• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دفع الشبهة بشواهد تاريخيّة


دفع الشبهة بشواهد تاريخيّة
مضافاً لمَا تقدّم ـ من أنّ الذوق المستقيم والفهم السليم ، واللغة وأقوال علماء أهل الخلاف ، ترفض مثل هذه الخزعبلات والتهم التي يرمي بها أعداءُ مذهبِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) شيعتَهم ، بُغية التوصُّل إلى مآربهم الشيطانيّة ـ أنّ الشواهد التاريخيّة والعقلائيّة خير شاهد لنفي ما يَصْبُون لإثباته ، فنذكر شيئاً منها تباع :

الأمر الأوّل : ما ذكروه في كتبهم إلى الإمام الحسين (عليه السلام)
روى الطبري والبلاذري ، وابن الأثير وابن كثير واللفظ للأوّل ، قال ، قال أبو مخنف : فحدَّثني الحجاج بن عليّ ، عن محمّد بن بشر الهمداني ، قال : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية ، فحمدنا الله عليه ، فقال لنا سليمان بن صُرد : إنّ معاوية قد هلك ، وإنّ حسيناً (ع) قد تقبَّض على القوم ببيعته ، وقد خرج إلى مكّة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإنْ كنتم تعلمون أنّكم ناصروه ومجاهدو عدوّه فاكتبوا إليه ، وإنْ خفتم الوهل والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه . قالوا : لا ، بل نقاتل عدوَّه ونقتل أنفسنا دونه . قال : فاكتبوا إليه . فكتبوا إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
لحسين بن عليّ (عليهما السلام) من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ، ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر ، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة ، سلام عليك ، فإنّا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أمَّا بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوَّك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الاُمّة فابتزَّها أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمَّر عليها بغير رضىً منها ، ثمّ قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعداً له كما بعدت ثمود ، إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلَّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقِّ ، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إنْ شاء الله ، والسلام ورحمة الله عليك .
قال : ثمّ سرَّحنا بالكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني ، وعبد الله بن وال ، وأمرناهما بالنجاء(1) ، فخرج الرجلان مسرعين حتّى قدما على حسينٍ (عليه السلام ) لعشر مضين من شهر رمضان بمكّة(2) .
أقول : إنّ قولهم في هذا الكتاب : إنّه ليس علينا إمام ، فأقبل لعلَّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقِّ(3) أو الهدى ، يدلّ بوضوح على أنّ القوم يريدون مبايعة الإمام الحسين (عليه السلام) على الإمامة الإداريّة والسياسيّة ـ إنْ صحَّ التعبير ـ كما بُويع غيره ، لا الإمامة الإلهيّة في شؤون الدين والدنيا .
وبعبارة أخرى : أنّ القول المذكور يدلّ على أنّهم ليسوا ممّن يعتقدون بأنّه الخليفة من الله بالنَّص ، كما هي عقيدة الشيعة بالمعنى الخاصّ ؛ إذ الشيعة لهم أئمّة
معروفون منصوبون من الله بعد رسوله (صلّى الله عليه وآله) في أمور الدين والدنيا إلى اليوم المعلوم ، فلو كانوا من الشيعة بالمعنى الخاصّ لمَا قالوا : ليس علينا إمام ، ولمَا قالوا : لعلّ الله أنْ يجمعنا بك على الحقّ ؛ لأنّهم يعتقدون عصمته ، فلا يصدر منهم هذا القول قطع ، فإنّه لا يصحّ أنْ يقال في حقّ مَن ثبتت بالقطع عصمته كالنبيِّ والرسول (صلّى الله عليه وآله) ، ومَن يقوم مقامه من أئمّة الهدى ومصابيح الدجى (عليهم السلام) .
نعم ؛ يصحّ منهم هذا إذا كان أكثر الناس المبايعين آنذاك عقيدتهم في الإمامة على ذلك ؛ فلا يستطيعون التصريح بخلافها لمَا فيه من نفي خلافة الأوّل والثاني والثالث ، وهو ليس بالأمر البسيط ، وهذا يثبت أيضاً أنّ الكثرة الكاثرة ممّن بايع الإمام الحسين (عليه السلام) هم من غير الشيعة بالمعنى الخاصّ .
وأيضاً ما رواه ابن كثير والطبري وابن الأثير ، واللفظ للأول ، قال : وكتب إليه شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم ، وعمرو بن حجاج الزبيدي ، ومحمّد بن عمر بن يحيى التميمي ، أمّا بعد : فقد اخضرَّتْ الجنان وأينعت الثمار ولطمت الجمام ، فإذا شئت فأقدم على جند لك مجنَّدة ، والسلام عليك .
فاجتمعت الرسل كلّها بكتبها عند الحسين (عليه السلام) ، وجعلوا يستحثُّونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد ابن معاوية ، ويذكرون في كتبهم أنّهم فرحوا بموت معاوية وينالون منه ، ويتكلَّمون في دولته وأنّهم لمَّا يبايعوا أحداً إلى الآن ، وأنّهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدِّموك عليهم(4) .
فإنّ قوله : وجعلوا يستحثُّونه ويستقدمونه عليهم ليبايعوه عوضاً عن يزيد بن معاوية .
وقولهم : وأنّهم لمَّا يبايعوا أحداً إلى الآن .
وقولهم : وأنّهم ينتظرون قدومك إليهم ليقدِّموك عليهم .
يدلّ بوضوح على أنّهم لا يعتقدون بإمامته بالنصّ ، وأنّهم يريدون مجيئه إليهم وتقديمه عليهم لإدارة أمورهم ، ومَن كان هكذا لمْ يكن من الشيعة بالمعنى الخاصّ ، أي : الاثني عشريّة .
وأيضاً ما رواه اليعقوبي والطبري وابن كثير ، واللفظ للأوّل ، قال : وكتب أهل العراق إليه ، ووجَّهوا بالرسل على أثر الرسل ، فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ ، وسعيد بن عبد الله الخثعمي :

بسم الله الرحمن الرحيم
للحسين بن عليّ (عليه السلام) من شيعته المؤمنين والمسلمين ، أمَّا بعد : فحيَّ هلا ، فإنّ الناس ينتظرونك ، لا إمام لهم غيرك فالعجل ثمّ العجل ، والسلام .
فوجَّه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب(عليه السلام) ، وكتب إليهم ، وأعلمهم أنّه إثر كتابه ، فلمَّا قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه ، فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه ، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء(5) .
حيث إنّ قوله : فإنّ الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك ، فالعجل العجل .
وقوله : فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه ، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء .
ممّا يدلّ على أنّهم بايعوه على النصرة والمشايعة والمتابعة لا على الاعتقادبإمامته بالنصّ .
والخلاصة من نقل هذه الأقوال : أنّها تدلّ على أنّ مَن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل البيعة إنّما كانوا يريدون البيعة السياسية فقط ، وهي غير ما عليه عقيدة الشيعة بالمعنى الخاصّ .
فإنْ قلت : فما تقول في مَن كتب إليه من الشيعة الخلَّص كحبيب بن مظاهر وغيره رضوان الله عليهم ، فإنّهم من خواص الشيعة وقد تكلَّموا بهذه الأقوال أيضاً ؟
قلت : إنَّ هذا يندفع بملاحظة ما ذكرناه في أوَّل هذا الأمر من أنّ الشيعة الخاصّة لا يصحُّ منهم ذلك ؛ لمَا عرفت من المعنى الخاصّ للشيعة ، فيحمل على أنّه كلام بلسان الكثرة الكاثرة من أهل الكوفة ، أو كلام باعتقاد أغلب أهل ذلك الزمان ، بحيث لا يصحّ من الشيعة الخاصّة إظهار خلافه خوفاً وتقيّةً ، لمَا فيه من نفي خلافة الأوّل والثاني والثالث .
ولهذا عبَّر عنهم بالناس في قوله : فإنّ الناس ينتظرونك لا إمام لهم غيرك فالعجل العجل .

الأمر الثاني : دهاء ابن زياد
إنّ عبيد الله بن زياد داهية من الدواهي المنسوبة إلى بني اُميّة ، وهو يعمل جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى إمامه الحسين بن عليّ (عليه السلام) لينصره في كربلاء ، وليس هو بالغبي حتّى يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السلام) شيعته ، وهو يعلم بأنّ وصولهم له (عليه السلام) يقلب الموازين على بني اُميّة .

الأمر الثالث : اعتقال ابن زياد للشيعة وقتلهم ومنعهم من الوصول إلى الإمام
قد عمل ابن زياد جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) .
فبدأ باعتقال الشيعة وزجِّهم في السجون أو قتلهم ، وخصوصاً مَن أراد نصرة مسلم بن عقيل (عليه السلام) ، ولو كان يريد أنْ يرسل الشيعة مع جيشه لمَا زجَّ بهم في السجون أو قتلهم .
ثمّ إنَّه قد جعل المراصد في الكوفة لاعتقالهم ، ومن اشتبه أنّه منهم فإنّه يختبر ويمحَّص حتّى يُعرف حاله ، ويُفعل به ما يًفعل من تعذيب وقتل ، وهذا دليل واضح على عدم إمكان تصوُّر أنَّ ابن زياد يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السلام) شيعته .
فقد روى الطبري قال ، قال أبو مخنف : فحدَّثني أبو جناب الكلبي : أنّ كثيراً ألفى رجلاً من كلب يُقال له : عبد الأعلى بن يزيد ، قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في بني فتيان ، فأخذه حتّى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره ، فقال لابن زياد : إنّما أردتك . قال : وكنت وعدتني ذلك من نفسك ، فأمر به فحبس .
وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة ، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه سلاحه ، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه ، فبعث ابن عقيل إلى محمّد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي ، فلمَّا رأى محمّد بن الأشعث كثرة مَن أتاه أخذ يتنحَّى ويتأخَّر .
وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمّد بن الأشعث : قد حلتُ على ابن عقيل من العرار ، فتأخَّر عن موقفه(6) .
وذكر الطبري أيضاً مقتل مَن اعتقلهم عبيد الله بن زياد من الشيعة ، فقال : ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد لمَّا قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة دعا بعبد الأعلى الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان فأُتي به ، فقال له : أخبرني بأمرك . فقال : أصلحك الله ! خرجت لأنظر ما يصنع الناس ، فأخذني كثير ابن شهاب .
فقال له : فعليك وعليك من الأيمان المغلَّظة إنْ كان أخرجك إلاّ ما زعمت . فأبى أنْ يحلف ، فقال عبيد الله : انطلقوا بهذا إلى جبانة السبيع فاضربوا عنقه به .
قال : فانطلق به فضُربت عنقه .
قال : وأخرج عمارة بن صلخب الأزدي ، وكان ممّن يريد أنْ يأتي مسلم بن عقيل(عليه السلام) بالنصرة لينصره ، فأتي به أيضاً عبيد الله ، فقال له : ممّن أنت ؟ قال : من الأزد . قال : انطلقوا به إلى قومه ، فضُربت عنقه فيهم(7) .
وأيضاً لقلَّة الشيعة وتفرُّقهم في البلدان ، وكونهم معروفين كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد : أنْ يجعلَ المراصد والمسالح كي لا يصلَ أحد من الشيعة إلى نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) .
فقد روى الطبري ومحدّث الشام ، وابن الجوزي والخوارزمي وغيرهم كتاب يزيد لعبيد الله ، حينما بعث له عبيد الله برأسي مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهانئ بن عروة رحمه الله ، واللفظ الأوّل قال ، قال أبو مخنف : عن أبي جناب يحيى بن أبي حيّة الكلبي ، قال : . . . فكتب إليه يزيد ، أمَّا بعد :
فإنّك لمْ تعدُ أنْ كنت كما أحبُّ ، عملت عمل الحازم ، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش ، فقد أغنيت وكفيت ، وصدّقت ظنّي بك ورأيي فيك ، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت ، فاستوص بهما خير ، وإنّه قد بلغني أنّ الحسين بن عليّ (عليهما السلام) قد توجّه نحو العراق ، فضع المناظر والمسالح ، واحترس على الظنّ وخذ على التهمة ، غير ألاّ تقتل إلاّ مَن قاتلك(8) ، واكتب إليَّ في كلّ ما يحدث من الخبر ، والسلام عليك ورحمة الله(9) .
وفي مقتل الخوارزمي قال : وقد بلغني أنّ الحسين بن علي(عليه السلام) قد عزم على المصير إلى العراق ، فضع المراصد والمناظر والمسالح ، واحترس واحبس على الظنّ واقتل على التهمة ، واكتب في ذلك إليَّ كلّ يوم بما يحدث من خبر(10) .
وقد امتثل ابن زياد ما أمره يزيد ، فقد روى البلاذري ، قال :
ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة إنْ يلحقَ بالحسين (عليه السلام) مغيثاً له ، ورتَّب المسالح حوله ، وجعل على حرس الكوفة والعسكر زحر بن قيس الجعفي ، ورتّب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرةً مقدحةً ، فكان خبر ما قبله يأتي في كلّ وقت(11) .
وروى البلاذري أيضاً ، قال :
قالوا : ولمَّا بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة بعث الحصين بن تميم بن أسامة التميمي ، ثمّ أخذ بني جشيش بن مالك بن حنظلة صاحب شرطه ، حتّى نزل القادسيّة ، ونظم الخيل بينها وبين خفان ، وبينها وبين القطقطانة إلى العلع(12) .
أفبعد هذا يعقل من داهية مثل ابن زياد أنْ يخالف عقله وإمامه يزيد بن معاوية ، ويرسل الشيعة إلى إمامهم الحسين بن عليّ (عليه السلام) ؟!

الأمر الرابع : قلّة الشيعة في الكوفة آنذاك
لا يخفى أنّ الكوفة في هذا الزمان شيعية محضة ، وعرفت بالتشيُّع في أزمنة مختلفة في التاريخ ، ومن هذه الشهرة نفذ أصحاب الشبهة واتَّهموا الشيعة بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ؛ لأنّ المترسِّخ في الأذهان أنّ لفظة أهل الكوفة تساوي لفظة شيعة ، وغرض التهمة أنْ يخلِّصوا يزيد وأتباعه ومحبِّيه من وصمة العار التي تلاحقهم أبد الدهر ، حتّى زاد بعضهم فنصَّ على عدم مشاركة أهل الشام واليمن ومصر في قتال الإمام الحسين (عليه السلام) ، ـ يكاد المريب أنْ يقول : خذوني ـ مع وجود ما يدلّ على خلاف قوله ، كما سنذكره(13) .
ولكن هذا لا يخفى على ذوي العقول الواعية ، إذ قليل من التأمُّل يكفي ، ولكي يتّضح الأمر جيِّداً علينا أنْ نعرف مذهب أهل الكوفة في زمان شهادة الإمام الحسين (عليه السلام) ، فنقول :
إنّ الشيعة بالمعنى الخاصّ فرقة قليلة جداً في ذلك الزمان ، ومع قلَّتهم كانت طائفة منهم تقطن الكوفة ، فهم بالنسبة إلى أهل الكوفة عدد قليل جداً ، ومَن راجع واطّلع على سكان الكوفة آنذاك وجد هذا المعنى ملموس .
ثمّ إنّ الكوفة بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، وانتقال الإمام الحسن (عليه السلام) إلى المدينة ، وتسلُّم معاوية للسلطة ، كانت تحت إمرة بني اُميّة . وكان همُّ معاوية بن أبي سفيان حينما استتبَّ له الأمر التضييق على الشيعة وتفريقهم وإبعادهم عن الكوفة منذ سنة إحدى وأربعين ، كما يدلّ على ذلك كتاب معاوية إلى المغيرة بن شعبة عندما ولاه الكوفة في تلك السنة .
فقد روى الطبري ذلك في تاريخه ، قال :
قال هشام بن محمّد : عن أبي مخنف ، عن المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير ، وفضيل بن خديج ، والحسين بن عقبة المرادي ، قال : كلٌّ قد حدَّثني بعض هذا الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث حجر بن عدي الكندي ( رحمه الله ) وأصحابه : أنّ معاوية بن أبي سفيان لمَّا ولَّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 هـ دعاه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمَّا بعد ، فإنّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ، وقد قال المتلمس :

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا      ومـا علـم الإنسـان إلاّ ليعلما
وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعلُّم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة ، فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي . ولست تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تتحم عن شتم عليٍّ (ع) وذمِّه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب عليٍّ (ع) والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه ، والإدناء لهم والاستماع منهم .
فقال المغيرة : قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك ، فلمْ يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذم ، ثمّ قال : بل نحمد إنْ شاء الله(14) .
ثمّ جعل معاوية على الكوفة زياد ابن أبيه ، فلمْ يترك من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) أحداً إلاّ قتله أو عذَّبه أو شرَّده إلاّ قليلاً ممّن لمْ يُعرف بالتشيُّع .
فقد روى الطبري ما يبيِّن ذلك عند ذكره ما جرى بين هانئ بن عروة ( رحمه الله ) وعبيد الله بن زياد ، قال :
فقال عبيد الله : يا هانئ ، أمَا تعلم أنّ أبي قدم هذا البلد ، فلمْ يترك أحداً من هذه الشيعة إلاّ قتله غير أبيك وغير حجر ؟ وكان من حجر ما قد علمت . . . (15) .
وقال عبد الحميد المعتزلي :
وروى أبو الحسن عليّ بن محمّد بن أبي سيف المدايني في كتاب الأحداث ، قال : . . . وكان أشدّ الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليّ (عليه السلام) ،
فاستعمل عليهم زياد بن سميّة ، وضمَّ إليه البصرة ، فكان يتتَّبع الشيعة وهو بهم عارف ؛ لأنّه كان منهم أيّام عليّ (عليه السلام) ، فقتلهم تحت كلِّ حجر ومدر وأخافهم ، وقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل وطرّفهم ، وشرَّدهم عن العراق ، فلمْ يبقَ بها معروف منهم .  .  . إلخ(16) .
ويدلّ على ذلك أيضاً ما سنذكره لك ، فيما يأتي تحت عنوان : حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، من أنّ مَن خرج في ثورة التوَّابين وثورة المختار ليسوا ممّن يسكن الكوفة فعلاً ، بل هم ممّن تجمَّعوا من أماكن متفرِّقة حتّى استعدُّوا ، فخرجوا لقتال بني اُميّة وأنصارهم من أهل الكوفة والشام ، وهذا يدلُّ أيضاً على قلَّة الشيعة في الكوفة .

الأمر الخامس : كثرة الاُمويّين وأتباعهم في الكوفة آنذاك
ويتّضح هذا بدلالات كثيرة نذكر منها ما يلي :

الدلالة الأولى :
أنّ موت معاوية بن أبي سفيان قريب جداً من نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ، والكوفة كانت تحت إمرته وتدين بدينه ، ففيها الكثير الكثير من الموالين لهم ، ويكفي أنّ أغلب رؤساء قبائل الكوفة(17) الذين تأتمر القبيلة بأمرهم وتسير على دينهم إلاّ مَن شذَّ ، كانوا معهم ، ولا ريب أنّ تفرُّقهم عن الكوفة يحتاج إلى زمن طويل ، ولا يكون إلاّ بانهيار الدولة الاُمويّة .
الدلالة الثانية :
تعامل يزيد بن معاوية مع الكوفة في هذه الظروف التي كتب فيها الآلاف بالبيعة للإمام الحسين (عليه السلام) ، على أنّها تحت إمرته وسيطرته ، فقد قال لابن زياد : كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة أنّ مسلم بن عقيل يجمع الجموع . ثمّ أمره بأنْ يذهب إلى الكوفة ، ويبحث عن مسلم بن عقيل ويقتله(18) .
فهذا يدلّ على وجود الكثير من أنصار بني اُميّة في الكوفة ، إذ لا تكون إمرة وسيطرة على مكان في ظروف استعدَّت فيها الآلاف لمخالفة ومقابلة بني اُميّة إلاّبوجود العتاد والعدَّة المعتدِّ به .

الدلالة الثالثة :
أنّه لا يُعقل من مثل ابن زياد (لعنه الله) أنْ يأتي من البصرة إلى الكوفة بعدد قليل من الرجال ، في قبال الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة(19) الذين كتبوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ، إلاّ مع علمه بأنّ أهل الكوفة بأجمعهم موالون لبني اُميّة حتّى مَن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) إلاّ القليل منهم !

الدلالة الرابعة :
خطبة ابن زياد في جامع الكوفة بمجرَّد وصوله إليه ، إذ كيف تسنَّى له أنْ ينزل الجامع وينادي في الناس بالجماعة ـ قبل أنْ يفعل أيَّ شيء ـ ويحضر عنده ذلك الجمع الغفير ، ويهدِّدهم بالقتل والحرمان وغيره مع وجود الآلاف التي بايعت الإمام الحسين (عليه السلام) ؟!(20) .
فما ذلك إلاّ لوجود الآلاف المؤلّفة ـ من أنصار بني اُميّة ـ المستعدّة لنصرتهم ودفع الآلاف التي بايعت الإمام الحسين (عليه السلام) عنهم .

الدلالة الخامسة :
إرسال عبيد الله بن زياد عمرَ بن سعد بجيش عدده أربعة آلاف مقاتل من أهل الكوفة ، لقتال الديلم الذين استولوا على دستبي ، فهل جاء ابن زياد الكوفة إلاّ لقتال مسلم بن عقيل (عليه السلام) ، وقتال الإمام الحسين (عليه السلام) ؟ فإرسال جيش بهذا العدد في هذه الظروف يدلّ بوضوح على استتباب الأمر في الكوفة لبني اُميّة ، وكثرةأنصارهم فيه ؛ إذ لا تخضع الألوف إلاّ بالألوف(21) .

الدلالة السادسة :
خروج الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة لقتال الإمام الحسين (عليه السلام) يدلّ بوضوح ـ إلاّ عند من أعمى الله قلبه ـ على أكثريّة الاُمويّين وأنصارهم في الكوفة ؛ إذ لا يُعقل من عبيد الله بن زياد أنْ يرسل شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهو يعلم بأنّ فعله هذا يقلب الموازين رأساً على عقب على بني  اُميّة  ، فجميع من خرج لقتاله (عليه السلام) هم من الاُمويّين وأنصارهم .
الدلالة السابعة :
أنّ عدد من قتله المختار (رحمه الله) ـ دون مَن هرب ـ كثير جداً ، حتّى قِيل إنّه قتل سبعين ألفاً(22) من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) غير مَن هرب ، ولا يُعقل ـ بمقتضى ما تقدَّم ـ أنْ يكون أولئك من الشيعة ؛ لعدم تصوُّر إرسال شيعة الحسين (عليه السلام) لقتاله .
قال سبط ابن الجوزي : ثمّ خرج المختار ، وكان يقول : . . . ووالله ، لأقتلن بقتلة الحسين (عليه السلام) عدد مَن قتل على دم يحيى بن زكريا (عليه السلام) . . . (23) .
وكان الملاك عند المختار (رحمه الله) في قتل هؤلاء هو صدق الخروج على الإمام الحسين (عليه السلام) ، فقد روى الطبري ، قال : ونادى منادي المختار : أنّه مَن أغلق بابه ، فهو آمن إلاّ رجلاً شرك في دم آل محمّد (عليهم السلام)(24) .
فسبعون ألفاً من أهل الكوفة الموالين لبني اُميّة ، غير مَن هرب ليس بالعدد القليل .

الدلالة الثامنة :
أنّ أهل الكوفة لمَّا هلك يزيد بن معاوية أرادوا أنْ يُقيموا خليفةً عليهم فاختاروا ـ وأنت تعلم بأنّ اختيار الخليفة لا يكون إلاّ من الأكثر ، أو ممّن يمثّل الأكثر كرؤساء القبائل ـ الملعون قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، فهذا ممّا يبيِّن لنا مدى ابتعاد الشيعة عن الكوفة ، وكثرة غيرهم وسيطرتهم فيه ؛ إذ إنّ أهل الكوفة رفضوا بيعة عبيد الله بن زياد (لعنة الله عليه) ، وأرادوا أنْ يبايعوا الملعون عمر بن سعد قاتل الحسين (عليه السلام) ، إلاّ أنّ نساء همدان منعنَ من بيعته ، ثمّ بايعوا من أقرَّه ابن الزبير المقاتل لأمير المؤمنين (عليه السلام) والمعروف حاله مع أهل البيت (عليهم السلام)(25) .
وهذا على أقلّ تقدير ممّا يدلّ على كثرة غير الشيعة في الكوفة ، وإلاّ لمنع الشيعة تلك البيعة لا النساء .
فقد روى المسعودي والطبري ،  للأوّل ، قال :
فخلع أهل الكوفة ولاية بني اُميّة وإمارة ابن زياد ، وأرادوا أنْ ينصبوا لهم أميراً إلى أنْ ينظروا في أمرهم ، فقال جماعة : عمر بن سعد بن أبي وقاص يصلح له . فلمَّا همُّوا بتأميره أقبلت نساء من همدان وغيرهن من نساء كهلان ، وربيعة والنخع حتّى دخلنَ المسجد صارخات باكيات معولات يندبنَ الحسين (عليه السلام) ، ويقلنَ : أمَا رضي عمر بن سعد بقتل الحسين (عليه السلام) حتّى أراد أنْ يكون أميراً علينا على الكوفة ؟! فبكى الناس(26) وأعرضوا عن عمر . وكان المبرزات في ذلك نساء همدان ، وقد كان عليّ (عليه السلام) مائلاً إلى همدان مؤثّراً لهم ، وهو القائل :

فلو كنت بوَّاباً على باب جنَّةٍ        لقلت لهمدان ادخلي بسلام(27)
وبعد هذا لا يستبعد ، بل يثبت أنّ الآلاف المؤلَّفة من أهل الكوفة الذين خذلوا الإمام الحسين (عليه السلام) ، وخرجوا لقتاله كلّهم من شيعة بني اُميّة ، ومن غير الشيعة المعتقدة بإمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وأبنائه المعصومين (عليهم السلام) بالنصّ من الله عزَّ وجلَّ .

 

الأمر السادس : تصريحات الإمام الحسين (عليه السلام) تدلّ على أنّهم ليسوا بشيعة
منه : تسميته لهم بشيعة آل أبي سفيان .
قال الخوارزمي : فحالوا بينه وبين رحله فصاح الإمام الحسين (عليه السلام) بهم : (( ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان ! إنْ لمْ يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم ، إنْ كنتم عُرباً كما تزعمون ))(28) .
ومنها : تخصيصه شيعته بمَن قتل في نصرته .
فقد خصَّص شيعته بمَن قُتل في نصرته ، حيث قال (عليه السلام) : (( إنّ أهل الكوفة قتلوا مسلم بن عقيل (عليه السلام) وشيعته )) . فقد روى الخوارزمي في خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) لابن الحرّ أنّه : حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال (ع) : (( أمَّا بعد : يا بن الحرّ ، فإنّ أهل مصركم هذا كتبوا إليَّ ، وأخبروني أنّهم مجتمعون على أنْ ينصروني ، وأنْ يقوموا من دوني ، وأنْ يقاتلوا عدوِّي ، وسألوني القدوم عليهم فقدمت، ولست أرى الأمر على ما زعموا ؛ لأنّهم أعانوا مَن قتل ابن عمِّي مسلم بن عقيل وشيعته، وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد اهلط بن زياد مبايعين ليزيد بن معاوية . . . ))(29) .
ومنها : دعاؤه في يوم عاشوراء بانتقام المختار له ولأوليائه ولشيعته .
فقد دعا يوم عاشوراء عليهم بانتقام المختار بن عبيد الله الثقفي (قدّس سرّه) له ولأوليائه وشيعته ، حيث قال (عليه السلام) : (( اللهمّ ، احبس عنهم قطر السماء ، وابعث عليهم سنين كسنين يوسف ، وسلِّط عليهم غلام ثقيف(30) يسقيهم كأساً مصبرةً ، فلا يدع فيهم أحداً ، قتلة بقتلة وضربة بضربة ، ينتقم لي ولأوليائي وأهل بيتي وأشياعي منهم ؛ فإنّهم غرّونا وكذّبونا وخذلونا ، وأنت ربُّنا ، عليك توكلنا ، وإليك أنبنا وإليك المصير))(31) .
ومنها : قوله إنّهم كتبوا له ليتقربوا بقتله لابن معاوية .
قال البلاذري : وعرض الحسين (عليه السلام) على أهله ومَن معه أنْ يتفرَّقوا ، ويجعلوا الليل جملاً ، وقال (عليه السلام) : (( إنّما يطلبوني وقد وجدوني ، وما كانت كُتُبُ مَن كتب إليَّ ـ فيما أظنّ ـ إلاّ مكيدةً لي ، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي )) .
فقالوا : قبَّح الله العيش بعدك !(32) .

الأمر السابع : تصريح جيش يزيد بن معاوية ببغضه أمير المؤمنين (عليه السلام)
قد عرفت ممّا تقدّم أنّ شيعة الرجل أتباعه ومحبُّوه ، ومن جهة أخرى نلاحظ تصريحات قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) بأنّهم ما قاتلوه (عليه السلام) إلاّ بغضاً منهم لأبيه ، وهل شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) مَن يبغضه ؟!
قال القندوزي الحنفي :
ثمّ دنا (عليه السلام) من القوم ، وقال : (( يا ويلكم ! أتقتلونني على سنَّة بدَّلتها ؟ أمْ على شريعة غيَّرتها ؟ أمْ على جرم فعلته ؟ أمْ على حقٍّ تركته ؟ )) .
فقالوا له : إنّا نقتلك بغضاً لأبيك(33) .
وفي نور العين ، قال الإسفرايني :
قال الراوي : ثمّ إنَّه خرج من الخيمة وركب جواده ، وحمل على القوم ، فانهزموا من بين يديه كالجراد المنتشر فرجع ، وقال (ع) : (( لا حول ولا قوَّة إلاّ بالله العليِّ العظيم )) . ثمّ رجع إليهم ثانياً ، وقال لهم (ع) : (( ويلكم ! على ماذا تقتلونني ؟ أعلى عهد نكثته ؟ أمْ على سنَّة غيَّرتها ؟ أمْ على شريعة بدَّلتها ؟ أمْ على حقٍّ تركتها ؟ )) . فقالوا : نقتلك بغضاً منَّا لأبيك . فعند ذلك غضب الحسين (عليه السلام) غضباً شديداً(34) .
ويؤكّد هذا ما رواه البلاذري من قول الإمام الحسين (عليه السلام) ، في ليلة عاشوراء لمَّا أذنَ لأصحابه بالانصراف بأنّ أغلب مَن كتب إليه ، إنّما كتب لأجل الغدر والفتك به تقرُّباً ليزيد بن معاوية (لعنهما الله) كما تقدّم في الأمر السابع من تصريحات الإمام الحسين (عليه السلام) .

الأمر الثامن : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال أقوالهم
لا يخفى أنّ النماذج التي صرَّحت بعقيدتها في الإمام الحسين (عليه السلام) ، تكشف بظاهر الحال عن العقيدة الفاسدة لجيش يزيد بن معاوية (لعنه الله) بأكمله المبنيَّة على الجحود والإنكار والتضليل ؛ إذ ظاهر حال الجميع أنَّهم أقرُّوا هؤلاء المتكلِّمين على ما قالوه في الإمام الحسين (عليه السلام) ، لتصدّيهم لمَا هو أعظم من إقرارهم هؤلاء المتكلمين وهو قتله . ولمْ يبدِ أحد منهم اعتراضه على كثرتهم ، فمَن رادٍّ على الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه بالتهديد بالفتك ، ومن رادٍّ على أصحابه بالسبِّ ، ومن منكرٍ لقرابته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ومن قائل إنَّه مارق من الدين لمخالفته إمامهم يزيد بن معاوية ! ومن قائلٍ إنَّه لا تقبل صلاته ، ومن قائل له : استعجلت بالنار ، ومن قائل له ـ والعياذ بالله ! ـ ولأصحابه إنّهم خبيثون . . . ، ومن قائلٍ له ـ والمستجار بالله ! ـ : الكذاب ابن الكذاب ! ومن قائل . . . ومن قائل . . . إلخ .
فهل يكون من شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) مَن يقول هذه الأقاويل ؟
قال تعالى : ( . . . قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ )(35)
وفي هذا كثير من الدلائل نذكر بعضاً منه :

الدلالة الأولى
ردُّهم وتوعُّدهم بالفتك بالإمام الحسين (عليه السلام) حينما أبدى لهم النصيحة وبيَّن لهم الحقّ ، وفي عقيدة الشيعة أنَّه لا يؤمن بالله إلاّ من اعتقد أنّ قول الإمام الحسين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ، هو قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( والرادُّ عليهم راد على الله )) . ولا توجد هذه العقيدة عند أحد ممّن يدَّعي الإسلام ، غير الشيعة المعتقدة بإمامتهم (عليهم السلام) بالنصّ من الله ، فمَن لمْ تكن عنده هذه العقيدة لمْ يكن من الشيعة .
وممّا يثبت ردَّهم وتوعُّدهم ما في ينابيع المودّة ، قال :
ثمّ قال الإمام الحسين (عليه السلام) لأعدائه : (( يا أهل الكوفة ، إنّ الدنيا قد تغيَّرت وتكدَّرت ، وأدبر معروفها ، وهي دار فناء وزوال ، تتصرَّف بأهلها من حال إلى حال ، فالمغرور من اغترَّ بها وركن إليها ، وطمع فيها .
معاشر الناس ، أمَا قرأتم القرآن ؟! أمَا عرفتم شرايع الإسلام ؟! وثبتم على ابن نبيّكم ، تقتلونه ظلماً وعدوان .
معاشر الناس ، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس ، وآل نبيكم يموتون عطاشى ! )) .
فقالوا : والله لا تذوق الماء ، بل تذوق الموت غصَّةً بعد غصَّة ، وجرعةً بعد جرعة .
فلمَّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه ، وقال (عليه السلام) لهم : (( إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ، ألاَ إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون )) . ثمّ جعل يقول :

تـعـدَّيـتُـمُ ياشرَّ قومٍ ببغيِكُمْ      وخـالـفـتُمُ قولَ النبيِّ محمّد
أما كان خيرُ الخلقِ أوصاكُمُ بن      أمـا كان جدِّي خيرةَ اللهِ أحمدِ
أما كانت الزهراءُ أُمِّي ووالدي      عـليٌّ  أخو خيرِ الأنامِ الممجَّدِ
لُـعِـنْتُم وأخـزيتم بما قد فعلتُمُ      فسوف تلاقون العذابَ بِمَشْهَدِ

فلمَّا فرغ من هذا الشعر أمر أنس الكاهلي أنْ يذهب إلى القوم ويعظهم ، عسى أنْ يرجعوا ، وقال (ع) : (( أنا أعلم أنّهم لا يرجعون ، ولكن تكون حجّة عليهم )) .
فانطلق أنس فدخل على ابن سعد ، ولمْ يسلِّم عليه ، فقال ابن سعد له : لِمَ لمْ تسلِّم عليَّ ؟ ألستُ مسلماً ؟ قال : والله لست أنت مسلماً ؛ لأنّك تُريد أنْ تقتل ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . فنكس رأسه ، فقال : والله إنّي لأعلم أنّ قاتله في النار ، ولكن لا بدَّ من إنفاذ حكم الأمير عبيد الله بن زياد . فرجع أنس إلى الحسين (عليه السلام) وأخبره بذلك(36) .

الدلالة الثانية
سبُّهم لأصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ، وثناؤهم ودعاؤهم لابن زياد ، ولا يخفى أنّ هذه هي عقيدة أهل الخلاف الموروثة والمعروفة من موالاتهم لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) وبراءتهم من أوليائهم (عليهم السلام)(37) ، وهي مباينة تماماً لعقيدة الشيعة الاثني عشريّة .
روى الطبري والبلاذري ، وابن الأثير وابن كثير ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : فحدَّثني عليّ بن حنظلة بن أسعد الشامي ، عن رجل من قومه شهد مقتل الحسين (عليه السلام) حين قُتل ، يُقال له : كثير بن عبد الله الشعبي ، قال : لمَّا زحفنا قبل الحسين (ع) ، خرج إلينا زهير بن القين على فرس له ذنوب ، شاكّ في السلاح ، فقال :
يا أهل الكوفة ، نذار لكم من عذاب الله نذار ! إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم ، ونحن حتّى الآن إخوة ، وعلى دين واحد وملَّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف ، وأنتم للنصيحة منّا أهل ، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة ، وكنّا اُمَّة وأنتم اُمَّة .
إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذرّيّة نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) لينظر ما نحن وأنتم عاملون ، إنَّا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيد الله بن زياد ؛ فإنّكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كلّه ، ليسملان أعينكم ، ويقطعان أيديكم وأرجلكم ، ويمثِّلان بكم ويرفعانكم على جذوع النخل ، ويقتلان أماثلكم وقرَّاءكم ، أمثال : حجر بن عدي وأصحابه ، وهانئ بن عروة وأشباهه .
قال : فسبُّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له ، وقالوا : والله ، لا نبرح حتّى نقتل صاحبك ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيد الله سلماً(38) .
وروى الطبري والبلاذري ، وابن الأثير وابن كثير واللفظ للأوّل ، قال :
فاستقدم أمام أصحابه ، ثمّ قال : أيُّها القوم ، ألاَ تقبلون من حسين (عليه السلام) خصلةً من هذه الخصال التي عرض عليكم ، فيعافيكم الله من حربه وقتاله ؟ قالوا : هذا الأمير عمر بن سعد فكلِّمه .
فكلَّمه بمثل ما كلَّمه به قبل ، وبمثل ما كلَّم به أصحابه ، قال عمر : قد حرصت لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت . فقال : يا أهل الكوفة ، لاُمِّكم الهبل والعبر ! إذ دعوتموه حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ، أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كلِّ جانب ، فمنعتموه التوجُّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمن ويأمن أهل بيته (عليهم السلام) ، وأصبح في أيديكم كالأسير ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً ، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم أولاء قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمّداً (صلّى الله عليه وآله) في ذريّتّه ! لا سقاكم الله يوم الظمأ ! إنْ لمْ تتوبوا وتنزعوا عمّا أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه .
فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل ، فأقبل حتّى وقف أمام الحسين (عليه السلام) (39) .

الدلالة الثالثة
ابن الأشعث يجحد قرابة الإمام الحسين (عليه السلام) من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولا من معترض من هذا الجيش الظالم ، وهل هذه إلاّ عقيدة بني اُميّة وأنصارهم ، للحطِّ من منزلة أهل العصمة (عليهم السلام) ، وهذا التاريخ خير شاهد على ذلك(40) ؟ وأمَّا الشيعة فهم مَن دفعوا وصدُّوا هذه العقيدة الفاسدة المبنيَّة على الجحود والإنكار والتضليل ، فلا يتأتَّى إنكار القرابة إلاّ من غير الشيعة بناءاً على جحودهم .
وممّا يثبت إنكار ابن الأشعث ، ما في مقتل الخوارزمي ، قال :
وقال الإمام الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، إنَّا أهل بيت نبيّك وذرّيّته وقرابته ، فاقصم مَن ظلمنا وغصبنا حقَّنا ، إنّك سميع قريب )) .
فسمعها محمّد بن الأشعث ، فقال : يا حسين ، وأيُّ قرابة بينك وبين محمّد (ص) ؟ فقال الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، إنّ محمّد بن الأشعث ، يقول : إنّه ليس بيني وبين رسولك قرابة ، اللهمّ ، فأرني فيه هذا اليوم ذلاً عاجلاً ) . فما كان بأسرع من أنْ تنحَّى محمّد بن الأشعث ، وخرج من العسكر فنزل عن فرسه ، وإذا بعقرب سوداء خرجت من بعض الحجرة ، فضربته ضربةً تركته متلوِّثاً في ثيابه ممّا به .
قال الحاكم الجشمي : إنّه مات ليومه ، ولكن ذلك غير صحيح ؛ فإنّه بقي إلى أيّام المختار فقتله ، ولكنّه بقي ممّا به في بيته(41) .

الدلالة الرابعة
ما قاله عمرو بن الحجّاج الزبيدي ـ وهو يبيِّن عقيدة الجيش في الإمام الحسين (عليه السلام) ـ من أنّه مارق من الدين :
روى الطبري وابن الأثير ، وابن كثير والخوارزمي ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : حدَّثني الحسين بن عقبة المرادي ، قال الزبيدي : إنّه سمع عمرو بن الحجّاج حين دنا من أصحاب الحسين (عليه السلام) ، يقول : يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل مَن مرق من الدين وخالف الإمام .
فقال له الحسين (عليه السلام) : (( يا عمرو بن الحجّاج ، أعليَّ تحرِّض الناس ؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه ؟ أمَا والله لتعلمُنَّ لو قد قُبضت أرواحكم ، ومُتُّم على أعمالكم أيَّنا مرق من الدين ، ومَن هو أولى بصلّي النار ؟ )) .
قال : ثمّ إنّ عمرو بن الحجّاج حمل على الحسين (عليه السلام) في ميمنة عمر بن سعد من نحو الفرات ، فاضطربوا ساعة ، فُصرع مسلم بن عوسجة الأسدي أوّل أصحاب الحسين (عليه السلام) ، ثمّ انصرف عمرو بن الحجّاج وأصحابه ، وارتفعت الغبرة ، فإذا هم به صريع ، فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ، فإذا به رمق فقال (ع) : (( رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة ! : فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(42) ))(43) .
أقول : فهل هؤلاء ـ الذين يعتقدون بلزوم طاعة الملعون يزيد بن معاوية ، بل ولا يشكّون في أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) رجل مرق من الدين ، وخالف إمامهم يزيد حتّى منعوه من الماء . . . وكلّ الجيش قد أقرَّ بما ذكره عمرو بن الحجّاج الزبيدي ولمْ ينكر عليه واحد ـ شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) !

الدلالة الخامسة
قول الحصين بن تميم للإمام الحسين (عليه السلام) : إنّ صلاته (عليه السلام) لا تُقبل ، ولا معترض عليه ، وهل هؤلاء من شيعته (عليه السلام) ؟! إذ الشيعة هم مَن يعتقدون بإمامة الحسين (عليه السلام) بالنصّ ، ويرون أنّ صلاة المصلين لا تقبل إلاّ بولايته (عليه السلام) .
روى الطبري وابن كثير ، وابن الأثير واللفظ للأوّل ، قال :
وتعطَّف الناس عليهم فكثروهم ، فلا يزال الرجل من أصحاب الحسين (عليه السلام) قد قُتل ، فإذا قُتل منهم الرجل والرجلان تبيَّن فيهم ، وأولئك كثير لا يتبيَّن فيهم ما يُقتل منهم .
قال : فلمَّا رأى ذلك أبو ثمامة عمرو بن عبد الله الصائدي ، قال للحسين (عليه السلام) : يا أبا عبد الله ، نفسي لك الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تُقتل حتّى أُقتل دونك إنْ شاء الله ، وأحبّ أنْ ألقى ربّي وقد صلَّيت هذه الصلاة التي دنا وقتها .
قال : فرفع الحسين (عليه السلام) رأسه ، ثمّ قال : (( ذكرت الصلاة ، جعلك الله من المصلين الذاكرين ! نعم ، هذا أوَّل وقتها )) . ثمّ قال (ع) : (( سلوهم أنْ يكفُّوا عنَّا حتّى نصلّي )) . فقال لهم الحصين بن تميم : إنّها لا تُقبل . فقال له حبيب بن مظاهر : لا تُقبل ! زعمت الصلاة من آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا تُقبل وتُقبل منك يا حمار !(44) .
وفي ينابيع المودّة قال :
ثمّ قال أبو ثمامة الصيداوي : يا سيدي ، صلِّ بنا صلاة الظهر والعصر ، فإنَّا نراها آخر صلاة نصلّيها معك ، فلعلّنا نلقى الله على أداء فريضته . فأذّن وأقام فقاموا في الصلاة ، وهم يُرمون السهام إليهم ، فقال : يا ويلكم ! ألاَ تقفون عن الحرب حتّى نصلّي ؟ فلمْ يجبه أحد إلاّ الحصين بن نمير ، قال : يا حسين ، إنّ صلاتك لا تُقبل . فقال له حبيب بن مظاهر : إذا لمْ تُقبل صلاة ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، بل تُقبل صلاتك يابن الخمّارة البوَّالة على عقبيها !(45) .

الدلالة السادسة
قول اللعين عليّ بن قرظة للإمام الحسين (عليه السلام) - والعياذ بالله - : الكذّاب ابن الكذّاب ، ولا معترض ، وهل هؤلاء الأرذال شيعته (عليه السلام) ؟! إذ ممّا لا يختلف فيه اثنان أنّ من صميم عقيدة الشيعة الاثني عشريّة الاعتقاد بعصمة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) وسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، والإمام الحسن (عليه السلام) والإمام الحسين (عليه السلام) والأئمّة من ولده (عليهم السلام) ، من أوَّل عمرهم الشريف المبارك إلى نهايته . وعقيدة غير الشيعة على خلاف ذلك تماماً ، فهذا لا يتأتَّى إلاّ من غير الشيعة ، ولو جحوداً وعناداً .
روى الطبري والبلاذري ، وابن الأثير والخوارزمي ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : عن ثابت بن هبيرة ، فقُتل عمرو بن قرظة بن كعب ، وكان مع الحسين (عليه السلام) ، وكان عليّ أخوه مع عمر بن سعد ، فنادى عليّ بن قرظة : يا حسين (ع) ، يا كذّاب ابن الكذّاب ! أضللت أخي وغررته حتّى قتلته .
قال (ع) : (( إنّ الله لمْ يضلَّ أخاك ، ولكنّه هدى أخاك وأضلك )) . قال : قتلني الله إنْ لمْ أقتلك ، أو أموت دونك ، فحمل عليه فاعترضه نافع بن هلال المرادي فطعنه فصرعه ، فحمله أصحابه فاستنقذوه ، فدُووي بعد فبرأ(46) .

الدلالة السابعة
إنّ رجلاً من جيش يزيد بن معاوية ، قال : أنتم الخبيثون ، ولمْ ينكر عليه أحد منهم ، أفهل هذه إلاّ عقيدة النواصب والمنافقين من بني اُميّة وأنصارهم ؟
ويأتي ما يدلّ على ذلك في ترجمة يزيد بن معاوية ؛ وأمّا شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) فهم بالخصوص من بين المسلمين مَن يعتقدون باختصاص آية التطهير بأهل البيت (عليهم السلام) المتمثِّلين بالنبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) ، والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) من ذرّيّة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهي تدفع عنهم كلّ رجس .
وفي مقتل الخوارزمي ، قال :
وجاء شمر بن ذي الجوشن في نصف الليل يتجسَّس ، ومعه جماعة من أصحابه ، حتّى قارب معسكر الحسين (عليه السلام) ، فسمعه يتلو قوله تعالى : (( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ ثمّ ا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ * مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(47) . فصاح رجل من أصحاب شمر : نحن ـ وربّ الكعبة ـ الطيّبون ، وأنتم الخبيثون ، وقد مُيّزنا منكم ، فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته ، ثمّ نادى : يا فاسق ! يا فاجر ! يا عدوَّ الله ! يا ابن البوَّال على عقبيه ! أمثلك يكون من الطيّبين والحسين (ع) ابن رسول الله (ص) من الخبيثين ؟! والله ، ما أنت إلاّ بهيمة ، ولا تعقل ما تأتي وما تذر ، فأبشر ـ يا عدوَّ الله ـ بالخزي يوم القيامة ، والعذاب الأليم(48) .

الدلالة الثامنة
قول رجل من جيش يزيد بن معاوية للإمام الحسين (عليه السلام) : استعجلت بالنار ، ولا يخفى عدم تعقُّل صدوره من الشيعة ، وأنَّه لا وجه للقول بصدوره من الشيعة إلاّ السخافة والحماقة .
ففي مقتل الخوارزمي :
قال : وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد ، يُقال له : مالك بن جريرة ، على فرس له حتّى وقف على الحفيرة ، وجعل ينادي بأعلى صوته : أبشر يا حسين (ع) ، فقد تعجَّلت النار في الدنيا قبل الآخرة . فقال له الحسين (عليه السلام) : (( كذبت يا عدوَّ الله أنا قادم على ربٍّ رحيمٍ وشفيعٍ مطاعٍ ، وذاك جدِّي محمّد (صلّى الله عليه وآله) )) . ثمّ قال الحسين (عليه السلام) لأصحابه : (( مَن هذا ؟ )) . فقِيل له : هذا مالك بن جريرة . فقال الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، جرَّه إلى النار ، وأذقه حرَّها قبل مصيره إلى نار الآخرة )) . فلمْ يكن بأسرع من أنْ شبَّ به الفرس فألقاه على ظهره ، فتعلقت رجله في الركاب ، فركض به الفرس حتّى ألقاه في النار فاحترق .
فخرَّ الحسين (عليه السلام) ساجد ، ثمّ رفع رأسه ، وقال : (( يا لها من دعوة ما كان أسرع إجابتها ! )) . ثمّ رفع صوته ، وقال (ع) : (( اللهمّ ، إنَّا أهل بيت نبيّك وذرّيّته وقرابته ، فاقصم من ظلمنا ، وغصبنا حقَّنا ، إنّك سميع قريب ))(49) .
وروى الإسفرايني ، قال :
فأقبل رجل من عسكر ابن سعد ، فلمَّا نظر إلى النار صفَّق بيديه ، ونادى : يا حسين ، استعجلتم بالنار في الدنيا قبل الآخرة . فقال الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، أذقه إيّاها في الدنيا قبل الآخرة )) . فنفر به جواده ، وألقاه في النار فاحترق ، فقال الحسين (عليه السلام) : (( الله أكبر ، من دعوة ما أسرع إجابته ! )) .
ثمّ برز من عسكر ابن سعد رجل ، وقال لأصحاب الحسين (عليه السلام) : أمَا ترون إلى مياه الفرات وهي تلوح كأنّها بطون الحيات ؟ والله ، لا تذوقون منها قطرة حتّى تذوقوا الموت عطشاً . فقال الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، اقتله عطشاناً في هذا اليوم )) . فصحبه العطش في ساعته حتّى سقط عن فرسه ، فوطأته الخيل بحوافره ، فمات وعجَّل الله بروحه إلى النار(50) .
وروى القندوزي ، قال : فقال رجل ملعون : عجلّت ـ يا حسين (ع) ـ بنار الدنيا قبل نار الآخرة .
فقال الحسين (عليه السلام) : (( تعيِّرني بالنار وأبي قاسمها ، وربي غفور رحيم )) . ثمّ قال لأصحابه (ع) : (( أتعرفون هذا الرجل ؟ )) . فقالوا : هو جبيرة الكلبي (لعنه الله) ، فقال الحسين (عليه السلام) : (( اللهمّ ، أحرقه بالنار في الدنيا قبل نار الآخرة )) . فما استتمَّ كلامه حتّى تحرَّك به جواده فطرحه مكبّاً على رأسه في وسط النار فاحترق ، فكبَّروا ، ونادى منادٍ من السماء : (( هُنيّت بالإجابة سريعاً يابن رسول الله )) .
قال عبد الله بن مسرور : لمَّا رأيت ذلك رجعت عن حرب الحسين(51) .

الدلالة التاسعة
نموذج عقيدة رجل من جيش يزيد بن معاوية ، ونموذج عقيدة رجل من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ، وتمثّل ذلك في مباهلة برير (قدّس سرّه) لأحدهم .
وقبل ذكر خبر المباهلة نبيِّن أمراً وهو أنَّه لا يختلف اثنان في أنّ الشيعة لا يعتقدون بخلافة بني اُميّة عثمان فمَن دونه ، بخلاف بني اُميّة وأنصارهم من النواصب ، فهم مَن يعتقد بخلافة عثمان وغيره منهم ، وينكر إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) .
روى الطبري والخوارزمي ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : وحدَّثني يوسف بن يزيد ، عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس ـ وكان قد شهد مقتل الحسين (عليه السلام) ـ قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة ، وهو حليف لبني سليمة من عبد القيس ، فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى الله صنع بك ؟ قال : صنع الله ـ والله ـ بي خيراً ، وصنع الله بك شرّاً .
قال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذّاباً ، هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان ، وأنت تقول : إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً ، وإنّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضلّ ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب (ع) ؟
فقال له برير : أشهد أنّ هذا رأيي وقولي . فقال له يزيد بن معقل : فإنّي أشهد أنّك من الضالين .
فقال له برير بن خضير : هل لك فلأُباهلك ، ولندعُ الله أنْ يلعن الكاذب ، وأنْ يقتل المبطل ، ثمّ اخرج فلأُبارزك ؟
قال : فخرج ، فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أنْ يلعن الكاذب ، وأنْ يقتل المحقُّ المبطل ، ثمّ برز كلُّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل بريرَ بن خضير ضربةً خفيفةً لمْ تضرَّه شيئاً ، وضربه بريرُ بن خضير ضربةً قدَّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرَّ كأنّما هوى من حالق ، وإنّ سيف ابن خضير لثابت في رأسه ، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه من رأسه .
وحمل عليه رضي ابن منقذ العبدي فاعتنق برير ، فاعتركا ساعةً ، ثمّ إنّ بريراً قعد على صدره ، فقال رضي : أين أهل المصاع والدفاع ؟
قال : فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه ، فقلت : إنّ هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يُقرئنا القرآن في المسجد ، فحمل عليه بالرمح حتّى وضعه في ظهره ، فلمَّا وجد مسَّ الرمح برك عليه فعضَّ بوجهه وقطع طرف أنفه ، فطعنه كعب بن جابر حتّى ألقاه عنه ، وقد غيَّب السنان في ظهره ، ثمّ أقبل عليه يضربه بسيفه حتّى قتله .
قال عفيف : كأني أنظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ، ويقول : أنعمت عليَّ ـ يا أخا الأزد ـ نعمةً لن أنساها أبداً .
قال ، فقلت : أنت رأيت هذا ؟ قال : نعم ، رأي عيني وسمع أذني . . .
قال أبو مخنف : حدَّثني عبد الرحمن بن جندب ، قال : سمعته في إمارة مصعب بن الزبير ، وهو يقول : يا ربِّ إنَّا قد وفينا ، فلا تجعلنا يا ربِّ كمَن قد غدر . فقال له أبي : صدق ، ولقد وَفَى وكرم ، وكسبت لنفسك شرّاً . قال : كلاّ ، إنّي لمْ أكسب لنفسي شرّاً ، ولكنِّي كسبت لها خيراً(52) .

الأمر التاسع : عقيدة جيش يزيد بن معاوية في الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال أفعالهم
ولا يخفى أنّ هذا الجيش الظالم قد فعل ما لا يفعله المسلم بالكافر ، فضلاً عن المسلم بالمسلم ، كيف بابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته من هذه الدنيا وسيد شباب أهل الجنّة ؟! فإنّهم حرموه من الماء حتّى قضى عطشاناً ، وضربوه على رأسه وفي منحره حتّى ذبحوه من القفا ، وسلبوا ثيابه بعد ذبحه ، ورضُّوا جسده بحوافر الخيل حتّى ألصقوه بالأرض ، وقطعوا رأسه ورؤوس أهل بيته وأصحابه ، واقتسموها افتخاراً ، وسلبوا ما على نسائه وبنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من اللباس ، حتّى لمْ يتركوا لهنّ ما يسترنَ به وجوههنّ وشعورهنّ ، وساقوهنّ كما تُساق الأسارى وهنّ مكشفات الوجوه والشعور من بلد إلى بلد و . . . و . . .
والجيش بأجمعه راضٍ بهذا كلّه ؛ إذ لمْ يبدِ أحد منهم الاعتراض والكراهة على كلّ ما فُعِل .
وبعد هذا ، هل يتصوَّر مَن مثل هؤلاء الإيمان بالله وبرسوله (صلّى الله عليه وآله) ؟!
والدلائل على ذلك كثيرة :

الدلالة الأولى
منعهم الماء عن الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه ، وهل مثل هذا الفعل يصدر إلاّ من بني اُميّة وأنصارهم ، كما فعلوا ذلك بأمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين ؟
قال البلاذري :
وناداه المهاجر بن أوس التميمي : يا حسين (ع) , ألاَ ترى إلى الماء يلوح كأنّه بطون الحيَّات ؟ والله لا تذوق أو تموت . فقال (عليه السلام) : (( إنّي لأرجو أنْ يروينيه الله ، ويحلأكم عنه )) .
ويُقال : إنّ عمرو بن الحجّاج ، قال : يا حسين (ع) ، إنّ هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب منه الحمير والخنازير ، والله ، لا تذوق منه جرعةً حتّى تذوق الحميم في نار جهنّم(53) .
وفي ينابيع المودّة ، قال :
ثمّ قال الإمام الحسين (عليه السلام) لأعدائه : (( يا أهل الكوفة ، إنّ الدنيا قد تغيَّرت وتكدَّرت ، وأدبر معروفها ، وهي دار فناء وزوال تتصرَّف بأهلها من حال إلى حال ، فالمغرور من اغترَّ بها ، وركن إليها ، وطمع فيها .
معاشر الناس ، أمَا قرأتم القرآن ؟ أمَا عرفتم شرايع الإسلام ؟ وثبتم على ابن نبيّكم ، تقتلونه ظلماً وعدواناً . معاشر الناس ، هذا ماء الفرات تشرب منه الكلاب والخنازير والمجوس ، وآل نبيّكم يموتون عطشاً ؟! )) .
فقالوا : والله ، لا تذوق الماء ، بل تذوق الموت غصَّةً بعد غصَّة ، وجرعةً بعد جرعة ، فلمَّا سمع منهم ذلك رجع إلى أصحابه . وقال (عليه السلام) لهم : (( إنّ القوم قد استحوذ عليهم الشيطان ، ألاَ إنّ حزب الشيطان هم الخاسرون ))(54) .

الدلالة الثانية
ما فعلوه في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من ضرب رأسه ومنحره حتّى ذبحوه من القفا ، و . . . و . . . فإنّ هذه الأفعال لا تصدر إلاّ من بني اُميّة وأنصارهم .
وهذا التاريخ يحدِّث أنّ مَن تعدَّى بأنواع الفتك على أهل البيت (عليهم السلام) من أولاد عليّ وفاطمة (عليهما السلام) هم من يعتقد أهل الخلاف بإمامتهم ، كبني اُميّة وأنصارهم وبني العبّاس وأعوانهم ، فانظر قليلاً إلى ما لاقاه أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم على مرِّ التاريخ من القتل والذبح ، بل إلى يومنا هذا والشيعة يُقتلون ويُذبحون ويُعذَّبون بأنواع العذاب ـ كما هو حاصل في أيّامنا هذه في العراق مثلاً بعد سقوط النظام الصدامي ـ على أيدي النواصب من أنصار بني اُميّة لا غفر الله لهم أبداً .
فما فعله جيش يزيد بن معاوية في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، لا يفعله حتّى كافر بمسلم فضلاً عن مسلم بمسلم ، ونسبة مثل هذا إلى الشيعة من سخف العقول التي آلت على نفسها معاداة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ، فأرادت الفرار ممّا فعله أسيادهم وأئمّتهم من بني اُميّة بنسبته إلى غيرهم ، ولكن يأبى الله إلاّ فضحهم حتّى لا يبقى لأحد حجَّة يوم الوعد الموعود .
قال الخوارزمي :
ثمّ نادى شمر : ما تنتظرون بالرجل ؟ فقد أثخنته السهام ! فأخذت به الرماح والسيوف ، فضربه رجل ، يُقال له : زرعة بن شريك التميمي ضربةً منكرةً ، ورماه سنان بن أنس بسهم في نحره ، وطعنه صالح بن وهب المري على خاصرته طعنةً منكرةً ، فسقط الحسين (عليه السلام) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن ، ثمّ استوى جالساً ونزع السهم من نحره ، ثمّ دنا عمر بن سعد من الحسين (عليه السلام) ليراه(55) .
وروى الطبري وابن الجوزي ، والخوارزمي والأصفهاني والنويري ، واللفظ للأوّل قال :
قال أبو مخنف : حدَّثني الصقعب بن زهير، عن حميد بن مسلم قا : . . . ولقد مكث طويلاً من النهار ، ولو شاء الناس أنْ يقتلوه لفعلوا ، ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ، ويحبُّ هؤلاء أنْ يكفيهم هؤلاء .
قال : فنادى شمر في الناس : ويحكم ! ماذا تنظرون بالرجل ؟ اقتلوه ، ثكلتكم أمهاتكم !
قال : فحُمل عليه من كلِّ جانب ، فضُربت كفُّه اليسرى ضربةً ضربها زرعة بن شريك التميمي ، وضُرب على عاتقه ، ثمّ انصرفوا وهو ينوء ويكبو .
قال : وحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس بن عمرو النخعي ، فطعنه بالرمح فوقع ، ثمّ قال لخولّي بن يزيد الأصبحي : احتزَّ رأسه . فأراد أنْ يفعل فضعف وأرعد ، فقال له سنان بن أنس : فتَّ الله عضديك وأبان يديك ! فنزل إليه ، فذبحه واحتزَّ رأسه ، ثمّ دفع إلى خولّي بن يزيد ، وقد ضُرب قبل ذلك بالسيوف(56) .
وروى الخوارزمي أيضاً ، قال :
وروي : أنّه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن ، وسنان بن أنس ، والحسين (عليه السلام) بآخر رمق يلوك بلسانه من العطش ، فرفسه شمر برجله ، وقال : يابن أبي تراب ، ألست تزعم أنّ أباك على حوض النبيّ يسقي مَن أحبَّه ؟ فاصبر حتّى تأخذ الماء من يده .
ثمّ قال لسنان بن أنس : احتزَّ رأسه من قفاه . فقال : والله لا أفعل ذلك ، فيكون جدُّه محمّد (ص) خصمي . فغضب شمر منه ، وجلس على صدر الحسين (عليه السلام) وقبض على لحيته ، وهمَّ بقتله ، فضحك الحسين (عليه السلام) ، وقال له : (( أتقتلني ؟ أو لا تعلم مَن أنا ؟ )) . قال : أعرفك حقَّ المعرفة ، اُمُّك فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأبوك عليّ المرتضى (ع) ، وجدك محمّد المصطفى (ص) ، وخصمك الله العلي الأعلى ، وأقتلك ولا أبالي ، وضربه بسيفه اثنتي عشرة ضربة ، ثمّ حزَّ رأسه ثمّ تقدَّم الأسود بن حنظلة فأخذ سيفه ، وأخذ جعوثة الحضرمي قميصه فلبسه ، فصار أبرص وسقط شعره(57) .
وروى العلامة القندوزي ، قال :
قال أبو مخنف : وبقي الحسين (عليه السلام) ثلاث ساعات من النهار ملطَّخاً بدمه رامقاً بطرفه إلى السماء ، وينادي : (( يا إلهي ، صبراً على قضائك ، ولا معبود سواك يا غياث المستغيثين ! )) . فتبادر إليه أربعون فارساً يريدون حزَّ رأسه الشريف المكرَّم المبارك المقدَّس المنوَّر ، ويقول عمر بن سعد : ويلكم ! عجِّلوا بقتله . فدنا منه شبث بن ربعي ، فرمقه الحسين (عليه السلام) بعينه ، فرمى السيف من يده وولّى هارباً ، ويقول : معاذ الله ! أنْ ألقى الله بدمك يا حسين (ع) . فأقبل إلى شبث سنان بن أنس النخعي ، وكان كوسج اللحية قصيراً أبرصاً أشبه الخلق بالشمر اللعين ، فقال له : لمَ ما قتلته ثكلتك اُمُّك ؟! قال شبث : يا سنان ! إنّه قد فتح عينيه في وجهي فشبَّهتهما بعيني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
ثمّ دنا منه سنان ، ففتح عينيه في وجهه ، فارتعدت يده وسقط السيف منها وولّى هارباً ، فأقبل إلى سنان الشمر اللعين ، وقال له : ثكلتك اُمُّك ! ما لك رجعت عن قتله ؟ فقال : يا شمر ، إنّه فتح عينيه في وجهي فذكرت هيبة أبيه عليّ بن أبي طالب (ع) ففزعت ، فلمْ أقدر على قتله .
فقال له الشمر الملعون : إنّك جبان في الحرب ، فوالله ، ما كان أحد غيري أحقّ منِّي بقتل الحسين (ع)!
ثمّ إنّه ركب على صدره الشريف ، ووضع السيف في نحره ، وهمَّ أنّ يذبحه ، ففتح عينيه في وجهه ، فقال له الحسين (ع) عنه وأرضاه : يا ويلك ! مَن أنت فقد ارتقيت مرتقىً عظيماً ؟ فقال له الشمر : الذي ركبك هو الشمر بن ذي الجوشن الضبابي .
فقال له الحسين (عليه السلام) : (( أتعرفني يا شمر ؟ )) . قال : نعم ، أنت الحسين بن عليّ (عليهما السلام) ، وجدُّك رسول الله (ص) ، واُمُّك فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وأخوك الحسن (ع) .
فقال (ع) : (( ويلك ! فإذا علمت ذلك فلمْ تقتلني ؟ )) . قال : أريد بذلك الجائزة من يزيد . فقال له (ع) : (( يا ويلك ! أيُّما أحبُّ إليك ، الجائزة من يزيد أمْ شفاعة جدِّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؟ )) . فقال الشمر الملعون : دانقاً من جائزة يزيد أحبُّ إلى الشمر من شفاعة جدِّك .
فقال له الحسين ـ رضي الله عنه وبلَّغه الله إلى غاية بركاته ومنتهى رضوانه ـ : سألتك بالله أنْ تكشف لي بطنك ، فكشف بطنه فإذا بطنه أبرص كبطن الكلاب ، وشعره كشعر الخنازير .
فقال الحسين (عليه السلام) : (( الله أكبر ! لقد صدق جدي (صلّى الله عليه وآله) في قوله لأبي : يا عليّ ! إنّ ولدك الحسين (عليه السلام) يُقتل بأرض يقال لها(58) كربلا ، يقتله رجل أبرص أشبه بالكلاب والخنازير )) . فقال الشمر اللعين : تشبِّهني بالكلاب والخنازير ، فوالله لأذبحنَّك من قفاك !
ثمّ إنّ الملعون قطع الرأس الشريف المبارك ، وكلَّما قطع منه عضواً ، يقول (ع) : (( يا جدَّاه ! يا محمّداه ! يا أبا القاسماه ! ويا أبتاه يا عليّاه ! يا اُمَّاه يا فاطماه ! أُقتل مظلوماً ، وأذبح عطشاناً ، وأموت غريباً )) .
فلمَّا اجتزَّه وعلاه على القناة كبَّر وكبَّر العسكر ثلاث تكبيرات ، وتزلزلت الأرض وأظلمت الدني ، وأمطرت السماء دماً عبيطاً ، ويُنادى في السماء : (( قُتل والله ، الحسين بن عليّ بن أبي طالب ! قُتل والله ، الإمام ابن الإمام ! قُتل الأسد الباسل ! وكهف الأرامل ! )) . وكان يوم قتله يوم الجمعة عاشر المحرم الحرام سنة إحدى وستّين(59) .

الدلالة الثالثة
سلبهم نساء الإمام الحسين (عليه السلام) وأطفاله ، وهل يتصوَّر من مسلم يُؤمن بالله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) أنْ يفكِّر في سلب بناته (صلّى الله عليه وآله) فضلاً عن سلبهنّ ؟!
وبهذا تعرف أن هؤلاء الأرذال موتورون من النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بما فعله بأسيادهم الكفرة بسيف أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ، فآمنوا ظاهراً وهم يبطنون النفاق والبغض للنبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) ، حتّى أُتيحت لهم الفرصة فأظهروا نفاقهم وحقدهم وبغضهم له (صلّى الله عليه وآله) في أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم ، وهل هؤلاء إلاّ بنو اُميّة وأنصارهم ؟
روى الخوارزمي ، قال :
وأقبل الأعداء حتّى أحدقوا بالخيمة ، ومعهم شمر بن ذي الجوشن ، فقال : ادخلوا فاسلبوا بزَّتهنَّ ، فدخل القوم (لعنهم الله) فأخذوا كلَّ ما كان بالخيمة ، حتّى أفضوا إلى قرطٍ كان في أذن اُمِّ كلثوم أُخت الحسين (عليه السلام) فأخذوه ، وخرموا أُذُنَها ، حتّى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتّى تغلب عليه(60) .
وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته :
وأُخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين (عليه السلام) واحد ، وأخذ حليها آخر ، وعرَّوا نساءه وبناته من ثيابهنّ(61) .
وروى الطبري ، قال :
قال أبو مخنف ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ قال : . . . ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوه ،
قال : ومال الناس على نساء الحسين (عليه السلام) وثقله ومتاعه ، فإنْ كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه ، فيُذهب به منها(62) .

الدلالة الرابعة
سلبهم الإمام الحسين (عليه السلام) ، وعوداً على بدء ، هل يصدر هذا من شيعة الإمام الحسين (عليه السلام) ؟! ولكن قاتل الله النواصب وأنصارهم وأعوانهم إلى يوم الدين .
روى الطبري ، قال :
قال أبو مخنف ، عن جعفر بن محمّد بن عليّ قال : وُجد بالحسين (عليه السلام) حين قُتل ثلاث وثلاثون طعنةً وأربع وثلاثون ضربةً . قال : وجعل سنان بن أنس لا يدنو أحد من الحسين (عليه السلام) إلاّ شدَّ عليه مخافة أنْ يغلب على رأسه ، حتّى أخذ رأس الحسين (عليه السلام) فدفعه إلى خولّي .
قال : وسُلب الحسين (عليه السلام) ما كان عليه ، فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفته ـ وكانت من خزٍّ ـ ، وكان يسمَّى بعدُ : قيس قطيفة ، وأخذ نعليه رجل من بني أود ، يقال له : الأسود(63) ، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم ، فوقع بعد ذلك إلى أهل حبيب بن بديل .
قال : ومال الناس على الورس والحلل والإبل وانتهبوه .
قال : ومال الناس على نساء الحسين (عليه السلام) وثقله ومتاعه ، فإنْ كانت المرأة لتنازع ثوبها عن ظهرها حتّى تغلب عليه فيُذهب به منها(64) .
وفي مقتل الخوارزمي ، قال :
وروي : أنّه وُجد في قميصه مئة وبضع عشرة ، ما بين رميةٍ وطعنةٍ وضربةٍ .
وقال جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) : (( وُجد فيه ثلاث وثلاثون طعنةً وأربع وثلاثون ضربةً ، وأخذ سراويله بحير بن عمرو الجرمي فصار زمناً مقعداً من رجليه ، وأخذ عمامته جابر بن يزيد الأزدي ، فاعتمَّ بها فصار مجذوماً ، وأخذ مالك بن نسر الكندي درعه فصار معتوهاً ، وارتفع في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة مظلمة فيها ريح حمراء ، لا يرى فيها عين ولا أثر حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا بذلك ساعةً ، ثمّ انجلت عنهم))(65) .
وروى الخوارزمي أيضاً ، قال :
وأخذ قيس بن الأشعث (لعنه الله) قطيفة الحسين (عليه السلام) ، كان يجلس عليها فسمِّي لذلك : قيس قطيفة . وأخذ نعليه رجل من الأزد ، يُقال له : الأسود ، ثمّ مال الناس على الورس والخيل والإبل فانتهبوها(66) .
وقال البلاذري :
وسُلب الحسين (عليه السلام) ما كان عليه ، فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة له وكانت من خزٍّ ، وأخذ نعليه رجل من بني أود يُقال له : الأسود ، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم . ومال الناس على الورس والحلل والإبل فانتهبوه ، وأخذ الرحيل بن زهير الجعفي وجرير بن مسعود الحضرمي ، وأسيد ابن مالك الحضرمي أكثر تلك الحلل والورس . وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملاً كان يستقى عليه الماء ، وسمّاه : حسيناً ! (67) .
وروى الوطواط ، قال :
فحمل عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك بالسيف فقطع يساره ، وطعنه سنان بن أنس النخعي بالرمح فصرعه ، ونزل إليه فاحتزَّ رأسه من قفاه وأخذه ، وُوجد فيه (عليه السلام) ثلاث وثلاثون جرحاً وثلاثون طعنةً ، والكلّ فيما أقبل من وجهه . وقِيل : مئة وعشرون جراحة ما بين طعنة برمح ورشقة بسهم ورمية بحجر وضربة بسيف ، وكانت عليه جبَّة خزٍّ دكناء فصارت كأنّها جلد قنفذ من السهام ، ثمّ سلبه إسحاق بن جنوة قميصه فبرص ، وسلبه يحيى بن كعب سراويله فعمي(68) .
وفي نور العين للإسفرايني ، قال :
ثمّ بعد أنْ انكشف ما بهم تقسَّموا سلبه ، فأخذ عمامته عمر بن يزيد ، وأخذ رداءه يزيد بن سهل ، وأخذ درعه وخاتمه سنان بن أنس النخعي ، وأخذ ثوبه ونعله محمّد بن الأشعث الكندي ، وأخذ سيفه مالك بن بشير ، وأخذ سراويله يحيى بن كعب (69) .

الدلالة الخامسة
رضُّهم (لعنهم الله) جسد الإمام الحسين (عليه السلام) بحوافر الخيول حتّى ألصقوه بالأرض ، وليس الباعث على هذا إلاّ الانتقام وأخذ الثار ، ولا يوجد أحد له ثار عند أهل البيت (عليهم السلام) إلاّ بني اُميّة ؛ لمَا فعله أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بأسيادهم الكفرة ، مثل : شيبة وعتبة والوليد وغيرهم من بني اُميّة . وليست هذه الأفعال وليدة الصدفة ، بل هي موروثة عن أسلافهم ، فهذه هند اُم معاوية بن أبي سفيان وما فعلته بسيد الشهداء عمِّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حمزة بن عبد المطلب عليهما السلام من التمثيل بجسده الطاهر بعد استشهاده .
روى الطبري والبلاذري ، والمسعودي والشبراوي واللفظ للأوّل ، قال :
قال ، ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه : من ينتدب للحسين (ع) ويُوطئه فرسه ؟ فانتدب عشرة(70) ، منهم : إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وهو الذي سلب قميص الحسين (ع) فبرص بعد ، وأحبش بن مرثد بن علقمة بن سلامة الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين (ع) بخيولهم حتّى رضُّوا ظهره وصدره ، فبلغني أنّ أحبش بن مرثد بعد ذلك بزمان أتاه سهم غرب وهو واقف في قتال ، ففلق قلبه فمات(71) .
وقال ابن الجوزي : ثمّ قال عمرو(72) : مَن يُوطئ فرسه الحسين (ع) ؟ فانتدب أقوام بخيولهم حتّى رضوا ظهره ، وأمر بقتل عليّ بن الحسين (عليه السلام) ، فوقعت عليه زينب (عليها السلام) ، وقالت : والله لا يُقتل حتّى أقتل . فرقَّ لها وكفَّ عنه(73) .
وفي البداية والنهاية ، قال ابن كثير :
وقُتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية و ثمانون رجلاً سوى الجرحى ، فصلَّى عليهم عمر بن سعد ودفنهم . ويُقال : إنّ عمر بن سعد أمر عشرة فرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتّى ألصقوه بالأرض يوم المعركة(74) .
وفي مقتل الخوارزمي ، قال :
قال : ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى: مَن ينتدب الحسين (ع) فيُوطئه فرسه ؟ فانتدب له عشرة نفر ، منهم : إسحاق الحضرمي ، ومنهم : الأخنس بن مرثد الحضرمي القائل في ذلك :

نحن رَضَضْنا الظهرَ بعد الصدرِ        بكلِّ يَعْبُوبٍ شديدِ الأسر
حتّى عصينـا اللهَ ربَّ الأمرِ        بصُـنْعِنا مَعَ الحسينِ الطهرِ

فداسوا حسيناً (ع) بخيولهم حتّى رضُّوا صدره وظهره . فسُئل عن ذلك فقال : هذا أمر الأمير عبيد الله بن زياد(75) .
وروى الوطواط ، قال :
ونادى عمر بن سعد : مَن ينتدب للحسين (ع) فيُطؤه بفرسه ؟ فانتدب له إسحاق بن جنوة وتسعة من أصحابه ، فوطأوا ظهره وصدره حتّى رضُّوه (ع) ولعن قاتله والمعين له(76) .
وقال سبط ابن الجوزي في تذكرته :
وقال عمر بن سعد : مَن جاء برأس الحسين (ع) له ألف درهماً . وقال عمر بن سعد أيضاً : مَن يُوطئ الخيل صدره ؟ فأوطؤوا الخيل ظهره وصدره ، ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً ، فسألوا عنها فقِيل : كان ينقل الطعام على ظهره في الليل إلى مساكن أهل المدينة . وأخذ ملحفة فاطمة بنت الحسين(عليها السلام) واحد ، وأخذ حليها آخر ، وعرَّوا نساءه وبناته من ثيابهنَّ(77) .
وروى النويري ، قال :
قال ، ولمَّا قُتل الحسين (عليه السلام) نادى عمر بن سعد في أصحابه : مَن ينتدب للحسين فيُوطئه فرسه ؟ فانتدب له عشرة ـ منهم : إسحاق بن حيوة الحضرمي ، وهو الذي سلب قميص الحسين (عليه السلام) فبرص بعد ذلك ـ فداسوا الحسين (عليه السلام) بخيولهم حتّى رضُّوا ظهره وصدره .
قال : ودفن جثة الحسين (عليه السلام) وجثث أصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قُتلوا بيوم(78) .

الدلالة السادسة
قطع رأس الإمام الحسين (عليه السلام) ورؤوس أصحابه (عليهم السلام) واقتسامها وحملها إلى الكوفة للتفاخر والتقرُّب لبني اُميّة ، وهل يفتخر أحد بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ويطلب رضا آل أبي سفيان إلاّ أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من أنصار بني اُميّة ؟ فتراهم يتهافتون في التقرُّب إليهم تهافت الفراش .
روى البلاذري ، قال :
واحتزَّت رؤوس القتلى ، فحمل إلى ابن زياد اثنان وسبعون رأساً مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمرو بن الحجّاج الزبيدي ، وعزرة بن قيس الأحمسي من بجيلة ، فقدموا بالرؤوس على ابن زياد(79) .
وروى الطبري والخوارزمي واللفظ للأوّل ، قال :
قال ، وقطف رؤوس الباقين ، فسرَّح باثنين وسبعين رأساً مع شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمرو بن الحجّاج ، وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد(80) .
وروى الطبري والبلاذري وابن الجوزي ، واللفظ للأوّل ، قال :
قال هشام ، قال أبو مخنف : ولمَّا قُتل الحسين بن عليّ (عليه السلام) جيء برؤوس مَن قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد ، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً ، وصاحبهم قيس بن الأشعث ، وجاءت هوازن بعشرين رأساً ، وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً ، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، فذلك سبعون رأساً(81) .
وفي الأخبار الطوال ، قال :
وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين (عليه السلام) يومين ، ثمّ أذن في الناس بالرحيل ، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين رأس ، جاءت هوازن منها باثنين وعشرين رأساً ، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً مع الحصين بن نمير ، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً مع قيس بن الأشعث ، وجاءت بنو أسد بستّة رؤوس مع هلال الأعور ، وجاءت الأزد بخمس رؤوس مع عيهمة ابن زهير ، وجاءت ثقيف باثني عشر رأساً مع الوليد بن عمرو(82) .
وقال ابن كثير :
فلمَّا أصبح خولي غدا به ـ أي : برأس الحسين (عليه السلام) ـ إلى ابن زياد ، فأحضره بين يديه . ويُقال : إنّه كان معه رؤوس بقيّة أصحابه ، وهو المشهور . ومجموعها اثنان وسبعون رأساً ؛ وذلك أنّه ما قُتل قتيل إلاّ احتزُّوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد ، ثمّ بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام(83) .

الأمر العاشر : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين (عليه السلام)
لقد نصَّ بعض المؤرِّخين على مشاركة غير أهل الكوفة من الأمصار الأخرى في قتال الإمام الحسين (عليه السلام) ، بحيث لا يتصوَّر أنّهم من الشيعة ، ولا يُعقل أنّ يأتي الشيعي من بلاد بعيدة ليقاتل إمامه!
ومن تلك النصوص التي وقفت عليها ما رواه أحمد بن عبد الله الطبري ، قال : وما نُقل من أنّ عمر بن سعد بن أبي وقاص قتله  ـ أي : الحسين (عليه السلام) ـ فتاه فلا يصحّ ، وسبب نسبته إليه أنّه كان أمير الخيل التي أخرجها عبيد الله بن زياد لقتاله ، ووعده إنْ ظفر أنْ يولّيه الريّ . وكان في تلك الخيل - والله أعلم - قوم من أهل مصر وأهل اليمن(84) .
ويدلُّ عليه أيضاً ما ذكره المؤرِّخون ونصُّوا عليه من خروج سليمان بن ُصرد الخزاعي (قدّس سرّه) لقتال أهل الشام ؛ فإنّه دليل واضح على مشاركة أهل الشام في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، فإنَّ مثل سليمان بن ُصرد الخزاعي وأصحابه على جلالتهم وإيمانهم ـ حتّى نصَّ على صحبته(85) بعضهم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ـ لا يقاتلون الأبرياء الذين لمْ يشركوا في قتال الإمام الحسين (عليه السلام) .
فقد روى سبط ابن الجوزي في تذكرته والطبري في تاريخه(86) ، واللفظ للأوّل قال :
وقال : فذكر هشام بن محمّد ، قال : لمَّا قُتل الحسين (عليه السلام) تحرَّكت الشيعة ، وبكوا ورأوا أنّه لا ينجيهم ولا يغسل عنهم العار والإثم إلاّ قتل من قتل الحسين (عليه السلام) أو يقتلوا فيه عـن آخرهم ، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة وهم : سليمان بن ُصرد الخزاعي ، وكانت له صحبة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والمسيب بن نجبة الفزاري . وكان من أصحاب عليّ (عليه السلام) وخيارهم ، وعبد الله ابن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبد الله بن والي التميمي ، ورفاعة بن شدّاد البجلي ، وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن ُصرد ، فاتّفقوا وتعاهدوا وتعاقدوا(87)على المسير إلى أهل الشام ، والطلب بدم الحسين (عليه السلام) ، وأنْ يكون أجتماعهم بالنخيلة سنة خمس وستّين .
وقال سبط ابن الجوزي ، قلت : وما لقتالهم لأهل الشام معنى ؛ لأنّه لمْ يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسين (عليه السلام) ، وإنّما قتله أهل الكوفة ، فإنْ كان طلبهم ليزيد فقد مات ، وكانوا ينبغي أنْ يقتلوا قتلته (عليه السلام) بالكوفة ويطلبوا ابن زياد(88) .
أقول : بل قتال هؤلاء الثقات وخروجهم على أهل الشام له معنى ـ لو تنبَّه سبط ابن الجوزي وأمثاله ! ـ يكشفه أنّ في قتالهم أهل الشام دلالة واضحة على مشاركتهم في دم الإمام الحسين (عليه السلام) ؛ وذلك لأنّ مثل سليمان بن ُصرد (قدّس سرّه) وأصحابه في جلالتهم وعلوِّ قدرهم أبعد عن قتال الأبرياء ، وهم أعرف من ابن الجوزي وغيره بمَن شارك في دم الإمام الحسين (عليه السلام) ، وهذا المعنى جاء أيضاً في روايات أهل البيت (عليهم السلام) ، فقد روى الشيخ الكليني (قدّس سرّه) بإسناده :
عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سنان ، عن أبان ، عن عبد الملك ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال : (( تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه بكربلا ، واجتمع عليه خيل أهل الشام ، وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرته ، واستضعفوا فيه الحسين (صلوات الله عليه) وأصحابه ، وأيقنوا أنّ لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ، ولا يمدَّه أهل العراق ، بأبي المستضعف الغريب )) .
ثمّ قال : (( وأمَّا يوم عاشورا ، فيوم أُصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعاً بين أصحابه ، وأصحابه صرعى حوله [ عراة ] أفصوم يكون في ذلك اليوم ؟! كلا، وربِّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم ! وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرّيّاتهم ، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام ، فمَن صامه أو تبرَّك به حشره الله مع آل زياد ممسوخ القلب مسخوط عليه ، ومَن ادَّخر إلى منزله ذخيرة أعقبه الله تعالى نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه ، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده ، وشاركه الشيطان في جميع ذلك ))(89) .

الأمر الحادي عشر : أحوال ودواعي مَن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام)
لا يخفى أنّ البيعة من المسلمين لا تدلّ على المشايعة بالمعنى الخاصّ للمبايَع ، فبعض المسلمين ممّن بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسن (عليه السلام) بايعوهما على أنّهما خليفتان كبقيّة الخلفاء ، بل كانوا يعتقدون بأنّ مَن مضى من الخلفاء أفضل منهم ، وهؤلاء كلّهم ليسوا بشيعة بالمعنى الخاصّ ، بل الشيعة بالمعنى الخاصّ ـ كما تقدَّم ومرَّ عليك ـ هم خصوص مَن اعتقدوا بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبنائه (عليهم السلام) بالنصّ من الله بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، مثل الشيعة الاثني عشريّة ، ومَن مضى من أسلافهم كسلمان المحمّدي والمقداد ، ورشيد الهجري ومالك الأشتر و . . .  و . . . وغيرهم ممّن تمسكوا بأقوال الرسول (صلّى الله عليه وآله) في غدير خم وغيره .
ومن بايع الإمام الحسين (عليه السلام) هم عامّة الناس حتّى من أهل الحجاز(90) ، وأكثر من بايعه (عليه السلام) وكتب إليه من الكوفة هم من الذين يعتقدون فيه بأنّه ابن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّه أهل العدل والصلاح كما يعتقدون ذلك في أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخيه الإمام الحسن (عليه السلام) ، ولا يعتقدون بأنّه الإمام بعد أخيه بالنصّ(91) ، ولكن الدواعي للكتابة والبيعة تختلف :
فمنهم الشيعة : والداعي لهم على الكتابة إقرارهم بإمامته (عليه السلام) بالنَّصّ من الله واعتقادهم بوجوب الطاعة له وكونها كطاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، واعتقاد عصمته ، و . . . و . . . وهؤلاء قليلون جداً .
ومنهم مَن بايعه (عليه السلام) للغدر والتنكيل به والتقرّب بقتله وإراقة دمه إلى يزيد بن معاوية ، وهذا ما صرَّح به الإمام الحسين (عليه السلام) في ليلة العاشر من المحرم . فقد روى البلاذري قال ، وقال (عليه السلام) : (( إنّما يطلبوني وقد وجدوني ، وما كَتَبَ مَن كَتَبَ إليَّ فيما أظنّ إلاّ مكيدةً لي ، وتقرُّباً إلى ابن معاوية بي))(92) .
ومنهم : مَن أدرك أنّ يزيد بن معاوية فاجر لا يتوَّرع عن المحارم ـ كما سيأتي في ترجمته ـ فلا يصلح لشيء من أمور المسلمين أصلاً ، فكتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) للعيش تحت ظلّ العدل المحمّدي ـ وإنْ لمْ يعتقد بإمامته بالنصّ ـ وذلك لمَا عرف عنه (عليه السلام) من أنّه من أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) ، وهم أهل التقوى والعدل والجود والكرم ، فلهم مكان في قلوب مَن لهم شيء من العقل والتمييز .
وهؤلاء يوجد منهم كثير في زماننا وفي سائر الأزمنة السالفة ، إذ إنّ الكثير يدَّعون محبّة أهل البيت (عليهم السلام) حتّى أنّهم يظهرون ذلك بإنشاء قصائد المدح وغيره ، ولكن لا يتّبعونهم ، ولا يأخذون شيئاً من الدين من طريقهم ، بل من طريق غيرهم ، ولا يتبرّؤون من أعدائهم(93) . ومن الواضح أنّ هذا الحبُّ يبقى ما دام لا يعارض شيئاً من مصالحهم ، ولا يمسُّهم به سوء .
ومنهم : مَن كتب إليه (عليه السلام) لعدم تعقُّله بيعة أحد من الناس ليزيد بن معاوية لِمَا فيه من الرذائل(94) .
ومنهم : مَن كتب إليه (ع) تمشيّاً مع الوضع العامّ .
ومنهم : مَن كتب إليه (ع) لأجل المصالح والأغراض الدنيويّة ، فما إنْ علموا بانتفاء ما رغَّبهم في البيعة حتّى تخلَّوا عنه (عليه السلام) فوراً ، فانظر إلى أهل البلدان التي مرَّ (عليه السلام) بها ومَن التحق به من مكّة ، فإنّهم بمجرَّد أنْ سمعوا بعدم تمام بيعته (عليه السلام) في الكوفة ـ حينما وصل خبر مقتل مسلم بن عقيل ـ تخلَّوا عنه ، ولمْ يبقَ إلاّ مَن خرج معه من المدينة ، وفي الكوفة كثير من هؤلاء أيضاً .
فمَن كتب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ليسوا هم الشيعة بالمعنى الخاصّ فقط ، بل الكثرة الكاثرة من غيرهم .

الأمر الثاني عشر : موقف مَن كتب من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السلام)
إن الشيعة الذين كتبوا للإمام الحسين (عليه السلام) بدأ فيهم ـ بعد مجيء عبيد الله بن زياد ـ القتل والسجن والتهديد وأنواع الضغوط اللاإنسانيّة ، وإلا فأينَ رموز الشيعة ووجهاؤها كالمختار(95) وسليمان بن ُصرد ، وبقية وُجهاء الشيعة (96) ؟ فهؤلاء كلُّهم كانوا في سجون ابن زياد(97) ، وأيضاً هلاّ فكرت يوماً في ثورة المختار والآلاف من أنصاره التي كانت بصدد إبادة قتلة الحسين (عليه السلام) ، وعلى هذا أيضاً سليمان بن ُصرد صاحب ثورة التوّابين ؛ فإنّه لا يُعقل أنْ يثور قتلة الحسين (عليه السلام) على قتلته (عليه السلام) !
فإنْ قِيل : إذن ما هو موقف الشيعة الباقية التي لمْ تُزَجَّ في السجون ؟
فالجواب واضح ، وهو أنّ المانع لهم ـ مضافاً لقلَّتهم في الكوفة ـ هو إرهاب(98) بني اُميّة وأنصارهم للشيعة بتفنّنهم بالقتل والذبح والتمثيل وغيره فيهم ، وهو غير قليل ، وفيمَن أراد نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) بالخصوص . وهذا ظاهر فيما فعله عبيد الله بن زياد من تفنُّنه في قتل أنصار أهل البيت (عليهم السلام) ، حيث إنّه ذبح هاني بن عروة ومسلم بن عقيل وغيرهما وصلبهم في السوق أمام الناس ، وسحب أجسادهم في الطرقات ، وما ذلك إلاّ للإرهاب وإيجاد الخوف في نفـوس الشيعة من الكوفيّين ، فما كان قعود بعض الشيعة إلاّ للإرهاب ، مضافاً إلى ما قام به ابن زياد من جعل المراصد والعيون لملاحظة الشيعة ، ومنعهم من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ونصرته(99) ؛ ولهذا كان خروجهم بعد ذلك على قتلته (عليه السلام) بعنوان التوبة من عدم نصرتهم للإمام الحسين (عليه السلام) ، لا للاعتذار من قتالهم إيّاه .
فقد روى سبط ابن الجوزي والطبري(100) ، واللفظ للأوّل ، قال :
فذكر علماء السير ، قالوا : لمَّا قُتل الحسين (عليه السلام) سقط في أيدي القوم الذين قعدوا عن نصرته ، وقاموا مكفِّرين نادمين ، فلمَّا مات يزيد بن معاوية منتصف ربيع الأوَّل سنة أربع وستّين تحرَّكت الشيعة بالكوفة ، وكانوا يخافون منه ، وقِيل : تحرَّكت في هذه السنة قبل موت يزيد ، وهو الأصحّ .
وقال : فذكر هشام بن محمّد ، قال : لمَّا قتل الحسين (عليه السلام) تحرَّكت الشيعة وبكوا ، ورأوا أنّه لا يُنجيهم ولا يغسل عنهم العار والإثم إلاّ قتل مَن قتل الحسين (عليه السلام) أو يُقتلوا فيه عـن آخرهم ، وفزعوا إلى خمسة من أهل الكوفة ، وهم : سليمان بن ُصرد الخزاعي ، وكانت له صحبة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، والمسيب بن نجبة الفزاري . وكان من أصحاب عليّ (عليه السلام) وخيارهم ، وعبد الله ابن سعد بن نفيل الأزدي ، وعبد الله بن والي التميمي ، ورفاعة بن شدّاد البجلي . وكان اجتماعهم في منزل سليمان بن ُصرد ، فاتّفقوا وتعاهدوا وتعاقدوا على المسير إلى أهل الشام ، والطلب بدم الحسين (عليه السلام) ، وأنْ يكون اجتماعهم بالنخيلة سنة خمسٍ وستّين .
وقال سبط ابن الجوزي ، قلت : وما لقتالهم لأهل الشام معنىً(1) ؛ لأنّه لمْ يحضر أحد من أهل الشام قتال الحسين (عليه السلام) ، وإنّما قتله أهل الكوفة ، فإنْ كان طلبهم ليزيد فقد مات ، وكانوا ينبغي أنْ يقتلوا قتلته (عليه السلام) بالكوفة ، ويطلبوا ابن زياد .
ثمّ إنّهم كاتبوا الشيعة فأجابهم أهل الأمصار ، وقِيل : إنّهم تحرَّكوا عقب قتل الحسين (عليه السلام) أوَّل سنة إحدى وستّين ، ولمْ يزالوا في جمع الأموال والاستعداد حتّى مات يزيد(101) .

الأمر الثالث عشر : نسبة علماء أهل الخلاف قتل الإمام (عليه السلام) إلى يزيد بن معاوية وأتباعه
قد صرَّح علماء أهل الخلاف بأنّ قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) هم يزيد بن معاوية وأتباعه ، وسيتبيَّن لك ذلك في تراجمهم الآتية . وقد عقدت عنواناً خاصّاً بمن نصَّ على أنّ يزيد بن معاوية هو قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) .
ومن هؤلاء الذهبي ، قال : وكان يزيد بن معاوية ناصبي ، فظ غليظ ، جلف يتناول المسكر ، ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين (عليه السلام) ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس ولمْ يُبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين (عليه السلام) ، كأهل المدينة قاموا لله ، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ، ونافع بن الأزرق(102) .
أقول : فإلصاق تهمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) بالشيعة ليس بالاعتباط ، بل هو أمر متعمَّد ومقصود لتبرئة بني اُميّة وإبعاد الناس عن أهل الحقّ وشيعتهم ، وإلاّ لماذا التخصيص بأهل الكوفة وإخراج غيرهم ؟ مع أنّه لو ثبت أنّهم خصوص أهل الكوفة لا يثبت كون ذلك من الشيعة ، ولكن لكون الشيعة عرفوا بأنّهم أكثر تواجداً في الكوفة ، وأن عدوَّهم الشاهر الظاهر هم أهل الشام ، فنسبوا القتل لخصوص أهل الكوفة .

الأمر الرابع عشر : حقائق تاريخية تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)
لكي يتبيَّن كثير من الحقائق نذكر بدء تحرُّك الثائرين ضد قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ، ليتّضح ما أراد بعض أهل الخلاف إلصاقه بشيعة أهل البيت (عليهم السلام) .
ويتّضح لك من ذلك تفرُّق أماكن الشيعة وقلَّتهم في الكوفة ـ زيادة على ما تقدّم ـ ويتّضح عدم مشاركتهم في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وما تقدَّم عن سبط ابن الجوزي شبه اختصار لهذا .
قال الطبري(103) :
قال أبو جعفر : وفي هذه السنة تحرَّكت الشيعة بالكوفة ، واتَّعَدُوا الاجتماع بالنخيلة في سنة خمسٍ وستّين للمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن عليّ (عليهما السلام) ، وتكاتبوا في ذلك .
ذكر الخبر عن مبدأ أمرهم في ذلك .
قال هشام بن محمّد ، حدَّثنا أبو مخنف ، قال : حدَّثني يوسف بن يزيد ، عن عبد الله بن عوف بن الأحمر الأزدي ، قال : لمَّا قُتل الحسين بن علي (عليه السلام) ورجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة فدخل الكوفة ، تلاقت الشيعة بالتلاوم والتندُّم ، ورأت أنّها قد أخطأت خطأ كبيراً بدعائهم الحسين (ع) إلى النصرة ، وتركهم إجابته ، ومقتله إلى جانبهم لمْ ينصروه ، ورأوا أنّه لا يغسل عارهم والإثم عنهم في مقتله إلاّ بقتل مَن قتله ، أو القتل فيه . ففزعوا بالكوفة إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة : إلى سليمان بن ُُصرد الخزاعي ، وكانت له صحبة مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وإلى المسيب بن نجبة الفزاري , وكان من أصحاب عليّ (عليه السلام) وخيارهم ، وإلى عبد الله بن سعد ابن نفيل الأزدي ، وإلى عبد الله بن وال التيمي ، وإلى رفاعة بن شدّاد البجلي .
ثمّ إنّ هؤلاء النفر الخمسة اجتمعوا في منزل سليمان بن ُصرد ، وكانوا من خيار أصحاب عليّ (عليه السلام) ، ومعهم أناس من الشيعة وخيارهم ووجوههم .
قال : فلمَّا اجتمعوا إلى منزل سليمان بن ُصرد بدأ المسيب بن نجبة القوم بالكلام فتكلَّم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلَّى على نبيِّه (صلّى الله عليه وآله) ، ثمّ قال :
أمَّا بعد ، فإنّا قد ابتُلينا بطول العمر والتعرُّض لأنواع الفتن ، فنرغب إلى ربّنا ألاّ يجعلنا ممّن يقول له غداً : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ )(104) .
فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : (( العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستّون سنة )) . وليس فينا رجل إلاّ وقد بلغه ، وقد كنَّا مغرمين بتزكية أنفسنا ، وتقريظ شيعتنا حتّى بلى الله أخيارنا ، فوجدنا كاذبين في موطنينِ من مواطن ابن ابنة نبيِّنا ، وقد بلغتنا قبل ذلك كتبه ، وقدمت علينا رسله ، وأعذر إلينا يسألنا نصره عوداً وبدءاً وعلانيةً وسرّاً ، فبخلنا عنه بأنفسنا حتّى قُتل إلى جانبنا ، لا نحن نصرناه بأيدينا ، ولا جادلنا عنه بألسنتنا ، ولا قوَّيناه بأموالنا ، ولا طلبنا له النصرة إلى عشائرنا ، فما عذرنا إلى ربِّنا ؟ وعند لقاء نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله) وقد قُتل فينا ولده وحبيبه وذرّيّته ونسله ؟
لا والله ، لا عذر دون أنْ تقتلوا قاتله والموالين عليه ، أو تُقتلوا في طلب ذلك ، فعسى ربّنا أنْ يرضى عنَّا عند ذلك ، وما أنا بعد لقائه لعقوبته بآمن .
أيُّها القوم ! ولُّوا عليكم رجلاً منكم ؛ فإنّه لا بدَّ لكم من أمير تفزعون إليه ، وراية تحفُّون به ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم .
قال : فبدر القوم رفاعة بن شدّاد بعد المسيب الكلام ، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، ثمّ قال :
أمَّا بعد ، فإنّ الله قد هداك لأصوب القول ، ودعوت إلى أرشد الأمور ، بدأت بحمد الله والثناء عليه والصلاة على نبيِّه (ص) ، ودعوت إلى جهاد الفاسقين ، وإلى التوبة من الذنب العظيم ، فمسموع منك مستجاب لك ، مقبول قولك .
قلت : ولُّوا أمركم رجلاً منكم تفزعون إليه وتحفُّون برايته ، وذلك رأي قد رأينا مثل الذي رأيت ، فإنْ تكن أنت ذلك الرجل تكن عندنا مرضي ، وفينا متنصح ، وفي جماعتنا محبّ ، وإنْ رأيت ورأى أصحابنا ذلك ولَّينا هذا الأمر شيخ الشيعة صاحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وذا السابقة والقدم سليمان بن ُصرد ، المحمود في بأسه ودينه، والموثوق بحزمه، أقول قولي هذ وأستغفر الله لي ولكم.
قال : ثمّ تكلَّم عبد الله بن وال ، وعبد الله بن سعد فحمدا ربَّهما وأثنيا عليه ، وتكلَّما بنحو من كلام رفاعة بن شدّاد ، فذكرا المسيب بن نجبة بفضله ، وذكرا سليمان بن ُُصرد بسابقته ورضاهما بتوليته .
فقال المسيب بن نجبة : أصبتم ووفِّقتم ، وأنا أرى مثل الذي رأيتم ، فولُّوا أمركم سليمان بن ُصرد .
قال أبو مخنف : فحدَّثت سليمان بن أبي راشد بهذا الحديث ، فقال : حدَّثني حميد بن مسلم ، قال : والله إنّي لشاهد بهذا اليوم يوم ولَّوا سليمان بن ُصرد ، وإنَّا يومئذ لأكثر من مئة رجل من فرسان الشيعة ووجوههم في داره .
قال : فتكلَّم سليمان بن ُصرد فشدَّد ، وما زال يردِّد ذلك القول في كلِّ جمعة حتّى حفظته ، بدأ فقال : أثني على الله خير ، وأحمد آلاءه وبلاءه ، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسوله ، أمَّا بعد :
فإنّي والله ، لخائف ألاّ يكون آخرنا إلى هذا الدهر ـ الذي نكدت فيه المعيشة ، وعظمت فيه الرزيّة ، وشمل فيه الجور أولي الفضل من هذه الشيعة ـ لما هو خير ،
إنّا كنَّا نمدُّ أعناقنا إلى قدوم آل نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله) ونمنِّيهم النصر ، ونحثُّهم على القدوم ، فلمَّا قدموا ونينا وعجزنا وادَّهنا وتربَّصنا وانتظرنا ما يكون حتّى قُتل فينا ولد نبيِّنا (ص) وسلالته وعصارته وبضعة من لحمه ودمه ؛ إذ جعل يستصرخ فلا يصرخ ويسأل النصف فلا يُعطاه ، اتّخذه الفاسقون غرضاً للنبل ، ودريَّة للرماح حتّى أقصدوه ، وعدوا عليه فسلبوه ، ألاَ انهضوا ، فقد سخط ربّكم !
ولا ترجعوا إلى الحلائل والأبناء حتّى يرضى الله ، والله ما أظنّه راضياً دون أنْ تناجزوا من قتله أو تبيروا .
ألاَ لا تهابوا الموت ، فوالله ما هابه امرؤ قط إلاّ ذلَّ ، كونوا كالأولى من بني إسرائيل ، إذ قال لهم نبيّهم : ( آإِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ )(105) . فما فعل القوم ؟ جثوا على الركب والله ، ومدُّوا الأعناق ، ورضوا بالقضاء حتّى حين علموا أنّه لا يُنجيهم من عظيم الذنب إلاّ الصبر على القتل ، فكيف بكم لو قد دُعيتم إلى مثل ما دُعي القوم إليه ، اشحذوا السيوف ، وركِّبوا الأسنَّة : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ )(106) حتّى تدعوا حين تدعون وتستنفرون .
قال : فقام خالد بن سعد بن نفيل ، فقال : أمَّا أنا ، فوالله لو أعلم أنّ قتلي نفسي يخرجني من ذنبي ويرضي عنّي ربّي لقتلته ، ولكن هذا أمر به قوم كانوا قبلنا ونهينا عنه ، فأشهد الله ومَن حضر من المسلمين أنّ كلَّ ما أصبحت أملكه سوى سلاحي الذي أقاتل به عدوِّي ، صدقة على المسلمين أقوِّيهم به على قتال القاسطين .
وقام أبو المعتمر حنش بن ربيعة الكناني ، فقال : وأنا أشهدكم على مثل ذلك .
فقال سليمان بن ُصرد: حسبكم، مَن أراد من هذا شيئاً فليأت بماله عبد الله بن وال التيمي تيم بكر بن وائل، فإذا اجتمع عنده كلُّ ما تريدون إخراجه من أموالكم جهزَّنا به ذوي الخلَّة والمسكنة من أشياعكم.
قال أبو مخنف لوط بن يحيى : عن سليمان بن أبي راشد قال : حدَّثنا حميد ابن مسلم الأزدي : أنّ سليمان بن ُصرد قال لخالد بن سعد بن نفيل ـ حين قال له : والله ، لو علمت أنّ قتلي نفسي يخرجني من ذنبي ويرضي عنِّي ربّي لقتلته ، ولكن هذا أمر به قوم غيرنا كانوا من قبلنا ونهينا عنه ـ قال : أخوكم هذا غداً فريس أوَّل الأسنَّة . قال : فلمَّا تصدَّق بماله على المسلمين . قال له : أبشر بجزيل ثواب الله للذين لأنفسهم يمهّدون .
قال أبو مخنف : حدَّثني الحصين بن يزيد بن عبد الله بن سعد بن نفيل ، قال : أخذت كتاباً كان سليمان بن ُصرد كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان بالمدائن ، فقرأته زمان ولي سليمان ، قال : فلمَّا قرأته أعجبني ، فتعلَّمته فما نسيته ، كتب إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم
من سليمان بن ُصرد إلى سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين ، سلام عليكم .
أمَّا بعد :
فإنّ الدنيا دار قد أدبر منها ما كان معروف ، وأقبل منها ما كان منكر ، وأصبحت قد تشنَّأت إلى ذوي الألباب ، وأزمع بالترحال منها عباد الله الأخيار ، وباعوا قليلاً من الدنيا لا يبقى بجزيل مثوبة عند الله لا تفنى ، إنّ أولياءً من إخوانكم وشيعة آل نبيِّكم نظروا لأنفسهم فيما ابتلوا به من أمر ابن بنت نبيّهم (ص) الذي دُعي فأجاب ، ودعا فلمْ يجب ، وأراد الرجعة فحُبس ، وسأل الأمان فمُنع ، وترك الناس فلمْ يتركوه ، وعدوا عليه فقتلوه ، ثمّ سلبوه وجرَّدوه ظلماً وعدواناً ، وغِرَّةً بالله وجهل ، وبعين الله ما يعملون ، وإلى الله ما يرجعون : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )(107) .
فلمَّا نظروا إخوانكم وتدبَّروا عواقب ما استقبلوا رأوا أنْ قد خطئوا بخذلان الزكيِّ الطيِّب وإسلامه ، وترك مواساته والنصر له خطأ كبيراً ليس لهم منه مخرج ولا توبة دون قتل قاتليه ، أو قتلهم حتّى تفنى على ذلك أرواحهم ، فقد جدَّ إخوانكم ، فجدُّوا وأعدُّوا واستعدُّوا ، وقد ضربنا لإخواننا أجلاً يوافوننا إليه ، وموطناً يلقوننا فيه ؛ فأمَّا الأجل ، فغرة شهر ربيع الآخر سنة خمسٍ وستّين ، وأمَّا الموطن الذي يلقوننا فيه ، فالنخيلة .
أنتم الذين لمْ تزالوا لنا شيعة وإخواناً وإلاً ، وقد رأينا أنْ ندعوكم إلى هذا الأمر الذي أراد الله به إخوانكم فيما يزعمون ويظهرون لنا أنّهم يتوبون ، وإنّكم جدراء بتطلاب الفضل ، والتماس الأجر، والتوبة إلى ربّكم من الذنب ولو كان في ذلك حزُّ الرقاب ، وقتل الأولاد واستيفاء الأموال وهلاك العشائر .
ما ضرَّ أهل عذراء الذين قُتلوا ألاّ يكونوا اليوم أحياء وهم عند ربّهم يرزقون ، شهداء قد لقوا الله صابرين محتسبين ، فأثابهم ثواب الصابرين ـ يعني : حجراً وأصحابه ـ وما ضرَّ إخوانكم المقتَّلين صبراً ، المصلَّبين ظلماً ، والممثَّل بهم ، المعتدى عليهم ، ألاّ يكونوا أحياء مبتلين بخطاياكم ، قد خير لهم فلقوا ربَّهم ، ووفاهم الله إنْ شاء الله أجرهم ، فاصبروا رحمكم الله على البأساء والضراء وحين البأس ، وتوبوا إلى الله عن قريب ، فوالله ، إنّكم لأحرياء ألاَ يكون أحد من إخوانكم صبر على شيء من البلاء إرادة ثوابه ؟ إلاَ صبرتم التماس الأجر فيه على مثله ؟ ولا يطلب رضاء الله طالب بشيء من الأشياء ـ ولو أنّه القتل ـ إلاّ طلبتم رضاء الله به .
إنّ التقوى أفضل الزاد في الدنيا، وما سوى ذلك يبور ويفنى ، فلتعزف عنها أنفسكم، ولتكن رغبتكم في دار عافيتكم ، وجهاد عدوِّ الله وعدوِّكم وعدوِّ أهل بيت نبيّكم (صلّى الله عليه وآله) ، حتّى تقدموا على الله تائبين راغبين، أحيانا الله وإيّاكم حياة طيّبة ، وأجارنا وإيّاكم من النار، وجعل منايانا قتلاً في سبيله على يدي أبغض خلقه إليه ، وأشدِّهم عداوة له ، إنّه القدير على ما يشاء ، والصانع لأوليائه في الأشياء ، والسلام عليكم .
قال : وكتب ابن ُصرد الكتاب ، وبعث به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان مع عبدالله بن مالك الطائي ، فبعث به سعد حين قرأ كتابه إلى مَن كان بالمدائن من الشيعة . وكان بها أقوام من أهل الكوفة قد أعجبتهم فأوطنوها ، وهم يقدمون الكوفة في كلّ حين عطاء ورزق ، فيأخذون حقوقهم وينصرفون إلى أوطانهم . فقرأ عليهم سعد كتاب سليمان بن ُصرد ، ثمّ إنّه حمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :
أمَّا بعد ، فإنّكم قد كنتم مجتمعين مزمعين على نصر الحسين (عليه السلام) وقتال عدوِّه، فلم يفجأكم أوَّل من قتله ، والله مثيبكم على حسن النية وما أجمعتم عليه من النصر أحسن المثوبة ، وقد بعث إليكم إخوانكم يستنجدونكم ويستمدونكم ويدعونكم إلى الحقِّ، وإلى ما ترجون لكم به عند الله أفضل الأجر والحظ ، فماذا ترون؟ وماذا تقولون ؟
فقال القوم بأجمعهم : نجيبهم ونقاتل معهم ، ورأينا في ذلك مثل رأيهم، فقام عبد الله بن الحنظل الطائي ثمّ الحزمري، فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : أمَّا بعد ، فإنَّا قد أجبنا إخواننا إلى ما دعونا إليه ، وقد رأينا مثل الذي قد رأوا ، فسرِّحني إليهم في الخيل . فقال له : رويداً لا تعجل ، استعدُّوا للعدوِّ ، وأعدُّوا له الحرب ، ثمّ نسير وتسيرون .
وكتب سعد بن حذيفة بن اليمان إلى سليمان بن ُصرد مع عبد الله بن مالك الطائي :

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى سليمان بن ُصرد ، من سعد بن حذيفة ومن قبله من المؤمنين ، سلام عليكم .
أمَّا بعد : فقد قرأنا كتابك ، وفهمنا الذي دعوتنا إليه من الأمر الذي عليه رأي الملأ من إخوانك ، فقد هديت لحظك ، ويسِّرت لرشدك ، ونحن جادُّون مجدُّون معدُّون مسرجون ملجمون ، ننتظر الأمر ونستمع الداعي ، فإذا جاء الصريخ أقبلنا ، ولمْ نعرج إنْ شاء الله ، والسلام .
فلمَّا قرأ كتابه سليمان بن ُصرد قرأه على أصحابه ، فسرُّوا بذلك .
قالوا : وكتب إلى المثنى بن محربة العبدي نسخة الكتاب الذي كان كتب به إلى سعد بن حذيفة بن اليمان ، وبعث به مع ظبيان بن عمارة التميمي من بني سعد ، فكتب إليه المثنى ، أمَّا بعد : فقد قرأت كتابك ، وأقرأته إخوانك ، فحمدوا رأيك ، واستجابوا لك ، فنحن موافوك إنْ شاء الله للأجل الذي ضربت ، وفي الموطن الذي ذكرت ، والسلام عليك . وكتب في أسفل كتابه :

تـبـصَّر  كـأني قد أتيتُكَ مُعْلِماً      عـلـى أتـلعِ الهادي أَجَشَّ هزيمِ
طـويلِ القِرَا نَهْدِ الشَّوَاةِ مقلّصٍ       مـلـحٍّ عـلـى فأسِ اللجامِ أَزُومِ
بـكـلّ فتىً لا يملأُ الروعُ نَحْرَهُ       مُـحِسٍّ لعضِّ الحَرْبِ غيرِ سؤومِ
أخــي  ثـقةٍ ينوي الإلهَ بسعيِهِ      ضروبٍ بنَصْلِ السيفِ غيرِ أثيمِ(108)

وروى الطبري ، قال :
قال أبو مخنف لوط بن يحيى : عن الحارث بن حصيرة ، عن عبد الله بن سعد ابن نفيل ، قال : كان أوَّل ما ابتدعوا به من أمرهم سنة إحدى وستّين ، وهي السنة التي قُتل فيها الحسين (عليه السلام) ، فلمْ يزل القوم في جمع آلة الحرب ، والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرِّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين (عليه السلام) ، فكان يُجيبهم القوم بعد القوم ، والنفر بعد النفر ، فلمْ يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية يوم الخميس لأربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوَّل سنة أربع وستّي . وكان بين قتل الحسين (عليه السلام) وهلاك يزيد بن معاوية ثلاث سنين وشهران وأربعة أيّام . وهلك يزيد وأمير العراق عبيد الله بن زياد ، وهو بالبصرة ، وخليفته بالكوفة عمرو بن حريث المخزومي ، فجاء إلى سليمان أصحابه من الشيعة ، فقالو : قد مات هذا الطاغية ، والآمر الآن ضعيف ، فإنْ شئت وثبنا على عمرو بن حريث فأخرجناه من القصر، ثمّ أظهرنا الطلب بدم الحسين (عليه السلام) وتتبَّعنا قتلته ، ودعونا الناس إلى أهل هذا البيت المستأثر عليهم ، المدفوعين عن حقِّهم . فقالوا في ذلك فأكثروا .
فقال لهم سليمان بن ُصرد : رويداً لا تعجلوا ، إنّي قد نظرت فيما تذكرون فرأيت أنّ قتلة الحسين (عليه السلام) هم أشراف أهل الكوفة وفرسان العرب ، وهم المطالبون بدمه ، ومتى علموا ما تريدون وعلموا أنّهم المطلوبون كانوا أشدَّ عليكم .
ونظرت فيمَن تبعني منكم فعلمت أنّهم لو خرجوا لمْ يدركوا ثأرهم ، ولمْ يشفوا أنفسهم ، ولمْ ينكوا في عدوِّهم ، وكانوا لهم جزراً ، ولكن بثُّوا دعاتكم في المصر، فادعوا إلى أمركم هذا شيعتكم وغير شيعتكم ، فإنّي أرجو أنْ يكون الناس اليوم حيث هلك هذا الطاغية أسرع إلى أمركم استجابة منهم قبل هلاكه .
ففعلوا ، وخرجت طائفة منهم دُعاة يدعون الناس ، فاستجاب لهم ناس كثير بعد هلاك يزيد بن معاوية أضعاف من كان استجاب لهم قبل ذلك .
قال هشام ، قال أبو مخنف : وحدَّثنا الحصين بن يزيد ، عن رجل من مزينة ، قال : ما رأيت من هذه الاُمّة أحداً كان أبلغ من عبيد الله بن عبد الله المري في منطق ولا عظة . وكان من دُعاة أهل المصر زمان سليمان بن ُصرد . وكان إذا اجتمعت إليه جماعة من الناس فوعظهم بدأ بحمد الله والثناء عليه ، والصلاة على رسول الله(ص) ثمّ يقول ، أمَّا بعد : فإنّ الله اصطفى محمّداً (ص) على خلقه بنبوّته ، وخصَّه بالفضل كلّه ، وأعزكم باتباعه ، وأكرمكم بالإيمان به ، فحقن به دماءكم المسفوكة ، وأمَّن به سبلكم المخوفة : ( وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )(109) .
فهل خلق ربُّكم في الأوّلين والآخرين أعظم حقّاً على هذه الاُمّة من نبيِّها ؟ وهل ذرّيّة أحد من النبيّين والمرسلين (عليهم السلام) ، أو غيرهم أعظم حقّاً على هذه الاُمّة من ذرّيّة رسولها ؟ لا والله ما كان ولا يكون ، لله أنتم ، ألمْ تروا ويبلغكم ما اجترم إلى ابن بنت نبيّكم ؟ أمَا رأيتم إلى انتهاك القوم حرمته ، واستضعافهم وحدته ، وترميلهم إيّاه بالدم ، وتجرارهموه على الأرض ، لمْ يرقبوا فيه ربَّهم ، ولا قرابته من الرسول (ص) ، اتّخذوه للنبل غرضاً ، وغادروه للضباع جزراً ؟
فللّه عيناً من رأى مثله ، ولله حسين بن عليّ (عليه السلام) ، ماذا غادروا به ؟ ذا صدق وصبر ، وذا أمانة ونجدة وحزم ، ابن أوَّل المسلمين إسلاماً ، وابن بنت رسول ربِّ العالمين (ص) ، قلَّتْ حماته وكثرت عداته حوله ، فقتله عدوُّه وخذله وليُّه ، فويل للقاتل ، وملامة للخاذل .
إنّ الله لمْ يجعل لقاتله حجّة ، ولا لخاذله معذرة ، إلاّ أنْ يناصح لله في التوبة ، فيجاهد القاتلين ، وينابذ القاسطين ، فعسى الله عند ذلك أنْ يقبل التوبة ، ويقيل العثرة ، إنَّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنَّة نبيّه (ص) ، والطلب بدماء أهل بيته (عليهم السلام) ، وإلى جهاد المحلّين والمارقين ، فإنّ قتلنا فمَا عند الله خير للأبرار ، وإنْ ظهرنا رددنا هذا الأمر إلى أهل بيت نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله) .
قال : وكان يعيد هذا الكلام علينا في كلّ يوم حتّى حفظه عامتنا .
قال : ووثب الناس على عمرو بن حريث عند هلاك يزيد بن معاوية ، فأخرجوه من القصر، واصطلحوا على عامر بن مسعود بن اُميّة بن خلف الجمحي ، وهو دحروجة الجعل الذي قال له ابن همام السلولي :

اشْدُدْ يديك بزيدٍ إن ظفـرتَ بـه        واشفِ الأراملَ من دحروجةِ الجعل
وكان كأنّه إبهام قصراً ، وزيد مولاه وخازنه ، فكان يصلِّي بالناس ، وبايع لابن الزبير .
ولمْ يزل أصحاب سليمان بن ُصرد يدعون شيعتهم وغيرهم من أهل مصرهم ، حتّى كثر تبعهم . وكان الناس إلى اتِّباعهم بعد هلاك يزيد بن معاوية أسرع منهم قبل ذلك(110) .
وقال الذهبي وابن حجر وغيرهما واللفظ للأوّل ، قال ـ في ترجمة سليمان بن ُصرد ـ : سليمان بن ُصرد ، الأمير أبو مطرف الخزاعي الكوفي الصحابي ، له رواية يسيرة ، وعن أبي وجبير بن مطعم ، وعنه : يحيى بن يعمر ، وعدي بن ثابت ، وأبو إسحاق ، وآخرون .
قال ابن عبد البرّ : كان ممّن كاتب الحسين (عليه السلام) ليبايعه ، فلمَّا عجز عن نصره ندم وحارب .
قلت : كان ديِّناً عابداً ، خرج في جيش تابوا إلى الله من خذلانهم الحسين (عليه السلام) الشهيد ، وساروا للطلب بدمه ، وسمُّوا جيش التوّابين ، وكان هو الذي بارز يوم صفين حوشباً ذا ظليم ، فقتله .
حضَّ سليمان على الجهاد ، وسار في ألوف لحرب عبيد الله بن زياد ، وقال : إنّ قتلت فأميركم المسيب بن نجبة ، والتقى الجمعان . وكان عبيد الله في جيش عظيم ، فالتحم القتال ثلاثة أيّام ، وقتل خلق من الفريقين ، واستحرَّ القتل بالتوّابين شيعة الحسين (عليه السلام) ، وقتل أمراؤهم الأربعة : سليمان والمسيب ، وعبد الله بن سعد وعبد الله بن والي ، وذلك بعين الوردة التي تُدعى رأس العين ، سنة خمسٍ وستّين ، وتحيَّز بمَن بقي منهم رفاعة بن شداد إلى الكوفة(111) .
فاتّضح من مصادر القوم أنّ الشيعة قلَّة مستضعفة ، لمْ تتمكَّن من نصرة الحسين (عليه السلام) ، فخرجوا على قلَّتهم بعد ذلك تائبين ، حتّى إنّهم لمْ يخرجوا بوحدهم ، بل خرج معهم مَن لمْ يحضر قتل الحسين (عليه السلام) من غير الشيعة أيضاً .
وهذا المختار (قدّس سرّه) خرج بالشيعة للانتقام من قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) والأخذ بثاره ، فهل بعد هذا يتصوَّر فيمَن يأخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه ممّن قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) ؟!
قال سبط ابن الجوزي : ثمّ خرج المختار وكان يقول : . . . ووالله ، لأقتلنّ بقتلة الحسين (عليه السلام) عدد من قتل على دم يحيى بن زكريا . . . (112) .
وكان الملاك في قتله هؤلاء هو صدق الخروج على الحسين (عليه السلام) فقد روى الطبري ، قال :
واستخرج من دور الوادعيّين خمسمئة أسير ، فأتي بهم المختار مكتَّفين ، فأخذ رجل من بني نهد ـ وهو من رؤساء أصحاب المختار ، يقال له : عبد الله بن شريك ـ لا يخلو بعربيّ إلاّ خلَّى سبيله ، فرفع ذلك إلى المختار درهم مولىً لبني نهد ، فقال له المختار : اعرضوهم عليَّ ، وانظروا كلّ مَن شهد منهم قتل الحسين (عليه السلام) فأعلموني به .
فأخذوا لا يُمرُّ عليه برجل قد شهد قتل الحسين (عليه السلام) إلاّ قِيل له : هذا ممّن شهد قتله ، فيقدِّمه فيضرب عنقه . . ..إلخ(113) .
وروى الطبري أيضاً قال :
قال ، ونادى منادي المختار : إنّه مَن أغلق بابه ، فهو آمن إلاّ رجلاً شرك في دم آل محمّد (عليهم السلام)(114) .
وروى ابن خلدون ، قال :
وأسّر من الوادعيين خمسمئة أسير ، فقتل المختار كلّ من شهد قتل الحسين (عليه السلام) منهم فكانوا نصفهم ، وأطلق الباقين ، ونادى المختار الأمان إلاّ من شهد في دماء أهل البيت(115) .
أقول : أو ليس هؤلاء الألوف المؤلَّفة ـ الذين تجمَّعوا بعد تفرُّقهم في البلدان ـ فيهم من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ، وهم يقاتلون قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) ؟ أفبعد هذا يُعقل أنْ شيعته (عليه السلام) شركت في دمه ؟! إذ لا يُعقل أنْ قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) يقاتلون قتلته ، وكيف ذلك وعدد مَن قتله المختار (قدّس سرّه) من قتلة الحسين (عليه السلام) سبعون ألفاً (116) كما قِيل ؟
هذا مضافاً إلى ما تقدّم من أنَّ عبيد الله داهية من دواهي بني اُميّة ، وهو يعمل جاهداً حتّى لا يصل أحد من الشيعة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) لينصره في كربلاء وليس هو بالغبي حتّى يرسل إلى الإمام الحسين (عليه السلام) شيعته ، وهو يعلم بأنّ وصولهم له يقلب الموازين على بني اُميّة ، فما فعله ابن زياد هو قتل الشيعة وإبعادهم ، وعدم تمكينهم من أنْ يصلوا إلى نصرة إمامهم الحسين (عليه السلام) (117).
_______________________________________

(1) النجاء : السرعة في السير ، كما في لسان العرب ، ابن منظور 15 / 305 .
(2) تاريخ الطبري 3 / 277 ، الناشر دار الكتب العلميّة ـ بيروت ـ 1407 هـ ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 369 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 385 ، الناشر دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1415 هـ  ، مع اختلاف يسير لا يضرُّ بالمعنى ، البداية والنهاية ، ابن كثير 8 / 151 بإيجاز ، الناشر مكتبة المعارف ـ بيروت ـ .
(3) وفي الإمامة والسياسة 2 / 7 تحقيق الشيري ، 2 / 4 تحقيق الزيني : ( . . . أنْ يجمعنا بك على الهدى ) . وفي جواب الإمام الحسين (عليه السلام) لهم كما في تاريخ الطبري 3 / 278 : (( . . . أنْ يجمعنا على الهدى والحقّ )) .
(4) البداية والنهاية ، ابن كثير 8 / 151 ـ 152 ، تاريخ الطبري 3 / 278 ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير 3 / 385 ، ذكره مجملاً بقوله : ثمّ كتب إليه شبث بن ربعي و . . . و . . . بذلك .
(5) تاريخ اليعقوبي 2 / 241 ـ 242 ، الناشر دار صادر ـ بيروت ـ  تاريخ الطبري 3 / 277 ، وفيه : ولا رأي لهم غيرك فالعجل . . . بدل : لا إمام لهم غيرك ، البداية والنهاية ، ابن كثير 8 / 151 بإيجاز .
(6) تاريخ الطبري 3 / 287 .
(7) تاريخ الطبري 3 / 292 .
(8) مّن اطّلع على سيرة يزيد بن معاوية يعرف حال قوله : غير ألاّ تقتل . . . ، بل قد روى الخوارزمي خلافه في مقتله 1 / 308 ، كما يأتي بعد الانتهاء من رواية الطبري مباشرة . وأيضاً ما فعله ابن زياد من قتله مَن لمْ يقاتله ، كرسل الإمام الحسين (ع) وعبد الله بن عفيف وغيرهم موافقاً لوصية يزيد بن معاوية له على رواية الخوارزمي .
(9) تاريخ الطبري 3 / 293 ، تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر 18 / 306 ، قال : قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن الغساني ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أخبرنا هارون الميداني ، أخبرنا أبو سليمان بن زبر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني ، أخبرنا محمّد بن جرير الطبري ، قال : حدّث عن هشام بن محمّد الكلبي قال ، قال أبو مخنف : عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي قال : [ . . . ] ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم لابن الجوزي 5 / 329 ، مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1 / 309 .
(10) مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1 / 308 .
(11) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 388 .
(12) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 377 ـ 378 ، وفي معجم البلدان 5 / 18 العلع : ماء في البادية . وقيل : منزل بين البصرة والكوفة يبعد عن البصرة عشرين ميل . وفيه 4 / 374 ، القطقطانة : موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف ، به كان سجن النعمان بن المنذر . وقال أبو عبيد الله السكوني : القطقطانة بالطف ، بينها وبين الرهيمة مغرباً نيف وعشرون ميل .
(13) يأتي ذلك في الأمر العاشر تحت عنوان : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين$ .  
(14) تاريخ الطبري 3 / 218 .
(15) تاريخ الطبري 3 / 282 .
(16) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 11 / 44 .
(17) ممّا يدلّ على ذلك اجتماعهم مع ابن زياد في قصر الإمارة بالكوفة حين جاء من البصرة ، وأيضاً راجع الشهادة التي أقيمت على حجر بن عدي وأصحابه (رضوان الله عليهم) ، كما في تاريخ الطبري 3 / 224 - 231 .
(18) ففي تاريخ الطبري 3 / 279 ، البداية والنهاية 8 / 152 مع اختلاف يسير ، الأخبار الطوال للدينوري  /  231 ذكره بإيجاز ، مقتل الحسين (عليه السلام) ، الخوارزمي 1 / 287 ، تاريخ ابن خلدون 3 / 22 ، واللفظ للطبري قال :
قال هشام : قال عوانة : فلمَّا اجتمعت الكتب عند يزيد ـ ليس بين كتبهم إلاّ يومان ـ دعا يزيد بن معاوية سرجون مولى معاوية ، فقال : ما رأيك ؟ فإنّ حسيناً (ع) قد توجه نحو الكوفة ، ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين (ع) ، وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيّءٌ ، وأقرأه كتبهم ، فما ترى ؟ مَن أستعمل على الكوفة ؟ ـ وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد ـ فقال سرجون : أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم ، فأخرج عهد عبيدالله على الكوفة . فقال : هذا رأي معاوية ، ومات وقد أمر بهذا الكتاب . فأخذ برأيه وضمَّ المصرين إلى عبيد الله ، وبعث إليه بعهده على الكوفة .
ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي ـ وكان عنده ـ فبعثه إلى عبيد الله بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه معه ، أمَّا بعد :
فإنّه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع لشقِّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه ، والسلام .
فأقبل مسلم بن عمرو حتّى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأمر عبيد الله بالجهاز والتهيُّؤ والمسير إلى الكوفة من الغد .
(19) قال ابن كثير في البداية والنهاية 8 / 153 : . . . ودخلها في سبعة عشر راكباً . وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 388 ذكر : أنّ ابن زياد دخل الكوفة بمفرده .
(20) ففي مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1 / 289 ـ  290 ، قال : ولمَّا وصل عبيد الله بن زياد إلى باب قصر الإمارة ، قال مخاطباً النعمان بن بشير : افتح الباب ، لعنك الله ! فسمعها جماعة ، فقالوا : ابن مرجانة والله . ففتحوا الباب وتفرَّق الناس ، ونُودي بالصلاة جامعة فاجتمع الناس ، فخرج ابن زياد وقام خطيباً ، فقال : إنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، والإحسان إلى سامعكم ، والشدَّة على مريبكم ، وأنا متبع أمره ، ومنفِّذ فيكم عهده ، وأنا لمحبِّكم ومطيعكم كالوالد البرّ ، وسيفي وسوطي على مَن ترك أمري . . .
وفي الأخبار الطوال للدينوري  /  232 قال :
فنظر ابن زياد من تباشيرهم بالحسين (عليه السلام) إلى ما ساءه ، وأقبل حتّى دخل المسجد الأعظم ، ونُودي في الناس فاجتمعو ، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة ، إنّ أمير المؤمنين قد ولاّني مصركم وقسم فيئكم فيكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، والشدّة على عاصيكم ومريبكم ، وأنا منتهٍ في ذلك إلى أمره ، وأنا لمطيعكم كالوالد الشفيق ، ولمخالفكم كالسمّ النقيع ، فلا يبقين أحد منكم إلاّ على نفسه ، ثمّ نزل فأتى القصر فنزله ، وارتحل النعمان بن بشير نحو وطنه بالشام .
وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير 3 / 388 ، وفي ط 4 / 24 قال :
وقِيل : بل خطبهم من يومه ، فقال : أمَّا بعد ، فإنّ أمير المؤمنين ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم ، وأنا متبع فيكم أمره ، منفِّذ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم كالوالد البرّ ، ولمطيعكم كالأخ الشقيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي ، فليبقَ امرؤ على نفسه ، ثمّ نزل .
فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديد ، وقال : اكتبوا لي الغرباء ومَن فيكم من طلبه أمير المؤمنين ، ومَن فيكم من الحروريّة وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمَن كتبهم إليَّ فبريء ، ومَن لمْ يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف ، ولا يبغيَ علينا منهم باغٍ ، فمن لم يفعل فبرئت منه الذمة ، وحلال لنا دمه وماله ، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره ، وألغيت تلك العرافة من العطاء ، وسيِّر إلى موضع بعمان الزارة ، ثمّ نزل .  
(21) وقد ذكرنا ذلك مفصَّلاً في ترجمة ابن سعد من كتاب ( مقتل أبي عبد الله الحسين من موروث أهل الخلاف ) ، في الفصل السادس تحت عنوان : ابن سعد يتخيّر بين الجنّة والنار ، من تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر 45 / 49 ـ 50 ، تاريخ الطبري 3 / 310 ، الأخبار الطوال للدينوري / 253 .
قال ابن عساكر : قرأت على أبي الوفاء حفاظ بن الحسن بن الحسين ، عن عبد العزيز بن أحمد ، أخبرنا عبد الوهاب الميداني ، أخبرنا أبو سليمان بن زبر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن جعفر ، أخبرنا محمّد بن جرير الطبري قال ، قال هشام بن محمّد ، قال أبو مخنف : حدَّثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان ، قال :
كان سبب خروج عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفة يسير بهم إلى دستبي ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليه ، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري ، فأمره بالخروج ، فخرج فعسكر بالناس بحمام أعين .
فلمَّا كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان ، وأقبل إلى الكوفة دعا ابن زياد عمر بن سعد ، فقال له : سرْ إلى الحسين (عليه السلام) فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك . فقال له عمر بن سعد : إنْ رأيت أنْ تعفيني فافعل . فقال عبيد الله : نعم ، على أنْ تردَّ علينا عهدنا . قال : فلمَّا قال له ذلك ، قال له عمر بن سعد : أمهلني اليوم أنظر .
قال : فانصرف عمر ، فجعل يستشير نصحاءه ، فلمْ يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه ، قال : وجاءه حمزة بن المغيرة بن شعبة وهو ابن أخته ، فقال : أنشدك الله يا خال ، أنْ تسير إلى الحسين (عليه السلام) فتأثم بربّك ، وتقطع رحمك ، فوالله ؛ لأنّ تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها ـ لو كان لك ـ خير لك من أنْ تلقى الله بدم الحسين (عليه السلام) . فقال عمر بن سعد : فإنّي أفعل إنْ شاء الله .
(22) قال الخوارزمي في مقتله 2 / 280 :
وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقاً كثيراً من أهل الكوفة حتّى قِيل : إنّه قتل سبعين ألفاً ممّن قتل أو قاتل الحسين (عليه السلام) ، فتركه أصحابه لمَا في نفوسهم من الذحل على أقربائهم ، وتحوَّلوا إلى مصعب . فلمَّا رأى المختار ذلك نزل عن فرسه ، ونزل معه شيعة آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) الخلَّص فبركوا على أفواه السكك ، فلمْ يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح ، ثمّ قال له بعض أصحابه : أمَا والله ، أخبرتنا أنّا نقتل مصعب . فقال : بلى ، أمَا قال الله عزَّ وجلَّ : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) .  سورة الرعد / 39 .
(23) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي  /  254 ، وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيد الله الثقفي .
أقول : ويكفي المختار كرامة انتقامه لأهل البيت (عليهم السلام) ، ودعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) له عندما وصل رأسا ابن زياد وابن سعد إلى المدينة ، كما ورد في مصادرنا الشريفة ، فقد رواه الكشّي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال 1 / 341 ـ ونقله عنه السيّد الخوئي (رحمه الله)  في معجم رجال الحديث 19 / 103 ـ ، قال : حدَّثني محمّد بن مسعود ، قال : حدَّثني أبو الحسن عليّ بن أبي عليّ الخزاعي ، قال : حدَّثني خالد بن يزيد العمري المكّي ، قال : [ حدَّثني ] الحسن بن زيد بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) ، قال : حدَّثني عمر بن عليّ بن الحسين (عليهم السلام) :
أنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام)  لمَّا أتي برأس عبيد الله ابن زياد ورأس عمر بن سعد ، قال : فخرَّ ساجداً ، وقال : (( الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي ، وجزى الله المختار خيراً )) .
ولا بأس بذكر مايبيِّن شيئاً من مقام هذا الرجل العظيم من كلمات علمائنا الأعلام المستمدّة من أئمّتهم الأطهار (عليهم السلام) :
قال السيّد الخوئي (قدّس سرّه) في معجم رجال الحديث 19 / 102 :
12185 - المختار بن أبي عبيدة الثقفي : ذكره العلامة في القسم الأوّل (1) من الباب الـ (8) من حرف الميم ، وذكره ابن داود في القسم الثاني .
والأخبار الواردة في حقّه على قسمين : مادحة وذامَّة ، أمَّا المادحة فهي متضافرة ، منها ما ذكره الكشي :
إبراهيم بن محمّد الختلي ، قال : حدَّثني أحمد بن إدريس القمي ، قال : حدَّثني محمّد بن أحمد ، قال : حدَّثني الحسن بن عليّ الكوفي ، عن العبّاس بن عامر ، عن سيف بن عميرة ، عن جارود بن المنذر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : (( ما امتشطت فينا هاشميّة ولا اختضبت ، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) )) . وهذه الرواية صحيحة .
حمدويه، قال: حدَّثني يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن المثنى ، عن سدير ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال (ع) : (( لا تسبّوا المختار ، فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوَّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة )) .
محمّد بن الحسن ، وعثمان بن حامد قال : حدَّثنا محمّد بن يزداد ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن يسار ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عبد الله بن شريك قال : دخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) يوم النحر وهو متكئ ، وقد أرسل إلى الحلاق ، فقعدت بين يديه ، إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبِّلها فمنعه ، ثمّ قال (ع) : (( مَن أنت ؟ )) . قال : أنا أبو محمّد الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي . وكان متباعداً من أبي جعفر (عليه السلام) ، فمدَّ يده إليه حتّى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده ، ثمّ قال : أصلحك الله ! إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا ، والقول والله قولك . قال (ع) : (( وأيّ شيء يقولون ؟ )) . قال : يقولون كذّاب ، ولا تأمرني بشيء إلاّ قبلته . فقال (ع) : (( سبحان الله ، أخبرني أبي ـ والله ـ أنّ مهر اُمّي كان ممّا بعث به المختار ، أو لمْ يبّن دورنا ، وقتل قاتلينا ، وطلب بدمائنا ؟ رحمه الله .
وأخبرني ـ والله ـ أبي أنّه كان ليتمُّ عند فاطمة بنت عليّ (عليهما السلام) يمهِّد لها الفراش ويثني لها الوسائد ـ ومنها أصحاب الحديث ـ رحم الله أباك ! رحم الله أباك ! ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلاّ طلبه ، قتل قتلتنا ، وطلب بدمائنا )) .
ثمّ قال (قدّس سرّه) عن الروايات الذامّة في 19 / 105 : وهذه الروايات ضعيفة الأسناد جداً ، على أنّ الثانية منها فيها تهافت وتناقض ، ولو صحَّت فهي لا تزيد على الروايات الذامّة الواردة في حقّ زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد وأضرابهم .
وقال (قدّس سرّه) في 19 / 108 :
ويكفي في حسن حال المختار إدخاله السرور في قلوب أهل البيت (سلام الله عليهم) بقتله قتلة الحسين (عليه السلام) ، وهذه خدمة عظيمة لأهل البيت (عليهم السلام) يستحقّ بها الجزاء من قبلهم ، أفهل يحتمل أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) يغضّون النظر عن ذلك ، وهم معدن الكرم والإحسان ؟!
وهذا محمّد بن الحنفيّة بينما هو جالس في نفر من الشيعة ، وهو يعتب على المختار في تأخير قتله عمر بن سعد ، فما تمَّ كلامه إلاّ والرأسان عنده فخرَّ ساجد ، وبسط كفيّه وقال : اللهمّ ، لا تنسَ هذا اليوم للمختار ، واجزه عن أهل بيت نبيك محمّد (ص) خير الجزاء ، فوالله ، ما على المختار بعد هذا من عتب .
وقال عنه السيّد عليّ البرجرودي في طرائف المقال 2 / 589 ـ بعد نقله الأخبار المادحة ـ : . . . إلى غير ذلك من الأخبار المادحة ، وهي وإنْ كانت غير نقي السند إلاّ أنّ الرجل قد صدر منه الأمر العظيم والفعل الجسيم الذي قد عجز عنه الأثبات والثقات ، خصوصاً مع صدور الترحّم من الإمام (عليه السلام) عليه من طريق حسن ، فلا يعبأ بما ورد من الروايات الذامّة .
وقال العلامة المحقق الشيخ الأميني (أعلى الله مقامه المبارك) في كتابه الغدير 2 / 342 في التعرُّض لبعض من تأثرَّ بافتراءات خصماء المختار بن عبيد الله الثقفي  تحت عنوان ( الجواد قد يكبو ) :
لا ينقضي العجب ، وكيف ينقضي ؟! من مثل أبي تمام العريق في المذهب ، والعارف بنواميسه ، والبصير بأحوال رجالاته ، وما لهم من مآثر جمَّة ، وجهود مشكورة ، وهو جدُّ عليم بما لأضدادهم من تركاض وهملجة في تشويه سمعتهم ، وإعادة تاريخهم المجيد المملوء بالأوضاح والغرر ، إلى صورة ممقوتة محفوفة بشية العار ، مشفوعة كلّ هاتيك بجلبة ولغط ، وقد انطلت لديه أمثلة من تلكم السفاسف حول رجل الهدى ، الناهض المجاهد والبطل المغوار ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فحسب ما قذفته به خصماؤه الألداء في دينه وحديثه ونهضته حقائق راهنة ، حتّى قال في رائيّته المُثبتة في ديوانه / 114 :

والـهاشميون اسـتقلَّت عيرهم        مـن كـربلاء بـأوثق الأوتار
فشفاهم المختار منه ولم يكن          فـي ديـنه الـمختار بالمختار
حتّى إذا انكشفت سرائره اغتدوا          مـنه بـراء السمع والأبصار

ومن عطف على التاريخ والحديث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصيرة نفّاذة ، علم أنّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص ، وأنّ نهضته الكريمة لمْ تكن إلاّ لإقامة العدل باستئصال شأفة الملحدين ، واجتياح جذوم الظلم الاُموي ، وأنّه بمنزح من المذهب الكيساني ، وأنّ كلّ ما نبزوه من قذائف وطامّات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق ؛ ولذلك ترحَّم عليه الأئمّة الهداة سادتنا : السجاد والباقر والصادق (صلوات الله عليهم) .
وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقر (عليه السلام) ، ولمْ يزل مشكورً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله .
وقد أكبره ونزَّهه العلماء الأعلام ، منهم : سيدنا جمال الدين ابن طاوس في رجاله ، وآية الله العلامة في الخلاصة ، وابن داود في الرجال ، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته المسماة : بذوب النضار ، والمحقّق الأردبيلي في حديقة الشيعة ، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي ، والقاضي نور الله المرعشي في المجالس ، وقد دافع عنه الشيخ أبو عليّ في منتهى المقال ، وغيرهم .
وقد بلغ من إكبار السلف له أنّ شيخنا الشهيد الأوّل ذكر في مزاره زيارة تخصّ به ويُزار به ، وفيها الشهادة الصريحة بصلاحه ونصحه في الولاية وإخلاصه في طاعة الله ومحبّة الإمام زين العابدين (ع) ، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) عنه ، وأنّه بذل نفسه في رضا الأئمّة ونصرة العترة الطاهرة والأخذ بثأرهم .
والزيارة هذه توجد في كتاب  ( مراد المريد ) ، وهو ترجمة مزار الشهيد للشيخ عليّ بن الحسين الحائري ، وصحَّحها الشيخ نظام الدين الساوجي مؤلِّف ( نظام الأقوال ) . ويظهر منها أنّ قبر المختار في ذلك العصر المتقادم كان من جملة المزارات المشهورة عند الشيعة ، وكانت عليه قبَّة معروفة كما في رحلة ابن بطوطة 1 / 138 .
ولقد تصدَّى لتدوين أخبار المختار وسيرته وفتوحه ومعتقداته وأعماله جماعة من الأعلام فمنهم :
1 - أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ، المتوفَّى سنة 157 هـ ، له كتاب : [ أخذ الثأر في المختار ] .
2 - أبو المفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي العطار ، المتوفَّى سنة 212 هـ ، له : أخبار المختار  .
3  - أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أبي سيف المدايني ، المتوفَّى سنة 215 / 25 له : أخبار المختار .
4 - أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي ، المتوفَّى سنة 283 هـ ، له : أخبار المختار .
5 - أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، المتوفَّى سنة 302 هـ ، له : أخبار المختار .
6 - أبو جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمي الصدوق ، المتوفَّى سنة 381 هـ ، له : كتاب المختار .
7 - أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفَّى سنة 469 هـ ، له : [ مختصر أخبار المختار ] .
8 - أبو يعلى محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي خليفة شيخنا المفيد ، له : أخبار المختار .
9 - الشيخ أحمد بن المتوَّج ، له : الثأرات ، أو : قصص الثأر  ـ منظومة ـ .
10 - الفقيه نجم الدين جعفر الشهير بابن نما ، المتوفَّى سنة 645 هـ ، له : ذوب النضار في شرح الثار ،  طُبع برمّته في المجلد العاشر من البحار .
11 - الشيخ عليّ بن الحسين العاملي المروزي ، له : [ قرّة العين في شرح ثأرات الحسين (ع) ] فرغ منه 20 رجب سنة 1127 هـ .
12 - الشيخ أبو عبد الله عبد بن محمّد ، له : [ قرّة العين في شرح ثأر الحسين (ع) ] طُبع مع : [ نور العين ومثير الأحزان ] .
13 - السيّد إبراهيم بن محمّد تقي ، حفيد العلامة الكبير السيّد دلدار عليّ النقوي النصير آبادي ، له : [ نور الأبصار في أخذ الثأر ] .
14 - المولى عطاء الله بن حسام الهروي ، له : روضة المجاهدين ، طُبع سنة 1303 هـ .
15 - المولى محمّد حسين ابن المولى عبد الله الأرجستاني ، له : حملة مختارية .
16 - الكاتب الهندي نواب عليّ نزيل لكهنو ، له : نظارة انتقام ، طُبع في جزئين .
17 - الحاجّ غلام عليّ بن إسماعيل الهندي ، له : مختار نامه .
18 - سيدنا السيّد محسن الأمين العاملي ، له : [ أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثأر ] ، ط .
19 - السيّد حسين الحكيم الهندي ، له ترجمة : ذوب النضار ، لابن نما .
20 - السيّد محمّد حسين ابن السيّد حسين بخش الهندي ، المولود سنة 1290 هـ ، له : تحفة الأخيار في إثبات نجاة المختار .
21 - الشيخ ميرزا محمّد عليّ الأوردبادي ، له : [ سبيك النضار ، أو : شرح حال شيخ الثار ] في مائتين وخمسين صحيفة . وقد أدَّى فيه حقَّ المقال ، وأغرق نزعاً في التحقيق ، ولمْ يبقَ في القوس منزع ، قرأت كثيراً منه ، ووجدته فريداً في بابه ، لمْ يؤلَّف مثله ، جزاه الله عن الحقّ والحقيقة خيراً .
وله في المختار قصيدة على روي قصيدة أبي تمام ، عطف فيها على مديحه إطراء صاحبه ومشاطره في الفضيلة : إبراهيم بن مالك الأشتر ، وهي :
يـهـنـيك يا بطل الهدى والثارِ      مـا قـد حـويت بمدرك الأوتارِ
لـك عـنـد آل محمّد كم من يدٍ      مـشـكورة  جـلَّت عن الإكبار
عـرفـتك مقبلة الخطوب محنَّك      فـيـه جـنـان مـهذَّبٍ مغوارِ
أضرمت للحرب العوان لظىً به      أضـحت  بنو صخر وقود النارِ
وأذقـت نـغل سميّة بأس الهدى      و اُمـيّـة  كـأس الردى والعار
فـرأوا  هـواناً عند ضفَّة خاذرٍ      بـمـهـنَّـدٍ عـند الكريهة وارِ
فـرَّقت  جـمعهم العرمرم عنوةً      يـوم الـهـيـاج بـفيلق جرَّارِ
وفوارس من حزب آل المصطفى      أسـد الـوغى خوَّاضة الأخطار
وبـواسـل لـم تـغرهم وثباتهم      إلا بــكــل مـدجَّـج ثـوَّار
لـم يـعـرفوا إلا الإمام وثاره      فـتـشـادقوا  فـيـها بيا للثار
فـتـفرَّقت فـرقاً علوج  اُمـيّة      مـن كـلّ زنَّـاء إلـى خـمَّار
وأخـذت ثـاراً قـبله لم تكتحل      عـلـويَّـة مـذ أرزئـت بالثار
وعمرت  دوراً هدِّمت منذ العدى      بـالـطـف قد أودت بربِّ الدار
عـظم الجراح فلم يصب أعماقه      إلاك يـا حُـيِّـيـت من مسبار
فـــي نـجـدةٍ ثقفيَّة يسطو بها      في الروع من نخعٍ هزبرٌ ضاري
الـندب  إبراهيم من رضخت له      الـصـيـد الأباة بملتقى الآصار
مـن زانه شرف الهدى في سؤدد      وعــلاً يـفوح بها أريج نجار

حـشو الدروع أخو حجى من دونهii      iiهـضب الرواسي الشمّ في المقدار
إن يـحـكـه فـالليث في حملاتهii      iiوالـغـيـث فـي تسكابه المدرار
أو يـحـوه فـقـلـوب آل محمّدii      الـمـصـطـفـين السادة الأبرار
مـا  iإن يخض عند اللقا في غمرةٍ      iiإلا وأرسـب مَـنْ سـطـا بغمار
أو  يـمَّـم الـجـلَّـى بعزمٍ ثاقبٍ      إلا  iiوردَّ شــواظــهـا بـأوار
الـمـرتدي  iiحـلل المديح مطارفاً      iiوالـمـمـتـطـي ذللاً لكلّ فخار
وعـلـيـه كلّ الفضل قصرٌ مثلماii      كــلّ  iiالـثنا قصرٌ على المختار
عــن  iiمـجده أرج الكبا وحديثه      iiزهـت الـروابـي عنه بالأزهار
ومـآثـرٌ  iiمـثـل النجوم عدادها      iiقـد شـفِّـعـت بـمحاسن الآثار
وكــفـاه  iiآل مـحـمّد ومديحهم      iiعـمَّـا يـنـضَّـد فيه من أشعار
أسـفـي على أن لم أكن من حزبه      وكـمـثـلـهم عند الكفاح شعاري
فـهـنـاك إمَّـا مـوتة أرجو بهاii      أجـر الـشـهـادة في ثناءٍ جاري
أو  iiأنـنـي أحـظى بنيل المبتغى      مــن  iiآل حـرب مدركاً أوتاري
وأخوض  iiفي الأوساط منهم ضارباً      iiثـبـج الـعـدى بالمقضب البتَّار
ولأثـكـلـنَّ أرامـلاً فـي فـتيةٍii      نـشأوا  عـلى الإلحاد في استهتار
ومـشـيخة  iiقـد أورثوا كلّ الخنا      والــعـار  iiأجـريـة من الكفار
لكن على ما فيَّ من مضض الجوى      iiإذ لـم أكـن أحـمي هناك ذماري
لـم تـعـدنـي تلك المواقف كلّهاii      iiإذ أن مـا فـعـلـوا بها مختاري
فـلقد  iiرضـيت بما أراقوا من دمٍ      iiفـيـهـا لـكـلّ مـذمَّـم كـفار
ولأشـفـينَّ  iiالـنفس منهم في غدٍ      iiعـنـد اشـتـباك الجحفل الموَّار
يـــوم  iiابـن طـه عاقدٌ لبنوده      وجـنـوده تـلـتـاح في إعصار
تـشوي  iiالوجوه لظىً به نزَّاعة      لـشوى  iiالـكماة بأنصل وشفار
فهنالك الظفر المريح جوى الحشا      مــن  iiرازحٍ فـي كربه بأسار
ويتمُّ فيه القصد من عصب الولاii      iiلـبـنـي الهدى كالسيّد المختار
يـا  iiأيـها الندب المؤجِّج عزمه      وأمـيـن آل المصطفى الأطهار
يـا  iiنجعة الخطب الملمِّ وآفة ال      iiكـرب الـمـهمِّ وندحة الأوزار
لا غرو إن جهلت علاك عصابةٌii      iiفـالـقوم في شغل عن الإبصار
فلقد  iiبزغت ذُكاً وهل يزرى بها      إن  iiتعش عنها نظرة الإبصار؟!
لـك حـيث مرتبع الفخار مباءةii      ولـمـن  iiقـلاك مزلَّة الأغرار
ومـبـوَّء  لـك في جوار محمّد      iiومـلاذ عـتـرتـه حماة الجار
فـلـئن رموك بمحفظ من إفكهمii      فالطود  iiلا يلوى بعصف الذاري
أو  iiيـجـحـدوك مناقباً مأثورة      iiمـشـكورة في الورد والإصدار
فـلـك الحقيقة والوقيعة لم تزلii      iiعـن قدس مجدك في شفير هار
فـتـهـنَّ محتبياً بسؤددك الذيii      تــزورُّ  iiعـنـه جلبة المهذار
خـذهـا إلـيك قصيدة منضودةii      iiمـن جوهر أو من سبيك نضار
لــم  iiيـحكها نجم السماء لأنها      بـزغـت  بـشارقة من الأقمار
كـلا  iiولا ضاهى محاسن نظمها      مـا  iiعـن حطيئة جاء أو بشَّار
هـي غـادة زفَّت إليك ولم يشن      إقـبـالـها  iiبـدعـارة ونـفار
هـبَّـت  iiعـلـيك نسائمٌ قدسيَّةٌ      حـيَّـت  iiثـراك برحمة ويسار
وسقى  iiلإبراهيم مضطجع الهدى      iiودق الـغـمـام المرزم المكثار
مـا  نافح الروض النسيم مشفِّعاً         سـجع  الـبلابل فيه شدو هزار
يـتـلـو كما يتلى بكلّ صحيفةii      مــرَّ  iiالـعـشي وكرَّة الإبكار

ونكتفي بهذا المقدار من حال هذا الرجل العظيم ، ونسأل الله بمحمّد وآله (عليهم السلام) التوفيق لإفراد ما يتعلّق به بمؤلّف .
(24) تاريخ الطبري 3 / 459 . ويأتي تفصيل هذه النقطة في : حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من قتال الإمام الحسين (عليه السلام) .
(25) ذكرنا ما يبيّن شيئاً من حاله فيما جرى بينه وبين ابن عبّاس (رضوان الله عليه) ، في الفصل الثالث من كتاب : مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من موروث أهل الخلاف .
(26) فهل هؤلاء شيعة معتقدة بإمامة الإمام الحسين (عليه السلام) بالنص ؟ نعم ، هم محبُّون لأهل البيت (عليهم السلام) ، فإنَّ عظمة مصيبته (عليه السلام) قد أبكت الحجر الأصم ، وإلاّ كيف قبلوا بابن الزبير ؟
(27) مروج الذهب للمسعودي 3 / 283 ـ أيّام معاوية بن يزيد ـ : خبر ابن زياد ، تاريخ الطبري 3 / 375 ، وذكر بدل عمر بن سعد : عمر بن سعيد .
(28) مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 38 رواه عن تاريخ السلامي .
(29) مقتل الحسين للخوارزمي 1 / 324 ـ 326 .
(30) المراد منه : المختار بن عبيد الله الثقفي (قدّس سرّه) ، وقد تقدَّم عن قريب شيء من ترجمته في هامش : الدلالة السابعة من الأمر الخامس .
(31) مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 10 .
(32) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 393 .
(33) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 80 .
(34) نور العين في مشهد الحسين (عليه السلام) للإسفرايني / 48 .
(35) سورة الأنبياء / 24 .
(36) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 68 .
(37) ويأتي تفصيل هذا تحت عنوان : المتطرّفون من أهل الخلاف لا يختلفون عن قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) .
(38) تاريخ الطبري 3 / 319 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 397 بإيجاز ، الكامل في التاريخ 3 / 420 ، ولمْ يذكر تشبيه زهير (قدّس سرّه) بمؤمن آل فرعون ، البداية والنهاية 8 / 180 ، كذلك .
(39) تاريخ الطبري 3 / 320 ـ 321 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 398 ، الكامل في التاريخ 3 / 420 ـ 421 ، البداية والنهاية 8 / 181 باختلاف يسير .
(40) المستدرك ، الحاكم النيسابوري 3 / 164 .
أقول : خذ مثالاً ما جاء عن الحجّاج ومَن على شاكلته ، فقد روى الحاكم النيسابوري في المستدرك 3 / 164 ذلك ، قال :
حدَّثنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن عبد الله بن زياد النحوي ببغداد ، حدَّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر ، حدَّثنا بشر بن مهران ، حدَّثنا شريك ، عن عبد الملك بن عمير قال : دخل يحيى بن يعمر على الحجّاج .
وحدَّثنا إسحاق بن محمّد بن عليّ بن خالد الهاشمي بالكوفة ، حدَّثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التميمي ، حدَّثنا محمّد بن عبيد النحاس ، حدَّثنا صالح بن موسى الطلحي ، حدَّثنا عاصم بن بهدلة ، قال :
اجتمعوا عند الحجّاج ، فذُكر الحسين بن عليّ (عليهما السلام) ، فقال الحجّاج : لمْ يكن من ذرّيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، وعنده يحيى بن يعمر ، فقال له : كذبت أيُّها الأمير . فقال : لتأتينِّي على ما قلت ببينة ومصداق من كتاب الله عزَّ وجلَّ ، أو لأقتلنَّك قتلاً . فقال : ( . . وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى . . . ) ـ الأنعام / 84 ـ إلى قوله عزَّ وجلَّ : ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ . . . ) . الأنعام / 85 . فأخبر الله عزَّ وجلَّ أنّ عيسى (عليه السلام) من ذرّيّة آدم باُمِّه ، والحسين بن عليّ (عليه السلام) من ذرّيّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) باُمِّه . قال : صدقت ، فما حملك على تكذيبي في مجلسي ؟ قال : ما أخذ الله على الأنبياء ليبيّننه للناس ولا يكتمونه ، قال الله عزَّ وجلَّ : ( . . . فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثمّ ناً قَلِيلاً . . . ) . آل عمران / 178. قال : فنفاه إلى خراسان .
مع ما جاء من تصريح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك ، وما هو إلاّ لقطع جماح هؤلاء ومَن على شاكلتهم ، فقد روى الحاكم النيسابوري ، قال : حدَّثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة ، حدَّثنا محمّد ابن عثمان بن أبي شيبة ، حدَّثني عمِّي القاسم بن أبي شيبة ، حدَّثنا يحيى بن العلاء ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جابر قال ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( لكلِّ بني اُمٍّ عصبة ينتمون إليهم إلاّ ابني فاطمة ، فأنا وليهما وعصبتهم )) . هذا حديث صحيح الإسناد ، ولمْ يخرجاه .
وفي نيل الأوطار للشوكاني 6 / 138 : وفي حديث عن أسامة بن زيد ، أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، قال لعليّ (ع) : (( وأمَّا أنت يا عليّ فختني ، وأبو ولدي )) . رواه أحمد .
وعن أسامة بن زيد : أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال وحسن وحسين (عليهما السلام) على وركيه : (( هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهمّ ، إنِّي أُحبُّهم فأحبَّهما وأحبَّ من يحبُّهم )) . رواه الترمذي. وقال: حديث حسن غريب . وقال
البراء : عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) :
أنا النبيّ لا كـذب       أنا ابن عبد المطلب
وهو في حديث متّفق عليه . . . إلى أنْ يقول : وحديث أسامة بن زيد الأوّل قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث : منها عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني بلفظ : (( كلّ ولد اُم فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة (عليهم السلام) ، فإنّي أنا أبوهم وعصبتهم )) . وعن ابن عبّاس عند الخطيب بنحوه ، وعن جابر عند الطبراني في الكبير بنحوه أيضاً .
قال السخاوي في رسالته الموسومة بالإسعاف بالجواب على مسألة الأشراف ـ بعد أنْ ساق حديث جابر بلفظ : إنّ الله جعل ذرّيّة كلّ نبيّ في صلبه ، وإنّ الله جعل ذرّيّتي في صلب عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ـ ما لفظه : وقد كنت سألت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه وبيَّنت أنّه صالح للحجّة وبالله التوفيق ، اه .
أقول : وتوجد أخبار أخر بهذا المضمون ، وما نقلناه فيه كفاية للرشيد .
(41) مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 1 / 352 ـ 353 .  
(42) الأحزاب / 23.
(43) تاريخ الطبري 3 / 324 ـ 325 ، الكامل في التاريخ 3 / 424 ، البداية والنهاية 8 / 182 ، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 18 ـ 19 .
(44) تاريخ الطبري 3 / 326 ـ 327 ، الكامل في التاريخ 3 / 425 ـ 426 ، البداية والنهاية 8 / 183 بإيجاز ، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 22 بإيجاز .
(45) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 70 ـ 71 .
(46) تاريخ الطبري 3 / 323 324 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 400 ، الكامل في التاريخ 3 / 423 ، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 26 ولمْ يذكر ما جرى مع أخيه .
(47) سورة آل عمران / 178 ، 179 .
(48) مقتل الحسين عليه السلام ، للخوارزمي 1 / 355 .
(49) مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 1 / 352 ـ 353 .
(50) نور العين في مشهد الحسين (عليه السلام) ، أبو إسحاق الإسفرايني / 34 ، وفي ط / 29 ـ 30 .
(51) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 70 .
(52) تاريخ الطبري 3 / 323 ، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 14 ـ 15 بإيجاز .
(53) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 390 .
(54) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 68 .
(55) مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 39 - 41 .
(56) تاريخ الطبري 2 / 334 المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ، ابن الجوزي 5 / 340 ، مقتل الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 39 ـ 41 ، مقاتل الطالبيّين ، أبو الفرج الأصفهاني / 79 ، نهاية الإرب في فنون الأدب للنويري / 12570 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
(57) مقتل الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 2 / 42 .
(58) وفي هذه النسخة : له ، والصحيح ما أثبتناه .
(59) ينابيع المودّة لذوي القربى ، القندوزي 3 / 82 ـ 84 .
(60) مقتل الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 2 / 43 .
(61) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي / 228 ، طبعة منشورات الشريف الرضيّ .
(62) تاريخ الطبري 3 / 334 .
(63) هو : الأسود بن خالد ، كما في كتاب اللهوف في قتلى الطفوف .
(64) تاريخ الطبري 3 / 334 .
(65) مقتل الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 2 / 42 .
(66) مقتل الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 2 / 43 .
(67) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 409 .
(68) غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة للوطواط / 924 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
(69) نور العين في مشهد الحسين (عليه السلام) ، أبو إسحاق الإسفرايني / 51 ، وفي ط 43 ـ 44 .
(70) وفي كتاب اللهوف في قتلى الطفوف ، للسيد ابن طاووس الحسني (قدّس سرّة) / 80 : قال أبو عمر الزاهد : فنظرنا إلى هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعاً أولاد زناء ، وهؤلاء أخذهم المختار فشدَّ أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتّى هلكوا .
(71) تاريخ الطبري 3 / 335 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 411 ، مروج الذهب ، المسعودي 3 / 259 ، منشورات الشريف الرضيّ ، الاتحاف في حبّ الأشراف للشبراوي / 53 ، ط أمير قم .  
(72) وفيه تصحيف ، وهو : عمر بن سعد . ويتّضح ذلك بمراجعة المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ، ابن الجوزي 5 / 341 .
(73) المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ، ابن الجوزي 5 / 341 .
(74) البداية والنهاية 2 / 189 ، وفي ط / 206 ، استشهاد الحسين (عليه السلام) ، الفاضل المعاصر الدكتور محمّد جميل غازي / 105 ، وقد خرَّجه من كتاب الحافظ ابن كثير ، ط مطبعة المدني المؤسّسة السعوديّة بمصر ،  إحقاق الحقّ 33 / 694 .
(75) مقتل الحسين (عليه السلام) ، للخوارزمي 2 / 44 .
(76) غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائص الفاضحة ، للوطواط / 924 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
(77) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي / 228 ، طبعة منشورات الشريف الرضيّ .  
(78) نهاية الإرب في فنون الأدب للنويري  / 12576 ، نسخة برنامج الموسوعة الشعريّة .
أقول : وما عليه الفرقة المحقّة أنّه (عليه السلام) دفن مع أصحابه بعد ثلاثة أيّام ، لأنّه لمْ يكن أحد يجرأ على دفنه (عليه السلام) والجيش بعدُ لمْ يرحل ، قال الدينوري في الأخبار الطوال / 259 : وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين (عليه السلام) يومين ، ثمّ أذن في الناس بالرحيل ، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح ، وكانت اثنين وسبعين .
(79) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 412 .
(80) تاريخ الطبري 3 / 336 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 412 ، مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للخوارزمي 2 / 44 ـ 45 .
(81) تاريخ الطبري 3 / 342 ، أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 412 ، المنتظم في تاريخ الملوك والاُمم ، ابن الجوزي 5 / 341 .
(82) الأخبار الطوال ، الدينوري / 259 .
(83) البداية والنهاية ، ابن كثير 8 / 206 ، وفي ط / 204 .
(84) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري / 146 .
(85) كما هو مشرب القوم في التوثيق والتعديل .
(86) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصَّل ، وإنّما اكتفيت بما في تذكرة الخواص لإيجازه .
(87) في المطبوع : وتقاعدوا ، والظاهر ما أثبتناه .
(88) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي / 253 ـ 254 .
(89) الكافي ، الكليني 4 / 147 .
(90) وقد ذكرنا في كتاب مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من موروث أهل الخلاف ما جرى بين ابن الزبير وبين ابن عبّاس ، وما يكنُّه ابن الزبير في أحداث مكّة المكرمة ، وأنّ الناس في مكّة لا يعدلون به (عليه السلام) أحداً ، وأيضاً تفرُّق مَن خرج من الناس مع الإمام الحسين (عليه السلام) من مكّة حينما سمعوا بمقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام) .
(91) وممّا يدل على ذلك بوضوح كتاب شبث بن ربعي وحجّار بن أبجر وغيرهما من الخوارج ، كما ذكرناه في كتاب المقتل ، وسنذكره في تراجم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام) .
(92) أنساب الأشراف ، البلاذري 3 / 393 .
(93) الاعتقاد بأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أهل العدل والتقوى مع عدم الاعتقاد بإمامته لا يقتضي عدم التخلّي عنه (عليه السلام) للمصالح والأغراض الدنيويّة ، وهذا عيناً مثل السارق من الصلحاء ، فإنّه مع اعتقاده بصلاحهم يسرقهم لمصلحة نفسه وإنْ كان يحبّهم ويثني عليهم .
وهذا بخلاف مَن يعتقد بإمامته (عليه السلام) وأنَّه لا يكون مؤمناً إلاّ بالإيمان به ، ويعتقد بوجوب طاعته كطاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ونصرته كنصرته (صلّى الله عليه وآله) ، وأنّ الله لا يقبل عمل عامل إلاّ بالتسليم والولاية له والبراءة من عدوِّه ؛ فإنّه لا يتعدَّى عليه فضلاً عن الفتك به ، بل يتطلَّب رضاه ، وهذا ماصرّح به المؤرِّخون من أنّ قلوب الكوفيّين ـ الذين يُقِرُّون بفضله ، ولكن لا يعتقدون بإمامته ـ مع  
الحسين (عليه السلام) ، ولكن سيوفهم عليه ، فهؤلاء من الكوفيّين لا يختلفون عن السارق من الصالحين .
روى ذلك الطبري في تاريخه 3 / 296 ، وابن كثير في البداية والنهاية 8 / 166 ـ 167 ، والبلاذري ، أنساب الأشراف 3 / 376 ، وقد ذكره بأكثر من خبر فيما جرى بين الإمام الحسين (عليه السلام) والفرزدق ـ واللفظ للأوّل ، قال :
قال أبو مخنف : عن أبي جناب ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم والمذري ، قال : أقبلنا حتّى انتهينا إلى الصفاح ، فلقينا الفرزدق بن غالب الشاعر ، فوَاقَفَ حسيناً (عليه السلام) ، فقال له : أعطاك الله سؤلك ، وأمَّلك فيما تحبّ . فقال له الحسين (عليه السلام) : (( بيِّنْ لنا نبأ الناس خلفك ؟ )) . فقال له الفرزدق : من الخبير سألت ، قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني اُميّة ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء . فقال له الحسين (عليه السلام) : (( صدقت ، لله الأمر ، والله يفعل ما يشاء ، وكلّ يوم ربُّنا في شأن ، إنْ نزل القضاء بما نحبُّ فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر ، وإنْ حال القضاء دون الرجاء ، فلمْ يعتدّ مَن كان الحقُّ نيّته والتقوى سريرته )) . ثمّ حرَّك الحسين (عليه السلام) راحلته ، فقال : (( السلام عليك )) . ثمّ افترق .
وروى ابن العديم في بغية الطلب في تاريخ حلب 2 / 2614 ، قال :
أنبأنا أبو عليّ الحسن بن هبة الله بن الحسن بن عليّ الدوامي ، قال : أخبرنا القاضي محمّد بن عمر ابن يوسف الأرموي ، قال : أخبرنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد بن عليّ بن المأمون ، قال : أخبرنا الشريف أبو الفضل محمّد بن الحسن بن الفضل بن المأمون ، قال : حدَّثنا أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباري ، قال : حدَّثنا محمّد بن يونس ، قال : حدَّثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ، قال : حدَّثني ليطة بن الفرزدق ، عن أبيه قال :
حججت ، لمَّا كنت بذات عرق لقيني الحسين بن عليّ (عليهما السلام) يريد الكوفة ، فقصدته فسلَّمت عليه ، فقال لي : (( ما خلَّّفت لنا وراءك بالبصرة ؟ )) . فقلت : قلوب القوم معك وسيوفهم مع بني اُميّة ، فقال (ع) : (( ما أشكّ في أنّك صادق ، الناس عبيد الدنيا ، والدين لغو على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت به معائشهم ، فإذا استنبطوا قلَّ الديَّانون )) .
وروى ذلك أيضاً الخوارزمي في مقتله 1 / 321 ، وقد ذكرنا ذلك في كتاب المقتل في طريق الإمام الحسين (عليه السلام) إلى العراق .
(94) راجع ما ذكرناه في ترجمة يزيد بن معاوية من مثالبه في كتاب : مقتل أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) من موروث أهل الخلاف ، في الفصل السادس ، وقد ذكرنا هنا شيئاً من ذلك .
(95) تاريخ الطبري 3 / 294 ، قال :
وذكر هارون بن مسلم ، عن عليّ بن صالح ، عن عيسى بن يزيد : أنّ المختار بن أبي عبيد ، وعبد الله ابن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم ، خرج المختار براية خضراء ، وخرج عبد الله براية حمراء ، وعليه ثياب حمر ، وجاء المختار برايته ، فركزها على باب عمرو بن حريث ، وقال : إنّما خرجت لأمنع عمراً ، وأنّ ابن الأشعث والقعقاع بن شور ، وشبث بن ربعي قاتلوا مسلماً وأصحابه ـ عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد ـ قتالاً شديداً ، وأنّ شبثاً جعل يقول : انتظروا بهم الليل
يتفرَّقوا ، فقال له القعقاع : إنّك قد سددت على الناس وجه مصيرهم ، فافرج لهم ينسربوا ، وأنّ عبيد الله أمر أنْ يطلب المختار وعبد الله بن الحارث ، وجعل فيهما جعل ، فأتي بهما فحبسا ، وفي هذه السنة كان خروج الحسين (عليه السلام) من مكّة متوجِّهاً إلى الكوفة .
(96) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 3 / 394 : . . . حض سليمان على الجهاد ، وسار في ألوف لحرب عبيد الله بن زياد . . . إلخ .
(97) وفي مقتل ميثم التّمار (قدّس سرّه) بنقل ابن حجر العسقلاني ما يبيّن حبس المختار ، وأيضاً ما فعل بميثم (قدّس سرّه) في الكوفة قبل وصول الحسين (عليه السلام) إلى العراق بعشرة أيّام ، فقد ذكر في الإصابة 6 / 250 ، قال : ميثم التّمار الأسدي ، نزل الكوفة ، وله بها ذرّيّة . ذكره المؤيّد بن النعمان الرافضي في مناقب عليّ (ع) عنه ، وقال : كان ميثم التّمار عبداً لامرأة من بني أسد ، فاشتراه عليّ (عليه السلام) منها وأعتقه . وقال (ع) له : (( ما اسمك ؟ )) . قال : سالم . قال : (( أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ اسمك الذي سمَّاك به أبواك في العجم ميثم )) . قال : صدق الله ورسوله (صلّى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والله إنه لاسمي .  قال (ع) : (( فارجع إلى اسمك الذي سمَّاك به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودع سالم )) . فرجع ميثم واكتنى : بأبي سالم .
فقال عليّ (عليه السلام) ذات يوم : (( إنّك تُؤخذ بعدي فتُصلب وتُطعن بحربة ، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دماً فتخضب لحيتك ، وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة ، وأنت أقصرهم خشبةً ، وأقربهم من المطهرة ، وامضِ حتّى أريك النخلة التي تُصلب على جذعها ، فأراه إيّاها )) .
فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله بن زياد ، فأُدخل عليه ، فقِيل له : هذا كان آثر الناس عند عليّ (عليه السلام) . قال : ويحكم ! هذا الأعجمي ؟ فقِيل له : نعم . فقال له : أين ربّك ؟ قال : بالمرصاد للظلمة ، وأنت منهم . قال : إنّك على أعجميتك لتبلغ الذي تُريد ، أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك ؟
قال : أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة ، وأنا أقصرهم خشبةً وأقربهم من المطهّرة . قال : لنخالفنّه . قال : كيف تخالفه ؟! والله ، ما أخبرني إلاّ عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عن جبرائيل عن الله ، ولقد عرفت الموضع الذي أُصلب فيه ، وإنّي أوَّل خلق الله أُلجم في الإسلام . فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيد ، فقال ميثم للمختار : إنّك ستُفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السلام) فتقتل هذا الذي يُريد أنْ يقتلك .
فلمَّا أراد عبيد الله أنْ يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلّية سبيله فخلاه ، وأمر بميثم أنْ يُصلب ، فلمَّا رفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث ، قال عمرو : قد كان والله يقول لي : إنّي مجاورك . فجعل ميثم يحدِّث بفضائل بني هاشم ، فقِيل لابن زياد : قد فضحكم هذا العبد ، قال : ألجموه . فكان أوَّل مَن أُلجم في الإسلام ، فلمَّا كان اليوم الثالث من صلبه طُعن بالحربة فكبَّر ، ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دم . وكان ذلك قبل مقدم الحسين (عليه السلام) العراق بعشرة أيّام .
(98) انظر إلى ما قاله عبيد الله بن الحرّ حينما طلب منه الإمام الحسين (عليه السلام) النصرة واعتذر له بقوله : يابن رسول الله ! لو كان بالكوفة لك شيعة وأنصار يقاتلون معك لكنت أنا من أشدِّهم على عدوّك ، ولكن ـ يابن رسول الله (ص) ـ رأيت شيعتك بالكوفة قد لزموا منازلهم خوفاً من سيوف بني اُميّة . مقتل الخوارزمي 1 / 326 .
وكان ميثم يأتيها فيصلّي عنده ، ويقول : بُوركت من نخلة ، لكِ خُلقتُ ، ولي غذيت .
فلمْ يزل يتعاهدها حتّى قُطعت ، ثمّ كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له : إنّي مجاورك فأحسن جواري . فيقول له عمرو : أتريد أنْ تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يُريد .
ثمّ حجّ في السنة التي قُتل فيها ، فدخل على اُمِّ سلمة اُمِّ المؤمنين ، فقالت له : مَن أنت ؟ قال : أنا ميثم . فقالت : والله لربما سمعت من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يذكرك ويوصي بك عليّاً (ع) ، فسألها عن الحسين (عليه السلام) فقالت : هو في حائط له . فقال : أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه فلمْ أجده ، ونحن ملتقون عند ربِّ العرش إنْ شاء الله تعالى . فدعت اُمُّ سلمة بطيب فطيَّبت به لحيته . فقالت له : أمَا إنّها ستُخضب بدم .
(99) تقدّم ذلك تحت عنوان : منع الشيعة من الوصول إلى الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء .
(100) وسأذكر ما ذكره الطبري في المقام مفصلاً تحت عنوان : حقائق تاريخيّة تبيِّن موقف الشيعة من مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) ، وإنّما اكتفيتُ بما في تذكرة الخواص لإيجازه .
(*) تقدّم الردّ على ابن الجوزي تحت عنوان : اشتراك أهل الأمصار في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) .
(101) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي / 253 ـ 254 .
(102) سير أعلام النبلاء ، الذهبي 4 / 37 .
(103) تاريخ الطبري 3 / 390 .
(104) سورة فاطر / 37 .  
(105) سورة البقرة / 54 .
(106) سورة الأنفال / 60 .
(107) سورة الشعراء / 227 .
(108) تاريخ الطبري 3 / 390 ـ 394 .
(109) سورة آل عمران / 103.
(110) تاريخ الطبري / 3 394 ـ 395 .
(111) سير أعلام النبلاء، الذهبي 3 / 394 ، تهذيب التهذيب ، ابن حجر 4 / 175.
(112) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي / 254 . وذكر قبل هذا المقطع بعض مثالب المختار بن عبيد لله الثقفي ، وقد تقدّم الردّ على هذا في ترجمة المختار (قدّس سرّه) في الهامش الثاني من هوامش الدلالة السابعة من الأمر الخامس : كثرة الاُمويّين وأتباعهم في الكوفة آنذاك .
(113) تاريخ الطبري 3 / 458 .
(114) تاريخ الطبري 3 / 459 .
(115) تاريخ ابن خلدون 3 / 25 .
(116) قال الخوارزمي في مقتله 2 / 280 :
وكان المختار قد قتل بالكوفة خلقاً كثيراً من أهل الكوفة حتّى قِيل : إنّه قتل سبعين ألفاً ممّن قتل أو قاتل الحسين (عليه السلام) ، فتركه أصحابه لمَا في نفوسهم من الذحل على أقربائهم ، وتحوَّلوا إلى مصعب . فلمَّا رأى المختار ذلك نزل عن فرسه ، ونزل معه شيعة آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) الخلَّص ، فبركوا على أفواه السكك ، فلمْ يزالوا يقاتلون من المغرب إلى الصبح ، ثمّ قال له بعض أصحابه : أمَا والله ، أخبرتنا أنا نقتل مصعباً . فقال : بلى، أمَا قال الله عز وجل : ( يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) . سورة الرعد / 39 .
(117) تقدّم : بيان ذلك مفصلاً في الأمر الثاني .



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page