• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقام الثاني / الشعائر الحسينيّة- الجهةُ السابعة : لبسُ السواد حُزناً على الحُسين (عليه السلام)

 

الجهةُ السابعة : لبسُ السواد حُزناً على الحُسين (عليه السلام)
بدايةً وردت روايات في باب لباس المصلّي ، مضمونها : أنّ لبس السواد هو لباس الأعداء ، ولباس أهل النار ، ولباس بني العبّاس ، وفتوى أكثر الفقهاء على كراهة لبس السواد خصوصاً في الصلاة .
وذهبَ بعض المحدّثين الإخباريين إلى الحرمة .
وقد ذكرنا في الفصل الأوّل : أنّ اتّخاذ الشعيرة يكفي فيه الحلّيّة بالمعنى الأعم ، فعلى افتراض كونه مكروهاً ؛ فإنّ ذلك لا يمنع من اتّخاذه شعيرة للحزن .
حيث إنّ الشعيرة الواردة في الأدلّة ليست حقيقة شرعيّة ، بل هي حقيقة عُرفيّة ، فيمكن استحداث واتّخاذ ممارسة مصاديق ورسوم جديدة ، هذا أوّلاً .
وثانياً : أنّ هذا السواد إنّما يكون مشمولاً للكراهة إذا اتُّخذ لباساً ، أمّا إذا اتُّخذ شعاراً لإظهار الحزن فهو غير مشمول لتلك الكراهة ، فمن ثَمّ ذهبَ ـ كما نقلنا في صدر البحث ـ صاحب الحدائق (1) ، والسيّد اليزدي (2) ، وعدّة من الفقهاء
إلى عدم كراهة لبس السواد حتّى في الصلاة إذا كان لأجل إظهار الشعائر .
(والمسألة محرّرة في كتاب الصلاة) .
فالروايات الناهية عن لبس السواد ليست متعرّضة لاتخاذه كشعار ، ولأجل إظهار الأسى والحزن ، نظير ألبِسة بعض الحِرف والمِهن ، أو المؤسّسات والدوائر ، فإنّ الهيئة الموحّدة في اللباس لديهم ليست زيّاً لباسيّاً في الحياة المعتادة ، بل الهيئة الموحّدة من اللون أو الشكل ، هي شعار يرمز إلى العمل الموحّد والانتساب المعيّن ، ومن ثَمّ أفتى جمهرة أعلام العصر بجواز لبس الأشخاص الذين يقومون بالشبيه (المسرحيّة لحادثة الطف) زيّ الجنس الآخر ، وإنّ ذلك  لا يندرج في عموم حرمة تشبّه الرجال بالنساء أو العكس ، ولا يندرج في حرمة لبس الرجال للباس النساء ؛ وذلك لظهور المتعلّق في حكم الحرمة لمَا يُتّخذ لبساً في الحياة العاديّة المعيشيّة .
وثالثاً : المتتبّع للسيرة يقرأ أنّ الأئمّة (عليهم السلام) وأتباعهم ، ارتَدَوا ولبسوا السواد من أجل إظهار الحزن والتفجّع ، وذلك في موارد :
1- منها ما في شرح ابن أبي الحديد : أنّ الحسنين (عليهما السلام) لَبسا السواد على أبيهما في الكوفة بعد شهادته (3) .
2- ومنها ما في كتاب المحاسن للبرقي (4) : أنّ الفاطميّات والعقائل ـ بعد رجوعهنّ من كربلاء إلى المدينة ـ لبسنَ السواد والمَسوح ، وكان زين العابدين (عليه السلام) يطبخ لهم .
فذَكر فيه أنّ زين العابدين كان يطبخ ويُطعم النساء ؛ لأنّهنّ شُغلنَ بإقامة المأتم على الحسين (عليه السلام) ، ففيه نوع من تقرير المعصوم (عليه السلام) للبس السواد والمسوح .
3- ومنها ما في كتاب إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس (5) ، في فضيلة يوم الغدير ، حيث ورد فيه : وهو يوم تنفيس الكرب ، ويوم لبس الثياب ، ونزع السواد .
4- ومنها ما في مستدرك الوسائل (6) بسنده عن أبي ظبيان قال : (خرجَ علينا عليّ (عليه السلام) ، في إزار أصفر وخميصة (7) سوداء) .
وسنذكر بعد قليل المزيد من الأدلّة المنقولة على ذلك .
ورابعاً : أنّ بني العبّاس اتّخذوا السواد شعاراً لهم بادئ الأمر ؛ من أجل إظهار حزنهم على الحسين (عليه السلام) ، وجعلوه ذريعة للانقضاض على بني أميّة ، ممّا يدلّ على أنّ لبس السواد كان متّخذاً لإظهار الحزن والتفجّع عند العرف الاجتماعي آنذاك ، وهو زمان حضور الأئمّة (عليهم السلام) ، وهذه الظاهرة يمكن التحقّق منها تاريخيّاً ، وإنّ بني العبّاس اتّخذوا السواد شعاراً لهم ذريعةً وحيلةً في أنّه حُزنٌ على مصاب سيّد الشهداء (عليه السلام) ، وإنّهم قاموا بعنوان الثأر لسيّد الشهداء ، وهو شعار الرضا من آل محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ولكن استغلّوا ذلك للتسلّط على رقاب المؤمنين والمسلمين .
إذاً ، تتعاضد هذه الوجوه ، وتدفع الريبة في الكراهة ، وتؤيّد رجحان لبس السواد حُزناً لأجل مصاب أهل البيت (عليهم السلام) .
والآن نُقدّم ـ للقارئ الكريم ـ المزيد من الأدلّة والمؤيّدات على رجحان لبس السواد ؛ لإظهار الحزن والأسى على سادات وأئمّة الورى (عليهم السلام) :

بعضُ الأدلّة المنقولة في لبس السواد
1- لبسُ الحَسنان السواد على أبيهما بعد شهادته (عليه الس81) .
2- وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج : وكان قد خرج الحسن بن علي (عليه السلام) إليهم ـ إلى الناس بعد شهادة أبيه ـ وعليه ثياب سود (9) .
3- لبس نسُاء بني هاشم السواد والمسوح حُزناً على سيّد الشهداء (عليه السلام) ، كما ورد ذلك في كتاب المحاسن للبرقي ، بسنده عن عمر بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال : لمّا قُتل الحسين بن علي (عليه السلام) لبسنَ نساء بني هاشم السواد والمسوح ، وكنّ لا يشتكينَ من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يعمل لهنّ الطعام للمأتم) (10) ووجه الدلالة على الاستحباب وعلى رفع الكراهة : هو أنّ ذلك الفعل كان بإمضائه وتقرير الإمام المعصوم (عليه السلام) ، إضافةً لدلالة الخبر على أنّ لبس السواد هو من شعار الحزن والعزاء على المفقود العزيز الجليل من قديم الزمان
وسالف العصر والأوان ، وكما هو المرسوم اليوم في جميع نقاط العالَم (11) .
4- وفي إقبال الأعمال (12) نقلاً عن كتاب (النشر والطيّ) بإسناده عن الرضا (عليه السلام) ، أنّه قال ـ في حديث في فضيلة يوم الغدير ـ : (وهو يوم تنفيس الكرب ويوم لبس الثياب ونزع السواد) .
5- ومثلها رويَ في مستدرك الوسائل عن كتاب المحتضر للحسن بن سليمان الحلّي بإسناده عن أحمد بن إسحاق ، عن الإمام العسكري (عليه السلام) ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في فضيلة يوم التاسع من ربيع الأول ، وأساميه ـ إلى أن قال ـ قال (عليه السلام) : (ويوم نزع السواد) (13) .
6- ما جرى في الشام على قافلة سيّد الشهداء (عليه السلام) ، بعدما أذِن لهم يزيد بالرجوع وطلبوا منه النوح على الحسين (عليه السلام) : فلم تبقَ هاشميّة ولا قريشيّة إلاّ ولَبست السواد على الحسين وندبوه (14) .
7- سكينة بنت الحسين ترى الزهراء (عليها السلام) في المنام وهي تندب الحسين وعليها ثياب سود ، يذكر ذلك المحقّق النوري في المستدرك حيث تقول سكينة (عليها السلام) : (... فإذا بخمس نسوة قد عظّم الله خلقتهنّ ، وزاد في نورهنّ وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها ، وعليها ثياب سود ، وبيدها قميص مضمّخ بالدم
إلى أن ذكرت أنّها كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) (15) .
8- وفي مقتل أبي مخنف (16) ، عندما أخبر نعمان بن بشير بقتل الحسين (عليه السلام) ، فلم يبقَ في المدينة مخدّرة إلاّ وبرزت من خدرها ، ولبسوا السواد وصاروا يدعون بالويل والثبور .
9- وروى في الدعائم (17) عن جعفر بن محمد (عليه السلام) ، أنّه قال : (لا تلبس الحاد ـ المرأة في حِدادها على زوجها ـ ثياباً مصبّغة ولا تكتحل ولا تطيّب ولا تزيّن حتّى تنقضي عدّتها ، ولا بأس أن تلبس ثوباً مصبوغاً بسواد) ، وقد أفتى بمضمونه الشيخ في المبسوط (18) ، والمحقّق في الشرائع في حداد الزوجة وفي الإيضاح .
10- وروى الصفّار في بصائر الدرجات عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن عيسى بن عبد الله وثابت ، عن حنظلة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (خطبَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) يوماً بعد أن صلّى الفجر في المسجد وعليه قميصة سوداء) ، وذكرَ (عليه السلام) أنّه توفّي (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك اليوم (19) .
وفي سيرة ابن هشام (20) : كان على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قميصة سوداء حين اشتدّ به وجعه .
11- وروى الكليني (21) ،
والدعائم (22) بسنده عن سليمان بن راشد ، عن أبيه قال : رأيتُ عليّ بن الحسين (عليه السلام) وعليه درّاعة سوداء وطيلسان أزرق .
12- وفي عيون الأخبار وفنون الآثار لعماد الدين إدريس القريشي (23) عن أبي نعيم ، بإسناده عن أمّ سلمة رضوان الله عليها ، أنّها لمّا بلغها مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ضربت قبّة سوداء في مسجد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ولبست السواد .
13- وروى المجلسي في البحار (24) فيما جرى على أهل البيت (عليهم السلام) بعد واقعة كربلاء ، إلى أن قال (عليه السلام) :(ثُمّ قال الوصيف : يا سكينة ، اخفضي صوتكِ فقد أبكيتِ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) ، ثُمّ أخذَ الوصيف بيدي فأدخلني القصر ، فإذا بخمس نسوة قد عظّم الله تعإلى خلقتهنّ وزاد في نورهنّ ، وبينهنّ امرأة عظيمة الخلقة ناشرة شعرها وعليها ثياب سود ، بيدها قميص مضمّخ بالدم ، وإذا قامت يقمنَ معها ، وإذا جلست جَلسن معها ، فقلتُ للوصيف : ما هؤلاء النسوة اللاتي قد عظّم الله خلقتهنّ ؟
فقال : يا سكينة ، هذه حوّاء أمّ البشر ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه خديجة بنت خويلد ، وهذه هاجر ، وهذه سارة ، وهذه التي بيدها القميص المضمّخ ـ وإذا قامت يقمن معها وإذا جلست يجلسن معها ـ هي جدّتك فاطمة الزهراء عليها السلام) الحديث .
14- وروى الشيخ في الغَيبة بسنده إلى كامل بن إبراهيم ، أنّه دخلَ على أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) ، فنظرَ إلى ثياب بياض ناعمة ، قال : فقلتُ في نفسي :
وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله ؟
فقال (عليه السلام) متبسّماً : (يا كامل ، وحسرَ عن ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال : هذا لله وهذا لكم)(25) .
15- في كامل الزيارات ، بسنده : أنّ المَلَك الذي جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأخبره بقتل الحسين بن علي (عليه السلام) كان مَلَك البحار : وذلك أنّ مَلَكاً من ملائكة الفردوس نزلَ على البحر فنشر أجنحته عليها ثُمّ صاحَ صيحةً وقال : (يا أهل البحار ، ألبسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) مذبوح ...) (26) .

 



(1) الحدائق 7 : 118 . حيث قال فيها : (لا يبعد استثناء لبس السواد في مأتم الحسين (عليه السلام) ؛ لمَا استفاضت به الأخبار من الأمر بإظهار شعائر الأحزان .
(2) في أجوبة أسئلة حول الشعائر الحسينيّة ، الذي هو ملحق على تعليقته على رسالة الشيخ جعفر التستري ص 12 ، في لبس السواد .
(3)شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4 : 8 .
(4) المحاسن 2 : 402 ، باب الإطعام ؛ باب 25 .
(5) الإقبال : 464 .
(6)مستدرك الوسائل 3 : 234 ، باب 45 أبواب لباس المصلّي .
(7)ثوب خَز ، أو صوف مُعلَم .
(8)مجمعُ الدُرر في المسائل الاثنتي عشر ، شيخ عبد الله المامقاني .
(9) شرح نهج البلاغة 16 : 22 .
(10) المحاسن 2 : 402 ـ وقد دوّنت هذه الرواية في كتب : الكافي ، والبحار ، والوسائل نقلاً عن كتاب المحاسن .
(11)راجع كتاب (إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد) للسيّد جعفر الطباطبائي الحائري ، تعليق السيّد محمد رضا الحسيني الاعراجي الفحّام ص : 28 ـ هامش (2) .
(12)إقبال الأعمال : 464 .
(13)وفيه : (ويوم نزع الأسواد) . ـ وقد أدرجه المجلسي في بحاره نقلاً عن كتاب زوائد الفوائد للسيّد ابن طاووس ؛ مستدرك الوسائل 3 : 326 ـ 327 .
(14) مستدرك الوسائل 3 : 327 .
(15) مستدرك الوسائل 3 : 327 .
(16) صفحة 222 .
(17) 2 : 291 .
(18) 5 : 265 ـ 264 .
(19) بصائر الدرجات : 305 ـ 304 ؛ بحار الأنوار 22 : 464 .
(20) 4 : 316 .
(21) الكافي 6 : 449 .
22) 2 : 161 .
(23) صفحة 109 .
(24) 45 : 195 .
(25) وسائل الشيعة 3 : 351 ؛ بحار الأنوار 50 : 253 وج 52 : 50 .
(26) كامل الزيارات : 67 / ح 3 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 327 .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page