامج خاصة بهذه المناسبة ؛ فهذا الموسم هو نسمة جديدة تهب على قلوب العالمين ليس في المناطق التي يسكنها أتباع أهل البيت (عليهم السّلام) فحسب , وإنما في سائر مناطق العالم .
فلماذا أعطى الله سبحانه هذه الكرامة لأبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) ؟
ـــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 91 / 184 ، ح1 .
(2) المصدر نفسه .
________________________________________
الصفحة (112)
نظرات في عظمة الإمام الحسين (عليه السّلام)
البعض من الناس عندما يقفون إزاء عظمة عاشوراء ، وملحمة كربلاء ، فإنّهم يعبّرون عن إعجابهم بالحسين (عليه السّلام) , وبتلك الثورة الناهضة التي ما تزال حيّة في أفئدة الجماهير ؛ فهم يقدّرونه (عليه السّلام) لأنه كان حراً لم تستعبده السلطة ، ولأنه دافع عن حريته ، ودعا الناس إلى التحرر .
كل ذلك صحيح , ولكنه ليس كل القضية بل هو جزء بسيط منها ؛ فالأحرار كثيرون ، وكثير من الناس عاشوا وماتوا أحراراً ، في حين أنّنا لا نقدّسهم ولا نقدّرهم كما نقدّس ونقدّر أبا عبد الله الحسين (عليه السّلام) .
والبعض الآخر يرى أنّه (عليه السّلام) ناضل وجاهد من أجل إقامة حكم الله في الأرض ، وثار من أجل إقامة العدل ، وإحياء الدين ، وبث روح القيم القرآنية في الاُمّة . وهذا صحيح أيضاً ، ولكنه هو الآخر لا يمثل كل القضية ؛ فكثيرون هم اُولئك الذين ثاروا من أجل إقامة حكم الله تعالى ، وقُتلوا في هذا الطريق ، والبعض منهم استطاع أن يحقق هدفه ؛ فأقام حكم الله في قطعة معينة من الأرض .
والبعض الآخر يرى أنّ سرّ بقاء ملحمة كربلاء في أنّها كانت ملحمة مأساوية لم ولن تقع في التاريخ ملحمة أشد فظاعة وإيلاماً وحزناً منها ، حتّى مضى هذا المثل في التاريخ (لا يوم كيومك يا أبا عبد الله) .
فيوم الحسين (عليه السّلام) أعظم من كل يوم ؛ فقد اقرح الجفون ، وأسبل الدموع ، ولكن ليس هذا هو سرّ عظمة أبي عبد الله (عليه السّلام) ؛ فالمآسي في التاريخ كثيرة ، والذين قُتلوا ودُمّروا وقُتلت عوائلهم كثيرون ؛ من مثل الحسين شهيد فخ ، وزيد بن علي اللَّذين تعرّضا للإبادة هما
________________________________________
الصفحة (113)
وعوائلهما بشكل فظيع ، ومع ذلك فإنّنا لا نجد كلَّ الناس يهتمون بهذه الأحداث , بل لعل أكثرهم لا يعرفون عنها شيئاً .
الخلوص والصفاء
وبناءً على ذلك فإنّ عظمة الحسين (عليه السّلام) لا تكمن فقط في أنّ شخصيته كانت شخصيّةً ثائرة حرّة ، أو لأنّها تعرضت للإبادة بشكل فظيع . إذاً , فما هو سرّ هذه العظمة ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول : لا بدّ أن نعلم بأنّ الله سبحانه هو خالق الكون , ومليك السماوات والأرض ، وبيده الأمر ، وأنّه يرفع مَن يشاء ويضع مَن يشاء ، وأنّ مَن تمسّك بحبله رفعه ، ومَن ترك حبله وضعه .
ومن المعلوم أنّ الحسين (عليه السّلام) تمسك بحبل الله فرفعه ، وأخلص العمل له فأخلص الله له ودّ المؤمنين ، وجعل له في قلب كلِّ مسلم حرارة . وقديماً عندما خلق الله (تقدّست أسماؤه) آدم (عليه السّلام) وأسكنه الجنّة ، رأى آدم ما رأى حول العرش من الأنوار ، ثمّ علّمه جبرائيل تلك الأسماء والكلمات ، ونطق بها ، وأقسم على الله (عزّ وجلّ) بتلك الكلمات والأنوار الخمسة ... فلما ذكر الحسين (عليه السّلام) سالت دموعه وانخشع قلبه ، وقال : يا أخي جبرئيل , في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي !
قال جبرئيل (عليه السّلام) : ولدك هذا يُصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب .
فقال : يا أخي , وما هي ؟
قال : يُقتل عطشانَ غريباً , وحيداً فريداً , ليس له ناصرٌ ولا معين … فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثكلى(1) .
وهكذا فإنّ قيمة الإمام (عليه السّلام) تكمن في أنّه كان مخلصاً صفياً ، فهو (عليه السّلام)
ــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 44 / 245 .
________________________________________
الصفحة (114)
لو كان يمتلك ألف ابن مثل عليّ الأكبر , وكان عليه أن يضحّي بهم في لحظة واحدة لما تردّد في فعل ذلك ؛ لأنه جرّد نفسه عن أهوائه رغم أنه (عليه السّلام) كان يحب عليّ الأكبر حباً لا حدّ له ، حباً لا يمكن أن يضمره أي أبٍ لابنه ؛ لأنّ علياً الأكبر كان أشبه الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ، ومع ذلك فإنّ حب الحسين (عليه السّلام) لله تعالى كان أشدّ كما يقول سبحانه : (وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبَّاً لِلَّهِ)(البقرة/165) .
ونحن إذا رأينا اليوم أنّ الناس يقدّرون أبا عبد الله (عليه السّلام) ، وإذا رأيناهم يحملون إلينا في كل شهر محرم موسماً جديداً وميموناً من ذكراه (عليه السّلام) , فلأن ثورته كانت ثورة ربانية ، ولأنه كان أباً للأحرار ، وثائراً من أجل الدين ، وكان يريد إقامة حكم الله في الأرض ، ومع كل ذلك فإنّ هذه المزايا تعّد اُموراً ثانوية .
فالإمام الحسين (عليه السّلام) عندما وقف في عرفة وقرأ ذلك الدعاء الخالد الذي هو بحق كنز من كنوز الرحمة ، وموسوعة توحيدية كبرى ، فإنّه قد جسّد فقرات هذا الدعاء في كربلاء ؛ فهو عندما قال وهو متوجّه إلى الله جل جلاله : (( إلهي , ماذا فقد من وجدك , وماذا وجد من فقدك ))(1) ؟ فإنّه كان يرى أن كل شيء في الوجود ، وكل القيم متمثلة في حب الله ومعرفته .
وقد جسّد (عليه السّلام) كل ذلك في كربلاء كلما كان يفقد عزيزاً أو ابناً أو أخاً من أعزّ الاُخوان عليه ؛ فعلى سبيل المثال فإنّ أبناء واُخوان وأصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) الذين ضرّجوا بدمائهم في كربلاء كان كل واحد منهم يمثّل نجماً في اُفق التوحيد ؛ فقد كان بعض أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) أصحاباً للنبي (صلّى الله عليه وآله) ؛
ــــــــــــــــ
(1) مفاتيح الجنان ـ دعاء الإمام الحسين (عليه السّلام) في يوم عرفة / 273 .
________________________________________
الصفحة (115)
من مثل حبيب بن مظاهر الذي اُوتي علم المنايا والبلايا ، ومن مثل مسلم بن عوسجة الذي كان فقيهاً وعالماً من العلماء العظام . ولقد قُتل هؤلاء الواحد تلو الآخر , ومع ذلك فإنّ وجه أبي عبد الله (عليه السّلام) كان يزداد إشراقاً رغم أنّ قلبه كان يتفطّر ألماً عليهم .
وبعد أن أكمل (عليه السّلام) مهمته قبض قبضة من تراب كربلاء ، ووضع جبهته الشريفة عليه وقال : (( صبراً على قضائك يا رب , لا إله سواك يا غياث المستغيثين , ما لي رب سواك , ولا معبود غيرك ... ))(1) .
وفي الحقيقة فإنّ ما نعطيه ويعطيه العاملون لتجديد ذكرى أبي عبد الله (عليه السّلام) لو وضع في كفة ، ووضعت كلمة الحسين (عليه السّلام) هذه في تلك اللحظة ، وفي ذلك الموقف في كفة اُخرى لرجحت كلمة الحسين على أعمالنا جميعاً ؛ فلقد أعطى (عليه السّلام) كلَّ ما يملك في سبيل الله حتّى الطفل الرضيع ، وعائلته التي وضعها في بحر من الأعداء الشرسين المتوحشين ، ومع كلِّ ذلك فقد قال : (( صبراً على قضائك يا رب , لا إله سواك يا غياث المستغيثين , ما لي رب سواك , ولا معبود غيرك ... )) .
وهكذا فإنّ الذي جعل ذكرى الحسين (عليه السّلام) خالدة هو أنّ ما كان لله يبقى ، والإمام الحسين (عليه السّلام) عمل مخلصاً لوجه الله .
ونحن إذا أردنا أن نرضي الخالق تبارك وتعالى ، والحسين ، وجدّه واُمّه , وأباه وأخاه ، والأئمة من ولده (عليهم الصلاة والسّلام جميعاً) فلا بدّ أن نخلص أعمالنا لوجه الله ، وأن نفعل كلَّ ما يمكننا من أجل أن نخلّد ونجدّد ذكرى الثورة الحسينيّة حتّى من خلال التظاهر بالعزاء ، والبكاء عليه بصوت عالٍ بحيث يسمعنا الآخرون .
ــــــــــــــــ
(1) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ للمقرم / 357 .
________________________________________
الصفحة (116)
مأساة تستدر الدموع
وفي هذا المجال روى لي أحد الخطباء قصة طريفة يقول فيها : كنّا نقيم مجالس العزاء على الحسين (عليه السّلام) في بلد أجنبي , في صالة نستأجرها كلّ عام ، فسألني أحد الأشخاص المسيحيين قائلاً : إنّكم تأتون إلى هذه الصالة وتستأجرونها سنوياً لتبكوا ، في حين أنّ الآخرين يستأجرونها لإقامة مجالس الأعراس والأفراح ، فلماذا تفعلون ذلك ؟!
فقلت له : لأننا في عزاء .
فقال : عزاء مَن ؟
فقلت : عزاء سيّدنا وإمامنا وقائدنا .
فقال لي : متى اُصيب , وكيف ؟
فقلت : قبل ألف وأربعمئة عام .
فتعجّب من ذلك ، وأصابته الدهشة لأننا ما زلنا نبكي على رجل مات قبل مئات السنين . فقلت له : إنّ مقتله لم يكن عادياً ؛ فلقد قُتل مظلوماً , وبشكل مأساوي بعد أن دعاه الناس ، ووعدوه بالنصرة ، فإذا بهم يخذلونه ، ويسلمونه للأعداء ، ويحيطون به في صحراء قاحلة حيث لا ماء ولا طعام ، وحتّى طفله الرضيع لم يسقوه شربة من الماء , بل رموه بدلاً من ذلك بسهم قاتل .
يقول الخطيب : وبعد أن شرحت للرجل المسيحي سبب بكائنا على الإمام الحسين (عليه السّلام) إذا به يجهش بالبكاء ، وتتقاطر دموعه ، ويظهر تعاطفه معنا ، ثمّ طلب منّا أن نسمح له بأن يشاركنا في العزاء على أبي عبد الله (عليه السّلام) .
وهكذا فإنّ سر خلود الثورة الحسينيّة يكمن في أنها كانت ثورة ربّانية خالصة لوجه الله الكريم ، وأنها كانت من الأحداث التي قدّر الله لها أن تحدث منذ الأزل ؛ فقد كانت مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمشيئة الإلهية .
وأمّا بالنسبة للعوامل الاُخرى التي تُذكر في تفسير سر خلود ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) فهي أسباب ثانوية تتفرّع من السبب الرئيس الذي ذكرناه .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page