• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في مواجهة السلطة لجهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخاصته

 

المقام الثاني
في مواجهة السلطة لجهود
أمير المؤمنين (عليه السّلام) وخاصته


بعد أن استولى معاوية على السلطة ، وصفت له الأمور ، وظّف قدراتِ الإسلام المعنوية والمادية لصالح حكمه ، وتثبيت أركانه وإرساء قواعده ، بأمل قيام دولة أموية تتولى قيادة المسلمين ، وتتحكم في الإسلام لصالحها وصالح أصولها الجاهلية ، مهما كانت الوسائل والنتائج.

اهتمام معاوية بالقضاء على خط أهل البيت (عليهم السّلام)
وكان همه الأكبر القضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذي يمثل الإسلام الصحيح ، ويذكر به ، ويدعو له.
ويبدو أنه كان يرى في بدء الأمر أن سياسة الترغيب والترهيب تكفي في نجاح الخط الأموي ، وفشل خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) إنما نصره من نصره رغبة ورهبة حينما كان له السلطان ، وكان بمقدوره أن يضر وينفع.
أما بعد أن قتل (عليه السّلام) وخرج السلطان عنه وعن أهل بيته ـ بحيث لا يُخافون ولا يُرجَون ـ فسوف يُنسى هو وأهل البيت من بعده ، وتنسى معهم دعوة الحقّ ـ المتمثلة بخط أهل البيت (عليهم السّلام) وتموت بموته ، وينفرد معاوية في الساحة ، ولا يعيقه عن تحقيق هدفه شيء.

إدراك معاوية قوة خط أهل البيت (عليهم السّلام) عقائدي
لكنه فوجئ بأن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) قد أخذ موقعه من قلوب كثير من الناس ، وتعلقوا به ، وثبتوا على موالاته ، والإيمان بدعوته ، والتمسك به. حتى قال معاوية عنه (عليه السلام): "والله لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته" (1) .
وأدرك أن أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسلام) قد أرسى دعوة ذات بعد عقائدي ، تهدد مشروعه ، وتقف حجر عثرة في طريقه ، حيث ترتفع الأصوات من حملتها بالإنكار عليه وفضحه.
ولاسيما أن خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) بما له من بُعد عقائدي يعتمد على أمور لها أهميتها في تركيز العقيدة وإرسائها وتجذره.

دعم العقل والدليل لخط أهل البيت (عليهم السّلام)
الأول : العقل والبرهان. حيث يملك الدليل الكافي على إثبات حقهم (عليهم السّلام) . وقد نبّه أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الناس إلى ذلك في فترة حكمه القصيرة.
ومن الأحاديث المهمة التي ذكرها (عليه السّلام) حديث الدار عند إنذار النبي (صلّى الله عليه وآله) عشيرته الأقربين في بدء الدعوة ، حيث أعلن النبي (صلّى الله عليه وآله) عن أخوة أمير المؤمنين له (صلّى الله عليه وآله) ووصيته وخلافته فيهم ، وأمرَهم بأن يسمعوا له ويطيعوا (2) .
ومنها حديث الغدير في أواخر حياة النبي (صلّى الله عليه وآله) فقد روى أحمد بن حنبل عن حسين بن محمد وأبي نعيم المعني قالا : حدثنا فطر عن أبي الطفيل قال : "جمع علي (رضي الله عنه) الناس في الرحبة. ثم قال لهم : أنشد الله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام. فقام ثلاثون من الناس. وقال أبو نعيم : فقام ناس كثير ، فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس : أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : نعم يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فهذا مولاه. اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. قال : فخرجت وكأن في نفسي شيئ ، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت علياً (رضي الله عنه) يقول كذا وكذ. قال : فما تنكر؟! قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول ذلك له" (3) .
وهذه المناشدة للناس مشهورة بين رجال الحديث تعرضنا لبعض الكلام فيها في جواب السؤال السابع من الجزء الأول من كتابنا (في رحاب العقيدة) .
وقد دعم جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في ذلك جماعة من أكابر الصحابة ممن كان معه سواءً كان ذلك منهم أيام عثمان ـ كما ذكرناه آنفاً ـ أم بعده في عهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) . ومن ذلك استجابتهم له في مناشدة الرحبة.
بل دعمه بعد ذلك بعض من لم يكن معه ولا على خطه من الصحابة ، بعد أن أصيبوا بالإحباط ، واستشعروا الوهن ، لتولي معاوية الأمر وتقدمه عليهم ،
فنشروا كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) الشاهدة بحقه وحق أهل بيته (عليهم السلام)، كرد فعل على ابتزاز معاوية للخلافة.
وأحد هؤلاء سعد بن أبي وقاص الذي كان ينال من أمير المؤمنين (عليه السّلام) في عهد رسول الله (4) (صلّى الله عليه وآله) ، وامتنع من بيعته حينما بايعه المسلمون بعد مقتل عثمان (5)، وكان ثالث ثلاثة تظاهروا عليه (عليه السّلام) في الشورى لصالح عثمان الذي صارت خلافته سبباً لنفوذ الأمويين. حتى انتهى الأمر إلى خلافة معاوية وتقدمه عليه وعلى غيره من المهاجرين والأنصار ، ورأى بعينه سوء عاقبة مواقفه ، فروى كثيراً من مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) . كما يظهر بالرجوع للمصادر الكثيرة (6) .

انشداد الناس عاطفياً لخط أهل البيت (عليهم السّلام)
الثاني : العاطفة ، لما لأهل البيت (صلوات الله عليهم) من المكانة السامية في نفوس المسلمين ، لقربهم من النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ولمؤهلاتهم الشخصية ، ومثاليتهم العالية ، الموجبة لانشداد الناس لهم.
خصوصاً بعد مرور تجربة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الحكم ، وما استتبعها من أسباب تعلق الناس به التي تقدم التعرض له.
ويزيد في ذلك ابتناء حكم معاوية على التجبر والطغيان والظلم والاستئثار ، حيث يذكّر ذلك بعدل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، بنحو يوجب انشداد الناس له ولنهجه ، والتنفر من معاوية ونهجه ، ويتجلى به الفرق بين النهجين. (والضد يظهر حسنه الضد) .
ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة
الثالث : ظهور فشل نظرية عدم النص في الخلافة. فقد ظهر للعيان تردي الأوضاع حتى انتهت الخلافة إلى معاوية ، وهو من الطلقاء ، واستولى الأمويون ذوو الأثر السيء في الإسلام في عهده وعهد عثمان ـ من قبله ـ على مقدرات الإسلام والمسلمين ، وانتهكوا من الحرمات ما لا يحصى.
كلّ ذلك بسبب انفراط أمر الخلافة ، وعدم تحديد ضوابطها بعد خروجها بالقوة عن موضعها الذي جعله الله عز وجل فيه.

تنبؤ سيدة النساء فاطمة (عليه السّلام) وغيرها بنتائج الانحراف
وسبق من سيدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) أن قالت في مبدأ الانحراف ، بعد التحاق النبي (صلّى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى ، وافتتان الأمة ، وخروج الخلافة عن موضعها الذي وضعها الله تعالى فيه : "أما لعمرُ الله لقد لَقِحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً وذعافاً ممقر. هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون. ثم طيبوا عن أنفسكم نفس ، واطمئنوا للفتنة جأش ، وابشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيد..." (7) .
وعن عبد الله بن عمر أنه قال : "لما بايع الناس أبا بكر سمعت سلمان الفارسي يقول : كرديد ونكرديد. أما والله لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . قال : فلما سمعت سلمان يقول ذلك أبغضته ، وقلت : لم يقل هذا إلا بغضاً منه لأبي بكر". قال : "فأبقاني الله حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول الله. فقلت : رحم الله أبا عبد الله. لقد قال ما قال بعلم كان عنده" (8) .
وفي حديث أبي الأشعث الصنعاني أن ثمامة كان على صنعاء ، وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فلما جاء نعي عثمان بكى بكاءً شديد ، فلما أفاق قال : "هذا حين انتزعت خلافة النبوة من آل محمد وصارت ملكاً وجبرية ، من غلب على كلّ شيء أكله" (9) .
فإن ذلك يؤكد صدق مدعي النص. ولاسيما بعد كون المنصوص عليه
هم أهل البيت (صلوات الله عليهم)، الذين هم أولى الناس بالنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأخصهم به ، وأعلمهم بالدين ، وأحرصهم عليه ، وأكملهم تطبيقاً له وعملاً به ، وتفاعلاً معه.
وأولهم أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي رأوا في تجربته الحفاظ على الضوابط الدينية ، والعدل والمثالية ، ونشر المعارف الدينية ، وظهور المعاجز والكرامات على يديه ، ودعم التسديدات الإلهية له... إلى غير ذلك ، بحيث يصلح عهده لأن يكون امتداداً للعهد النبوي الشريف.

انتشار التشيع إذا لم تزرع الألغام في طريقه
وهذه الأمور بمجموعها تقتضي تقبل المسلمين لدعوة التشيع وانتشارها بينهم إذا لم تزرع الألغام في طريقها وتوضع المعوقات أمامه.
وكأنه لذلك قال الإمام الصادق (صلوات الله عليه) ـ في حديث سليمان بن خالد  : "إذا أراد الله بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء ، فجال القلب يطلب الحقّ ، ثم هو إلى أمركم أسرع من الطير إلى وكره" (10) . وقريب منه غيره.

الألغام التي زرعها معاوية في طريق التشيع
وبعد أن أدرك معاوية ذلك ، وعرف حجم المشكلة التي تواجهه بأبعادها المتقدمة ، فقد سلك في سبيل تنفيذ مخططه ، والقضاء على خط أهل البيت (صلوات الله عليهم) والوقوف في وجه دعوتهم وتطويقها طريقين :

التنكيل بالشيعة
الأول : التنكيل بالشيعة وإسقاط حرمتهم كمسلمين ، بحرمانهم من العطاء ، وقتلهم ، والتمثيل بهم ، وسجنهم ، وتشريدهم ، وهدم دورهم... إلى غير ذلك مما تعرض له المؤرخون والباحثون عن سيرة معاوية والأمويين عموم. وقد أغرقوا في ذلك ، حتى ورد عن أبي عبد الرحمن المقرئ أنه قال : "كانت بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه" (11) . وهو من الشيوع والوضوح بحيث لا ينبغي إطالة الكلام هنا في ذكر مفرداته. ولاسيما أنها أكثر من أن تستقصى.

أثر التنكيل بالشيعة على التشيع
وهذا وإن عاق نشر مذهب أهل البيت (صلوات الله عليهم) مؤقت ، إلا أنه حيث لم يقض عليه ، لكثرة الشيعة وإصرارهم ، فقد خدمه على الأمد البعيد. لأن الظلامة والتضحيات تمنح دعوة الحقّ قوة ورسوخاً وفخر ، وتوجب تعاطف الناس معه. خصوصاً إذا صدرت الظلامة من مثل الأمويين الذين عمّ ظلمهم ، واستهتروا بالدين ، فأبغضهم عامة المسلمين.

عود التحجير على السنة النبوية
الثاني : ما جرى عليه الأولون من التحجير على السنة النبوية. فعن عبد الله بن عامر اليحصبي قال : "سمعت معاوية على المنبر بدمشق يقول : أيها الناس إياكم وأحاديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا حديث كان يذكر على عهد عمر. فإن
عمر (رضي الله عنه) كان رجلاً يخيف الناس في الله..." (12) .
ومن كلامه : "يا أيها الناس أقلوا الرواية عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . وأنتم متحدثون لا محالة فتحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر..." (13) .
وليس معنى التحجير المذكور الاقتصار على عدم رواية الأحاديث عنه (صلّى الله عليه وآله) ، كما تضمنه هذا الحديث ، بل جعل رواية الحديث عنه (صلّى الله عليه وآله) في خدمة مخطط معاوية ولو كان كذباً وافتراءً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . نظير ما حصل قبل ذلك ، على ما سبق التعرض له. بل ربما يزيد عليه.
وذلك بأمور :

المنع من رواية الأحاديث المؤيدة لخط أهل البيت (عليهم السّلام)
أولها : المنع من رواية الأحاديث التي تخدم خط أهل البيت (عليهم السلام)، بذكر مناقبهم وفضائلهم ، أو مثالب أعدائهم وسلبياتهم ، كما يأتي في كلام المدائني ونفطويه وغيرهم.
بل بلغ الحال أن معاوية حاول بالترهيب والترغيب منع ابن عباس ـ مع ما له من مكانة علمية واجتماعية ـ من الحديث وتفسير القرآن المجيد على ما يناسب تفسير أهل البيت (صلوات الله عليهم) له. ـ

محاورة معاوية مع ابن عباس
ففي حديث سليم بن قيس عن حوار بين معاوية وابن عباس قال : "قال معاوية : فإنا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته ، فكفّ لسانك يا ابن عباس ، وأربع على نفسك.
فقال له ابن عباس : أفتنهانا عن قراءة القرآن؟ قال : ل. قال : أفتنهانا عن تأويله؟ قال : نعم. قال : فنقرأه ولا نسأل عما عنى الله به؟! قال : نعم. قال : فأيما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال : العمل به. قال : فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علين؟! قال : سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك. قال : إنما أنزل القرآن على أهل بيتي ، فأسأل عنه آل أبي سفيان ، أو أسأل عنه آل أبي معيط ، أو اليهود والنصارى والمجوس؟!.
قال له معاوية : فقد عدلتنا بهم ، وصيرتنا منهم. قال له ابن عباس : لعمري ما أعدلك بهم. غير أنك نهيتنا أن نعبد الله بالقرآن ، وبما فيه من أمر ونهي ، أو حلال أو حرام ، أو ناسخ أو منسوخ ، أو عام أو خاص ، أو محكم أو متشابه. وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهو.
قال معاوية : فاقرؤوا القرآن وتأولوه. ولا ترووا شيئاً مما أنزل الله فيكم من تفسيره ، وما قاله رسول الله فيكم ، وارووا ما سوى ذلك. قال ابن عباس : قال الله في القرآن : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)).
قال معاوية : يا ابن عباس ، اكفني نفسك ، وكف عني لسانك. وإن كنت لابد فاعلاً فليكن ذلك سر ، ولا يسمعه أحد منك علانية. ثم رجع إلى منزله ، فبعث إليه بخمسين ألف درهم" (14) .
وقد تقدم (15) عند الكلام في ردود الفعل لفاجعة الطف التعرض لشكوى الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من ذلك في المؤتمر الذي عقده في الحج في أواخر أيام معاوية ، ومحاولته (عليه السّلام) الرد عليه ببيان فضائل أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ثم طلب روايتها ونشرها ممن حضر المؤتمر من مختلف بلاد المسلمين.
وقد تمّ على الأمد البعيد التغلب على هذه المشكلة ، لأن فضائل أهل البيت عموماً وأمير المؤمنين (عليه السّلام) خصوص ، من الكثرة والظهور بحيث يتعذر إخفاؤه ، ومقامهم (صلوات الله عليهم) من الرفعة والجلالة بحيث لا يمكن تجاهله أو الحط منه.
وإن لم يبعد أن يكون قد ضاع من فضائلهم (عليه السّلام) ومناقبهم الكثير. خصوصاً على الجمهور ، بحكم المعايير التي جروا عليها أخيراً في انتقاء الحديث ، ولإعراضهم عن ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم) .

افتراء الأحاديث القادحة في أهل البيت (عليهم السّلام)
ثانيها : افتراء الأحاديث القادحة في أهل البيت (صلوات الله عليهم)، خصوصاً أمير المؤمنين (عليه السّلام) . وقد ظهر من ذلك حديث موضوع كثير.
قال ابن أبي الحديد : "وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي (رحمه الله تعالى) ـ وكان من المتحققين بموالاة علي (عليه السّلام) ... ـ أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السّلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله. فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير..." ثم ذكر بعض النماذج من ذلك (16) .

موقف الجمهور من الأحاديث المذكورة
لكن الظاهر أن رفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) حملت الجمهور على ترك روايتها وتدارسه ، لأنها صارت عاراً على أحاديث الجمهور ، ونقطة ضعف فيه ، تستغل ضده ، وتكون سبباً للتشنيع عليه.
ولاسيما مع التزام الجمهور بعد ذلك بعدالة جميع الصحابة ـ بمعنى كلّ من رأى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من المسلمين وسمع حديثه ـ وتوثيقهم لكثر ممن روى تلك الأحاديث من التابعين.
لظهور أن تلك الأحاديث تكشف عن كذب الراوي لها من الصحابة ، أو كذب الراوي لها من التابعين ممن ذهب الجمهور إلى توثيقه والاعتماد على حديثه ، فأهملت تلك الروايات نوعاً في كتب الحديث.
ولم يبق منها إلا ما قد يعثر عليه المتتبع في بعض كتب التاريخ أو الاحتجاج أو التراجم أو غيرها مما تضمن ذكره ، لا من أجل الاهتمام بروايتها وتدارسه ، بل لغرض آخر. ولا يوجد منها في كتب الحديث إلا ما ندر.
قال ابن أبي الحديد : "وأما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما مسنداً متصلاً بعمرو بن العاص ، قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء. إنما وليي الله وصالح المؤمنين" (17) .
نعم يبدو أن بشاعة الحديث ، وذهاب الجمهور أخيراً إلى عدالة جميع الصحابة ، وتعظيمهم للصحيحين ، وحكمهم بصحة جميع رواياتهم ، كلّ ذلك اضطر المتأخرين إلى حذف كلمة (طالب) وجعل موضعها بياضاً (18)، أو إثبات
(فلان) بدلها (19) . ولابن حجر كلام طويل حول ذلك. فليراجع (20) .
ومن هنا لم يكن لهذه المحاولة أثر مهمّ يمنع من انتشار التشيع ، إلا في مثل بلاد الشام أيام الأمويين ، حيث كانت معزولة عن العالم الإسلامي ثقافي ، أو في البلاد البعيدة عن عواصم الثقافة الإسلامية في ظروف اشتداد الضغط الأموي ، بحيث يمنع من انتشار ثقافة غير الأمويين بين عامة الناس ، من دون أن يمنع من انتشار التشيع على الأمد البعيد.

افتراء الأحاديث في فضل الصحابة والخلفاء الأولين
ثالثها : افتراء الأحاديث في فضل الصحابة الذين هم على خلاف خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وخصوصاً الخلفاء الأولين.
ففي حديث للإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه أفضل الصلاة والسلام) بعد أن أكد على نصّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على حق أهل البيت (صلوات الله عليهم) في الخلافة ، واستعرض ما جرى عليهم وعلى شيعتهم ومواليهم من الظلم وانتهاك الحرمات حتى قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) ، قال :
"ثم لم نزل ـ أهل البيت ـ نستذل ونستضام ، ونقصى ونمتهن ، ونحرم ونقتل ونخاف ، ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائن. ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كلّ بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ، ليبغضونا إلى الناس.
وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السّلام) ... وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير ـ ولعله يكون ورعاً صدوقاً ـ يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفضيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئاً منه ، ولا كانت ولا وقعت ، وهو يحسب أنها حق ، لكثرة من قد رواها ممن لم يعرف بكذب ، ولا بقلة ورع" (21) .
وقال ابن أبي الحديد : "وروى أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب (الأحداث)، قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علي ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته... وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته والذين يرون [يروون.ظ] فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم ، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كلّ رجل منهم ، واسم أبيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كلّ مصر. وتنافسوا في المنازل والدني. فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية ، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حين.
ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر ، وفي كلّ وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين.
ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في فضل أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة. فإن هذا أحب إلي وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشدّ عليهم ، من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة له. وجـدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى ، حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر. وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك ما شاء الله... فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر. ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.
وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك ، فيفتعلون الأحاديث ، ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويقربوا مجالسهم ، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل.
حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووه ، وهم يظنون أنها حق. ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا به...".
قال ابن أبي الحديد بعد أن ذكر كلام المدائني بطوله : "وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر. وقال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية ، تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم" (22) .
ويبدو أن بعض رجال الجمهور قد أدرك ذلك. فهذا الفيروزآبادي صاحب القاموس يقول : "باب فضائل أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) . أشهر المشهورات
من الموضوعات إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة ، وحديث : ما صبّ الله في صدري شيئاً إلا وصبّه في صدر أبي بكر ، وحديث : كان (صلّى الله عليه وآله) إذا اشتاق الجنة قبل شيبة أبي بكر ، وحديث : أنا وأبو بكر كفرسي رهان ، وحديث : إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر. وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل" (23) . وذكر نحوه العجلوني (24) .
كما ذكر السيوطي ما يقرب من ثلاثين حديثاً في فضائل أبي بكر وحكم فيها بالوضع (25) .
ومن الطبيعي أن ذلك من معاوية يستتبع كتمان أحاديث المثالب في الصحابة والامتناع أو المنع من تدارسها ونشره ، بل تكذيبها واستهجانه.
كما أن من المعلوم أن المراد بالصحابة هم الذين على خلاف خط أهل البيت (صلوات الله عليهم)، ممن قاد عملية الانقلاب عليهم ، وحرف مسار السلطة في الإسلام ومن سار في ركابهم. وفيهم جماعة كبيرة من المنافقين والمؤلفة قلوبهم وممن لم يسلم إلا رغبة أو رهبة.
وقد ذكرنا آنفاً أن وضع الأحاديث لصالح هذه الجماعة قد بدأ في العهود الأولى ، كما يظهر من كلام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ـ المتقدم في أوائل المبحث الأول ـ وغيره.
وكان له أعظم الأثر في احترام هذه الجماعة ، بل تقديسها والتدين بموالاته ، والتغاضي عن سلبياتها وتجاهله ، أو تكذيبه ، أو تكلف توجيهه ، بحيث لا يمنع من احترامها وتقديسه.
وقد أدرك معاوية أهمية ذلك في مقاومة دعوة أهل البيت (صلوات الله عليهم) كما يظهر من كلامه المتقدّم ؛ لأنّ مقاومة الدين بالدين أشدّ تأثيراً عليه وصداً له من مقاومته بالدنيا ؛ فحاول تأكيد ذلك وتركيزه بحمل الناس على الإكثار من وضع الأحاديث في الاتجاه المذكور ، ولاسيما مع وجود الأرضية الصالحة لتقبّله ، بسبب كثرة الفتوح في عهد الأوّلين وتدهور الأوضاع بعد ذلك كما سبق .
بل كلّما تعاقبت الأجيال وامتدّ الزمن زادت أهمّية الموروثات العقائدية ، وتجذّرت في النفوس ، واشتدّ التعصّب له ، والإصرار على تجاهل سلبياته ، والتغاضي عن الأدلّة المضادّة له .
وهذه الخطوة من معاوية في غاية الأهمية والخطورة من جهتين :

تقديس الأوّلين يقف حاجزاً دون تقبّل النصّ
الجهة الأولى : إنّها تقف حاجزاً دون تقبّل النصّ في الإمامة واستحقاق أهل البيت (صلوات الله عليهم) له كما سبق .
وقد كان معاوية ـ قبل رواية هذه الأحاديث وتأثيرها في تأكيد قدسية الأوّلين وشرعية خلافتهم ، نظام الخلافة الذي جروا عليه عند جمهور المسلمين ، ـ يحاول أن يشنّع على أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في كتبه إليه ؛ لموقفه من الأوّلين ، كما ذكرنا بعض مفردات ذلك في جواب السؤال الثالث من الجزء الثاني من كتابنا (في رحاب العقيدة) .
وكذلك فعل مع الإمام الحسن (عليه السّلام) حينما أشار (صلوات الله عليه) في كتابه إليه إلى تظاهر قريش على أهل البيت ، والشكوى من ذلك ، فقد كتب إليه معاوية في جوابه : وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده ، فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر ، وأبي عبيدة وصلحاء المهاجرين ؛ فكرهت لك ذلك ...(26) .
وكتب إليه في جواب كتاب آخر له (عليه السّلام) يتضمّن أيضاً الشكوى من تظاهر قريش : وذكرت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وتنازع المسلمين الأمر بعده ، وتغلّبهم على أبيك ، فصرّحت بتهمة أبي بكر الصديق وعمر الفاروق ، وأبي عبيدة الأمين وحواري رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وصلحاء المهاجرين والأنصار ؛ فكرهت ذلك لك ؛ إنّك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين ولا المسيء ولا اللئيم ، وأنا أحبّ لك القول السديد والذكر الجميل(27) .
وإذا كان الردّ هكذا مع أمير المؤمنين والإمام الحسن (صلوات الله عليهم) قبل ظهور هذه الروايات المفتعلة ، ومع علم جميع الأطراف كيف جرت الأمور ، فكيف يكون الردّ على شيعتهم الذين أُسقطت حرمتهم ، واتهموا بالتآمر على الدين ، والخروج عن جماعة المسلمين في دعوتهم مع البعد الزمني عن الأحداث ، ومحاولة تحريفها عن حقيقتها ، وبعد ظهور الكمّ الهائل من الروايات المفتعلة التي كثفت هالة الإجلال والتقديس للأوّلين وخلافتهم حتى صارت خلافتهم وتقديسهم ديناً يتديّن به ؟!
وكيف يسهل مع ذلك على جمهور المسلمين التجرّد عن التراكمات والموروثات ، والنظر بموضوعية في النصوص الدالّة على اختصاص الإمامة بأئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وبقيّة الشواهد والقرائن المؤيّدة لذلك ، وفي السلبيّات المترتبة على تركه ؟!

ضعف غلواء تقديس الشيخين في أواخر العهد الأموي
نعم ، لا يبعد أن تكون غلواء التقديس للشيخين قد خفّت في أواخر
العهد الأموي ؛ لأنّ ظلم الأمويين وطغيانهم وسوء سلطانهم ، واستهتارهم بالدين والقيم ، كلّ ذلك بغّضهم للناس ، وكان سبباً في تخفيف احترام المبادئ التي يتبنّونها ، ومنها هذا التقديس الذي أكّدوا عليه .
كما إنّ ظلمهم لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ولشيعتهم أوجب تعاطف الناس معهم ، وسماعهم منهم ، وتفاعلهم بوجهة نظرهم .
ولذا ظهر جماعة من العلماء والرواة في هذه الفترة ممّن يحترمهم الجمهور ـ في الجملة ـ يعرفون بالتشيّع ، بل قد يُنسب لجماعة منهم النيل من الصحابة ، ولبعضهم القدح بالشيخين خاصة ، وقد ذكرنا جماعة منهم في جواب السؤال الثاني من الجزء الأوّل من كتابنا (في رحاب العقيدة) .

مهاجمة العباسيين للأوّلين في بدء الدعوة
ولولا ذلك لما استطاع العباسيون أن يُقيموا أساس دعوتهم على استحقاقهم الخلافة بالقرابة وعلى الطعن في الشيخين ، ويصرّحوا بعدم شرعية خلافة الأوّلين في بدء قيام دولتهم .
فقد دخل محمد المهدي بن المنصور العباسي على أبي عون عبد الملك بن يزيد عائداً له في مرضه ـ وكان من قدماء شيعة بني العباس ، وحملة دعوتهم ، والمشاركين في تشييد دولتهم ـ فأعجبه ما رآه منه وسمعه .
قال أبو جعفر الطبري : وقال : أوصني بحاجتك ، وسلني ما أردت ، واحتكم في حياتك ومماتك ... ، فشكر له أبو عون ودعا له ، وقال : يا أمير المؤمنين حاجتي أن ترضى عن عبد الله بن أبي عون وتدعو به ؛ فقد طالت موجدتك عليه . قال : فقال : يا أبا عون ، إنّه على غير الطريق ، وعلى خلاف رأينا ورأيك . إنّه يقع في الشيخين أبي بكر وعمر ، يسيء القول فيهم . قال : فقال أبو عون : هو والله
يا أمير المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه ، ودعونا إليه . فإن كان قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم ؛ حتى نطيعكم(28) .
ولمّا انتصر جيش الدعوة العباسية ودخل الكوفة ، وبويع أبو العباس السفاح ، تكلّم داود بن علي ـ وهو على المنبر أسفل من أبي العباس بثلاث درجات ـ فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ثمّ قال : أيّها الناس ، إنّه والله ما كان بينكم وبين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) خليفة إلاّ علي بن أبي طالب ، وأمير المؤمنين هذا الذي خلفي(29) .
وخطب أبو مسلم الخراساني في السنة التي حجّ فيها في خلافة السفّاح خطبة طويلة ، ومنها قوله : ثمّ جعل الحقّ بعد محمد (عليه السّلام) في أهل بيته ، فصبر من صبر منهم بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه )على اللأواء والشدّة ، وأغضى على الاستبداد والأثرة ... . والله ، ما اخترتم من حيث اختار الله لنفسه ساعة قطّ ، ومازلتم بعد نبيّه تختارون تيميّاً مرّة ، وعدويّاً مرّة ، وأمويّاً مرّة ، وأسديّاً مرّة ، وسفيانيّاً مرّة ، ومروانيّاً مرّة ... ألا إنّ آل محمد أئمّة الهدى ، ومنار سبيل التقى ...(30) .

تراجع المنصور وتقديمه للشيخين
إلا إنّ المنصور الدوانيقي ـ الذي اشتدّ في القسوة مع العلويين ـ هو أوّل مَنْ تراجع منهم عن ذلك ، فأقرّ خلافة الشيخين وتقديمهم ، وإن كان ذلك لا يتناسب مع أُسس الدعوة العباسية كما هو ظاهر .
ويبدو أنّ إقدام المنصور على ذلك ليس من أجل ضغط الجمهور ؛ لقوّة ولائهم للأوّلين ، بل من أجل ثورات الحسنيين ، بحجّة أنّهم الأقرب للنبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّهم من ذريّة أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي هو أوّل الخلفاء من الهاشميين ، وظهور دعوى النصّ القاضي بإمامة خصوص أهل البيت من بني هاشم وغير ذلك .
فرأى المنصور أنّه بتقديم الشيخين ، وإقرار خلافتهما ، والتركيز على تقديسهما ـ كما صنع معاوية ـ يحيي دعوة الخطّ الموالي لهما ويستقطبه ؛ لتقف في وجه العلويين ، كما تقف حجر عثرة أمام دعوى النصّ المذكور ؛ فقد قال : والله لأرغمن أنفي وأنوفهم ، وأرفع عليهم بني تيم وعدي(31) .
وبذلك تأكّدت شرعية خلافة الشيخين واحترامهما وتقديسهما ، وبدأ عهد تدوين السنّة النبوية على الصعيد العام ، وظهرت المقالات والفرق ، واشتدّ الضغط على أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وعلى الطالبيين عموماً ، وعلى شيعتهم من قبل السلطة العباسية .

اعتراف المنصور ومَنْ بعده بشرعية خلافة الأمويين
بل يبدو إغراق المنصور ومَنْ بعده من حكّام العباسيين في ذلك ، فأخذوا يعترفون بشرعية خلافة الأمويين بعد أن أمنوا منازعتهم لهم في السلطة ؛ وذلك لتأكيد شرعية الخلافة بالقوّة من أجل إضعاف موقف العلويين .
فعن منصور بن مزاحم أنّه قال : سمعت أبا عبيد الله يقول : دخلت على أبي جعفر المنصور يوماً ، فقال : إنّي أُريد أن أسألك عن شيء ؛ فاحلف بالله أنّك تصدّقني .
قال : فرماني بأمر عظيم ؛ فقلت : يا أمير المؤمنين ، وأدين الله بغير طاعتك وصدقك ؟! أو أستحلّ أن أكتمك شيئاً علمته ؟!
فقال : دعني من هذا . والله لتحلفنّ .
قال : فأشار إليّ المهدي أن أفعل ؛ فحلفت .
فقال : ما قولك في خلفاء بني أمية ؟
فقلت : وما عسيت أن أقول فيهم ؟ إنّه مَنْ كان منهم لله مطيع ، وبكتابه عامل ، ولسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) متّبع ؛ فإنّه إمام يجب طاعته ومناصحته ، ومَنْ منهم على غير ذلك فلا .
فقال : جئت بها ـ والذي نفسي بيده ـ عراقية . هكذا أدركت أشياخك من أهل الشام يقولون ؟
قلت : لا . أدركتهم يقولون : إنّ الخليفة إذا استخلف غفر الله له ما مضى من ذنوبه .
فقال لي المنصور : إي والله ، وما تأخّر من ذنوبه .
أتدري ما الخليفة ؟ سبيله ما يُقام به من الصلاة ، ويحجّ به البيت ، ويجاهد به العدو .
قال : فعدّد من مناقب الخليفة ما لم أسمع أحداً ذكر مثله .
ثمّ قال : لو عرفت من حقّ(32) الخلافة في دهر بني أُمية ما أعرف اليوم لرأيت من الحقّ أن آتي الرجل منهم حتى أضع يدي في يده ، ثمّ أقول : مرني بما شئت .
فقال له المهدي : فكان الوليد منهم ؟
فقال : قبّح الله الوليد ، ومَنْ أقعد الوليد خليفة .
قال : فكان مروان منهم ؟
فقال أبو جعفر : مروان ؟ لله درّ مروان . ما كان أحزمه وأمرسه وأعفّه عن الفيء .
قال : فلِمَ لمتموه وقتلتموه ؟
فقال : للأمر الذي سبق في علم الله(33) .
ومراد المهدي بالوليد هو الوليد بن يزيد الخليع الماجن ، والذي برر ابن عمّه يزيد بن الوليد قتله بإلحاده وأفعاله(34) .
لكن قال شبيب بن شيبة : كنّا جلوساً عند المهدي ، فذكروا الوليد ، فقال المهدي : كان زنديقاً .
فقام أبو علاثة الفقيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنّ الله (عزّ وجلّ) أعدل من أن يولّي خلافة النبوّة وأمر الأمّة زنديقاً . لقد أخبرني مَنْ كان يشهده في ملاعبه وشربه عنه بمروءة في طهارته وصلاته ، فكان إذا حضرت الصلاة يطرح الثياب التي عليها المطايب المصبّغة ، ثمّ يتوضأ ... ، فإذا فرغ عاد إلى تلك الثياب فلبسها ، واشتغل بشربه ولهوه . فهذا فعال مَنْ لا يؤمن بالله .
فقال المهدي : بارك الله عليك يا أبا علاثة(35) .
ويبدو أنّ المهدي قد أقنع نفسه بذلك وجرى عليه . فقد قال البلاذري : وقال أمير المؤمنين المهدي وذكر الوليد : رحمه الله ، ولا رحم قاتله ؛ فإنّه كان ممّا مجتمعاً عليه .
وقيل له : إنّ الوليد كان زنديقاً .
فقال : إنّ خلافة الله أعزّ وأجلّ
من أن يولّيها مًنْ لا يؤمن به(36) .
وقد دخل على الرشيد ابن للغمر بن يزيد أخي الوليد بن يزيد الأموي المتقدّم . ولمّا عرّف نفسه للرشيد قال له : رحم الله عمّك الوليد ، ولعن يزيد الناقص ؛ فإنّه قتل خليفة مجمعاً عليه . ارفع حوائجك . فرفعها فقضاها(37) .
ويبدو أنّ ثقافة السلطة العباسية أخذت بهذا الاتجاه ، وفسح المجال لتمجيد الأمويين في محاولة تعميم هذه الثقافة في الجمهور ؛ كردّ فعل على موقف أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم السلبي من الأمويين ، خصوصاً بعد فاجعة الطفّ ، واستغلال الخلاف المذهبي ـ في أمر الخلافة واحترام الأوّلين ـ بين الشيعة والجمهور ؛ لتأكيد ولاء الجمهور للأمويين واحترامهم ، مضادّة للشيعة .

تراجع المأمون عن موقف آبائه
ولمّا جاء عهد المأمون أدرك أنّ ظُلامة أهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسّلام) بلغت حدّاً أوجب تعاطف الناس معهم ، ونقمتهم على العباسيين من أجل ذلك ، ومن أجل ظلمهم وطغيانهم ؛ فحاول امتصاص النقمة بالبيعة للإمام الرضا (صلوات الله عليه) على ما أوضحناه في أواخر الجزء الثالث من كتابنا (في رحاب العقيدة) .
وخفّ الضغط على الشيعة نسبياً ، فانتشرت ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، وقام للشيعة كيانهم كأمر واقع مفروض في المجتمع ، وأخذ بالظهور والاتّساع .
إلاّ إنّ الأمر لم يتجاوز ذلك ؛ ليصل إلى القدح في الخطّ الآخر ، بل بقي احترام الخطّ المخالف لأهل البيت (عليهم السّلام) ، والتزام نهجه الفقهي ومعالمه المميّزة هو السمة العامّة في الدولة العباسية وثقافتها ، إمّا لقناعة السلطة بذلك ، أو مجاراة للجمهور الذي أخذت تلك الثقافة موقعها منه .
حتى إنّ المأمون لمّا رأى في معاوية ما استوجب اللعن نادى مناديه : برئت الذمّة من أحد من الناس ذكر معاوية بخير ، أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ...(38) .
وأُنشئت الكتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر ؛ فأعظم الناس ذلك وأكبروه ، واضطربت العامّة منه ؛ فأُشير عليه بترك ذلك ، فأعرض عمّا همّ به(39) .

تأكّد عدالة الصحابة وتقديس الشيخين في عهد المتوكّل
ثمّ جاء عهد المتوكّل الذي يبدو من الجمهور تعظيمه وتبجيله حتى قيل : إنّه أحيى السُنّة وأمات البدعة!(40) ؛ فأعلن النصب والعداء لأمير المؤمنين (صلوات
الله عليه) ولذريته ، وفعل الأفاعيل في سبيل ذلك ، ونشط في عهده الفقهاء والرواة ممّنْ هم على خلاف خطّ أهل البيت (عليهم السّلام) ؛ وبذلك عاد مسار ثقافة السلطة إلى ما كان عليه في عهد المنصور ومَنْ بعده .
ودوّنت في قرنه ـ وهو القرن الثالث ـ أصول كتب الحديث عند الجمهور وصحاحهم ، وشيّدت عقيدتهم في تقديم الأوّلين وفي عدالة الصحابة عموماً ، بما في ذلك معاوية وأمثاله .
وتأكّد ذلك عند العامّة على مرّ الزمن وتجذّر فيهم ، بل أغرقوا فيه حتى ربما ضاقت السلطة ببعض مواقفهم وممارساتهم .
ففي سنة مئتين وسبعين للهجرة قضت السلطة على صاحب الزنج . قال العلاء بن صاعد بن مخلد : لمّا حمل رأس صاحب الزنج ، ودخل به المعتضد إلى بغداد ، دخل في جيش لم يرَ مثلُه ، واشتق أسواق بغداد والرأس بين يديه . فلمّا صرنا بباب الطاق صاح قوم من درب من تلك الدروب : رحم الله معاوية ، وزاد حتى علت أصوات العامّة بذلك ، فتغيّر وجه المعتضد ، وقال : ألا تسمع يا أبا عيسى ؟! ما أعجب هذا ! وما الذي اقتضى ذكر معاوية في هذا الوقت ؟!
والله لقد بلغ أبي إلى الموت ، وما أفلَتّ أنا إلاّ بعد مشارفته ، ولقينا كلّ جهد وبلاء حتى أنجينا هؤلاء الكلاب من عدوّهم ، وحصّنّا حرمهم وأولادهم ، فتركوا أن يترحّموا على العباس وعبد الله ابنه ومن ولد من الخلفاء ، وتركوا الترحّم على علي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن والحسين !
والله لا برحت أو أؤثر في تأديب هؤلاء أثراً لا يعاودون بعد هذا الفعل مثله . ثمّ أمر بجمع النفّاطين ؛ ليحرق الناحية .
فقلت له : أيّها الأمير ، أطال الله بقاءك ، إنّ هذا اليوم من أشرف أيام الإسلام فلا تفسده بجهل عامّة لا خلاق لهم . ولم أزل أداريه وأرفق
به حتى سار(41) .
ويبدو أنّ ذلك بقي في نفس المعتضد رغم إغراق الجمهور في تقديس الصحابة الأوّلين ومَنْ سار على نهجهم في نظام الخلافة ، نتيجة تأكيد السلطة العباسية وثقافتها العامّة عليه في مواجهة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وشيعتهم ، وخصوصاً معاوية الذي صار رمز العداء الظاهر لهم . وربما كان لإغراق الجمهور هذا بعض الأثر في إثارة حفيظة المعتضد .
فعزم في سنة مئتين وأربع وثمانين على لعن معاوية على المنابر ، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس ، فخوّفه وزيره عبيد الله بن سليمان اضطراب العامّة ، وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة ، فلم يلتفت إلى ذلك من قوله ، وصمّم على ما عزم عليه .
وبدأ ـ في أواخر جمادى الأولى وأوائل جمادى الثانية من السنة المذكورة ـ بخطوات تمهيدية لمنع العامّة من التجمّع والشغب وإثارة المشاكل والفتن ، وآخر تلك الخطوات منع السقّائين الذين يسقون الماء في الجامعين من الترحّم على معاوية وذكره بخير .
وتحدّث الناس أنّ الكتاب الذي أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر . فلمّا صلّى الناس الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يُقرأ .
قال الطبري ـ بعد أن ذكر ذلك ـ : فذكر أنّ المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية ، فأُخرج له من الديوان ، فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب ، وذكر أنّها نسخة الكتاب الذي أُنشئ للمعتضد ـ
بالله : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ... . وذكر كتاباً طويلاً يقرب من سبع صفحات يتضمّن كثيراً من مثالب الأمويين ، وخصوصاً معاوية ، ممّا تضمّنته الأحاديث الشريفة والأحداث التاريخية .
ثمّ قال الطبري بعد أن أنهى الكتاب : وذكر أنّ عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي ، وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد ؛ فمضى يوسف بن يعقوب فكلّم المعتضد في ذلك ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، إنّي أخاف أن تضطرب العامّة ، ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة .
فقال : إن تحرّكت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها .
فقال : يا أمير المؤمنين ، فما تصنع بالطالبيين الذين هم في كلّ ناحية يخرجون ، ويميل إليهم كثير من الناس ؛ لقرابتهم من الرسول ومآثرهم ؟! وفي هذا الكتاب إطراؤهم ، أو كما قال : وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل ، وكانوا في أبسط ألسنةٍ ، وأثبت حجّة منهم اليوم ؛ فأمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواب ، ولم يأمر في الكتاب بعده بشيء(42) .
وهكذا يكون الموقف السلبي من الطالبيين وأهل البيت (صلوات الله عليهم) حاجزاً دون بيان الحقائق ، ومحفّزاً على تحريفها وتشويهها .
كما يتزامن تأكيد السلطة على احترام الأوّلين ومَنْ هو على خطّهم مع ارتفاع مستوى نصبها وعدائها لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ، بحيث تكون إحدى الظاهرتين قرينة للأخرى ؛ ليتم بهما هدف واحد .
وبذلك تأكّد وتركّز ما بدأه الأوّلون ، وزاد فيه معاوية من تفعيل احترام الخطّ المخالف لأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسّلام) ، ومن أهم أسبابه افتعال الأحاديث في تقديم الأوّلين ، وفي فضائل الصحابة الذين هم على خطّهم .
وعلى كلّ حال صارت النصوص الكثيرة التي وضعت في عهد معاوية عاضدة لما وضع في العهد الأوّل ، ومشيّدة لمضامينه وأهدافه .
وكانت نتيجة ذلك تدين الجمهور بشرعية خلافة الأوّلين ، واحترام رموز الخطّ المخالف لأهل البيت (صلوات الله عليهم) احتراماً يبلغ حدّ التقديس .
وقد كان لذلك أعظم الأثر في مواجهة أهل البيت (صلوات الله عليهم) ، والوقوف في وجه دعوتهم ، كما توقّعه معاوية على ما يظهر من كلامه السابق .
وقد صار هذا التديّن والتقديس هما العقبة الكؤود أمام دعوى النصّ ، تمنع الجمهور ـ نوعاً ـ من مصداقية الرؤية ، ومن الموضوعية في البحث عن الحقيقة ، ثمّ الوصول إليه .
بل صارت سبباً للتشنيع على شيعة أهل البيت تشنيعاً قد يصل حدّ التكفير ، واستحلّت به دماؤهم ، وانتهكت حرماتهم ومقدّساتهم على طول التاريخ وإلى يومنا هذا .
وكلّ ذلك بعين الله تعالى ، وإليه يرجع الأمر كلّه .
ويأتي في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى أثر فاجعة الطفّ في مواجهة هذا الاحترام والتقديس ، واقتحام هذه العقبة .
قوّة خطّ الخلافة عند الجمهور يفضي إلى تحكيم السلطة في الدين
الجهة الثانية : إنّه بعد أن كان المفروغ عنه عند المسلمين على اختلاف توجّهاتهم ـ عدا الشاذ الذي لا يعتدّ به ـ واستفاضت به النصوص ، هو لزوم الإمامة ، فالصراع الظاهر لمّا كان منحصراً بين خطّ أهل البيت القاضي بإمامتهم ، تبعاً للنصّ ، والخطّ الآخر القاضي بعدم انضباط أمر الإمامة ، وأنّ مَنْ تغلب فهو الإمام ، فانحسار خطّ أهل البيت (عليهم السّلام) عقائدياً ـ نتيجة النصوص التي وضعت في
عهد معاوية وما سبقها ممّا ظهر في عهد الخلفاء الأوّلين ـ مستلزماً لقوّة الخطّ الثاني ، وإضفاء الشرعية على إمامة المتغلّب وخلافته ، بغضّ النظر عن شخصه وسلوكه .
ومن الطبيعي حينئذ أن يكون له التحكّم في الدين ؛ جرياً على سنن الماضين واقتداءً بهم حيث يألف الناس ذلك ، ويتأقلمون معه كأمر واقع . وقد تقدّم أنّ ذلك هو السبب في تحريف الأديان ومسخها .
وبذلك تعرّض دين الإسلام العظيم للخطر القاتل ، بل تعرّضت الحقيقة الدينية المقدّسة عموماً للتشويه والضياع الأبدي ؛ إذ الإسلام خاتم الأديان وليس بعده دين ولا وحي يظهر الحقيقة ويدافع عنها .

تفاقم الخطر بتحويل الخلافة إلى قيصرية أموية
ويزيد في هذا الخطر أنّ معاوية قد عهد بالخلافة إلى ولده يزيد حيث تحولّت إلى هرقلية قيصرية في ضمن عائلة خاصة ؛ إذ تستخدم هذه العائلة الدين حينئذ لخدمة أهدافها ذات الأمد الطويل .
ولاسيما بعد أن كانت تلك العائلة خصماً عنيداً للإسلام ؛ لما هو المعلوم من موقفهم المناهض له في بدء ظهور دعوته ، وقد وترهم الإسلام في أنفسهم ، وفي موقعهم الاجتماعي .
مضافاً إلى ظهور استهتارهم بالمبادئ والقيم بحيث لا يقفون عند حدّ ، ولا يمنعهم من تحقيق أهدافهم شيء .
وقد سبق منّا عرض بعض مواقفهم وثقافتهم التي كانوا يثقّفون بها أهل الشام ، ويحاولون تعميمها في المسلمين وحملهم عليها عند التعرّض لما يتوقّع أن يترتّب على الانحراف الذي حصل ؛ نتيجة الخروج بالسلطة في الإسلام عن واقعها الذي أراده الله تعالى ، وقامت الأدلّة والنصوص عليه .

حديث المغيرة بن شعبة عن خطر البيعة ليزيد
وكأنّ المغيرة بن شعبة قد أدرك ذلك ؛ فقد بلغه أنّ معاوية يريد عزله عن ولاية الكوفة فأراد أن يستميله ؛ كي يبقيه في ولايته ولا يعزله ؛ فأشار عليه بولاية العهد ليزيد ، فقال له معاوية : ومَنْ لي بهذا ؟
فقال : أُكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة . وليس بعد هذين المصرين أحد يخالفك .
فقال له معاوية : فارجع إلى عملك ، وتحدّث مع مَنْ تثق إليه في ذلك وترى ونرى .
فودّعه ورجع إلى أصحابه ، فقال : لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية [الغي] على أُمّة محمد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً(43) .
وإنّ النظرة الموضوعية للواقع الذي حصل بتفاصيله وتداعياته تشهد بصحة هذا التقييم لبيعة يزيد ، وللنتائج المتوقّعة عليه .

ما حصل هو النتيجة الطبيعية لخروج السلطة عن موضعها
ومهما يعتصر قلب المسلم ألماً لذلك ، فإنّه لا ينبغي أن يستغرب ما حصل ؛ إذ هو النتيجة الطبيعية للخروج عن مقتضى النصّ الإلهي ؛ إذ كلّما امتدّ الزمن بالانحراف في المسيرة ، وفتح الباب للاجتهادات والمبرّرات لمواقف السلطة ، وألف الناس ذلك ، تضاعفت التداعيات والسلبيات ، وزاد السير بعداً عن الطريق المستقيم ، وفقدت القيود والضوابط بنحو يتعذّر معه الرجوع إليه ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
ولنكتف بهذا المقدار في عرض مواقف السلطة في عهد معاوية لمواجهة جهود أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) في كبح جماح الانحراف الذي حصل ؛ نتيجة الخروج بالسلطة في الإسلام عن موضعه ، وخروج الأُمّة في مسيرتها عن الطريق الصحيح الذي أراده الله تعالى له .
________________________________________
(1) العقد الفريد 2 / 83 فرش كتاب الجمانة في الوفود : الوافدات على معاوية : وفود الزرقاء على معاوية ، واللفظ له. تاريخ دمشق 69 / 167 في ترجمة زرقاء بنت عدي بن مرة الهمدانية. بلاغات النساء / 34 في كلام الزرقاء بنت عدي.
(2) تاريخ الطبري 2 / 63ـ64 ذكر الخبر عما كان من أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) عند ابتداء الله تعالى ذكره إياه بإكرامه بإرسال جبرئيل (عليه السّلام) إليه بوحيه. الكامل في التاريخ 2 / 63 ذكر أمر الله تعالى نبيه (صلّى الله عليه وآله) بإظهار دعوته. تاريخ دمشق 42 / 49 ، 50 في ترجمة علي بن أبي طالب. شرح نهج البلاغة 13 / 210ـ211. كنز العمال 13 / 114 ح :36371 ، / 131ـ133 ح :36419. وغيرها من المصادر.
وقد أبدل ابن كثير في تفسيره (3 / 364) وصيي وخليفتي بـ (كذا وكذ)، وكذا فعل في كتابه البداية والنهاية (3 / 53) باب الأمر بإبلاغ الرسالة. وقد سبقه في ذلك الطبري في تفسيره (19 / 149) مع أنه رواه في تاريخه بدون تصرف.
(3) مسند أحمد 4 / 370 حديث زيد بن أرقم (رضي الله عنه) .
(4) الأحاديث المختارة 3 / 267 فيما رواه مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه (رضي الله عنه) . مجمع الزوائد 9 / 129 كتاب المناقب : باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه. مسند أبي يعلى 2 / 109 مسند سعد بن أبي وقاص. تاريخ دمشق 42 / 204 في ترجمة علي بن أبي طالب. البداية والنهاية 7 / 383 أحداث سنة أربعين من الهجرة : شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وغيرها من المصادر.
(5) تاريخ الطبري 3 / 454 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أنساب الأشراف 3 / 7 بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام) . الكامل في التاريخ 3 / 191 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : ذكر بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. البداية والنهاية 7 / 253 أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة : ذكر بيعة علي (رضي الله عنه) بالخلافة. تاريخ ابن خلدون 1 / 214. الفتوح لابن أعثم 4 / 440 ذكر من فشل عن البيعة وقعد عنه. شرح نهج البلاغة 4 / 9. وغيرها من المصادر.
(6) راجع صحيح مسلم 7 / 120 كتاب فضائل الصحابة : باب من فضائل علي (رضي الله عنه)، ومسند أحمد 1 / 182 في مسند أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه)، والمستدرك على الصحيحين 3 / 499ـ500 كتاب معرفة الصحابة (رضي الله عنهم): مناقب سعد بن أبي وقاص ، والسنن الكبرى 5 كتاب الخصائص / 108 ذكر منزلة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، / 118 ، 119 ذكر قوله (صلّى الله عليه وآله) ما أنا أدخلته وأخرجتكم بل الله أدخله وأخرجكم ، وسنن ابن ماجة 1 / 45 باب اتباع سنة رسول (صلى الله عليه وسلم): فضل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، ومجمع الزوائد 9 / 107 كتاب المناقب : باب مناقب علي بن أبي طالب : باب قوله (صلّى الله عليه وآله) من كنت مولاه فعلي مولاه ، والمصنف لابن أبي شيبة 7 / 496 كتاب الفضائل : فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، وكتاب السنة لابن أبي عاصم / 595 ، 596 ، 610 ، ومسند أبي يعلى 2 / 109 ، 132 مسند سعد بن أبي وقاص ، والدر المنثور 2 / 39 ، وغيرها من المصادر الكثيرة جد.
(7) راجع ملحق رقم (2) .
(8) الإيضاح / 457ـ458.
(9) تاريخ دمشق 11 / 158 في ترجمة ثمامة بن عدي القرشي.
(10) المحاسن /  201 ، واللفظ له. بحار الأنوار 5 / 204.
(11) تاريخ دمشق 41 / 481 في ترجمة علي بن رباح ، واللفظ له. تهذيب الكمال 20 / 429 في ترجمة علي بن رباح بن قصير. سير أعلام النبلاء 5 / 102 في ترجمة علي بن رباح. تاريخ الإسلام 7 / 427 في ترجمة علي بن رباح. تهذيب التهذيب 7 / 281 في ترجمة علي بن رباح. الوافي بالوفيات 21 / 72 في ترجمة اللخمي المصري علي بن رباح. وغيرها من المصادر.
(12) المعجم الكبير 19 / 370 في ما رواه عبد الله بن عامر اليحصبي القارئ عن معاوية ، واللفظ له. مسند أحمد 4 / 99 حديث معاوية بن أبي سفيان (رضي الله عنه) . صحيح ابن حبان 8 / 194 كتاب الزكاة : باب المسألة والأخذ وما يتعلق به من المكافأة والثناء والشكر : ذكر الزجر عن أن يأخذ المرء شيئاً من حطام هذه الدني. تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة 1 / 143 ح :129. وكذا في صحيح مسلم 3 / 95 كتاب الزكاة : باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له ، مع تصرف.
(13) مسند الشاميين 3 / 251 فيما رواه يونس بن ميسرة عن معاوية ، واللفظ له. تاريخ دمشق 26 / 382 في ترجمة العباس بن عثمان بن محمد أبي الفضل البجلي. الكامل لابن عدي 1 / 5. كنز العمال 10 / 291 ح :29473.
(14) كتاب سليم بن قيس / 315ـ316 ، واللفظ له. بحار الأنوار 44 / 124ـ125.
(15) راجع / 104ـ105.
(16) شرح نهج البلاغة 4 / 63 وما بعده.
(17) شرح نهج البلاغة 4 / 64.
(18) كما في صحيح البخاري 7 / 73 كتاب الأدب.
(19) صحيح مسلم 1 / 136 كتاب الإيمان : باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم.
(20) فتح الباري 10 / 352.
(21) شرح نهج البلاغة 11 / 43 ، 44. النصائح الكافية / 152ـ153.
(22) شرح نهج البلاغة 11 / 44ـ46.
(23) سفر السعادة / 143 خاتمة الكتاب.
(24) كشف الخفاء 2 / 419ـ420.
(25) اللآلي المصنوعة 1 / 261ـ275 مناقب الخلفاء الأربعة.
26 ـ شرح نهج البلاغة 16 / 25 .
27 ـ شرح نهج البلاغة 16 / 35 ، واللفظ له ، مقاتل الطالبيين / 36 .
28 ـ تاريخ الطبري 6 / 401 أحداث سنة تسع وستين ومئة من الهجرة ، ذكر بعض سير المهدي وأخباره ، واللفظ له ، تاريخ دمشق 37 / 181 في ترجمة عبد الملك بن يزيد أبي عون الأزدي .  
29 ـ تاريخ الطبري 6 / 87 أحداث سنة مئة واثنين وثلاثين من الهجرة ، خلافة أبي العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ، واللفظ له ، الكامل في التاريخ 5 / 416 أحداث سنة مئة واثنين وثلاثين من الهجرة ، ذكر ابتداء الدولة العباسية وبيعة أبي العباس ، أنساب الأشراف 4 / 186 أمر قحطبة ، عيون الأخبار 2 / 252 كتاب العلم والبيان : الخطب : خطبة لداود بن علي ، مروج الذهب 3 / 248 ـ 249 ذكر الدولة العباسية ولمع من أخبار مروان ومقتله وجوامع من حروبه وسيره : قول الراوندية في الخلافة ، شرح نهج البلاغة 7 / 155 ، وغيرها من المصادر .
30ـ شرح نهج البلاغة 7 / 161 ـ 162 .
31 ـ منهاج الكرامة / 69 ، واللفظ له ، الصراط المستقيم 3 / 204 .
32 ـ أثبتنا هذه العبارة من تاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء لوجود خلل في هذا الموضع من النصّ المطبوع من تاريخ دمشق .
33 ـ تاريخ دمشق 57 / 333 في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم ، واللفظ له ، سير أعلام النبلاء 6 / 76 في ترجمة مروان بن محمد بن عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص ، تاريخ الإسلام 8 / 535 ـ 536 في ترجمة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص ، وج 10 / 550 في ترجمة أبي عبيد الله وزير المهدي وكاتبه ، إلاّ إنّه لم يذكر كلام المهدي ، وغيرها من المصادر .
34 ـ الكامل في التاريخ 5 / 291 ـ 292 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، ذكر بيعة يزيد بن الوليد الناقص ، تاريخ الطبري 5 / 570 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، البداية والنهاية 10 / 15 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، خلافة يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، تاريخ خليفة بن خياط / 290 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، خطبة يزيد بن الوليد طلباً للبيعة ، تاريخ الإسلام 8 / 311 ـ 312 في ترجمة يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان ، وغيرها من المصادر .
35 ـ الكامل في التاريخ 5 / 291 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، واللفظ له ، تاريخ ابن خلدون 3 / 106 مقتل الوليد وبيعة يزيد ، الأغاني 7 / 83 أخبار الوليد بن يزيد ونسبه وكنيته ، دافع عنه ابن علاثة الفقيه لدى المهدي ، نهاية الأرب في فنون الأدب 21 / 295 ـ 296 أحداث سنة (126) هـ ، ذكر مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وشيء من أخباره ، وغيرها من المصادر
36 ـ أنساب الأشراف 9 / 184 خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، عند ذكر مقتله ، وقريب منه في البداية والنهاية 10 / 9 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، مقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وسير أعلام النبلاء 5 / 372 في ترجمة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ، وتاريخ الإسلام 8 / 291 في ترجمة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الخليفة الفاسق ، وغيرها من المصادر .
37 ـ الكامل في التاريخ 5 / 291 أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة ، واللفظ له ، تاريخ ابن خلدون 3 / 106 مقتل الوليد وبيعة يزيد ، الأغاني 7 / 82 أخبار الوليد بن يزيد ونسبه ، لعن الرشيد قاتليه (يزيد الناقص) .
38 ـ مروج الذهب 4 / 44 ذكر خلافة المأمون ، المأمون وحديث معاوية ، وقريب منه في تاريخ الطبري 7 / 187 في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين ، والكامل في التاريخ 6 / 406 في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين ، وتاريخ الإسلام 15 / 6 ـ 7 في أحداث سنة إحدى عشرة ومئتين ، تشيّع المأمون .
39 ـ مروج الذهب 4 / 44 ـ 45 ذكر خلافة المأمون ، المأمون وحديث معاوية .
40 ـ راجع تاريخ الإسلام 17 / 13 أحداث سنة أربع وثلاثين ومئتين من الهجرة ، إظهار المتوكّل للسُنّة ، والبداية والنهاية 10 / 387 أحداث سنة سبع وأربعين ومئتين من الهجرة ، في ترجمة المتوكّل على الله ، وتاريخ بغداد 7 / 180 في ترجمة جعفر أمير المؤمنين المتوكّل على الله ، والوافي بالوفيات 11 / 101 في ترجمة المتوكّل على الله جعفر بن محمد أبي الفضل ، وفوات الوفيات 1 / 289 في ترجمة المتوكّل العباسي ، وغيرها من المصادر .
41 ـ شرح نهج البلاغة 8 / 212 ـ 213 ، واللفظ له ، نثر الدرّ 3 / 95 ـ 96 الباب الثالث ، كلام الخلفاء من بني هاشم ، المعتضد .
42 ـ تاريخ الطبري 8 / 182 ـ 190 في أحداث سنة 284هـ .
43 ـ الكامل في التاريخ 3 / 504 أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة ، ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد ، واللفظ له ، النصائح الكافية / 64 ، وقريب منه في سير أعلام النبلاء 4 / 39 في ترجمة يزيد بن معاوية ، وتاريخ الإسلام 5 / 272 في ترجمة يزيد بن معاوية ، وتاريخ دمشق 30 / 287 في ترجمة أبي بكر الصديق ، وج 65 / 410 في ترجمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، وتاريخ اليعقوبي 2 / 220 أيام معاوية بن أبي سفيان ، وغيرها من المصادر .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page