• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الأول ;جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

العقائد الإسلامية
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
بقلم: علي الكوراني العاملي
المجلد الثاني

يشتمل على مسائل: الرؤية والتشبيه والتجسيم

مقدمة

الفصل الأول

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد السنيين أن الله تعالى يرى بالعين
المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يرى الإنسان الله تعالى بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة .
1 ـ والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالى بشئ من مخلوقاته .
وقد نفى كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت(عليهم السلام)وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة ، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم ، واستدلوا على ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ) وقوله تعالى ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ) . . إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة ، لأن ما يرى بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان .
بينما تبنى الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية ، القول برؤية الله تعالى بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات رووها ، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك ، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين .
وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والإشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد .

متى ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه
تدل نصوص الحديث والتاريخ على أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده( ص )وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية ، وأن الله تعالى ليس من نوع الأشياء التي ترى بالعين أو تحس بالحواس الخمس . . لأنه وجود أعلى من الأشياء المادية ، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر .
ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده ، فنهض أهل البيت(عليهم السلام)وبعض الصحابة لردها وتكذيبها .
وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد الإسلام ، المناقضة لما بَلَّغه النبي( ص )عن ربه تعالى، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة ! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة ، بل هي فرية عظيمة على الله تعالى ورسوله ( ص )ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها !!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه
صحيح البخاري:6/50:
. . . عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأى محمد(ص)ربه ؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت ! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً(ص)رأى ربه فقد كذب ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية ، ولكنه رأى جبرئيل(ع)في صورته مرتين .
صحيح البخاري:8/166:
. . . عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً(ص)رأى ربه فقد كذب ، وهو يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب ، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهى. وروى نحوه في:2 جزء 4/83 وج 3 جزء 6/50 وج 4/83 وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب ( الوهابية والتوحيد ) .

موج الفرية جاء من الشام
مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم ، وأن يكتب المسلمون عنهم ، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر ، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام ، ووصلت إلى المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة !
تدل الرواية التالية على أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم ، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية ، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم على المسلمين ، ويظهر أن أول من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتى تأصلت أفكارهم فيهم .
ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر ! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالى التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام ، فقد صارت كلمة ( متاولة ) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها ، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأول ! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيت(عليهم السلام)وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له !
قال الصدوق في التوحيد/179:
حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رض) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي ، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقر (( ص )): يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام على الله عز وجل ، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى ، يا جابر إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى عن صفة الواصفين ، وجلَّ عن أوهام المتوهمين ، واحتجب عن أعين الناظرين ، لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الأفلين ، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم .
ورواه العياشئ في تفسيره:1/59 ، ورواه المجلسي في بحار الأنوار: 102/ 270 وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد النبي( ص )حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياء(عليهم السلام)وعلى أي حال يدل على استحباب الصلاة عليه. انتهى. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:
بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف ، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، أن نتخذه مصلى. انتهى .
ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقر(ع)بتعبيره ( أهل الشام ) بني أمية ، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيت(عليهم السلام)وهذا يدعونا إلى القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول ، الخليفة عمر رغم أنه أعطى كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره ، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة ، وكما نرى في الموقف التالي لعلي(ع)حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً على أفكاره التجسيمية اليهودية !
فقد روى المجلسي في بحار الأنوار:44/194:
عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة .
قال كعب: إني لاحفظ منها كثيراً .
فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه ، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم ؟
فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء ، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة ، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته ، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه !
قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب(ع)حاضراً فعظم على ربه وقام على قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلى مجلسه ففعله .
قال عمر: غص عليها يا غواص ، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم. فالتفت علي(ع)إلى كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه ! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته ، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره ، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته ، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه ، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون ، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي ( كان ) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل ( خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ) فقولي له ( كان ) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته ، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء ، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب ، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد ، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ ، ثم خلق منه ظلمة ، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين ، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة ، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء ، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى ، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب ، وذلك قوله: وكان عرشه على الماء ليبلوكم .
يا كعب ويحك ، إن من كانت البحار تفلته على قولك ، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه ، فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب ، لأعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن. انتهى .
وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا علي(ع)وقد قبل الخليفة تنزيه عليّ لله تعالى ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس ، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالى، وأنه يجلس على عرشه ويطقطق العرش من ثقله . . إلخ .

وابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالى بغيره
قال الديلمي في فردوس الأخبار:4/206:
ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشئ أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شئ ، فهو من المشركين .
وروى الطبري في تفسيره:9/38:
عن ابن عباس قوله تعالى: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك .
وقال النويري في نهاية الإرب: 7 جزء 13/211:
قال وهب: واختلف العلماء في معنى التجلي ، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل .
وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:3/29-30:
واختلف الصحابة رضي الله عنهم هل رأى ربه تلك الليلة أم لا ؟ فصح عن ابن عباس أنه رأى ربه ، وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهى .
وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:
لم أقف على هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم في الإيمان 176/285 في قوله تعالى: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى، وقوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ، قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (3280) .
ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قوله ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك ؟ فقال (ص): نور ، أنى أراه ! أي: حال بيني وبين رؤيته النور ، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على أنه لم يره .
ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالى ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى تلك الليلة في منامه ، وعلى هذا بنى الإمام أحمد+وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد ، ولكن لم يقل أحمد+أنه رآه بعيني رأسه يقظة ، ومن حكى عنه ذلك فقد وهم عليه ، ولكن قال مرة رآه ، ومرة قال رآه بفؤاده ، فحكيت عنه روايتان ، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه ، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهى .
وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب على كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه: ( 6 ) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده 3484/1 من طريق أبي قلابة عن ابن عباس (رض). وأبو قلابة ـ واسمه عبدالله بن زيد الجرمي ـ لم يسمع من ابن عباس ـ التهذيب 5 ـ 197 ومن طريقه أخرجه الترمذي 3233 وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اهـ. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال 3266/10 ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم 12 و13 و14 وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة ، قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح . . . وقال أبوبكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف . . . وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف 4/383 عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشي . . . وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد/319 ـ 320 والاجري في الشريعة /496 والترمذي بنحوه 3234 وابن أبي عاصم في السنة 469 وأبو يعلى 2608 من طرق عن ابن عباس. وتعقبه الحافظ ابن حجر في ( النكت الظراف 4/382 نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرة (رض) عند ابن أبي عاصم في السنة 465 وعن أبي أمامة (رض) في المصدر المذكور 466 وعن ثوبان (رض) أيضاً برقم 470 وعند البزار 2128 وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم 471 وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير 938 وعن ابن عمر عند البزار 2129 من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها ، والله تعالى أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالى. انتهى .
وروى المجلسي في بحار الأنوار:3/36:
25 ـ لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن أحمد بن النضر ، عن محمد بن مروان ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية ، وأنا أول المؤمنين بأنك لا ترى. انتهى .
والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه إفتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالى يرى بالعين أو أن النبي( ص )رأى ربه بعينه .

وأبو هريرة يوافق عائشة وابن عباس وابن مسعود
يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية..إلى أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها ! قال ابن ماجة في سننه:2/1426: . . . عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن الميت يصير إلى القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف ، ثم يقال له فيم كنت ؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله(ص)جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله ، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: أنظر إلى ما وقاك الله ، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر إلى زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك ، ويقال له: على اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله .

وكان الجمهور يرون رأي عائشة ويكذبون أحاديث الرؤية بالعين
قال الثعالبي في الجواهر الحسان:3/253:
ولقد رآه . . . فقالت عائشة والجمهور هو عائد على جبرئيل .
وقال الشاطبي في الاعتصام:2/176:
الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن ( . . . ) بما صح عن النبي(ص) حتى ردوا كثيراً من الأمور الاخرى . . . وأنكروا رؤية الباري .
وقال في الاعتصام:2 الهامش 1/197:
بعض علماء الكلام . . عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالى بالعلو وبأنه على عرشه . . . وهذا هو عين السنة المأثوره عن الصحابه .
وقال في الإعتصام: 2/334:
وذهب جماعة من العلماء إلى أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره..فقالوا لايجوز أن يرى الله في الآخرة لأنه تعالى يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ . .
وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:20/153:
محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخاري وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً ، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية والنزول ، ويحرم المسكر توفي سنة 264 هفي رمضان. انتهى. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل على أنه يوجد كثيرون ينفونها .
وقال الطوسي في تفسير التبيان: 4/226:
روى مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأى ربه فقد كذب: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ولكن رأى جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخرى أن مسروقاً لما قال لها: هل رأى محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت ! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن أحداً رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله ، وقرأت الآية ، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية على الله تعالى في الآخرة ، وتأولوا الآية على الإحاطة ، وقد بينا فساد ذلك .

علي (ع) يوضح ما لم توضحه عائشة
نهج البلاغة:1/14:
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون ، ولا يحصي نعمه العادون ، ولا يؤدي حقه المجتهدون .
الذي لا يدركه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حد محدود ، ولا نعت موجود ، ولا وقت معدود ، ولا أجل ممدود .
فطر الخلائق بقدرته ، ونشر الرياح برحمته ، ووتد بالصخور ميدان أرضه .
أول الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ، ومن جهله فقد أشار إليه ، ومن أشار إليه فقد حده ، ومن حده فقد عده ، ومن قال فيم فقد ضمنه ، ومن قال علام فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شئ لا بمقارنة ، وغير كل شئ لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والالة ، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده. انتهى .
وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالى .

وأصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة
قال الذهبي في سيره:10/455:
قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيى بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية ، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلى رأي جهم . . . قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لاصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا ، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله(ص)، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها .
قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالى ، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها ، فأين الإنصاف. انتهى .
نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل على المحكم ، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن ، مضافاً إلى أن بعضها كذبه الصحابة ، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم ، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف ! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية .
الأحاديث القدسية من الصحاح:1/147:
اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات ، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة..وقول أهل السلف إنه حق ولايتكلم في تأويلها. انتهى.
ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد ، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلى ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روى في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم .

وغلبت موجة كعب ودخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين
كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوى من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار على خطه أن يحدثوا موجة من القول بالرؤية كما ستعرف ، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم ، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلى يومنا هذا ، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته ، بل تجرؤوا على رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم ، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها ! ! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبي( ص ) .
قال الدميري في حياة الحيوان:2/72:
واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأى نبينا محمد(ص)ربه تعالى أم لا ، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف ، وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين ، وأجازه جماعة من السلف وأنه(ص)رأى ربه ليلة الاسراء بعيني رأسه ، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل ، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة ، والمشهور عنهما الأول ، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه ، وهو الاصح ، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية . . . قلت: رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية . . . وأما استدلال عائشة رضي الله عنها على عدم الرؤية بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ، ففيه بُعْدٌ ، إذ يقال بين الادراك والأبصار فرق ، فيكون معنى لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره ، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفى الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالى: فَلَمَّا تَرَاءَى أَلْجَمْعَانِ قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا ، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالى عنهم: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ، ويكرم المؤمنين أو من شاء الله منهم بالرؤية كما قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ . وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية ، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهى .
وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع ، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف ، ثم خلط الإدراك بمعنى اللحوق بالإدراك بمعنى الرؤية ، وجعل إمكان تخصيص الله تعالى لعموم آية تخصيصاً بالفعل ، ثم كابر في إنكار الظاهر . . ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له . . كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن ! !
وقال في عارضة الأحوذي: 6 جزء 11 هامش/188:
عن ابن عربي إن الله لم ينزل هذه الآية لنفي الرؤية لله ولا جاءت بها عائشة، فإنه سبحانه وتعالى يرى في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً !!
وقال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/4-5:
قال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا (ص) ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة . . وجاء مثله عن أبي هريرة. .
. . . الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء . . . عائشة لم تنف الرؤية وإنما اعتمدت الإستنباط من الآيات . . . أما احتجاج عائشة بقول الله: لا تدركه الابصار فإن الإدراك هو الإحاطة !
وقال النووي في شرح مسلم:2/94 ـ هامش الساري:
عن عبدالله بن مسعود (رض) في قوله تعالى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى قال: رأى جبريل له ستمائة جناح وهو مذهبه في هذه الآية . . وذهب الجمهور من المفسرين إلى أن المراد أنه رأى ربه سبحانه وتعالى ! انتهى .
وقال الطبري في تفسيره:7/201 ـ 202:
إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله ! قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلى. وقال آخرون الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة ، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامه حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها ! انتهى .
ولكن دعوى الحاسة السادسة تعني التنازل عن أحاديث الرؤية التي تصرح بالرؤية بالعين البشرية المعهودة ، كما سيأتي .

وأيدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالى
مسند أحمد:4/11:
ابن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه ؟ قال: كان في عماء. ما تحته هواء وما فوقه هواء. ثم خلق عرشه على الماء .
سنن الترمذي:4/351:
قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء. قال أحمد قال يزيد: العماء أي ليس معه شي. هكذا يقول حماد بن سلمة. هذا حديث حسن. انتهى ورواه ابن ماجة في سننه:1/64 ورواه البيهقي في المحاسن والمساوئ:1/47 .
وقال السيوطي في الدر المنثور:3/322:
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين (رض) . . . قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء. قال الترمذي (رض): العماء أي ليس معه شي. انتهى. ورواه في كنز العمال:1/236 وفي:10/370 وقال في مصادره ( حم وابن جرير ، طب وأبوالشيخ في العظمة. عن أبي رزين ) وقال في هامشه: العماء بالفتح والمد: السحاب. قال أبو عبيد: لايدرى كيف كان ذلك العماء. وفي رواية كان في عما بالقصر ، ومعناه ليس معه شي. النهاية 3ـ304. انتهى.
ملاحظة: مقصود الراوي بالعماء الفضاء الخالي ، وبعض روايات الحديث نصت على ذلك ، فيكون الفضاء حسب تصوره إلهاً مع الله تعالى ، أو قبله ! ويكون وجوده تعالى مادياً محتاجاً لأن يكون في فضاء ! وقد كان الترمذي محتاطاً فابتعد عن مسؤولية تفسيره بأنه ليس معه أحد ، وجعل ذلك على عهدة يزيد وحماد بن سلمة !
ويؤيد ما ذكرنا ، أن كلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمكان الخراب في مقابل العمران ، شبيهاً بالأرض البائرة والمزروعة ، فيقولون كانت هذه المنطقة عماء لا عمران فيها أو لا إنسان فيها. فيكون معنى أن الله تعالى كان في عماء أن الراوي تصور أن الكون كان فضاء وهواء وكان الله تعالى في ذلك الفضاء العماء ، ثم أعمره بالخلق .
وقد يقال في توجيه الحديث إنه تفسير لقوله تعالى ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) ولكن السؤال فيه عما قبل العرش وقبل كل الخلق ، أي عما هو قبل القبل ، فكيف يصح جعل العماء والهواء قديماً أو واجب الوجود قبل القبل!
وقد يقال إن المقصود بالخلق في السؤال الملائكة والناس. ولكن إطلاق السؤال عما قبل الخلق يأبى تخصيصه بذوي الأرواح أو ببعض المخلوقات .
وكذلك لا يصح تفسير العماء بالعدم المطلق ، لأن تعبير ( ما تحته هواء وما فوقه هواء ) يجعل تفسيره بالعدم المطلق تعامياً !

وهاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب
كتاب التوحيد لابن خزيمة/225-230:
قال أبوبكر: هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب ، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها ، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبوذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم ! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها . . . إلى آخر هجوم ابن خزيمة المجسم وغيره على أمهم عائشة. راجع الفصل الأول من كتاب الوهابية والتوحيد .

ثم رووا الرؤية بالعين حتى عن ابن عباس وعائشة
مستدرك الحاكم:2/316:
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، ثنا محمد بن عبدالسلام ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثني أبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل هل رأى محمد ربه ؟ قال: نعم رأى كأن قدميه على خضرة دونه ستر من لؤلؤ ! فقلت يا ابن عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ؟ قال: يا لا أم لك ، ذلك نوره وهو نوره ، إذا تجلى بنوره لا يدركه شي. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال في هامش تهذيب التهذيب:4/113:
في تهذيب الكمال عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد(ص)ربه تعالى ، فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ؟ قال: أسكت لا أم لك ، إنما ذلك إذا تجلى بنوره لم يقم لنوره شي. اه.
مجمع الزوائد:7/114:
وعن ابن عباس قال: إن محمد(ص)رأى ربه ، قال عكرمة: يا أبا عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ ؟ فقال ابن عباس لا أم لك ، إنما ذلك إذا تجلى بكيفية لم يقم له بصر .
قلت: له حديث رواه الترمذي غير هذا رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك. انتهى .
مجمع الزوائد:1/78:
وعن ابن عباس أنه كان يقول: إن محمداً(ص)رأى ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ، خلا جهور بن منصور الكوفي ، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات .
كتاب التوحيد لابن خزيمة/198:
. . . عن عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبدالله بن العباس يسأله هل رأى محمد(ص)ربه ؟ فأرسل إليه عبد الله بن العباس أن نعم ، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه ؟ قال فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد. انتهى .
هذه هي الرواية التي شهرها ابن خزيمة سيفاً على مذهب أمه عائشة ، لأنها خالفت فيه مذهب الخليفة عمر ، وهي رواية إسرائيلية مع الاسف ! وقد علق عليها الشيخ محمد الهراس بقوله ( لعل ابن عباس أخذ رأيه هذا من كعب الأحبار فقد كان كعب يقول إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد ) .
ثم قال ابن خزيمة في/199:
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة ، واصطفى موسى بالكلام ، واصطفى محمداً بالرؤية . . . عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأى محمد(ص)ربه . . . عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: رأى محمد ربه. انتهى .
وعلق عليه الهراس بقوله ( هذا رأي لا دليل عليه ، وهذا مخالف لقوله(ع) في حديث أبي ذر ( نور ) أنى أراه ) .
وقد روى ابن خزيمة نفسه حديث أبي ذر في نفي النبي رؤية ربه بعينه ! قال في/206: . . . محمد بن بشار بندار حدثنا بهذا الخبر ، قال ثنا معاذ بن هشام، قال حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عبدالله بن شقيق ، قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله(ص)لسألته ، فقال عن أي شئ كنت تسأله ؟ فقال كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ فقال أبوذر: قد سألته فقال رأيت نوراً. انتهى .
ويلاحظ أن ابن خزيمة لم يرو تعجب النبي( ص )من سؤال أبي ذر ( أنى أراه ! ) فقد علق عليه الهراس بقوله ( قوله رأيت نوراً: يفيد أنه لم يرد بذلك النور نور ذاته عز وجل ، وإلا لقال للسائل نعم رأيته ، فهو أراد أن يفهم السائل أن الذي رآه هو النور ، ولعله نور الحجاب كما ورد في حديث أبي موسى ( حجابه النور ) وهو الذي حال دون رؤيته له سبحانه ). انتهى. ولم يترك ابن خزيمة شيئاً إلا وتشبث به لاثبات الرؤية بالعين فقد روى أن الحسن البصري كان يحلف الإيمان على الرؤية بالعين !! قال في/199: . . ابن سليمان عن المبارك بن فضالة قال: كان الحسن يحلف بالله لقد رأى محمد ربه. انتهى .
وعلق عليه الهراس بقوله: كيف يحلف الحسن سامحه الله على أمر لم يتبين صدقه ، وهو محل خلاف بين الصحابة وجمهورهم على نفيه ! انتهى .

ثم أفتوا بكفر وضلال من خالفهم وشملت فتواهم أمهم عائشة !
قال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/15:
باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم..إن مذهب أهل السنة أن رؤية الله ممكنة . . وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه ، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً .
قال الشاطبي في الاعتصام:1/231:
ومنها ردهم أهل البدع للاحاديث التي غير موافقه لاغراضهم ومذاهبهم . .كالمنكر لعذاب القبر والصراط المستقيم والميزان ، ورؤية الله في الآخرة ، وكذلك حديث الذباب وقتله ، وأن في أحد جناحيه داء والآخر دواء !
وقال الذهبي في سيره:14/396:
أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف ، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالى يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه ، فهو زنديق كافر ، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ، ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .
قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول(ص)قاله ، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند ، نسأل الله الهدى ، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن ، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه ، فهو طريقة معروفة .
وقال الذهبي في سيره:7/381:
قال حفص بن عبدالله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد رأى محمد ربه .
وقال أبوحاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان. وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ. وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً على الجهمية .
وقال الدميري في حياة الحيوان:2/72:
واختلف في جواز الرؤية فأكثر المبتدعة على إنكار جوازها في الدنيا والآخرة وأكثر أهل السنة والسلف على جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة .
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ:2/435:
وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبدالله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها ، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء ! فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء .
هذه حكاية صحيحة رواها البيهقي في الأسماء والصفات. قال البخاري: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة .
وقال السبحاني في بحوث في الملل والنحل:2/373:
. . . وقفنا على فتوى لعبد العزيز بن عبد الله بن باز مؤرخة 8/3/1407 مرقمة 1717/2 جواباً على سؤال عبدالله عبدالرحمن في جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة فأفتى: من ينكر رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة لا يصلى خلفه وهو كافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه ( حادي الأرواح ) ذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك: إن قوماً يزعمون أن الله لا يرى يوم القيامة فقال مالك: السيف السيف .
وقال أبو حاتم الرازي: قال أبو صالح كاتب الليث: أملى عليَّ عبدالعزيز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمية فقال: لم يزل يملي لهم الشيطان حتى جحدوا قول الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ .
. . . عن أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العواطف إن الله لا يرى في الآخرة فقال: لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال: أخزى الله هذا .
وقال أبو بكر المروزي: من زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر. وقال: من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر .
وقال إبراهيم بن زياد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الرؤية من كذب بها فهو زنديق ، وقال: من زعم أن الله لا يرى فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره ، يستتاب فإن تاب وإلا قتل . . إلخ ) انتهى .
ويشمل حكم الشيخ ابن باز هذا أم المؤمنين عائشة لأنها كذبت من زعم أن النبي( ص )رأى الله تعالى واستدلت على نفي إمكانية رؤية الله تعالى مطلقاً في الدنيا والآخرة بقوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. ولا طريق أمام ابن باز إلا أّن يقول بكفر عائشة ، أو يكذب روايات البخاري ومسلم عنها !!
وقد كان الألباني أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حكم التكفير عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمين فقال في فتاويه/123:
علماء السلف كفروا الجهمية وأعلنوا كفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لكنهم لا يكفرون الأباضية الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة كذلك المعتزلة . . لكنهم يكتفون بتضليلهم دون كفرهم . . وقال في/292 قال ابن تيمية : . . . كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم . . أئمة الدين لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين لا في مسائل علمية ولا عملية . . . كتنازع الصحابة هل رأى محمد ربه .
.. وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما .
وفي مقابل حملة التكفير هذه ، فإن الذين نفوا رؤية الله تعالى بالعين لم يكفروا أصحاب الرؤية بل أفتوا بأنهم: لا يفهمون ما يقولون !
قال الشاطبي في الاعتصام:1/236: حكى أبو بكر بن العربي عن بعض من لقي بالمشرق من المنكرين للرؤية أنه قيل له: هل يكفر من يقول بإثبات الرؤية ؟ فقال لا ، لأنه قال بما لا يعقل..قال ابن العربي: فهذه منزلتنا عندهم !

وكبَّر كعب الأحبار لأنه انتصرعلى المسلمين !!
روى الذهبي في سيره:14/45 عن عكرمة حديث ابن عباس ، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد/199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق ، حدثنا هاشم بن القاسم ، عن قيس بن الربيع ، عن عاصم الاحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: إن الله .. الخ. وأخرجه أيضاً/197 من طريق محمد بن بشار ، ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس . . . وهذا رأي لا دليل عليه ، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه(ص)لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكى عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة على ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد:3/36-37. انتهى .
هذا ، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم ، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه ، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب على ابن عباس في حياته وبعد وفاته ، حتى ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض ، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الاسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود .
ويؤيد ذلك أن السهيلي روى هذا الحديث في الروض الأنف:2/156 عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالى ورؤيته بالعين ، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعى إليه ، فقد روى ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225 -230: . . . عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأى ربه مرتين ، قال فكبر كعب حتى جاوبته الجبال ! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلى الله عليهما وسلم ! انتهى .
ومن الواضح أن تكبير كعب الأحبار ( حتى جاوبته الجبال ! ) يدل على أن إثبات رؤية النبي( ص )كان مطلباً مهماً عند كعب وأنه كان يبحث عمن يوافقه عليه ولا يجد ، فلما وافقه ابن عباس كما تدعي الرواية صرخ بصوت عال من فرحه ، لأن ذلك يوافق مصادره اليهودية في تجسيد الله تعالى وجلوسه على عرشه ونزوله إلى الأرض ومصارعته ليعقوب . . إلى آخر افتراءات اليهود على الله تعالى !

واشتغل الوضاعون وكثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم
تقدم عن عائشة وغيرها تكذيب أحاديث الرؤية عموماً ، وقد طفح كيل هذه الأحاديث من كل لون ، لأن الدول كانت تشجعه ، ولأن الموضوع قابل للأسطورة . .حتى اعترفت مصادر الجرح والتعديل عند إخواننا بوضع عدد كبير منها !
هل روى حماد أحاديث الرؤية والتشبيه أم دسوها في لحيته ؟
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:3/15:
حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الأحاديث أي في الصفات ، حتى أخرج مرة إلى عبادان فجاء وهو يرويها ، فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ ، وكانوا يقولون إنها دست في لحيته. وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه. .
وأنكر مالك أحاديث التشبيه واعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل
قال الذهبي في سيره:8/103:
أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر ، قال قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا: إن الله خلق آدم على صورته. والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد. فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهى أن يحدث بها أحد ! فقيل له: أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو ؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد. قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتى مات. رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا: حدثنا ابن القاسم .
قلت: أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور ، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه ! انتهى .
وهذا النص يدل بوضوح على أن الأمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم ، وأن الإمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتى مات. وأن أجواء هذه الإعتقادات كانت محدودة بالدولة بخلاف الجو العام للمسلمين الذي يعيش فيه الإمام مالك . وقد بينا في كتاب الوهابية والتوحيد عدم صحة ما نسبه الوهابيون إلى الإمام مالك من تفسير الصفات بالظاهر .

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب !
قال في كتابه الموضوعات:1/124 ـ 125:
حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة ، إذ لو رواه الثقات كان مردوداً والرسول منزه أن يحكي عن الله عز وجل ما يستحيل عليه ، وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء . أنبأنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد العرار (القزاز) قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت ، قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر ، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال حدثنا نعيم بن حماد ، قال حدثنا ابن وهب ، قال حدثنا عمرو بن الحرث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل امرأة أبي أنها سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه في مخصر عليه نعلان من ذهب في وجهه مراس من ذهب .
أما نعيم فقد وثقه قوم وقال ابن عدي: كان يضع الحديث ، وكان يحيى بن معين يهجنه في روايته حديث أم الطفيل وكان يقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا وليس نعيم بشئ في الحديث .
وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله عز وجل ، قال مهنى: سألت أحمد عن هذا الحديث فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر هذا رجل مجهول عنى مروان. قال: ولا يعرف أيضاً عمارة .
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:4/269:
نعيم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل ـ أنها سمعت النبي (ص) يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائي: ومن مروان حتى يصدق على الله تعالى .
وقال في سيره:10/602:
قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيى بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا. وقال أبو زرعة النصري: عرضت على دحيم ما حدثناه نعيم بن حماد ، عن الوليد بن مسلم ، عن ابن جابر ، عن ابن أبي زكريا ، عن رجاء بن حيوة ، عن النواس: إذا تكلم الله بالوحي. الحديث فقال لا أصل له. فأما خبر أم الطفيل فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره حدثنا نعيم ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأى ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جداً .
وقال في هامش سير أعلام النبلاء:18/49:
( 4 ) أخرجه الخطيب في تاريخه 13 ـ 311 من طريق نعيم بن حماد ، حدثنا ابن وهب ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن مروان بن عثمان ، عن عمارة بن عامر ، عن أم الطفيل إمرأة أبي أنها سمعت النبي(ص)يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة له نعلان من ذهب على وجهه مراس من ذهب ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: موضوع ، نعيم وثقه قوم وقال ابن عدي: يضع ، وصفه ابن عدي بسبب هذا الحديث ، ومروان كذاب ، وعمارة مجهول ، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: منكر. وفي الميزان 4 ـ 92: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الزرقي: ضعفه أبوحاتم ، وقال أبوبكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه: سمعت النسائي يقول: ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله ! قاله في حديث أم الطفيل. وأورده فيالميزان 4 ـ 229 في ترجمة نعيم بن حماد في جملة الأحاديث التي أنكرت عليه. وقال الحافظ في الإصابة 4 ـ 470 في ترجمة أم الطفيل بعد أن أورده عن الدار قطني من طريق مروان بن عثمان . . . ومروان متروك ، قال ابن معين: ومن مروان حتى يصدق .
وقال ابن الجوزي في الموضوعات:1/290:
عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إن الله أعطى موسى الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود .
هذا حديث موضوع على رسول الله(ص)، والمتهم به محمد بن يونس وهو الكديمي ، وكان وضاعاً للحديث. قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث !
وقال في الموضوعات:3/259:
عن أنس بن مالك عن النبي(ص)قال: إذا أسكن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. قال: فيهبط تبارك وتعالى إلى الجنة في كل جمعة في كل سبعة آلاف يعني سنة مرة. قال وفي وحيه: وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيهبط عز وجل إلى مرج الجنة فيمد بينه وبين الجنة حجاباً من نور فيبعث جبريل إلى أهل الجنة فيأمر فليزوروه ، فيخرج رجل من موكب عظيم حوله صفق أجنحة الملائكة ودوي تسبيحهم والنور بين أيديهم أمثال الجبال فيمد أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا قد أذن له على الله عز وجل فتقول الملائكة: هذا المجبول بيده والمنفوخ فيه من 7روحه والمعلم الأسماء والمسجود له من الملائكة الذي أبيح له الجنة ، هذا آدم .
وذكر نحو هذا في إبراهيم ومحمد وقال: ثم يخرج كل نبي وأمته فيخرج الصديقون والشهداء على قدر منازلهم حتى يحفوا حول العرش فيقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته: مرحباً بعبادي. وذكر حديثاً طويلاً لا فائدة في ذكره. وهو حديث موضوع لا نشك فيه والله عز وجل متنزه عن أن يوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فكافأ الله من وضع هذا. وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو متروك الحديث وضرار بن عمرو قال يحيى: ليس بشئ ولا يكتب حديثه ، وقال الدار قطني: ذاهب متروك. ويحيى بن عبد الله قال ابن حبان: يأتي عن الثقاة بأشياء معضلات .
وقال في الموضوعات:3/260:
عن أنس بن مالك: أن النبي(ص)قرأ هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون وترفع الحجب بينه وبينهم وينظرون إليه وينظر إليهم ، وذلك قوله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا . هذا حديث لا يصح وفيه ميمون بن شياه قال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير ، لا يحتج به إذا انفرد. وفيه صالح المري ، قال النسائي: متروك الحديث .
. . . قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الله تعالى يتجلى لأهل الجنة في مقدار كل يوم على كثيب كافور أبيض. هذا حديث لا أصل له وجعفر وجدّه وعاصم مجهولون .
... عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله: سلام قولاً من رب رحيم ، قال فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يزالون كذلك حتى يحتجب فيبقى نوره وبركته عليهم وفى دارهم .
طريق ثان . . . طريق ثالث . . .
هذا حديث موضوع على رسول الله(ص)ومدار طرقه كلها على الفضل بن عيسى الرقاشي ، قال يحيى: كان رجل سوء. ثم في طريقه الأول والثاني عبدالله بن عبيد ، قال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه. وفي طريقة الثالث محمد بن يونس الكديمي وقد ذكرنا أنه كذاب ، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث .
وقال الشاطبي في الاعتصام:1 هامش/39:
ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين ولا بالحديث الذي يذكرونه على منابرهم وهو إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا إلا كذا حتى يطلع الفجر. فإن هذا حديث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي سبرة ، وقد قال فيه ابن معين والإمام أحمد أنه يضع الحديث. نقل ذلك محشئ سنن ابن ماجة عن الزوائد. ووافقه الذهبي في الميزان في الإمام أحمد ، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه: ليس حديثه بشئ، وقال الناس: متروك .
وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/214:
وقد روى الوليد بن مسلم خبراً يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الأخبار أنه خبر صحيح من وجه النقل وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث ، وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتى لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الأخبار ، وقد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه على طلاب العلم بالاحتجاج بالخبر الواهي وإني خائف من خالقي جل وعلا إذا موهت على طلاب العلم بالاحتجاج بالأخبار الواهية وإن كانت الأخبار حجة لمذهبي. روى الوليد قال حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر ، قال ثنا خالد ابن اللجلاج ، قال حدثني عبدالرحمن بن عائش الحضرمي ، قال سمعت رسول الله (ص): رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلى . . إلخ. انتهى .
وقال ابن الأثير في أسد الغابة: 3/304:
اللجلاج وأبو سلام الحبشي لا تصح صحبته لأن حديثه مضطرب ، أخبرنا أبومنصور ابن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب بإسناده عن المعافي بن عمران ، عن الأوزاعي ، عن عبدالرحمن بن زيد أنه سمع خالد بن اللجلاج يحدث مكحولاً ، عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمي ، أن النبي(ص)قال: رأيت ربي في أحسن صورة فذكر أشياء . . .
وقال المزي في تهذيب الكمال:17/202:
عبدالرحمان بن عائش الحضرمي ويقال: السكسكي الشامي مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه ، روي عنه عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة وقيل: عنه عن رجل من أصحاب النبي(ص)عن النبي(ص)وقيل: عنه عن مالك بن يخامر ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي(ص)وقيل: غير ذلك .
وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت عبدالرحمن بن إبراهيم قلت له: لعبد الرحمان بن عائش حديث سوى: رأيت ربي في أحسن صورة ؟ فقال لي عبدالرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم ، عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب ، عن ربيعة بن يزيد ، عن عبدالرحمان بن عائش قال: الفجر فجران . . . فذكر الحديث. وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً: قلت لأحمد بن حنبل إن ابن جابر يحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة ، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبدالله بن عباس فأيهما أحب اليك قال: حديث قتادة هذا ليس بشئ والقول ما قال ابن جابر .
وقال أبوحاتم الرازي: هو تابعي وأخطأ من قال له صحبة .
وقال أبو زرعة: الرازي ليس بمعروف. روى له الترمذي وقد وقع لنا حديثه بعلو .
وقال ابن ناصر في توضيح المشتبه:1/588:
محمد بن شجاع الثلجي الفقيه صاحب التصانيف مشهور مبتدع.. قلت : . . وبدعته كونه من أصحاب بشر المريسي يقول بقوله في القرآن ، ومع ذلك رمي بالوضع والكذب ، ومن افترائه أنه تكلم في الشافعي وأحمد . .كان يضع أحاديث التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث ليثلبهم بذلك. .
وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/440 ـ 441:
فصل:

في بيان أربعة أحاديث باطلة تتعلق بالكرسي:
الحديث الأول:

روي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سئل النبي(ص)عن قول الله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قال: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره .
وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً ! وما هو إلا هراء يجل مقام سيدنا رسول الله (ص) أو ابن عباس رضي الله عنهما أن يفوها به ، إلا إن حكياه عن اليهود في مقام ذم عقائدهم الباطلة وذكر فساد ما يقولون ! وقد رواه مرفوعاً الخطيب البغدادي في تاريخه 9-251 ، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1 ـ 22 ، ورواه موقوفاً الطبراني في الكبير 12 ـ 39 ، والحاكم 2 ـ 282 ، والمجسم الكذاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب ( العرش ) ، قال ابن كثير في تفسيره 1 ـ 317 كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره وهو غلط ، ثم قال بعد ذلك بقليل وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك ، عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً ولا يصح أيضاً .
قلت: الصحيح عندنا في هذا الحديث أنه إسرائيلي مأخوذ من كعب الأحبار لأن أبا هريرة وابن عباس رضوان الله عليهما رويا عن كعب الأحبار كما في تهذيب الكمال للحافظ المزي 24 ـ 190 فإذا علمت ذلك فستعرف خطأ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 6 ـ 323 حيث اكتفى بالتصريح بأن رجاله رجال الصحيح ، وكذا الإمام الحاكم في المستدرك صحح الموقوف أيضاً على شرط الشيخين ، وأقره الذهبي (رحمهم الله)فلا تغفل عن هذا ، لأن هؤلاء (رحمهم الله) كثيراً ما يصححون فيرد تصحيحهم .
وقد روي نحو هذا الحديث عن أبي موسى الأشعري موقوفاً كما في الأسماء والصفات/404 للحافظ البيهقي&وقد تأول هذا النص البيهقي هناك بقوله: ذكرنا أن معناه فيما نرى أنه ـ أي الكرسي ـ موضوع من العرش موضع القدمين من السرير ، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه .
وفي أثر أبي موسى هذا ذكر للاطيط!وقد صرح الحفاظ بأنه لايصح حديث في الاطيط وقد اعترف الشيخ المتناقض ( يقصد الالباني ) بذلك في ضعيفته 2 ـ 257 و 307 !

وفتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري
فتاوى الألباني/524-535:
السؤال هو: هل سبق للشيخ أن ضعف أحاديث في البخاري وضعفها في كتاب ما ؟ وإن حصل ذلك فهل سبقك إلى ذلك العلماء ؟ نرجو الجواب مع الإشارة جزاك الله خيراً .
جواب: حدد لي ذلك . . إلى ماذا . . لأن سؤالك يتضمن شيئين . . هل سبق لك أن ضعفت شيئاً من أحاديث البخاري وهل جمعت ذلك في كتاب . . فلما ذكرت هل سبقك إلى ذلك . . ماذا تعني: إلى تضعيف أو إلى تأليف .
سؤال: إلى الاثنين .
جواب: أما أنه سبق لي أن ضعفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الإعتراف بها ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً أولها: المسلمون كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم ..كلهم ( . . . ) يجمعون على أنه لا عصمة لاحد بعد رسول الله(ص).. وعلى هذا ، من النتائج البديهية أيضاً أن أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف على رسمه ، لابد أن يرسخ في ذهنه أنه لا بد أن يكون فيه شئ من الخطأ ، لأن العقيدة السابقة أن العصمة من البشر لم يحظ بها أحد إلا رسول الله(ص).
من هنا يروى عن الإمام الشافعي (رض) أنه قال: أبى الله أن يتم إلا كتابه. فهذه حقيقة لا تقبل المناقشة .
هذا أولاً . . هذا كأصل . . أما كتفريع، فنحن من فضل الله علينا وعلى الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يشكرون. قد مكنني الله عز وجل من دراسة علم الحديث أصولاً وفروعاً وتعليلاً وتجريحاً ، حتى تمكنت إلى حد كبير بفضل الله ورحمته أيضاً أن أعرف الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع ، من دراستي لهذا العلم .
على ذلك طبقت هذه الدراسة على بعض الأحاديث التي جاءت في صحيح البخاري فوجدت نتيجة هذه الدراسة أن هناك بعض الأحاديث التي تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة في صحيح البخاري ، فضلاً عن صحيح مسلم .
هذا جوأبي عما يتعلق بي أنا . . أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد ، فأقول والحمد لله سبقت من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامي جداً بنحو ألف سنة .
فالإمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث . . أما أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث. ذلك لأنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم . . ذلك لاننا نحن بحاجة أكبر إلى تتبع الأحاديث التي وجدت في السنن الأربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها. بينما الإمام البخاري والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الأحاديث التي أو دعوها في الصحيحين من مئات الالوف من الأحاديث .
هذا جهد عظيم جداً . . ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شئ أن أتوجه أنا إلى نقد الصحيحين ( . . . ) وأدع الأحاديث الموجودة في السنن الأربعة وغيرها ، غير معروف صحيحها من ضعيفها .
لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما ، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث ، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله .
هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري ، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد .
ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله . . أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث ، أصل الحديث صحيح ، لكن يكون جزء منه غير صحيح .
من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس قال: تزوج أو نكح رسول الله (ص)ميمونة وهو محرم .
هذا حديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم ، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما .
والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبدالله بن عباس لاغبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته ، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته .
مثلاً من رجال البخاري اسمه: فليح بن سليمان ، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سي الحفظ. فهذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد ، يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد. فحديث ابن عباس أن رسول الله(ص) تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً . . لا ..كلهم ثقات. لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الأول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس ، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة ، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي(ص)التي هي ميمونة ، فقد صح عنها أنه(ع)تزوجها وهما محلان .
إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الأول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً ، وهو كما ترون كلمات محدودات ( تزوج ميمونة وهو محرم ) أربع كلمات . . مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري .
النوع الثاني ، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي(ص).. من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي(ص)قال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وقال ابن قيم الجوزية ، وقال شيخه ابن تيمية ، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول (ع) ... وإنما هو من كلام أبي هريرة .
إذاً الجواب تم حتى الان عن الشطر الأول . . أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين .
أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت ، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت . . .
الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم ، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً . . الذي ليس عنده مرجح آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري ، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله على قول من دونه كمسلم مثلاً على شهرته بعلمه ، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما. هذا من المرجحات بلا شك. الآن نأتي إلى مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو: التخصص في العلم . . .
تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه ، هناك مثلاً طب عام وهناك طب خاص. رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلى الطبيب العام بل إلى المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الامثلة كلها. وإنما يسأل عالماً بالشرع. وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع ، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلى أقسام: علماء بما يسمى اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا فيجعلك في حيرة ، على كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية. لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي على الراجح من أقوال العلماء بناء على الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف ، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول. وهكذا .
الآن ندخل في ما نحن بصدده. الان كما قلت اختلف الأقوال وبعضهم يرد على بعض. الشئ الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي ، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً ، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم ـ عفواً لطالب العلم ـ أن ينطلق منها .
عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة . . عندنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله ، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلى الشعب الأردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف ، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحيد.
أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متى عرف هذا الرجل بالعلم حتى يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملا علمه العالم الإسلامي .
إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوى. فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن اليوم في العلم ، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين ، ولا من العلماء الضالين ، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين: إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلى اليوم..صحابيان اختلفا ، رجل من الأولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالإسلام ، هؤلاء أهل علم وهؤلاء أهل علم . . لكن هؤلاء من السابقين الأولين. فهنا نفس القضية تمشئ تماماً . . رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله .. وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخرى .
إذاً من هنا يأخذ الإنسان منهج ممن يتلقى العلم ، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملا بعلمه الدنيا .
نأتي الان إلى صلب سؤالك..والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم يرد على بعض . . وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق على هؤلاء المغشوشين مثل السقاف . . تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم..في طلب العلم ، وربما لا يصدق عليه ذلك ! !

أهل البيت(عليهم السلام)ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه
روى المجلسي في بحار الأنوار:4/38:
15 ـ يد: أبي عن محمد العطار عن ابن عيسى عن البزنطي عن الرضا(ع) قال: قال رسول الله( ص ): لما أسرى بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل(ع)مكاناً لم يطأه جبرئيل قط ، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب .
وروى الكليني في الكافي:1/95 باب في إبطال الرؤية:
1 ـ محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمد(ع)أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه ؟ فوقع(ع): يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى. قال وسألته: هل رأى رسول الله( ص ) ربه ؟ فوقع(ع): إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهى. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/43

وروى الكليني في الكافي:1/95:
2 ـ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله على أبي الحسن الرضا(ع)فاستأذنته في ذلك فأذن لي ، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد ، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية .
فقال أبو الحسن(ع): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والإنس: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شئ أليس محمد ! قال: بلى. قال: كيف يجي رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار ، ولا يحيطون به علماً ، وليس كمثله شئ ، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو على صورة البشر ! أما تستحيون ! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر !
قال أبو قرة: فإنه يقول: ولقد رآه نزلة أخرى .
فقال أبو الحسن(ع): إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى حيث قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه ، ثم أخبر بما رأى فقال: لقد رأى من آيات ربه الكبرى ، فآيات الله غير الله ، وقد قال الله: ولا يحيطون به علماً، فإذا رأته الابصار فقدأحاطت به العلم ووقعت المعرفة!
فقال أبو قرة: فتكذِّب بالروايات !
فقال أبو الحسن(ع): إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً ، ولا تدركه الأبصار ، وليس كمثله شي. انتهى .
وقال في هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال: فذهب المشبهة والكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسماً ! وذهب الأشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلى امتناعها في الدنيا والآخرة، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقاً كما ستعرف ، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي+كتاباً أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء ـ شكر الله سعيه ـ وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية:
منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه ، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي ، وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم .
ومنها: أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها ، إما أن تقع على الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع على بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم .
ومنها: أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها ، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار إليه بحدقة ، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها .
ومنها: أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي ، ومنزهوا الله تعالى من الأشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا .
ومنها: أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً ، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها ، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة ، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر . والثالث: كالالم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته ، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهى. وروى النيسابوري في روضة الواعظين/33 حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/36 وقال في/37: قوله تعالى: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأى راجعاً إلى النبي( ص )وإلى الفؤاد .
قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأى ببصره من صورة جبرئيل ، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له ، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر ، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك ، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره ، أو ما رآه بقلبه. والمعنى لم يكن تخيلاً كاذباً ، ويدل عليه أنه سئل(ع)هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي ، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه على ما يرى أفتجادلونه عليه ، من المراء وهو المجادلة. انتهى .
قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالى والثاني جبرئيل(ع)والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهى. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخرى فيحتمل نزوله( ص )ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها على جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:
الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل ، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ ، وقد أشار أمير المؤمنين (ع) إلى هذا الوجه في الخبر السابق. وروى مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى جبرئيل (ع)له ستمائة جناح. وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبرئيل(ع)بصورته التي له في الخلقة الأصلية .
الثاني: ما ذكره(ع)في هذا الخبر ، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه .
الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلى الفؤاد ، فعلى تقدير إرجاع الضمير إلى الله تعالى أيضاً لافساد فيه .
الرابع: أن يكون على تقدير ارجاع الضمير إليه(ع)وكون المرئي هو الله تعالى والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف .
وأما استدلاله(ع)بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً ، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.
قوله(ع): حيث قال ، أي أولاً قبل هذه الآية ، وإنما ذكر(ع)ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً ، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها .
قوله(ع): وما أجمع المسلمون عليه ، أي اتفق المسلمون على حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها .
ثم اعلم أنه(ع)أشار في هذا الخبر إلى دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة وافقونا في أن كنهه تعالى يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية ، حتى أن المحقق الدواني نسبه إلى الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية ، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب ، فأشار(ع)إلى أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالى من السمع ينفي الرؤية أيضاً ، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالى ، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالى .

الإمام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول
قال الصدوق في كتابه التوحيد/183:
18 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق+قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن جعفر الجعفري ، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (( ص )) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فقال: إن الله تبارك وتعالى لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ، إنما منظره في القرب والبعد سواء ، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد ، ولم يحتج بل يحتاج إليه ، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالى ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلى نقص أو زيادة ، وكل متحرك محتاج إلى من يحركه أو يتحرك به ، فظن بالله الظنون فهلك ، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له على حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود ، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين .
وقال الصدوق في كتابه التوحيد/176:
7 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسى أبو تراب الروياني، عن عبدالعظيم بن عبد الله الحسني ، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا(ع): يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (( ص )) أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟ فقال(ع): لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه ، والله ما قال رسول الله (( ص )) كذلك ، إنما قال( ص ): إن الله تبارك وتعالى يُنْزِلُ ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه ، هل من تائب فأتوب عليه ، هل من مستغفر فأغفر له ، يا طالب الخير أقبل ، يا طالب الشر أقصر ، فلا يزال ينادي بهذا حتى يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله( ص ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page