• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في الأئمة التسعة من ولد الحسين (ع)

 

في الأئمة التسعة من ولد الحسين (ع)
وزين العابدين:

هذا هو الذي خلف أباه علماً وزهداً وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال: ألا تدرون بين يدي من أقف. وحكي أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.
وحكى ابن حمدون عن الزهري أن عبد الملك حمله مقيداً من المدينة بأثقلة من حديد ووكّل به حفظة، فدخل عليه الزهري لوداعه فبكى وقال: وددت أني مكانك، فقال: أتظن أن ذلك يكربني، لو شئت لما كان؟ وإنه ليذكرني عذاب الله، ثمّ أخرج رجليه من القيد ويديه الغل ثمّ قال: لا جزت معهم على هذا يومين من المدينة، فما مضى يومان إلا وفقدوه حين طلع الفجر وهم يرصدونه، فطلبوه فلم يجدوه.
قال الزهري: فقدمت على عبد الملك، فسألني عنه، فأخبرته، فقال: قد جاء في يوم فقده الأعوان فدخل عليّ فقال: ما أنا وأنت، فقلت: أقم عندي، فقال: لا أحب، ثمّ خرج، فوالله لقد امتلأ قلبي منه خيفة، أي ومن ثمّ كتب عبد الملك إلى الحجاج أن يجتنب دماء عبد المطلب، وأمره بكتم ذلك فكوشف به زين العابدين، فكتب إليه إنك كتبت للحجاج يوم كذا سراً في حقنا بني عبد المطلب بكذا وكذا، وقد شكر الله لك ذلك، وأرسل به إليه، فلما وقف عليه وجد تاريخه موافقاً لتاريخ كتابه للحجاج، ووجد مخرج الغلام موافقاً لمخرج رسوله للحجاج، فعلم أن زين العابدين كوشف بأمره(1) فسرّ به وأرسل إليه مع غلامه بوقر راحلته دراهم وكسوة وسأله أن لا يخليه مع صالح دعائه.
وأخرج أبو نعيم والسلفي: لما حج هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام فنصب له منبر إلى جانب زمزم وجلس ينظر إلى الناس وحوله جماعة من أعيان أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين، فلما انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتّى استلم، فقال أهل الشام لهشام: من هذا؟ قال: لا أعرفه، مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين، فقال الفرزدق: أنا أعرفه ثم أنشد:
هذا الذي تعرف البطحـــاء وطأته            والبيت يعــــرفه والحلّ والـحرم
هذا ابن خير عبــــاد الله كلّهــــــم            هــــذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم
إذا رأتــــه قــــــريش قــال قائلها            إلــــى مــكارم هـذا ينتهي الكرم
ينمى إلى ذروة العز التي قصرت            عن نيلها عـرب الإسلام والعجم

القصيدة المشهورة ومنها:
هـــذا ابن فاطمة إن كنت جاهله            بجدّه أنبياء الله قـــــد ختمــــــوا
فليس قولك: مــَن هذا؟ بضائره            العرب تعرف من أنكرت والعجم

ثم قال:
من معشر حبّهم دين وبغضهـم            كفــــــر وقربهــم منجى ومعتصم
لا يستطيع جواد بُعد غايتهــــم            ولا يُدانيهــــــم قوم وإن كـــرموا

فلمّا سمعها هشام غضب، وحبس الفرزدق بعُسفان، وأمر له زين العابدين بإثني عشر ألف درهم، وقال: أعذر لو كان عندنا أكثر لوصلناك به، فقال: إنما امتدحته لله لا لعطاء، فقال زين العابدين: إنّا أهل بيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده، فقبلها الفرزدق ثم هجا هشاماً في الحبس، فبعث فأخرجه.
وكان زين العابدين عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى إنه سبّه رجل فتغافل عنه، فقال: له: إياك أعني! فقال: وعنك أعرض، أشار إلى آية: (خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين)(2).
توفّي وعمره سبع وخمسون، منها سنتان مع جدّه عليّ، ثم عشرة مع عمّه الحسن، ثم إحدى عشرة سنة مع أبيه الحسين، وقيل: سمّه الوليد بن عبد الملك(31)، ودُفن بالبقيع عند عمه الحسن، عن أحد عشر ذكراً وأربع إناث.
وإرثه منهم عبادة وعلماً وزهادة.

أبو جعفر محمد الباقر:
سمّي بذلك: من بقر الأرض أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثَمّ قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
وكفاه شرفاً: أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسول الله (ص) يسلّم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنتُ جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام.
توفّي سنة سبع عشرة عن ثمان وخمسين سنة مسموماً كأبيه.
وهو علويّ من جهة أبيه وأمه، ودفن أيضاً في قبة الحسن والعباس بالبقيع، وخلّف ستة أولاد أفضلهم وأكملهم:

جعفر الصادق:
ومن ثّم كان خليفته ووصيه، ونقل الناس عنه العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان.
وروى عنه الأئمة الأكابر: كيحيى ابن سعيد وابن جريح ومالك والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني.
وأمه: فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر كما مرّ.
وسعى به عند المنصور لما حج فلما حضر الساعي به يشهد قال له: أتحلف؟ قال: نعم! فحلف بالله العظيم إلى آخره، فقال: احلفه يا أمير المؤمنين بما أراه؟ فقال له: حلّفه، فقال له: قل برئت من حول الله وقوّته والتجأتُ إلى حولي وقوّتي لقد فعل جعفر كذا وكذا، وقال: كذا وكذا، فامتنع الرجل ثم حلف، فما تمّ حتى مات مكانه، فقال أمير المؤمنين لجعفر: لا بأس عليك أنت المبرأ الساحة المأمون الغائلة، ثم انصرف فلحقه الربيع بجائزة حسنة وكسوة سنيّة وللحكاية تتمّة.
ووقع نظير هذه الحكاية ليحيى بن عبد الله بن المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بأن شخصاً زبيرياً سعى به للرشيد فطلب تحليفه فتلعثم فزبره الرشيد فتولى يحيى تحليفه بذلك فما أتم يمينه حتى اضطرب وسقط لجنبه فأخذوا برجله وهلك، فسأل الرشيد يحيى عن سر ذلك، فقال: تمجيد الله في اليمين يمنع المعاجلة في العقوبة.
وذكر المسعودي: أنّ هذه القصة كانت مع أخي يحيى هذا الملقّب بموسى الجون وأن الزبيري سعى به للرشيد فطال الكلام بينهما ثم طلب موسى تحليفه فحلفه بنحو ما مرّ، فلمّا حلف قال موسى: الله أكبر حدّثني أبي عن جدّي عن أبيه عن جدّه على أن النبي (ص) قال: ما حلف أحد بهذه اليمين، أي وهي تقلّدت الحول والقوة دون حول الله وقوّته إلى حولي وقوتي ما فعلت كذا وهو كاذب، إلاّ عجّل الله له العقوبة قبل ثلاث، والله ما كذبت ولا كذبت، فوكل عليَّ يا أمير المؤمنين فإن مضت ثلاث ولم يحدث بالزبيري حادث فدمي لك حلال، فوكل به، فلم يمضِ عصر ذلك اليوم حتى أصاب الزبيري جذام فتورم حتى صار كالزق، فما مضى إلاّ قليل وقد توفّي، ولا أُنزل في قبره انخسف قبره وخرجت رائحة مفرطة النتن، فطرحت فيه أحمال الشوك فانخسف ثانياً، فأخبر الرشيد بذلك فزاد تعجّبه، ثم أمر لموسى بألف دينار، وسأله عن سر تلك اليمين، فروى له حديثاَ عن جده علي عن النبي (ص): ما من أحد يحلف بيمين مجد الله فيها إلا استحيا من عقوبته، وما من أحد حلف بيمين كاذبة نازع الله فيها حوله وقوّته إلاّ عجّل الله له العقوبة قبل ثلاث.
وقتل بعض الطغاة مولاه فلم يزل ليلة يصلي ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الأصوات بموته، ولما بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمه زيد:
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة            ولم نرَ مهدياً على الجذع يصلب
قال: اللهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك فافترسه كالأسد.
ومن مكاشفاته:
أن ابن عمه عبد الله المحض كان شيخ بني هاشم وهو والد محمد الملقّب بالنفس الزكيّة، ففي آخر دولة بني أمية وضعفهم أراد بنو هاشم مبايعة محمد وأخيه، وأرسل لجعفر ليبايعهما فامتنع، فاتهم أنه يحسدهما فقال: والله ليست لي ولا لهما إنها لصاحب القباء الأصفر(4) ليلعبن بها صبيانهم وغلمانهم، وكان المنصور العباسي يومئذ حاضراً وعليه قباء أصفر(فما زالت كلمة جعفر تعمل فيه حتى نالها وسبق جعفر إلى ذلك والده الباقر، فإنه أخبر المنصور بملك الأرض شرقها وغربها وطول مدّته، فقال له: وملكنا قبل ملككم، قال: نعم، قال: ويملك أحد من ولدي؟ قال: نعم، قال: فمدّة بني أمية أطول أم مدّتنا؟ قال: مدّتكم وليلعبنّ بهذا الملك صبيانكم كما يلعب بالأكرة، هذا ما عهد إليّ أبي، فلما أفضت الخلافة للمنصور بملك الأرض تعجّب من قول الباقر(5).
وأخرج أبو القاسم الطبري من طريق ابن وهب قال: سمعت الليث بن سعد يقول: حججتُ سنة ثلاث عشرة ومائة ولما صلّيت العصر في المسجد رقيت أبا قبيس فإذا رجل جالس يدعو فقال: يا رب، حتى انقطع نفسه، ثم قال: يا حي يا حي يا حي حتى انقطع نفسه، ثم قال: إلهي إني أشتهي العنب فأطعمنيه، اللهمّ وإن برداي قد خلقا فاكسني، قال الليث: فوالله ما استتم كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنباً وليس على الأرض يومئذ عنب، وإذا بردان موضوعان لم أرَ مثلهما في الدنيا، فأراد أن يأكل، فقلت: أنا شريكك، فقال: ولم؟ فقلت: لأنك دعوتَ وكنتُ أؤمن! فقال: تقدّم وكل، فتقدّمت وأكلتُ عنباً لم آكل مثله قط، ما كان له عجم، فأكلنا حتى شبعنا ولم تتغير السلّة، فقال: لا تدخر ولا تخبئ منه شيئاً، ثم أخذ أحد البردين ودفع إليّ بالآخر، فقلت: أنا بي غنى عنه فائتزر بأحدهما وارتدى الآخر، ثم أخذ برديه الخلقين فنزلوهما بيده، فلقيه رجل بالمسعى فقال: اكسني يا رسول الله مما كساك الله فإنني عريان، فدفعهما إليه، فقلت: من هذا؟ قال: جعفر الصادق، فطلبته بعد ذلك لأسمع منه شيئاً فلم أقدر عليه، انتهى.
توفّي سنة أربع وثمانين ومائة مسموماً أيضاً على ما حكي، وعمره ثمان وستون سنة، ودفن بالقبة السابقة عند أهله عن ستة ذكور وبنت.
منهم:

موسى الكاظم:
وهو وارثه علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سمي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم، وسأله الرشيد كيف قلتم: إنّا ذريّة رسول الله (ص) وأنتم أبناء علي؟ فتلا: (ومن ذريّته داود وسليمان)(6) ، إلى أن قال: (وعيسى)(7)، وليس له أب، وأيضاً قال تعالى: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم)(8) الآية.
ولم يدع النبي (ص) عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين فكان الحسن والحسين هما الأبناء.
ومن بديع كراماته: ما حكاه ابن الجوزي والرامهرمزي وغيرهما عن شقيق البلخي: أنه خرج حاجاً سنة تسع وأربعين ومائة فرآه بالقادسية منفرداً عن الناس، فقال في نفسه: هذا فتى من الصوفية يريد أن يكون كلاً على الناس، لأمضينّ إليه ولأوبّخنّه، فمضى إليه، فقال: يا شقيق(اجتنبوا كثيراً من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم)(9) ، الآية، فأراد أن يحالِلَه فغاب عن عينيه فما رآه إلا بواقصة يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تتحادر فجاء إليه ليعتذر فخفف في صلاته وقال: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن)(10) ، الآية، فلما نزلوا زمالة رآه على بئر فسقطت ركوته فيها فدعا فطغى الماء له حتى أخذها فتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فطرح منه فيها وشرب، فقال له: أطعمني من فظك ما رزقك الله تعالى، فقال: يا شقيق لم تزل نعم الله علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربّك، فناولنيها فشربت منها، فإذا سويق وسكر ما شربت والله ألذّ منه ولا أطيب ريحاً فشبعت ورويت، وأقمت أياماً لا أشتهي شراباً ولا طعاماً، ثم لم أره إلا بمكة وهو بغلمان وغاشية وأمور على خلاف ما كان عليه بالطريق.
ولما حج الرشيد سعى به إليه وقيل له: إن الأموال تحمل إليه من كل جانب حتى اشترى ضيعة بثلاثين ألف دينار، فقبض عليه وأنفذه لأميره بالبصرة عيسى بن جعفر بن المنصور فحبسه سنة، ثم كتب له الرشيد في دمه، فاستعفى وأخبره أنه لم يدع على الرشيد وأنه إن لم يرسل بتسليمه وإلا خلى سبيله، فبلغ الرشيد كتابه فكتب للسندي بن شاهك بتسليمه وأمره فيه بأمر، فجعل له سماً في طعامه، وقيل: في رطب، فتوعك ومات بعد ثلاثة أيام، وعمره خمس وستون سنة.
وذكر المسعودي: أن الرشيد رأى علياً في النوم معه حربة وهو يقول: إن لم تخل عن الكاظم وإلا نحرتك بهذه، فاستيقظ فزعاً وأرسل في الحال والي شرطته بإطلاقه وثلاثين ألف درهم وأنه يخيره بين المقام فيكرمه، أو الذهاب إلى المدينة، ولما ذهب إليه قال: رأيت منك عجباً، فأخبره أنه رأى النبي (ص) وعلّمه كلمات قالها فما فرغ منها إلا وأُطلق، قيل: وكان موسى الهادي حبسه أولاً ثم أطلقه لأنه رأى علياً يقول: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)(11) فانتبه وعرف أنه المراد فأطلقه ليلاً، فقال له الرشيد حين رآه جالساً عند الكعبة: انت الذي تبايعك الناس سراً؟ فقال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم.
ولما اجتمعا أمام الوجه الشريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام قال الرشيد: السلام عليك يا ابن عم، سمعها من حوله، فقال الكاظم: السلام عليك يا أبتِ، فلم يحتملها وكانت سبباً لإمساكه له وحمله معه إلى بغداد، وحبسه فلم يخرج من حبسه إلا ميتاً(12) مقيداً ودفن جانب بغداد الغربي.
وكانت أولاده حين وفاته سبعة وثلاثين ذكراً وأنثى: منهم:

علي الرضا:
وهو أنبهـــهم ذكراً وأجلّهم قدراً، ومـــن ثمّ أحله المــــأمون محل مهجته وأنكحه ابنته وأشركه في مملكته وفوّض إليه أمر خلافته(13)، فإنه كتب بيده كتاباً سنة إحدى ومائتين بأن علياً الرضا وليّ عهده وأشهد عليه جمعاً كثيرين، لكنه توفي قبله فأسف عليه كثيراً(14)، وأخبر قبل موته بأنه يأكل عنباً ورماناً مبثوثاً ويموت، وأن المأمون يريد دفنه خلف الرشيد فلم يستطع فكان ذلك كله كما أخبرته.
ومن مواليه: معروف الكرخي أستاذ السريّ والسَقطي لأنه أسلم على يديه وقال الرجل: يا عبد الله ارض بما يريد واستعدّ لما لا بدّ منه، فمات الرجل بعد ثلاثة أيام.
رواه الحاكم.
روى الحاكم عن محمد بن عيسى عن أبي  حبيب قال: رأيت النبي (ص) في المنام في المنزل الذي ينزل الحجاج ببلدنا، فسلّمت عليه فوجدت عنده طبقاً من خوص المدينة فيه تمر صَيْحاني فناولني منه ثماني عشرة، فتأوّلت أن أعيش عدّتها، فلمّا كان بعد عشرين يوماً قدم أبو الحسن عليّ الرضا من المدينة ونزل ذلك المسجد وهرع الناس بالسلام عليه فمضيت نحوه فإذا هو جالس في الموضع الذي رأيت النبي (ص) جالساً فيه وبين يديه طبق من خوص المدينة فيه تمر صيحاني، فسلّمت عليه فاستدناني وناولني قبضة من ذلك التمر فإذا عدتها بعدد ما ناولني النبي (ص) في النوم، فقلت: زدني، فقال: لو زادك رسول الله (ص) لزدناك.
ولمّا دخل نيسابور كما في تاريخها وشقّ سوقها وعليه مظلة لا يُرى من ورائها تعرض له الحافظان أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى، فتضرعا إليه أن يريَهم وجهه ويروي لهم حديثاً عن آبائه، فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكف المظلة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان مدليتان على عاتقه، والناس بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته، فصاحت العلماء: معاشر الناس أنصتوا، فأنصتوا واستلم منه الحافظان المذكوران فقال: حدثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب قال: حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول الله (ص) قال: حدّثني جبريل قال: سمعت ربّ العزّة يقول(15): لا إله إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمِن مِنْ عذابي، ثم أرخى الستر وسار، فعُدّ أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألفاً.
وفي رواية: أن الحديث المروي: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان. ولعلهما واقعتان.
قال أحمد: لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرىء من جنّته.
ونقل بعض الحفّاظ: أنّ امرأة زعمت أنها شريفة بحضرة المتوكل، فسأل عمن يخبره بذلك، فدل على عليّ الرضا فجاء فأجلسه معه على السرير وسأله فقال: إن الله حرّم لحم أولاد الحسنين على السباع فلتلق للسباع، فعرض عليها بذلك فاعترفت بكذبها، ثم قيل للمتوكل: ألا تجرّب ذلك فيه، فأمر بثلاثة من السباع فجيء بها في صحن قصره، ثم دعاه فلما دخل بابه أغلق عليه والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها، فلما مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه وقد سكنت وتمسحت به ودارت حوله وهو يمسحها بكمه، ثم ربضت فصعد للمتوكل وتحدّث معه ساعة ثم نزل ففعلت معه كفعلها الأول حتى خرج، فأتبعه المتوكل بجائزة عظيمة، فقيل للمتوكل: افعل كما فعل ابن عمك، فلم يجسر عليه وقال: أتريدون قتلي؟ ثم أمرهم أن لا يفشوا ذلك.
ونقل المسعودي: أن صاحب هذه القصة هو ابن ابن علي الرضا، هو: العسكري وصوب، لأن الرضا توفي في خلافة المأمون اتفاقاً ولم يدرك المتوكل(16).
وتوفي وعمره: خمس وخمسون سنة عن خمسة ذكور وبنت.
أجلّهم:
محمد الجواد:
لكنه لم تطل حياته.
ومما اتفق أنه بعد موت أبيه بسنة كان واقفاً والصبيان يلعبون في أزقة بغداد إذ مر المأمون ففروا ووقف محمد وعمره تسع سنين، فألقى الله محبّته في قلبه فقال له: يا غلام ما منعك من الانصراف؟ فقال له مسرعاً: لم يكن بالطريق ضيق فأوسعه لك، وليس لي جرم فأخشاك، والظن بك حسن لأنك لا تضر من لا ذنب له، فأعجبه كلامه وحسن صورته فقال له:
ما اسمك واسم أبيك؟ فقال: محمد بن علي الرضا، فترحّم على أبيه وساق جواده، وكان معه بُزاة للصيد، فلما بعد عن العمار أرسل بازاً على دراجة فغاب عنه ثم عاد من الجو في منقاره سمكة صغيرة وبها بقاء الحياة فتعجّب من ذلك غاية العجب، ورأى الصبيان على حالهم ومحمد عندهم ففروا إلا محمداً فدنا منه وقال له: ما في يدي؟ فقال: إن الله تعالى خلق في بحر قدرته سمكاً صغاراً يصيدها بازات الملوك والخلفاء فيختبر بها سلالة أهل بيت المصطفى، فقال له: أنت ابن الرضا حقاً، وأخذه معه وأحسن إليه وبالغ في إكرامه، فلم يزل مشفقاً به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنه، وعزم على تزويجه بابنته أم الفضل وصمم على ذلك، فمنعه العباسيون من ذلك خوفاً من أنه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه، فلما ذكر لهم أنه إنما اختاره لتميّزه على كافة أهل الفضل علماً ومعرفة وحلماً مع صغر سنه فنازعوا في اتصاف محمد بذلك، ثم تواعدوا على أن يرسلوا إليه من يختبره.
فأرسلوا إليه يحيى بن أكثم ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمداً، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواص الدولة، فأمر المأمون بفرش حسن لمحمد، فجلس عليه، فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه.
فقال له الخليفة: أحسنت أبا جعفر، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو مسألة واحدة.
فقال له: ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أول النهار حراماً، ثم حلت له عند ارتفاعه، ثم حرمت عليه عند الظهر، ثم حلت له عند العصر، ثم حرمت عليه عند المغرب، ثم حلت له العشاء، ثم حرمت عليه نصف الليل، ثم حلت له الفجر؟
فقال يحيى: لا أدري.
فقال محمد: هي أمة نظرها أجنبي بشهوة وهي حرام، ثم اشتراها بارتفاع النهار، فأعتقها الظهر، وتزوجها العصر، فظاهر منها المغرب، وكفّر العشاء، وطلقها رجعاً نصف الليل، وراجعها الفجر.
فعند ذلك قال المأمون للعباسيين: قد عرفتم ما كنتم تنكرون، ثم زوجه في ذلك المجلس ابنته أم الفضل، ثم توجه بها إلى المدينة، فأرسلت تشتكي منه لأبيها إنه تسرّى عليها، فأرسل إليها أبوها إنا لم نزوجك له لنحرم عليه حلالاً فلا تعودي لمثله.
ثم قدم بها يطلب من المعتصم لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين، وتوفي فيها في آخر ذي القعدة ودفن في مقابر قريش في ظهر جده الكاظم، وعمره خمس وعشرون سنة، ـ ويقال: أنه سم أيضا ــ(17) عن ذكرين وبنتين، أجلّهم:

علي العسكري (الهادي)
سمي بذلك لأنه لما وجه لإشخاصه من المدينة النبوية إلى سر من رأى وأسكنه بها وكانت تسمى العسكر فعرف بالعسكري، وكان وارث أبيه علماً وسخاء.
ومن ثمَّ جاءه أعرابي من أعراب الكوفة وقال: إني من المتمسكين بولاء جدِّك، وقد ركبني دَيْن أثقلني حمله ولم أقصد لقضائه سواك، فقال: كم دَينك؟ فقال: عشرة آلاف درهم، فقال: طب نفساً بقضائه إن شاء الله تعالى، ثم كتب له ورقة فيها ذلك المبلغ ديناً عليه، وقال له: ائتني به في المجلس العام وطالبني بها وأغلظ علي في الطلب، ففعل، فاستمهله ثلاثة أيام، فبلغ ذلك المتوكل فأمر له بثلاثين ألفاً، فلما وصلته أعطاءها الأعرابي، فقال: يا ابن رسول الله إن العشرة آلاف أقضي بها أربي، فأبى أن يسترد منه من الثلاثين شيئاً، فولَّى الأعرابي وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته(18).
ومر: إن الصواب في قضية السباع الواقعة من المتوكل أنه هو الممتحن بها وإنها لم تقربه بل خضعت واطمأنت لما رأته، ويوافقه ما حكاه المسعودي وغيره أن يحيى بن عبد الله المحض ابن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما هرب إلى الديلم ثم أتي به الرشيد وأمر بقتله أُلقي في بركة فيها سباع قد جوعت فأمسكت عن أكله ولاذت بجانبه، وهابت الدنو منه فبنى عليه ركن بالجص والحجر وهو حي.
توفي بسر من رأى في جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن بداره، وعمره أربعون وكان المتوكل أشخصه من المدينة إليها سنة ثلاث وأربعين فأقام إلى أن قضي(19) عن أربعة ذكور وأنثى، أجلهم:

أبو محمد الحسن الخالص:
وجعل ابن خلكان هذا هو العسكري(20) ولد سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، ووقع لبهلول معه: أنه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون فظن أنه يتحسر على ما في أيديهم فقال: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال: يا قليل العقل ما للعب خُلِقنا، فقال له: فلماذا خلقنا؟ قال: للعلم والعبادة، فقال له: من أين لك ذلك؟ قال: من قول الله عز وجل: (أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وإنكم إلينا لا ترجعون)(21).
ثم سأله أن يعظه فوعظه بأبيات، ثم خرَّ الحسن مغشياً عليه فلما أفاق قال له: ما نزل بك وأنت صغير لا ذنب لك؟ فقال: إليك عني يا بهلول إني رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلا بالصغار أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم.
ولما حبس قحط الناس بسر من رأى قحطاً شديداً فأمر الخليفة المعتمد ابن المتوكل بالخروج للإستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده إلى السماء هطلت.
ثم في اليوم الثاني كذلك فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم فشق ذلك على الخليفة فأمر بإحضار الحسن الخالص، وقال له: أدرك أُمَّة جدك رسول الله (ص) قبل أن يهلكوا، فقال الحسن: يخرجون غداً وأنا أزيل الشك إن شاء الله.
وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم، فلما خرج الناس للإستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيمت السماء، فأمر الحسن بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدمي، فأخذه من يده وقال: استسق، فرفع يده فنزاك الغيم وطلعت الشمس، فعجب الناس من ذلك، فقال الخليفة للحسن: ما هذا يا أبا محمد؟ فقال: هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور،وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال وزالت الشبهة عن الناس ورجع الحسن إلى داره، فأقام عزيزاً مكرماً وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات (22)، بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه، وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال: إنه سمَّ أيضاً، ولم يخلف غير ولده:

أبي القاسم محمد الحجة:
وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن أتاه الله فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر(23).

 



1ـ الإمام زين العابدين (ع) وكذلك جميع أئمّة أهل البيت الإثني عشر (ع) ورثوا علم هذه الأمور عن جدّهم رسول الله (ص) وهو عن جبريل عن الله تعالى.
2 ـ الأعراف: 199.
3 ـ وهو الصحيح.
4 و5 ـ قلنا: إن أئمة أهل البيت الإثني عشر (ع) قد ورثوا علم هذه الأمور عن جدّهم رسول الله (ص)، وهو عن جبريل وجبريل عن الله تبارك وتعالى.
6 ـ الأنعام: 84.
7 ـ الأنعام: 85.
8 ـ آل عمران: 61.
9 ـ الحجرات: 12.
10 ـ طه: 82.
11 ـ سورة محمد: 22.
12 ـ وذلك عبر السم الذي أمر به هارون السندي أن يدسّه إليه في طعامه أو في رطب كما مرّ قبل أسطر.
13 ـ تفويض أمر الخلافة ما كان خالصاً لله تعالى، وإنما كان يترصّد المأمون من خلالها أهدافاً سياسية، وأغراضاً شخصية، ولذلك لما لم ينل ما استهدفه من خطته قضى على حياة الإمام الرضا (ع) بدسّ السم إليه، وذلك في قضية مفصّلة يرجع لمعرفتها إلى مظانّها.
14 ـ إن المأمون أظهر الأسف على ذلك، ولكنه في الواقع هو الذي سمّه عبر العنب والرمّان المسمومَيْن.
15 ـ هذا الحديث يعضد ما تقدم في بعض التعليقات: من إن علم أئمة البيت عليهم السلام قد ورثوه عن آبائهم عن رسول الله (ص) قد ورثوه عن آبائهم عن رسول الله (ص)، وهو عن جبريل، وجبريل عن الله تبارك وتعالى.
16 ـ وهو الصحيح فإن المأمون كما عرفت هو الذي سم الإمام الرضا (ع).
17 ـ وهو الصحيح، فقد سمه المعتصم العباسي عبر زوجته أم الفضل بنت المأمون.
18 ـ الأنعام: 124.
19 ـ نعم: قضي مسموماً على يد المعتمد العباسي.
20 ـ بل الصحيح: أنه يقال لكل منهما العسكري حتى عرفا بالعسكريين.
21 ـ المؤمنون: 115.
22 ـ الصحيح: إنه (ع) مات مسموماً على إثر السم الذي دسه إليه المعتمد العباسي.
23 ـ إن أحاديث هذا الفصل وهو الفصل الثالث الذي يشتمل على ثلاثين حديثاً مما ينبغي التوقف عنده قليلاً، والتروي فيه، وخاصة الحديث الثلاثون الذي فيه تفصيل عن الإمام الحسين (ع) وعن الأئمة المعصومين التسعة من ذرية الحسين (ع)، حيث جاء فيه، وهو يصف كل واحد منهم: بأنه خلَّف أباه علماً وزهداً وعبادة، أو: كان خليفته ووصيه، أو: وارثه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، أو: أتاه الله الحكمة كما في حق الحجة، وأنه يسمى القائم المنتظر، وأمثال ذلك مما ينبئ عن الإعتراف بفضلهم الشامخ، وتفوقهم الكبير من بين الأمة، ومن حسن الحظ، وإتمام الحجة على الأمة: إن هؤلاء المعصومين التسعة من ذرية الحسين (ع) هم الذين نص عليهم الرسول (ص) بأسمائهم وأسماء آبائهم وألقابهم، وعرّفهم بأنهم ولاة الأمر بعد أبيهم الحسين (ع)، والحسين بعد أخيه الحسن (ع)، والحسن بعد ابيه علي (ع)، وعلي بعد الرسول (ص)، فتكمل عدتهم اثنا عشر إماماً ووصياً كما في المأثور عند الفريقين: من إن عدد الأوصياء عدد نقباء بني إسرائيل، وإذا تم اتفاق الجميع على الاعتراف بفضلهم، فما يضر لو اتفق الجميع على الاعتراف بما أنزل الله تعالى فيهم وبلغه رسوله (ص) في حقهم: من إنهم ولاة الأمر من بعده؟.


 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page