• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سياسة معاوية و آثارها في المجتمع وموقف الحسن والحسين (عليهما السّلام) منها

 

سياسة معاوية و آثارها  في المجتمع

ولقد كانت هذه السياسة تقوم على المبادئ التالية :
1 ـ الإرهاب والتجويع .
2 ـ إحياء النزعة القبلية واستغلاها .
3 ـ التحذير باسم الدين ، وشلّ الروح الثورية .

وبهذه السياسة حاول معاوية القضاء على ما لدى الجماهير المسلمة من نزعة إنسانيّة تجعلها خطراً على كلّ حاكم يجافي مبادئ الإسلام في ممارسته لمهمّة الحكم ، وبذلك أمن ثورة الجماهير ونقدها .
ولنأخذ هذه المبادئ بشيء من التفصيل .

سياسة معاوية الإرهاب والتجويع
لقد اتّبع معاوية سياسة الإرهاب ، والقتل ، والتجويع بالنسبة إلى الرعايا المسلمين الذين لا يتّفقون معه في الهوى السياسي ، وإطلالة قصيرة على تأريخ هذه الفترة من حياة المسلمين تُثبت هذه الدعوى.
حدّث سفيان بن عوف الغامدي ، وهو أحد قوّاد معاوية العسكريين ، قال : « دعاني معاوية فقال : إنّي باعثك بجيش كثيف ذي أداة وجلادة ، فالزم ليّ جانب الفرات حتّى تمرّ بهيت(1) فتقطعها ، فإن وجدت بها جُنداً فأغر عليهم ، وإلاّ فامض حتّى تُغير على الأنبار .
إنّ هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق تُرعب قلوبهم ، وتُفرح كلّ مَنْ له هوى فينا منهم ، وتدعو إلينا كلّ ما خاف الدوائر ، فاقتل كلّ مَنْ لقيته ممّن هو ليس على مثل رأيك ، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى ، وأحرِب الأموال ؛
فإنّ حرب الأموال شبيه بالقتل , وهو أوجع للقلب »(2) .
ودعا معاوية بالضحّاك بن قيس الفهري(3) وأمره بالتوجّه ناحية الكوفة ، وقال له : « مَنْ وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه » .
« فأقبل الضحّاك فنهب الأموال ، وقتل مَنْ لقي من الأعراب ، حتّى مرّ بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم ، ثمّ أقبل فلقي عمر بن عميس بن مسعود الدّهلي ، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود فقتله في طريق الحاج عند القطقطانية(4) ، وقتل معه ناساً من أصحابه »(5) .
واستدعى معاوية بُسر بن أرطأة(6) ، ووجّهه إلى الحجاز واليمن ، وقال له :
« سر حتّى تمر بالمدينة فاطرد الناس ، وأخف مَنْ مررت به ، وانهب أموال كلّ مَنْ أصبت له مالاً ممّن لم يكن دخل في طاعتنا ، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنّك تُريد أنفسهم ، وأخبرهم أنّ لا براءة لهم عندك ولا عذر حتّى إذا ظنّوا أنّك موقع بهم فأكففّ عنهم ... وأرهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة واجعلها شردات ... »(7) .
وقال له : « لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلاّ بسطت عليهم لسانك حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم ، وأنّك محيط بهم ، ثمّ اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي ، فمَنْ أبى فاقتله ، واقتل شيعة علي حيث كانوا »(8) . فسار ، وأغار على المدينة ومكة ، فقتل ثلاثين ألفاً عدا مَنْ أُحرق بالنار(9) .
وبهذا المطلع الفاني استهلّ معاوية سياسته بعد التحكيم مع المسلمين الذين يخالفونه في الهوى السياسي . وقد بلغ في ذلك شأواً بعيداً ، فقتل وأرعب ، واستصفى الأموال ، وعاث في الأرض فساداً .
وقد استمر على هذه السياسة بعد أن قُتل علي (عليه السّلام) ولكنّها إذ ذاك أخذت شكلاً أكثر تنظيماً وعُنفاً وشمولاً .
وقد نصّ المؤرّخون على أنّ هذا الإرهاب بلغ حدّاً جعل الرجل يُفضّل أن يُقال عنه أنّه زنديق أو كافر ولا يُقال عنه أنّه من شيعة علي(10) ، وقد بلغ بهم الحال أنّهم كانوا يخافون من النطق باسمه حتّى فيما يتعلّق بأحكام الدين التي لا ترجع إلى الفضائل التي كان الأمويون يخشون شيوعها ، فكانوا يقولون : « روى أبو زينب »(11) .
وقال أبو حنيفة : « إنّ بني اُميّة كانوا لا يفتون بقول علي ولا يأخذون به ، وكان علي لا يذكر في ذلك باسمه . وكانت العلامة باسمه بين المشايخ أن يقولوا : قال الشيخ »(12) . « وحضر الاُمويّون على الناس أن يسمّوا أبناءهم باسم علي »(13) .
* * *
وكتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة : « أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته ، فقامت الخطباء في كلّ كورة ، وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته »(14) .
« وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة ؛ لكثرة مَنْ بها من شيعة علي (عليه السّلام) ، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة وضمّ إليه البصرة ، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيام علي (عليه السّلام) ، فقتلهم تحت كلّ حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم وشرّدهم عن العراق ، فلم يبقَ بها معروف منهم » .
« وكتب معاوية إلى عمّاله في جميع الآفاق : ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة . ثمّ كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا إلى مَنْ قامت عليه البيّنة إنّه يُحبّ علياً وأهل
بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه . وشفع ذلك بنسخة اُخرى : مَنْ اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره » .
« فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ، ولا سيما بالكوفة ، حتّى أنّ الرجل من شيعة علي (عليه السّلام) ليأتيه مَنْ يثق به فيدخل بينه فيلقى إليه سرّه ، ويخاف من خادمه ومملوكه ، ولا يحدّثه حتّى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه ... فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علي (عليهما السّلام) ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبقَ أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض »(15) .
وأجمل ذلك الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر (عليه السّلام) ، فقال : (( وقُتلت شيعتنا بكلّ بلدة ، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة ، وكلّ مَنْ يُذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سُجن أو نُهب ماله ، أو هدمت داره ، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السّلام) ))(16) .
* * *
وقد طبّق ولاة معاوية على العراق ـ مهد التشيّع لآل علي ـ هذه السياسة بوحشية لا توصف ؛ فقد استعمل زياد سمرة بن جندب(17) على البصرة فأسرف
هذا السفّاح في القتل إسرافاً لا حدود له ؛ فهذا أنس بن سيرين يقول لمَنْ سأله ، هل كان سمرة قتل أحداً ؟ « وهل يُحصى مَنْ قتل سمرة بن جندب ؟ استخلفه زياد على البصرة وأتى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له ـ يعني زياداً ـ : هل تخاف أن تكون قتلت أحداً بريئاً ؟ فردّ عليه قائلاً : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت »(18) .
وقال أبو سوار العدوي : « قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن »(19) .
واستقام سمرة في المدينة شهراً ؛ فهدم دور أهلها ، وجعل يستعرض الناس فلا يُقال له عن أحد إنّه شرك في دم عثمان إلاّ قتله(20) ، وسبى نساء همدان ـ وهمدان من شيعة علي (عليه السّلام) ـ وأقمن في الأسواق , فكنّ أوّل مسلمات أُشترين في الإسلام(21) . وقد فعل ما فعل لدعم ملك معاوية ، وقال :« لعن الله معاوية ! والله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً »(22) .
أمّا زياد بن سميّة فكان يجمع الناس بباب قصره يحرّضهم على لعن علي ، فمَنْ أبى عرضه على السيف(23) ، وكان يعذّب بغير القتل من صنوف العذاب ، وتقدّمت إشارات إلى ذلك في كلام المدائني .
وهذا ابن الأثير يذكر لنا أنّه قطع أيدي ثمانين أو ثلاثين رجلاً من أهل الكوفة(24) ، وقد نوى في آخر أيامه أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من علي ولعنه ، وأن يقتل كلّ مَنْ امتنع من ذلك ويخرب منزله ، ولكنّه مات قبل أن يُنفّذ هذه الفكرة(25) .
هذا كلّه بالإضافة إلى سياسة الترحيل والتشريد التي قصد بها إلى إضعاف المعارضة في العراق ـ وتقدّمت إشارة إليها في نصّ ابن أبي الحديد عن المدائني ـ فقد أنزل من الكوفيين وأُسرهم ـ وكانوا أعظم الثوار تشيعاً ـ خمسين ألفاً في خراسان(26) ، وبذلك حطّم قوّة المعارضة في الكوفة وخراسان معاً .
* * *
هذا عرض موجز للسياسة التي تتناول حياة الناس وأمنهم ، وأمّا السياسة التي تتناول أرزاق الناس وموارد عيشهم فلا تقل قتامة وكلوحاً وإيغالاً في الظلم عن سابقتها ؛ فإنّ معاوية بعد أن تمّ له السلطان على البلاد الإسلاميّة في عام الجماعة عالن الناس بطبيعة الحكم الجديد في كلمته التالية : « يا أهل الكوفة ، أترون أنّي قاتلتكم على الصلاة ، والزكاة والحجّ ، وقد علمت أنّكم تُصلّون ، وتزكون وتحجّون ، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم ، وألي رقابكم ، وقد أتاني الله ذلك وأنتم كارهون . ألا إنّ كلّ دم اُصيب في هذه مطلول ، وكلّ شرط شرطته فتحت قدَمي هاتين » .
وكان قد قال قبل ذلك لمّا تمّ الصلح : « رضينا بها ملكاً »(27) . وكان معاوية أميناً لمنهجه هذا ، فلم يحد عنه أبداً .
وشهدت الأمّة المسلمة من جوره وعسفه ما لم تعهد مثله في سالف أيّامها . وكان أوفر دهاء من أن يدع للمضطهدين منفذاً للتعبير عن سخطهم واستيائهم ، بل كان من البراعة بحيث حمل الكثيرين على وصفه بالحلم والكرم ، والإعجاب به لذلك .
وترى كتب التاريخ والأدب حافلة بالحديث عن حلم معاوية وسخائه وبذله الأموال ، ولكنّ شيئاً من دقّة الملاحظة يكشف عن حقيقة الحال ؛ فإنّ هذا السخاء كان مقصوراً على حفنة من الناس لا يتعدّاها إلى غيرها من العامّة ممّن هم في أمس الحاجة إلى الدرهم .
لقد كان سخاء معاوية مقصوراً على هذه الطبقة الإرستقراطية التي صعد على أكتافها إلى الحكم ، والتي استعان بما لها من نفوذ سياسي أو ديني في مؤامراته أو حروبه . وكانت هذه الطبقة مؤلّفة من زعماء القبائل الموالين له ، ومن بعض الأشخاص الذين قذفت بهم أحداث الإسلام الأولى مرغمين إلى صحبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولولا ذلك لفضلوا أن يكونوا في صفوف أعدائه ، فتدفّقت الثروات الضخمة ، والعطايا الجزيلة على أفراد هذه الطبقة ، وحرم سائر الناس من مطالبهم الأساسية ، وطفق المحدّثون الرسميون (القُصّاص) يُذيعون في الناس سخاء معاوية وكرمه ، مستشهدين بهباته الجزيلة لفلان وفلان . وتناقل الرواة هذه الأحاديث حتّى سجّلها المؤرّخون مفاخر له .
ولا يُغيّر من مغزى هذا شيئاً أنّ معاوية كان يهب بعض أعدائه القدماء أموالاً جزيلة ؛ فإنّ الذي ألجأ هؤلاء الأعداء إلى مسالمته وإن كان عجزهم عن المقاومة إلاّ إنّ هذا لا ينفي أنّهم كانوا قادرين على أن يشغبوا عليه إذا لم يستجب لمطالبهم ، ولم يكن عسيراً عليه إدراك أنّ من الأفضل له عدم إثارتهم بحرمانهم من الامتيازات الثابتة لهم بحكم كونهم زعماء قبليين .
ويجب علينا حين ندرس سياسة معاوية المالية أن نضع خطّاً فاصلاً بين الشام وبين سائر الولايات الإسلاميّة ؛ لأنّ الشام قد تمتّعت برخاء حقيقي ؛ والسرّ في ذلك هو أنّ جند الشام كان عماد معاوية في حروبه , فلم يسعه إلاّ أن يسترضيه بالأموال .
ونلاحظ أنّه كان يُنفق على جيشه الذي بلغ ستين ألف جندي ، ستين مليون درهم في السنة(28) ، على أنّه لا يفوتنا أن نلاحظ أنّ هذا الرخاء لم يكن من حظّ عرب الشام أجمع ، وإنّما كان لقبائل اليمن وحدها ، وأمّا قبائل قيس فكانت تُعاني شظف العيش ؛ لأنّه لثقته بولاء اليمن له لم يأبه لقيس ، فلم يفرض لها في العطاء إلاّ في وقت متأخّر بعد أن خشي على سلطانه من قوّة قبائل اليمن(29) .
وأما سائر الولايات الإسلاميّة فقد ذاقت الطبقات الفقيرة فيها طعم البؤس ، وعانت ألواناً من الاستعباد والإفقار ، بلا فرق في ذلك بين المسلمين وبين الداخلين في ذمّة الإسلام ، فقد اهتمّ معاوية بجمع المال دون أن يهتمّ بمصادره وأساليب جبايته ، واتّخذ من هيمنته على مصادر الجباية وبيت المال ذريعة إلى التحكّم في أعدائه المغلوبين على أمرهم ، والذين لا يقدرون على إزاحته عن الحكم . وهناك بعض الشواهد على ما نقول .
كتب معاوية إلى عمّاله بعد عام الجماعة :
« ... انظروا إلى مَنْ قامت عليه البيّنة أنّه يُحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان ، واسقطوا عطاءه ورزقه . وشفع ذلك بنسخة أخرى : مَنْ اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره »(30) . وكثيراً ما كان الأنصار يمكثون بلا عطاء ، ولا ذنب لهم إلاّ أنّهم ينصرون أهل البيت (عليهم السّلام)(31) .
وكانوا إذا عصاهم أحد من المسلمين قطعوا عطاءه ولو كان العاصون بلداً برمّتها(32) .
وكان من جملة الأساليب التي اتّبعها معاوية لحمل الحسين (عليه السّلام) على بيعة يزيد حرمان جميع بني هاشم من عطائهم حتّى يُبايع الحسين (عليه السّلام)(33) .
وكتب إلى زياد بن سميّة عامله على العراق : « اصطف لي الصفراء والبيضاء » . فكتب زياد إلى عمّاله بذلك ، وأمرهم أن لا يُقسموا بين المسلمين ذهباً ولا فضّة(34) .
وكتب إلى وردان عامله على مصر أن زد على كلّ امرئ من القبط قيراطاً . ولكن وردان كان أعدل من معاوية ,
فكتب إليه : « كيف أزيد عليهم وفي عهدهم ألاّ يُزاد عليهم ؟ »(35) .
وكان ذلك هو شأنه في تحريض عمّاله على جمع الأموال ، وهم يخترعون الطرق للاستكثار منها(36) .
وفرض ضريبة على الأهالي تُقدّم إليه يوم النيروز ، فكان يُجبى منها عشرة ملايين درهم(37) ، وهو أوّل مَنْ استصفى أموال الرعية(38) .
وها هو معاوية يُعطي عمرو بن العاص(39) أرض مصر وأموالها وسكّانها المعاهدين ملكاً حلالاً له . وقد جاء في صك هذا العطاء : أنّ معاوية أعطى عمرو بن العاص مصر وأهلها هبة يتصرّف كيف يشاء .
مصر التي كتب علي بن أبي طالب للأشتر عامله عليها وثيقة تُعتبر من أعظم حقوق الإنسان على مدى
العصور غدت عند معاوية سلعة تُباع وتُشترى .
وهاك نموذجاً من سلوك عمرو بن العاص في مصر : سأله صاحب أخنا بمصر أن يُخبره بمقدار ما عليه من الجزية ، فأجابه : « لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك ، إنّما أنتم خزانة لنا ، إن كثر علينا كثرنا عليكم ، وإن خفف عنّا خففنا عنكم »(40) .
وحين استولى معاوية على العراق نقل بيت المال من الكوفة إلى دمشق ، وزاد في جرايات أهل الشام ، وحطّ من جرايات أهل العراق(41) . وقد أوضح فلسفته في جميع المال بقوله : « الأرض لله ، وأنا خليفة الله ، فما آخذ من مال الله فهو لي ، وما تركته كان جائزاً لي » .
وكان معاوية على أن يولي على العراق ـ موطن الولاء لآل البيت ـ أشخاصاً من أعداء آل البيت (عليهم السّلام) ؛ ليضمن تنفيذ سياسة الإرهاب والإذلال والتجويع في العراق بسهولة ، وليستطيع أن يمنح العراقيين امتيازات يعلم أنّ ولاته ـ بسبب من حقدهم ـ لا ينفذونها ، فيفوز بحسن السمعة دون أن يتخلّى عن مبادئه .
ونذكر نموذجاً لذلك هو أنّه أمر لأهل الكوفة : « بزيادة عشرة دنانير في أعطيتهم ، وعامله يومئذ على الكوفة وأرضها النعمان بن بشير(42) ، وكان عثمانياً ، وكان يبغض أهل الكوفة لرأيهم في علي (عليه السّلام) ،
فأبى النعمان أن ينفذها لهم ، فكلّموه وسألوه بالله فأبى أن يفعل .
ولمّا استرحمه عبد الله بن همام السلولي وطلب إليه في قطعة شعرية مؤثّرة أن ينجز لهم الزيادة ، قال : « والله لا اُجيزها ولا اُنفذها أبداً »(43) .
* * *
وهكذا حرم المسلمون من أموالهم لتُنفق هذه الأموال على الزعماء القبليين ، والقادة العسكريين ، وزمر الكذّابين على الله ورسوله .
وقد طُبّقت هذه السياسة ـ سياسة الإرهاب والتجويع ـ بالنسبة إلى المسلمين عموماً ، وبالنسبة إلى كلّ مَنْ اتّهم بحبّ علي وآله على الخصوص . لقد كان حبّ علي (عليه السّلام) سرطان الحكم الأموي , فعزموا على قطعه تماماً .
ويُقدّم لنا يوليوس ولهاوزن صورة مُعبّرة عن الآثار السياسيّة والاجتماعيّة التي خلّفتها هذه السياسة في المجتمع العراقي في ذلك الحين : « لقد غُلب أهل العراق في صراعهم مع أهل الشام ... وضاع منهم دخل الأراضي التي استولوا عليها ، وصار عليهم أن يقبلوا باُجور هي فتات موائد أسيادهم ، وكانوا مغلوبين على أمرهم ، تغلبهم عليه تلك الصدقات التي هم محتاجون إليها ، والتي في يد الاُمويِّين تخفيفها أو إلغاؤها ، فلا عجب إذاً في أن يروا في حكم أهل الشام نيراً ثقيلاً ، وأن يتأهّبوا لدفعه متى سنحت الفرصة المواتية لهم بذلك .
وازدادت الضغينة على الاُمويِّين بسبب عدائهم للنبي والعقيدة الإسلاميّة بما انظمّ إليها من الشكاوى على السلطان التي أصبحت الآن شكاوى من الاُمويِّين , وهم أصحاب السلطان , وهي النقاط أنفسها تُعاد وتُكرر ؛ عمّال يسيئون استعمال سلطانهم ، وأموال للدولة تذهب إلى جيوب عدد قليل من الناس ، بينما لا يحصل غيرهم على شيء .
وكان زعماء القبائل والأسر في الكوفة يشاركون غيرهم منذ الأصل هذا الشعور ، بيد أن وضعهم الذي يُلقي بالمسؤولية على عاتقهم جنح بهم إلى أن يعتصموا بالحيطة والحكمة ، فلا يشرعون في القيام بثورة لا هدف لها ، بل يردون الجماهير عنها حين ينطلقون فيها ، وها هم أولاء باسم السلام والنظام يضعون نفوذهم تحت تصرّف الحكومة ؛ كيلا يُعرضوا وضعهم للأخطار ، وإذا هم يُصبحون أعداء أكثر فأكثر للشيعة الحقيقيين ، وأعداء لهم يشتدّ عداؤهم يوماً بعد يوم ، تلك الشيعة التي لم ينقض من تمسكها بورثة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إخفاقها في تحقيق رغباتها ... بل زاد فيه . وكانت مقاومتها للإرستقراطية القبلية تُضيق الخناق عليها »(44) .

إحياء النزعة القبلية واستغلالها
دعا الإسلام إلى ترك التعصّب للقبيلة والتعصّب للجنس ، واعتبر الناس جميعاً سواء من حيث الإنسانيّة المشتركة ، وأقام مبادئه وتشريعاته على هذه النظرة الصائبة إلى الجنس البشري . وفي الحديث : (( المؤمنون إخوة ؛ تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمّتهم أدناهم ، وهم يد على مَنْ سواهم ))(45) .
وممّا روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال في خطبته في حجّة الوداع : (( أيّها الناس ، إنّ الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وفخرها بالآباء ، كلكم لأدم وأدم من تراب ، ليس لعربيٍّ على عَجَميٍّ فضل إلاّ بالتقوى ))(46) .
وروي عنه (صلّى الله عليه وآله) :
(( مَنْ قاتل تحت عَمية ، يغضب لعصبيّة ، أو يدعو إلى عصبيّةٍ ، أو ينصر عصبيّةً ، فقُتل ، قُتل قتلةً جاهليّة ))(47) .
وقال الله تعالى مبيّناً في الكتاب الكريم المقياس الإسلامي في التفاضل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )(48) .
بهذه الروح الإنسانيّة الرحبة الآفاق دعا الإسلام إلى النظر إلى اختلاف القبائل والشعوب ، وبهذه الروح الإنسانيّة الرحبة حاول الإسلام أن يجعل من القبائل العربية المسلمة أمّة واحدة لا يمزّقها التناحر القبلي الجاهلي ، وإنّما تربط بين أفرادها أخوّة الإسلام ، ورسالة الإسلام ، وحاول أن يجعل من المسلمين جميعاً ـ على اختلاف أوطانهم ولغاتهم ـ أمّة واحدة متماسكة ، تجمعها وحدة العقيدة ، ووحدة الهدف والمصير .
وقد عمل النبي (صلّى الله عليه وآله) طيلة حياته بأقواله وأعماله على تركيز هذه النظرة الإسلاميّة في وجدان المسلمين ، وجعلها حقيقة حيّة في تفكيرهم ، وتابعه على ذلك علي (عليه السّلام) ؛ فعمل على تركيزها بأعماله وأقواله طيلة حياته ، بعد أن شهد عهد عثمان انحرافاً خطيراً عن هذه النظرة الإسلاميّة ، واتجاهاً خطيراً نحو الروح الجاهلي والعصبية القبلية التي اتّبعها هو وعمّاله(49) .
ولا نزال حتّى اليوم نحس بحرارة نضال علي (عليه السّلام) في هذا المجال ، وإنْ ما سلم من أيدي الحوادث من آثار علي (عليه السّلام) الكلامية في هذا الموضوع على قلّته ليدلّنا على عمق النظرة التي نظر بها علي (عليه السّلام) إلى التكوين القبلي للمجتمع ، ويدلّنا على وعيه لمدى خطر هذا التكوين القبلي على المجتمع الإسلامي .
ومن أبرز الآثار الباقية من كلامه في هذا الموضوع الخطبة القاصعة ، وهي وثيقة عظيمة الأهمية في الدلالة على وجهة نظره (عليه السّلام)(50) .
أمّا معاوية فقد استغل هذه الروح في ميدانَين ؛ فقد أثار بالقول والفعل العصبية القبلية عند القبائل العربية ليضمن ولاءها عن طريق ولاء زعمائها من ناحية ، وليضرب بعضها ببعض حين يخشاها على سلطانه من ناحية أخرى . وآثار العصبية العنصرية عند العرب عموماً ضدّ المسلمين غير العرب ، وهم الذين يُطلق عليهم المؤرّخون اسم الموالي .
ففي حياة علي (عليه السّلام) سلك معاوية سبيل الدسّ والتآمر على حكم علي (عليه السّلام) عن طريق إثارة الروح القبلية في سكّان العراق من القبائل العربية ، فتارة يُلوّح لزعماء هذه القبائل بالامتيازات الماديّة والاجتماعيّة التي يخصّ بها الزعماء القبليون في الشام ؛ ومن هنا صارت الشام ملاذاً لمَنْ يغضب عليه الإمام (عليه السّلام) من هؤلاء الزعماء لجناية جناها ، أو خيانة خانها في عمله ، ومطمحاً لمَنْ يريد الغنى والمنزلة ، فيجد عند معاوية الإكرام والعطاء الجزل ، والمنزلة الاجتماعيّة الرفيعة .
وقد كتب الإمام علي (عليه السّلام) إلى سهل بن حنيف(51) عامله على المدينة في شأنقوم من أهلها لحقوا بمعاوية : (( أمّا بَعْدُ , فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ , فَلا تَأْسَفْ عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ , وَيَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ ؛ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً وَلَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَالْحَقِّ , وَإِيضَاعُهُمْ إِلَى الْعَمَى وَالْجَهْلِ ؛ فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا , وَمُهْطِعُونَ إِلَيْهَا , وَقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ وَرَأَوْهُ , وَسَمِعُوهُ وَوَعَوْهُ , وَعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ فَهَرَبُوا إِلَى الأَثَرَةِ , فَبُعْداً لَهُمْ وَسُحْقاً ! إِنَّهُمْ وَاللَّهِ لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ , وَلَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ , وَإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ يُذَلِّلَ اللَّهُ لَنَا صَعْبَهُ , وَيُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , وَالسَّلامُ ))(52) .
وقد كان معاوية يجد دائماً أشخاصاً من هذا النوع في مجتمع العراق ، وكان يتخلص بولائهم له ، وطمعهم فيما عنده من مآزق حرجة(53) .
وكان يتمتعّ بحس يوفّق به إلى إثارة هذه الروح في الوقت المناسب ، وبحيث يبدو فعله منسجماً مع ما يقتضيه الإنصاف والعدل ، كقوله لشبث بن ربعي(54)  وقد سفر عنده لعلي مع زعيمين آخرين من أهل العراق في صفين : « أوّل ما عرفت به سفهك ، وخفّة حلمك قطْعك على الحسيب الشريف سيد قومه منطقه . يعني سعيد بن العاص الهمداني »(55) .
ومن ذلك ما كان منه في شأن النزاع الذي حدث حول رياسة كندة وربيعة ، فقد كانت للأشعث بن قيس الكندي ، فعزله عنها علي (عليه السّلام) ودفعها لحسّان بن مخدوج من ربيعة ، فلمّا بلغ ذلك معاوية أغرى شاعراً كنديّاً يقول شعراً يهيج به الأشعث وقومه ، فقال شعراً عظّم به شأن الأشعث وقومه ، وهجا به حسّان وربيعة ، ولكنّ أهل اليمن فطنوا إلى ما يريد معاوية ، فقد قال شريح بن هانئ : « يا أهل اليمن , ما يريد صاحبكم إلاّ أن يُفرّق بينكم وبين ربيعة »(56) .
وهكذا نراه يسعى إلى أن يؤجج القبلية بين القبائل العربية ؛ فيلقي بينها العداوة والبغضاء ، ويثير فيها إحن الجاهليّة وأحقادها .
وأرسل معاوية في سنة (38) للهجرة ابن الحضرمي إلى البصرة ليضرم الفتنة بين قبائلها بإثارة ذكريات حرب الجمل ، وقتل عثمان ، وقال له : « فانزل في مضر ، واحذر ربيعة ، وتودّد الأزد ، وانع ابن عثمان ، وذكّرهم الوقعة التي أهلكتهم ، ومن لمَنْ سمع وأطاع دنياً لا تفنى ، وأثرة لا يفقدها »(57) .
وقد وفق ابن الحضرمي إلى حدٍّ ما في إثارة إحن القبائل ، وكأنّما سرت هذه النار التي أججها ابن الحضرمي بين قبائل البصرة إلى قبائل الكوفة ؛ للقرابة النسبيّة التي بين القبائل هنا وهناك . فقال علي (عليه السّلام) يخاطب قبائل الكوفة بهذه المناسبة من جملة كلام له : (( وإذا رأيتم الناس بينهم النائرة ، وقد تداعوا إلى العشائر والقبائل , فاقصدوا لهامهم ووجوههم بالسيف حتّى يفزعوا إلى الله , وإلى كتابه وسنّة نبيّه ؛ فأمّا تلك الحميّة فإنّها من خطرات الشياطين ، فانتهوا عنها ـ لا أباً لكم ! ـ تُفلحوا وتنجحوا ))(58) .
* * *
وحينما بويع معاوية بالخلافة لم تخضع له البلاد الإسلاميّة كلّها خضوعاً تامّاً ، فقد كان هنالك الشيعة الذين يوالون علياً وأهل بيته ، وكان هنالك الخوارج الذين يتّفقون مع الشيعة في عدائهم للاُمويِّين ، وكان هنالك قبائل العراق التي لم تنظر بعين الارتياح إلى نقل بيت المال إلى الشام ، وإلى تفضيل أهل الشام في العطاء على أهل العراق(59) .
هذا مضافاً إلى أنّ كثيراً من المسلمين كانوا يرون في انتصار الاُمويِّين انتصاراً للوثنية على الإسلام ؛ لذلك كلّه كرهوا الاُمويِّين وغطرستهم ، وكبريائهم وإثارتهم للأحقاد القديمة ، ونزوعهم للرّوح الجاهليّة(60).
ولقد واجه معاوية هذه الموجة العارمة من البغضاء التي قوبل بها حكمه بأنماط متعدّدة من السلوك كان منها ـ ولعلّه أهمّها ـ ضرب القوى العقائدية المعادية للحكم الأموي بعضها ببعض ، وإثارة الرّوح القبلية على نطاق واسع يكفل له انشقاق القبائل بتأثير أحقادها الصغيرة ، ويخلق بينها حالة من التوتّر تجعل من المتعذّر عليها أن تتوحّد ، وأن تنظر إلى الحكم الأموي نظرة موضوعية ، وبذلك فاز معاوية بتفتيت المعارضة بعوامل داخلية تنبع من صميم المعارضة نفسها .
ولم تكن هذه السياسة هي اللون المفضّل عند معاوية بالنسبة إلى سائر القبائل فحسب ، بل كانت بهذه المنزلة عنده بالنسبة إلى أسرته الأموية ذاتها أيضاً ، ففد كان ـ كما يقول ولهاوزن ـ يسعى إلى أن يدخل القطيعة بين مختلف فروع الأسرة الأموية بالمدينة ليقضي بذلك على شوكتهم(61) .
وإذا كانت هذه هي خطّته بالنسبة إلى أسرته ذاتها فليس لنا أن نطمع منه بسلوك أنبل بالنسبة إلى سائر القبائل التي كان يخشاها على سلطانه ؛ لأنّ الدوافع المشتركة كانت توحّدها في الوقوف ضدّه.
ولا يجد الباحث صعوبة كبيرة في اكتشاف هذا الخُلق في معاوية ؛ فتأريخه مليء بالشواهد عليه .
فبراعته في استغلال ما لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام من أجل مصالحه الخاصّة جعلته يستغل هؤلاء الشعراء في هذا الميدان ، فيحرّضهم على القول في موضوعات الفخر والهجاء كالذي كان بين القبائل في الجاهليّة(62) .
ومن ذلك موقف شاعره الأخطل من الأنصار ، فقد واصل شعراء الأنصار هجاء معاوية على أساس ديني ، فردّ عليهم الأخطل بهجاء قبلي جاهلي ، ونظم فيهم قصيدته التي يقول فيها :
ذهـبت قريش بالمكارم  والعُلا      واللؤم تحت عمائم الأنصارِ(63)
ولا يصعب علينا أن نعرف الدوافع التي دفعت معاوية إلى اتّخاذ هذا الموقف من الأنصار ، فقد كانوا يقفون في صف المعارضة للحكم الأموي إلى جانب الأُسر القرشية البارزة التي أحفظها أن تفوز أميّة بالحكم دونها ؛ لأنّهم لم ينظروا بعين الارتياح إلى استيلاء أعداء الإسلام ونبيّه على الحكم بهذه السهولة ، ولعلّه قدّر أنّ إثارة الأحقاد القديمة التي خلّفتها حروب الإسلام القديمة كفيلة بأن تنال من هذا الاتّحاد بين الأنصار وبين المنافسين لأميّة من قريش .
ومن جهة أخرى نراه يسعى إلى تفتيت وحدة الأنصار بإثارة الأحقاد الجاهليّة التي كانت بين الحيين الأوس والخزرج ، فيضرب إحدى القبيلتين بالاُخرى . وقد توصّل إلى ذلك ببراعة ؛ فقد كان يوعز إلى المعنيين بإنشاد الشعر الجاهلي الذي تهاجت به القبائل قبل الإسلام .
قال أبو الفرج الأصفهاني :
« كان طويس(64) ولعاً بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم ، وكان يريد بذلك الإغراء ، فقلّ مجلس اجتمع فيه هذان الحيّان فغنى فيه طويس إلاّ وقع فيه شيء ... فكان يُبدي السرائر ويُخرج الضغائن »(65) .
وهذا عبد الله بن قيس الغطفاني ، من قيس عيلان اعتدى على كثير بن شهاب الحارثي ، فكتب ناس من اليمانية إلى معاوية أنّ سيدنا ضربه خسيس من غطفان , فإن رأيت أن تُقيدنا من أسماء بن خارجة . فحمّقهم معاوية .
وقال كثير بن شهاب : والله لا أستقيدها إلاّ من سيد مضر . فغضب معاوية ، وأمّن عبد الله وأطلقه ، وأبطل ما فعله بابن شهاب فلم يقتصّ ولا أخذ له عقلاً(66) .
وحين تعرف أنّ أشدّ الناس إخلاصاً لعلي (عليه السّلام) في العراق كانوا من قبائل اليمن ، يتّضح لنا لماذا يتعصّب معاوية لمضر العراق على يمن العراق .
هذا بالإضافة إلى أنّ السلطة حين تكفّ عن أن تكون حكماً بين القبائل في منازعاتها تسعى هذه القبائل إلى أن تقتصّ لنفسها ، وتتناحر فيما بينها ، وهي النتيجة التي يطمح إليها معاوية .
أمّا في الشام فتراه يتعصّب لليمن على مضر ؛ فقد تقرّب إلى قبيلة كلب اليمانية فتزوّج ميسون اُمّ يزيد ، وهي ابنة بجدل زعيم قبيلة كلب ، وزوّج ابنه يزيد من هذه القبيلة أيضاً . وقد اعتمد حروبه ومؤامراته على هذه القبيلة وعلى قبائل اليمن الأخرى : عكّ ، والسكاسك ، والسكون ، وغسّان وغيرها , واضطهد مضر الشام فلم يفرض عطاءً لقيس وهي من مضر ؛ لثقته العظيمة بكفاءة أنصاره اليمانيين .
وهكذا مسكين الدارمي ، وهو شاعر يخشى لسانه ويُرجى , طلب من معاوية أن يفرض له في العطاء فلم يجبه إلى ذلك ؛ لأنّه مضري ، فقال شعراً يرقق به قلب معاوية فلم يلتفت إليه . وقد سببت هذه المحاباة اعتزاز اليمن ، فاشتدّ بأسها ، واستطالت على الدولة ، وتضعضعت قيس وسائر عدنان .
وسمع معاوية كلمة من بعض أهل اليمن أثارت مخاوفه ، فرأى أن يضرب اليمانيين بالمضريِّين ، ففرض من وقته لأربعة آلاف من قيس وغيرها من عدنان ، وبعث إلى مسكين يقول له : « لقد فرضنا لك وأنت في بلدك ؛ فإن شئت أن تقيم بها أو عندنا فافعل ؛ فإنّ عطاءك سيأتيك »(67) .
* * *
ولقد كانت سياسة عمّال معاوية على أمصار الدولة هي سياسة معاوية نفسه ، فيعمد الوالي إلى إثارة العصبيات القبلية فيما بين القبائل ؛ ليشغلها عن مراقبته والاتّحاد ضدّه ، بالتناحر عنده فيما بينها .
وقد لاحظ ولهاوزن هذه الظاهرة ، وقال عنها : « ... وأججّ الولاة نار هذه الخصومة ـ يعني الخصومة بين القبائل ـ ولم يكن تحت تصرّف الولاة إلاّ شرطة قليلة ، وفيما سوى ذلك كانت فرقهم من مقاتلة المصر ، وهي قوّة الدفاع في القبائل ، حتّى إذا أحسنوا التصرّف تهيّأ لهم أن يضربوا القبائل بعضها ببعض ، وأن يثبتوا مركزهم بينهم .
وكثيراً ما كان يحدث أنّ الوالي يعتمد على إحدى القبائل ضدّ الأخرى ، وبوجه عام على قبيلته التي أتى بها معه ، حتّى إذا أتى والٍ جديد أتت قبيلة أخرى إلى الحكم , وينتج من ذلك أنّ القبيلة التي نُحّيت عن الحكم تُصبح عدوّاً لدوداً للقبيلة التي تحكم ، وهكذا أضحت الميزات القبلية ملطّخة بالسياسة والخصام على الغنائم السياسيّة »(68) .
وقد كان زياد بن سميّة من أبرع عمّال معاوية في هذا الميدان ، وممّا يؤثر عنه أنّه عندما همّ القبض على حجر بن عدي الكندي(69) أمر محمد بن الأشعث الكندي بالقبض عليه هادفاً من وراء ذلك إلى زرع بذور الشقاق في كندة ، وهي من أقوى قبائل الكوفة ؛ ليستريح من وحدتها ، ويلهي كلاً من أنصار حجر وأنصار محمد بأعدائه الجدد ، ولكنّ يقظة حجر فوّتت على زياد هذه الفرصة ، فسلّم نفسه إلى السلطة طوعاً(70) .
وقد قال عنه ولهاوزن : « ... ولكنّ الواقع أنّه لم يقض في الكوفة على ثورة الشيعة بواسطة الشرطة , بل بعون من القبائل نفسها ... وتمكّنه الغيرة القائمة بين القبائل من أن يضرب بعضها ببعض »(71) .
وقال عنه أيضاً :
« ... وعرف زياد كيف يخضع القبائل بأن يضرب إحداها بالأخرى ، وكيف يجعلها تعمل من أجله ، وأفلح في ذلك »(71) .
وقد سلك ابنه عبيد الله هذا المسلك حين ولاّه معاوية البصرة بعد أبيه ، وممّا يؤثر عنه في هذا الباب أنّه أغرى بين صديقيه الشاعرين أنس بن زنيم الليثي وحارثة بن بدر الفداني ، وكان يُكره أحدهما على هجاء الآخر وقومه حتّى وقع بينهما شرّ بسبب ذلك ، وعبيد الله ماضٍ في الإيقاع بينهما(72) .
وقد كان المغيرة بن شعبة والي الكوفة من قبل معاوية يتّبع نفس هذا الأسلوب ، فعندما ولي الكوفة جعل من همّه أن يُفسد ما بين الخوارج والشيعة ، وبذلك استطاع أن يشغل الكوفيين عن معارضة الاُمويِّين معارضة فعّالة(73) .
وها هو يصرّ على أن يدفع بصفوة الشيعة في الكوفة والبصرة إلى حرب الخوارج ، ويُجهّز جيشاً منهم لهذه الغاية(74) .
وقد كانت عاقبة هذه السياسة أن عادت إلى الاشتعال من جديد تلك العداوات والأحقاد القديمة التي كانت بين القبائل ، وكان من نتائجها بعد ذلك ظهور الشعر السياسي الحزبي والقبلي .
فقد شبّت نيران الهجاء بين شعراء الشيعة والخوارج والاُمويِّين ، واشتعلت نيران الهجاء والمفاخرات القبلية بين القبائل نفسها ، وعاضد الشعراء القبليون الأحزاب بدوافع قبلية ، فقد انضمّ الأخطل إلى الاُمويِّين على قيس عيلان أعداء قومه التغلبيين ، ثمّ انضمّ إلى الفرزدق على جرير ؛ لأنّ جريراً كان لسان القيسية على تغلب ، وكان الفرزدق تميمياً ، وجرير أخذته قيس عيلان .
وقد تقمصّت هذه العصبية القبلية شكلاً دينياً حينما أخذت القبائل تسعى إلى اختراع الأحاديث في فضلها تنسبها إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) ؛ وذلك إنّ هذه القبائل لمّا كانت تتنازع الرياسة ، والفخر ، والشرف وجدت في الأحاديث باباً تدخل منه إلى المفاخرة كالذي وجدته في الشعر ، فكم من الأحاديث وضعت في فضل قريش ، والأنصار ، وأسلم ، وغفار ، والأشعريين ، والحميريين ، وجهينة ، ومزينة(75).
وسنرى أنّ معاوية قد استأجر بعض تجّار الدين لاختلاق الأحاديث في مديحه ومديح أسرته ، ولعلّ مساعيه هذه هي التي حملت الآخرين على اختلاق الأحاديث في تمجيد قبائلهم .
* * *
وهكذا بثّ معاوية روح البغضاء والنفرة بين القبائل العربيّة ، فشغلت هذه القبائل بأحقادها الصغيرة عن مقارعة خصمها الحقيقي ، الحكم الأموي ، وشغل زعماء هذه القبائل بالسعي عند الملوك الاُمويِّين للوقيعة بأعدائهم القبليين ، وفاز معاوية ـ وحلفاؤه من بعد ـ بكونه حكماً بين أعداءٍ هو الذي أشعل نيران العداء بينهم من حيث لا يشعرون ، ووحّدهم في طاعته من حيث لا يدرون .
وقد دفعهم هذا الوضع إلى أن يقفوا دائماً مع الحاكمين ضدّ الثائرين ؛ ليحافظوا على الامتيازات الممنوحة لهم ، ويخذّلون عنها بل ويتسابقون في استخدام أقصى ما يملكونه من نفوذ ودهاء في هذا السبيل ؛ للتأكيد على ولائهم التام للسلطة القائمة .
وقد لاحظ ولهاوزن :
« إنّ وضعهم ـ زعماء القبائل ـ جنح بهم إلى أن يعتصموا بالحِطية والحكم ، فلا يشرعون في القيام بثورة لا هدف لها بل يردّون الجماهير عنها عندما ينطلقون فيها ، وها هم أولاء باسم الإسلام والنظام يضعون نفوذهم تحت تصرّف الحكومة ؛ كيلا يُعرضوا وضعهم للأخطار »(76) .
والشواهد التي تدلّ على صدق هذه الملاحظة عمّا آل إليه أمر المسلمين بسبب استفحال الروح القبلية كثيرة جدّاً ، وسيمر بعضها فيما يأتي من هذه الدراسة .
* * *
والعمل الآخر الذي قام به معاوية في هذا المجال هو إثارته للعصبية العنصرية عند العرب عموماً ضدّ المسلمين غير العرب , وقد أغرى هذا الموقف رؤساء القبائل العراقية فاندفعوا ينصحون الإمام علياً (عليه السّلام) قائلين : « يا أمير المؤمنين ، أعطِ هذه الأموال , وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ، واستمل مَنْ تخاف خلافه من الناس »(77) .
ناظرين إلى ما يصنع معاوية ، ولكنّ الإمام علياً (عليه السّلام) أجابهم قائلاً : (( أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ ؟! وَاللَّهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ , وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً . لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ , فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللَّهِ ... ؟! ))(78) .
أمّا السياسة الاُمويّة فلها من الموالي موقف آخر .
« تخاصم عربي ومولى بين يدي عبد الله بن عامر ، فقال المولى للعربي : لا أكثر الله فينا مثلك .
فقال العربي : بل كثّر الله فينا مثلك .
فقيل له : يدعو عليك وتدعو له ؟!
وقال : نعم ، يكسحون طرقنا ، ويخرزون خفافنا ، ويحوكون ثيابنا »(79) .
وقالوا : لا يصلح للقضاء إلاّ عربي .
واستدعى معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس ، وسمرة بن جندب ، وقال لهما : « إنّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت ، وأراها قد قطعت على السلف ، وكأنّي أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان ، فقد رأيت أن أقتل شطراً ، وأدع شطراً لإقامة السوق وعمارة الطريق »(80) .
وكان هذا الموقف العدائي من الموالي سبباً في امتهانهم وإرهاقهم بالضرائب ، وفرض الجزية والخراج عليهم ، وإسقاطهم من العطاء ، فكان الجنود الموالي يُقاتلون من غير عطاء .
وكانوا يقولون : لا يقطع الصلاة إلاّ ثلاثة ؛ حمار ، أو كلب ، أو مولى(81) . وكانوا لا يُكنّونهم بالكُنى ، ولا يدعونهم إلاّ بالأسماء والألقاب ، ولا يمشون في الصف معهم ، ولا يُقدّمونهم في الموكب , وإن حضروا طعاماً قاموا على رؤوسهم ، وإن أطعموا المولى لسُنّه وفضله وعلمه أجلسوه على طريق الخبّاز ؛ لئلاّ يخفى على الناظر أنّه ليس من العرب ، ولا يدعونهم يُصلّون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب وإن كان غَريراً .
وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها , إنّما يخطبها إلى مواليها ، فإن رضي مولاها زوّجت وإلاّ فلا . وإن زوّجها الأب أو الأخ بغير إذن مواليه فُسخ النكاح , وإن كان قد دخل بها عُدّ ذلك سفاحاً . وإذا أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولىً دفعه إليه ليحمله عنه فلا يمتنع ، ولا السلطان يُغيّر عليه ، وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزل فعل(82) .
وقد سبّب هذا الموقف اللاإنساني من الموالي شقّ عصا المسلمين، وتراكم الأحقاد والعداوات بينهم ، وكان سبباً في انعدام الرقابة الشعبية على الحاكمين .
* * *
وقد استمر هذا الداء الوبيل ينخر في جسم الأمّة الإسلاميّة حتّى مزّقها شرّ ممزّق ، وقضى على وحدتها التي أنشأها الإسلام وقذف بها في عُباب حروب طاحنة أتت على روابط الألفة والمحبّة ، وزرعت بين طوائفها الإحن والبغضاء .
ولقد كانت هذه السياسة التي سنّها معاوية وحلفاؤه لتدعيم سلطانهم بتحطيم وحدة الأمّة سبباً حاسماً في تحطيمهم ، وتمكين أعدائهم منهم في نهاية المطاف(83) .

التحذير باسم الدين وشلّ الروح الثوريّة
« المأخذ الدائم الذي يؤخذ على الاُمويِّين هو أنّهم كانوا اُصولاً وفروعاً أخطر أعداء النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّهم اعتنقوا الإسلام في آخر ساعة مرغمين ، ثمّ أفلحوا في أن يحوّلوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين أوّلاً بضعف عثمان ، ثمّ بحسن استخدام نتائج قتله , هذا وأصلهم يفقدهم مزية زعامة اُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) .
ومن المحن التي بُلي بها حكم الدين أنّهم أصبحوا قائمين عليه , مع أنّهم كانوا ومافتئوا مغتصبين لسلطانه ، وقوّتهم في جيشهم الذي هو على قدم الاستعداد في الشام ، ولكنّ قوّتهم لا يمكن أن تُصبح حقّاً »(84) .
بهذه المشاعر ونظائرها واجه المسلمون الحكم الاُموي ، وقد أراد معاوية أن يتغلّب على هذا الشعور العام بسلاح الدين نفسه ، كما أراد التوصّل إلى تحطيم ما لأعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً ، وقد برع في الميدان كلّ البراعة ، وواتته الظروف عليه فبلغ منه أقصى ما يرجو .
وقد حفظ لنا التأريخ بعض الأسماء البارزة من أعوان معاوية في هذا اللون من النشاط .
قال ابن أبي الحديد : « ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه السّلام) تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه . منهم ؛ أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير »(85) .
وقد استعمل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني اُميّة ، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه ، يعمل مع الروادع الخارجية : التجويع ، والإرهاب ، والانشقاق القبلي .
هذا بالإضافة إلى مهمّة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص ، وهي اختلاق « الأحاديث » التي تتضمّن الطعن في علي (عليه السّلام) وأهل بيته ، ونسبتها إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) .
ويوضّح لنا النصّ الآتي مدى اتّساع الشبكة التي كوّنها معاوية ، ومدى تجاوبها مع رغباته : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة : « أن برئت الذمّة ممّن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته . فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته »(86) .
فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرءون منه ... وكتب إلى عمّاله أن لا تقبلوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة(87) .
وكتب إليهم : « أن انظروا مَنْ قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه ، والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا مجالسهم ، وقرّبوهم وأكرموهم ، واكتبوا إليّ بكلّ ما يروي كلّ رجل منهم ، واسمه ، واسم أبيه ، وعشيرته »(88) .
ففعلوا ذلك حتّى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه ؛ لِما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات ، والكساء , والحباء ، والقطائع , ويفيضه في العرب منهم والموالي ، فكثُر ذلك في كلّ مصر , وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمّال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه ، فلبثوا بذلك حيناً .
« ثمّ كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كثُر ، وفشا في كلّ مصر ، وفي كلّ وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين ، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقض له في الصحابة ؛ فإنّ هذا أحبّ إليّ ، وأقرّ لعيني ، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته »(89) .
فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتّى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وأُلقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتّى رووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن ، وحتى علّموا بناتهم ونساءهم وخدمهم [وحشمهم] .
فلبثوا بذلك ما شاء الله ، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القُرّاء المراؤون ، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ؛ ليحظوا بذلك عند ولاتهم ، ويُقربوا مجالسهم ، ويُصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ... فلم يزل الأمر كذلك حتّى مات الحسن بن علي (عليه السّلام) فازداد البلاء والفتنة(90) .
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ـ وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم ـ في تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، وقال : « إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني اُميّة ؛ تقرّباً إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أنوف بني هاشم »(91) .
وقد تجلّى « سخاء » معاوية في هذا الميدان بوضوح ؛ فها هو ذا يبذل (للصحابي) سمرة بن جندب أربعمئة ألف درهم على أن يروي أنّ هذه الآية : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ )(92) ، قد نزلت في علي بن أبي طالب ، وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )(93) ، فروى ذلك(94) .
وأمّا أبو هريرة فقد كافأه بولاية المدينة ؛ لأنّه روى عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في شأن علي (عليه السّلام) وبني اُميّة ما يلائم ذوق معاوية وأهدافه السياسيّة(95) .
وممّا يتصل بهذا ما تكشف عنه بعض النصوص أنّ من ملامح سياسة معاوية وجهازه إلغاء الرموز ذات المحتوى التأريخي الذي يعبّر عن قيمة دينية معينة ذات أثر اجتماعي ، وذلك بما يعكسه الرمز ويثيره في الأذهان من صور تأريخيّة تتّصل بحياة النبي (صلّى الله عليه وآله) , وبالكفاح من أجل انتصار الإسلام .
من هذه السياسة ما يكشف عنه النصّ الذي يتضمّن أنّ معاوية وعمرو بن العاص أرادا أن يختبرا إمكانية إلغاء اسم « الأنصار » الذي اشتهر به الأوس والخزرج منذ عهد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وورد في القرآن الكريم اسماً لمسلمي المدينة كما كان اسم « المهاجرين » لمسلمي مكة قبل الهجرة(96) .
ولا بدّ أنّ هدف هذه المحاولة هو تجريد الأنصار من القوّة المعنوية التي يسبغها هذا اللقب عليهم . قال عمرو لمعاوية : « ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين ؟ أردد القوم إلى أنسابهم . فقال معاوية : إنّي أخاف من ذلك الشَّنعة . فقال : هي كلمة تقولها ، إن مضت عضّتهم ونقّصتهم » . ولكنّ الأنصار انتبهوا للمحاولة ، فردّوها بحزم(97) .
وقد خلقت لنا هذه المدرسة ـ مدرسة معاوية في الرواية والحديث ـ ألواناً من الأحاديث النبويّة ، منها ما يرجع إلى القدح في علي وآل بيته (عليهم السّلام) ، وقد استفرغ معاوية غاية وسعه في هذا الميدان الذي قدّمنا لك آنفاً تعريفاً بأسلوب معاوية في خوضه(98) .
ومنها ما يرجع إلى تمجيد بني اُميّة ـ وعلى الأخص عثمان ومعاوية ـ ويجعلهم في مرتبة القدّيسين ، كهذا الذي رواه أبو هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) : إنّ الله ائتمن على وحيه ثلاثاً ؛ أنا ، وجبرئيل ، ومعاوية(99) .
وأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ناول معاوية سهماً ، فقال له : خذ هذا حتّى تلقاني في الجنّة(100) ، وأنا مدينة العلم ، وعلي بابها ، ومعاوية حلقتها(101) , وتلقون من بعدي اختلافاً وفتنة ، فقال له قائل من الناس : فمَنْ لنا يا رسول الله ؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، يشير بذلك إلى عثمان(102) .
ومنها ما يُحذّر المسلمين من الثورة ، ويزيّن لهم الرضوخ , ويوهمهم أنّ الثورة على الظلم , والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل مخالف للدين . وبديهي أنّ شيئاً من ذلك لم يصدر عن الله ولا عن رسوله .
ومن هذه الأحاديث ما عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها . قالوا : فماذا تأمرنا يا رسول الله ؟ قال : أدّوا إليهم حقّهم ، وسلوا الله حقّكم(103) . و « مَنْ رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه ؛ فإنّ مَنْ فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ ميتة جاهليّة »(104) , و « ستكون هنات وهنات ، فمَنْ أراد أن يفرّق أمر هذه الأمّة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان »(105) .
وحدّث العجّاج(106) قال : قال لي أبو هريرة : مَنْ أنت ؟ قال : قالت : من أهل العراق . قال : يوشك أن يأتيك بقعان أهل الشام فيأخذوا صدقتك , فإذا أتوك فتلقّهم بها ، فإذا دخلوها فكن في أقاصيها ، وخلّ عنهم وعنها . وإيّاك أن تسبّهم ؛ فإنّك إن سببتهم ذهب أجرك وأخذوا صدقتك ، وإن صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة(107) . وما شاكل هذا من الأحاديث التي تدعو المسلمين إلى الخضوع لأمرائهم الظالمين ، وتحرّم عليهم الثورة على هؤلاء الأمراء طلباً لحقّهم .
إنّ هذه الأحاديث تدعو إلى الصبر على الظلم والجوع والإرهاب ؛ لأنّ استنكار ذلك مخالف للدين .
وينطلق المأجورون من الوعّاظ والمحدّثين فينفثون هذه السموم في قلوب الجماهير المسلمة وعقولها ، وبذلك يلجمونها عن التذمّر والثورة بلجام ينسبونه إلى الدين والدين منه بريء ، يقعدون بها عن الاحتجاج على سياسة العسف والظلم ، ويحجزونها عن محاولة تحسين حياتها .
* * *
هذا لون من ألوان التضليل الديني الذي ابتدعه الاُمويّون لتثبيت ملكهم . وهنا لون آخر من ألوان التضليل الديني استخدموه وبرعوا في استخدامه ، وهو تأسيس الفرق الدينية السياسيّة التي تُقدّم للجماهير تفسيرات دينية تخدم سلطة الاُمويِّين وتبرّر أعمالهم .
ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان فرقة المرجئة , فقد كان الاُمويّون يواجهون الشيعة الذين يعتبرون بني اُميّة قتلة غاصبين لتراث النبي (صلّى الله عليه وآله) ، والخوراج الذين يرونهم كفرة تجب الثورة عليهم وإزاحتهم عن الحكم .
وكان كلّ واحد من هذين الفريقين يُقدّم بين يدي دعواه حججاً لا يملك الاُمويّون ما يُقابلها ؛ لذلك أنشؤوا فرقة المرجئة التي قدّمت أدلّة مقابلة لأدلّة الشيعة والخوارج ، ووقفت ضدّهم في ميدان النضال السياسي الديني .
ويحدّثنا ابن أبي الحديد أنّ معاوية كان يتظاهر بالجبر والإرجاء , وأنّ المعتزلة كفّروه لذلك(108) . لقد اعتبروا المرجئة الإيمان عملاً قلبياً خالصاً لا يحتاج إلى التعبير عنه بفعل من الأفعال ، فيكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقلبه ليعصمه الإسلام ، ويحرم الاعتداء عليه ، وهم ينادون : « لا تضرّ مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة » .
وقالوا : « إنّ الإيمان الاعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه ، وعبد الأوثان ، ولزم اليهودية ، والنصرانية في دار الإسلام ، ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عزّ وجلّ ولي لله عزّ وجلّ ، من أهل الجنّة »(109) . والنتيجة المنطقية لهذا اللون من التفكير هي أنّ الاُمويِّين مؤمنون مهما ارتكبوا من الكبائر(110) .
ومن نتائج ذلك أنّ المرجئة لا يوافقون الخوارج والشيعة شرعية لا يجوز الخروج عليها ، ولم يسلّم المرجئة بأنّ انصراف خلفاء بني اُميّة عن تطبيق أحكام الشريعة كافٍ لحرمانهم من حقوقهم كأولياء الأمر في
الإسلام(111) .
وقد كان المرجئة يبشّرون بهذه الأفكار بين صفوف الأمّة المسلمة ؛ لأجل تخديرها وصرفها عن الاستجابة لدعاة الثورة على الاُمويِّين .
وبينما نجد الاُمويِّين يضطهدون كلّ دعوة دينية لا تلائمهم نراهم بالنسبة إلى المرجئة على العكس من ذلك فهم يحتضنون هذه الفرقة ويعطفون على قادتها ، وما ذلك إلاّ لأنّ معاوية سيّدهم هو واضع أسسها ، وقد عرفت آنفاً إنّه كان يقول بالجبر والإرجاء .
من البيّن أنّ هذا الموقف الذي اتّخذه المرجئة من الاُمويِّين يتعارض تعارضاً مطلقاً مع إدراك اُولئك الذين يؤيّدون مطالب العلويين . ويصوّر لنا هذان البيتان من الهجاء نظرة الشيعة إلى المرجئة :
إذا مـا المُرجيّ سرّك أن تراه      يـموتُ  بـدائهِ من قبلِ موتهْ
فـجدّد عـندهُ ذكـرى  عـليٍّ      وصلِّ على النبي وآلِ بيتهْ(112)


وإلى جانب ما تقدّم أعتمد الاُمويّون أسلوباً آخر من أساليب التضليل الديني لدعم حكمهم وصرف الناس عن الثورة عليهم ؛ فقد واجه الاُمويّون خطراً ساحقاً عليهم من عقيدة القدرية القائلين بحرية الإرادة والاختيار ، وإنّ الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته ، وإذا كان حرّاً فهو مسؤول عن أفعاله ؛ لأنّ كلّ حرية تستتبع حتماً المسؤولية .
هذه العقيدة كانت خطراً على الاُمويِّين الذي يفرّقون من رقابة الاُمّة عليهم وعلى تصرّفاتهم ؛ ولذلك فقد اضطهدوا هذه العقيدة ودعاتها وتمسّكوا بالعقيدة المضّادة لها (عقيدة الجبر)(113) . فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي ؛ لأنّها توحي إلى الناس بأنّ وجود الاُمويِّين وتصرّفاتهم مهما كانت شاذّة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله ، فلا جدوى من الثورة عليه .
وها هو معاوية يتظاهر بالجبر والإرجاء كما قدّمنا ؛ لأجل تبرير أفعاله أمام الملأ بأنّها مقدورة لا سبيل إلى تبديلها ، مع كونها في الوقت نفسه غير قادحة فيه باعتباره حاكماً دينياً .
ولا بدّ أنّه قد عهد بإذاعة أفكاره الخاصّة حول هاتين العقيدتين ـ الجبر والإرجاء ـ بين المسلمين إلى ولاته وأجهزة الدعاية عنده ، ومنها القصّاص .
قال الليث بن سعد :
« وأمّا قصص الخاصّة فهو الذي أوجده معاوية ، ولّى رجلاً على القصص فإذا سلّم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عزّ وجلّ ، وحمده ومجّده ، وصلى على النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ودعا للخليفة ولأهل بيته ، وحشمه وجنوده ، ودعا على أهل حربه ، وعلى المشركين كافّة »(114) .
وأمر رجلاً يقصّ بعد الصبح ، وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام(115) ، ولا بدّ أنّ هذا الدعاء كان استهلالاً يبتدئ به القاصّ ، ثمّ يأخذ بعده في قصصه .
ومثل معاوية لا يجعل الفوائد الجليلة التي يمكن أن تُقدّمها له عقيدة الجبر ، فهو ـ وسائر الاُمويِّين ـ كانوا يعلمون أنّ أُسرتهم غير مُحتلمة من المسلمين ، ويعلمون أنّهم في نظر كثير من رعاياهم مُختلسون . وصلوا إلى السلطة بوسائل قهريّة شديدة ، وأنّهم أعداء لآل النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وقتلة لأشخاص مُقدّسين لا ذنب لهم ، وإن كان ثمّة عقيدة تمسك الناس عن أن يثوروا عليهم وعلى ولاتهم لكانت عقيدة الجبر ، هذه العقيدة التي توحي إلى الناس بأنّ الله قد حكم منذ الأزل أن تصل هذه الأسرة إلى الحكم ، فأعمالهم وتصرّفاتهم ليست إلاّ نتيجة لقدر إلهي محكم ، من أجل ذلك كان حسناً جدّاً لهم ولدولتهم أن تتأصّل هذه الأفكار في أذهان الاُمّة(116) .
وقد استغل الشعر إلى جانب النصوص الدينية في سبيل تعزيز هذه الأفكار ، فقد كان معاوية ـ كما يقول بروكلمان ـ قادراً على أن يفيد ممّا لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام بسبيل مصالحه العائلية(117) .
فكان معاوية ـ وملوك بني اُميّة من بعده ـ يسعون راضين شعراءهم بل ويحملون هؤلاء الشعراء على أن يقولوا الشعر الذي يُمجّدونهم فيه بنعوت تجعل سلطانهم وسيادتهم قدراً مقدوراً من الله ، ومن أجل ذلك لا يمكن أن يثور المؤمن ضدّهم .
فمعاوية عند الأخطل ليس ملكاً كما وصف نفسه في ساعة من ساعات سهوه , بل خليفة الله ، والظفر الذي حازه ليس ناشئاً من أسبابه الطبيعية وإنّما هو من صنع الله(118) :
إلـى  امـرئ لا تعدينا  نوافلُه      أظـفرهُ اللهُ فـليهنأ لـهُ الظفرُ
الخائضُ الغمرَ والميمونُ طائرُه      خـليفةُ  اللهِ يُستسقى بهِ  المطرُ

ولم يُفضل الاُمويّون غيرهم ـ عند الأخطل ـ بماضيهم المجيد في الجاهليّة ولا بسخائهم , ولا بنجدتهم وشجاعتهم , وإنّما فضّلهم الله . ولم يكن رفع المصاحف في صفّين خدعة تفتّق عنها ذهن ابن العاص , وإنّما هو إلهام من الله . وأخيراً فالله هو الذي مكّنهم من الثأر لعثمان حين أوصلهم إلى سدّة الحكم :
تـمّـت جـدودُهمُ واللهُ  فـضّلهمْ      وجـدُّ  قـومٍ سـواهم خاملٌ  نكدُ
هـمُ  الـذينَ أجـابَ اللهُ دعوتهمْ      لمّا تلاقت نواصي الخيلِ واجتلدوا

ويوم صفّين والأبصارُ  خاشعةٌ      أمـدّهم إذ دُعوا من ربّهم  مددُ
على الاُلى قتلوا عثمانَ مظلمةً      لم  ينههم نشدٌ عنهُ وقد  نُشدوا

والأخطل كسائر شعراء عصره ذو روح جاهليّة تعرف الفضل بالنسب وما إليه من عنعنات الجاهليّين ، لا بالله ، وتعرف النصر بالشجاعة والقوّة والكثرة والدهاء ، لا بالله .
فهذا النفس الديني الذي يشبه أن يكون صوفيّاً ؛ لكثرة ذكر الله فيه ليس من طبيعة الأخطل ، وإنّما هو موحى به من ممدوحه ، أو من هؤلاء الذين بثّهم معاوية لصوغ أفكاره الخاصّة بما يشيع بين العامّة ؛ سواء كان ذلك بالرواية عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أو بالشعر .
ومسكين الدارمي يقول في شأن عقد ولاية العهد ليزيد :
ألا ليتَ شعري ما يقولُ ابنُ عامرٍ      ومـروانُ  أم مـاذا يـقولُ سعيدُ
بـني  خـلفاءِ اللهِ مـهلاً  فـإنّما      يـبوّئها  الـرحمانُ حـيثُ  يريدُ
إذا الـمنبرُ الـغربي خـلاه  ربُّه      فـإنّ أمـيرَ الـمؤمنينَ  يزيدُ
(119)
وكما أنّ مذهب الجبر استُخدم لتبرير حال الأسرة الاُمويّة على العموم ، فقد استخدم أيضاً في تهدئة الشعب حين كان يُبتلى ، أو يُغرى بأن يرى في أعمال الحكّام والعمّال الظلم والطغيان(120) .

آثار سياسة معاوية في المجتمع الإسلامي
لقد رأينا أنّ سياسة الاضطهاد والتجويع خنقت نزعة الحرية في النفوس ، وحملت الجماهير على أن ترضى بحياة ذليلة مُضطهدة ؛ خشية أن تصير إلى لون من الحياة أقسى وأنكد . ورأينا أنّ الروح القبلية حوّلت الإنسان المسلم عن أهدافه العظيمة التي وجّهه إليها الإسلام ، وشغلته بأهداف أخرى تتّصل بأفقه القبلي الضيّق وصنمه القبلي الجديد .
فهنا عامل نفسي وهو الخوف ، وعامل اجتماعي وهو الوضع القبلي كانا يُقعدان بالإنسان المسلم عن الثورة ، ويحملانه على تقبّل حياته على ما فيها من نكد وقسوة وحرمان ، ولكنّهما ما كانا ليحملا الرضى الباطني لروحه القلقة المعذّبة ، فقد كان يشعر بالإثم لسكوته عن الحكم الأموي ، وقد كان يشعر بالإثم ؛ لقعوده عن محاولة تطهير المجتمع من المنكرات التي يراها ، وقد كان هذا الشعور بالإثم كفيلاً بأن يدفعه في النهاية إلى التغلّب على الخوف في نفسه وإلى تحطيم النطاق القبلي الذي يغلّه .
ولكن هذا الركن الثالث من أركان السياسة الاُمويّة ـ أعني التضليل الديني ـ تكفّل بإيجاد تبرير ديني للوضع الاجتماعي الشاذّ الذي كان عليه المجتمع الإسلامي ، واُريد منه حمل الجماهير المسلمة على السكوت عن النقد , والقعود عن محاولة تغيير الوضع إلى مستوى أحسن ، وبذلك يختفي الشعور بالإثم من الضمير الجماهيري ، هذا الشعور الذي يدفع إلى الثورة حين يبلغ درجة ضغط عالية ، وعندما يضمحلّ الشعور بالإثم يستقر المجتمع نهائياً .
فهناك عامل نفسي وديني يدفعه إلى الخضوع ، وهناك عامل اجتماعي يجعله حتميّاً ، وحينئذ يطمئن الحاكمون إلى أنّ تصرّفاتهم لن تثير أيّ استنكار لدى الجماهير .
كان هذا هو الوضع النفسي لهؤلاء الذين أخذوا بأساليب الاُمويِّين في التحذير الديني ، وأمّا اُولئك الذين لم يُؤخذوا بهذا اللون من الدعاية ، ولم تنطلِ عليهم أحابيل الاُمويِّين وأكاذيبهم فقد كان لهم وضع آخر لا يقلّ إثارة للأسى عن هذا الوضع .
لقد صار الأمر بهؤلاء الآخرين إلى ازدواج الشخصيّة ؛ فقد عملت سياسة معاوية المالية ، وأسلوبه الوحشي في التنكيل بأعدائه العزّل من السلاح ، وتعليم الناس على الدجل والنفاق ، والسكوت عن الحقّ ، والتظاهر بخلاف ما يعتقدون توصّلاً إلى دنيا معاوية ، وتمسّكاً بروحهم القبلية التي تفرض عليهم أن يتبعوا ساداتهم القبليين دون تروّ أو تفكير .
وهذا الوضع الشاذّ ـ الوضع الذي يفرض عليهم أن يخفوا دوماً ما يعتقدونه حقّاً واقعاً ، وأن يتظاهروا بما تريده السلطة منهم ـ ولّد عندهم ازدواج الشخصيّة ، هذا الازدواج الذي يرجع إليه سرّ المأساة الدامية الطويلة الأمد التي عاشها الثائرون على حكّام الجور من الاُمويِّين والعباسيين ، ومَنْ تلاهم من الظالمين ، هذا الازدواج الذي كان يعمل عمله في فضّ أعوان الثورة عنها بتأثير الشخصيّة الخارجيّة المُنسجمة الأخرى ، الشخصيّة التي تُطاردها السلطة وتُحاربها .
هذا الازدواج الذي صوّره الفرزدق
للحسين (عليه السّلام) حين لقيه في بعض الطريق , فسأله عن أهل الكوفة : « قلوبهم معك وسيوفهم عليك »(121) .
* * *
ولقد كانت هذه السياسة خليقة بأن تنتهي بالمجتمع الإسلامي إلى حالة تعسة من الذلّ والخنوع ، ومن تفاهة الحياة ، وأهداف تلك الحياة .
لقد كانت خليقة بأن تحوّل المسلم من إنسان يستبدّ به القلق لمصير الإنسانيّة كلّها ، ويُعبّر عن هذا القلق بالاهتمام المباشر والعمل الإيجابي المؤدّي إلى التخفيف من ويلات الإنسان في كلّ مكان إلى إنسان قبلي ضيّق الأفق ، يعيش داخل نطاق قوقعته القبلية التي كانت قبل الإسلام تغل الإنسان العربي داخل إطارها فتعوق شخصيّته عن النمو والامتداد خارج حدود كيانه القبلي ، والتي عادت في عهد معاوية تعمل عملها المُدمّر مرّة اُخرى .
ولقد كانت خليقة بأن تُحوّل من إنسان عقائدي تسير حياته على خطّ مستقيم ـ خطّ النضال من أجل العقيدة التي يحرّر بها غيره من الناس ، ويردّ إليهم اعتبارهم الإنساني المسلوب ـ إلى إنسان لا ترتكز حياته على عقيدة ، ولا يحفزه مطمح عظيم ، إنسان تستبدّ به النزوات الطارئة ، والمنافع القريبة ، وتجعله تارة هنا وتارة هناك .
ولقد كانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يعي وعياً عميقاً أنّ حياته الشخصيّة ليست ملكاً له بقدر ما هي ملك للجماعة الإنسانيّة ، فإذا تعرضت الجماعة لتحدٍّ يهددها بذل حياته مغتبطاً في نضال هذا التحدّي إلى إنسان يحرص على هذه حرصاً شديداً مهما كانت ملفّعة بالذلّ ، ومجلّلة بالعار ، ومهما كانت مزيّفة وناصلة .
ولقد كانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يحارب الظلم ويناجزه ، ويثور عليه أيّاً كان مصدره ـ فيكره الظلم من نفسه ويحملها على العدل ، ويكره الظلم من غيره ، ويحمله على العدل ـ إلى إنسان يُكافح من أجل أن يكون ظالماً إذا لم تقهره قوّة على أن يكون مظلوماً .
وكانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يفهم أنّ الدين لا يجعل من المؤمنين به عبيد الطاغية يحكمهم باسم الدين إلى إنسان يؤيّد الطّغاة الحاكمين . وكانت خليقة بأن تحوّله من إنسان يرى أنّ الثورة على سياسة التجويع والإرهاب حقّ إلى إنسان يُحارب الثائرين .
وتأريخ هذه الفترة من حياة المسلمين حافل بالشواهد على أنّ هذا التحوّل كان قد بدأ يظهر للعيان ، ويطبع المجتمع الإسلامي بطابعه ، ويمكننا أن نخرج بفكرة واضحة عن أثر هذه السياسة في المجتمع الإسلامي حين نُقارن بين ردّ الفعل الذي واجه به المسلمون سياسة عثمان وعمّاله ، وبين موقفهم من سياسة معاوية ؛ فقد كان ردّ الفعل لسياسة عثمان وعمّاله ثورة عارمة من معظم أقطار الأمّة المسلمة من المدينة ومكة ، والكوفة والبصرة ومصر وغيرها من حواضر المسلمين وبواديهم .
فهل نجد ردّ فعل جماعيّاً كهذا لتحدّيات معاوية في سياسته اللإنسانيّة للجماهير المسلمة ، مع ملاحظة أنّ الظلم على عهد معاوية أفدح ، والاضطهاد والقتل والإرهاب أعمّ وأشمل ، وحرمان الأمّة من حقوقها في ثرواتها وإنتاجها أظهر ؟
الحقّ إنّنا لا نجد شيئاً من ذلك أبداً ؛ لقد كانت الجماهير خاضعة خضوعاً أعمى .
نعم ، كانت ثمّة احتجاجات تنبعث من هنا تارة ومن هناك أخرى ، تدلّ على أنّ المجتمع يتململ تحت وطأة الاضطهاد والظلم ، كتلك التي عبّر عنها موقف حجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأضرابهما(122) ، ولكنّها لم تأخذ مداها ، ولم تُعبّر عن نفسها في حركة فعلية عامّة بل كانت سرعان ما تهمد وتموت في مهدها حين كانت السلطة تأخذ طلائع هذه الحركات فيُقتلون دون أن يُحرك المجتمع ساكناً ، وإذا حدث وتحرّك إنسان اشتُري سكوته بالمال(123) .

موقف الحسن والحسين (عليهما السّلام) من السياسة الاُمويّة
ومُنذ بدأ الحكّام المسلمون يناوئون الننزعة الإنسانيّة في الإسلام ، ليحوّلوه إلى مؤسسة تخدم مآرب فئة خاصة , بدأ علي وأبناؤه (عليهم السّلام) وأصحابهم يدافعون عن الإسلام ، ويردّون عنه شرّ مَنْ يريد تحريفه وتزويره .
كان هذا هو عمل علي (عليه السّلام) طيلة حياته ، حتّى إذا استشهد خلفه في الصراع ابنه الحسن ، وقضت عليه ظروف المجتمع الإسلامي ؛ الاجتماعيّة والنفسية أن يُهيئ هذا المجتمع للثورة على الحكم الأموي حتّى استشهد .
وبقي الحسين وحيداً ، وقد عاصر الحركة التي بدأها أعداء الإسلام ، الدخلاء فيه ، والمستورون والحاقدون ، وطلاّب المنافع العاجلة في حربهم ضدّ الإسلام وضدّ مبادئه الإنسانيّة . عاصر هذه الحركة منذ نشوئها ؛ عاصرها حيناً مع أبيه وأخيه (عليهما السّلام) ، والصفوة من الأصحاب ، وعاصرها حيناً آخر مع أخيه ، وبقية السيف الاُموي من الأصحاب(*) .
وها هو ذا الآن يقف وحيداً في ساحة الصراع ، إنّه يقف وحيداً ضدّ معاوية وجهاز حكمه الإرهابي ، ويرى بعينيه كيف يُراد للأمّة المسلمة أن تتحوّل عن الأهداف العظيمة التي كوّنت لأجلها ، وكيف تُزيّف حياتها ، وكيف يُراد لوجودها أن يضمر ويضيق لينحصر في لقمة العيش ، وفي حفنة من الدراهم يبيع المسلم بها حياته وضميره ، وحريته وكرامته الإنسانيّة للحاكمين الظالمين .
وقد رأى منهج معاوية وبطانته الذي اعتمدوه للوصول بالأمّة المسلمة إلى هذا المصير الكالح . رأى كيف يُطارد الناس، ويجوعون ويُضطهدون ، ويُنكّل بهم ؛ لأنّهم يخالفون السلطة في الهوى السياسي ، ورأى كيف يُحرّف الإسلام وتزور مبادئه الإنسانيّة في سبيل المآرب السياسيّة ، ورأى حملة التخدير الديني والكذب على الله ورسوله ، ورصد عن كثب محاولة إفساد المجتمع بتشجيع الروح القبلية والنزعة العنصرية .
ولقد أراد الاُمويّون من الحسين (عليه السّلام) أن يخضع لهم ؛ لأنّ خضوعه يؤمن لهم انقياد الأمّة المسلمة كلّها ، ويمكّنهم من ممارسة سياستهم دون خشية . أراد ذلك معاوية بن أبي سفيان حين عزم على أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد من بعده ، وتوسّل إلى ذلك بالشدّة حيناً ، وباللين حيناً آخر فما نال بغيته(124) .
وأراد ذلك يزيد حين صار إليه الأمر بعد أبيه ، ولكنّ الحسين (عليه السّلام) أبى أن يخضع ؛ لأنّه كان يعي أعمق الوعي دوره التأريخي الذي يفرض عليه أن يثور ؛ لتهزّ ثورته ضمير الأمّة التي اعتادت الانحناء أمام جبروت السلطة الحاكمة . اعتادت ذلك حتّى ليُخشى ألاّ يصلحها شيء . إنّ المجتمع الذي خضع طويلاً لتأثير السياسة الاُمويّة والتوجيه الأموي لا يمكن أن يصلح بالكلام ؛ فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر فيه .
إنّ الكلمة لا يمكن أن تؤثّر شيئاً في النفس الميّتة ، والقلب الخائر ، والضمير المخدّر . كان لا بدّ لهذا المجتمع المتخاذل من مثال يهزّه هزّاً عنيفاً ، ويظلّ يواليه بإيحاءاته الملتهبة
ليقتلع الثقافة العفنة التي خدّرته ، وقعدت به عن صنع مصير وضّاء .
وهذا الواقع الكالح وضع الإمام الحسين (عليه السّلام) وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ورسالته النضالية . هذا الدور الذي يفرض عليه أن يثور ، وأن يُعبّر بثورته عن شعور الملايين ، وأن يهزّ بثورته هذه الملايين نفسها ، ويضرب لها المثل والقدرة في حرب الظالمين .
وقد كان كلّ ذلك ، وكانت ثورة الحسين (عليه السّلام) .
________________________________________
(1) هي بلد على شاطئ الفرات ، وسُمّيت هيت لأنّها في هوّة من الأرض . انظر : لسان العرب 2 / 107 ، الغريب ـ لابن قتيبة 1 / 477 ، و2 / 63 .
(2) انظر : الغارات 1 / 25 , 349 ، 2 / 395 ، أمالي الشيخ المفيد / 146 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل 2 / 85 و87 ، وجّه معاوية سفيان بن عوف في ستة آلاف وأمره أن يقطع هيت ، ويأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها ، فأتى سفيان هيت فلم يجد فيها أحداً ، ثمّ توجّه إلى الأنبار وفيها مسلحة تكون خمسمئة رجل ، وقد تفرّقوا ولم يبقََ منهم إلاّ مئتان ؛ لأنّه كان عليهم كميل . فبلغه أنّ قوماً بقرقيسيا ـ وقريسيا : هي بلد على نهر الخابور ، قرب رحبة مالك بن طوق ، على بعد ستة فراسخ ، وعند مصبّ الخابور في الفرات ، فهي في مثلّث بين نهر الخابور والفرات . انظر : معجم البلدان 4 / 328 ، مراصد الاطلاع 3 / 108 ـ يريدون الغارة على هيت , فسار إليهم . انظر : الكامل في التاريخ 3 / 189 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل 17 / 149 .
(3) هو الضحّاك بن قيس الفهري , ولد قبل وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، له في حروب معاوية بلاء عظيم ، ولاّه الكوفة سنة 53 هـ , وعزله سنة 57 هـ ، وهو الذي دفن معاوية ، وكان يزيد يوم ذاك خارج دمشق ، وبايع لابن الزبير بعد معاوية بن يزيد .
انظر : أُسد الغابة 3 / 36 ـ 37 ، تهذيب ابن عساكر 7 / 4 ـ 5 ، تأريخ الطبري 6 / 78 ، و4 / 7 ط اُخرى ، شرح النهج ـ لابن أبي الحديد 2 / 111 ـ 117 ، وقعة صفين / 12 و206 و213 و226 و360 و552 و557 ، الفتوح ـ لابن أعثم 2 / 22 ، الإمامة والسياسة 1 / 74 و75 و127 و188 و191 و193 و225 و242 ، و2 / 18 ، و20 / 22 و116 و163 .
(4) هي موضع قرب الكوفة . لسان العرب 7 / 348 .
(5) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ، تحقيق محمد أبو الفضل 2 / 116 .
(6) هو بُسر بن أرطأة ، ويقال : ابن أبي أرطأة ، واسمه عمير بن عويمر بن عمران القرشي العامري ، كان من شيعة معاوية ، نزيل الشام مات سنة (86 هـ) وهو أحد فراعنة الشام ، وكان مع معاوية بصفين ، فأمره أن يلقى علياً في القتال ، وقال له : سمعتك تتمنّى لقاءه ، فلو أظفرك الله به وصرعته حصلت على دنيا وآخرة ، ولم يزل يشجّعه ويمنّيه حتّى رآه ، فقصده في الحرب فالتقيا ، فطعنه علي (عليه السّلام) فصرعه ، فانكشف له فكفّ عنه كما عرض له ذلك مع عمرو بن العاص .
اختلفوا في أنّ بُسراً أدرك النبي (صلّى الله عليه وآله) وسمعه أم لا , وقالوا : إنّه لم يكن له استقامة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وكان من أهل الردّة . وقد دعا عليه علي (عليه السّلام) عندما بلغه أنّه يقتل الصبيان ، فقال (عليه السّلام) : (( اللّهمّ اسلب دينه ، ولا تخرجه من الدنيا حتّى تسلب عقله )) . فأصابه ذلك وفقد عقله . وكان يهذي ، فيُؤتى بسيف من خشب فيُؤتى به , ويُجعل بين يديه رقّ منفوخ ، فلا يزال يضربه حتّى يسأم ، وتوفي في أيام معاوية .
وقالوا : دخل المدينة فخطب الناس ، وشتمهم يومئذ وتوعّدهم ، وقال : شاهت الوجوه . ولمّا دخل ثقل عبيد الله بن العباس ، وفيه ابنان له صغيران ، فذبحهما بيده بمدية كانت معه ، ثمّ انكفأ راجعاً إلى معاوية , فقالت له امرأة له : يا هذا , قتلت الرجال ، فعلام تقتل هذين ؟! والله ما كانوا يُقتلون في الجاهليّة والإسلام . والله يابن أرطأة , إنّ سلطاناً لا يقوم إلاّ بقتل الصبي الصغير ، والشيخ الكبير ، ونزع الرحمة ، وعقوق الأرحام لسلطان سوء .
قالوا : فولهت عليهما اُمّهما ، وكانت لا تعقل ، ولا تصغي إلاّ لمَنْ يُخبرها بقتلهما ، ولا تزال تنشدهما في الموسم :
ها مَنْ أحسّ بابنيّ اللذين هما               كالدرّتين تشظّى عنهما الصدفُ
إلى آخر الأبيات ، ولسنا بصدد بيان حياة بُسر .
انظر : الاستيعاب / 64 ـ 67 ، وقعة صفين / 462 ط 2 سنة 1382 هـ , وط 2 تحقيق عبد السلام هارون المؤسسة العربية الحديثة ، ومنشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ـ قم المقدسة لسنة 1404 هـ / 44 و157 و305 و412 و424 و429 و459 و460 و462 و504 و507 ، شرح النهج ـ لابن أبي الحديد 2 / 301 ، الأغاني 15 / 45 ، تهذيب ابن عساكر 3 / 220 ، تأريخ الطبري 6 / 80 و 4 / 20 وما بعدها ط أخرى ، كتاب الغارات برواية ابن أبي الحديد 2 / 3 ـ 14 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 141 ، تهذيب التهذيب 1 / 436 ، تأريخ مدينة دمشق 3 / 222 ، نهاية الأرب ـ للقلقشندي / 371 ، مروج الذهب بهامش ابن الأثير 6 / 93 ، الجمهرة / 228 و391 ، أُسد الغابة 3 / 340 و1 / 180 ، ابن الأثير 3 / 153 ، المعارف ـ لابن قتيبة / 122 ، الفتوح ـ لابن أعثم 2 / 39 وما بعدها ، الإمامة والسياسة 1 / 123 و148 و150 .
(7) انظر : الغارات 2 / 600 .
(8) انظر : شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» 2 / 116 .
(9) انظر : شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم» 2 / 17 ، وتفصيل أحداث بُسر بن أرطأة في الجزء نفس 3 ـ 18 .
(10) انظر : شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11 / 44 .
(11) انظر : شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 4 / 72 .
(12) انظر : مناقب أبي حنيفة ـ للمكي 1 / 117 .
(13) انظر : شرح نهج البلاغة « تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 1 / 17 .
(14) معاوية أوّل مَنْ لعن الإمام علياً (عليه السّلام) على منابر المسلمين .
انظر ، شواهد التنزيل 2 / 459 ، فرائد السمطين 1 ب 31 ح117 / 155 ط بيروت ، تأريخ مدينة دمشق 2 / 348 و442 و443 ح851 , الطبعة الثانية ح959 ، لسان الميزان 1 / 175 ، أنساب  الأشراف 2 / 103 و 113 ، أحمد بن حنبل ح72 / 46 ط قم ، كفاية الطالب ب62 / 244 و246 ، كنوز الحقائق / 82 و92 و131 ، المناقب ـ للخوارزمي / 62 و187 فصل 17 ح11 فصل 9 ، نور الأبصار / 70 و101 ، الصواعق المحرقة / 96 و161 , ولكن زعم أنّه يروي الحديث بلفظ « ... قال : ومَنْ عدوّي ؟ قال : مَنْ تبرّأ منك ولعنك » .
فقد سبّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) وذلك من خلال حبّه ـ ابن حجر ـ لمعاوية بن أبي سفيان الذي سبّ علياً (عليه السّلام) ، ولعنه في الأقطار الإسلاميّة وطلب التبري منه ، وإن لم يكن ذلك فالضرب والشتم ، والهتك والقتل للمؤمنين ، وهذا مشهور ولا يحتاج إلى برهان ودليل .
وانظر ، خصائص الوحي المبين / 131 فصل 21 الطبعة الأولى ، الدر المنثور 6 / 79 و319 و7 / 305 ، مجمع الزوائد 9 / 131 و7 / 17 ، وبشارة المصطفى / 163 ، تفسير الطبري 6 / 186 و12 / 657 ط اُخرى ، وذخائر العقبى / 88 و102 ، وروح المعاني 30 / 207 ط مصر ، وتأريخ بغداد 7 / 421 ، الأغاني 18 / 39 الطبعة الأولى ـ بيروت ، والمسترشد في إمامة أمير المؤمنين / 354 ، وينابيع المودّة / 62 و74 و270 ط إسلامبول و71 و84 و361 و362 ط الحيدرية و1 / 196 و223 ط أسوة و2 / 357 و452 ط أسوة ، وتذكرة الخواص / 18 ، وفتح القدير ـ للشوكاني 5 / 477 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار / 172 ، جواهر العقدين 2 / 219 ، وفي الصواعق المحرقة / 161 ب11 فصل1 .
(15) انظر : شرح نهج البلاغة « بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11 / 44 ـ 46 .
(16) انظر : شرح نهج البلاغة « بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11 / 43 ـ 44 .
(17) هو سمرة بن جندب بن هلال بن جريح الفزاري ، استعمله ابن زياد على شرطته في البصرة =
= والكوفة ، واستعمله معاوية على ولاية البصرة ثمّ عزله ، فقال : لعن الله معاوية . والله لو أطعت الله كما أطعته ما عذّبني أبداً . مات سنة (58 أو 59 هـ) . انظر : الإصابة 2 / 78 ، أُسد الغابة 2 / 354 ، الجرح والتعديل 4 / 154 ، شذرات الذهب 1 / 65 ، تهذيب التهذيب 4 / 236 .
وروي عن حمّاد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن خالد ، قال : كنت إذا أتيت أبا هريرة سألني عن سمرة بن جندب ، وإذا أتيت سمرة بن جندب سألني عن أبي هريرة ، فقلت : يا أبا هريرة , ما أراك تسألني إلاّ عن سمرة ، وأرى سمرة يسألني عنك ؟!
فقال : إذاً والله أخبرك ولا أكتمك ؛ سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( آخركم موتاً في النار )) . انظر : مناقب آل أبي طالب 1 / 96 .
وعن محمد بن قيس الأسدي ، قال : سمعت الشعبي يقول : سمعت أبا عمر يقول : قال عمر بن الخطّاب وهو يخطب على المنبر : لعن الله سمرة بن جندب ؛ كان أوّل مَنْ اتّجر في الخمر في الإسلام , ولا يحلّ من البيع إلاّ ما يحلّ أكله .
انظر : الغارات 2 / 941 ، تأريخ الطبري / حوادث سنة 53 ، طبعة مصر سنة 1326 هـ ، أو ص 162 ، وابن الأثير حوادث سنة 53 أو ص 183 وحوادث سنة 54 ص 196 و3 / 195 ، الإصابة 3 / 150 ، مجمع الزوائد 8 / 29 ، جزء أشيب ـ لأبي علي الحسن بن موسى الأشيب (شيخ الإمام أحمد بن حنبل) / 58 طبعة دار علوم الحديث ، الإمارات العربية المتّحدة ، الطبعة الأولى سنة 1410 هـ .
وعن أبي عدي قال : قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة ، فقال : ممّن أنت ؟ قلت : من أهل البصرة . قال : ما فعل سمرة بن جندب ؟ قلت : هو حيّ . قال : ما أحد أحبّ إليّ طول حياة منه . قلت : ولِمَ ذاك ؟ قال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لي وله ولحذيفة بن اليمان : (( آخركم موتاً في النار )) . انظر : المعرفة والتأريخ 3 / 356 .
وعن أبي النضرة ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لعشرة من أصحابه : (( آخركم موتاً في النار )) ، فيهم سمرة بن جندب . قال أبو النضرة : فكان سمرة بن جندب آخرهم موتاً .
والخلاصة سمرة بن جندب باع دينه بدنياه ، وآثر العاجلة على الآخرة ؛ إذ ارتكب الكذب والبهتان .
انظر : المعجم الأوسط 6 / 208 و7 / 177 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 4 / 78 ، التأريخ الصغير 1 / 133 ، تهذيب الكمال 12 / 133 و34 / 257 ، سير أعلام النبلاء 3 / 184 ، تهذيب التهذيب 4 / 207 و12 / 200 ، البداية والنهاية 6 / 253 ، البيهقي في الدلائل 6 / 459 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 339 .
(18) انظر : تأريخ الطبري 6 / 132 .
(19) انظر : تأريخ الطبري 6 / 122 .
(20) انظر : تأريخ الطبري 6 / 80 .
(21) انظر : الاستيعاب 1 / 165 .
(22) انظر : الكامل في التأريخ ـ لابن الأثير 3 / 213 .
(23) انظر : مروج الذهب 3 / 35 .
(24) انظر : الكامل في التاريخ ـ لابن الأثير 3 / 73 .
(25) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 4 / 58 ، مروج الذهب 3 / 35 .
(26) انظر : تأريخ الشعوب الإسلاميّة ـ بروكلمان 1 / 128 ، تأريخ العرب ـ فليب حتي 2 / 259 ـ 260 .
(27) انظر : البداية والنهاية 6 / 246 ، تأريخ مدينة دمشق 52 / 380 ، تأريخ ابن كثير 8 / 121 ، الكامل في التأريخ 6 / 220 ، مقاتل الطالبيِّين / 70 ، شرح النهج ـ لابن أبي الحديد 4 / 16 و16 / 15 .
(28) انظر : تأريخ الإسلام 1 / 475 .
(29) انظر : التمدن الإسلامي ـ زيدان 4 / 74 ـ 75 .
(30) انظر : شرح نهج البلاغة « بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم » 11 / 44 ـ 46 .
(31) انظر : التمدن الإسلامي 4 / 76 .
(32) انظر المصدر نفسه .
(33) انظر : الكامل في التاريخ ـ لابن الأثير 2 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200 .
(34) انظر : التمدن الإسلامي 4 / 79 .
(35) انظر : تأريخ الإسلام السياسي 1 / 474 .
(36) انظر : التمدن الإسلامي 2 / 19 .
(37) انظر المصدر نفسه .
(38) انظر المصدر نفسه .
(39) أبو عبد الله أو أبو محمد عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي ، واُمّه النابغة بنت حرملة , سُبيت من بني جبلان بن عتيك وبيعت بعكاظ , واشتراها الفاكه بن المغيرة ، ثمّ انتقلت إلى عبد الله بن جدعان , ومنه إلى العاص بن وائل فولدت له عمراً .
أرسلته قريش إلى النجاشي ليغيّر رأيه على جعفر بن أبي طالب ومَنْ معه من المهاجرين إلى الحبشة ، ويسترجعهم إلى مكة , فردّه النجاشي .
أسلم سنة ثمان ، وقبل الفتح بستة أشهر ، وافتتح مصر لعمر ، ووليها إلى السنة الرابعة من خلافة عثمان ، فعزله عنها ، فأخذ يؤلّب عليه حتّى قُتل ، ثمّ اشترك مع معاوية بصفين مطالباً بثأر عثمان ، وأشار برفع المصاحف للصلح فانخدع جيش علي وقبلوا الصلح ، وعيّنوا أبا موسى من قبلهم ، وعيّن معاوية عمراً , فغدر بأبي موسى وخلعا علياً , ونصب عمرو معاوية وأخذ مصر طعمة من معاوية ، ووليها بعد قتل محمد بن أبي بكر حتّى توفي سنة (43 هـ) أو بعدها ، ودفن هناك .
راجع ترجمته في جمهرة أنساب العرب ـ لابن حزم / 154 ، وطبقات ابن سعد 7 / ق2 / 188 ، المعارف ـ لابن قتيبة / 285 ، أُسد الغابة 4 / 420 ، الكامل في التاريخ 2 / 232 ، البداية والنهاية 4 / 275 ، شرح النهج ـ لابن أبي الحديد 1 / 20 و8 / 53 ، مقاتل الطالبيِّين / 44 .
(40) انظر : التمدن الإسلامي 4 / 79 ـ 80 .
(41) انظر : الدولة العربية وسقوطها ـ بوليوس ولهاوزن / 158 .
(42) النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي , ولد قبل وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) بثماني سنين وسبعة أشهر ، وقيل :  بست سنين ، وكان هواه مع عثمان ، ، ثمّ مع معاوية ، ثمّ مع يزيد في أيام الفتن خلافاً لقومه ، وكان انتهازياً مُرتزقاً ، يبيع دينه وضميره لأي شيطان يدفع الثمن ، وكان من المتقرّبين عند عثمان .
ولمّا قُتل عثمان أخذ النعمان قميصه ، وأصابع زوجته نائلة ، وباعهما إلى معاوية ، فعلّق معاوية القميص وعليه الأصابع ليستثير أهل الشام .
وقد عمل النعمان أميراً على الكوفة لمعاوية ، ومن بعده ليزيد ... وفي ذات يوم جهّزه معاوية بالسلاح والرجال وأمره بالغارة على عين التمر في العراق , ولمّا ورد الخبر بذلك إلى الإمام (عليه السّلام) استنهض الناس فتثاقلوا وتجاهلوا ، فقال : (( مُنيت بمَنْ لا يطيع إذا أمرت ، ولا يجيب إذا دعوت )) .
تُفيض هذه الكلمات بالأسى والألم ، ومثلها كثير في كلام الإمام (عليه السّلام) ؛ وما ذاك إلاّ لأنّه كان يهتمّ برعيّته وبالإنسان أيّما كان أكثر من اهتمامه بنفسه وأهله ، ولكن ما يصنع وكلّ ما لاقاه الإمام (عليه السّلام) وقاساه من جنده وأصحابه تجمعه وتحكيه كلمة واحدة ، وهي قوله : (( اُريد أن اُداوي بكم وأنتم دائي ، كنافش الشوكة بالشوكة )) ؟! انظر : شرح النهج ـ الخطبة (121) ، لا شيء أشدّ قسوة من داء دواؤه داء .
وولاّه معاوية الكوفة ، ثمّ حمص . وفي زمن معاوية بن يزيد دعا إلى بيعة عبد الله بن الزبير فقتله شيعة بني أميّة بمرج راهط في ذي الحجّة سنة (64 هـ) كما جاء ذلك في ترجمته في أُسد الغابة 5 / 22 ، والإصابة 3 / 529 تحت رقم 8730 ، والطبري في تأريخه 6 / 77 ، وابن الأثير 3 / 150 ، وشرح النهج ـ لابن أبي الحديد 1 / 212 ، وابن كثير في تاريخه 7 / 319 .
(43) انظر : الأغاني 16 / 29 ـ 32 طبعة دار الكتب .
(44) انظر : الدولة العربية وسقوطها ـ يوليوس ولهاوزن / 51 ـ 52 و53 و56 .
(45) انظر : مسند أحمد 2 / 192 ح6797 ، صحيح ابن حبان 13 / 341 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 153 ح2623 ، مجمع الزوائد 1 / 283 ، سنن أبي داود 4 / 180 ح 4530 .
(46) انظر : سنن البيهقي 9 / 118 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 242 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 17 / 281 ، بحار الأنوار 31 / 35 .
(47) انظر : مسند الروباني 2 / 141 ح959 ، صحيح ابن حبان 10 / 440 ح4579 ، مجمع الزوائد 5 / 244 .
(48) سورة الحجرات / 13 .
(49) قد بيّنا في صدر هذه الرسالة أنّ الروح القبلية بُعثت في وقت مبكر جدّاً بالنسبة إلى هذا التاريخ . نعم ، يُعتبر عهد عثمان عهد استفحالها وظهور آثارها الوبيلة في المجتمع الإسلامي ، وقد ظهرت هذه  العصبيّة من عثمان حينما حكّم بني اُميّة في رقاب الناس ، وقد اعتبر كثير من المسلمين في هذا العمل تعصّباً قبلياً مجافياً لروح الإسلام . ومن سعيد بن العاص والي الكوفة يوم قال في ملأ من رجال القبائل ردّاً على أحدهم : « إنّما السواد بستان لقريش » . فردّ عليه الأشتر النخعي قائلاً : « أتزعم أنّ السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا لك ولقومك ؟! » . فوقعت الوحشة بين قريش وسائر القبائل من ذلك الحين . انظر : التمدن الإسلامي ـ زيدان 4 / 57 ـ 58 .
أضف إلى هذا سلوك معاوية في الشام وعبد الله بن سعد بن أبي شرح في مصر ، وعبد الله بن عامر في البصرة . منه (رحمه الله) .
(50) وما كان علي (عليه السّلام) ليتعصّب وهو الذي ذمّ العصبية في الخطبة ( القاصعة ) ، وردّ أصلها إلى تعصّب إبليس للنار ضدّ الطين : (( أمّا إبليس فتعصّب على آدم لأصله ، وطعن عليه في خلقته فقال : أنا ناري ، وأنت طيني . وأمّا الأغنياء من مترفة الأمم فتعصّبوا لآثار مواقع النعم ، فقالوا : ( نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) . فإن كان لا بدّ من العصبية ، فليكن تعصّبكم لمكارم الخصال ، ومحامد الأفعال )) . انظر : نهج البلاغة ـ الخطبة 192 .
وليست الدعوة ضدّ العصبية دعوة هيّنة ، فالعصبية سبب لمصائب كثيرة كان منها حروب كثيرة أثارها التعصّب للجنس ، أو الدين ، أو اللون ، أو المذهب ، أو الوطن ، ولعل مما بين كراهته (عليه السّلام) للتعصّب ، وهو حقيق أن يكره التعصّب لِما ذاق من تعصّب أهل الشام لمعاوية ، قوله : (( ليس بلد بأحقّ بك من بلد ، خير البلاد ما حملك )) . انظر : نهج البلاغة ـ الخطبة 442 .
وانظر : نهج البلاغة (نشر مكتبة الأندلس ـ بيروت) 3 / 23 ـ 48 , وراجع للمؤلف : دراسات في نهج البلاغة ـ طبعة النجف 1956 ـ في فصلي (المجتمع والطبقات الاجتماعيّة) و(الوعظ) ففيهما دراسة مستوفاة من هذا الموضوع .
(51) سهل بن حنيف الأنصاري ، أبو ثابت ، وأنّه ممّن ثبت يوم أحد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا انهزم الناس ، وبايعه على الموت ، وجعل ينضح يومئذ بالنبل مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقال عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( نبّلوا سهلاً ؛ فإنّه سهل )) .
انظر : المستدرك على الصحيحين 3 / 409 ، شرح الأخبار 2 / 53 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 14 / 252 ، الطبقات الكبرى 3 / 471 ، سير أعلام النبلاء 2 / 328 ، الإصابة 3 / 166 ، تاريخ المدينة 2 / 490 ، المنتخب من ذيل المذيل / 17 .
وكان بدرياً ، وشهد المشاهد كلّها مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكان من نقباء ليلة العقبة ، ثمّ صحب علي بن أبي طالب (عليه السّلام) حين بويع بالخلافة ، وقد استخلفه على المدينة لمّا سار إلى البصرة ، وشهد معه صفين ، وولاّه بلاد فارس .
وكان في بدء الإسلام عام الأوّل من الهجرة يكسر أصنام قومه ليلاً , فيحملها إلى امرأة مسلمة من الأنصار لا زوج لها يقول لها : خذي فاحتفظي بهذا . وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يذكر ذلك عنه بعد موته متعجّباً .
وقال عندما توفّي سهل بن حنيف الأنصاري بالكوفة بعد مرجعه معه من صفين ، وكان أحبّ الناس إليه : (( لو أحبّني جبل لتهافت )) . انظر : نهج البلاغة ـ الحكمة 111 ، تحف العقول / 344 ،  شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 18 / 275 ، شرح نهج البلاغة ـ لمحمد عبده 4 / 26 .
ولمّا مات سنة (38 هـ) بالكوفة كبّر عليه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) خمس تكبيرات ، ثمّ مشى ساعة فوضعه ، ثمّ كبّر عليه خمساً أخرى ، فصنع ذلك حتّى كبّر عليه خمساً وعشرين تكبيرة ، ثمّ كفّنه في بُرد أحمر حبرة . انظر : تذكرة الفقهاء 1 / 43 ، الكافي 3 / 149 ح9 ، التهذيب 1 / 296 ، وسائل الشيعة 2 / 726 ح3 .
انظر : تهذيب التهذيب 4 / 220 ح 439 ، تحف العقول / 344 ، سبل السلام 2 / 103 ، كشف القناع 2 / 139 ، المحلى 5 / 126 ، كتاب الأمّ 1 / 323 و7 / 178 ، المغني 2 / 393 ، الشرح الكبير 2 / 349 ، تهذيب الأحكام 3 / 315 ح 977 ، المعتبر ـ للعلاّمة الحلّي 2 / 357 ، أُسد الغابة 2 / 364 ، سير أعلام النبلاء 2 / 325 ، الكافي 3 / 186 ح2 ، التهذيب 3 / 325 ح1011 ، فقه الرضا / 188 ، الاستبصار 1 / 484 ح1876 ، المقنعة ـ للشيخ المفيد / 23 .
(52) انظر : نهج البلاغة ـ الرسالة 73 .
(53) انظر : كتاب صفّين ـ نصر بن مزاحم / 8 , 108 , 345 ـ 346 .
(54) هو أبو عبد القدوس شبث بن ربعي التميمي ، كان مع المتنبئة ثمّ أسلم ، ثمّ سار مع الخوارج ثمّ تاب ، وعمّر إلى ما بعد المختار .
انظر : الجمهرة / 216 ، وابن سعد في طبقاته 6 / 216 ، وقعة صفين / 97 و98 و187 و195 و197 و199 و205 و294 ، معجم الفرق الإسلاميّة / 214 ، الملل والنحل ـ للشهرستاني 1 / 106 لتجد أنّ شبث بن ربعي من زعماء الخوارج ، وكان دينه تكفير علي وعثمان , وأصحاب الجمل والحكمين في صفين .
انظر : المعارف ـ لابن قتيبة / 405 , حيث قال : إنّ شبث بن ربعي أذّن لها ـ أي أذّن لسجاح . والإمامة والسياسة / 149 و169 على الرغم من أنّه ذكره باسم شيث بن ربعي . تاريخ الطبري 5 / 240 ، الأخبار الطوال / 172 .
(55) انظر : كتاب صفّين ـ نصر بن مزاحم / 209 ـ 311 .
(56) انظر : كتاب صفّين / 153 ـ 156 .
(57) انظر : الغارات 2 / 378 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 4 / 37 .
(58) انظر : تأريخ الطبري 4 / 84 ـ 86 .
(59) انظر : الدولة العربية / 108 .
(60) انظر : تأريخ الإسلام السياسي 1 / 278 ـ 279 .
(61) انظر : الدولة العربية / 112 نقلاً عن الطبري ، وفي شرح نهج البلاغة 11 / 19 نقلاً عن الجاحظ : « وكان معاوية يحبّ أن يغري بين قريش » .
(62) انظر : تأريخ الشعوب الإسلاميّة ـ بروكلمان 1 / 148 ، قصة الأدب في العالم ـ أحمد أمين 1 ـ 372 .
(63) انظر : تأريخ الشعر السياسي ـ أحمد الشايب / 308 ـ 309 ، تأريخ مدينة دمشق 34 / 298 ، أُسد الغابة 2 / 381 ، طبقات الشعراء / 392 .
(64) هو عيسى بن عبد الله ، مولى بني مخزوم ، وهو أوّل مَنْ غنّى بالعربي بالمدينة ، وأوّل مَنْ ألقى الخُنث فيها ، وهو مشؤوم ؛ لأنّه ولد يوم وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، وفطم يوم موت أبي بكر ، وبلغ يوم مقتل عمر ، وتزوّج يوم مقتل عثمان ، وولد له يوم مقتل علي . انظر : سير أعلام النبلاء 4 / 364 ، الأغاني 3 / 37 ، تفسير القرطبي 12 / 236 .
(65) انظر : الأغاني 2 / 170 ، تأريخ الإسلام السياسي 1 / 535 ، فجر الإسلام / 280 .
(66) انظر : تأريخ الشعر السياسي / 160 ـ 161 .
(67) انظر : التمدن الإسلامي 4 / 74 ـ 75 ، وقد جنى معاوية من فعله هذا ولاء مسكين الدارمي ، وها هو يزين له استخلاف يزيد بقوله :
ألا ليتَ شعري ما يقول ابنُ عامرٍ      ومـروانُ  أم مـاذا يـقول سعيدُ
بـني  خـلفاء اللهِ مـهلاً  فـإنّما      يُـبوّئها  الـرحمان حـيث  يريدُ
إذا الـمنبرُ الـغربيُّ خـلاه  ربُّه      فــإنّ أمـيرَ الـمؤمنين  يـزيدُ

انظر : تأريخ الشعر السياسي / 241 ، الأغاني 8 / 71 ، ولا يفوتنا أن نلاحظ أنّ البيت الأوّل يشهد لهذا التناحر الذي كان يعمل عمله في صميم الأسرة الاُمويّة ، ويشير إلى الأسماء البارزة في هذا الصراع ؛ عبد الله بن عامر ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص . منه (رحمه الله) .
(68) انظر : الدولة العربيّة / 58 .
(69) هو حجر بن عدي الأبرد الكندي الملقّب بحجر الخير ، وكان من فضلاء الصحابة ، وفد إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وشهد القادسية ، وقد قتله معاوية صبراً , ويُقال : إنّه أوّل مَنْ قُتل صبراً في الإسلام . قُتل معه ستة من أصحابه ، وهم : شريك بن شدّاد الحضرمي ، وصيفي بن قبيل الشيباني ، وقبيصة بن ضيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب السعدي ، وكدام بن حيان العنزي ، وعبد الرحمن بن حسّان العنزي .
وكان حجر ثقة عيناً ، ولم يرو عن غير علي (عليه السّلام) شيئاً , وهو الذي افتتح مرج عذراء ، وكان شريفاً في قومه مطاعاً ، آمراً بالمعروف ، صالحاً عابداً يلازم الوضوء ، وباراً باُمّه ، كثير الصلاة والصيام .
انظر : ترجمته في شرح نهج البلاغة 15 / 100 ، طبقات ابن سعد 6 / 151 و154 ، المستدرك 3 / 468 ، الاستيعاب 1 / 134 الرقم 548 طبعة حيد آباد ، أُسد الغابة 1 / 385 ، سير أعلام النبلاء 3 / 305 الترجمة رقم 314 ، تاريخ الذهبي 3 / 276 ، تاريخ ابن الكثير 8 / 50 ، الإصابة 1 / 315 ، تأريخ الطبري 2 / 111 ـ 149 و5 / 277 ، تأريخ ابن الأثير 3 / 403 و404 ، وقعة صفّين / 103 ، مروج الذهب 3 / 3 ـ 4 ، تهذيب الكمال 5 / 485 الرقم 1141 ، المعارف ـ لابن قتيبة / 334 ، الأغاني 16 / 10 ، تأريخ مدينة دمشق 2 / 379 ، مسند أحمد 4 / 421 ، والمعجم الكبير ـ للطبراني 1 / 427 ، والعقد الفريد 4 / 345 ، وتهذيب ابن عساكر 7 / 206 ، وصفوة الصفوة 1 / 238 ، وسيرة ابن هشام 4 / 179 .
(69) وترى عند أحد رفقاء حجر ، وهو قبيصة بن ربيعة العبسي ، تنبّهاً لهذه الأساليب ؛ فقد قال لأبي شريف البدري حين قدم ليقتل في مرج عذراء : « إنّ الشرّ بين قومي وقومك آمن ، فليقتلني سواك . فقال : برّتك رحم . ثمّ قتله القضاعي » .
(70) انظر : الدولة العربيّة / 105 ـ 106 .
(71) انظر : المصدر السابق / 207 .
(72) انظر : الأغاني / 21 ـ طبعة الساسي .
(73) انظر : تأريخ الشعوب الإسلاميّة 1 / 146 .
(74) انظر : تأريخ الطبري 4 / 175 .
(75) انظر : فجر الإسلام ـ أحمد أمين / 213 .
(76) انظر : الدولة العربيّة / 52 .
(77) انظر : الغارات 1 / 75 ، شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 2 / 203 ، الإمامة والسياسة 1 / 173 .
(78) انظر : نهج البلاغة ـ الخطبة 126 .
(79) انظر : تأريخ مدينة دمشق 26 / 10 ، قريب منه .
(80) انظر : تأريخ مدينة دمشق 24 / 320 ، قريب منه .
(81) انظر : العقد الفريد 2 / 270 , طبعة مصر سنة 1935 م ، تأريخ التمدن الإسلامي 4 / 341 .
(82) انظر : العقد الفريد 2 / 260 ـ 261 ، ضحى الإسلام 1 / 18 ـ 34 ، التمدن الإسلامي 4 / 60 ـ 64 و91 ـ 96 .
(83) للتوسع في موضوع القبلية انظر : أنساب الأشراف ـ البلاذري 1 / 18 ـ 34 ، تأريخ العرب ـ فيليب حنّى 2 / 350 ـ 352 ، تأريخ الشعوب الإسلاميّة ـ بروكلمان 1 / 156 ـ 157 ، الدولة العربيّة ـ ولهاوزن / 165 ـ 173 و403 و414 ـ 415 و418 ـ 419 ، تاريخ الإسلام السياسي ـ حسن إبراهيم حسن 1 / 337 ـ 341 ، مختصر تأريخ العرب ـ سيد أمير علي /63 ـ 67 و78 و113 ـ 114 . منه (رحمه الله) .
(84) انظر : الدولة العربيّة / 53 ، تأريخ الإسلام السياسي 1 / 278 ـ 279 .
(85) انظر : شرح نهج البلاغة 4 / 61 .
(86) معاوية أوّل مَنْ لعن الإمام علي (عليه السّلام) على منابر المسلمين .  انظر : شواهد التنزيل 2 / 459 ، فرائد السمطين 1 / 155 ب31 ح117 ط بيروت ، تأريخ مدينة دمشق 2 / 348 و443 ح851 الطبعة الثانية ح959 ، لسان الميزان 1 / 175 ، أنساب الأشراف 2 / 103 و113 ، أحمد بن حنبل ح72 / 46 ط قم ، كفاية الطالب ب 62 / 244 و246 ، كنز الحقائق / 82 و92 و131 ، المناقب ـ للخوارزمي / 62 و187 فصل 17 ح11 فصل 9 ، نور الأبصار / 70 و101 ، الصواعق المحرقة / 96 و161 ولكن زعم أنّه يروي الحديث بلفظ « ... قال : ومَنْ عدوّي ؟ قال : مَنْ تبرّأ منك ولعنك » .
فقد سبّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) , وذلك من خلال حبّه ـ ابن حجر ـ لمعاوية بن أبي سفيان الذي سبّ علياً (عليه السّلام) ، ولعنه في الأقطار الإسلاميّة , وطلب التبرّي منه , وإن لم يكن ذلك فالضرب والشتم والهتك والقتل للمؤمنين . وهذا المشهور لا يحتاج إلى برهان ودليل .
انظر : خصائص الوحي المبين / 131 فصل 21 الطبعة الأولى ، الدر المنثور 6 / 89 و319 و7 / 305 ، مجمع الزوائد 9 / 131 و7 / 17 ، وبشارة المصطفى / 163 ، تفسير الطبري 6 / 186 و12 / 657 ط اُخرى ، وذخائر العقبى / 88 و102 ، وروح المعاني 30 / 207 ط مصر ، وتأريخ بغداد 7 / 421 ، الأغاني 18 / 39 الطبعة الأولى بيروت ، والمسترشد في إمامة أمير المؤمنين / 354 ، وينابيع المودّة / 62 و74 و270 ط إسلامبول و71 و84 و361 و362 ط الحيدرية و1 / 196 و223 ط أسوة و2 / 357 و452 ط أسوة ، وتذكرة الخواص / 18 ، وفتح القدير ـ للشوكاني 5 / 477 ، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار / 172 ، جواهر العقدين 2 / 219 ، وفي الصواعق المحرقة / 161 ب11 فصل1 .
(87) الشيعة أنفسهم اعتزّوا بهذا الاسم ؛ فالسيد الحميري يردّ على لسان مَنْ قال له : يا رافضي , في محاولة للحطّ من شأنه , فيقول :
ونحنُ على زعمكَ الرافضو           ن لأهلِ الضلالةِ والمنكرِ
انظر : كتاب الزينة ـ للرازي (مخطوط) ، الفصول ـ للسيد المرتضى 1 / 61 .
وذُكر أنّ عمّار الدهني شهد شهادة عند ابن أبي ليلى القاضي ، فقال له : قم يا عمّار فقد عرفناك , لا تُقبل شهادتك ؛ لأنّك رافضي .
فقام عمّار يبكي ، فقال ابن أبي ليلى : أنت رجل من أهل العلم والحديث , إن كان يسوءك أن يُقال لك : رافضي , فتبرّأ من الرفض ، وأنت من إخواننا .
فقال له عمّار : ما هذا ذهبت والله إلى حيث ذهبت ، ولكنّي بكيت عليك وعليّ ؛ أمّا بكائي على نفسي فنسبتني إلى رتبة شريفة لستُ من أهلها . انظر : تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ـ للأشتري 2 / 106.
(88) انظر : نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 11 / 44 ، فجر الإسلام ـ لأحمد أمين / 275 .
(89) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 11 / 45 ، فجر الإسلام ـ لأحمد أمين / 276 .
(90) انظر : شرح نهج البلاغة 11 / 45 ـ 46 .
(91) انظر : شرح نهج البلاغة 11 / 46 .
(92) سورة البقرة / 204 ـ 205 .
(93) سورة البقرة / 207 .
(94) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 1 / 789 الطبعة الحديثة بيروت و4 / 73 . قال طه حسين : « لو ردّت إلى المسلمين أمورهم ، وطلب إليهم أن يختاروا إماماً لما اختاروا معاوية بحال من الأحوال ؛ لأنّهم بلوا سياسته ، وحبروا عمّاله ، فرأوا أنّ أمورهم تصير إلى شرّ عظيم ... فهم يحكمون بالخوف لا بالرضا ، ويُساسون بالرعب والرهب لا بما ينبغي أن يُساس به المسلمون من كتاب الله وسنّة نبيّه .
وأموالهم العامّة ليست لهم بل إلى ملكهم وولاتهم , يتصرّفون فيها ما يشتهون ، لا على ما يقتضيه الحقّ والعدل والمعروف ... ودماؤهم ليست حراماً على الملك وعمّاله ، وإنّما يستحلّ منها الملك والعمّال ما حرم الله ... لا إقامة لحدود الدين ، ولكن تثبيتاً لسلطان الملك » . انظر : الفتنة الكبرى ـ 2 ـ علي وبنوه ـ للدكتور طه حسين / 131 ـ 132 .
(95) انظر : شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد 4 / 67 و69 و 73 .
(96) ورد لقب الأنصار في القرآن الكريم مرتين مقروناً بالمهاجرين في آيتين من سورة التوبة ، تضمّنتا مدح الله تعالى لهم وثناءه عليهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) الآية 100 ، و ( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) الآية 117 . منه (رحمه الله) .
(97) انظر : الأغاني 16 / 42 ـ 43 و48 , طبعة دار الكتب .
(98) ويظهر أنّ هذا الاتجاه اعتُبر سياسة ثابتة في مهمات الدولة الثقافية ، فنجد أنّ هشام بن عبد الملك   طلب من ابن شهاب الزهري أن يقول في قوله تعالى : ( وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور / 11 ، أي الذي تولّى كبره هو علي بن أبي طالب ، فأبى وقال : هو عبد الله بن أبي سلول . وعندما طلب خالد من عبد الله القسري ـ والي العراق في عهد هشام بن عبد الملك ـ من ابن شهاب الزهري أن يكتب سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله) ، يقول ابن شهاب : « فقلت له : فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب فأذكره ؟ » , ولكنّ خالداً القسري رفض أن يأذن لابن شهاب في ذكر علي (عليه السّلام) إلاّ إذا كان ذكره يتضمّن قدحاً وذمّاً .
انظر : ضحى الإسلام (الطبعة الخامسة) 2 / 326 ، نقله عن الأغاني 19 / 59 . منه (رحمه الله) .
(99) انظر : تأريخ مدينة دمشق 59 / 74 ، البداية والنهاية 8 / 120 .
(100) انظر : تحف العقول / 194 .
(101) انظر : كشف الخفاء 1 / 236 .
(102) انظر : مسند أحمد 2 / 345 ، البداية والنهاية 6 / 230 ، كنز العمّال 13 / 42 ، تأريخ مدينة دمشق 29 / 267 ، بغية الباحث / 294 ، ولا نريد التعليق على هذه الرواية الموضوعة سنداً ومتناً ؛ لأنّه من غير المعقول أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوصي بأصحاب عثمان بن عفّان وهو يعلم سيرة مروان بن الحكم وأمثاله ! بل نترك للقارئ المنصف أن يحكم بنفسه على مثل هذه الموضوعات .
(103) انظر : صحيح البخاري 2 / 837 ح2247 ، سنن الترمذي 4 / 482 ح2189 ، سنن البيهقي الكبرى 8 / 159 .
(104) انظر : صحيح مسلم 3 / 1447 ح1849 ، صحيح البخاري 6 / 2588 ح6646 ، سنن الدارمي 2 / 314 ح2519 ، مسند أحمد 1 / 275 ح2487 .
(105) نجد هذه النصوص وغيرها في البخاري وغيره من كتب الحديث . انظر : صحيح مسلم 3 / 1479 ح1852 ، صحيح ابن حبّان 10 / 255 ح4406 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 169 ح2665 .
(106) هو رؤبة بن العجّاج الباهلي .
(107) انظر : عيون الأخبار 1 / 7 ، الشعر والشعراء ـ لابن قتيبة / 572 ، شيخ المضيرة أبو هريرة / 234 ، غريب الحديث 4 / 206 ، الفائق في الحديث 1 / 106
(108) انظر : شرح نهج البلاغة 1 / 340 .
(109) انظر : الفصل في الملل والنحل 4 / 204 .
(110) انظر : تأريخ العرب ـ فيليب حتّي 2 / 316 .
(111) لمّا استخلف يزيد بن عبد الملك بن مروان قال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز . فمكث كذلك أربعين ليلة ، فأتى بأربعين شيخاً فشهدوا له أنّه ما على الخلفاء من حساب ولا عذاب .
انظر : ابن كثير / 232 .
« وإنّ قوماً من المرجئة على رأسهم رجل يُقال له : أبو رُوّية , انضموا إلى يزيد بن المهلّب بن أبي صفرة في ثورته على يزيد بن عبد الملك بن مروان ، ولمّا جاء مسلمة بن عبد الملك لقمع الثورة ، وحرّض يزيد بن المهلّب الناس على القتال ، قال ابن رُوّية : إنّا قد دعوناهم إلى كتاب الله ، وسنّة نبيّه ، وقد زعموا أنّهم قبلوا ، فليس لنا أن نمكر ولا نغدر ، ولا نريدهم بسوء .
فقال لهم يزيد بن المهلّب : ويحكم ! أتصدّقون بني اُميّة ؟! إنّهم أرادوا أن يجيبوكم ليكفّوكم منهم حتّى يعملوا في المنكر .
قالوا : لا نرى أن نفعل ذلك حتّى يردّوا علينا ما زعموا أنّهم قبلوه منّا » منه (رحمه الله) . انظر : تأريخ الطبري 6 / 593 .
(112) لاحظ في هذا الموضوع ، فجر الإسلام ـ أحمد أمين / 279 ـ 282 و291 ـ 294 ، ضحى الإسلام  3 / 316 ـ 329 ، العقيدة والشريعة في الإسلام ـ إجناس جولد تسهر / 75 ـ 77 و295 هامش رقم 20 ، ونسب إلى المأمون هذان البيتان كما جاء في مروج الذهب 3 / 329 .
(113) انظر : النظم الإسلاميّة موريس غودفردا / 39 . « في الخلاف الذي قام حول الجبرية ساند الخلفاء الاُمويّون فكرة إنكار الإرادة في أفعال الإنسان » .
(114) انظر : فجر الإسلام / 159 .
(115) انظر : فجر الإسلام / 160 .
(116) انظر : فجر الإسلام 3 / 81 ، يقول الدكتور أحمد أمين : « ... وبنو اُميّة ـ كما يظهر ـ كانوا يكرهون القول بحرية الإرادة ، لا دينياً فقط ، ولكن سياسياً كذلك ؛ لأنّ الجبر يخدم سياستهم . فالنتيجة للجبر أنّ الله الذي يُسيّر الاُمور قد فرض على الناس بني اُميّة كما فرض كلّ شيء ، ودولتهم بقضاء الله وقدره ، فيجب الخضوع للقضاء والقدر » . منه (رحمه الله) .
(117) انظر : تأريخ الشعوب الإسلاميّة 1 / 148 .
(118) انظر : لسان العرب 4 / 138 .
(119) انظر : تأريخ الشعر السياسي / 241 ، الأغاني 8 / 71 .
(120) انظر : ضحى الإسلام 3 / 81 ـ 82 ، العقيدة والشريعة في الإسلام / 85 ـ 87 .
(121) انظر : تأريخ الطبري 4 / 290 و6 / 218 و3 / 296 طبعة اُخرى ، الكامل في التاريخ ـ لابن الأثير 4 / 16 و2 / 547 ، الفتوح ـ لابن أعثم 3 / 79 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 223
(122) انظر : الكامل في التاريخ 3 / 233 ـ 243 وغيره .
(123) كما حدث من مالك بن هبيرة السكوني الذي بدا وكأنّه سيثور بسبب قتل حجر وأصحابه ؛ فقد أرسل إليه معاوية مئة ألف درهم « فأخذها وطابت نفسه » . انظر : الكامل في التاريخ 3 / 242 .
(*) هكذا وردت العبارة الأخيرة في الأصل , ولعل هناك سقطاً أو خطأً ما أربكها وجعلها بهذا الشكل الغامض . (موقع معهد الإمامين الحسنين)
(124) انظر : الكامل في التاريخ 3 / 249 ـ 252 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page