• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نصرة المظلوم

آية الله الشيخ حسن آل العلامة الشيخ إبراهيم المظفّر (قدس سرّه)

دار العلوم
ملاحظات أوّليّة
1- عن المؤلف.
2- عن الكتاب.
3- قائمة بأسماء العلماء المؤيدين (المذكورين في هذا الكتاب).
المؤلف
هو الشيخ  حسن  بن الشيخ عبد المهدي بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ نعمة بن جعفر بن عبد الله بن عبد الحسين بن مظفر (قدس الله تعالى أسرارهم جميعاً).
كان جده الشيخ إبراهيم من أعاظم أعلام الأسرة العلمية الجليلة (آل المظفّر) وكان من تلاميذ الشيخ محمد حسين الكاظمي المعروف بـ (المقدّس البغدادي)  (قدس سرّه) وهاجر بأمر أستاذه المذكور بعد عام 1300 للهجرة من النجف الأشرف إلى البصرة للقيام بالوظائف الشرعية، وقام بها خير قيام.
وكان والده (قدّس سرّه) آخر من أعلام هذه الأسرة العريقة فقد خلف والده - بعد وفاته عام 1333 - في البصرة وقام بأعباء خدمة الناس في مختلف الشؤون الدينية، والسياسية، والاجتماعية وغيرها، حتى وافاه الأجل في عام 1363 للهجرة.
وخلف هو - الشيخ حسن - مقام والده وجده في البصرة وقام بمهام المسلمين هناك، وكان مجمع العلماء، ومنتدى الأدباء، ومهدي المحتاجين في شتى أمورهم وحوائجهم.
قال الإمام الطهراني (قدّس الله سرّه).
(... وقد قام مقام أبيه، وخلفه في سيرته الحميدة، ونفعه للناس، وهو موضع احترام أهل العلم، وباقي الطبقات... وقد توفى في يوم عاشوراء في مستشفى الميناء بالعشار(1) سنة 1388 هـ ونقل إلى النجف ودفن بها رحمه الله)(2).
هذا الكتاب
جاء في كتاب (الذريعة) للإمام آغا بزرك الطهراني (قدّس سرّه) ج 24 ص 178 مايلي:-
(921: نصرة المظلوم) للمعاصر إبراهيم حسن آل المظفر النجفي وفيه رجحان إقامة التعازي والتمثيليات لبيان ما حدث بالأيدي الظالمة على آل رسول الله، طبع 1345 هـ، جواباً على بعض المتجددين المتسنّنين الّذين يحبّذون التمثيليّات الفنيّة الدنيوية ويحرّمون الدينيّة منها.
قائمة أسماء العلماء
1- الشهيد الأول (قدّس سرّه).
2- صاحب الجواهر (قّدس سرّه).
3- شيخ الشريعة (قّدس سرّه).
4- السيد إسماعيل الصدر (قّدس سرّه).
5- الميرزا القمي (قّدس سرّه).
6- السيد الشفتي (قّدس سرّه).
7- كاشف الغطاء (قّدس سرّه).
8- السيد بحر العلوم (قّدس سرّه).
9- الوحيد البهبهاني (قّدس سرّه).
10- العلامة المجلسي (قّدس سرّه).
11- شريف العلماء (قّدس سرّه).
12- الفاضل الأردكاني (قّدس سرّه).
13- الشيخ المازندراني (قّدس سرّه).
14- الشيخ آل ياسين (قّدس سرّه).
15- السيد الأعرجي (قّدس سرّه).
16- السيد القز ويني (قّدس سرّه).
17- الشيخ الأنصاري (قّدس سرّه).
18- السيد علي بحر العلوم (قّدس سرّه).
19- المجدّد الشيرازي (قّدس سرّه).
20- الشيخ البلاغي (قّدس سرّه).
21- الشيخ محمد تقي الشيرازي (قّدس سرّه).
22- الشيخ محمد طه نجف (قّدس سرّه).
23- السيد محمد بحر العلوم (قّدس سرّه).
24- السيد محمد كاظم اليزدي (قّدس سرّه).
25- السيد أبو الحسن الأصفهاني (قّدس سرّه).
26- الميرزا النائيني (قّدس سرّه).
بسم الله الرّحمن الرّحيم
بسم الله وله الحمد على جزيل نواله، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله.
وبعد فبينا أنا واقف موقف الاندهاش والحيرة - أسوة كثير من أهل الدين – لما وقع في الحرمين الشريفين وما والاهما من المنكرات بهدم المشاهد والمزارات و ذلك في أوّل شهر المحرم من هذا العام حيث يقام التذكار الحسيني المحزن وكفى به جالباً للوجد القلبي ومثيراً للبكاء المقرح، إذ انتهى إلى عدد من جريدة (الأوقات العراقية) التي تصدر في البصرة وفي مفتتحها مقالة ينقل صاحبها عن رجل من فضلاء أهل العلم قطن البصرة منذ شهور يدعى  (السيد مهدي) انه منع من تمثيل تلك الفادحة الكبرى والمصيبة العظمى ومن خروج مواكب الرجال يضربون صدورهم بأيديهم في الأزقة والجواد العمومية(3)، فقلت هذه المصيبة الثالثة وما هي بأهون من الأوليين، ثم تواترت الكتب والرسل من البصرة إلى مراكز العلم في النجف وهي ما بين عاذل وعاذر محبّذ لهذا المنع ومستاء منه، فشممت من ذلك روح الأغراض الشخصية بين فئتين، فأعرضتُ وقلت: - فورة لامساس لها بالمذهب سوف تسكن - ثم ما عتمت إلا وقد أرسلت بعد أيّام من البصرة مقالة مطبوعة من مزخرفات ذلك الرجل الفاضل مزج فيها بين الحق والباطل، ونسب الفرقة الجعفرية - في إقامة التذكارات الحسينية ببعض مظاهرها - إلى الإبداع والقيام بأفعال وحشية همجية.
وفي هذا تضليل للسلف الصالح من العلماء الأعلام والقوّام على الحلال والحرام، ورفع لأعظم شعار مذهبي ما زالت تجتني الشيعة من فوائده ما يحفظ كيانهم و يثبت عقائدهم فعلمت من أين جاءت هذه البليّة التي تقضي ـ إن تمت ـ على حياة الشيعة وتيقنت أنّ كيد المموّهين والمنافقين وخاصة أفراد (الجمعية الأموية) ذلك الكيد الذي لا ينطلي إلاّ على السذج والبسطاء قد أوقع هذا الرجل بإشراكه(4) فأفتى، ومنع، وقذف، وضلّل، ولفّق أموراً ليس لها مقيل في ظل الحقيقة بل هي  (كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده)(5).
كنت أجد لي فيما كتبه وأفتى به علماؤنا الأعلام في هذه الأيام وطبع مُلحقاً برسالة في هذا الشأن لمعاصرينا الفاضل (الشيخ محمد جواد الحجامي النجفي)  (حفظه الله) المطبوعة في النجف مندوحة عن الخوض في هذه المسألة التي عزّ وعظم على كلّ عارف من الشيعة أن تقع موقع سؤال وتشكيك.
ولكني الآن بعد انتشار تلك المقالة التي هي قرة عين المناوئين لا أجد مساغاً شرعياً للسكوت عما خفي على ذلك (السيد الصائل) ومن يطرب على تصديته، عسى أن ينيب إلى الحق ويتنبه إلى ما أغفله به الأغيار المفكرون ـ ومن الله أرجو أن تكون رسالتي هذه التي سميتها:
نصرة المظلوم
سبباً لهداية إخواننا المسلمين إلى اتباع الحق بيقين، أنه وليّ ذلك والقادر عليه.
وهاأنا بعون الله وتوفيقه ذاكر في مقدمة هذه العجالة بحثاً فلسفياً تاريخياً ينتهي بالمتأمّل فيه إلى العلم بان التذكارات الحسينية بجميع أنواعها حافظة للمذهب الجعفري عن الاندراس والدثور، وبهذا الاعتبار لا يحتاج في شرعية بعضها إلى ورود دليل خاص به، وإنه لا يعتني بسخرية الساخر... فانه في الحقيقة ماكر لا ساخر يريد إطفاء أنوار الأئمة الأطهار بكيده ومكره ولا يحيق المكر السيئ إلاّ بأهله.
فأقول: يتردد على ألسنة عموم الشيعة نحو قول:  (قُتل الحسين (عليه السلام) لإحياء دين جدّه) ومرادهم بدين جده (الطريقة التي هم عليها) ـ من الاعتقاد مع الشهادتين والمعاد - بإمامة علي وولده إلى المهدي (عليهم السلام) وأنهم معصومون مبرّؤون عن كل ذنب وعيب جامعون لكل فضيلة في البشر، وتفصيل إحيائه لهذه الطريقة بتسليم نفسه للقتل عالماً عامداً تعرفه مما نذكره ثمة.
لا شك أنه ما كان المسلمون في شطر من الصدر الأول يُنزلون أهل البيت الطاهر بالمنزلة التي تنزلهم بها الجعفرية اليوم من كونهم أئمة حق ومعصومين فضلاً عن اعتقاد كون الإمامة والعصمة في عقب الحسين (عليه السلام) إلى عدة خاصة من أبنائه، فإنه مما لم يذعن به إلا ممتحن القلب، اللهم إلا في أعوام نزرة مشوبة بفتن وحروب، كثر في خلالها عدد الشيعة و ثبتت عقائدهم، لكن لم تكن مقتضيات الأحوال يومئذ بالغة إلى حدّ يوجب سيادة هذا الاعتقاد في العالم الإسلامي، ثم ما برح ذلك العدد الجم أن عراه النقص، ولبس ثوب الإذلال، وكان ضئيلاً من قبل ذلك، وذلك لأجل الجَنَف(6) الذي أظهره آل أبي سفيان في المصرَين وما يتبعهما وغيرهما من مراكز الشيعة، فقد غرسوا بغض علي (عليه السلام) وولده وسبهم والبراءة منهم في أعماق قلوب العامة بأساليب مختلفة وتتبعوا شيعتهم على الظنة والتهمة حتى كادوا أن يستأصلوا شأفتهم وبعثوا إلى المشرّدين منهم والمسجونين ضروب الأذى والتنكيل، ووضعوا الأحاديث النبوية في فضل بني أمية وأعلنت الخطباء في كل صقع بأسمائهم مقرونة بالتبجيل والتكريم وكونهم خلفاء النبي (صلى الله عليه وآله) وذوي رحمه وورّاث حكمه وحكمته، وان مخالفتهم ضلال، والخروج عليهم خروج عن ربقة الإسلام حتى أتى على ذلك نيف وثلاثون سنة، وبعض هذا في أقل من تلك المدة كاف في اندراس ذكر علي وولده (عليهم السلام) واندراس طريقتهم وأحكامهم، حتى إذا ولي الأمر يزيد بن معاوية بعد أبيه وقد توطدت له الأسباب تسنّى له أن يبيد كل هاشمي من على جديد الأرض لتهوّره، وشدة إقدامه، وتجاهره بهتك الحرمات، كما ينبئ عن ذلك - بعد يوم الطف -  (وقعة الحرة) و (رميُ الكعبة).
فلذلك قام الحسين (عليه السلام) ضد بني أمية ـ قيام مستاء جداً من جرّاء قسوتهم المخالفة لدين الإسلام ولا همّ له إلاّ إحياء ما أماتوه من الآثار والمآثر الإسلامية، وبقتلهم إيّاه ـ تلك القتلة الشنيعة بأيدي تلك الألوف المتجمهرة عليه وقتل سبعة عشر رجلاً من بنيه وبني أخيه وعمّه حتى الشباب والأطفال الرّضّع منهم، وقتل أنصاره وسبي ذراريه وعياله إلى الكوفة، ومنها إلى الشام حيث مركز الخلافة الأموية، وإشهار رأسه ورؤوس آله في البلدان - سقطت منزلة بني أمية من القلوب وعلم الناس نواياهم السيئة أيقنوا أنهم ليسوا بأئمة حق، لأن أفعالهم تلك لا تتفق مع أي دين ولا يرافقها من العدل شبح، بل هي خارجة عن حدود الإنسانية.
وكان في نفوس العامة في العراق نفور مّا منهم من جرّاء القتل الذريع بكبرائهم لتهمة التشيع وجنف العمال بهم، وكذلك في الحجاز أيام استخلاف يزيد (عليه اللعنة) لمعلومية فسقه وجوره، وظهر يومئذ للعالم الإسلامي كله أن بني أمية لم تسع في هدم دين الإسلام فقط، بل تسعى عن طريق التعصب الجاهلي في أن لا تبقي لهاشمي أثراً وعلى الأخص بقايا آل محمد  (صلى الله عليه وآله) ومن هذا الوجه ظهر للعالم أجمع مظلومية الحسين (عليه السلام) وصار ذلك سبباً للالتفات إلى مظلومية أبيه يوم (صفين) وأخيه (عام الصلح).
لما قتل الحسين (عليه السلام) طال لسان اللوم والإنكار على يزيد (عليه اللعنة) حتى من بني أمية أنفسهم ومن بقايا الصحابة في الشام وفي المدينة المنورة على حين إنه لم يكن بالإمكان ذكر علي (عليه السلام) والحسين (عليه السلام) بخير في البلدان القاصية عن مركز خلافة بني أمية فضلاً عن إطرائهم بين يدي يزيد ولدى حاشيته وفي داره، حتى روى في (العقد الفريد) عن المدائني أنه لم توجد في دار يزيد سفيانية إلاّ وهي متلدّمة تبكي على الحسين (عليه السلام) وما كان ينفع يزيد عند الناس إسناد قتله إلى ابن مرجانه بغير علم منه وهم يرون فرحه و سروره - بإشهار رأسه ورؤس آله وسوق ذراريهم وعيالهم له كالسبي المجلوب، وتزيينه الشام أياماً - استبشاراً بذلك.
لعمري أن هذا الإطراء والذكر الجميل واعتقاد مظلومية الحسين (عليه السلام) وآله عند العامة في الشام أول مراتب التشيع ومعرفة آل محمد (صلى الله عليه وآله) والإذعان بفضلهم الذي لا سبب له إلاّ قتل الحسين (عليه السلام).
في عام قتل الحسين هاج كثير من أهل الكوفة للأخذ بثأره وما زالوا يستعدون للثورة عدّتها من جمع سلاح وتوفير عدد نحواً من ثلاث سنين، وأهل المدينة في خلال تلك المدة ثائرون عليه مع عبد الله بن حنظلة (غسيل الملائكة) وابنُ الزبير ناصب بمكة يدعو إلى نفسه ويعلن الطلب بثار الحسين بدء أمره حتى هلك يزيد (عليه اللعنة) وحينئذ تجمهرت الألوف بالكوفة لا حافز لها إلاّ الطلب بثار الحسين (عليه السلام) وهي تذكر أباه وأخاه وسائر آله بكل جميل وتعلن استحقاق علي (عليه السلام) وولده الإمامة والخلافة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) يومئذ ظهر التشيع الصلب وامتازت شيعة علي (عليه السلام) من شيعة بني أمية ونتج من ذلك التجمهر والامتياز وقعة (عين الوردة) التي قتل بها اكثر التوابين و (وقعة نهر الخازر) التي هلك فيها من جند بني أمية سبعون ألفاً فيهم ابن مرجانة.
وبان ثمة التشيع بأجلى مظاهره وانقادت الناس من يومئذ إلى أهل البيت (عليهم السلام) باقتفاء آثارهم والاقتباس من علومهم وأخذ مراسم الدين منهم، وما برح الثوار يتتابعون، كزيد بن علي وولده عيسى بن زيد وغيرهما ويقوى أمر الشيعة ويشتد أزرهم وتظهر كلمتهم وتثبت عقائدهم ببركة تلك الثورات الناجمة من قتل الحسين (عليه السلام) ولم يمض قرن واحد من لدن قتله حتى باد بنو أمية وأصبحت السلطة الإسلامية لفريق من بني هاشم وهم (بنو العباس) الذين - باسم ثارات الحسين (عليه السلام) وولده وبني عمومته - لم يبقوا من الأمويين في الأرض نافخ ضرمه إلا من لا يعرف.
من هذه الرموز كلها تعرف معنى كون الحسين (عليه السلام) قتل لإحياء دين جده وتذعن إنه لم يطلب حقاً هو لغيره ولم يرد أن يكون جباراً في الأرض وإلاّ فلا موقع لإطرائه والطلب بثأره.
ولما رسخت أقدام العباسيين في الإمرة الإسلامية ورأوا أنّ المغروس في أعماق قلوب أكثر المسلمين هو أن الرياسة الروحانية المقدسة لعقب الحسين (عليه السلام) من العلويين خافوا على ملكهم بادرة الثوار منهم.
وأدرك أولئك أن لا قدرة لهم على الطلب بحقهم وقد باد بنو أمية، وتشتت أفكار العامة، أعرست الدنيا بملك بني العباس، وكان الرئيس الروحاني من أولاد الحسين (عليه السلام) يومئذ والمشار إليه من بينهم والمطاع في الناس هو أبو عبد الله (جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)) فآثر العزلة وكذلك أبناؤه إماماً بعد إمام و هم في خلال ذلك يلاقون ضروب الأذى والقتل والتنكيل، ولكنهم حفظوا ما قُتل عليه جدّهم بأمرهم شيعتهم - بدل الثورة -  (بالتذكّرات الحسينية) بذكر مصائبه فُرادى وجماعات في جميع الأحوال ونقل ما جرى عليه وعليهم من الفجايع من لدن قتله إلى أيامهم، والبكاء والإبكاء والتباكي لما أصابهم، وبالغوا في الإطناب بذكر ثواب ذلك إلى حد هو فوق التصور، لأنهم رأوا أنّ ذلك هو اليد القوية في إحكام الرابطة بين أفراد الشيعة وتميّزهم عمن سواهم من الشّيع، كما أنّ الثورات الدموية أوجبت تميزهم عن شيعة بني أمية وحفظت عقائدهم لذلك الوقت. وعلى ذلك من الشواهد التاريخية ما تضيق عنه الرسالة، ثم إنهم (عليهم السلام) بمزيد لطفهم وواسع علمهم حفظوا تلك المجتمعات وحافظوا على الأفراد والجماعات من الشيعة بتشديد الأمر عليهم بالاتّقاء والتستر حتى نفوا اسم الدين عن غير المتقى... وهذه المجتمعات - المأمور بها منهم ببيانات مختلفة والمنعقدة عندهم في منازلهم - هي ما نسميها اليوم (المآتم) و (مجالس العزاء).
لا شك أنه لا غرض للأئمة (عليهم السلام) - وهم حكماء الأمة - من الأمر بذلك الاجتماع المحزن وتذكّر تلك المصيبة  المقرحة في أحوال مخصوصة كثيرة وزيارته التي لم يكفهم الترغيب إليها والمبالغة في ثوابها حتى حذّروا من تركها وبعبارة جامعة ليس أمرهم بتلك الروابط الحسينية إلا حفظ المذهب عن الاندراس، وهو الغاية التي قتل لها الحسين (عليه السلام) وهذه الحكم مع أنها وجدانية قد المعوا إليها بعبارات مختلفة وضوحاً وخفاءاً وأمروا بها صريحاً فيما تضمن الحث على إحياء أمرهم.
نحو قول الصادق (عليه السلام) للفضيل بن يسار: تجلسون وتتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا، يا فضيل فرحم الله من أحي أمرنا(7).
وقوله (عليه السلام): من جلس مجلساً يحيى فيه امرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب(8).
وقوله (عليه السلام): رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكر امرنا فان ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذّكر، فان في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا، ودعا إلى ذكرنا(9).
وغير ذلك فكأنّهم (عليهم السلام) رأوا إن تلك (التذكارات الحسينية) هي التي توجب بقاء الناس على مرور الأزمان على الاعتقاد بإمامتهم ووافر فضلهم وعصمتهم ومظلوميتهم من الخلفاء في كلّ عصر من أعصارهم وذلك روح التشيع.
أنا لا أشك أنّ تلك المجالس والمجتمعات ألبستها الأئمة الأطهار (عليهم السلام) - بواسع علمهم وبعد نظرهم للمستقبل - لباساً مذهبياً لأنها السبب الوحيد لاجتماع كلمة الشيعة ورسوخ عقائدهم وبقاء ذكر الجميل بكل معانيه للأئمة فيما بينهم، وتلك نكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى عن الشيعة أنفسهم، فإنهم لا يتصوّرون هذه الفائدة من عملهم، بل قصدهم الثواب الأخروي فقط، لكن بما إن كل عمل لابد أن يظهر له بطبيعته أثر فهذه المجالس بما يحدث فيها من إظهار مظلومية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) تؤثر تلك الثمرات للشيعة من حيث لا يشعرون.
إليك فانظر ماذا يضر (المتوكل العباسي) في كونه ملكاً وخليفة من ولد العباس عم النبي  (صلى الله عليه وآله) من أن طائفة من المسلمين تزور قبر الحسين (عليه السلام) وهو ابن عمه حتى يمنع عن زيارته ويوجّه إليه الفعلة بأمرهم بحرثه وإجراء الماء عليه، وما دخل ذلك في الملك والسلطان لولا أنه قد أدرك أن (الرابطة الحسينية) المسبّبة عن اندفاع تلك الجماهير إلى زيارة قبره مجتمعين عنده ذاكرين فضله وفضل آبائه وأبنائه ومظلوميتهم مجاهرين بالبكاء عليه وعليهم هي التي توجب ثبوت الاعتقاد بإمامتهم وذلك هو روح التشيع. اُنظر لم ينكر الإمام  (عليه السلام) - وقد ارتفع البكاء في داره على الحسين (عليه السلام) واجتمع الناس على الباب - لم ينكر أن يكون ذلك على جدّه المظلوم ويقول مات طفل لنا فبكت عليه النساء (وقد صدق فقد ماتت لهم أطفال في كربلاء).؟
بالله عليك لم يدمج راوي انعقاد المأتم على الحسين (عليه السلام) يومئذ للبكاء عليه فيقول:  (جاء قاص يقص فبكينا) ولا يقول نذكر مصرع الحسين (عليه السلام)؟ وهل هم يبكون على مصيبة يقصّها القاص إلاّ مصيبة الحسين (عليه السلام) التي يجتمعون لأجلها؟ ولم يُتخَفّ بها لولا أنها مظهر روح التشيع.
وأنت إذا تيقّنت قيام تلك الفائدة الجليّة بالمآتم الحسينية قياماً طبيعياً أرشدت إليه الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بهاتيك الأخبار لزمك الإلتزام بوجوبها كفاية ووجوب كلما يفيد مفادها كذلك من تمثيل الفاجعة لحاسة البصر أو سير مواكب الرجال في الأزقّة والشوارع مذكّرةً بها، ولم تحتج بعد تلك الفائدة الملموسة باليد إلى نضد الأدلة على مشروعيتها إذ إنّها بهذا البيان الذي يشهد به الوجدان أجلّ من أن يرتاب مريب في رجحانها بل وجوبها كفاية. وإن أقربها علاقة وشبهاً بالمآتم (التمثيل)، فإنّ من سبر غوره وتعمّق بالغوص على سرّه يعلم آن فيه من النّكت ما ليس في إقامة المآتم المجردة عنه.. إذا كان السرّ في إقامة المآتم والغرض منها ظاهراً إظهار مظلومية سيّد الشهداء لدى العموم، وباطناً اتفاق كلمة الشيعة وحفظ عقائدهم عن الاندراس على مرور الأزمان.
فلا ريب أنّ تمثيل الواقعة لحاسة البصر بما يصدر فيها من حركة وسكون قول وفعل أبلغ في إظهار مظلومية ذلك الشهيد الأعظم من الأقوال المجرّدة على المنابر وفي المجامع وأدخل في تثبيت العقائد وإحكام الروابط بين أفراد الجعفرية.
إذا كانت الفرقة الجعفرية تذكر في المآتم وعلى المنابر المصائب التي وردت على الحسين  (عليه السلام) ونصب أعينها الأحاديث المرغّبة على البكاء عليه والحزن لأجله فتمثيل تلك المصائب للأنظار، له تأثير عظيم في القلوب لأنه يجعل العام والخاص من الجعفرية راسخ العقيدة ثابت اليقين.
لاشك أنّ الجعفرية في تمثيلها للفادحة الحسينية تصيب من جهة إحياء أمر الأئمة (عليهم السلام) وهذا هو السبب الوحيد لتسليم الحسين (عليه السلام) نفسه للقتل: ومن جهة أخرى يحصل لهم ولغيرهم تحزين الطبايع وإبكاء النواظر وإثارة العواطف الرقيقة نحو المصاب بتلك الفادحة الكبرى ورفع الستار عن فضايح الظالمين وأتباعهم.
التمثيل وان لم يكن قديماً عند الشيعة بل هو حادث منذ عدة قرون ولكن ليس كل حادث في المذهب لا يكون معمولاً به.
الحادث إذا كان مفيداً فائدة القديم المشروع بوجه أتم وأبلغ كان مشروعاً لا سيما إذا احتمل كون تركه في الزمن الأقدم لعدم إمكان إقامته اتقّاءً.
لا شك أنّ إظهار الحزن ومظلومية سيّد الشهداء (عليه السلام) والإبكاء عليه وإحياء أمره بسنخه عبادة في المذهب لا بشخص خاص منه ضرورة انه لم ترد في الشريعة كيفية خاصة للحزن والإبكاء واحياء الذكر المأمور بها ليقتصر عليها الحزين في حزنه والمحيى لأمرهم في إحيائه والمبكي في إبكائه. وإذا كان سنخ الشيء عبادة ومندوباً إليه سرت مشروعيته إلى جميع أفراده من جهة الفردية ولذلك لم نر أحداً من صلحاء الشيعة وعلمائهم، ولم يؤثر ولم ينقل عن أحد منهم في الأجيال السالفة من لا يعد التمثيل مثل قراءة (كتاب المقتل) في عباديّته وفي كونه مبكياً ومحزناً فضلاً عن إنكار مشروعيته.
إن الذين ادخلوا التمثيل في التذكارات الحسينية لا شك انهم من كبراء رجال أهل الدين المفكرين وأرباب السلطة المتّبعة من الشيعة ولذلك يظن البعض أنه انتشر في بلدان الشيعة من قبل سياسة السلاطين الصفوية الذين هم أول سلسلة استولت على السلطنة بقوة المذهب ثم أيّده رؤساء الشيعة الروحانيون شيئاً فشيئاً وأجازوه… وبما أن حكماء الهند أقدم من الصفوية في استعماله استنبط منه أنّ هؤلاء أخذوه من أولئك وألبسوه لباس المذهب لمّا رأوا من فوائده المذهبية.
وحيث أنهيت المقصود من المقدمة التي هي في الحقيقة نتيجة المقصد فأني شارع بعون الله تعالى في ذكر جميع (التذكارات الحسينية) على التفصيل وباحث في كل منها عن مشروعيته وعدمها وعن حسنه و قبحه وهناك يكون التعرض لرد (الصولة) بكمال الأدب والاحترام.
(فمن التذكارات الحسينية):
المآتم
وهي النوادي الخاصّة المنعقدة للبكاء على ذلك القتيل الذي بكته السموات و الأرضون ومن فيهن(10)، وعدّ في الأخبار البكاء عليه فيها وفي غيرها صلةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) واداءً لحقّه ولحقوق الأئمة، وإسعاداً للزهراء (عليهم السلام)(11).
وليس التكلّم فيها موضع عنايتي، ولا بيان العناوين التي تنطبق على الباكي والمبكي والمتباكي من مقاصدي، ولا موارد ومحالّ البكاء وذكر الثواب عليه مما تحيط به ذاكرتي، وانما اذكر هذا التذكار استقصاء للتذكارات التي هذا أهمّها أعمها وقد عرفت فيما تقدم انه لم يشرّع لنيل الثواب الأخروي فقط، بل لنكات أخُر غير عبادية يجمعها (إحياء أمر الأئمة) فلولاها ما امتازت هذه الفرقة عن غيرها ولا عرفت أئمّتها ولا أذعنت بالأحكام المأثورة عنهم ولا صدّقت بفضلهم وتفوّقهم على البشر في كل مزية فاضلة ولا، ولا، ولا.
(ومن التذكارات الحسينية):
التمثيل
المعبّر عنه بلسان العامّة (السبايا والشبيه) وهو عبارة عن تجسيم الواقعة لحاسّة البصر بما صدر فيها من حركة وسكون وقول وفعل وهذا بما هو حكاية عن شيء غابر بشيء حاضر غير محظور ولا محذور فيه بل ربّما يرجّح على المآتم لكونه أبلغ في إظهار مظلومية سيّد الشهداء من الأقوال المجرّدة على المنابر وفي المجامع وأشد منها تأثيراً في القلوب، وقد أسلفنا ثمّة نبذة شافية مما يتعلق به إذا تأمّلها المنصف يذعن بأنه لا يحتاج في شرعيّته إلى برهان لقيام العلّة التي أوجبت أن يسلّم الحسين (عليه السلام) نفسه للقتل به، قيام الورد بماء الورد لا تخلص عنه ولا ينفك عنها إلا بقاسر شبه الإماتة للمذهب - هذا غير ما ينطبق عليه من العناوين المرغّب فيها من كونه إبكاء وتحزيناً واحياءً لأمر الحسين (عليه السلام) لكن السيّد الصائل حرّم كلّ تمثيل ومنع منه.
قال في الصفحة  (1 و 2) من مقالته:
التشبيهات التي يمثلونها يوم عاشوراء قد صرت منوّهاً برفضها ومصرّحاً بما فيها من التحريم لأني أراها مجلبة لسخرية الملل الخارجة وداعياً من دواعي الاستهزاء.  (انتهى).
أقول: إن لكل أمّة من الأمم مراسم دينية وعوائد قومية تنكرها عليهم الأمم الأخرى حتى لو كانت طفيفة نحو الاختلاف بالأزياء، وذلك للمنافاة بين العوائد والمراسم والطبايع الناشي بعضها من تأثير الإقليم والبيئة التي يعيش بها الإنسان، وربما عدّ البعض مراسم البعض الآخر ضرباً من الجنون والتوحّش، وهذا لا يقتضي رفض الرسم الديني أو المذهبي أو غيرهما بين أهله، لا سيما مثل التمثيل الذي تجتنى الشيعة من فوائده ما لا تجتنيه في إقامة المآتم المجردة عن التمثيل والتشبيه، ولعمري ما استهزاء الأجانب به إلاّ كاستهزاء قريش وسائر مشركي العرب بصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لم يعرفوا أسرارها ولم يذوقوا ثمارها، أفهل كان يلزمه أن يتركها وهي من شعائر دينه.
إنّ قريشاً لمّا سمعوا الإعلان بالأذان يوم فتح مكّة أنكروه وعدّوه فعلاً همجياً وشبّهوه بنهيق الحمار لارتفاعه وعلوه وزعموا أن لو كان اخفض من ذلك لكان أقرب إلى الوقار.
إن الدين الصحيح يجب أن لا يكون خرافياً بأساسه أو بأغب أحكامه نحو أن يكون شعبذة صرفة، أو لهواً ولعباً، أو صرف رقى وتمائم، أو دق طبول وضرب أوتار وغير ذلك، لأن ما يكون من الأديان كذلك تنفر عنه النفوس ولا تذعن له العقول.
أما إذا كان الدين - حتى بنظر الأجنبي عنه - قويم المبادئ متين الأساس كافلاً لحفظ النظام بقوانينه الوضعية وعباداته الروحية،غير أن فيه شعيرة مذهبية لادينية يعدّها الأجنبي خرافة و فعلاً همجياً وهو لا يعلم أسرارها فهل يجب رفضها بمجرد كونه يستهزئ بها؟! كلاّ وإلاّ لكان الحج أول مرفوض في الشريعة، لأن غير العارف بحكمه وأسراره يسخر به بل يعده ضرباً من الجنون والتوحش فهل يصلح  للعارف أن يمنع عنه؟! كلا إنه كان اللازم على صاحب المقالة أن يتعرف أولاً أقسام السخرية و الخرافة وأحكامها ليلحق بكل موضوع حكمه ولا يتورط.
ويعلم المسلمون والأجانب جميعاً أنّ جميع التذكارات الحسينية ليست من المجعولات بالأصالة في دين الإسلام كسائر قوانينه من صلاة، وصيام، وصدقة وإلاّ لاشترك فيها جميع المسلمين ولم تختص بالشيعة.
أما عقائد الإسلام بما هي توحيد وتنزيه لمرتبة الرب، وقوانينه الوضعية بما هي شريعة زمنية حافظة لحقوق المربوب، ليس في شيء منها ما يوجب السخرية، بل هي حافظة للنواميس الكلية التي لأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ومن ثمة كانت غنية عن تبشير المبشرين بها لأنها داعية بنفسها إلى نفسها ومبشّرة بذاتها إلى ذاتها.
وهذا أمر بيانه خارج عن موضوع مقالتي وإن كان مهمّاً جداً في نفسه، وعلى هذا فلا علينا إذا سخر الأغيار بتمثيلنا. إنّ علينا أن نُعرّف الأجانب براءة دين الإسلام بذاته مما هو أوقر منه لا أن نتركه و نمنع عنه.
إنّ التذكارات الحسينية جميعاً لم تسنّ كمبشّرة بالمذهب ليحصل لنا الاستياء بالسخرية منها، بل شرّعت لحفظ عقائد الجعفرية فيما بينهم لإحياء أمر أئمتهم وتلك الفائدة حاصلة لهم برغم سخرية الأغيار.
إنّ الأغيار لا يسخرون بالمواكب والتمثيل فقط، بل بالمآتم أيضاً والزيارات ولبس السواد.
وكيف لا يسخر العقلاء من اجتماع جماعة من الرجال من أهل الجلد والقوة يبكون بكاءً عالياً على رجل منهم أو من غيرهم مات منذ مائة سنة مثلاً؟!
أجل إنّ بكاء الرجل وحده مستهجن فكيف باجتماع مائة رجل مثلاً على ذلك؟!
ألست - أسوة بجميع العقلاء - تسفّه أحلامهم إذا شهدت مجمعهم وعلمت أنه قد آتى على فقيدهم الذي يندبونه وينتحبون عليه نحو سنتين وهو رمة بالية؟
ألست تزيد سخرية واستهزاءً إذا رأيت اولئك الرجال بعد بكائهم وقوفا - في دار أعدوها للنياحة وصرفوا على تنظيمها المبالغ الطائلة من المال - قد جرّدوا عنهم الثياب إلى أوساطهم وحسروا عن رؤوسهم وهم يضربون صدورهم ضرباً تدمى به صدور كثير منهم حزناً على ذلك الفقيد الذي طحنه البلاء وأكله الثرى؟
ألست تعدّها من الأفعال الوحشية الهمجية؟
أفهل يصلح لعارف من الشيعة أن يمنعها جميعاً لذلك؟
ثم إنه كان بين ظهرانينا - قبل دخول الأمم الأوروبية - عدد جمّ من غير المسلمين في كل مكان - وإنّ اختلفوا قلة وكثرة وزاد عددهم بأفراد الأمة الإنكليزية الذين لا يهمهم من أمر ديانة العناصر وعوائدهم شيئاً - ولا ينكرون على مراسم عادية ولا عبادية، ونحن للآن ما بلغنا عن أحد منهم الاستخفاف والاستهزاء ولا شك أن صاحب المقالة لم يسمع ولم ير من أجبني قط استهزاء وأنما ينقل له ذلك المستاؤن من أعمال الجعفرية وهم على الأغلب من أفراد (الجمعية الأمويّة) التي تحققت أنّ لها فروعاً في بغداد والبصرة وغيرهما من عواصم العراق وهم الذين يغرون أهل الدين ليقتلوه باسمه من حيث لا يشعرون.
إنّ التأثّر بتمثيل المخزن طبيعي إذ إنه لازم لذات ذلك التمثيل وإن اختلف شدة وضعفاً فكيف - وهم متأثرون حزناً أقل تأثر - يسخرون ويستهزؤن؟! اللهم إلا أن يكون التمثيل غير واقع طبق الأمر الممثّل بكل قول وفعل بحيث لا يوجب التحزين وإثارة العواطف وإلاّ فتمثيل فاجعة الطف محزنة لكل مدرك عاقل.
إنّ ذلك التمثيل المقرح للأكباد إذا سخر منه أغرار الأجانب، فإنّ العقلاء المفكّرين ربما يدعوهم ذلك إلى الفحص عمن تتمثّل فاجعته لدى العموم وتحقيق مصائبه، وأسباب حدوثها، ومن ذا أحدثها؟ ومن مهّد ذلك؟ وتلك نكتة أخرى لرجحان التمثيل قد تدعو البعض إلى الفحص عن دين الإسلام أو التمذهب بالمذهب الجعفري، ولهذه النكتة بعينها سرى أمر الشيعة إلى غير المسلمين من الفرق في الهند والصين، وكثر ببركته - في تلك الأماكن الشاسعة عن مراكز الشيعة - مذهب التشيّع والولاء لأهل البيت (عليهم السلام).
وقد ذكر فلاسفة التاريخ الحادث والمتعمّقين في أسرار الحوادث من الأجانب أنّ السبب الوحيد لذلك هو جعل الجعفرية طريق إقامة العزاء مشابهاً لمراسم إقامة العزاء في الهند وهو التمثيل والتشبيه.
ومن المضحك المبكي أنّ الأجانب يدركون ويذيعون أسرار إقامة المآتم والتشبيهات المتداولة عند الشيعة، وهي على عرفاء الشيعة حقائق مخفية.!!
إنّ الأجانب في جميع أنحاء المعمورة يقيمون حفلات التذكار سنوياً لكبار الحوادث وينصبون التماثيل والهياكل في المحلات العمومية لكبراء الرجال تخليداً لذكر الرجل، والتفاتا للجاهل به إلى معرفته وما أبداه من اختراع أو بسالة في حرب، أو فتح، أو قلب سلطة، أو مظلومية متناهية في العظم عندهم، نحو مظلومية المسيح أو غير ذلك فكيف يسخرون من شيء هم فاعلوه؟!!
إن الهياكل القائمة في جميع معابدهم على مرور الأيّام - نحو تجسيم صورة البتول العذراء (مريم) بصورة مختلفة، منها صور محزنة، وتمثيل هيكل السيد (المسيح) مصلوباً على خشبة وغير مصلوب، وطفلاً تحمله مريم وكهلاً غير محمول - هي في الحقيقة تمثيل دائمي لا سنوي. أليس غرضهم من ذلك تخليد ذكر المسيح وظهور مظلوميته التي هي اليد القوية لاستحكام الروابط المسيحية وعدد اندراسها على مرور الأزمان؟!!
أليس غرضهم هذا يرمز إليه تعليق الشارة المسيحية (الصليب) وساماً لصدورهم وقلادة لأعناقهم؟ فكيف يسخرون؟!
إن (الروايات التمثيلية) التي تقام في العواصم كل ليلة في محال عديدة لم يؤسّسها إلا أرباب السياسة من الأجانب إصابة لأغراضهم وهي ليست إلاّ تجسيم خيالي للحوادث الغابرة، ولو أنّهم ألبسوها لباس التفرج والانشراح لكانت موقع استهزاء وتهجين لكنهم بتفريح الطبايع جذبوا إليها قلوب العامّة. أفهل يطلب الأجانب من الجعفرية أن تطرح ذلك الثوب على التمثيل الذي لم تقصد به إلاّ تحزين الطبايع وإبكاء النواظر وإثارة العواطف الرقيقة نحو المصاب بتلك  (الفادحة) الكبرى؟!!
تمثيل النساء
اندفع صاحب المقالة بكلّه وبجميع ماله من حماسة على تشبيه عقائل النبوة بثلّة من النساء المومسات والمتبرجات وأبرق وأرعد على فاعل ذلك في مقالته من صفحة 4 إلى 8 يرى كل قارئ أنّ التشبيه الذي تفعله الجعفرية هو هذا القسم من التشبيه الشائن.
غفرانك اللهم غفرانك من هذا التهويل ودفع الحق بالأباطيل.
إنّ هذا التشبيه لم يقع في البصرة على طوال السنين إلاّ منذ أربعة أعوام شهده غير واحد من الصلحاء وأجلب على منعه فمنعه من له قوة المنع من ساحته وهذا الرجل يرى بكلامه كل أحد أن ذلك التشبيه المستهجن هو من الرسوم العادية حتّى في عامه هذا وإلاّ فما هو معنى المنع عن شيء مضى وما عاد له نظير أبداً لا في البصرة ولا في غيرها؟!
إن تشبيه النساء لا يستحسن حتى لو كانت الشبيهات من ذوات العفة والنجابة لأن إشهار النساء بنفسه وسوقهن أمام ركاب القوم سبياً مجلوباً - كما فعله آل أُميّة - من الأمور المستقبحة  وهذا لا يكون تمثيله على الأغلب إلاّ مستقبحاً. لكن الميرزا أبو القاسم القمي(12) والشيخ مرتضى الأنصاري (قدّس سرّهما) وناهيك بهما علماً وورعاً جوّزا تشبيه الرجال بالنساء مدعيين أنّ المحرّم هو أن يتأنّث الرجل ويعدّ نفسه امرأة. أما التشبيه من دون ذلك - كما هو واقع في بعض الأحيان لغرض مخصوص - فليس بمحرّم وهو خارج عن منصرف الأخبار.
ولقد سأل بعض المتطرفين فيما يتعلق بالحسين (عليه السلام) من فضلاء أهل العلم عن تشبيه النساء فقال: انه ليس بإشهار للنساء حتى يكون قبيحاً وظهور المرأة المتسترة للرجل من دون نظر من كل منهما للآخر ليس بمحرّم، نعم هو موجب للالتفات إلى قبح ما ارتكبه بنو أُميّة من سبي عقائل الرسالة ولا قبح فيه، وإن كان فهو على الأمويين لا على الممثلين، ولوا أنّه مما تأباه الغيرة والحمية لم أمنع منه.
وعلى كل حال فالتشبيه المتداول في بلدان الشيعة هو تمثيل فاجعة الحسين (عليه السلام) بما صدر فيها من أقوال وأفعال عدا تشبيه النساء وهتكهن وهو محل العناية في الكلام لا هذا التشبيه المستهجن.
ثم إنه في أثناء الإرعاد على تشبيه النساء ذكر أمرين قد يشتبه على الناظر في كلامه مراده لإدماجه أحدها في الصفحة 6 فانه قال مخاطباً لعامل الشبيه ما ملخصه:  (لم لم تسأل من تركن في دينك إليه عن هذه الهيئات السخيفة الموجبة للسخرية بالشريعة؟ فليت شعري هل ورد عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ولو خبر ضعيف في شرعيتها حتى تصول به على المتشرعين)؟
فان كان يريد الإنكار على تشبيه النساء لأنه ذكره في أثناء إنكار ذلك فهو، وإلاّ فإنّ طلب الخبر الضعيف لولا الجهل بأصول الفن لا وجه له، لأن التحريم هو المحتاج إلى الدليل لا الجواز ومع غض النظر عن ذلك، فإن في الأخبار العامّة كفاية كأخبار الإبكاء والتحزين وإحياء أمر الحسين (عليه السلام) وذكر مصيبة، فإنّ ذكرها لا يلزم أن يكون لسانيّاً كما أنّ إحياء أمره كذلك، هذا مضافاً إلى ما أسلفناه من قيام العلة التي أوجبت شرعية المآتم فيه بوجه أتم.
وأمّا الخبر الخاص بالتمثيل إن كان يريد به نحو أن يقول القاتل (مثّلوا مصيبة الحسين  (عليه السلام) فمن الجهل طلبه(13)، وإن كان يكتفي بما كان متضمناً لوقوع التمثيل فهو كثير وقد نطق القرآن المجيد بتمثيل غير المسيح به وإلقاء شبهه عليه، فان هذا ليس إراءة وتخييلاً نحو الإراءة الطيفية، بل هو حقيقة واقعية لابسة ثوب خيال، وقد ورد في الأخبار تمثيل الملائكة لعليّ  (عليه السلام) شخصياً(14) مرئياً من لدن إدراكه إلى حين وفاته وانه يوم ضرب بالسيف على رأسه في الدنيا وقع سيف على رأس التمثال فشجّه وسقط في محراب عبادته فبكت عليه الملائكة ولعنت قاتله.
الإمام الشيخ محمد حسن النجفي  (قدّس سرّه):
ولقد سئل العلامة المؤتمن (الشيخ محمد حسن) صاحب كتاب (الجواهر) عن مثل ذلك؟ فأجاب بإخبار تمثيل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة أشباحاً نورانية حول العرش قبل خلقهم، وأخبار تمثيل مثال لكل مؤمن في السماء بارزاً للملائكة حال إطاعته في الدنيا مستوراً عنهم حال عصيانه، وليس غرضي الاستدلال بهذا لشرعية التمثيل لأني في غُنية عنه بما أسلفته وفيه كفاية للمتبصر.
ثانيهما: إنه ذكر في الصفحة 8 مخاطباً لمستعمل الشبيه أيضاً ما ملخصه:  (حسب الدهر صدمة ما فعله يزيد بعقائل النبوة، فمالك في كلّ سنة على ما فعلوه تزيد؟! دعهم منفردين بالخزي الذي سود وجوههم في الدنيا والعقبى، فما وجه تكريرك مثل ما فعلوه وما لم يفعلوه في كل عام حتى توجب سخرية ذوى العقول والأوغاد الطغام بدين الإسلام؟ انتهى.
فإن أراد الإنكار على ظهور النساء مسبية مهتوكة فالإنكار في محلّة، وان كان مراده ما عنى به غير واحد من أفراد (الجمعية الأموية) وضرب على وتيرته بعض الكتاب العصريين من قوله:  (إنّ يزيد قتل الحسين (عليه السلام) مرة والشيعة تقتله في كل عام مرة) فوا سوأتاه. إنّ أولئك يلقون تلك الأقاويل بذراً في قلوب العامة بأطوار وأساليب مختلفة لتثمر لهم ترك التذكارات الحسينية جميعاً حتى ينتهي الأمر بالآخرة إلى إنكار قتل الحسين. فما بال المصلح من الشيعة يتبع تمويهاتهم غفلة عن حقيقة الحال؟!
إنّ الشيعة لا تقتل الحسين (عليه السلام) في كل عام، وإنما تحيي ذكره وتذكر فضله في كلّ عام، بل في كل يوم، وليس في ذلك حطّ من قدره كما يزعمون ويموّهون، لانّ الشيعة بتلك التذكارات لا تسند إليه (سلام الله عليه) أمراً قبيحاً ليكون موجباً للحطّ من مقداره، وقد تضمن التاريخ وخلد فضايع متناهية الفضاعة قد وقعت على عظماء الرجال ولم تعدّ حطّّاً من مقامهم، فلما لذلك العضو النبوي يعد من أسباب الحط من شرفه إقامة تذكاراته التي تجتني الشيعة منها من لدن قتله للآن ما يحفظ كيانهم ويربط فيما بينهم بأحكم الروابط بعد الجامعة الإسلامية؟!
(ومن التذكارات الحسينيه):
مجامع اللّدم(15)
وهي النوادي الخاصة المنعقدة لأجل اللطم على الصدور بالأيدي، وهذه كالمآتم لا ريب في كونها مظهر الحزن والجزع، وربما يقال بكونها ابلغ في إظهار الحزن من البكاء وحده، هذه أيضاً لا كلام فيها، وفي كون اللطم بها وبغيرها صلة للرسول (صلى الله عليه وآله) وإسعاداً للزهراء البتول.
وإذا كانت زيارته (سلام الله عليه) برّاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) باعتبار كونها توقيراً واحتراماً لفلذة كبده كما في الأخبار(16)، فلا ريب أنّ ذلك النوح الدائم أولى منها ولا شك إن أولئك الرجال اللاطمون هم من أظهر مصاديق قول الصادق (عليه السلام): يا مسمع…إن الموجع قلبه لنا(17).
وقوله: الجازع لمصابنا والحزين لحزننا.
وأظهر من ينطبق عليه قول النبي (صلى الله عليه وآله) كما في الخبر:
لما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديداً وقالت: يا أبت متى يكون ذلك؟! قال: في زمان خال مني ومنك ومن علي، فاشتد بكاؤها وقالت: يا أبت فمن يبكي عليه ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟ فقال النبي: فاطمة إنّ نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة - الحديث(18).
فإنّ العزاء المتجدّد كلّ سنة هو ذلك اللطم والشبيه والمواكب التي تكون في عموم بلدان الشيعة سنوياً لا يومياً مثل المآتم.
إنّ لطم الخدود وشق الجيوب مما لا ريب في مرجوحيّته على غير الحسين (عليه السلام) وأما عليه (عليه السلام) ففضلاً عن جوازه قد رغب فيه كثير من الأخبار، كالمروي في التهذيب، عن خالد بن سدير، عن الصادق (عليه السلام) وفيه: ولقد شققن الجيوب والطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليه السلام) وعلى مثله (تلطم  الخدود وتشق الجيوب)(19).
وإذا كان لطم الخدود مندوباً كان لدم الصدور أولى بالرجحان، وسيأتي في بعض التذكارات الآتية عد ّلطم الصدر في بعض الأخبار من الجزع وفيه تعرف أن الجزع نفسه في مصاب الحسين (عليه السلام) مرغّب فيه مندوب إليه.
(ومن التذكارات الحسينية):
(المواكب وهي كثيرة فمنها)
موكب لدم الصدور
تنتظم من الرجال مواكب وهم حفاة الأقدام حسّر الرؤوس عراة الصدور والظهور، يضربون صدورهم وربما ضربوا رؤوسهم بأيديهم وقد يذروا على رؤوسهم التراب أو التبن وقد يلطّخ البعض رأسه بالطين تقدمهم وتحفّ بهم وهم على تلك الحال المحزنة أعلام سود قد كتب عليها بالبياض مثل:  (الحسين المظلوم) أو  (العباس الشهيد) ينشدون باللغة الدارجة الأناشيد المحزنة بموادها وألحانها يخترقون الأسواق والأزقّة والجوادّ العمومية وهم على تلك الحال المشجية، وإذا فعلوا ذلك ليلاً تصحبهم الأنوار الكهربائية أو المشاعل الموقدة بالبترول الأسود.
إنّ هذه المواكب بتلك الهيئات وهاتيك الأحوال أبلغ بلا شبهةٍ إظهار مظلومية سيد الشهداء وأشدّ تأثيراً في القلوب من البكاء المجرّد وأحكم في وصل عرى الجامعة الجعفرية وجعلها كحلقة واحدة أمام العام والخاص، وأولى في صدق كون اللطم فيها إسعاداً للزهراء وصلة لسيد الأنبياء ومصداقاً لقول النبي (صلى الله عليه وآله):  (يجددون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة)(20).
ولفحوى قول الصادق (عليه السلام): على مثله تلطم الخدود(21).
ولقول الرضا (عليه السلام) للريان بن شبيب: إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى فاحزن لخزننا وافرح لفرحنا(22).
وقول علي (عليه السلام) في حديث الأربعمائة: إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا(23) الحديث.
قلت وقد يراد بالنصرة في هذا الخبر وغيره ما يشمل اللطم باليد و السلاسل ونحوه، وإذا كان صاحب (الخصائص الحسينية) يعد البكاء على الحسين (عليه السلام) نصرة له، مدّعياً أن النصرة في كلّ وقت بحسبها، فاللطم في الشوارع أولى أن يعدّ نصرة وبذلا للنفس في سبيل أئمة  الهدى.
ولا ينبغي الريب أن هذا التذكار بحدوده المرموزة ثمة من مظاهر المودة في القربى التي هي أجر الرسالة قال الله تعالى:  (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى).
ولا شك أحد من عرفاء الجعفرية أنّ لدم الصدور لمصاب سيد الشهداء (عليه السلام) من الشعائر المذهبية وهذا ما لا ينكره صاحب المقالة قطعاً، ولا ريب أنّ خروج مواكب الرجال لادمةً صدورها وهي بتلك الهيئات المخزنة أدخل في تعظيم تلك الشعائر من اللطم في المآتم والدور…
وعسى أن يكون صاحب المقالة لا ينكر هذا كله، وإنما ينكر على الجعفرية خروج المواكب لما يترتب عليه من بعض المحرمات.
قال في الصفحة 8 ما ملخصه بإصلاح منى للتعبير:  (وأما لطم الصدور فلم أمنع منه ما يكون في المآتم وإنما منعتُ علناً من خروج مواكب اللطم في الأزقة، لما بلغني من ترتّب بعض المحرمات على ذلك من فتنة وفساد ومضاربة ومقاتلة عندما يلتقي أهل محلّتين بحيث يحصل من جرّاء ذلك جرح وقتل إلى غير ذلك).
قلت: أضف إلى هذا اللازم الفاسد بزعمه أموراً: نظر النساء إلى الرجال عراة الصدور، بروز المتبرّجات والمومسات من النساء حاسرات، نظر الرجال إليهن وهن مكشفات الوجوه، صياحهن عند ذلك المنظر الهائل واستماع الرجال لأصواتهن الرقيقة و.و. ومع هذه الإضافات نقول: لا يجهل أحد من أهل العلم أن ترتب بعض المحرمات أحياناً على خروج المواكب لا يقدح برجحانه البتة.
إنّ المحرّم المقارن ما لم يكن لازماً لذات الواجب أو عنواناً ثانوياً يتعنون به ذلك الراجح لا يوجب حرمته ولا مرجوحيته.
ولو كانت الأعراض المفارقة الاتفاقية في مورد اقترانها بالراجح توجب مرجوحيته لحرمت الصلاة في بعض الصور ومنع الحج ولكان المنع من زيارة ذلك الشهيد الأعظم الكريم على الله تعالى أولى بالمنع لما فيها من مزاحمة النساء للرجال وبروزهن في وسط تلك المشاهد الشريفة المقدّسة مكشفات الوجوه، بل كثيراً ما يحدث فيها تخاصم فئتين متعاديتين جمعتهما البلدة للزيارة بحيث يحدث من خصامهم الضرب المؤلم والجروح الدامية، بل إزهاق النفوس البريئة. لاشك أن ما يحدث من مضاربة ومقاتلة في الزيارات أكثر مما يحدث في المواكب التي تكون مرة واحدة في السنة.
عجباً! كيف يعدّ هذا الرجل الشخوص من البلدان النائية للزيارة وبذل الأموال الطائلة في سبيلها من الشعائر المذهبية التي يجب تعظيمها ويجعلها من مظاهر المودة في القربى التي ندب إليها الكتاب والسنة ورفع شأنها إذ جعلها جزاء للنبي الأعظم على تبليغه عن الله جلّ شأنه ولا يعدّ من ذلك هذه المواكب ا لسائرة مع اشتراك الجميع في المسنونية بالذات وفي ترتب المحرمات من غير فرق بينهما أصلاً.
لعمري إن اختراق تلك المواكب المشجية للشوارع واجتماع الجماهير من النساء والرجال - مسلمين وغيرهم - للنظر إليها هو أبلغ في إظهار مظلومية سيد الشهداء التي سن البكاء عليه لأجلها لأن به تتأثر قلوب جميع الفرق بنفس الأثر الذي تتأثر به قلوب الجعفرية فقط من اللدم واللطم في ناد خاص بهم.
ويعلم كل أحد أنّ المآتم المنعقدة لذكر رزية الحسين (عليه السلام) والبكاء لها قد يقع في كل منها في كلّّ يوم غيبة أو نميمة أو مؤامره على باطل أو تسابّ بين اثنين أو جماعة أو إيذاء مؤمن أو هتك حرمة ونحو ذلك فكان يلزم صاحب المقالة قياماً بوظيفته الروحية أن يمنعها ويسد أبوابها ويكسر منابرها لترتب هذه المفاسد والمحرمات عليها، وما هي بأهون عند الله تعالى مما يحدث في المواكب السائرة من فتنة وفساد ومضاربة ومقاتلة، كما يقول.
إن قال: إن تلك المفاسد ليست بلازمة لذات المآتم ولا موجبة لتعنونها بكونها اجتماعاً للغيبة والتساب مثلاً.
قلنا له بمثل ذلك في الموكب اللاطم سائراً، حرفاً بحرف.
بالله عليك لو تخاصم رجلان في مجلس العزاء الموقّر - المحفوظ من كلّ مفسدة - و أدّى تخاصمهما إلى الضرب المؤلم كما يتفق ذلك فيها أكثر من اتفاقه في المواكب أو أدى إلى الجروح الدامية من باب الاتفاق فهل يصلح لعارف من الشيعة أن يمنعها بتّاً أو يحكم بأنّ ذلك النادي الذي لم يتعنون بعنوان كونه (نادي المضاربة والمقاتلة) محرّماً لا أجر لصاحبه ولا لأهله عليه بل عليهم العقاب؟!
من المحتمل أن يريد صاحب المقالة المنع من فرد خارج لم يقع في الخارج أبداً وهو الذي لا تكون له علة ولا محرّك على الخروج إلاّ المقاتلة و هو ما تعنيه بأنه المعنون بالخروج للفساد نحو خروج جماعة من محلهم إلى الزنا واللهو أو إلى قتل النفوس.
ويدل على ذلك قوله في الصفحة 9: نحن نأسف ونحزن إلى الغاية على من يتعب نفسه باللطم لغير الله سبحانه فانه لو كان لله لما حصل ما ذكر...
وأنت لا يخفى عليك أنّ اتفاق وقوع المحرّم فيه لا يجعله لطماً لغير الله كما أنّ كونه لله لا ينافي حصول ما ذكر بضرب من الاتفاق وإنما الضار بالإخلاص كون المحرم أمراً غير طاعة الله جلّ شأنه.
ثم قال في الصحيفة المذكورة:  (ناهيك بما يصدر من جدال وضرب وتقاتل بين أهل اللطم وغيرهم من جهلة فرق المسلمين فتكثر القتلى والجرحى من الفريقين وجميعها ناشئة من سخافة العقل وشدة الجهل ولقد صدر الكثير من هذه الفتن وحتى في العام الماضي صدر شيء منها في بغداد فقتل من قتل وحبس من حبس).
أقول: أنظر إلى هذا التهويل والكلام الشعري الخيالي الذي أظهر به هذا الرجل تلك المواكب بمظهر فئات متعادية بينها ثارات أو ألف هنات قد خرجت لأخذ الثار وإبادة بعضها بعضاً، لا شك انه عند التقائها تكون الملحمة العظمى التي تكثر بها القتلى والجرحى من الفريقين الذين هم في الحقيقة (ثوار) سمّوا أنفسهم بالمعزّين، وقائمون بأكبر (ثورة دموية) يسمونها بالعزاء، غفرانك اللهم من عاقبة هذه السفسطة التي لا مقيل لها في ظل الحقيقة أبداً، لا أقول إنّ المضاربة والمنازعة والجرح لم تحدث في موكب أصلاً، بل ربما يتفق بالسنة أو بالأكثر حدوث ذلك مرة واحدة في بلدة أو بلدتين لا أكثر، وذلك مما لا يخلّ بمسنونية تلك المواكب  المقدسة، إن هذا إلاّ كما يعرض للرجل القادم على إقامة صلاة جماعةٍ في معبد أو زيارة في مشهد أن يتخاصم مع غيره من المصلّين والزائرين جمعه وإياه المكان وربما كان تخاصمهما على المكان نفسه فيحدث بينهما - لسخافة العقل وشدة الجهل - على ما يقول من السباب والقذف والضرب والإهانة ما لا ريب في حرمته وعدم اقتضائه بوجه حرمة الصلاة والزيارة، إلاّّ إن يكون الخروج لذلك أو يكون معنوناً بذلك العنوان، وهذا أمر قد مرت نظائره ثمة، لكني أعدته ليعرفه الجاهل ويتدبره الصائل والجائل.
قوله: وحتى في العام الماضي صدر شيء منها في بغداد.
فالحكم بين الشيعة وبينه ثقات البغداديين في النجف فإنهم أخبروا أنه بعد طوال السنين لم يصدر في العام الماضي ألاّ ضرب رجل من غير الشيعة ضحك مستهزءاً على مجتمعهم المحزن ولم يكن ضربه في المواكب، بل بعد انقضائه ولم يحبس بسبب ذلك الضارب نفسه وإنما حبس غيره لأغراض  شخصية وليس ثمة من أمر مذهبي يكون سبباً للحبس. والسيد الناقل في رسالته حاشاه عن الافتراء، لكنه ممّوه عليه من قبل المستاءين من أعمال الجعفرية الذين يجدّون ليل نهار في إبطال هذه المراسم المذهبية لنزعة أموية أو وهابية فهم يديفون الصاب العسل ويذيقونه غير أهل الأذواق من الجعفرية.
قوله: الشريعة المقدسة والعقل السليم قاضيان بان اللطم محله المآتم دون الطرق.
فهو من التلفيقات الفارغة ونسبة ذلك إلى العقل والشريعة فرية بلا مريه.
هانحن لو عزلنا أنفسنا عن سلامة العقل فليأتنا هذا الرجل  بما يدل من الشريعة على أنّ اللطم محله المآتم لا الطرقات، كيف وهؤلاء حملة الشريعة المقدّسة وصلحاء أهل الدين منذ مئات من السنين يرون ويسمعون اللطم في الطرقات ولا ينكرون؟! هب أن هذا الرجل تأتىّ له أن يباهت الجهال بدعوى حكم الشريعة، لكن دعوى حكم العقول السليمة بذلك فرية لا تستر، ولقد كان يكفيه أن ينكر وجود دليل على جواز اللطم في الطرقات ولا يدعي وجود الدليل على كونها ليس محلاً له فيطالب بإثباته وأنّ له بذلك.
حقاً أقول: اللطم لا محل له أصلاً، لا الطرقات ولا المآتم لكن رزية الحسين يكون كل محلّ محلاّ لها لأنها بنفسها إذا كانت غير محدودة بحدّ، فأي برهان يحل محلها ويعينه؟! فما ذلك إلاّ عن عدم تقديرها حقها.
إنّ من الأدلة الجليّة على أنّ اللطم لمصاب الحسنين لا يختص محله بالمآتم، بل يقام في المجامع العمومية وأنها أحسن وأوقع محالّه، ما روى عن الصادق (عليه السلام) من عدة طرق، أصحّها ما في  (الكافي) عن يونس بن يعقوب، عنه (عليه السلام)، أنّه قال: قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى(24).
إن منى في تلك الأيام هي أعظم المجامع لطوائف المسلمين القاصدين إلى مكة من كل فج، فلماذا اختار ندبته فيها؟! وهلا أوصى أن يندب في بيته أو في ميدان واسع في المدينة، أو في البقيع حيث محل قبره؟! ألست تعتقد انه يرمز بذلك إلى تنبيه الناس على فضائله وإظهارها وليتذكر أولياؤه والعارفون به ما جرى عليه، ومن مجموع ذلك تثبت عقائدهم ويدوم ذكره الجميل فيما بينهم؟!
الإمام الشهيد الأول (قدّس سرّه)
قال شيخنا الشهيد الأول (محمد بن مكي) في كتابه (ذكرى الشيعة) بعد إيراد الخبر المزبور: والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها ويعلم الناس ما كان عليه أهل البيت فتقتفى آثارهم - انتهى.
فانظر متأمّلاً إلى آخر كلامه هذا الذي يريد به أنّ ندبته بتلك المجامع سبب لظهور التشيع في الناس لارتفاع الاتقاء عليه بعد موته (سلام الله عليه).
ومن هذا تعرف أنّ النوادي الخاصة محل عزاء من لا شرف له كالحسين (عليه السلام) وابنائه، ولا فضل له ولا قرب كفضلهم وقربهم ولا مظلومية له كمظلوميتهم، أما هم، فان أوقع المحال لندبتهم المجامع العمومية كمنى وغير منى.
وفي آخر هذا الفصل طلب الكاتب من الله أن يتفضل على أهل المواكب السائرة برفض ما تعوّدوه في اللطم من المقاتلة والسير على الهيئات المنكرة من الوثبات والزعقات الموحشة.
فكأنّه يتمنى لكل فرد من أفراد الجعفرية حتى الشبان منهم وأهل المهن الدنيّة والبذيئيين أن يكون لهم مثل ما هو حاصل لأغلب الشيوخ والصلحاء من الهدوء والسكون والمشي بخشوع ووقار، وهذا مالا يكون، ولكن لا يلزم أن تكون المواكب على هذه الحال المتمناة، فإنّ تلك الوثبات والزعقات الموحشة ـ على ما يقول ـ لها من التأثير في بعض القلوب ما لا يؤثره الوقار والتوئدة (وفي الحمية معنى ليس في العنب) أوهما حقيقة (مثل الفواكه كل فيه لذته) والناس ليسوا على شاكلة واحدة.
وذكر الوثبات والزعقات على لسان هذا الرجل تهويل آخر وإعابة لحال المواكب الحسينية، والحقيقة لا تنزجر بالتهاويل، والأحكام لا تستند في نفي أو إثبات إليها، وما تضر الوثبات من فئات لم تبن سائر أعمالهم العبادية والعادية على الخشوع والاستكانة، هؤلاء الزوار من الأعراب يجتمعون موكباً كبيراً يتواثبون ويزعقون وينشدون من الشعر الدارج بلغتهم المسمّى عند العامة (هوسه) وهي بلحنها مهيّجة للشعور. متضمنة لنحو (يحسين اشرب ماي عيوني) وشبهه فتطير القلوب لهم فرحاً ويلقون من كلّ أحد الترحيب بهم والارتياح إلى هيئتهم المنكرة بزعم هذا الرجل لأنّها وثبات وزعقات.
بالله عليك، أي فرق بين مواكب زائري سيد الشهداء الذين يختلط بهم مثل (الوحيد البهبهاني) استاذ الكلّ في الكلّ وهو لا يعرف ما يقولون بمادته ولحنه. وبين مواكب اللطم في نفس الوثبات والزعقات التي أنكر الكاتب عليها؟!
اللهم أني لا أجد فرقاً بين وثبات الموكب وبين الهرولة في السعي إن لم تكن تلك أهون، ولا بين التلبية برفيع الصوت وبين ألحان المواكب.
(ومن المواكب):
موكب السلاسل
وهو يتألف من جماعة من الرجال مكشوفي الظهور والرؤوس فقط بأيديهم سلاسل الحديد يضربون ظهورهم بها بدل الأيدي. عليهم الثياب السود، وأمامهم وخلفهم الأعلام المسودة يمشون بهدوء وسكون، لا يتواثبون ولا يزعقون ينشدون - وهم بتلك الحال - أناشيد الحزن، ويخرجون صفوفاً متكاتفة، مخترقين الأزقّة والجوادّ العمومية.
وهذا لا ريب في كونه أجلى من موكب لدم الصدور باليد، في كونه مظهر الحزن والجزع، وكلّما قلنا في ذلك نقوله في هذا، ويأتي في أدلة الموكب الأخير ما يدل على رجحان هذا بالأولوية القطيعة.
(ومن المواكب):
موكب القامات
وهو موكب يتألّف من جماعة لابسي الأكفان البيض بأيديهم السيوف والقامات، قد ضربوا المقدّم من رؤوسهم بها، وتناثرت قطرات كثيرة من الدم على تلك الأكفان، وهم يسيرون صفوفاً متكاتفين متلازمين كأنهم حلقات سلسلة واحدة، كلّ قد اخذ بيده الأخرى حجزة الآخر، يخترقون الشوارع على هذه الهيئة، حفاة الأقدام، حسّر الرؤوس، لا يتواثبون ولا يزعقون، غير انهم يهزّون السيوف مؤمين بها إلى رؤوسهم ومن ذلك تحدث لهم في المشي هيئة خاصة، وهؤلاء من جهة: يمثّلون للأبصار طائفة قد استسلمت للموت أقدمت على الحرب في نصرة سليل خير الأنبياء ودفع الأعداء عنه وقد سالت دماؤها الطاهرة على وجوهها، وضمّخت بها رؤوسها، ولطّخت بها ثيابها المتّخذة أكفاناً يوم الطف، ومن جهة أخرى يظهرون بمظهر موكب قد ارتفع في مقادير الحزن عن أن يضرب صدره بيده أو بسلسلة حديدية، بل هو يريد أن قتل نفسه جزعاً من جرّاء تلك الفادحة التي أصيب بها الإسلام في قتل سبط النبي المرسل، فهذا الموكب عزاء من جهة وتمثيل رزية من جهة أخرى، وكلّ ما حررناه في المآتم آت فيه بالأولوية، بل هو في كونه نصرة للحسين (عليه السلام) وبذلاً للنفس في سبيله أظهر وأجلى، وقد مرّ عليك ما يدل على ذلك من قوله (عليه السلام): ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا(25).
لكن صاحب المقالة لا يذعن بذلك إذ قال: أمّا الضرب بالسيوف والقامات على الرؤوس فمحرّم لما شاهدناه وشاهده غيرنا من موت جماعة منهم في كلّ سنة لكثرة نزف الدم، ولو قطعنا النظر عن هذه الجهة، فهو فعل همجي وحشي مثل الضرب بسلسلة من حديد ولم يرد دليل شرعي بتجويزها، وما من سيرة يستند إليها فيهما، بل هي بنظر أرباب العقول والمعرفة أفعال وحشية ما فيها من ثمرة في التعزية - انتهى.
قلت: لا ريب في أنّ دعوى موت جماعة في كلّ سنة لكثرة نزف الدم فرية بلا مريه، فإني منذ أدركت لليوم ما رأيت ولا سمعت أنّ واحداً مات بذلك في أي سنة، وأي بلدة، فضلاً عن جماعة في كلّ سنة، ولقد سألت كثيراً ممن جاوز السبعين والثمانين من سنّي عمره من ثقات أهل النجف وكربلاء والكاظمية وغيرهم من علماء البلدان وصلحائهم وكلّ أنكر أن يكون رأى أو سمع أنّ واحداً من أولئك تألّم ألماً يوجب مراجعة الجرّاح أو المضمّد فضلاً عن موته، فعسى أن يكون ذلك طيفاً سوّلته له الأحلام، أو خيالاً جسّمته له الأوهام، أو حقيقة واقعة في الجيل الواحد مرة واحدة اتفاقاً، كيف لا وأغلب أفراد موكب السيوف يجرحهم كبراؤهم بسكين دقيقة جروحاً خفيفة يظهر منها الدم بواسطة الضرب على الرأس لا بالجرح بمجرده من دون أن يحصل لهم إيلام مزعج، لأنّ غرضهم صوري وهو البروز بصورة القتيل والجريح وليس من أغراضهم الإيلام الحقيقي لأنفسهم.
ومع الغض عن هذه الحقيقة الواقعية لو تنزّلنا، وقلنا: أن الجرح يكون بالسيف للإيلام لا غيره، فلاشك أنّ ذلك إنما يوجب التحريم إذا كان مقدمة لإيجاد الموت نحو أن يضرب رأسه ليقتل نفسه، وأمّا الضرب لا لذلك، بل لأمر آخر، قد يترتب عليه في بعض الأحيان لبعض الأفراد الموت من دون أن يكون مقصوداً بالأصالة أو بالتبع ولا لازماً عادياً للضرب نفسه، فإنّ قواعد الفن لا تقتضي تحريمه البتّة، ومجرّد الإيلام وإخراج مقدار من الدم - لا يضر بالصحة - لا دليل على حرمته.
قوله: ولو قطعنا النظر عن هذه الجهة (وهي نزف الدم) فهو فعل همجي وحشي مثل الضرب بسلاسل من الحديد.
أقول: إذا قطع النظر عن تلك الجهة التي هي علة التحريم، فكونه فعلاً همجياً، لا يفي بالحكم المقصود - لو يعلم - إلا أن يدل البرهان على أن كل عبث وفعل لا ترتكبه العقلاء لهمجيته هو محرّم، وأنّى لأحد بإثباته، على أن عدّه فعلاً همجيّاً وحشيّاً إنما هو بنظر من لم يعرف حكمته  ولم يطّلع على المقصود منه، وإلاّ فضرب الصدور بالأيدي في الدور والبيوت يعدّه غير العارف برموزه وأسراره ضرباً من التوحش والهمجية مع انه عند الجميع من الأمور المستحسنة المرضية.
أقول: وأنا استسلف العذر عن حزازة القدح اللساني الظاهري فقط بأعظم شعائر الله وحرماته - الحج - ليس الحج إلاّ طواف حول بيته، وسعي وهرولة بين رابيتين، ووقوف على جبل، وهبوط في وداي ورمي أحجار على أحجار، في هيئة مقرحه من كشف الرؤوس لحرّ الشمس وتوفير الشعر وعري البدن إلاّ عن نحو إزار ورداء لا شك أنّ غير العارف برموزها وحكمها وأسرارها يستهزأ بها ويعدّها ضرباً من الجنون والتوحش وفعلاً من أظهر أفعال الهمجية، أفهل يصلح للعارف برموزه وحكمه أن يمنع منه لمجرّد عدّه عند الجاهل همجياً؟! ولقد وقع الاستهزاء جهاراً بتلك المناسك العالية الأسرار، الدقيقة الحكم، والسخرية بها من قبل الماديين الأقدمين كعبد الكريم بن أبي العوجاء وعبد الله الديصاني وأضرابهما وخلّدت كتب الحديث إنكارهما على مولانا الصادق (عليه السلام)(26)، وإنكار المتأخرين أظهر من ذلك، وناهيك الكتب المؤلّفة منهم للاستهزاء بالحج بخصوصه.
وأما ثمرتها في التعزية فإنما ينكرها من يجهل السر في إقامة المآتم العزائية، وقد أسلفنا في صدر الرسالة نبذة تتضمن الأسرار المشار أليها ومن تأمّلها يجدها حاصلة في الشبيه وضرب القامات بوجه أتم وأنفع.
إنّ أدنى فوائد التذكارات الحسينية التي تعملها الجعفرية اليوم أن تجعل كلّ فرد منهم راسخ الاعتقاد بمذهبه، شديد اليقين به وذلك ما رمزنا إليه وصرّحنا به في غير موضع من الرسالة ولا يلزم أن تكون فائدتها أمراً فوق ذلك. ومن ثمة لو كان قرية مثلاً ليس فيها من غير الجعفرية أحد أبداً لكان يلزم عليهم إقامة التذكارات بجميع مظاهرها لذلك خشية أن يضعف اعتقادهم ويزول بمرور الأيام، كذا لو كانت القرية وما فيها من الجعفرية إلا أفراد معدودة، بل هذه أولى بإقامتها من هذه الجهة، وأخرى أن تلك الأعمال ربما تكون داعية للأغيار إلى الفحص عن أسباب تلك التذكارات واستحسانها حتى تكون بنفسها مبشرّاً من المبشّرين بها.
قال بعض مؤرّخي الأجانب في مقام استشهاده على نحو هذا: رأيت في بندر(27) (مارسل) في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين يقيم المآتم منفرداً جالساً على الكرسي بيده الكتاب يقرأ ويبكي وكان قد أعدّ مائدة من الطعام ففرّقها على الفقراء.
فبالله عليك ماذا الذي صيّر هذا الرجل الغريب في البلدة التي لا مماثل له فيها في العنصر والمذهب أن يكون شديد الاعتقاد بمذهبه إلى تلك الدرجة لولا ما تعوّده في بلده منذ نعومة أظفاره من إقامة المآتم والتذكارات.
أمّا صاحب المقالة فإنّه يطلب للتذكارات فائدة خاصة نحو أن تكون الشيعة إذا أقامتها ترتقي في نظر غير الجعفرية كلّ مرتقى عال في الدنيا والعقبى!!!
قوله: لم يرد دليل شرعي على تجويزها وما من سيرة يستند إليها.
أقول: هذا ناش عن القصور في الفقه والأصول، لأن التحريم هو المحتاج إلى الدليل والأصل الإباحة، لما استفاض وتواتر معنى من الأخبار والآثار من أنّ كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي، ومع الغض عن هذا، فإنّ إباحة الشيء أو استحبابه لا يتوقف على دليل يخص مورده بل تكفي فيه الأدلة العامة.
وبما أنّ هذا الموكب من جهةٍ يمثّل موقف الحسين (عليه السلام) وأنصاره بالطف يكون إحياءً لامرهم، ومن جهةٍ يظهر بمظهر مرتفع في مقدار الحزن عن أن يضرب صدره بيده، بل يهمّ بقتل نفسه يكون حزناً لأجلهم وباعتبار الجهتين يكون كل فرد من أفراد الموكب متّصفاً بكونه موجع القلب لهم، وباذلاً نفسه فيهم، ومؤدّياً حقّهم، ومعظّماً شعائرهم وناصراً لهم بعد وفاتهم، وغير ذلك من العناوين العامة التي تكثرت فيها الأخبار الخاصة عن أئمة الهدى (سلام الله عليهم).
إن أشد الأخبار العامّة مساساً بهذا الموكب وأتم اعتلاقاً به الأخبار الكثيرة المستفيضة الدالة على أن الجزع مكروه ومحظور، ما عدا الجزع على الحسين (عليه السلام) فانه مندوب إليه ومرغب فيه.
ففي رواية معاوية بن وهب التي رواها المفيد والشيخ وابن قولويه عن الصادق (عليه السلام): كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين(28).
بل في خبر مسمع بن عبد الملك البصري، عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال له (يعني الصادق): أفما تذكر ما صنع به؟  (يعني بالحسين  (عليه السلام))؟
قلت: بلى.
قال: فتجزع؟
قلت: أي والله وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فأمتنع من الطعام والشراب حتى يستبين ذلك في وجهي.
قال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يعدّون من أهل الجزع لنا والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويخافون لخوفنا ويأمنون إذا أمنا - الحديث(29).
وهذه وما بعدها بنظري عمدة الأدلة على جواز إدماء الرؤوس بالسيوف، بل واستحبابه، وذلك أنّ كل ما يفعله الشيعة من الضرب بسلاسل الحديد وبالقامات وغيرها هو دون الجزع المرغّب فيه.
إن الضرب بالسيوف والقامات على الرؤوس هو مظهر من مظاهر الجزع وليس بجزع حقيقية، فإنّ الجزع أم معروف في اللغة والعرف وهو ضد الصبر نحو أن ينتحر الرجل العاقل أو يلقي نفسه من شاهق لحادثة تحدث تغلب صبره وتورده الهلاك، وأين هذا من جرح الرأس بسكين أو سيف جرحاً خفيفاً يوجب خروج الدم ولا يؤلم إلاّ بمقدار ما تؤلم الحجامة وغيرها مما يرتكب لأغراض عقلائية سياسية أو طبيّة؟!
ولا يراد من الجزع في الخبر السابق البكاء، لعطفه عليه، فيه وفيما لا أحصيه عدداً من الأخبار وذلك آية المغايرة بينهما، ولا ما ذكرناه من بلوغ الحزن إلى حيث يورد الهلاك، وإن كان هذا لو صدر من أحد في مصاب فكثيراً ما يحدث بغير اختيار، وكلما هو دون هذه المرتبة مما يتحمّل عادة ولا يجرّ إلى  الضرر بالنفس، فهو من الجزع المرغّب فيه، وله مراتب منها: الامتناع من الطعام والشراب مع الحاجة إليهما كما صدر عن (مسمع) وذلك للتأثّر القلبي الموجب لعدم قبول النفس لهما مع شدة الجوع والعطش، وما ورد في بعض أخبارنا من تحديد أشدّ الجزع بالصراخ والويل والعويل ولطم الوجه والصدور وجزّ الشعر من النواصي وإقامة النواحة و الويل و العويل و لطم الوجه و الصدور و جز الشعر من النواصي و إقامة النواحة فهو في غير شأن الحسين (عليه السلام) لأنّ أعظم هذه المعدودات: النواحة وهي عليه راجحة بل واجبة قطعاً. ولطم الخد، وقد دل على جوازه وجواز شق الجيب الخبر الصحيح المروي في  (التهذيب) عن خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) وفيه:  (على مثله - يعني الحسين - تلطم الخدود وتشقّ الجيوب)(30).
الإمام شيخ الشريعة (قدّس سرّه)
ولقد كان شيخنا العلامة شيخ الشريعة (قدّس سرّه) بهذا الاعتبار وبتلك الأخبار يصحّح الخبر المرسل الذي استبعده بعض العظماء من أن (عقيلة علي الكبرى) لمّا لاح لها رأس الحسين  (عليه السلام) وهو على رمح والريح تلعب بكريمة نطحت جبينها بمقدّم المحمل حتى سال الدم من تحت قناعها(31).
ويقول (العلامة شيخ الشريعة قدّس سرّه): إنّه لا استبعاد فيه إلاّ من جهة ظهور الجزع منها وإيلام نفسها والإيلام الغير المؤدّي إلى الهلاك لا دليل على عدم جواره، والجزع مندوب إليه ومرغب فيه في كثير من الأخبار(32).
قلت: الظاهر من الأخبار جواز الهلع أيضاً، وهو - على ما ذكروا - أفحش الجزع، ويظهر من الخبر الصحيح الذي تدل مضامينه على صحته المروي في (الكامل) عن قدامة بن زائدة عن السجاد (عليه السلام) انه قد صدر منه الهلع لو استطاعه.
وروى المجلسي (أعلى الله مقامه)، والسيد عبد الله شبر (رفع الله درجته) في كتاب (جلاء العيون) إن زين العابدين (عليه السلام) كان إذا اخذ إناءً ليشرب يبكي حتى يملأه دماً(33).
وهذا بظاهره من غرائب الأخبار، فان العيون لا تسيل دموعها دماً، ولذلك كنت أحتمل وقوع التحريف فيه وأنّ الصحيح  (دمعاً) بدل  (دماً) لكني وجدت المخطوط والمطبوع من الجلاء وغيره كما هو مروي فيه.
وعليه فأقرب توجيهاته أن يقال: إنّ العيون وان لم تبك دماً لكنّها لكثرة البكاء والاحتراق تتقرح أجفانها، فإذا اشتد البكاء تنفجر القروح دماً يمتزج بالدموع، فهو إذا سال في الإناء يسيل كأنّه دم ويصدق حينئذ أن يقال (يملؤ الإناء دماً)(34).
وإذا ساغ للسجاد (عليه السلام) أن يسيل الدم باختياره من عضو من أعضائه ببكاء الدم أو بتقريح الجفن جزعاً وهلعاً على رزية الحسين (عليه السلام) فما هو إذا شأن ما يصدر من الشيعة من ضرب السلاسل والقامات؟؟!!
وهل سيلان دم السجاد في الإناء أهون من انتثار قطرات من دم رأس الجريح على ثيابه حزنا على تلك الفادحة العظيمة؟؟!!
ثمّ أقول: بهذا الاعتبار أيضاً - مضافاً إلى ما سلف من قوله (عليه السلام): على  (مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب)(35) - يرفع الاستبعاد عما روي في الكتب من أنّ (عقيلة آل محمّد ( صلّى الله عليه وآله)) في موارد عديدة (لطمت وجهها وشقت جيبها وصاحت ودعت بالويل والثبور). فانه لا حامل لها على شق الجيب إلاّ الجزع في مصاب حق أن تشق له القلوب لا الجيوب كما صرح بذلك سيدنا العلامة السيد إسماعيل الصدر (قدّس سرّه) في بعض حواشيه: وكيف لا تفعل ذلك في مصاب جزع له وبكى إبراهيم خليل الرحمن، وموسى كليمه، كما في الخبر؟!!
وفي آخر:إن فاطمة (عليها السلام) لما اخبرها النبي (صلى الله عليه وآله) بقتل الحسين جزعت وشق عليها(36).
وفي خبر آخر: إنها تنظر كل يوم إلى مصرع الحسين (عليه السلام) فتشهق شهقة تضطرب لها الموجودات(37).
وفي غيره قال: سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة فقال الناس: يا أبا ذر ابشر فهذا قليل في الله، فقال: ايسر هذا، ولكن كيف انتم إذا قتل الحسين بن علي قتلاً؟! أو قال: ذبح ذبحاً، وان الله سيسلّ سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبداً ويبعث ناقماً من ذريته فينتقم من الناس وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الفيافي والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم.
ومن الأدلة على ذلك - مضافاً إلى ما سلف وان كان فيه غنىً وكفاية – ما دل على إدماء الله كثيراً من أنبيائه لأجل أن يحصل لهم الفوز بدرجة المواساة للحسين (عليه السلام) فمن ذلك المروي في (البحار) و (الأنوار) أن آدم (عليه السلام) لما انتهى في طوافه في الأرض إلى كربلاء عثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين (عليه السلام) حتى سال الدم من رجله(38).
وكذلك إبراهيم (عليه السلام) لما مرّ بها عثر فرسه فسقط وشجّ رأسه وسال دمه(39).
وكذلك موسى (عليه السلام) حين جاء كربلاء انخرق نعله وانقطع شراكه ودخل الحسك في رجليه وسال دمه(40).
وكل هؤلاء لما ذعروا من ذلك وخشوا أن يكون ذلك لذنب حدث منهم أوحى الله إلى كلّ واحد منهم أن لا ذنب لك ولكنّ يقتل في هذه الأرض الحسين بن علي (عليه السلام) وقد سال دمك موافقة لدمه.
فان في هذا الإعثار  والإدماء من الله لا عن ذنب، والتعليل بكونه موافقة لدم الحسين دلالة جليّة على جواز إدماء الإنسان نفسه مواساة له، لأنّ سيلان دمائهم مع كونه غير مقصود لهم إذا كان محبوباً لمجرد الموافقة في السيلان فالمقصود إسالته مواساة لهم أولى بالمحبوبية.
إنّ التأسّي بالحسين (عليه السلام) مندوب إليه وقد رغب فيه الغلام الزكي (يحيى بن زكريا) والصادق الوعد (إسماعيل) كما في الخبر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إسماعيل الذي قال الله عزّ وجلّ في كتابه (واذكر في الكتاب إسماعيل...) لم يكن إسماعيل بن إبراهيم، بل كان نبياً من الأنبياء بعثه الله عزّ وجلّ إلى قومه فاخذوا فروة رأسه ووجهه فأتاه ملك فقال: إنّ الله جلّ جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت؟
فقال لي: بما يصنع بالحسين (عليه السلام) أُسوة.
بل روي أنّ غنمه التي كانت ترعى في شاطئ الفرات لما امتنعت من ورود الماء وسألها عن سبب الامتناع؟ قالت: هذه المشرعة يقتل عليها الحسين (عليه السلام) فنحن لا نشرب منها مواساةً له.
وقد روي امتناع بعض الأئمة من شرب الماء يوم عاشوراء مواساة للحسين.
وورد في صومه:  (لا تجعله صوم يوم كامل ولكن افطر بعد الزوال بساعة على شربة ماء فعندها تجلت الهيجاء عن آل الرسول)(41).
وكان موسى بن جعفر (عليه السلام) إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان يوم مصيبته وحزنه وبكائه(42).
فهذه الرموز تشير إلى استحباب مواساة الحسين بتحمل العطش وبإدماء الرأس وبكل ما يكون مصداقاً لها سوى القتل.
وإنما خص الرأس بالإدماء لأن المواساة لا تصدق الآن عرفاً بإدماء غيره.
وربما يستأنس لهذا بما ورد من التوبيخ على ترك زيارته عند الخوف بناء على ما يذهب إليه صاحب (الخصائص الحسينية) من شمول الخوف فيه لما عدا تلف النفس من الجروح والأضرار البدنية حتى مع عدم ظن سلامة النفس، مدّعياً أنّ ذلك من خصائصه كالجهاد معه يوم عاشوراء، وبناءً على التعدي عن موردها إلى غيره مما يتعلق بالحسين (عليه السلام) لاتحاد الطريق في الجميع أو لانفهام التعميم من نحو قوله (عليه السلام) في بعض تلك الأخبار (ما كان من هذا أشد فالثواب فيه على قدر الخوف) وقوله:  (أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً)(43).
قوله: وما من سيرة يستند إليها فيها… إلى آخر كلامه.
أقول: إنّ مرجع الضمائر من قوله تجويزها وفيه إلى لفظ جهتها، مجهول ليس لدي فقط بل لدى كل عارف بالتعبير العربي، وهذه المجهولية هي السبب للتردد في السيرة التي ينكرها. هي السيرة على ضرب السيوف والقامات، أو على جميع ما أنكر مشروعيته حتى خروج المواكب والشبيه الذي نسب الفرقة في علمه - صدر رسالته - إلى الإبداع في المذهب.
والظاهر أنه يريد هذا بقرينة قوله: أفعال وحشية، وقوله: ولو صرف المال، إلى آخر الكلام.
لأن ضرب السيوف لا يكلّف من المصرف مقدار نصف العشر من مصرف مأتم واحد فكيف بزيادة مأتمين، ولكنه لمّا كان يعلم وجود السيرة في الجملة ويعرف إن في ارتكاب خلافها تضليل السلف وادعاء عدم نفوذ الكلمة منهم أدمج مراده بلا إفصاح.
والذي أراه وأعتقده أنّ السيد المذكور ينكر قدم السيرة بحيث تتصل بزمن المعصومين، لا أنه ينكر وجودها وقدمها في الجملة، ولكنه لم يعلم أنّ ذلك التقدم مما لا حاجة إليه، لما أسلفناه من أنّ ما ليس بقديم بشخصه إذا كان مندرجاً تحت عنوان كلي راجح كفى في رجحانه انطباق ذلك العنوان عليه وإن كانت مصداقيته له حادثة، وهذا ما عبرنا عنه سابقاً بكونه مأموراً به بسنخه، فإنّ المراد منه ما كان مشروعاً بعنوانه العام في قبال ما كان مشروعاً بخصوصه، وأدنى ما ينطبق على الشبيه والمواكب بأنواعها: ذكر مصاب الحسين (عليه السلام)، الإبكاء عليه، إحياء أمره، الحزن لأجله، وغير ذلك من العناوين العامة التي ثبت رجحانها بالأدلة الخاصة.
إن الحزن أمر قلبي نفسي، وله مظاهر هي المندوب إليها حقيقة، ولا ريب في أنّه لم ترد له من الشرع كيفية خاصة بحيث يقتصر عليها في مقام إظهار الحزن، كما انه لا ريب أيضاً في أنّ مظاهره تختلف باختلاف أطوار الأمم وعاداتها وباختلاف الأحوال والأزمان، وكذلك البكاء والإبكاء المندوب إليهما لهما أسباب ووسائل كثيرة لا تقع تحت الحصر، وليس في شيء من أخبارنا شيء يشير إلى قصرها على وسائل خاصة بحيث لا يتعدى عنها في مقام إرادة البكاء والإبكاء.
وإذا كانت المواكب بجميع أنواعها في زماننا من مظاهر الحزن، والتشبيهات بجميع أفرادها من وسائل الإبكاء، والجميع ذكرى لمصائبهم، وإحياء لأمرهم، وصلة وإسعاد لهم، واداء لحقهم فبأي صنعة أو صيغة علمية يتجرّأ أحد من الجعفرية أن يقول: إنها لا دليل شرعي على تجويزها وما من سيرة يستند إليها فيها بل هي بنظر أرباب العقول والمعرفة أفعال وحشية؟؟!!
إن كان صاحب الرسالة يطلب اتصال السيرة بالصدر الأول لزمه أن يبطل لطم الصدور في الدور لأنه حادث، وكذا لبس الثياب السود وإلباس الجدران بالسواد. ويبطل النار والروايات والأعلام. وكشف الرؤوس وصرف الأموال. و. و. و. لأنها أمور لكم تكن في زمن الأئمة، ولا حاجة له على هذا في تحريم خروج مواكب اللطم إلى وقوع الفتن فيها بل يكفي في ذلك حدوثها.
نظرة في التاريخ
أنا الآن أذكر لك نبذة تاريخية تعرف منها الزمن الذي ظهرت فيه المآتم بلا اتقاء وحدثت فيه المواكب والتمثيل بنفوذ ملوك الجعفرية وعلمائهم.
فبالرغم من حث الأئمة (عليهم السلام) على التذكارات الحسينية ما كان ينعقد فيها من المآتم إلاّ نحو ما كانوا يعقدونه في دورهم، يحضره - لضرب من الاتفاق - مثل أبي هارون المكفوف وأبي عمارة المنشد وجعفر بن عفان وأضرابهم، لأن بني أمية تمنع الشعراء أن ترثي الحسين (عليه السلام) بل تمنع أن يرثى من قتل في سبيل الأخذ بثأره كالتوابين، وأما آل العباس فلم يكونوا أقل تشدّداً من بني أمية في الضغط على العلويين وإيذاء من ينسب إليهم، مدة خلافتهم، عدا أيام نزره في الفترة بين الدولتين وفي أيام (المأمون العباسي) حين يجاهر (الصولي) بقصيدته المستورة التي أولها:
أزال عزاء القلب بعد التجلد***مصارع أبناء النبي محمد
ويقوم (الخزاعي) منشداً بحضرة المأمون قصيدته المشهورة التي منها:
مدارس آيات خلت من تلاوة***ومنزل وحي مقفر العرصات
ثم اشتد الأمر بعده وبلغ غايته في أيام (المتوكّل) ومن بعده، إلى أن تضاءل ملكهم وضعفت قواهم وذلك من بعد الغيبة الصغرى بزمن غير قصير حتى تولى عزل الخلفاء ونصبهم أمراء الجند وهم ـ على الأغلب ـ غلمانهم وابتدأ من ذلك الوقت حكم ملوك الطوائف ومنهم (البويهيّون).
لمّا قامت الدولة البويهية (في جبال الديلم) وثبتت دعائمها، أسّس معز الدولة (احمد بن بويه) إقامة العزاء علناً يوم عاشوراء في زمن المستكفي بالله سنة 352 هـ وبنى الدور الخاصة بإقامة المآتم (الحسينيات) وبقى ذلك متداولاً في أيامه، وعضده بعده عضد الدولة (الحسن بن بويه) وهو الذي بني القبّة المرتضوية بعد البناء الهاروني والقبة الحسينية لأول مرة، ودفن في النجف.
وما زال الأمر على ذلك في العراق وفي جبال الديلم مدة تلك الدولة بفضل اعتقاد ملوكها وتدبير من وزرائها مثل (الصاحب بن عباد) وأعان على ذلك شدة وطأة الملوك (العلوية الإسماعيلية) بالمغرب (ومصر) الذين جعلوا يوم عاشوراء ـ في كل مكان لهم سلطان عليه ـ يوم حزن تتعطل فيه الأسواق و تترك فيه الزينة وتقام فيه مآتم العزاء لسيد الشهداء، في مدة تزيد على مأتي عام.
وكأنّ البذر الذي ألقته الأئمة (عليهم السلام) في قلوب الشيعة ما اخضرّ نباته إلاّ يومئذ، وما زال ينمو غراسه ويتأصّل في القلوب شيئاً فشيئاً حتى في زمن ملوك (المغول) المتوحشين الذين أكثروا من القتل في الأرض نحو (هولاكو خان) والسلطان (محمد خدا بنده) الذي تم مآتم على يده لعلماء الشيعة الذين كانت (الحلة السيفية) مغرسهم وذلك في حدود سنة 700 والخلافة العباسية منقرضة يومئذ وكانت من قبل ذلك في مدة أربعمائة عام تقريباً إسمية فقط، وما كانت التذكارات الحسينية حينئذ إلاّ مآتم يقرأ فيها نحو كتاب (المقتل) تأليف (أبي مخنف) وهو من أكابر المحدّثين الذين تلقى منه (ابن جرير الطبري) وغيره مقتل الحسين أو كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد أو كتاب (اللهوف) لابن طاووس وبضع قصائد انفرد الشعراء من أهل الحلّة خاصة بإنشائها ولم تعرف لغيرهم يومئذ قصيدة قط.
الإمام المجلسي (قدّس سرّه).
حتى إذا تسنم عرش الملك:  (الملوك الصفوية) وهم علويّون موسويّون تفننوا بإظهار ضروب الحزن على جدّهم الأعلى (الحسين بن علي) فأحدثوا تمثيل فاجعته لعيون الملأ في يوم عاشوراء بأمر وإشارة وبتقرير وإمضاء من العلامة (الفاضل المجلسي) صاحب كتاب (بحار الأنوار) أعلى الله درجته وذلك بعد الألف من الهجرة في أواسط المائة الحادية عشر زمن السلطان (الحسين بن سليمان) الصفوي، والتمثيل يومئذ في دور نشأته حتى بلغ إلى ما هو عليه الآن وقد أتى عليه إلى هذه الأيام نحو ثلاث مائة سنة وهو يقام في بلدان الشيعة بمرأى علمائهم ومسمع من دون إنكار منهم فكأنّهم لعدم نفوذهم ـ ولا أقول لجهلهم ـ تركوا الإنكار إلى الزمن الذي ينفرد به حضرة (السيد) في البصرة والكويت!! فينكر ما جرت عليه سيرة الشيعة وأيّدته علماؤها وانطبقت عليه من العناوين الراجحة  التي تضمّنتها أخبار الأئمة الأطهار ما لا يحصى كثرة.
أنا لا أبخس هذا الرجل حقّه من الفضل في بعض النقليات لكنه لم يخلق للإفتاء ولا للخوض في الفنون الدقيقة والأسرار الغامضة و (المرء ميسّر لما خلق له) وهذا عذره عندي فيما ارتبك فيه وهو عذري عنده فيما ارتكبته في هذه الرسالة.
لقد مرّ زمن ـ وهو أوائل المائة الثانية عشر ـ والمبرّز بالعلم والفضل والورع في إيران وخاصة بالري وقم:  (الميرزا أبو القاسم القمي).
وفي اصفهان وفارس وبلاد الجبل: الإمام الشفتي (السيد محمد باقر الرشتي) صاحب كتاب  (مطالع الأنوار).
وفي العراق بل وإيران وأكثر البلدان:  (الشيخ جعفر النجفي) كاشف الغطاء.
وهؤلاء في الاشتهار ونفوذ الكلمة بمنزلةٍ لا توصف، ومع اجتماعهم في الزمن وشدة النفوذ منهم كان التمثيل يقع بمرئى منهم ومسمع ولا منكر منهم.
نعم صرّح كاشف الغطاء بأن الأولى ترك تشبيه الرؤوس وتشبيه النساء في محافل الرجال فحسب.
أترى كاشف الغطاء والسيد الرشتي المذكور يمضيان ذلك ويمنعه أستاذهما (بحر العلوم الطباطبائي) أو أستاذه  (الوحيد البهبهاني) أستاذ الكل أو العلامة (المجلسي)؟!!
كلاّ ثمّ كلاّ.
إن السيد محمد باقر المذكور كان - لنفوذ كلمته - يقتل القاتل ويقطع يد السارق ويرجم الزاني ويقيم سائر الحدود، وهو أول من أحرز لقب (حجة الإسلام) في الشيعة، ومع ذلك لم ينكر ما يصنع في إيران من الأعمال الحسينية وهي في جميع ذلك القطر الواسع تقع بنحوٍ لا يكون ما يقع في العراق كلّه إلاّ جزء من مائة جزء منه أو أقل.
النجف، وعمل الشبيه.
تمتاز النجف ـ وهي مغرس علماء الشيعة ـ بعمل الشبيه عن جميع البلدان العراقية، وذلك انه كان في النجف ميدان واسع طولاً وعرضاً لو اجتمع فيه أهل البلدة جميعاً يومئذ لوَسِعهم، قد أكلته العمارة اليوم ولم يبق منه إلاّ خط طولي وهو شارع محدود… كان هذا الميدان ـ من أزمنة قديمة ـ محلاً لإقامة الشبيه في عشرة أيام من شهر المحرم، ويقوم بتمثيل واقعة الطف جماعة كثيرة من أهل المعرفة فيمثّلون كل يوم نبذة ممتعة من تلك الواقعة، إلى اليوم العاشر…
ودام هذا إلى أيام المحقق الشيخ مرتضى الأنصاري والسيد على آل بحر العلوم وسائر السلف الصالح من آل كاشف الغطاء وصاحب الجواهر. حتى أوائل أيام الرياسة الكبرى للسيد الميرزا محمد حسن الشيرازي نزيل سامراء… ثم ترك هذا التمثيل لتعمير الحكومة قسماً كبيراً من ذلك الميدان ولغير ذلك وصار التمثيل ما هو الجاري الآن في أيّامنا هذه.
أمّا مواكب السيوف ولطم الصدور في الطرقات فحدّث عنها ولا حرج، كثرة واستدامة، مع أن النجف من بين سائر البلدان ما زالت منقسمة بين فئتين متقابلتين بل فئات كثيرة، وكثيراً ما يحدث العراك فيما بينهم، ولكنه لم يوجب منع العلماء إياهم من إقامة الشعارات، نعم ربما منعتهم الحكومة محافظةً على الأمن العام حتى تتكفل الرؤساء بعدم حدوث شيء من ذلك.
(السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي) نزيل سامراء وهو الذي انتهت إليه رياسة الإمامية في عصره في جميع العالم وعدّ مجدّداً للمذهب الجعفري على رأس القرن الثالث عشر ـ كما أنّ الوحيد البهبهاني (محمد باقر بن محمد أكمل) مجدّده في القرن الثاني عشر ـ قد كان أنفذ كلمة على عموم الشيعة ملوكها وسوقتها من كل سابق ولاحق. وقد يوجد اليوم في كل بلدة كثير ممن يعرف اشتهاره ونفوذه وكان مع علمه بوقوع الشبيه وخروج المواكب وما يحدث فيها من حوادث وبضرب القامات والسيوف في بلدان الشيعة في العراق وإيران وعدم وقوع الإنكار منه أصلاً تقام جميع الأعمال المشار إليها في (سامراء) محل إقامته نصب عينيه بلا إنكار.
قد يظن الظان لأول وهلة أنه (قدّس الله سرّه) لا يرى رجحان ذلك بالنظر إلى حال محيطه، لأن جميع من في البلدة ـ عدا النزلاء ـ من غير الفرقة الجعفرية وفيها أخلاط من غير المسلمين وفي ذلك مجال الاستهزاء والسخرية.
الإمام الشيخ البلاغي (قدّس سرّه).
وقد سألت كثيراً ممّن كان يقطن سامراء في أيامه فكان أقلهم مبالغة في تعظيمه لشأن المواكب والشبيه شيخنا المتقن المتفنن (الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي) وعنه أنقل ما يلي:
كان الشبيه يترتب يوم العاشر في دار الميرزا (قدس سرّه) ثم يخرج للملأ مرتّباً، وكذلك موكب السيوف، كان أهله يضربون رؤوسهم في داره ثم يخرجون، وكانت أثمان أكفانهم تؤخذ منه، وما كان أفراد الشبيه سوى الفضلاء من أهل العلم لعدم معرفة غيرهم بنظمه في قول وفعل.
وأما المواكب اللاطمة في الطرقات فكانت تتألّف من أهل العلم وغيرهم، وكان السيد مهدي صاحب (الصولة) يومئذ أحد الطلبة اللاطمين جزء المواكب متجرداً من ثيابه إلى وسطه وهو من دون اللآدمين مؤتزر فوق ثيابه بإزار احمر.
الإمام محمد تقي الشيرازي (قدّس سرّه).
ودام هذا كله بجميع ما فيه إلى آخر أيّام خلفه الصالح الورع الميرزا محمد تقي الشيرازي  (قدّس سرّه) وكان الشبيه يترتب أيضاً في داره ومنه تخرج المواكب وإليه تعود بيد أنّ موكب السيوف لم يتألف غير مرّة لأن القائمين به ـ وهم الأتراك لا غيرهم ـ كانوا يومئذ قليلين ولقلّتهم استحقروا موكبهم فتركوه من تلقاء أنفسهم ـ انتهى كلامه.
الإمام الشيخ محمد طه نجف (قدّس سرّه).
وإن بعد عليك عهد الشيخ الأنصاري والسيد الشيرازي فهذا بالأمس الأفقه الأورع الشيخ محمد طه نجف (قدّس سرّه) يرى في النجف بل العراق جميع الأعمال المشار إليها وهو اقدر على المنع فلا يمنع…
إنّ المواكب جميعاً حتى موكب القامات تدخل إلى داره وهي بتلك الهيئات المنكرة ـ على ما يقول ـ وهو لا يحرك شفته بحرف من المنع بيد انه يلطم معهم ويبكي وهو واقف مكانه.
وكان الشيخ المذكور يقيم مآتم الحسين (عليه السلام) في داره عصراً فتغص بالعلماء والصلحاء وأهل الدين وفي يوم معيّن من كل سنّة يقع في المآتم نفسه تمثيل بعض وقائع الطف ولا منكر منه ولا منهم، وهب أنه لا يستطيع تعميم المنع، لكنه يستطيع منع أن يصنع ذلك في داره، أو أن تدخل المواكب داره وهو يعلم أنّه قد يتقاتل ويتضارب أهل المواكب في الطرقات.
السيد محمد بحر العلوم (قدّس سرّه).
وكذا العلامة المتقن المتبحّر (السيد محمد) آل بحر العلوم الطباطبائي تقام في داره اعظم وأفخم مآتم النجف ويحضره جميع أهل العلم ويقع فيه التمثيل الذي يقع في دار الشيخ وزيادة.
هذا غير كون الدار المذكورة موئلا لجميع المواكب، وبها تضرب أرباب السيوف رؤوسها من لدن أيام (السيد علي بحر العلوم) أو قبله حتى اليوم، ومنها تخرج إلى الشوارع والبيوت والجوادّ العمومية وإليها تعود بلا إنكار ولا إستيحاش.
الإمام الطباطبائي اليزدي (قدس سرّه).
وان بعُد عليك هذا العهد القريب أيضاً فهذا المرحوم خاتمة الفقهاء (السيد محمد كاظم اليزدي) الذي كانت له السلطة الروحانية الفذّة في عموم الشيعة، كانت التمثيلات تقام نصب عينيه والمواكب تخترق الشوارع بين يديه ولم يؤثر عنه منع شيء من ذلك وهو بمكان من ثبات الرأي ونفوذ الكلمة.
وان رمت عهداً أقرب من هذا فليس هو إلا يومك الذي أنت فيه. أنظر إلى علماء الجعفرية في كلّ مكان تجدهم وهاتيك الأعمال الحسينية كلاً أو بعضاً بمنظر منهم ومشهد لا ينبون ببنت شفّة من الإنكار مع إمكانه … وبما أنّ العراقيين منهم ابتلوا بالسؤال عن تلك الأعمال في هذه الأيام، ظهرت فتاواهم مطبوعة وغير مطبوعة وهي مفصلة ـ ولم يكن من قبلها للإفتاء عين ولا أثر لعدم الحاجة إليه في موضوعٍ ما كان يدور في الخلدان أن يقع موقع سؤال وتشكيك.
الإمام الأصفهاني  (قدّس سرّه).
ولا شك أن الصحف السائرة والمنشورات الدائرة أقرأتك فتوى سيدنا وملاذنا حجة الإسلام ومرجع الخاص والعام العالم العامل الرباني (السيد أبو الحسن الأصفهاني) دام علاه المتضمنة لإمضاء جميع التذكارات الحسينية على الإجمال….
آية الله الميرزا النائيني.
واليوم قد تمثلت أمام عينيك رسالتي هذه تطالع فيها الفتوى المفصّلة التي جاد و أجاد بها بقية السلف من العلماء الأعلام شيخنا العلاّم آية الله في الأنام (الميرزا محمد حسين الغروي النائيني) أدام الله فضله… وبما أن إفتاءه سلّمه الله موجّه إلى المؤمنين عامة وأهل (البصرة) خاصة لأنهم المستفتون فأنا أنشره بنصه فيما يلي. قال دام ظلّه:
فتوى
الإمام النائيني (قدّس سرّه)
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى البصرة وما والاها
بعد السلام على إخواننا الأماجد العظام؟ أهالي القطر البصري ورحمة الله وبركاته.
قد تواردت علينا في الكرادة الشرقية (ببغداد) برقياتكم وكتبكم المتضمّنة للسؤال عن حكم المواكب العزائية وما يتعلق بها، وإذ رجعنا بحمد الله سبحانه إلى النجف الأشرف سالمين، فها نحن نحرر الجواب عن تلك السؤالات ببيان مسائل:
(الأولى): خروج المواكب في عشرة عاشوراء ونحوها إلى الطرق والشوارع مما لا شبهة في جوازه و رجحانه وكونه من أظهر مصاديق ما يقام به عزاء المظلوم وايسر الوسائل لتبليغ الدعوة الحسينية إلى كل قريب وبعيد، لكن اللازم تنزيه هذا الشعار العظيم عما لا يليق بعبادة مثله من غناء أو استعمال آلات اللهو أو التدافع في التقدّم أو التأخّر بين أهل محلّتين ونحو ذلك، ولو اتفق شيء من ذلك فذلك الحرام الواقع في البين هو الحرام ولا تسري حرمته إلى الموكب العزائي ويكون كالنظر إلى الأجنبية حال الصلاة في عدم بطلانها به.
(الثانية): لا إشكال في جواز اللطم بالأيدي على الخدود والصدور حدّ الاحمرار والاسوداد، بل يقوى جواز الضرب بالسلاسل أيضاً على الأكتاف والظهور إلى الحد المذكور، بل وإن أدّى كل من اللطم والضرب إلى خروج دم يسير على الأقوى، وأما إخراج الدم من الناصية بالسيوف والقامات فالأقوى جواز ما كان ضرره مأموناً وكان من مجرّد إخراج الدم من الناصية بلا صدمة على عظمها ولا يتعقب عادة بخروج ما يضر خروجه من الدم ونحو ذلك كما يعرفه المتدربون العارفون بكيفية الضرب ـ ولو كان عند الضرب مأموناً ضرره بحسب العادة ولكن اتفق خروج الدم قدر ما يضر خروجه لم يكن ذلك موجباً لحرمته، ويكون كمن توضأ أو اغتسل أو صام آمناً من ضرره ثم تبين تضرّره منه، لكن الأولى بل الأحوط أن لا يقتحمه غير العارفين المتدربين ولا سيما الشبان الذين لا يبالون بما يوردونه على أنفسهم لعظم المصيبة وامتلاء قلوبهم من المحبّة الحسينية… ثبّتهم الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
(الثالثة): الظاهر عدم الإشكال في جواز التشبهات والتمثيلات التي جرت عادة الشيعة الإمامية باتخاذها لإقامة العزاء والبكاء والإبكاء منذ قرون وان تضمّنت لبس الرجال ملابس النساء على الأقوى، فإنّا وإن كنّا مستشكلين سابقاً في جوازه وقيّدنا جواز التشبيه في الفتوى الصادرة عنا قبل أربع سنوات بخلوّه عن ذلك لكنا راجعنا المسألة ثانياً، واتضح عندنا أنّ المحرم من تشبيه الرجل بالمرأة هو ما كان خروجاً عن زي الرجال رأساً وأخذاً بزي النساء دون ما إذا تلبس بملابسها مقداراً من الزمان بلا تبديل لزيّه كما هو الحال في هذه التشبيهات، وقد استدركنا  ذلك أخيراً في حواشينا على (العروة الوثقى) نعم يلزم تنزيهها عن المحرمات الشرعية وإن كانت على فرض وقوعها لا تسري حرمتها إلى التشبيه كما تقدم.
(الرابعة): الدمّام المستعمل في هذه المواكب مما لم يتحقق لنا إلى الآن حقيقته، فإن كان مورد استعماله هو إقامة العزاء وعند طلب الاجتماع وتنبيه الركب على الركوب وفي الهوسات العربية ولا يستعمل فيما يطلب فيه اللهو والسرور - كما هو المعروف عندنا في النجف الأشرف ـ فالظاهر جوازه والله العالم. انتهى بنصه حرفياً.
أما ما يقع في كربلاء أيام (شريف العلماء) أستاذ العلامة الأنصاري، ثم في أيام (الفاضل الأردكاني) والشيخ (زين العابدين المازندراني)، وفي الكاظمية أيام العلامة الأورع أبي ذر زمانه  (الشيخ محمد حسن آل يس) بل حتى أيام (السيد محسن الأعرجي الكاظمي) وفي الحلّة منذ عهد العلامة ـ الذي قلّ أن يأتي له الدهر بنظير ـ  (السيد مهدي القزويني) إلى الآن فإني أطيل بذكره لأنه يوجب الخروج عن وضع الرسالة، والتمثيل وإن لم يقع في الحلّة حتى الآن على ما أظن، لكن المواكب اللاطمة في الطرقات ليلاً ونهاراً، مع دوام المقاتلة والمضاربة بين أهل المحلات المتنافرة فيها مما ليس لأحد إنكارها ولم يكن السيد مهدي المذكور ولا أحد من أبنائه المحترمين منكراً  لعمل ومحرّماً خروج موكب حتى اليوم على أنّ أهل البلدة ومن حولها أطوع لهم من الظل لذي الظل.
أترى (السيد مهدي القزويني) المذكور أوكل الإنكار إلى سميه البصري فقام يفتي ويحكم وهو وكلّ أحدٍ يعلم أنّ تعرض غير أهل الفتوى للإفتاء فسق ومعصية موبقة.
إن دام هذا ولم تحدث له غير***لم يبك ميت ولم يفرح بمولود
خاتمة مسكيّة
الأئمة (سلام الله عليهم) نورهم واحد وطينتهم واحدة وان تفاوتوا في الفضل (إنّ عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم)(44).
ولكن للشيعة علاقة خاصة بالحسين (عليه السلام) لا تشبه علاقتهم بمن هو أفضل منه، وتلك من خصوصيات الحسين (عليه السلام) التي لا تنافي أفضلية غيره منه، فإنّ للتفاوت في الفضيلة مقام وللخصوصية مقام آخر وقد عوّضه الله جلّ شأنه عن شهادته بخصال منها المحبة في القلوب ومنها كونه (وسيلة النجاة).
إنّ محبة الحسين (عليه السلام) والرقة عليه فطرية، حتى من غير الجعفرية، ولكن لهؤلاء ـ حتى أبسط البسط منهم ـ علاقة خاصة به لم تأت لهم من قبل سماع واطلاع، بل غريزة وارتكاز فلذلك تجدهم يتفنّنون في التعلق به بإيجاد أسباب لم تعرف من قبلهم ولم يدركها أحد سواهم توصلاً إلى إحياء ذكره وتعلقاً بسبب منه يوجب البركة عليهم في الدنيا والعقبى، وتراهم من صميم قلوبهم يعلّقون آمال نجاتهم من وزر الخطايا به أكثر ممن هو أشرف منه وأفضل.
وكما أنّ هذا فطري فيهم فكذلك هم مفطورون على أنه بمقدار حزنهم على الحسين وسائر الأئمة (عليهم السلام) وإظهار مظلوميتهم يكون تكفير سيئاتهم وارتفاع درجاتهم والمتعمق في الأسرار، والمتعمّق في الأسرار، المتتبع للأخبار يحصل له ـ بتتبعه وتعمّقه ـ الجزم بأنّ ما تفعله الشيعة من ضروب مظاهر الحزن هو دون الحق الثابت في مصاب الحسين (عليه السلام) وانه لو كان فوقه شيء لكان رجحاً في سبيل ذلك المصاب الهائل وإن استهزأ به وسخر الجاهلون…
فلندع الشيعة وما يفعلون في شأن أئمتهم في حزنهم وفرحهم ما لم يفعلوا في ذلك الشأن العظيم محرّماً، فإنه علينا حينئذ المنع عن ذلك المحرّم فحسب ونردعهم عنه ولا نتعرض لجل ما يقومون به من مظاهر الحزن والفرح بشيء، فقد قال الصادق (عليه السلام) في حقهم: شيعتنا منّا خلقوا من فاضل طينتنا، وعجنوا بنور ولايتنا رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة يصيبهم ما أصابنا وتبكيهم أوصابنا، يحزنهم حزننا، ويسرهم سرورنا ونحن أيضاً نتألم لتألمهم، ونطّلع على أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا، ونحن معهم لا نفارقهم، ثم قال: اللهم إن شيعتنا منا، فمن ذكر مصابنا، وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذبه بالنار.
وعلى هذا الخبر الشريف العالي المضامين اختم رسالتي هذه وبالختام تتميماً للمقال أذكر أموراً مهمة:
الأمر الأول
بكل صراحة أقول: إنّ علة تحريم الشبيه وخروج المواكب اللاطمة والضرب بالقامات عند صاحب المقالة ليس هو ما ذكره من السفاسف. كيف والمقاتلة التي هي علّة تحريم  اللطم في الطرقات اتفاقية نادرة وليست بلازمة ولا مقصودة لأهل الموكب غالباً، وموت الجماعات في كل سنة ـ الذي هو علة تحريم موكب السيوف ـ قد عرفت أنه فرية صريحة، والسخرية ـ التي هي علة تحريم الشبيه ـ كذلك وعلى فرض تحققها فهي لا توجب الاستهزاء بدين الإسلام المنزّه عن كل عائبة، والأمور التي سطّرها ـ من إنكار الوثبات والزعقات ومن كون اللطم محله المآتم لا الطرقات بحكم العقل والشرع ـ هي من التلفيقات الفارغة، ونسبة ذلك إلى العقل والشريعة فرية أخرى وهي عليه غير خفية،  ومن أكبر الشواهد على أنّ تحريمه لا لذلك ـ مضافاً إلى هذا ـ قوله في الصفحة 10 ما ملخصه: بأنه منذ خمس عشرة سنة كان أهل الكويت يخرجون الشبيه على التفصيل الذي سبق فمنعتهم وصاروا من يومئذ يلطمون في المآتم ولا يخرجون وبذلك قطع دابر ما ربما ينجم من المحرمات والفتن ـ انتهى.
فإنه ليس في الكويت من يومئذ للآن(45) فئات متقابلة ولا لهم محلات كثيرة متعادية تقع بين أهلها المنافرة والمنافسة حتى يحدث من خروجهم القتال فيما بينهم، إن هم إلاّ فئة من الأعاجم يشوبهم أخلاط من البحارنة وغيرهم ممن ليس له قوة المخاصمة والمنازعة لو كان له منافر ومنافس، كيف والسلطات القاهرة وسلطته الروحية هناك تحول بينهم وبين أن تحدث بينهم المقاتلة في مثل ذلك المحل الذي هو بالقرى أشبه منه بالبلدان الواسعة.
أمّا سخرية الأجانب فهي هناك معدومة لقلة الأجانب يومئذ وعدم سخريتهم، لأنهم من الذين لا يهمّهم من أمر الديانات شيء.
الذي أظنه (وظن الألمعي يقين) أن هذا الرجل يذعن بمسؤولية جميع ما سلف كما يومئ إلى ذلك ما ذكرته ثمة وإنما يمنع من ظهور الشبيه والمواكب للملأ تأليفاً بين الفرق وأن لا يظهر بعضهم بمظهر المخالف للبعض الآخر.
وقد فاته أن يلتفت إلى أنّ مورد المخالفة ليس جوهرياً بعد وحدة الدين والاشتراك بالضروريات من أحكامه وغيرها (إنّ الدين عند الله الإسلام)(46) إن التأليف الذي يقصده ـ بترك التظاهر بتلك المراسم ـ أمر مغروس في ذهنه منذ كان في الكويت وهو اليوم يعالجه ولا يكاد يحيره ولأجله يتشبث بالتهاويل ويذعن لتلك التمويهات والمفتريات وكأنّ هذا المنع عنده من باب الأمر بترك الراجح لما هو أرجع منه، لا من باب النهي عن المنكر وإن صدّر مقالته بذلك، ولعلّه إلى هذا يرمز صاحب جريدة (الأوقات العراقية) إذ يقول نقلا عن السيد المذكور:  (إن تلك المواكب عامل من عوامل التفرقة ورمز يشير إليها).
وهذا إن كان من الناقل فهو اختلاس للحق وإن كان من القائل فهو اشتباه، وذلك أن تلك المواكب وهاتيك الأعمال ليست مفرّقة بين المسلمين، نعم هي مظهر للفرق بين فرقهم، والفارق جليّ بين المفرّق بينهم وبين وجود الفارق ـ أجل التمثيل فارق ـ المواكب فارق ـ المآتم فارق ـ لبس السواد فارق ـ فوارق وأي فوارق شابت عليها اللمم والمفارق، واعترف بفوائدها المصاحب والمفارق، فإن تكن هذه رموزاً فهي رموز لامتياز الشيعة عمن سواهم، فلتكن تصريحات بدل كونها رموزاً، فان الرمز بهذا المعنى سواء أكان هو أحد الأمور المذكورة أم غيرها مما لابد منه.
إنّ المطلوب من المسلمين إزالة التعصّب المذهبي فيما بينهم، لا ترك الرسوم المذهبية عندهم، وشتّان بين الأمرين، ومن اختلاطهما وقع الاشتباه، التعصب المذهبي مظهر وقوع الشقاق بين المسلمين شقاقا مذهبياً، ويقابله التساهل المذهبي المقتضي لإطلاق الحرية لكل ذي مذهب من المسلمين أن يأتي بمراسم مذهبه بلا استياء ولا منازعة من أرباب المذهب الآخر، لا ترك الرسوم المذهبية، وثمرة هذا التساهل علو الإسلام باتجاه كلمة المسلمين وأين هذا من كون الفوارق المذهبية مفرّقة؟! نعم لو كانت تلك الفوارق توجب إخلال الجعفرية بالواجب عليهم من رفع منار الإسلام أو أنها توجب تهجين المراسم المذهبية للفرق الأخرى لكان حقّاً لها أن تتعصب وتعتصب أمامها ولكنّها - مع كونها همجية كما يقولون – لا تمس كرامة المذاهب بشيء ولا توجب الإخلال بأي واجب.
لقد مرت أزمنة عديدة والجعفرية فيها يدعون في مآتمهم ومواكبهم إلى توحيد كلمة المسلمين، فما وجه دعواهم هذه ياترى في تلك الحال إذا كانت المواكب هي المفرقة فيما بينهم.
أجل إنّها فوارق مذهبية لا مفرقة لجماعتهم الملتئمة ـ فهذه الكلمة(47) إمّا بذر للتفرقة أو وهم واشتباه ـ.
وإذا شئت أن أريك التعصب المذهبي ملموساً باليد فتأمّل فيما أنقله لك عن المقريزي في خططه في الصفحة 385 من الجزء الثاني منه، فانه بعد أن ذكر أنّ الملوك العلويين بمصر كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن تتعطل فيه الأسواق، قال: فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، ويتبسّطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنّها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي  (عليه السلام) لأنه قتل فيه ـ انتهى.
فيا أيها الرامز إلى التفرقة في كلامه والمريد للتأليف حسب الظن بمرامه، إن كنت تجد أعمال الجعفرية مهجنة للرسوم المذهبية لغيرهم من فرق المسلمين فلك الحق في الاستياء منها، وإن لم تكن كذلك كما هو الواقع، فماذا يضرك منها وما هو سبب الاستياء من إقامتها؟!
لو أنّ في طوائف المسلمين من لا يوالي الحسين  (عليه السلام) ولا يقدّر شرفه ولا مظلوميته ولا قربه من الرسول  (صلى الله عليه وآله) لكان حقه أن يستاء من أقامت تذكاراته، لكنه (سلام الله عليه) ممن يشترك في ولائه جميع المسلمين وعلى جميعهم الحق في إظهار مظلوميته والنوح عليه تقرّباً إلى جدّه صاحب الشفاعة الكبرى (صلى الله عليه وآله) فكيف تكون تذكاراته ـ وهو بتلك المنزلة عند جميعهم ـ رمزاً إلى التفرقة بين جماعتهم وعاملاً من عواملها؟!
وقد كثر تحامل الصحف على الجعفرية في أعمالهم الحسينية وعسى أن يكون أصحابها هم المعنيّون في كلام صاحب المقالة بأنهم يسخرون ويستهزئون بيد إنّه يسمّيهم الأجانب وهم في الحقيقة أقارب لا أجانب قد وشجت بينهم وبين الجعفرية من عروق الدين الإسلامي نوابضه ورواهشه وشواكل قلبه.
واشتبكت أواصر القرابة بينهم في الأعضاء الرئيسة من جسم دينهم الأقدس وهؤلاء في الحقيقة لا يسخرون بل يستاءون وتتأثر قلوبهم ولو لم يكونوا قد أدركوا النكات الدقيقة العائدة بالنفع المذهبي على الجعفرية من جميع هذه الأعمال ـ التي تعملها الشيعة في شهر المحرم في مآتم وموكب وتمثيل ـ لما استاءوا ولما جدّوا ليل نهار في رفعها ودرس أثرها.
الأمر الثاني
إنّ بعض أهل التقشف يمنع من ضرب الطبول، ونفخ الأبواق، ودقّ الصنوج في المواكب وغيرها على الكيفية المرسومة في العزاء في النجف اليوم، وذلك (أي: المنع) من الزّلاّت الناشئة عن خفاء هذه الموضوعات لديهم ولا غرو فهذه موضوعات لا يعرفها النسّاك.
الآلات الثلاث تارة يكون استعمالها على الكيفية التي يضرب بها للّهو والطرب كما يستعمله أهله وهذا لا ريب في حرمته، وتارة لا يكون على تلك الكيفية، كالذي يكون في الحرب، وفي العزاء المرسوم، وهذا لو كان محرّماً لكان الضرب العبثي الغير المنتظم محرّماً وذلك مما لا ينبغي لأحد أن يحتمله. ولم يذهب ذاهب ممن يُعتدّ به من فقهائنا إلى حرمة جميع أنحاء استعمال آلات اللهو فضلاً عن المشتركة بينه وبين غيره على أي كيفية كان الاستعمال وفي أي حال وقع.
وما ورد في أخبارنا ـ كالمروي عن النوفلي عن السكوني عن الصادق (عليه السلام) من نهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن الزفن، والمزمار، وعن الكوبات، والكبرات(48) ـ لم يحرز له إطلاق يشمل غير مورد الاستعمال اللهوي، بل الخبر الآتي وغيره قرينة على أنّ المراد استعمال الآلات المذكورة لأجل اللهو والطرب على الكيفية التي يستعملها أهل الملاهي. وليس المراد باللهو مطلق اللعب ـ كما لعلّه يتوهّمه من لا خبرة له ـ بل ما كان على سبيل البطر وشدة الفرح فإنّ اللعب والعبث ـ ولو لغرض عقلائي ـ مما لم يقل بحرمته أحد ألا أن يكون شاذاً وهو مع شذوذه محجوم بالأخبار الكثيرة.
قال شيخنا الإمام (المرتضى الأنصاري) قدّس سرّه:  (الظاهر أن حرمة اللعب بآلات اللهو ليس من حيث خصوص الآلة، بل من حيث إنّه لهو).
والمراد باللهو هو ما ذكرناه كما صرح به قبل ذلك وبعده.
ثم استشهد على ذلك بشواهد منها رواية سماعة عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: لما مات آدم شمت إبليس وقابيل به، فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم، فكلّما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس من الزفن والزمار والكوبات والكبرات فإنما هو من ذلك(49)، ثمّ قال: فان هذا يشير إلى أن المناط هو التلهي والتلذذ.
أقول: وأنت إذا تأمّلت وجدت دق الصنج مثل التصفيق، بل هو تصفيق بآلة لا باليد ورأيت ضرب الطبل المتعارف في العزاء كضرب الطشت، ولا ريب في أنّ التصفيق والضرب بالطشت بدل الدف إذا استعملا للهو والطرب كان استعمالهما محرّماً كما صرح به الإمام الشيخ المرتضى أيضاً مع إن الطشت ليس من آلات اللهو فضلاً عن التصفيق ولا بمنصوص عليه في الأدلّة، وما ذلك إلاّ لكونه مفيداً فائدة آلاف اللهو.
وكذا الحال في الصنج والطبل إذا استعملا على تلك الكيفية كان استعمالهما حراماً وإلاّ فلا وجه لحرمته البتة، ومن هذا القسم ما يستعمل في العزاء والمواكب والشبيه اليوم في النجف، ودعوى أنّ هذا من الملهي المطرب سخيفة جداً.
اللهو والطرب أمران يعرفهما الفُساق لا النساك ولا يقلّد فيهما المجتهد إذا كان المقلّد عالماً بهما والمجتهد محتاطاً لعدم استفراغ وسعه في البحث عن الموضوع.
وهكذا الأمر في معنى (الغناء) فإني لا أستبعد أن أولئك إذا سمعوا صوتاً رخيماً وإن كان غير متقاطع ولا متناسق النغم حسبوه غناء، وهذا خطأ وأولى لهم أن يسألوا أهل الفسوق عن ألحانهم فإنّها الغناء لا غيرها.
إنّ من البديهي الوجداني أنّ ضرب الطبل ودق الصنج ونفخ البوق على الكيفية المرسومة في العزاء اليوم في النجف مع إنها لم يقصد بها اللهو والطرب هي بنفسها لا لهو بها ولا طرب وإنما يقصد بها، انتظام الموكب، والإعلان بمسيره، ووقوفه، ومشايعة صوته لندبة أهل الموكب، فإنّ انتظامه يختلّ بخفاء أصوات النادبين، ولذلك تجدهم إذا اجتمعوا للطم في دار أو مأتم لا يضربون ولا يدقون بشيء لاستغنائهم حينئذ عن كلّ شيء.
وقد سمعت من غير واحد أنّ الصنج المتعارف الآن قد أحدثه في العزاء (العلامة المجلسي) أعلى الله مقامه في قرى (إيران) ليسمع أهل القرى القريبة منهم ويعلموا بإقامتهم العزاء، وكذا في البلدان الكبار لأجل تنبيه أهل المحلات جميعاً لأن الطبل الحربي الذي هو المتعارف في العزاء لا شيوع له في البلدان الإيرانية.
وهذا القدر وإن كان كافياً في إثبات الجواز لكن نظراً إلى أهمية تحقيق الحال في استعمال الآلات الثلاث المذكورة، فإني أرجع إلى البحث عنها بطور آخر:
(الطبل)
المعبّر عنه بلسانه العامة (الدّمام) وهو موضوع العناية من الكلام، أما غيره مما قد يستعمل في بعض البلدان كالمسمّى عندهم (نقاره) فلا ريب في حرمته.
ذكر العلامة في (التذكرة) والمحقق الثاني في (جامع المقاصد) أقسام الطبول وعدّا منها: طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وطبل القافلة الذي يضرب به للأعلام بالنزول والارتحال، وطبل العطارين وهو سفط لهم، وطبل اللهو وفسّر بالكوبة، ولكن نظراً إلى اشتراك  (الكوبة) بين معان بعضها ليس من أقسام الطبول وبعضها الآخر طبل لهو كما ستعرفه مثّل له  (العلامة) بما يضرب به المخنّثون من طبل وسطه ضيق وطرفاه واسعان وقد صرّحوا بجواز استعمال ما عدا الأخير منها وبيعها وشرائها والوصية بها وادّعى في التذكرة الإجماع على ذلك.
ولا ريب أن هذه الطبول جميعاً يمكن أن يضرب بها ضرباً لهوياً كما يستعمله أهل الطرب فلم جوّزوا استعمالها؟ أليس لأنها ما أُعدت ولا هُيّئت لذلك؟ أليس لكون الضرب العادي بها ليس ملهياً ولا مطرباً؟ بل هو ضرب إعلام وتنبيه كما هو الشأن في الطبل المستعمل في العزاء.. الطبل العزائي لو كان من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره فلا ريب أنّ استعماله ليس لأجل الطرب ولا على الكيفية المطربة ولهذا عدّ (كاشف الغطاء) في عداد ما كان راجحاً لعنوان راجح ينطبق عليه أكثر ما يقام في العزاء من (دق طبول وضرب نحاس وتشابيه صور).
قد رأينا طبل الحرب أيام الحرب العامة عند أعراب نجد في النجف، وطبل القافلة عندهم منذ كان الحاج العراقي يسير برّاً على طريق جبلي طي، وهما عين الدمام المتعارف استعماله اليوم في المواكب العزائية في النجف...
إن طبل الحرب والقافلة وطبل العزاء في الشكل والحجم سواء، وفي كون الضرب عليها بآلة لا باليد سواء، وفي كون الضرب منتظماً انتظاماً خاصاً سواء، وفي كون الغرض من ضربها التنبيه والإعلام سواء، فما هو الفارق بينها إذاً؟! طبل اللهو.
إنّ طبل اللهو يفارق هذه الطبول في جميع هذه الخواص عدا الانتظام بيد أنّه في طبل اللهو على كيفية خاصة يعرفها أهل الملاهي ولا يجهلها كل أحد، وتلك الكيفية غير حاصلة في ضرب الدمام.
ومع قطع  النظر عن جميع ما أسلفته أوقفك على أمر يكفيك في الحكم بجواز الدمام وهو أنه لم يقطع لفظ الطبل في شيء من الأدلة موضعاً للحكم ليؤخذ بإطلاقه، وليدفع الإطلاق بكون المراد طبل اللهو أو يراد بضربه الضرب الملهي، وإنما الموجود في الأدلة الكبرات والكوبات و (الكبر) بفتحتين الطبل ذو الوجود الواحد، وهذا ليس إلاّ طبل اللهو فإنّ ما عداه بوجهين ـ و  (الكوبة) بالضم (البربط) وهو العود أو النرد أو الشطرنج أو طبل صغير.
وفي (الصحاح) طبل صغير مختصر، وهذا أيضا ليس سوى طبل اللهو لأنه الصغير، ولو كان غيره كوبة طبلاً صغيراً لم يبق للطبل الصغير مصداق أبداً.
وإذا كان لفظ الطبل لم يقع موضوعاً للحكم فلا مساغ للمنع عنه إلاّ بدعوى أنّ كل طبل آلة لهو وأنّ كل آلة لهو يحرم جميع أنحاء الاستعمال بها على جميع الكيفيات، وهذا ما لا أظن بأحد أن يقول به...
ومع هذا كله فالاحتياط بترك الطبل كلّه لأنّ تذكارات سيد الشهداء من أهم الأعمال التي يعتبر فيها الإخلاص لله في إقامتها وتعريتها عن كل ما يحتمل تحريمه فضلاً عن معلوم الحرمة.
(البوق)
المعبّر عنه في لسان العامة (البوري)، لم يعهد استعماله قديماً وحديثاً لأهل الطرب والملاهي كالعود والأوتار والمزامير وإنما يستعمل في الحرب للتنبيه ولحشر الجنود وتسيير المواكب لحرب أو لغيرها فهو في الحقيقة آلة تنبيه وإعلام لا آلة طرب نحو الآلة الصغيرة الصافرة التي يستعملها الشّرط والحرس اليوم للتنبيه ليلاً ونهاراً... ومن عرف الخاصية الطبيعة لهيئته الوضعية يعرف بأنه يستحيل أن يخرج بالنفخ فيه صوت مطرب ولذلك يحصل الجزم لكل عارف به أنّه ليس من المزامير المعدودة من آلات اللهو. ابتدع الشكل الطبيعي للبوق لأجل خروج صوت عال مرتفع مستهجن يبلغ بارتفاعه وهُجنته ما لا يبلغه أرفع صوت مجرّد، وهو كلّما دق موضع النفخ منه واتسعت فوهته العليا زاد صوته ارتفاعاً وهجنة فلارتفاعه استعمل لتنبيه الجند، ولهجنته جعل جزء من (الجوق الموسيقي) للتأليف بين نحو عشرين صوتاً من الأصوات المختلفة في نفخة واحدة لحصول الطرب بالمجموع ولكنه لو انفرد لا يكون ولا يصلح لذلك ولذلك لا ينبغي عدّه من الآلات المشتركة بين اللهو وغيره، وإذا لم يكن من المزامير ولا من آلات اللهو فما هو البرهان على تحريمه؟! لم يوجد في الأدلة ما يتضمن النهي عن، ولم يوجد في الأدلة ما يتضمن النهي عن استعماله بخصوصه فيما حضرني من كتب الاستدلال، من غير فحص كامل.
(الصنج)
وهو مفرد صنوج المعبّر عنها بلسان العامة اليوم (طوس) المنهي عنه - في المروي في المجمع - فهو بظاهر الأمر مردّد بين معان ثلاثة لا يعلم أيها المقصود بالنهي، ولا أن النهي نهي تنزيه أو تحريم، فقد ذكروا أنّه آلة بأوتار ونحاس صغار مدوّر يجعل في إطار الدّف، وآله تتّخذ من صفر يُضرب إحداها بالأخرى، وهذا المعنى الأخير ينطبق على ما هو المستعمل اليوم في العزاء الحسيني، لكن من المعلوم أنّ استعمال هذا بالنحو المتعارف الآن في النجف لا يمكن قصد التلهّي به والطرب لأنه بذاته لا لهو فيه ولا طرب فكيف يعدّ من آلات اللهو أو المشتركة بينه وبين غيره؟
إنّ دق الصنج المتعارف في المواكب يوجب الضجر لا الطرب وما هو إلاّ كدق الصفّارين بمطارقهم الحديدية على قطعات الصفر دقاً منتظماً، ولا يبعد أن يكون هذا كان مستعملاً في الحرب مع الطبل ـ إن كان قديماً ـ وأنّ الصنج المعدود من آلات الملاهي ليس هو هذا الصنج ولا صنج الموسيقى بل ما يتخذ من صفر قطعاً نحو ما يجعل في إطار الدّف يضع الزافن الراقص ـ كل اثنتين منها في إصبعين من أصابع يديه احديهما في الإبهام والأخرى في السبابة أو الوسطى يضرب بإحديهما الأخرى فترنّ رنيناً خفيفاً هو أرق من التصفيق صدى وأقرب منه إلى الإطراب، وهذا هو ما يسميه الفرس بلغتهم (زنك) وقد اتفق اللغويون على أنّ لفظ صنج فارسي معرب، وإذا كان فارسيّاً هو تلك الآلة كان النهي مختصاً باستعمالها لا محالة، وعسى أن تكون تسمية غيره باسمه للمشابهة.
ثم إذا كان الصنج لغة مردّداً بين المعاني الثلاثة وكانت الآلة ذات الأوتار وما يجعل في إطار الدف قدراً متيقناً مما جعل موضوع الحكم وما عدا ذلك مشكوك الفردية له، كان مقتضى أصول الفن. لمن لا يوجب الاحتياط في الشبهة المفهومية ـ أن يقول بجوازه لا حرمته... وكم من فرق بين هذا وبين (كاشف الغطاء) واللغة بمرئى منه ـ يعدّ من الأمور الراجحة: دق طبل إعلام. وضرب نحاس ـ وظني أنه حمل الصنج المنهي عنه على خصوص المطرب منه، ملاحظة للمناسبة بين الحكم وموضوعه... على أنّ حمل ذلك النهي على التحريم لا قرينة عليه ولا إجماع بالفرض، لا سيما والنهي الوارد بلفظ التحذير لا بهيئة النهي ولا بمادّته.
الأمر الثالث
رأيت كلاماًً لصاحب الرسالة يلوّح به إلى المنع عن التذكارات التي تقع فيها المحرّمات بحجة أنه (لا يطاع الله من حيث يعصى) فدعاني ذلك إلى شرح هذه الكلمة مهذباً... لا يراد بهذه الكلمة أنّ الطاعة إذا وقع في أثنائها فعل محرّم مباين لها ـ وجوداً منفكّاً عنها خارجاً ـ تكون محرّمة، كما هو الحال في التذكارات المقترنة بالمحرمات، لأن هذا مما قام البرهان على فساده وإلا لبطلت أكثر العبادات ومع ذلك فالأدلة النقلية ـ مضافاً إلى حكم العقل به ـ كثيرة، ويكفي منها الخبر المتضمن لخروج الصادق (عليه السلام) في تشييع جنازة رجع بعض المشيعين عنه لمكان صراخ صارخة ولم يرجع هو (عليه السلام) بل قال لزرارة (امضِ بنا فلو أنّا إذا رأينا شيئاً من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم)(50).
بل يراد بهذه الكلمة الإعلام بأنّ المعصية الحقيقية لا تكون طاعة كصدقة الزانية من كسب فجورها وإدخالها بذلك السرور على مسلم.
وبهذه الكلمة على مثل هذا المعنى استشهد السجاد أو الصادق (عليهم السلام) في الخبر المروي عنه المتضمن لبطلان عمل الناسك السارق للرمان المتصدق بواحدة منه محتجاً بقوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)(51).
ويمكن أن يراد بها مع ذلك أنّ ما هو طاعة حقيقية يلزم أن لا يكون متحداً مع المعصية خارجاً بفعل يكون مجمع العنوانين، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وهذا المعنى وسابقه أجنبي عن التذكارات التي تقع فيها المحرمات بزعمه.
تمت في شهر ربيع الأول سنة 1345
في المطبعة العلوية: في النجف الأشرف
نموذج الصفحة الأولى من الطبعة الأولى للكتاب
هذه الرسالة المسماة (نصرة المظلوم) من آثار العالم الفاضل المؤتمن الشيخ حسن آل العلامه الشيخ إبراهيم مظفر (قدس سره)
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله وله الحمد على جزيل نواله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد فينا انا واقف موقف الاندهاش والخيرة أسوة كثير من أهل الدين لما وقع في الحرمين الشريفين وما والاهما من المنكرات بهدم المشاهد والمزارات وذلك في أول شهر المحرم من هذا العام حيث يقام التذكار الحسيني المحزن وكفى به جالبا للوجد القلبي ومثيراً للبكاء المقرح إذا انتهى إلى عدد من جريدة (الأوقاف العراقية) التي تصدر في البصرة وفي مفتتحها مقالة ينقل صاحبها عن رجل من فضلاء أهل العلم قطن البصرة منذ شهور يدعى (السيد مهدي) انه منع من تمثيل تلك الفادحة الكبرى والمصيبة العظمى ومن خروج مواكب الرجال يضربون صدورهم بأيديهم في الأزقة والجواد العمومية فقلت هذه المصيبة الثالثة وما هي بأهون من الأولين ثم توارت الكتب والرسل من البصرة إلى...
نموذج الصفحة الأخيرة من الطبعة الأولى للكتاب
إن حمل ذلك النهي على التحريم لا قرينة عليه ولا إجماع بالفرض سيما والنهي الوارد بلفظ التحذير لا بهيئة النهي ولا بمادته.....الثالث).
رأيت كلام لصاحب الرسالة يلوح به إلى المنع عن التذكارات التي تقع فيها المحرمات بحجه انه (لا يطاع الله من حيث يعصى) فدعاني ذلك إلى شرح هذه الكلمة مهذباً… لا يراد بهذه الكلمة إن الطاعة إذا وقع في أثنائها فعل محرم مباين لها وجوداً منفك عنها خارجا تكون محرمة كما هو الحال في التذكارات المقترنة بالمحرمات لان هذا مما قام البرهان على فساده وإلا لبطلت أكثر العبادات ومع ذلك فالأدلة النقلية مضافاً إلى حكم العقل به كثيرةً ويكفي منها الخبر المتضمن لخروج الصادق (عليه السلام) في تشييع جنازة رجع بعض المشيعين عنه لمكان صراخ سارخة ولم يرجع هو (عليه السلام) بل قال لزرارة (امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئاً من الباطل مع الحق تركنا له الحق لم نقض حق مسلم) ـ بل يراد بهذه الكلمة الأعلام بان المعصية الحقيقية لا تكون طاعة كصدقة الزانية من كسب فجورها وإدخالها بذلك السرور على مسلم. وبهذه الكلمة على مثل هذا المعنى استشهد السجاد أو الصادق (عليهم السلام) في الخبر المروي عنه المتضمن لبطلان عمل الناسك السارق للرمان المتصدق بواحدة منه محتجا بقوله تعالى (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها).
ويمكن أن يراد بها مع ذلك إن ما هو طاعة حقيقية يلزم أن لا يكون متحداً مع المعصية خارجا بفعل يكون مجمع العنوانين كالصلاة في الأرض المغصوبة وهذا المعنى وسابقه أجنبي عن التذكارات التي تقع فيها المحرمات بزعمه.
تمت في شهر ربيع الأول سنه 1345
في المطبعة العلويه: في النجف الأشرف


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page