• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأمر الخامس ما تفرّد به الإمام علي (عليه السلام) عن غيره من الصحابة

ما تفرّد به الإمام علي (عليه السلام) عن غيره من الصحابة
لقد تمتّع الإمام علي(عليه السلام) بمميزات اُخرى قد منحته له يد الغيب، بغية أداء مهمة الإمامة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) كعلم الغيب الموهوب منه سبحانه، ولهذا نجده يخبر عن حوادث مستقبلية تحققت فيما بعد.كما حُظي(عليه السلام) بنشاط من قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد ركّز فيه على أهمية حماية خطّ علي(عليه السلام)من بعد وفاته(صلى الله عليه وآله) وبهذا الصدد نلاحظ جملة من الروايات تنصّب في تنبيهاتها على مستقبل الرسالة وتركّز في الوقت نفسه على ضرورة التمسك بخطّ علي(عليه السلام) .
ومن ثم نجد نشاطاً آخر قد قام به الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو التصدي لأعداء علي(عليه السلام) ومبغضيه، وهذه العناية من قبل الله ورسوله لعلي(عليه السلام)لم نجدها قد مورست في حق غيره.

أولاً : التصدي القرآني لأعداء علي(عليه السلام)
استخدم القرآن من خلال كشفه لصفات علي(عليه السلام)وسلوكه الإلهي سابق الذكر، اُسلوب ربط الناس حول علي(عليه السلام)لأنه المنقذ من الضلالة، وخطّه الإلهي هو الفصل بين الحق والباطل ، وتمثل مواقفه القرآنية المعيار الحق الذي توزن به الأعمال. من هذا المنطلق يتوسع القرآن في طلبه في العلاقة مع علي لتكون أكثر من البعد الذهني والعقلي، فتمتد الى الإنشداد العاطفي والمحبة الصادقة كشرط ولائي يدفع الى العمل والتطبيق والإنضمام تحت خطّ علي(عليه السلام)لذا قال تعالى: ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) [1] .
فعن ابن عباس، قال : لما نزلت ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة، والحسن والحسين» [2] . وبالوقت الذي يؤكد فيه القرآن الكريم على وجوب مودّة علي(عليه السلام)ومحبته يتصدى من جانب آخر لمن يبغض علياً ويقف منه موقف العداء حيث يصنفه في شريحة المنافقين، لأن الإمام هو الرمز الإلهي في الأرض الذي يمتحن الله فيه القلوب ، ولا نجد من تمتع بهذه الخصوصية غير علي(عليه السلام).
فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى:( وقفوهم إنّهم مسؤولون) [3] وعن أبي سعيد الخدري عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «عن ولاية علي بن أبي طالب» [4] .
أ مّا قوله تعالى: ( ولتعرفنّهم في لحن القول) [5] عن أبي سعيد الخدري، قال: (ببغضهم علياً(عليه السلام)) [6] .
وتبين الآية الكريمة التالية مدى علاقة الإمام بالرسول حيث جعلت الموقف السلبي من علي يتضمن الموقف نفسه من رسول الله، ففي قوله تعالى: ( وشاقّوا الرّسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى) [7] . قال(صلى الله عليه وآله): «في أمر عليّ(عليه السلام)» [8] .
وهكذا بقي القرآن الكريم يهاجم في كثير من آياته من كذّب رسول الله(صلى الله عليه وآله) في قضية قرب رسول الله من علي وتفرده بالخصوصيات والمهمات التي كان(صلى الله عليه وآله) يمنحها لعلي(عليه السلام) وكشف القرآن ذات الرسول وأذيته النفسية التي كان يتلقاها من مبغضي علي(عليه السلام).
فجاء في قوله تعالى: ( فمن أظلم ممّن كذب على الله وكذّب بالصدق) [9] هو من ردّ قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) في علي(عليه السلام) [10] .
أما قوله تعالى: ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً واثماً مبيناً) [11] تفضح مظالم المنافقين لعلي وتبين نزاهته فقد ورد أنها نزلت في علي(عليه السلام)، لأن نفراً من المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه [12] . وتوضح الآية الكريمة التالية أيضاً على أن الله ينتقم من أعدائه بعلي ، وبهذا يستلزم أن كل من قاتل عليّاً (عليه السلام) هو عدو الله: ( فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون) [13] . قال ابن عباس : بعلي(عليه السلام) [14] .
وعن أبي عبدالله الجدلي قال: قال لي علي(عليه السلام): «ألا اُنبئك بالحسنة التي من جاء بها أدخله الله الجنة والسيئة التي من جاء بها أكبّه الله في النار ولم يقبل منه عملاً ؟ قلت بلى: ثم قرأ ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون* ومن جاء بالسّـيّئة فكبّت وجوهم في النار) [15] ثم قال: يا أبا عبدالله! الحسنة حبّنا والسيئة بغضنا» [16] .
ولحق الخطاب القرآني في تصديه لأعداء الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) نشاطُ الرسول(صلى الله عليه وآله)حيث ورد عدد من الروايات تصنف في دلالتها الناس الى من هو محب لعلي ومن هو مبغض له ، ولا تفكك بين من يحب الرسول(صلى الله عليه وآله)ومن لا يحب علياً، وإنما الإيمان هو الحب لهما معاً لأن رسالتهما واحدة.
جاء في مسند أحمد من عدة طرق أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «من آذى عليّاً فقد آذاني» [17] و«أيها الناس من آذى علياً بُعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً» [18] .
وفي مسند أحمد أيضاً: أن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: «لا يُحبّك إلاّ مؤمن، ولا يُبغضك إلاّ منافق» [19] .
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) مشيراً الى أمير المؤمنين: «أيها الناس امتحنوا أولادكم بحبّه فإن علياً لا يدعو الى ضلالة ، ولا يُبعد عن هدىً فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم» [20] .

ثانياً: أنشطة الرسول وحمايته المستقبلية لخطّ الإمامة:
ركّز الرسول(صلى الله عليه وآله) في ذهن الاُ مّة أهمية دور الإمام علي(عليه السلام)وضرورة حماية خطّه ولزوم التمسك به الذي ينجي الاُ مّة ويحصنها من مزالق التيه والإنحراف ولهذا أشار(صلى الله عليه وآله)لعمار: «ستكون في اُمتي بعدي هناة واختلاف، حتى يختلف السيف فيهم حتى يقتل بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض يا عمار! من تقلّد سيفاً أعان به علياً على عدوّه; قلده الله يوم القيامة وشاحين من دُرّ ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّه; قلّده الله وشاحين من نار، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الذي عن يميني ـ يعني عليّاً». [21]
فقد أشار القرآن الكريم الى المحن التي تتعرض لها الاُ مّة بعد الرسول، حيث تؤدي الى تشقق الاُمّة واختلاف كلمتها مما تكون نتيجة ذلك دخول كثير من الطوائف المتناحرة في النار ولا تنجو إلاّ الفرقة التي تتولى الإمام علي(عليه السلام) وتتبع خطّه ، وبهذا يسجل الإمام أرقى قيمة في فضله على الباقين من المسلمين. فقد جاء في قوله تعالى:
( إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعاً) [22] قال زاذان أبو عمر: قال لي علي(عليه السلام): «أبا عمر! أتدري على كم افترقت اليهود؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية. أتدري على كم تفترق هذه الاُ مّة؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال: تفترق الى ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية.
أتدري على كم تفترق فيَّ ؟ قلت: وإنه لتفترق فيك؟ قال: نعم تفترق فيَّ اثنتي عشرة فرقة كلها في الهاوية إلاّ واحدة هي الناجية وأنت منهم يا أبا عمر» [23] .
وآية: ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [24] .
تؤكد كون الإمام هو المرجع بعد الرسول في حالة إلتباس الاُمور وطغيان المحن وعدم معرفة الصحيح من الاستفهامات الطارئة والمستجدات ، فقد جاء في تفسيرها عن جابر الجعفي قال: لما نزلت (فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، قال علي(عليه السلام): نحن أهل الذكر [25] . وبهذا يكون عليّ الإمام للفرقة الناجية وهو المعلم لغيره من الصحابة ، مخافة الانخراط من غير علم ضمن الفرق الضالة. عن أبي سعيد الخدري يقول: كنا جلوساً ننتظر رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال: فقمنا معه فانقطعت نعله فتخلف عليها علي(عليه السلام) يخصفها، فمضى رسول الله(صلى الله عليه وآله)ومضينا معه ثم قام ينتظره وقمنا معه ، فقال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال(صلى الله عليه وآله): لا ولكنه خاصف النعل، قال: فجئنا نبشّره ، قال في أحدهما وكأنه قد سمعه وقال في الآخر فلم يرفع به رأساً كأنه قد سمعه [26] .
وتمييزاً لخطّ الإمام عن غيره من الناحية المصداقية لتكون البيّنة آ كد ولا تبقى حجة بيد المناوئين للإمام ، فقد قال(صلى الله عليه وآله) لعمار الموالي لعلي والمناصر له : تقتلك الفئة الباغية.
عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولابنه علي: «انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه، قال: فانطلقا فإذا هو في حائط له، فلمّا رآنا أخذ رداءه فجاءنا فقعد ، فأنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد، قال: كنّا نحمل لبنة لبنة وعمار ابن ياسر يحمل لبنتين لبنتين ، قال: فرآه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فجعل ينفض التراب عنه ويقول: يا عمار ألا تحمل لبنة كما يحمل أصحابك؟ قال: إني اُريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قال: فجعل عمار يقول: أعوذ بالرحمن من الفتن» [27] . ومن إشارات الرسول وتنبيهاته للحوادث المستقبلية، والتي تتضمن الكشف عن صفة الاندماج والاتحاد بين خطّ الإمام علي وخطّ الرسالة ، وكونه الامتداد الشرعي لها ، وتحقق في الوقت نفسه حصانة الاُمّة ووقايتها من ضرر شعارات الضلالة ودعوات الانحراف ، فقد حذّر(صلى الله عليه وآله)من خطورة حركة الخوارج التي تظهر فيما بعد ومناوأتها لعلي(عليه السلام)، بهذا التنبيه يمثل الإمام علي خط الإمامة والمجسِّد للقيم الإلهية . أما باقي الدعوات فتتهاوى نحو الحضيض والإنحراف. فعن أبي سعيد الخدري قال: (بينما نحن عند رسول الله(صلى الله عليه وآله)وهو يقسّم قسماً أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بني تميم ـ فقال: يا رسول الله إعدل ، فقال: ويلك ومن يعدل إذ لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فيه فأضرب عنقه؟ قال: دعه فإن له اصحاباً يحقر صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ـ الى أن قال ـ آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر دراً ويخرجون على خير فرقة من الناس. قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأشهد أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس فاُتي به حتى نظرت اليه على نعت النبي(صلى الله عليه وآله)الذي نعت به) [28] .
وجاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله) روايات اُخرى تتجه نحو حماية الإمام علي(عليه السلام) وعلى نحو الاطلاق، أي تبيّن أفضلية الإمام علي(عليه السلام)على غيره، سواء من قد كان عاصره من المسلمين مع النبي(صلى الله عليه وآله) أو مَن يأتي مستقبلاً، وتوضح أيضاً أن سلوك الإمام ومواقفه لا تمثل حالة طارئة تنتزع عنه في ظرف آخر، وإنما تمسّك علي بالحق ، أو علاقة علي بالحق والحق بعلي علاقة إتحاد المفهوم بالمصداق. فقد روي عن ثابت مولى أبي ذر قال: دخلت على اُم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر علياً(عليه السلام)وقالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول : «عليٌّ مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» [29] .
وجاء أيضاً عن النبي من عدة طرق: «إن علياً مني وأنا من علي، وهو وليُّ كل مؤمن بعدي، لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي» [30] .

ثالثاً: الاخبارات الغيبية والكرامات عند علي(عليه السلام):
لقد امتاز الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) على باقي الصحابة بكرامات عديدة حتى شكلت إخباراته بالحوادث المستقبلية ظاهرة مشهودة في حياته، فمن ضمن ما أخبر به وتحقق خارجاً ما يلي:
1 ـ إخباره(عليه السلام) بعمارة بغداد، وملك بني العباس وذكر أحوالهم وأخذ المغول منهم. قال(عليه السلام): «وما أدراك ما الزوراء! أرض ذات أثل، يُشيد فيها البنيان، ويكثر بها السكان يتخذها ولد العباس موطناً ولزخرفهم مسكناً تكون لهم دار لهو ولعب، ويكون بها الجور الجائر والحيف المحيف، والأئمّة الفجرة والقرّاء الفسقة والوزراء الخونة يخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بينهم بمعروف إذا عرفوه، ولا ينتهون عن منكر إذا نكروه.» [31] .
2 ـ جاء رجلٌ الى أمير المؤمنين علي(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين! إني مررت بوادي القرى، فرأيت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له.
فقال(عليه السلام): «إنه لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز»، فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! إني لك شيعة وإني لك محبّ.
فقال: ومن أنت؟ قال: حبيب بن جماز. فقال(عليه السلام): «إياك أن تحملها ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب»، وأومأ بيده الى باب الفيل.
فلما مضى أمير المؤمنين(عليه السلام) ومضى الحسن ابنه من بعده، وكان من أمر الحسين(عليه السلام) ما كان; بعث ابن زياد بعمر بن سعد الى الحسين(عليه السلام)وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته، وحبيب ابن جماز صاحب رايته حتى دخل المسجد من باب الفيل [32] .
3 ـ وروي عنه(عليه السلام) أنه لما توجه الى صفين لحرب معاوية، ووصل الى كربلاء; وقف (عليه السلام)ناحية من المعسكر، ثم نظر يميناً وشمالاً وقال: «هذا والله مناخ ركابهم، وموضع منبتهم»، وبكى بكاءً طويلاً. فقيل له: يا أمير المؤمنين! ما هذا الموضع؟ ومن هؤلاء؟ فقال(عليه السلام):«هذه كربلاء يُقتل فيها فئة من آل محمد ظلماً وعدواناً، ويقتل معهم قوم يدخلون الجنة بغير حساب». ثم سار (عليه السلام) وكان الناس لا يعرفون تأويل ما قال حتى كان من أمر الحسين(عليه السلام) ما كان [33] .
4 ـ ولما خرج علي(عليه السلام) الى أهل النهر; أقبل رجل من أصحابه ممن كان على مقدّمته يركض، حتى انتهى الى علي(عليه السلام)فقال: البشرى يا أمير المؤمنين! قال: «ما بُشراك؟».
قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فأبشر، فقد منحك الله أكتافهم، فقال له: «الله أنت رأيتهم قد عبروا !» قال: نعم، فأحلفه ثلاث مرات، في كلّها يقول: نعم، قال علي(عليه السلام): «والله ما عبروه ولن يعبروه، وإنّ مصارعهم لَدُون النطفة، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بَوازن، حتى يقتلهم الله، وقد خاب من افترى» [34] .
قال: ثم أقبل فارس آخر يركض، فقال كقول الأوّل، فلم يكترث عليّ(عليه السلام) بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك، ]فقال: «فلا يبقى منهم إلاّ أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابي إلاّ أقل من عشرة»فقام علي(عليه السلام) فجال في متن فرسه، قال:فيقول شاب من الناس:والله لأكوننّ قريباً منه،فإن كانوا عبروا النهر لأجعلن سِنانَ هذا الرمح في عينه،أيدّعي علم الغيب؟ فلمّا انتهى(عليه السلام) الى النهر; وجد القوم قد كسروا جفونَ سيوفهم وعرقَبوا خيلهم، وجَثوا على رُكَبهم وحكّموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زَجل، فنزل ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي كنت شككت فيك آنفاً، وإنّي تائب الى الله وإليك، فاغفر لي. فقال علي(عليه السلام): «إنّ الله هو الذي يغفر الذنوب، فاستغفره» [35] .
5 ـ عن اسماعيل بن رجاء، قال: قام أعشى باهلة [36] ـ وهو غلام يومئذ حدث ـ الى علي(عليه السلام) وهو يخطب ويذكُر الملاحم فقال: يا أمير المؤمنين! ما أشبه هذا الحديث بحديث خِرافة!
فقال علي(عليه السلام): «إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام، فرماك الله بغلام ثقيف» ثمّ سكت، فقام رجال فقالوا: ومَن غلامُ ثقيف يا أمير المؤمنين؟
قال(عليه السلام): «غلام يملك بلدتكم هذه لا يتركُ لله حرمةً إلاّ انتهكها، يضرب عُنُق هذا الغلام بسيفه». فقالوا: كم يملُك يا أمير المؤمنين؟ قال: «عشرين إن بلغها».
قالوا: فيُقتَلُ قتلاً أم يموت موتاً؟ قال: «بل يموت حتف أنفه بداء البَطن، يثقب سريره لكثرة ما يخرج من جوفه».
قال اسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيتُ بعيني أعشى باهلة، وقد اُحضر في جملة الأسرى الذين اُسروا من جيش عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث بين يدي الحجّاج فقرّعه ووبّخه.
واستنشده شِعرَه الذي يحرّض فيه عبدالرحمن على الحرب، ثم ضرب عنقه في ذلك المجلس [37] .
ومن كراماته (عليه السلام) ما جاء في تفسير الفخر الرازي، في ذيل تفسير قوله تعالى: (أم حسبتَ أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجباً) [38] ، قال: وأمّا عليّ(عليه السلام) فيروى أنّ واحداً من محبّيه سرق وكان عبداً أسود. فاُتي به الى علي(عليه السلام) فقال له: «أسرقت؟» قال: نعم، فقطع يده.
فانصرف من عند علي(عليه السلام) فلقيه سلمان الفارسي وابن الكوّاء، فقال ابن الكوّاء: ومن قطع يدك؟ قال: أمير المؤمنين، ويعسوب المسلمين، وختن الرسول، وزوج البتول.
فقال: قطع يدك وتمدحه؟ فقال: ولِمَ لا أمدحه، وقد قطع يدي بحقّ وخلّصني من النار، فسمع سلمان ذلك، فأخبر به علياً(عليه السلام)فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطّاها بمنديل ودعا بدعوات فسمعنا صوتاً من السماء: ارفع الرداء عن اليد، فرفعناه فإذا اليد قد برئت بإذن الله تعالى وجميل صنعه [39] .
وعن أبي ذرّ(رضي الله عنه) قال: بعثني رسول الله(صلى الله عليه وآله) أدعو عليّاً، فأتيتُ بيته فناديتُه، فلم يُجبني، فعدتُ فأخبرت رسول الله(صلى الله عليه وآله)فقال لي: «عُد إليه اُدعه فإنّه في البيت» قال: فعدت اُناديه، فسمعت رحىً تطحن فشارفتُ فإذا الرّحى تطحن وليس معها أحد، فناديتُه فخرج إليّ منشرحاً، فقلت له: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)يدعوك فجاء ، ثم لم أزل أنظر الى رسول الله(صلى الله عليه وآله)وينظر اليّ، ثم قال: «يا أبا ذرّ ما شأنك؟».
فقلت: يا رسول الله عجيب من العجب، رأيت رحىً تطحن في بيت علي(عليه السلام) وليس معها أحدٌ يرحى.
فقال: «يا أبا ذرّ! إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض وقد وكّلوا بمؤونة آل محمد(صلى الله عليه وآله)» [40] .

الخلاصة:
ترك علي بن أبي طالب(عليه السلام) من الانطباعات الخيّرة في نفوس الصحابة، ما جعل تصريحاتهم بأفضليته على الصحابة تملأ كتب التفسير والحديث والتاريخ.
كما أن عليّاً(عليه السلام) قد جسّد بسلوكه الإيماني، وطاقاته العلمية والجهادية والأخلاقية ما خطته الرسالة بما لا يخفى على أحد ، فكان المثل الأعلى في تطبيقها بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ،في الوقت الذي يعجز باقي الصحابة عن الرقيّ إليها.وشهد القرآن الكريم وصرّحت أقوال الرسول(صلى الله عليه وآله)بفضل علي(عليه السلام)على الصحابة ، كما مرّ ذكره في أكثر من مناسبة. وكان(عليه السلام) هو المرجع للصحابة في حل المعضلات بشكل عام، وللخلفاء بنحو خاص.
وعليه يكون الإمام علي بن أبي طالب أفضل الصحابة على الإطلاق بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)دون منازع.
****************************
[1] سورة الشورى: 23.
[2] الدر المنثور : 6/7، وتفسير الطبري : 25/14 و 15 ، ومستدرك الحاكم: 2/444، ومسند أحمد: 1/199، وينابيع المودة : 15 ، والصواعق المحرقة : 11 و 12 ، وذخائر العقبى : 25 .
[3] الصافات: 24.
[4] الصواعق المحرقة : 79 ،وشواهد التنزيل : 2/106 ، وكفاية الطالب: 247.
[5] سورة محمد: 30.
[6] الدر المنثور: 6/66 ، وروح المعاني: 26/71 ، وفتح الغدير: 5/39 ، واُسد الغابة: 4/29.
[7] سورة محمد: 32.
[8] تفسير البرهان: 4/189.
[9] سورة الزمر: 32.
[10] رواه ابن مردويه في كتاب المناقب ، كما في كشف الغمة : 93 ، وتفسير البرهان: 4/76.
[11] الأحزاب: 58.
[12] تفسيرالقرطبي : 4/24 ، وأسباب النزول: 207 وشواهدالتنزيل: 2/93 وتفسير الخازن: 3/511.
[13] سورة الزخرف: 41.
[14] الدر المنثور : 6/18 ، وينابيع المودّة : 98 ، وشواهد التنزيل : 2/151 ، ومناقب ابن المغازلي: 274.
[15] سورة النمل: 89 ـ 90.
[16] خصائص الوحي المبين لابن بطريق الحلي : 217.
[17] مسند أحمد: 3/483 ، وذخائر العقبى : 65 ، والصواعق المحرقة : 73.
[18] ميزان الاعتدال: 3/151 ، ولسان الميزان : 3/90 و 4/251 ، وارجح المطالب: 119. وينابيع المودة : 251.
[19] مسند أحمد: 1/84 و 95 و 128 ، وصحيح مسلم: 1 / 41 ، والتاج الجامع للاصول: 3/335 وصحيح الترمذي: 2/301 ، وسنن النسائي: 2/271 ، وخصائصه: 27 ، وذخائر العقبى : 43 ، وتاريخ الخلفاء : 170 ، والصواعق المحرقة: 74.
[20] ترجمة الإمام علي(عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 2/225 / 730.
[21] ينابيع المودّة: 128 ، وبلفظ آخر لابن الأثير في اُسد الغابة: 5 /287، وتاريخ بغداد: 13/186، ومجمع الزوائد: 6/236 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة: 2/397.
[22] الأنعام : 159.
[23] خصائص الوحي المبين لابن بطريق : 214، وفي تاريخ دمشق : 18/4.
[24] النحل: 43.
[25] تفسير ابن جرير الطبري : 17/5.
[26] مسند الإمام أحمد بن حنبل : 3/83 ، وبنفس المعنى في حلية الأولياء لأبي نعيم: ؤ1/67 ، واُسد الغابة لابن الأثير : 3/283.
[27] صحيح البخاري في كتاب الصلاة وصحيح مسلم في كتاب الفتن وسنن الترمذي: 5/628، باب 35 مناقب عمار بن ياسر، ح 3800، ومستدرك الصحيحين: 2/148 ومسند أحمد : 3/516، ح 11451 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 13/186.
[28] صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق وخصائص النسائي : 137 ، وميزان الاعتدال للذهبي : 2/263.
[29] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 14/321 ، والحاكم في مستدرك الصحيحين : 3/124 وصحيح الترمذي: 2/298.
[30] مسند أحمد : 4/164 و 165 بخسمة طرق ، وخصائص أمير المؤمنين للنسائي: 19 و20 بطريقين، وصحيح البخاري : 3 /229، والصواعق المحرقة : 74 ، وسنن البيهقي : 8 / 5.
[31] كشف اليقين: 80 ، ونحوه في نهج الحق: 244 باختصار.
[32] لاحظ كشف اليقين: 79 ، وإرشاد القلوب: 2/34 ، ونهج الحق: 243 ، والمناقب لابن شهر آشوب: 2/270 في إخباره بالبلايا والمنايا. وراجع شرح ابن أبي الحديد: 2/287.
[33] راجع كشف الغمة: 1/282 وكشف اليقين: 80 وارشاد المفيد: 175.
[34] بحار الأنوار: 33/348 .
[35] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/271، وكشف الغمة باب المناقب: 1/375، اللفظ من ابن أبي الحديد وما بين المعقوفتين من كشف الغمة.
[36] أعشى باهلة، اسمه عامر بن الحارث.
[37] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/289.
[38] الكهف: 9 .
[39] التفسير الكبير للفخر الرازي : 21 ـ 22 / 88 .
[40] الرياض النضرة: 3 / 202. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page