• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع (2)

 

 

مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع (2)


المسألة الثانية

الفهم الخاطئ للوحدة الإسلامية

   وحدة الأمة فريضة شرعية على جميع المسلمين ، ومطلب لجميعهم ، لكنها مع ذلك حلمٌ بعيد المنال !
   والسبب هو السياسة التي فرقت وما زالت تفرق الأمة ! 
   وأهم مشاريع الوحدة ثلاثة:

   1- الوحدة بالإجبار على مذهب الخليفة وطاعته:

   وهي تعني سيطرة خليفة أو حاكم على الأمة وفرض مذهبه وأفكاره عليها بالقوة ، ومصادرة حريات المعارضين الثقافية والمذهبية والسياسية .
 وهي التي طبقها أبو بكر وعمر وعثمان بعد النبي(ع)وكذلك بنو أمية وبنو العباس ، ثم طبقتها الدول المنشقة عنهم كدولة الأدارسة في المغرب ، ودولة الأمويين في الأندلس ، ثم الدول الوارثة لهم كدولة المماليك في مصر ، وأخيراً دولة الخلافة العثمانية .
   وهي الوحدة التي يتبناها أصحاب مشروع الخلافة الإسلامية في عصرنا ، كحزب الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي ، وكل الحركات التي تدعو الى إعادة  أمجاد الإسلام والخلافة .
   ونحن بصفتنا أتباع مذهب أهل البيت(ع)وفقهه ، لانستطيع أن نعتبر دول الخلافة دولاً شرعية ، ولا إسلامية بالمعنى الحقوقي ، لأن الحكم فيها قام على الغلبة والقهر ، وليس على دستور ونظام حكم محدد الأجهزة والآليات ! ولأنها صادرت الحريات الشرعية لفئات واسعة من الأمة ، إن لم يكن لجميعها ،  وهما أمران يحتاجان الى بحث مستقل .
   ونستثني دولة أمير المؤمنين علي(ع)لأنه الحاكم الوحيد الذي قام حكمه على البيعة بالإختيار ، ولم يجبر أحداً على بيعته أو القتال معه ، وأعاد الى المسلمين حريتهم في التعبير والعمل معه أو ضده !
   إن نقطتي الضعف هاتين(الحكم بالغلبة، ومصادرة الحريات) هما السبب في انهيار الدول التي قامت في تاريخنا الإسلامي ، رغم أنها كانت تملك أفضل الظروف ، وأقوى عوامل الثبات والإستمرار !
   فقد كانت النتيحة الطبيعية للنظام القرشي الذي ولدته السقيفة وقمعت لأجله الأنصار وأهل البيت(ع)، أن يتسلط بنو أمية ، وأن يسببوا في الأمة ردة فعل فيتسلط بنو العباس ، ثم تتسلط عسكرتاريا المماليك والأتراك ، ثم تدفن الخلافة العثمانية بيد الغربيين في استانبول ، وبمساعدة حركات (التحرر) العربية ، والحركة الوهابية السلفية !

   2- الوحدة التلفيقية بين المذاهب:

   يتصور البعض أن بالإمكان توحيد المسلمين مذهبياً بالإتفاق على المشتركات في العقائد والفقه ، وحل المسائل الخلافية بحلول وسط .
   ويكثر هذا التصور في المثقفين على الطريقة الغربية ، الذين لايعني لهم الدين شيئاً كثيراً ، فضلاً عن الفروقات بين مذاهبه! كما يوجد في مناطق تعايش السنة والشيعة ، فيقول بعضهم: أنا مسلم وكفى ، نريد إسلاماً بلا مذاهب !
   والإشكال عليه أنه مشروع نظري غير قابل للحياة ، فليس له ضابطة تعيِّن المشتركات ، ولا مَن سيختارون المذهب الملفق من المذاهب ؟! 
  ولو فرضنا أنه تحقق في صيغة من الصيغ ، وصار للمذهب (المنتخب) قوانين حكومية ، فسيكون سبباًً لخلافات جديدة بين الناس !
   قد يقال: نعم ، ولهذا يستدل العلمانيون على ضرورة القوانين العلمانية ، بأن المسلمين مختلفون على المذهب الذي يجب تطبيقه ، فالأفضل أن تكون القوانين مدنية حتى لا نقع في مشكلة الصراع المذهبي .
   والجواب: أن الحل الإسلامي للقوانين لاينحصر بفرض مذهب بالغلبة والقهر ، أو مذهب تلفيقي ! بل يكون بإعطاء الحرية المذهبية للمسلمين .
   وثانياً ، أن النظام العلماني نفسه ليس إلا شكلاً غربياً لنظام القهر والغلبة ! فهو لايحل مشكلة الدستور والقوانين ، بل يلجأ الى الحكم العسكري  لخوفه من الإنتخابات الحرة !
   وثالثاً ، أن النظام العلماني ليس حلاً لمشكلة المذهبية ، بل هو إحداث قول ثالث ومذهب إضافي تعارضه أكثرية المسلمين من مختلف المذاهب !

   3- الوحدة السياسية مع حفظ الحريات الإقليمية والمذهبية:

   وهو الأكثر ملاءمة للإسلام وروح العصر ، لأنه لايقوم على القهر والغلبة ، بل يعطي الحرية المذهبية للمسلمين ، ويركز على وحدتهم في حفظ مصالحهم العليا كشؤون الدفاع ، والتنمية ، والحفاظ على الثقافة الإسلامية .
  وهذه الوحدة التي دعا اليها أهل البيت(ع)بعد أن خسرت الأمة وحدتها الطبيعية بوفاة النبي(ع)ودخلت تحت وحدة الإجبار على مذهب الخليفة!

   مقولة إخفاء المذهب من أجل الحفاظ على الوحدة !

   كنا في الستينات نفكر أنَّنا كأصحاب مشروع نهضوي بالأمة ، لابد أن نحرص على وحدتها ، ونغض النظر عن مذهبنا، ونخاطبها إسلامياً لامذهبياً !
   وبما أن أئمتنا(ع)أئمة لكل الأمة ، فعلينا أن نقدمهم بصفتهم قادة عملوا لإغناء المسار الإسلامي وتصحيحه . لكنه تصور خاطئ للأسباب التالية:

   1- أن مخاطبة الأمة بالإسلام بدون مذهب أو بإخفائه ، قد يصح من شخص يحتاج الى إخفاء مذهبه مثل السيد جمال الدين الأفغاني ، لأن إظهار مذهبه يضر بهدفه الذي نذر له حياته ، وهو المحافظة على الأمة من الغزو الغربي ، والعمل لتقوية قيادتها المتمثلة بالخلافة العثمانية .
   أما الحركة التي تنطلق من علماء في الحوزة العلمية في النجف ، وتعمل في وسط شيعي ، وأحياناً نادرة في وسط سني ، فلا يمكنها أن تواصل مخاطبتها للأمة بدون مذهب إلا مدة قصيرة ! لأن مذهبها معروف من سلوك أفرادها ، وسوف ينظر أتباع المذاهب الأخرى بريبة الى أسلوبهم في إخفاء مذهبهم ، ويطلبون منهم تحديد موقفهم من المذاهب .
   وهذا ما حدث بالفعل، فقد تم تصنيف الحركات الإسلامية المرتبطة بعلماء الشيعة الى حركات مذهبية ، سواء من الحكومات أو الجمهور السني ، وصار ذلك لازمةً لها لاتنفك عنها ، ولم ينفعها ابتعادها عن إعلان مذهبها ، ولا تحاشيها الخطاب المذهبي في ثقافتها !

   2- أن من أقوى عوامل نجاح الوحدة بين المسلمين ، صدق الداعية الى الوحدة في طرحه وممارسته ، فداعية الوحدة سيكون أقدر على تحقيق هدفه إذا أظهر مذهبه الذي يعتقد به، فقال أنا شيعي أتبع مذهب أهل البيت(ع) ، أو أنا سني أتبع المذهب الشافعي ، ومع ذلك أدعو وأعمل لوحدة المسلمين وتآخيهم ، للنهوض بواقعهم الى واقع أفضل .
   فهذا الصدق في الشخصية ، شخصاً أو حركة ، أدْعَى الى ثقة الموافق والمخالف ، بينما إخفاء المذهب أو تعويمه ، يعني وجود ظلال مبهمة تؤثر سلبياً على الثقة ، وقد يخطر في بال الذين يدعوهم الى الوحدة والتعاون ، أن هذا لو كان مخلصاً لمذهبه لأظهره ، وحيث لم يظهره ولم يكن صادقاً مع مذهبه ، فكيف يكون صادقاً في دعوته لوحدة المسلمين؟!

   3- إن القول بأن أئمتنا(ع)أئمةٌ لكل المسلمين ، وأنهم حملوا همَّ الإسلام والأمة كلها ، مَنْ وافقهم ومن خالفهم ، وعملوا لمصلحة الجميع ، وأنا يجب أن نقدمهم الى جميع الأمة والى العالم بأحسن أسلوب..
   هذا كله صحيحٌ ، لكنه لايجيز لنا بحال أن ننسب الى هؤلاء المعصومين الطاهرين المطهرين(ع)أنهم أقروا مسار الأمة المنحرف ، أو نحمِّلهم شيئاً من أوزار أنظمتها وجرائم طغاتها في صراعهم على السلطة وأنهار الدماء التي أجروها من ملايين المسلمين المخالفين لهم !

   وكيف يجوز لنا أن نحمِّل المعصومين الأطهار(ع)الذين دفعوا حياتهم ثمناً لمعارضة حكام الجور، شيئاً من أوزار الإنحرافات الخطيرة عن الإسلام ، التي سببت أسوأ الكوارث في الأمة ، حتى أدت الى انهيار كيانها بالكامل وتسليط الغربيين على شؤونها ومقدراتها ؟!

   البحث العلمي المذهبي لاينافي الوحدة الإسلامية:

   كان المهم عند أساتذتنا بعد الموجة الشيوعية: العمل للإسلام كما يفهمونه  فقد اعتبروا ذلك فريضةً متفقاً عليها ، وأصدروا حكمهم على الذين لايرونها فريضةً بأنهم موالون للسلطة ، أو خائفون لايملكون الشجاعة !
   ومع أنهم لم يبحثوا المسألة بحثاً فقهياً في موقف الأئمة(ع)ورواياتهم الشريفة في الخروج على الحاكم ، وفتاوى الفقهاء ! 
   مع ذلك كانت الأولوية المطلقة عندهم لعمل التوعية على هذا الخط فقط .

   ولهذا السبب ، كانت نظرتهم الى البحث العلمي المذهبي سلبية ، لأنه في تصورهم إشغالٌ للأمة ببعضها ، ناتجٌ عن عدم الوعي، أو عن تحريك أعداء الإسلام ، وأنَّ واجبنا الإبتعاد عنها ، ونُصح أصحابها ، وأحياناً مقاومتها !
   هكذا وبكل بساطة ، شطب هؤلاء المحترمون على كل فعاليات البحوث العلمية لبيان التشيع ، ورد الحملات الظالمة عليه ! وكأن مقاومة أعداء الأمة والعمل لإقامة حياتها على أساس الاسلام ، يستلزم سكوتنا عن الطعن في مذهب أهل البيت(ع)، ويتنافى مع الدفاع عنه  وبيان جواهره للأمة والعالم !
   وبذلك وجَّهونا ولو عن غير قصد ، الى مقاومة دفاعات علماء الشيعة وكتَّابهم عن التشيع ، بحجة أنها أعمال مذهبية ، تضر بمسيرة الأمة نحو وحدتها ومقاومة أعدائها !
   كانت خسارتنا كبيرة طوال انشغالنا عن الدفاع عن مذهب أهل البيت الطاهرين(ع) ، ولم تقتصر على خسارتنا لثقافتنا المذهبية اللازمة ، بل تحولنا عن غير قصد الى عامل يعضد تلك الحملات الضارية ، التي يشنها النواصب والأجانب على مذهب أهل البيت(ع)وأتباعه ، بمن فيهم نحن !!

   نضحي بوحدة الطائفة ولا نربح وحدة الأمة:
   من مفارقات أصحاب هذا الإتجاه أنهم مشغوفون بالوحدة الإسلامية ، يلهجون بها دائماً ويعملون لها ، ويرقبون أي عمل قد يثير أحداً من أبناء المذاهب فيقفون ضده .
   حسناً جزاكم الله خيراً ، فأنتم كمن يعمل للحفاظ على وحدة أهل حيِّه الذي يسكن فيه ، لكن هل يصح له أن يخرب وحدة بيته ؟!
   ما بالكم لاتراعون جمهور الشيعة وعلماءهم ومراجعهم الذين يخالفونكم بمقدار ما تراعون فلان السلفي ، أو فلان الحنفي؟ أليس الدار قبل الجار ؟!
المسألة الثالثة

تعويم الإجتهاد، وتعويم المرجعية
   كان الإجتهاد عند السنيين محصوراً بالمذاهب الأربعة ، وإذا فتح بابه فإنما يفتح لكبير علماء الأزهر ، ويتقيد الشعب المصري برأيه وأكثر العالم السني .
   أما بعد ضرب مكانة الأزهر ، فقد تعوَّم مركز الفتوى ، ودخل فيه من هبَّ ودب ، ممن يرغب أن يكون مفتياً له أتباع !
   أرادت السلطة المصرية والغربيون ، أن يستبدلوا مركزية الأزهر الدينية الخطيرة برمز ديني تعينه السلطة ! ولم يحسبوا حساب المخزون الديني في الأمة ، وأن جذور الأزهر ستنبت في كل بلد أزهر جديداً ، ومفتين جدداً !
   لقد ضربوا مركز الفتوى الطبيعي ومكانة العلماء الطبيعية عند المسلمين ، لكنهم زرعوا بذور عشرات المراكز ، فأنبتت مئات القيادات الدينية ، وأكثرهم جهلاء ، يفتون في كل أمور الدين ، بلا تخصص في علومه ، ولا قواعد في فهم نصوصه ، ولا ضوابط للإجتهاد !
   إن ماحدث في مصر تعويمٌ فوضويٌّ لمرجعية الدين أغرق الموازين وطفح بسببه جيل من (المجتهدين) كل بضاعة الواحد ظنونه واستحساناته، وقدرته على إقناع بعض الناس بأن يقلدوه ويعملوا بفتاواه ، وربما بأوامره العسكرية !

   لقد ملأ التعويم المصري للإجتهاد أسواق الأمة وأذهانها بظنون المفتين الجدد وتخيلاتهم ، وصار معنى طلب العلم طلب الظن، وطلب الإحتمال !
   ومصر هي مصر ! التي كانت وما زالت مؤثرة على كل العالم الإسلامي ، حتى على خصومها الوهابيين، وعلينا نحن الشيعة رغم خصوصيتنا المذهبية!

   فمن طريف ما نلاحظه أن علماء المذهب الوهابي الذين هم مقلدون تقليداً حنبلياً لابن تيمية ، والشيخ محمد عبد الوهاب ، قلدوا المصريين في تعويم الإجتهاد في الدين فأباحوه حتى لعوامهم ! فهذه هيئة علمائهم تعطي إجازة اجتهاد لمعلمة عادية ، تسألهم:
سؤال:أنا مدرسة دين متخرجة من الكلية المتوسطة قسم دراسات إسلامية، وقد اطلعت على مجموعة من الكتب الفقهية ، فما هو الحكم حين أسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن على حسب معرفتي، أي عن طريق القياس والإجتهاد دون التدخل في أحكام الحرام والحلال ؟
جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد: عليك مراجعة الكتب والإجتهاد ، ثم الإجابة بما غلب على ظنك أنه الصواب ولاحرج عليك في ذلك ! أما إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب فقولي لاأدري ، وعديهن بالبحث ثم أجيبيهن بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم للاهتداء إلى الصواب حسب الأدلة الشرعية . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
(التوقيع: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء . عضو: عبدالله بن قعود ، عضو: عبدالله بن غديان. نائب الرئيس: عبد الرزاق عفيفي ، الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن باز - كتاب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء في المملكة العربية السعودية، مجلد:5/ 48 ـ 49 ، فتوى رقم 4798) .

أما السؤال الثالث من الفتوى رقم 4400 ، فهو من طالب مبتدئ يسألهم: هل أن من لم يحفظ ستة آلاف حديث فلايحل له أن يقول لأحد هذا حلال وهذا حرام ، فليتوضأ وليصل صلاته فقط .
أجابته هيئة علماء الوهابية: كل من تعلم مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية بدليلها ووثق من نفسه فيها ، فعليه إبلاغها وبيانها عند الحاجة ، ولو لم يكن حافظاً للعدد المذكور في السؤال . ( نفس المصدر ونفس التواقيع ) .
   وبهذه الفتاوى تضع يدك على السبب في انشقاقات الوهابيين وكثرة فرقهم حتى زادت على الثلاثين ، وعلى سر تكفيرهم لبعضهم ! وماذا ينتظر الذين يفتحون باب الإجتهاد للحفاة ، ويقولون بحجية الظنون والإستحسانات !

~        ~

   كما نلاحظ أنا نحن الشيعة لم نسلم من داء تعويم الإجتهاد المصري ! فقد سرى فينا ، ونشأت ناشئة من متعلمينا ومن صغار طلبة علوم الدين يكتبون في عقائد الإسلام وشريعته ، ويفتون فيها كما يفتي كبار الفقهاء !!

   أذكر أنني قرأت يوماً قبل نحو ثلاثين سنة ، الرواية التالية في علل الشرائع للصدوق+:1/241 ، قال: (حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم على بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: أريد أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي(ع)أهو ولي الله ؟ قال: نعم ، قال أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم . قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟! فقال له أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لايخاطب الناس بشهادة العيان ولايشافههم بالكلام ، ولكنه عز وجل بعث اليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث اليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه، فجعل الله تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،  فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون . ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم .
   ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك ، فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن والإختبار، ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن لهم(ع)إلهاً هوخالقهم ومدبرهم فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحـد بما أتت بـه الأنبياء والرسل ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة .
   قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ماذكر لنا يوم أمس من عند نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن ابراهيم، لأن يلقى بي من شاهق أو أَخِرَّ من السماء فتخطفني الطير ، أو تهوي بى الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه ) . انتهى .


   قرأت هذه الرواية الشريفة وتأملت فيها ، لأنها تعني أن غالبيتنا المطلقة نحن الكتاب الإسلاميين والدعاة المحترمين ، عندما نحلل عقائد الإسلام وأحكامه ونصدر فيها أحكامنا ، نفعل بأنفسنا أكثر من إلقائها من شاهق !!
   نقول يريد الإسلام هذا الأمر ، ولا يريد ذاك ، ويقصد كذا ولا يقصد كذا ، بغير علم إلا اتباع الظن والإستحسان ، وتقليد الكتَّاب المصريين !!

   رواية الصدوق صحيحة ، ومنطقها قوي ، ووقعها على المثقفين أثقل من الجبال ! والسبب أنهم تعودوا أن يكتبوا في مسائل الدين بآرائهم ، فهم أبناء الإجتهاد المصري ومدرسته الإخوانية، وأبناء عصر الإنسان الغربي الذي أعطى لنفسه الحق في تحليل الدين ، بل في اختراع دين ودعوة الناس إليه !

   لا أريد بذلك إلغاء دور العقل في فهم الدين وتحليله ، لكني أريد (عقلنة) دور العقل، والوقوف به عند مدركاته القطعية فهي فقط الحجة الشرعية ! 
   أريد من أتباع الإجتهاد المصري أن يريحوا الإسلام والمسلمين من ظنونهم واستحساناتهم ، ويعترفوا بأن الإسلام العزيز عليهم ، قد احترم نفسه بقدر مبدأ أرضي عادي ، حيث لايعطي لكل أحد الحق في فهم نصوصه وتقديمها الى الناس باسمه ؟!
   فما بالهم هوَّنوا الإسلام وجعلوا تفسيره مشاعاً لكل أحد ، بلا ضوابط ، ولا شروط ، لا في التفسير ، ولا في المفسِّر ؟!!
   إن من الفروق الأساسية بيننا وبين المذاهب السنية أن الاجتهاد الفقهي عندنا يبحث عن العلم و(الحجة القطعية) من الكتاب أو السنة أو العقل ، إما على الحكم الشرعي مباشرة ، أوعلى ما يجب عمله عند الشك في الحكم ، فالفقيه دائماً طالب علم وحجة قطعية ، وليس طالب ظن واحتمال !
   بينما يقوم منهج الإستنباط السني في مرحلته الأولى على طلب العلم بالحكم ، فإن لم يحصل للمجتهد انتقل فوراً الى اجتهاد الرأي ، وهو يعني اتباع الظن مهما كانت درجته نازلة ! بل يعني الإكتفاء بالقياس والإستحسان والمصالح المرسلة ، وهي أقل من الظن، لأنها لاتفيد غالباً أكثر من الإحتمال!

   ويترتب على هذا الفرق أمور عديدة ، تؤكد ضرورة التخصص وصعوبة شروطه ، وبالتالي مركزية الإجتهاد والأعلمية في المرجعية والتقليد .

   ومن هنا ، يتضح لنا ما فعله تعويم الإجتهاد في الأمة ، وما ارتكبه مروجوه من تقديم ظنونهم واحتمالاتهم الى قرائهم وأتباعهم على أنها دين الله تعالى ، ومفاهيمه وأحكامه ! ويتضح لنا تأثير ذلك على فهم النبي(ع)والأئمة(ع) ، وأصول العقيدة ، وتفاصيلها .

   في اعتقادي أنه لابد لنا أن نضع حداً لأتباع الإجتهاد المصري في أوساطنا الشيعية ، وأن نساعد المذاهب السنية على معالجة (بازار)الظنون والإحتمالات وندعو فقهاءهم الى وضع ضوابط للإجتهاد ، ووضع حد لأولئك المزدحمين في سوقه ، والمتجهين الى الدخول فيه بلا بضاعة !!

   العلاقة بين تعويم الإجتهاد وتعويم المرجعية والقيادة:

   من الذي له الحق بأن يفتي؟ ومن له الحق بأن يقود ويأمر وينهى؟
   تقول الثقافة الغربية إن الحق لمن غلب ، مهما كانت وسائله في الغلبة ! وتميل الى ذلك مذاهب إخواننا السنيين فتعتبر أن من تسلط من الأمة فقد صار حاكماً شرعياً ، بقطع النظر عن سلوكه ووسائله في الغلبة !
   لكن الأسوأ من مقولة الحكم لمن غلب ، مقولة: الفتوى لمن غلب ، التي يتبناها اليوم كل المجتهدين بلا بضاعة ، والتجار بلا رأسمال ، والأطباء بلا وسائل ،  وهم كثيرون في ساحة العمل الإسلامي ، وكل واحد منهم يقدم المبررات الشرعية على أن له الحق في التصدى للفتوى وقيادة الأمة ، وأمر المسلمين ونهيهم ، ودعوتهم الى الإسلام ، وأن على الأمة أن تسمع له وتطيع !!
   ومعنى ذلك أن نضيف الى تعويم القيادة والحكم تعويم الفتوى! وأن نعرف أننا في نظرية الفتيا والقيادة الدينية التي نعمل بها في مجتمعاتنا ، لافرق بيننا وبين الثقافة الغربية ، في قانون المغالبة والغلبة ، الغربي الجاهلي الإسلامي !!
   ومعنى ذلك أن مجتمعاتنا سوف لاتعرف الهدوء ، مادامت أبواب الفتوى والقيادة  مفتوحة على مصاريعها ! فرغبة الفتوى والقيادة مغروزة في الناس ، والمجتمع لايتسع لتحقيق رغباتهم الجميع ، فالنتيجة غابة الفتاوى والقيادات !

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page