هذا، وقد اختلفت هذه الروايات في مضامينها كثيراً. ولا نريد تتبع ذلك، ولكننا نريد أن نشير إلى مؤاخذة سجلها البعض هنا على أمير المؤمنين عليه السلام بأنه قد خالف أمر رسول الله له بمحو ما كتبه. ولئن كانت الشيعة يحشدون الشواهد الكثيرة، والمتوافرة على مخالفات صدرت من الصحابة لأوامره صلى الله عليه وآله بما فيها تلك المخالفات الصريحة، والقبيحة، والمؤذية له (ص)، فإن علياً عليه السلام قد وقع في نفس المحذور الذي وقع فيه غيره. فكيف يدعي له الشيعة العصمة دون سائر الصحابة؟!
وقال السرخسي: (كان هذا الإباء بالرأي في مقابلة النص)[1] وقد وجّه البعض للسيد المرتضى سؤالاً يقول: (ما جواب من قدح في عصمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بما جاء مستفيضاً في امتناعه على النبي صلى الله عليه وآله، من محو (بسم الله الرحمن الرحيم ) من المكاتبة العام المعاصات بسهيل بن عمرو[2] حتى أعاد[3] النبي صلى الله عليه وآله وترك يده عند محوها.
فقال: (ليس يخلو من أن يكون قد علم أن النبي صلى الله عليه وآله لا يأمر إلا بما فيه مصلحة. ويقتضيه الحكمة والبينات، وأن أفعاله عن الله سبحانه وبأمره. أو لم يعلم. فإن كان يعلم ذلك،فلم خالف ما علم؟! وإن كان لم يعلمه، فقد جهل ما يدعيه العقول من عصمة الأنبياء من الخطأ، وجوّز المفسدة فيما أمر به النبي صلى الله عليه وآله لهذا إن لم يكن قطع بها. وهل يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام توقف عن قبول الأمر لتجويزه أن يكون أمر النبي معتبراً له ومختبراً؟! مع ما في ذلك لكون النبي صلى الله عليه وآله عالماً بإيمانه قطعاً.وهو خلاف مذهبكم. ومع ما فيه من قبح الأمر على طريق الاختبار بما لا مصلحة في فعله على كل حال.
فإن قلتم: إنه جوّز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله قد أضمر محذوفاً، يخرج الأمر به من كونه قبيحاً.
قيل لكم: فقد كان يجب أن يستفهمه ذلك، ويستعلمه منه، ويقول: فما أمرتني قطعاً من غير شرط أضمرته أولاً[4].
انتهى كلام هذا الذي أراد أن يجعل من هذه القضية ذريعة للطعن في عصمة الإمام عليه الصلاة و السلام.
ونحن فيما يلي نذكر إجابات السيد المرتضى رحمه الله، وبعض الإعلام، ثم نضيف ما يفيد في المزيد من جلاء الحقيقة، وإبطال الباطل، فنقول:
**********
[1] أصول السرخسي ج2 ص135.
[2] في العبارة حزارة ظاهرة إلى درجة أنها أصبحت غير مفهومة.
[3] لعل الصحيح:عاد.
[4] رسائل الشريف المرتضى ج1 ص441 و442 المسائل الطرابلسيات.