• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع (1)

 

 

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع(1)

 

   نوجز فيما يلي أهم عوامل الفهم التركيبي أو الإلتقاطي للتشيع ونتائجه ، في تسع مسائل ، وإن كانت كل واحدة منها تستحق كتاباً لتفصيلها.

المسألة الأولى

 النظرة الخاطئة الى التاريخ الإسلامي

   في مطلع هذا القرن كان تحدي الغربيين للإسلام والمسلمين كبيراً ، فقد أخذهم الغرور بثورتهم الصناعية وتقدمهم المادي ، ونشطوا لغزوا العالم ، وأخذوا يروجون لنظرية تفوق الإنسان الأوروبي ، بينما كان العالم الإسلامي غارقاً في الركود والتخلف ، تحت حكم الخلافة العثمانية ، والقاجارية...
   وبعد استفحال موجة الغزو الغربية ، جاءت موجة المد الشيوعي واليساري في أوائل هذا القرن أيضاً ، وكان تحديهم أكثر صراحة ووقاحة !

   وكان الرد الطبيعي من علماء المسلمين ومثقفيهم أن قالوا لهم: مهلاً أيها الغربيون والشرقيون ، لاتفخروا علينا فنحن أيضاً أبناء دين وحضارة وأمجاد !
   لقد استطاع نبينا(ع)وديننا العظيم أن يؤسس مداً حضارياً ، وينشئ دولة عالمية ، في مدة قياسية ، في حين كنتم أنتم غارقين في الركود والتخلف !
   نحن هزمنا كسرى وقيصر وفتحنا بلادهما ، وأقمنا دولاً حديثة وحضارة عالمية ، أسسنا فيها العلوم ، وعلمنا الشعوب ، ومن جملتهم أنتم !
   إنكم مدينون لنا في ثورتكم الصناعية وحضارتكم ، لأنا نحن الذين أسسنا العلوم الطبيعية فاستثمرتموها وطورتموها ، فنحن المؤسسون والأساتذة ، وأنتم التلامذة النابغون !
   أما العلوم الإنسانية فكنا وما زلنا معلمين فيها لكم ولغيركم ، لأن ما يوجد في الإسلام من مبادئ وقيم وشريعة سماوية عادلة فوق ما عندكم ، وما زالت مجتمعاتكم بجاجة اليه !
   كان هذا المنطق هو السائد عند المسلمين ، وفيه قدر من الصواب ، وفيه ردة فعل وتفاخر بـ(القومية الإسلامية) .

   وعندما نجح الغربيون في إسقاط الخلافة العثمانية سنة 1925م. بمساعدة الحركة الوهابية وحركة القومية العربية ، وسيطروا على البلاد التي كانت تحكمها ، وأقاموا فيها دولاً قومية عربية وغير عربية.. طفحت ثقافتهم التي تنتقد الدين والتاريخ الإسلامي ، وتأثر بها أبناء المسلمين ، فتعززت عند المتدينين مكانة ثقافة القومية الإسلامية .

   وكان أمثال السيد جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده ، والشاعر محمد إقبال لاهوري ، يمثلون فكر إنهاض الأمة ، في مقابل موجة الغزو الغربي وثقافته ، وعلى وَقْع صيحاتهم وأفكارهم تأسست الحركات والأحزاب الإسلامية في أندونيسيا ، ثم في مصر ثم في بقية البلاد ، وتبنت ثقافة التفاخر بأمجاد الإسلام وتاريخه وخلافته .


   كان من السهل عليك أن تلاحظ أيام الموجة الشيوعية في العراق وبعدها كتب الإفتخار بأمجاد الإسلام تملأ أسواق الكتب في النجف ، وتختار ما تريده من كتب جمال الدين الأفغاني ، وحسن البنا ، والمودودي ، ثم سيد قطب ، ومحمد قطب ، وظفر الدين خان..الى آخر قائمة المؤلفين الذين يجيبون على فكر الغربيين واليساريين ، ويتفاخرون بأمجاد الإسلام وتاريخه .
   كانت تلك الكتب مادة المتدينين لمناقشة الشيوعيين في العراق ، ومادة الخطيب في مساجد مصر ولبنان والهند ، ومادة مقدم البرنامج الديني في إذاعات الدول العربية التي تسمح بذلك .
   كانت أنشودتنا الفكرية هي النظرة السنِّية الىأمجاد تاريخ الاسلام في فتوحاته وحضارته وشمول دولته لكل آسيا وإفريقيا ، ووصولها الى فرنسا .

   هذه النظرة التي تكاد تعتبر أن كل ما حدث في تاريخنا كان صحيحاً بل معجزة ، وتقول إن الأمة ابتعدت عن ذلك الإسلام الصحيح فتسلط عليها أعداؤها وقوضوا كيانها السياسي المتمثل بالخلافة العثمانية ، وأن علينا إعادة دولة الخلافة مجدداً ، مع تحسينات تجعلها تتسع لجميع مذاهبه .

   لكن هذا الفكر إن صح جواباً على هجمة الثقافة الغربية والشيوعية ، فلا يصح أن يؤثر علينا نحن أتباع أهل البيت(ع)فنعطي الشرعية لمسار هذا التاريخ وأنظمته ، وننتقص من مقام أهل البيت الطاهرين(ع)بصفتهم أصحاب المشروع البديل لكل التاريخ الإسلامي ، وإن لم يطبق مشروعهم بعدُ .

   فلا بد لنا أن نركز أولاً على قضيتهم(ع)بصفتها البرنامج الرباني الذي تركته الأمة ، فتخبطت في ضياعها وصراعاتها وعانت منها ، أكثر مما نَعِمَتْ بما بقي فيها من زَخْم نبوي وهداية ، سلمت من شر برنامجها الأرضي !

   لذلك وجب علينا أن نتعامل بدقة مع مفردات الفتوحات والإنجازات المدنية والحضارية التي حققتها الأمة قبل أن تضعف وتنهار ، فننظر الى كل مفردة على حدة ، ونقيِّمها بميزان الإسلام من وجهة نظر أهل البيت(ع).

   مثلاً الدخول التاريخي للنعمان بن مقرن&على كسرى يزدجرد ، وكان اختاره علي(ع)وأشار على عمر أن يرسله اليه ، فدخل على كسرى باعتزاز ودعاه الى الإسلام أو الجزية !
   فهذا أمرٌ يعتز به المسلم، فإن من أمجاد الإسلام أنه جعل واحداً من شيوخ قبيلة مزينة الصحراوية كالنعمان ، يخاطب رئيس ثاني أمبراطورية في العالم بهذا الخطاب القوي الواثق ! ( تاريخ اليعقوبي:2/143).

   وقصةُ الحمامة التي عششت على خيمة للجيش الإسلامي الذي فتح مصر ، وعندما أرادوا أن يرحلوا أخذتهم الشفقة على فراخها أو بيضها فتركوا لها الخيمة أو الفسطاط ، فسميت المنطقة بفسطاط مصر !
   هذه القصة أيضاً من أمجاد الإسلام لأنها رمزٌ تحول إنساني أحدثه الإسلام في نفوس العرب الذين كان بعضهم يدفنون بناتهم وهن أحياء!(معجم البلدان:4/263)

   وحقيقةُ أن المسلمين كانوا أرحم الفاتحين ، حتى أن كثيراً من أهل البلاد المفتوحة  طلبوا منهم فتح بلادهم ، وإنقاذهم من استعمار الروم والفرس !
   هذه أيضاً من أمجاد الإسلام التي تخفف من الأخطاء ، والقتل ، والنهب ، التي ارتكبها المسلمون في عمليات الفتح .

 

   وعلى صعيد الحضارة ، والمدنية ، والقوة السياسية للدولة الإسلامية في القرون الثلاثة الأولى وفي العهد العثماني ، تكثر قائمة الإنجازات الإيجابية...


   لكن ذلك لايجيز لنا أن نغمض عيوننا عن السلبيات الكبرى في تاريخ الإسلام ، التي جرَّت الأمة الى أسوأ نتائج الضعف والإنهيار !
   ولو لم يكن منها إلا مواجهة الأمة لنبيها(ع)في حياته ، ورفضها التعهد له بتنفيذ كتابه الذي يؤمِّنُها من الضلال والإنحراف والإنهيار ، لكفى !

   ولو لم يكن منها إلا رفض الأمة منظومة الترتيب الإلهي للحكم بعد نبيها وإقصاؤها آل نبيها(ع)عن الحكم ، وجعلها الخلافة لقبائل قريش ، لمن غلب منهم بالسيف ، لكفى !

   ولو لم يكن منها إلا الحكم الديكتاتوري ومصادرة حريات الأمة ، وتشريع بيعة الحاكم بالتهديد بالسيف ، من يوم السقيفة الى يومنا هذا ، لكفى !


   أليس عجيباً أن نقول إن الإسلام أعطى الإنسان قيمته الإنسانية ، وضمن له حرياته المشروعة ، ثم نرى أنه بمجرد أن أغمض النبي(ع)عينيه صادروا حريات المسلمين في سقيفة قريش ، وسَنُّوا سُنَّة البيعة بالإجبار والتهديد بالقتل وحرق البيوت ! فلم نجد بعد ذلك اليوم في تاريخ الأمة حاكماً لم يجبر المسلمين على بيعته ، غير الإمامين علي والحسن(ع) !
   إن علينا عندما ننظر الى أمجاد الإسلام العظيمة ، أن ننظر الى ما يقابلها من جرائم عظيمة ، أدت الى تبخير كل ذلك الكيان ، وجعله حكايةً في خبر كان! 

   وعندما نتحدث عن أزهى عصور الإسلام وقوة دولته في عصر هارون الرشيد ، علينا أن نعرف أيَّ سفاح كان هذا الخليفة ، الذي رأى كرامات الإمام الكاظم(ع)ومعجزاته وشاهد آيات الله على يديه ، فازداد قلبه قسوة ولم يقنع بسجنه الطويل ، حتى قتله !

   أن نعرف أن هذا (الخليفة الرشيد) ظل يتلذذ بسفك الدماء وتقطيع الناس الى أشلاء الى آخر دقيقة من حياته كما يرويه محبوه وليس مبغضوه !
   قال الطبري في تاريخه:6/525: (عن ابن جامع المروزي عن أبيه قال: كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخ رافع ، قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه ، قال فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً، كما لم تفتني ! فقال له: يا أميرالمؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله ، أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ! فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لاتشحذ مداك ، أتركها على حالها! وفَصِّلْ هذا الفاسق وعجل لايحضرنَّ أجلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاءً ! فقال: عُدَّ أعضاءه ، فعُدَّت له أعضاؤه فإذا هي أربعة عشر عضواً ! فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه! ثم أغمي عليه وتفرق من حضره! ) . انتهى.


   ولم يكن الخلفاء العثمانيون أفضل من هذا الخليفة القصاب ، بل أسوأ !

   إن الذين حكموا الأمة من مخالفي أهل البيت(ع)مَثَلُهُمْ كقراصنة بحرٍ سَطَوْا على سفينة نبيٍّ ، فاعتقلوا ربانها ومعاونيه ، وأبحروا بالسفينة وأهلها وحاربوا لصوصاً آخرين في طريقهم ، وحققوا عليهم انتصارات .
   وفي المقابل اضطهدوا أهل السفينة وساموهم سوء العذاب ، واتخذوا بعضهم أعواناً ، ولم يوصلوا السفينة الى الساحل ، بل اختلفوا فيما بينهم وتقاتلوا ، فرسَوْا بها في جزيرة ، فاستلمها لصوص أجانب غنيمةً باردة !

   وخلاصة الأمر:  ما دمنا نؤمن بإمامة أهل البيت النبوي(ع)وظلامتهم العظيمة  ونقيِّمُ تاريخ الإسلام بميزان الإسلام ، فلا بد أن ننظر معاً الى الوجهين المضئ والمظلم ، فهذا الوجه المظلم هو الذي قوض الكيان الشكلي للإسلام ومكَّن الظلام الغربي من السيطرة !

   العلاقة بين المعصوم(ع)وغاصبي سلطته:

   من أبرز مصاديق الخلل في فهم تاريخ الإسلام ، الخطأ الذي يقع فيه بعض هؤلاء في فهم العلاقة بين الأئمة المعصومين(ع)وغاصبي سلطتهم .
   فمن الواضح أن الجدلية بين نبي صادق(ع)ومُدَّعٍ للنبوة ، أو بين إمامٍ مختارٍ من ربه(ع)وبين غاصبٍ لسلطته ، لايمكن أن تكون إلا جدلية النفي التام ! فالقيادة المعصومة والغاصبة ضدان يستحيل أن يجتمعا . ومهما بدا لنا من إمضاء المعصوم(ع)لوضعٍ من الأوضاع ، فلا بد أن يكون رحمةً بالأمة من أجل تقليل الضياع ، وتأخير الإنهيار ، وحفظ ما يمكن من المهدور ، وتصريف ما يجب تصريفه من الأمور .
   ومحالٌ أن يكون إعطاءَ روحٍ لميت ، أو منحَ شرعيةٍ لغاصب !

   وبهذا نعرف أن كل محاولات التقليل من هذه الجدلية لاتنسجم مع أسِّ أساس المذهب الذي هو بيعة الغدير ، وبقية نصوص النبي(ع)القاطعة على إمامة علي(ع)والعترة الطاهرة وعصمتهم(ع)، ولا مع موقف أمير المؤمنين والصديقة الزهراء وجميع الأئمة(ع)الذي يؤكد على أن كل ترتيب يزعمه أحد في قبال المعصوم فهو ردٌّ على الله تعالى ورسوله(ع)ومَعْلَمٌ من معالم الضلال البشري في مقابل الهدى الإلهي ، وخطُّ انحرافٍ في مقابل الصراط المستقيم .
   إن النبي(ع)والأئمة(ع)مهما أمرونا أن نسكت علىنظام حكم من غصبهم سلطانهم الرباني ، أو أن نتعاون معه في المشتركات ، فلم يجيزوا لنا أن نعطي نظامه حرفاً من الشرعية ، إلا ما جاز في خوف وتقية .

   نسبة الفتوحات الإسلامية الى الولاة لا إلى الأمة:

   يُهَوِّل علينا خصوم أهل البيت(ع)بأن أبا بكر وعمر وعثمان هم الذين قادوا الفتوحات الإسلامية ، وأن علياً(ع)انشغل عنها بالحروب الداخلية ،  حرب الجمل عائشة وطلحة والزبير ، وحرب صفين مع معاوية ، والنهروان مع الخوارج ، فقد أوقف حركة الفتوحات ، أو أنها كانت تمت قبل عهده .
   وهم يريدون بذلك إثبات فضيلة لخلفاء قريش ، توجب غض النظر عما ارتكبوه من غصب الخلافة ، وإقصاء أهل البيت(ع) !
   وقد أثر هذا التهويل على بعضهم لعدم اطلاعهم على دور أمير المؤمنين (ع)ودور الأمة في الفتوحات . ونكتفي هنا بذكر ملاحظات كلية حول ذلك :

   1 ـ لقد هيأ النبي(ع)المسلمين للفتوحات وأخبرهم من أول بعثته بأن الله تعالى وعده أن تفتح أمته بلاد كسرى وقيصر وتملك كنوزهما ، وكان ذلك معروفاً للجميع وكأنه من عقائد الإسلام وأحكامه .
   ففي مجمع الزوائد:9/103:  (عن عفيف الكندي قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت مكة فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبايع منه بعض التجارة وكان امرأ تاجراً قال: فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه إذ نظر إلى السماء فلما رآها مالت قام يصلي ، ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج ذلك الرجل منه فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين ناهز الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي . قال فقلت للعباس يا عباس: ما هذا ؟ قال: هذا محمد بن أخي بن عبد الله بن عبد المطلب . قال قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة ابنة خويلد . قال: فقلت من هذا الفتى؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمه . قال قلت: فما هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي ، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى ، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر !!
   قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس يقول وأسلم بعد فحسن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانياً مع على بن أبي طالب !! رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والطبراني بأسانيد ، ورجال أحمد ثقات.).انتهى.

   وفي الكافي:8/216: عن الإمام الصادق(ع)قال: (لما حفر رسول الله(ع) الخندق مروا بكدية (وصلوا الى صخرة صلبة) ، فتناول رسول الله(ع)المعول من يد أمير المؤمنين(ع)فضرب بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول الله(ع): لقد فتح عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج يتخلى) !
   ونسب ابن هشام في سيرته:2/365 و:3/706 ، هذا القول الى مُعتَّب بن قشير الأنصاري . والمهم إثبات أن الوعد الإلهي بالفتوحات كان معروفاً للجميع ، وأن الأمة كانت متحفزة لذلك ، ومعتقدة أن فتح بلاد فارس والروم وعدٌ من الله الذي لايخلف الميعاده ، وأن أي حاكم يتولى السلطة بعد النبي (ع)كان محكوماً لهذه العقيدة ، مجبوراً على أن يوجه الأمة وجهتها النبوية .

   2- أن خلافة أبي بكر كانت نحو سنتين ، ولم يكن فيها إلا مقدمات الفتوحات , أما في خلافة عمر فكان علي(ع)هو المدبر الحقيقي للفتوحات ، وكان تلاميذه الفرسان عمدة قادتها الميدانيين ، مثل عمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن عمرو ، وحجر بن عدي ، ومالك الأشتر ، وهاشم المرقال ، وعبادة بن الصامت ، وخالد بن سعيد بن العاص وإخوته أبان وعمرو ، وبريدة الأسلمي ، وبلال بن رباح ، وعبدالله بن خليفة البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وبديل بن ورقاء الخزاعي والنعمان بن مقرن.. وغيرهم من الفرسان الذين كانوا من شيعة علي(ع) ، والذين قامت على أكتافهم حروب الفتوحات .

   ويكفي أن نعرف أن المسلمين هزموا في أول معركة لهم مع الفرس قرب الكوفة ، وهي التي تسمى (يوم القادسية ، ويوم الجسر ، وقيس الناطف) حتى طمع الفرس في غزو المدينة ، وأعدوا جيشاً ذا عدد ، فخاف عمر واستشار الصحابة ، فثبته أمير المؤمنين(ع)وطمأنه بالنصر ، وأشار عليه أن يقيم في المدينة ويرسل مدداً للمسلمين ، واختار لمددهم عدداً من القادة الفرسان .
   ومن المعروف عن عمر أنه كان خوافاً ولم يكن يوماً فارس حرب ، وقد شهد بأن أبا بكر وصفه بالجبن والخور !  ففي كنز العمال: 6/527: ( عن عمر قال: لما قبض رسول الله ارتد من ارتد من العرب وقالوا: نصلي ولانزكي فأتيت أبا بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش ، فقال: رجوت نصرك وجئتنى بخذلانك ! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ! ماذا عسيت أن أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟! هيهات هيهات مضى النبي وانقطع الوحي!! والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً ، قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم مني ، وأدب الناس على أمور هانت عليَّ كثير من مؤنتهم حين وليتهم ).

   وبعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر العراق والبصرة والأهواز ، أوقف عمر الفتوحات ! قال الطبري:3/176: (قال عمر حسبنا لأهل البصرة سوادهم والأهواز ، وددت أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولانصل إليهم ! كما قال لأهل الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من نار لايصلون إلينا منه ولا نصل إليهم ! ) .
   وفي الطبري:3/246: (عن أبي الجنوب اليشكري عن علي بن أبي طالب قال: لما قدم على عمر فتح خراسان قال لوددت أن بيننا وبينها بحراً من نار ، فقال علي وما يشتد عليك من فتحها ، فإن ذلك لموضع سرور !) .

   والأمر في فتح الشام كفتح العراق ، وهما أساس كل الفتوحات الإسلامية ، فيكفي أن نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي(ع)مثل حذيفة ، وحجر بن عدي ، وخالد بن سعيد بن العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة فتوحات الشام ، فخالف عمر وأصرَّ عمر على عزله لأنه من شيعة علي ، لكنه ذهب قائدأ ميدانياً ، وهاشم المرقال الذي كان قائد الرجالة ، ومالك الأشتر ، الذي غير الميزان لمصلحة المسلمين في معركة اليرموك وهي أهم معارك المسلمين مع الروم عندما برز الى قائد الروم وبطلهم (ماهان) فقتله !
   قال ابن الأعثم في كتابه الفتوح ص230:
   ( ثم سار ماهان من أرض حمص في مائة ألف فارس ، حتى نزل اليرموك وهو نهر من أنهار بلد الأردن ، فلما استقر به الموضع إذا قناطر قد أقبل في مائة ألف فارس حتى نزل به مع ماهان ، قال: وإذا بطريق من بطارقة الروم يقال له جرجيس قد أقبل من عند ملك الروم مدداً لماهان في مائة ألف فارس ، قال : فصار ماهان في أربعمائة ألف فارس ) .
   وقال في ص268: (وبرز ماهان فخرج إليه رجل من دوس فقتله ماهان ، وخرج إليه ثان فقتله ! وجال ماهان وقوي قلبه ودعا بالبراز فسارع المسلمون إليه وكل يقول: اللهم اجعل قتله على يدي ، فكان أول من برز إليه مالك النخعي ثم جاوله في ميدان الحرب ، فقال له ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال: لا ، أنا مالك النخعي صاحب رسول الله(ع)، فحمل على مالك وضربه بعموده على بيضته فغاصت البيضة في جبهته فشترت عينه ، فمن ذلك اليوم سمي (الأشتر) وكان من فرسان العرب المذكورة ، فصبر نفسه وحمل على ماهان والدم يسيل من جبهته ! وأخذته أصوات المسلمين فقوى عزمه . قال مالك: فاستعنت عليه بالله عز وجل وصليت على محمد(ع) وضربته ضربة عظيمة فقطع سيفي فيه قطعاً غير موهن ، فلما حس بحرارة الضربة ولى منهزماً ، فصاح خالد بالمسلمين: يا أهل الصبر والبأس إحملوا على القوم ما داموا في دهشتهم...الخ.). انتهى.

   ولامجال لتفصيل دور علي(ع)وتلاميذه في الفتوح ، وهو يحتاج الى دراسة جادة تكشف الواقع ، وتنفي عنه تزييف رواة  السلطة القرشية .

   قال(ع)شاكياً قريشاً:
   ( اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم أضمروا لرسولك (ع)ضروباً من الشر والغدر فعجزوا عنها ، وحِلْتَ بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ . اللهم احفظ حسناً وحسيناً ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد .
   وقال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو كان رسول الله(ع)ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه ؟ أمرها ؟
   قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلتُ ! إن العرب كرهت أمر محمد(ع) وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته !
   ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلماً إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكراً !
    ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثْرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً ، وقالت: لولا إنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن ممن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف !!
   وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول الله(ع)لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل للحرمان والجفوة !!
   اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة ، ولا علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام بحدودك والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضي على منهاج نبيك(ع) ، وإرشاد الضال إلى أنوار هدايتك).(شرح النهج:20/298).

   3- حتى لو سلمنا أن لسلطة الخلافة القرشية وخلفائها دوراً في الفتوحات،
فإن ذلك لايغير من الأمر شيئاً ، ولا يعطي شرعية لحكم خالف النص النبوي والأمر الإلهي وقام على أساس العصبة القبلية وأن قبائل استكثرت على بني هاشم النبوة والخلافة ، فقررت أن تأخذ منهم الخلافة وتجعلها في قبائلها !! وقد صرح بمعنى ذلك عمر بن الخطاب! ولا مجال للتفصيل .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page