• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الحادي عشر :المزيد من تأثير الإسرائيليات على أحاديث الشفاعة

الفصل الحادي عشر
المزيد من تأثير الإسرائيليات على أحاديث الشفاعة


اتفق الجميع نظرياً على أن الشفاعة من مختصات نبينا(ص)
قد يستشكل على أحاديث اختصاص الشفاعة بنبينا(ص)الواردة في مصادر الفريقين، بأنها تنافي الأحاديث الصحيحة التي تثبت الشفاعة لغير نبينا(ص).
والجواب: أن وجه الجمع بين الأحاديث أن باب الشفاعة إنما يفتح يوم القيامة إكراماً لنبينا(ص).. وكل من يشفع من الملائكة والأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والمؤمنين ، فإنما يشفع بإجازته وبالسهم الذي يعطيه إياه شفيع المحشر(ص)!
فلا منافاة بين أحاديث اختصاصه بالشفاعة(ص)وبين مادل على ثبوتها لغيره من الأنبياء ( (عليهم السلام)) إلا ما دل منها على أن لغيره شفاعة مستقلة أو أنه يشفع قبله كما في أحاديث الإسرائيليات الآتية .
من لا يحضره الفقيه:1/240:
قال النبي(ص): أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، ونصرت بالرعب ، وأحل لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلم ، وأعطيت الشفاعة. ورواه في وسائل الشيعة:2/438 وفي سائل الشيعة:3/422 وفي مستدرك الوسائل:2/529
علل الشرائع:1/127:
حدثنا أبوالحسين محمد بن علي بن الشاه قال: حدثنا أبوبكر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادي بآمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن السخت قال: حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن حفص بن البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله(ص):
أنا أشبه الناس بآدم وإبراهيم أشبه الناس بي خلقه وخلقه .
وسماني الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبين الله وصفي وبشرني على لسان كل رسول بعثه الله إلى قومه .
وسماني ونشر في التوراة باسمي وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني كتابه ورفعني في سمائه وشق لي إسماً من أسمائه فسماني محمداً وهو محمود .
وأخرجني في خير قرن من أمتي وجعل اسمي في التوراة أحيد فبالتوحيد حرم أجساد أمتي على النار .
وسماني في الانجيل أحمد فأنا محمود في أهل السماء .
وجعل أمتي الحامدين وجعل اسمي في الزبور ماحي محى الله عز وجل بي من الأرض عبادة الأوثان .
وجعل اسمي في القرآن محمداً فأنا محمود في جميع القيامة في فصل القضاء لا يشفع أحد غيري .
وسماني في القيامة حاشراً يحشر الناس على قدمي .
وسماني الموقف أوقف الناس بين يدي الله عز وجل .
وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول .
وجعلني رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفي قفيت النبيين جماعة وأنا المقيم الكامل الجامع ومن علي ربي وقال لي يا محمد صلى الله عليك فقد أرسلت كل رسول إلى أمته بلسانها وأرسلتك إلى كل أحمر وأسود من خلقي ونصرتك بالرعب الذي لم أنصر به أحداً وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لاحد قبلك وأعطيتك لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطيتك ولأمتك التكبير وقرنت ذكرك بذكري حتى لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبى لك يا محمد ولأمتك .

تفسير القمي:1/194:
ثم قال حكاية عن قريش: وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، يعني رسول الله(ص)، ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، فأخبر عز وجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا ، فاستعفى النبي(ص)من الآيات رأفةً ورحمةً على أمته ، وأعطاه الله الشفاعة .

صحيح البخاري:1/86:
جابر بن عبد الله أن النبي(ص)قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة.
ورواه أيضاً في ص:1 جزء 1/113 وج 2 جرء 2/105 ونحوه في مسلم:2/63 وفي سنن النسائي:1/209 وفي سيرة ابن هشام:2/234 وفي مسند أحمد: 5/149 .

وفي:4/417 منه:
عن أبي موسى قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً: بعثت إلى الأحمر والأسود ، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي ، ونصرت بالرعب شهراً ، وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعة وإني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً. ونحوه في:1/301 وفي الدر المنثور:3 ص204 وج 5/237 وسنن الدارمي:1/322 وسنن البيهقي:9/4 وتفسير الطبري:3/2 وصفة الصفوة لابن الجوزي جزء 1 و2/76 وتفسيرالمنار لرشيد رضا: 9/300
ولكن الهيثمي ضعف روايته في مجمع الزوائد:8/259 فقال:
ابن يزيد قال قال رسول الله (ص): فضلت على الأنبياء بخمس: بعثت إلى الناس كافة ، ودخرت شفاعتي لأمتي ، ونصرت بالرعب شهراً أمامي وشهراً خلفي ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي. رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك.

نبينا(ص)أول شافع يوم القيامة
في مصادرنا نصوص واضحة صريحة في أن نبينا(ص)هو خطيب المحشر والشفيع الأول قبل الأنبياء ، بل هو شفيع الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً.. وقد تقدم بعضها آنفاً وفي تفسير قوله تعالى ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) وفي بعضها أن الله تعالى قد أذن لنبينا(ص)بالشفاعة وهو في الدنيا فلا يحتاج إلى إذن يوم القيامة .

في تفسير القمي:2/201:
قال: حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولى لامرأة علي بن الحسين(ع) على أبي جعفر(ع) يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر(ع) حتى تربد وجهه ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك وفرجك ! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمد(ص) ! ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد(ص)يوم القيامة .
ثم قال أبو جعفر(ع) : إن لرسول الله(ص)الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم .
ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فإن المؤمن ليشفع حتى لخادمه ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/334 ، وقد تقدم ذلك في الرد على الخوارج .

الصحيفة السجادية:2/290:
اللهم أنزل محمداً في أشرف منازل الأبرار ، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل . . . اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه ، وأكرم مثواه ، وتقبل شفاعته في أمته ، وفي من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فيه ، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة. ونحوه في المقنعة/411

الصحيفة السجادية:2/30:
اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنتك ، حتى لا يساوى في منزلة ، ولا يكافأ في مرتبة ، ولا يوازيه لديك ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته ، يا نافذ العدة ، يا وافي القول ، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات ، إنك ذو الفضل العظيم. ونحوه في المقنعة/125

تهذيب الأحكام:3/121:
اللهم إني أسألك من فضلك بأفضله . اللهم واجعل محمداً(ص)أدنى المرسلين منك مجلسا ، وأفسحهم في الجنة عندك منزلاً ، وأقربهم اليك وسيلة ، واجعله أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل ، وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والاخرون يا أرحم الراحمين .

تأويل الآيات:2/37:
قال علي بن إبراهيم: روي عن أبي عبد الله(ع) أنه قال: لا يقبل الله الشفاعة يوم القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتى يأذن في الشفاعة لرسول الله(ص) فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة فالشفاعة له ولأمير المؤمنين وللائمة من ولده ثم بعد ذلك للأنبياء ( (عليهم السلام)) أجمعين. ( ورواه في تفسير القمي:2/201 ونحوه في تفسير نور الثقلين: 4/334 ) .

بحار الأنوار:16/326:
الأمالي: أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدي ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن جعفر بن مدرار ، عن عمه طاهر ، عن الحسن بن عمار ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علي(ع) قال: قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ( أمالي ابن الشيخ 170 ) .

بحار الأنوار:16/304:
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. عسى من الله واجبة ، والمقام بمعنى البعث فهو مصدر من غير جنسه ، أي يبعثك يوم القيامة بعثاً أنت محمود فيه ، ويجوز أن يجعل البعث بمعنى الإقامة أي يقيمك ربك مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون ، وهو مقام الشفاعة يشرف فيه على جميع الخلائق يسأل فيعطى ويشفع فيشفع ، وقد أجمع المفسرون على أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس ، وهو المقام الذي يعطى فيه لواء الحمد فيوضع في كفه وتجتمع تحته الأنبياء والملائكة ، فيكون(ص) أول شافع وأول مشفع .

بحار الأنوار:8/47:
تفسير العياشي: عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله(ع) إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله(ص)فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله(ص): يابني عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكني وعدت الشفاعة ـ ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها ـ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثرا عليكم غيركم ؟ ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلى من ؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة فقال: هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون: إلى من إلى إبراهيم ، فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قدر رفعت حاجتي ، فيقولون: إلى من فيقال: إيتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي ، فيقولون إلى من ؟ فيقال إيتوا محمداً ، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتى يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه ، فيقال: من هذا ؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب ، فإذا نظر إلى الجنة خر ساجداً يمجد ربه بالعظمة ، فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيرفع رأسه ، فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ، فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه .انتهى.
وقد تقدمت الأحاديث بهذا المضمون ، وهي محل اتفاق في مصادر الطرفين، وفيها دلالة على أن نبينا(ص)هوأول من يتقدم للشفاعة يوم القيامة.

الأحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين
في مصادر السنيين نوعان من الأحاديث في هذا الموضوع: فمنها ما يوافق مصادرنا ، وقد روته صحاحهم كالذي رواه ابن ماجة:2/724: عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه أن رسول الله(ص)قال: إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ، غير فخر .

والذي رواه مسلم في:1/130:
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أول الناس يشفع في الجنة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً . . .
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، وأنا أول من يقرع باب الجنة...
أنس بن مالك قال النبي (ص): أنا أول شفيع في الجنة ، لم يصدَّق نبي من الأنبياء ما صدِّقت ، وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد .

وروى في:7/59:
عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع. انتهى .

وفي سنن الترمذي:5/248:
عن ابن عباس قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله(ص)ينتظرونه قال فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ من إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسى كلمه تكليماً. وقال آخر: فعيسى كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك ، وموسى نجي الله وهو كذلك ، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك ، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فحر ، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. هذا حديث غريب. انتهى. وروى نحوه ابن ماجه: 2/1440 وأحمد في:3/2

وفي سنن الدارمي:1/26:
عن أنس قال قال رسول الله (ص): أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أيسوا. الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي ، وأنا أكرم ولد آدم على ربي .

وفي فردوس الأخبار: 1/80 ح 124:
أنس بن مالك: أنا أول شفيع يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد. انتهى .

وفي شعب الإيمان للبيهقي:2/132 وص 179:
أبو هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم ، وأول شافع وأول مشفع .

وفي شعب الإيمان/181:
عن أنس قال: سمعت النبي (ص) يقول: إني أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامه ، وأنا أول من يدخل الجنة . . . ونحوه في تهذيب الكمال: 15/425 وج 22/551 وسير أعلام النبلاء:8/293 وكنز العمال: 11/404 فما بعدها بروايات متعددة ، وفي:14/393 فما بعدها. وفيه في:11/435: أنا سيد المرسلين إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا ، ومبشرهم إذا أيسوا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا ، أتكلم فيصدقني ، وأشفع فيشفعني ، وأسأل فيعطيني .
وفي الدر المنثور:4/93:
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك (رض) قال وأول ما يأذن الله عزوجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة محمد(ص)فيقال له قل تسمع وسل تعطه قال: فيخر ساجداً فيثني على الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال إرفع رأسك...

وفي سيرة ابن كثير:1/195:
فروى الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد... عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ قال: فتبسم حتى بدت نواجذه ، ثم قال: كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبى نوح ، وقذف بي في صلب أبى إبراهيم ، لم يلتق أبواي على سفاح قط ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة، صفياً مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والانجيل ذكري ، وبين كل نبي صفتي تشرق الأرض بنوري والغمام بوجهي ، وعلمني كتابه وزادني شرفاً في سمائه ، وشق لي اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر ، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لامتي ، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

فتاوى ابن باز:1/187:
قال رسول الله: أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة ، وأنا أول شافع وأول مشفع. انتهى .

الأحاديث المتأثرة بالاسرائيليات في مصادر السنيين
والنوع الثاني من أحاديث السنيين: أحاديث تجعل الشفاعة أولاً لابراهيم ، ثم لموسى ، ثم لعيسى ( (عليهم السلام)) وتجعل نبينا الشفيع الرابع (ص) ! !
روى الحاكم في المستدرك:4/496 حديثاً طويلاً عن الدجال ويأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقيامة والشفاعة ، وصححه على شرط الشيخين ، وفيه أمورٌ وتفصيلاتٌ غير معقولة ، جاء فيه:
عن أبي الزعراء قال كنا عند عبد الله بن مسعود (رض) فذكر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود: تفترقون أيها الناس لخروجه على ثلاث فرق ، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام ، فيبعثون اليهم طليعة فيهم فارس على فرس أشقر وأبلق قال فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر . . . .
قال: ثم تقوم الساعة على شرار الناس ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه. والصور قَرْنٌ ، فلا يبقى خلق في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك...
قال: ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلى جسدها حتى يدخل فيه ثم يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياماً لرب العالمين. قال: ثم يتمثل الله تعالى إلى الخلق فيلقاهم فليس أحد يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه ، قال فيلقى اليهود فيقول من تعبدون ؟ قال فيقولون نعبد عزيراً قال هل يسركم الماء ؟ فيقولون نعم ، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب ! قال ثم قرأ عبد الله: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً ، قال ثم يلقى النصارى فيقول من تعبدون ؟ فيقولون المسيح ، قال فيقول هل يسركم الماء ؟ قال فيقولون نعم ، قال فيريهم جهنم كهيئة السراب ! ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئاً. قال: ثم قرأ عبد الله: وقفوهم إنهم مسؤولون .
قال: ثم يتمثل الله تعالى للخلق حتى يمر على المسلمين قال فيقول من تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً ، فينتهرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول من تعبدون ؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً. قال فيقول هل تعرفون ربكم ؟ قال فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه ! قال فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجداً ، ويبقى المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً كأنما فيها السفافيد ! قال فيقولون: ربنا فيقول قد كنتم تدعون إلى السجود وأنتم سالمون.
قال ثم يأمر بالصراط فيضرب على جهنم فيمر الناس كقدر أعمالهم زمراً كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك حتى يمر الرجل سعياً ثم مشياً ، ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط على بطنه !
قال فيقول أي رب لماذا أبطأت بي ؟ فيقول لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك.
قال ثم يأذن الله تعالى في الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس جبريل عليه الصلاة والسلام ، ثم إبراهيم خليل الله ، ثم موسى ، ثم عيسى عليهما الصلاة والسلام قال: ثم يقوم نبيكم رابعاً، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه ، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله تبارك وتعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا .
قال فليس من نفس إلا وهي تنظر إلى بيت في الجنة أو بيت في النار . . .
قال: ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله .
قال ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته ، قال ثم يقول: أنا أرحم الراحمين ، قال ثم قرأ عبدالله: مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ، قال فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير ؟ ما ينزل فيها أحد فيه. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
ورواه البيهقي في البعث والنشور/326 والديلمي في فردوس الأخبار: 1/54 وص 80 والنيسابوري في الوسيط ج4/387 وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 2/170. وغيرهم .
أما الهيثمي فقد روى في مجمع الزوائد:9/31 حديث أنه(ص)أول شافع ، ووصفه لأنه موضوع ، وقال عن بعض طرقه في:8/254 ( وفيه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات )
ولكنه في نفس الوقت ردَّ الحديث الذي صححه الحاكم على شرط الشيخين في ج10/330 وقال ( رواه الطبراني وهو موقوف ، مخالف للحديث الصحيح وقول النبي: أنا أول شافع ) ! فيبدو أنه اطلع على طريق آخر صحيح للحديث ، غير الطريقين اللذين ضعفهما. ولكنا لم نطلع عليه .

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا(ص)
أما البخاري فقد روى في تاريخه الذي ألفه قبل صحيحه أن نبينا(ص)هو الشفيع الأول ، وتوقف في رواية أنه الشفيع الرابع ، لوجود ما يعارضها.

قال في تاريخه:4/286:
عن جابر بن عبد الله: قال النبي (ص): أنا قائد المسلمين ، ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر.

وقال في تاريخه:5/221:
عبد الله بن هاني أبو الزعراء الكوفي سمع ابن مسعود (رض) سمع منه سلمة بن كهيل يقال عن أبي نعيم إنه الكندي روى عن ابن مسعود (رض) في الشفاعة: ثم يقوم نبيكم رابعهم والمعروف عن النبي (ص): أنا أول شافع. ولا يتابع في حديثه. انتهى .

ولكنه في صحيحه لم يرو هذه الرواية ولا غيرها مما ينص على أن نبينا(ص) أول شافع !
نعم ، روى أن الشفاعة من مختصات نبينا(ص) دون الأنبياء (عليهم السلام):

قال في:1/113:
جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة. انتهى .

وروى في:5/226:
رواية الشفاعة المعروفة في المصادر وأن الأنبياء ( (عليهم السلام))يهابون التقدم للشفاعة للخلق ، ويطلبون من نبينا(ص)أن يشفع إلى الله تعالى فيتقدم ويشفع . . وهي تدل على أنه(ص)الشفيع الأول ، قال فيها: إذهبوا إلى محمد فيأتون محمداً فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، إشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى مانحن فيه ! فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك ، سل تعطه واشفع تشفع .انتهى .

والى هنا يبدو أنه لامشكلة..
ولكن البخاري روى في صحيحه ما يعارض ذلك ، ويجعل درجة نبي الله موسى(ع) في درجة نبينا(ص) أو أفضل منه ! فقد روى أن النبي(ص)نهى المسلمين أن يفضلوه على موسى ، وقال إنه عندما يبعث من قبره يجد موسى جالساً عند العرش قبله !!

قال البخاري في صحيحه:7/193:
عن أبي هريرة قال: استبَّ رجلان ، رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود ، فقال المسلم: والذي اصطفى محمداً على العالمين ، فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على العالمين ، قال فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي ، فذهب اليهودي إلى رسول الله(ص)فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم ، فقال رسول الله (ص): لا تخيروني على موسى ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى باطشٌ بجانب العرش ، فلا أدري أكان موسى فيمن صعق فأفاق قبلي ؟ أو كان ممن استثنى الله ؟ ! انتهى.

ورواه في صحيحه في سبعة مواضع أخرى على الأقل ! في:3/89 ، وج 4/126 ، وج 5/196 ، وج 6/34 ، وج 8/48 ، وص 177 ، وص 192 ، وهي رواياتٌ متفاوتة في دلالتها على تفضيل موسى ، ولكن مجموعها كاف في الدلالة عليه ، مهما حاول الشراح تأويلها !
فقد نصت الرواية المذكورة كما رأيت على نهي النبي(ص)عن تفضيله على موسى ، ووردت هذه العبارة ( لا تخيروني على موسى ) في رواية البخاري الأخرى:7/193 وفي:8/192 وكذا في مسلم:7/101 ، وسنن أبي داود:2/407 ، وأحمد:2/264. وورد في رواية:5/196 ( قال لا تخيروني من بين الأنبياء )

كما نصت على أن موسى(ع) مستثنى دون نبينا(ص)من الصعقة التي يقول الله تعالى عنها: وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَ مَنْ فِى الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ . الزمر : 68 ، وهذا امتيازٌ له على جميع الأنبياء ! وروى مثلها في:8/192 .
وجاء في:8/177:
( فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ) وزاد في:5/196 وج 8/48 ( فلا أدري أفاق قبلي ، أم جُزِيَ بصعقة الطور )

وفي:5/196:
( قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة ، فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش ) وفي رواية أخرى في غير البخاري أن النبي(ص)أول ما ينفض رأسه من التراب يرى موسى جالساً عند العرش !!
قد يقال: إن رواية البخاري لا تدل على أن موسى أفضل من نبينا(ص)لأنها تنص على أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته في الطور ولا علاقة له بالأفضلية .
والجواب: أن الرواية واردةٌ أساساً في مقام بيان أفضلية موسى ، أو بالأقل عدم أفضلية نبينا عليه ، فهذا هو موضوع الخلاف بين المسلم واليهودي ، وهو موضوع الحديث ، وموضوع النهي المزعوم من النبي(ص)عن تفضيله على موسى !!
وقد يقال: لو سلمنا أن الرواية تدل على مساواة موسى لنبينا(ص)أو أفضليته عليه، فهي لا تدل على أن موسى هو الشفيع الأول .
والجواب: أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطي لنبينا(ص)بسبب أنه أفضل الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً ، فإذا ثبت أن موسى أفضل منه ، فلا يبعد أن يكون هو رئيس المحشر وشفيعه . . الخ.
وقد حاولت بعض الروايات أن تحل المسألة مع الإسرائيليات حلاً سلمياً ، فتجعل الافضلية لموسى ، وتحتفظ بدرجة الشفيع الأول لنبينا(ص)كالتي رواها الطبري في تفسيره:24/20 قال: عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله قال: أتاني ملكٌ فقال يا محمد إختر نبياً ملكاً أو نبياً عبداً ، فأومأ اليَّ أن تواضع ، قال نبياً عبداً ، قال فأعطيت خصلتين: أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي فأجد موسى آخذاً بالعرش ، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولى ، أم لا. انتهى .

ولكنها على أي حال محاولاتٌ في مصلحة تصديق الاسرائيليات التي لا نثق بها !
ومن جهة أخرى . . فإن تأويل الروايات الواردة في موسى على نبينا وآله وعليه السلام حتى لو أمكن فهو لا يحل المشكلة ، لأنه توجد في صحاح إخواننا ومصادرهم روايات مشابهة عن كبار أنبياء بني إسرائيل ، فهي تفضلهم على نبينا(ص)أو تجعلهم في درجته ، فلا بد من معالجتها جميعاً !
ويحاول العلماء السنيون حل المشكلة بالتأويلات والإحتمالات البعيدة ، حتى لا يقعوا في محذور رد الأحاديث الصحيحة أو تكذيب رواتها.. والدخول في هذا البحث يخرجنا عن موضوعنا ، وإن كان من بحوث السيرة المهمة ، لكن نكتفي بذكر نماذج من هذه الأحاديث:
فمنها حديث الحاكم المتقدم الصحيح على شرط الشيخين ، الذي يعطي الشفاعة في الموحدين ليعقوب(ع) قبل نبينا(ص)بحجة أن يعقوب هو الذبيح !!
ومنها حديث البخاري المتقدم في:4/133 حيث جاء فيه ( فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ، فإذا موسى آخذٌ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور ، أم بعث قبلي. ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متى !) ومثله في مسلم:7/100

وفي البخاري:4/125:
عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى ، ونسبه إلى أبيه.
وفي:4/132:
عن ابن عباس أيضاً ، عن النبى(ص)قال: لا يقولن أحدكم إني خير من يونس ، زاد مسدد يونس بن متى. ونحوه في:4/132 و:4/133 و:5/185 وص 193 بروايتين ، وفي:8/213

وقد صرحت رواية مسلم:7/102 بأنه حديث قدسي !! وأنه يشمل كل الناس حتى نبينا(ص)قال:
عن النبي(ص)أنه قال يعني الله تبارك وتعالى: لا ينبغي لعبد لي ـ وقال ابن المثنى لعبدي ـ أن يقول أنا خير من يونس بن متى(ع) ) ! وروى نحوه في/103
أما ابن ماجة فقد شدد على الموضوع فروى في:2/1428 عن النبي (ص)أنه قال ( ومن قال: أناخير من يونس بن متى فقد كذب !. في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات .
وروى نحو ما في البخاري أبو داود في سننه:2/406 والترمذى ج1/118 وج 5/51
وعلل أفضلية يونس في كنز العمال:12/476:
فروى عن عدة مصادر ، عن علي ، عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لأحد ـ وفي لفظ لعبد ـ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متى ، سبح الله في الظلمات !

أما رواياتهم عن نبي الله داود(ع) فقد تكون أكثر صراحةً بتفضيله على نبينا(ص) !!
ففي مجمع الزوائد:8/206:
عن أبي الدرداء قال: وكان رسول الله(ص)إذا ذكر داود(ص)قال: كان أعبد البشر. رواه البزار في حديث طويل وإسناده حسن .
وفي كنز العمال:12/476:
عن ابن عساكر ، عن أنس أن رجلاً قال للنبي (ص): يا خير الناس ، قال: ذاك إبراهيم ! قال: يا أعبد الناس ، قال: ذاك داود !!. وفي:3/671 ( إن أخي داود كان أعبد البشر )
وفي صحيح البخاري:6/31 ونحوه في:4/135:
قال سألت مجاهداً عن سجدة( سورة ) (ص) فقال سألت ابن عباس: من أين سجدت ( يعني لماذا ) فقال: أو ما تقرأ: ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ، فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم(ص)أن يقتدي به ، فسجدها رسول الله(ص)!!
ونفس المشكلة تجدها في رواياتهم عن يحيى(ع) ، فقد روى الهندي في كنز العمال:11/521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغيرهما ، عن ابن عباس: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة ، إلا يحيى بن زكريا ، فإنه لم يهم بها ولم يعملها )
وفي كنز العمال:11/522 عن ابن عساكر: لا ينبغي لاحد أن يقول أنا خير من يحيى بن زكريا ، ما همَّ يخطيئة ولا جالت في صدره امرأة .
والنتيجة: أنه لابد للباحث من القول بأن روايات بني اسرائيل وجدت طريقها إلى مصادر إخواننا السنيين في عقيدة الشفاعة ، وبقيت ضعيفة في بعض الحالات ، ولكنها في حالات أخرى صارت إلى صفِّ الروايات الإسلامية وبستواها من الصحة .. وأحياناً صارت أقوى منها وحلت محلها !!

أحسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا(ص)
حاول القاضي عياض في كتابه (الشفا ) أن يقدم أفضل صورة عن شفاعة النبي(ص)ولذلك لم يتقيد بروايات الصحاح، وجمع روايات لم يصححوها وجرَّدها من كثير من الإسرائيليات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل على نبينا ، كما جرَّد بعض رواياتها من تجسيم الإسرائيليات ، وبقي في بعضها ، ولم يجردها من التهم التي تضمنتها لادم وإبراهيم وموسى وعيسى ( (عليهم السلام)) عندما يطلب الناس منهم الشفاعة يوم القيامة فيتكلمون عن خطاياهم وجرائمهم التي لم تغفر ! فجاءت صورة عياض قريبة إلى أحاديث أهل البيت ( (عليهم السلام))، وكانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنيٌّ عن شفاعة النبي(ص) .

وفيما يلي مقتطفات من كلامه من/216 وما بعدها:
وعن أبي هريرة سئل عنها رسول الله(ص)يعني قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فقال: هي الشفاعة .
وروى كعب بن مالك عنه (ص): يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ، ويكسونى ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال: فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة ، فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده .
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إني لقائم المقام المحمود ، قيل وما هو ؟ قال: ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالى على كرسيه . . . !
وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير: سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله فيه: قال قلت نعم ، قال: فإنه مقام محمد المحمود ، الذى يخرج الله به من يخرج يعني من النار ، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين.
وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال (ص): يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا. ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض ، وعن أبى هريرة: وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ما لا يطيقون ولا يحتملون ، فيقولون ألا تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون . . .. .
وفي رواية: فآتي تحت العرش فأخر ساجداً ، وفى رواية فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها ، إلا أنه يلهمنيها الله ، وفي رواية: فيفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي . . .
وفي رواية قتادة عنه قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود...
ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله(ص)قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر ، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، ومعى لواء الحمد يوم القيامة ، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر ، فآتي فآخذ بحلقة الجنة ، فيقال من هذا ؟ فأقول محمد ، فيفتح لي فيستقبلني الجبار تعالى ! فأخر ساجداً...
وفي رواية أنس سمعت رسول الله(ص)يقول: لاشفعن يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر .
فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الاثار أن شفاعته(ص)ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلى آخرها ، من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم الحاجر ، ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه ، وذلك قبل الحساب ، فيشفع حينئذ لاراحة الناس من الموقف ، ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في الحديث عن أبي هريرة وحذيفة ، وهذا الحديث أتقن ، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلى الجنة...
ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله. وليس هذا لسواه(ص).. .

وفي/207:
أورد القاضي عياض أحاديث في أن نبينا(ص)هو الشفيع الأول قبل غيره من الأنبياء منها:
أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا ، وأنا شفيعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم على ربي ولا فخر ، ويطوف عليَّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون .
وعن أبي هريرة: وأكسى حلةً من حلل الجنة ، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري .
وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وبيدى لواء الحمد ولا فخر ، وما نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها فيدخل معي فقراء المؤمنين ولا فخر ، وأنا أكرم الأولين والاخرين ولا فخر .
وعن أنس (رض) قال قال النبي (ص): أنا سيد الناس يوم القيامة ، وتدرون لم ذلك ؟ يجمع الله الأولين والآخرين . . وذكر حديث الشفاعة .
وفي حديث آخر: أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسى فيكم يوم القيامة ، ثم قال إنهما في أمتي يوم القيامة ، أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من أمتك ، وأما عيسى فالأنبياء إخوة بنو علات أمهاتهم شتى ، وإن عيسى أخي ليس بيني وبينه نبي ، وأنا أولى الناس به...
قوله أنا سيد الناس يوم القيامة: هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار(ص)لإنفراده فيه بالسؤدد والشفاعة دون غيره ، إذ لجأ الناس إليه في ذلك فلم يجدوا سواه. والسيد هو الذى يلجأ الناس إليه في حوائجهم ، فكان حينئذ سيداً منفرداً من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه. انتهى .
والنتيجة أن روايات الشفيع الأول في مصادر السنيين متعارضة بشكل لا يمكن الجمع بينها فلا بد من ترجيح طائفة منها وإسقاط الأخرى ، ولا شك في أن الأرجحية للطائفة الموافقة لأحاديث أهل البيت ( (عليهم السلام)) وللعقل ، المخالفة لليهود .
مسألتا: الذبيح وأول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة
يوجد مسألتان على الأقل ترتبطان بمسألة الشفيع الأول ، تغلب فيهما الإسرائيليات في مصادر السنيين يناسب أن نتعرض لهما باختصار، خاصة أن شفاعة إسحاق وإبراهيم ((ص)) وردت في رواياتهما:
الأولى منهما في تعيين الذبيح المذكور في القرآن ، وهل هو إسحاق أوإسماعيل ؟
والثانية في أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة ، هل هو إبراهيم أم نبينا صلى الله عليهما وآلهما !

المسألة الأولى
رأي الشيعة أن الذبيح هو اسماعيل(ع) كما سيأتي .
وقالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس اسماعيل .
قال السيد جعفر مرتضى في ( الصحيح ) من السيرة:2/47:
السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو: من أين جاء هذا الأمر الغريب: أن الذبيح هو إسحاق ؟
والجواب: هو ما قاله ابن كثير وغيره ( إنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب ، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك من أجله ظاهر الكتاب. (1)
فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين ، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم. ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة في هذا الأمر ، فإنها في حين تقول ( خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق. وإذهب إلى أرض المريا وأصعده هناك محرقة على. .الخ. (2) فقد عبرت هنا بكلمة وحيدك الدالة على أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم ، ولكنها تعود فتكذِّب نفسها وتنص على أن إسحاق لم يكن وحيداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعيل أربعة عشر سنة. انتهى .
وقال في هامشه:
(1) البداية والنهاية:1/161 و159 وراجع السيرة الحلبية:1/38 عن ابن تيمية.
(2) سفر التكوين: الإصحاح 22 الفقرة 1 ـ 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضاً .
(3) سفر التكوين الإصحاح 16 فقرة 15ـ16 نص على أن عمرَ إبراهيم حين ولادة إسماعيل 86 سنة. وفي سفر التكوين الإصحاح 17 والإصحاح 18 نص على أنه ولد له إسماعيل وهو ابن 99 أو مئة سنة. انتهى .
أما السنيون فقد تحيروا تحيراً شديداً في من هو الذبيح ، وروت مصادرهم روايات ( صحيحة ) متناقضة ! فقد روى الحاكم مثلاً عدة روايات في أن الذبيح المذكور في القرآن هو اسماعيل ، وصحح بعضها على شرط الشيخين !
قال الحاكم في:2/430:
عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ ، قال من شيعة نوح إبراهيم على منهاجه وسنته. بلغ معه السعي: شب حتى بلغ سعيه إبراهيم في العمل. فلما أسلما: ما أمرا به.
وتله للجبين: وضع وجهه إلى الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز علي، إربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي على الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحرك المدية حتى نودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع .
قوله فديناه بذبح عظيم: بكبش عظيم متقبل. وزعم ابن عباس أن الذبيح اسمعيل ، هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى .

وقال في:2/554:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
وروى في الصفحة التي بعدها:
عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المفدى اسمعيل ، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهى .
ثم روى الحاكم عدة روايات في أن الذبيح هو إسحاق ، وأنه هو الذي يشفع للموحدين ! ولم يذكر فيها شيئاً عن شفاعة نبينا(ص)وصحح بعضها أيضاً على شرط الشيخين! قال في:2/557 عن إحدى رواياته: قال الحاكم: سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن ماتع الأحبار ، ولو ظهر فيه سندٌ لحكمتُ بالصحة على شرط الشيخين ، فإن هذاإسنادٌ صحيحٌ لا غبار عليه !

وقال في/559:
حدثنا إسمعيل بن الفضل بن محمد الشعراني ، ثنا جدي ، ثنا سنيد بن داود، ثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الاحوص ، عن عبد الله قال عبد الله قال: الذبيح إسحاق. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
وحدثنا محمد بن عمرو الأويسي ، عن أبي الزبير ، عن جابر (رض) قال: لما رأى إبراهيم في المنام أن يذبح إسحاق أخذ بيده. فذكره بطوله . . . قال الحاكم: وقد ذكره الواقدي بأسانيده. وهذا القول عن أبي هريرة ، وعبد الله بن سلام ، وعمير بن قتادة الليثي ، وعثمان بن عفان ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم. وقد كنت أرى مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيها ، وهم لا يختلفون أن الذبيح إسمعيل ، وقاعدتهم فيه قول النبي (ص): أنا ابن الذبيحين ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعيل ، وأن الذبيح الآخر أبوه الادنى عبد الله بن عبد المطلب. والان فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال إنه إسحاق. انتهى .
فقد بين الحاكم أنه يوجد عند السنيين اتجاهان في تعيين الذبيح: قول بأنه اسماعيل ، وهو الاتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الاكثر تقديساً للنبي(ص)واختلاطاً بالناس ، ولم يكن عندهم شكٌّ ولا خلافٌ بأن الذبيح اسماعيل .
وقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفي هذه الأدلة ) أي مجموعات الأحاديث التي أمرت دولة الخلافة بتصنيفها ، وكانت تكتبها على دفاتر وتبعث بها إلى الآفاق ، ومن راجع قصص دفاتر الزهري والعلماء الذين صنفوا الحديث برعاية الدولة ، يعرف أن مقصود الحاكم هؤلاء المصنفين ! ثم أشار الحاكم إلى أن هذه الأحاديث أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث ، وأن يميل إلى اتجاه المصنفين ، وأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل !
ثم أورد رواية عن وهب ابن منبه ( اليهودي المقبول في مصادرهم ) تؤكد أن الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين !! قال الحاكم:
عن وهب بن منبه قال: حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه: وهب الله لإبراهيم إسحاق في الليلة التي فارقته الملائكة ، فلما كان ابن سبع أوحى الله إلى إبراهيم أن يذبحه ويجعله قرباناً ، وكان القربان يومئذ يتقبل ويرفع ، فكتم إبراهيم ذلك إسحاق وجميع الناس وأسرَّه إلى خليل له ، فقال العازر الصديق وهو أول من آمن بابراهيم وقوله ، فقال له الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك، فلا تسوأن بالله ظنك فإن الله يجعلك للناس إماماً ولا حول ولا قوة لابراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم. فذكر وهب حديثا طويلاً إلى أن قال وهب: وبلغني أن رسول الله(ص) قال: لقد سبق إسحاق الناس إلى دعوة ما سبقها إليه أحد ! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لأهل هذه الدعوة ، وأقبل الله على إبراهيم في ذلك المقام فقال:
إسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين. وقال لاسحاق: إسمع مني يا أصبر الصابرين ، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاء عظيم لم أبتل به أحداً من خلقي ، ابتليتك يا إبراهيم بالحريق فصبر صبراً لم يصبر مثله أحد من العالمين ، وابتليتك بالجهاد فيَّ وأنت وحيدٌ وضعيفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم يصدق مثله أحد من العالمين ، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة أبيك ، ورأيت ذلك هنيئاً صغيراً في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه ، وإني أعاهدكما اليوم عهداً لا أحبسن به: أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك الجنة عليَّ فأنت خليلي من بين أهل الأرض دون رجال العالمين ، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك ، فخرَّ إبراهيم ساجداً تعظيماً لما سمع من قول الله متشكراً لله .
وأما أنت يا إسحاق فتمنَّ عليَّ بما شئت ، وسلني واحتكم ، أوتك سؤلك .
قال: أسألك يا إلهي أن تصطفيني لنفسك ، وأن تشفعني في عبادك الموحدين ، فلا يلقاك عبدٌ لا يشرك بك شيئاً إلا أجرته من النار .
قال له ربه: أوجبت لك ما سألت وضمنت لك ولأبيك ما وعدتكما على نفسي ، وعداً لا أخلفه ، وعهداً لا أحبسن به ، وعطاء هنيئاً ليس بمردود. انتهى .
والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح اسماعيل صحيحة ومشهورة عند مشائخ الحديث وعامة الناس .
ويشهد أيضاً بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضاً عند أهل المصنفات ، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور !
لكن يبقى السؤال: من أين جاء هذان الاتجاهان في المسألة !
أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة على شرطه تقول إنه اسماعيل ومن البعيد جداً أنه لم يرها !

قال السيوطي في الدر المنثور:5/282:
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق. انتهى .
بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضاً أن الذبيح إسحاق لأن الرواية اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في مستدرك الحاكم ، وقد حذف منها أن الذبيح اسماعيل ! !

قال البخاري في صحيحه:8/70:
باب رؤيا إبراهيم وقوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يَا بُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى . . . قال مجاهد: أسلما: سلما ما أمرا به ، وتله: وضع وجهه بالأرض. انتهى .
ولابد أن البخاري لم يرتض رأي مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح اسماعيل ، ولذلك حذفه من تفسيره للايات الذي نقله عنه ! ولكنه لم يشير إلى ما فعل مع الأسف !
ووما يدل على أن رأي مجاهد القاطع بأن الذبيح اسماعيل : ما رواه السيوطي في الدر المنثور: 5/280 قال:
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبى حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل(ع)  .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل(ع) .
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا: الذي أراد إبراهيم(ع) ذبحه اسمعيل(ع) .
وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي مثله. انتهى .

وأما مسلم ، فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح ! ولو كان يرى أنه إسماعيل لذكره ، لوجود روايات عديدة صحيحة على شرطه في ذلك ، ومن البعيد أنه لم يرها ! فلا بد أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق .
أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلك ؟
ولماذا أسقطوا الأحاديث الصحيحة بأن الذبيح اسماعيل !

فالجواب: أنهم فعلوه لحاجة في نفس يعقوب !!
والحاجة التي في نفس يعقوب هنا: أن قريشاً تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق حتى لا تضطر إلى الإعتراف بحديث ( أنا ابن الذبيحين ) لأن هذا الحديث يعطي لعبد المطلب مقاماً شبيهاً بمقام إبراهيم(ع) وأنه كان ولياً ملهماً كالأنبياء وأن الله تعالى امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه . . وإذا اعترفت بذلك ، فإن حق الحكم بعد النبي يجب أن يكون في ذرية عبد المطلب دون غيرهم من بيوتات قريش وقبائلها !!
فالأفضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة النبي الماضين، كانوا كفاراً وأنهم في النار ، وأن ورثة سلطان النبي (ص)هم جيل قريش الذين عاصروه من جميع قبائل قريش الثلاث والعشرين !
ولهذا نجد أن شخص ( الخليفة ) يتدخل في هذا الموضوع ويصير راوياً ، ويقول إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين ، ولكن بدوياً فقيراً تقرب إليه بهذه العبارة ، فتبسم لها النبي(ص)! وقد كان تبسمه اشتباهاً ورأياً رآه من عنده ولم ينزل عليه به وحي !!

روى الحاكم في المستدرك:2/554 عن: عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم اسمعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح فقال معاوية: سقطتم على الخبير كنا عند رسول الله فأتاه الاعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يابن الذبيحين فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه !!
فقلنا يا أميرالمؤمنين وما الذبيحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك. قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح واسمعيل الثاني. انتهى .
وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الأخير من كلام معاوية ، لأنه في القسم الأول نفى مسألة الذبيح من أصلها ! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي(ص)!
لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود ! وكعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة ، ليثبتوا أن الذبيح اسحاق ، وليس إسماعيل ، وينقضوا على الشفاعة للموحدين فيأخذوها من النبي (ص)، ويجعلوها لاسحاق !!
ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في تفسيره:2/123 عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله: إني أرى في المنام أني أذبحك ، قال: اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي (ص) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب ! فقال: أبو هريرة قال النبي (ص): إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة فقال له كعب: أنت سمعت هذا من رسول الله ! قال نعم .
قال كعب: فداه أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأى ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل على سارة فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك قالت: غدا به لبعض حاجته فقال: إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه. قالت: ولم يذبحه ! قال: يزعم أن ربه أمره بذلك ! قالت: فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك ليذبحك ! قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك ! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن. قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال: أين غدوت بابنك فقال لحاجة قال: فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك ! قال: فوالله لئن كان أمرني بذلك لافعلن. قال: فتركه ويئس أن يطاع. انتهى .

وروى الطبري في تاريخه:1/187:
رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الأحبار في أن الذبيح إسحاق ، ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك فأوحى الله إلى إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. انتهى .
وبذلك يقول لنا كعب: إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب ، ثم إنكم تزعمون أن محمداً يشفع في الموحدين ، وقد سبقه إلى ذلك إسحاق فلم يبق معنى لشفاعة نبيكم !

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/282:
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب (رض) أنه قال لابي هريرة: ألا أخبرك عن اسحاق قال بلى قال: لما رأى إبراهيم أن يذبح إسحاق . . . وذكر شفاعة اسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة !

وقال ابن خلدون في تاريخه:2/38:
واختلف في ذلك الذبيح من ولديه ، فقيل اسمعيل وقيل اسحاق وذهب إلى كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن الذبيحين ولا تقوى الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر !!
ويحتجون أيضاً بقوله تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ولو كان ذبيحاً في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت على وفق العلم بأنه لا يذبح وأنما كان ابتلاء لإبراهيم .
والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والزهري ومكحول والسدي وقتادة . انتهى .
وينبغي الإلتفات هنا إلى أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب رواية ابن خلدون وغيره:
الأول: الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم عن الخلافة .
والثاني: كعب الأحبار حامل راية الثقافة الإسرائيلية .
وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس، ورووا عنهما أن الذبيح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظيمة عن عبد المطلب ، التي تجعله بنص الرسول(ص)إبراهيم الثاني !
ويظهر أن قريشاً وكعباً لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن ، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو إسحاق ، وإن رووا ذلك عنهم ، فقد بقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقيت روايات أهل البيت الصريحة ، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم: 2/555: قال: المفدى إسمعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهى. بقي كل ذلك يتحدى رواة الخلافة القرشية واسرائيلياتها !

رأي أهل البيت ( (عليهم السلام))
تؤكد مصادر أهل البيت( (عليهم السلام)) أن الذبيح هو اسماعيل(ع) وقد قوى العلماء رواياته وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق حتى صار ذلك من مختصات مذهبنا . . ففي تفسير القمي:2/226: قال: وحدثني أبي عن صفوان بن يحيى وحماد عن عبدالله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله(ع) قال سألناه عن صاحب الذبح فقال: اسماعيل. وروي عن رسول الله(ص)أنه قال: أنا ابن الذبيحين يعني اسماعيل وعبد الله بن عبد المطلب .

وفي تفسير التبيان:8/517:
واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في إحدى الروايتين عنه والشعبي: إنه كان إسماعيل وهو الظاهر في روايات أصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين فدل على أن الذبيح كان اسماعيل. ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر لأن الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته .
ويدل أيضاً عليه قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم يذكر اسماعيل. فدل على أنه كان مولوداً قبله .
وأيضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب فكيف يأمره بذبحه مع ذلك ؟ وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق .
وقالوا أيضاً يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب. والأول هو الاقوى على ما بيناه. وقد روى عن النبي(ص)أنه قال: أنا ابن الذبيحين ولا خلاف أنه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه. انتهى .
وفي تفسير نور الثقلين:4/421:
في أمالي شيخ الطائفة+بإسناده إلى سليمان بن يزيد قال: حدثنا علي بن موسى قال: حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه ( (عليهم السلام)) قال: الذبيح اسماعيل(ع)  .
وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين (ع)  عن النبي(ص): يا من فدى اسماعيل من الذبح .

وفي مستدرك الوسائل:16/98:
وفي العيون: عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي عن علي بن حسن بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن معنى قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ((ص)) وعبد الله بن عبدالمطلب... إلى أن قال: وأما الآخر فإن عبدالمطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال: قد وفى الله تعالى لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله . . الخبر .
ابن شهر آشوب في المناقب: تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعيل فنذر أنه متى رزق عشرة أولاد ذكوراً أن ينحر أحدهم في الكعبة شكراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري فقالوا: الأمر إليك ونحن بين يديك..الخبر. انتهى .

بحث في إيمان عبد المطلب ورواية أنا ابن الذبيحين
نظراً لاهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده(ص) .. نستعرضها بشكل موجز ، ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر السنيين:
فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين الناطق بإلهام رب العالمين(ص)، نقاطاً ملفتة في مدح عبد المطلب ، توجب الإعتقاد بأن شخصيته شخصية ربانية ، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك وعبادة الأصنام !
فمن هذه الأحاديث:
أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم(ص)بين سهام الكفار ورماحهم وسيوفهم في أشد ظروف الخطر ، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم..ترجل(ص)للحرب وافتخر على الكفار بأمرين: نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلك بين يدي الله تعالى وقاتلهم !
والنبي العادي لا يفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفاراً ، فكيف بسيد الأنبياء والمرسلين وأتقى الموحدين(ص)!

قال البخاري في صحيحه:5/98:
عن أبي إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين ! فقال أما أنا فأشهد على النبي(ص)أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس بغلته البيضاء ( وهو ) يقول:
أنا النبي لا كذب        أنا ابن عبد المطلب
وقال البخاري في:3/220:
قال: لا والله ما ولى النبي(ص)، ولكن ولى سرعان الناس ، فلقيهم هوازن بالنبل، والنبي(ص)على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحر ث آخذ بلجامها، والنبي(ص)يقول:
أنا النبي لا كذب        أنا ابن عبد المطلب
وقال في:4/28:
فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول:
أنا النبي لا كذب        أنا ابن عبد المطلب
قال: فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه ! ورواه مسلم في:5/168 و 169
وقال البخاري في صحيحه:4/161:
باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية. وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن النبي (ص): إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وقال البراء عن النبي (ص): أنا ابن عبد المطلب.
ومن هذه الأحاديث:
ما دل أن الله تعالى جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لأبناء عبد المطلب إلى يوم القيامة ، فحرم عليهم الصدقات لأنها أوساخ الناس ، وجعل لهم بدلها الخمس. وإن شخصاً يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوى إلى يوم القيامة ، يستبعد أن يكون مشركاً عابداً للأصنام !

قال النسائي في سننه:7/134:
عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي(ص)وقرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً . . . قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .

وقال أبو داود في سننه:2/26:
حدثنا حسين بن علي العجلي، ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن السدي، في ذي القربى قال: هم بنو عبد المطلب .
وقال النسائي:5/105:
باب استعمال آل النبي(ص)على الصدقة... أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله(ص)فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات ، فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال فقال لهما: إن رسول الله(ص)لا يستعمل منكم أحداً على الصدقة ، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتى أتينا رسول الله(ص)، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد !

وفي صحيح مسلم:3/118:
عن النبي(ص)قال: إن الصدقة لاتنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس... وقال أيضاً: ثم قال رسول الله (ص): أدعوا لي محمية بن جزء ، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله(ص)استعمله على الأخماس. انتهى.
ونحوه في سنن أبي داود:2/28 ومسند أحمد:4/166 والبيهقي في سننه:7/31 ـ وشبهه في:6/338
وروى إحدى رواياته الحاكم في المستدرك:3/484وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى نحوه في كنز العمال:6/458 بعدة روايات .
ومعنى قوله ادعوا لي محمية: أدعوا لي المسؤول عن الأخماس التي هي شرعاً لبني عبد المطلب ، حتى أعطي هؤلاء منها. وهو يدل على أن النبي (ص)نفذ في حياته الحكم الشرعي في الخمس ، وجعل له مسؤولاً هو محمية بن جزء، ولكن ذلك انتهى بوفاته ، ولم يبق له أثرٌ عند خلفاء قريش! 
وقد يشكل على هذا التشريع الإسلامي: بأنه قد أسس الطبقية في المجتمع الإسلامي ، وجعل أسرة النبي(ص)من بني هاشم وعبد المطلب ، أسرة مميزة اجتماعياً ومالياً ، بل ومترفعة على غيرها ، فهي لا تأكل من أموال بيت المال التي تتجمع من الزكوات والضرائب لأنها أوساخ الناس ، بل لها ماليتها الخاصة في موارد الدولة.
وقد اختلف الفقهاء في موارد مالية بني عبد المطلب هذه ، فحصرها فقهاء الخلافة القرشية بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوي قربى النبي من بني هاشم..وعممها فقهاء الشيعة لكل مايغنم في الحرب والكسب ، مما زاد على مصارف المسلم السنوية.. فقد يقال إن هذه الاموال تشكل ميزانية دولة فكيف يجعلها الله تعالى لاسرة النبي(ص) ؟!
والجواب: أولاً ، أن الخمس ليس لأغنياء بني هاشم ، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنين .
وثانياً ، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء والنابغين أمر حضاري ، فلو أن مجلس العموم البريطاني مثلاً أقرَّ قانوناً بإعطاء أبناء آينشتاين من أموال الدولة ما يكفي لمعيشة فقراءهم ، بسبب أنهم من ذرية عالم نابغ ، ويؤمل أن ينبغ منهم آخرون..لرأى فيه المعترضون على الخمس الإسلامي عملاً عصرياً صحيحاً ، واهتماماً جيداً من دولة متحضرة!
فما هو الإشكال في أن تهتم الشريعة الخاتمة بذرية سيد الأنبياء وأسرته (ص)وتجعل لهم ميزانية من أزكى الموارد ، لمن كان منهم مؤمناً محتاجاً .

وثالثاً ، إن الذي يشكل على تشريع الخمس لال النبي(ص)عليه أن يرجع إلى القرآن ليرى ما هو أعظم من الخمس ، فإن نبينا(ص)هو الوحيد من بين الأنبياء الذي أوجب الله تعالى على أمته إعطاءه أجراً على تبليغ الرسالة ، وجعل هذا الأجر: مودة آله فقال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى) ولذا أفتى كل فقهاء المذاهب بنفاق الناصبي الذي يكره آل النبي(ص) ، وأفتى بعضهم بكفره !
إن المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الأديان ، لا مفر له من القول بأن الله تعالى من الأصل قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي ، وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية. فالاسرة المختارة أساسٌ في نظام الدين الإلهي ، ولكنها أسرة مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده ، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه . . لا كالاسر التي يختارها الناس بأهوائهم ، أو بعلمهم المحدود ، أو الأسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها على الناس !
قال الله تعالى: إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ . ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . آل عمران 33 ـ 34

وقال عن جمهرة أسر الأنبياء:
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ . وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ . وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَ هَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِى بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ . الأنعام : 83 ـ 89

وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة:
هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ . آل عمران : 38

وقال عن ذرية نبينا(ص) وكثرتهم:
وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِىٍّ وَلا وَاقٍ . وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِىَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ . الرعد : 37 ـ 38
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ . الكوثر : 1-3

وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئٍْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِى وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . غافر : 7 ـ 9

وقال عن نظام الذرية والاسر في الآخرة أيضاً:
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ . الرعد : 22-24
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ . وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍْ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ.  الطور : 20 ـ 21 انتهى .
فنظام الأسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم ، وقد أقره الله تعالى واستفاد منه في الدين الإلهي.
وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة . . فإن ذلك يرجع إلى فساد تلك الأسر ولا يصح أن يكون سبباً لرفض بنية الأسرة وفكرتها . . فهذه البنية تختزن إيجابيات كبرى لحمل الرسالة واستمرارها كما أن فيها خطر سلبيات كبرى أيضاً وأن تتحول إلى ملك عضوض . . وقد تحدث القرآن عن الأجيال التي فسدت من أسر الأنبياء وأتباعهم فقال تعالى:
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا . فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. مريم: 58 ـ60
لكن عندما يختار الله تعالى أسرة كأسرة نبينا(ص)ويصطفيها فليس معناه أنه يختار كل أفرادها على علاتهم بل معناه أنه يختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سيوجد منها أفراد معصومون يختارهم لهداية الأمة وقيادتها .
ولو فكرت فيما نقلته الصحاح من قول النبي(ص)في حديث الثقلين ( ولقد أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) لما وجدت له معنى إلا أن الله تعالى أخبر نبيه بأنه سيكون من عترته شخص معصوم يواصل خط نبوته في كل عصر إلى يوم القيامة! فالاختيار لبني عبد المطلب كليٌّ عام لانهم معدن النبي(ص)ومعدن الأئمة من عترته ((عليهم السلام)) ولأنهم الأفضل بالمقايسة مع غيرهم من الأسر ، فهي أقلهم سلبيات وأكثرهم إيجابيات . . وهو اختيار ترافقه تشريعات حازمة شرعها الله تعالى بشأنهم تتلخص بما يلي:
أن المودة والاحترام لجميع بني هاشم ، بشرط الإسلام والإيمان .
أن الخمس لفقرائهم المؤمنين بمقدار كفايتهم وتمشية أمور معيشتهم .
أن وجوب الإطاعة فقط لاولي الأمر المعصومين منهم ((عليهم السلام)) الذين هم الأئمة الإثنا عشر لاغير . . وقد تقدم في الفصل الثامن تفسير آية المصطفين الذين أورثهم الله الكتاب بعد نبينا(ص) ، وأنهم محصورون في ذرية فاطمة الزهراء÷، وأن الصالحين منهم ثلاثة أنواع: سابق بالخيرات وهم الأئمة ((عليهم السلام)) ومقتصد وظالم لنفسه.
ومن الأمور الطريفة أن الذين ينتقدون الشيعة لتمسكهم بمودة أهل البيت وولايتهم ((عليهم السلام)) ويقولون إن مذهب التشيع مذهب أسري ، ينسون أنهم أسريون أكثر منا ! فنحن نعتقد أن الخلافة في هذه الأمة إلى يوم القيامة مخصوصة في ذرية النبي عملاً بنصه (ص)..بينما هم يقولون إن النبي(ص) لم ينص على أحد ، وبعضهم يقول إنه على أن الخلافة في قريش إلى يوم القيامة ، لأنهم قبيلة النبي(ص).
فنحن أسريون بالنص ، وهم قبليون بغير نص ، أو بنص !
ونطاق ولائنا نحن لبني هاشم وعبد المطلب بصورة عامة، ولإثني عشر إماماً منهم بصورة خاصة . . بينما نطاق ولائهم لبضع وعشرين قبيلة، هم مجموعة قبائل قريش ، ومنهم أئمة الشرك ، والكفر ، والنفاق !
وقد روينا ورووا أن علياً(ع)بعد أن فرغ من مراسم تغسيل النبي والصلاة عليه ودفنه(ص)بلغه أن بعض زعماء قريش ذهبوا إلى السقيفة حيث كان رئيس الأنصار مريضاً، واحتجوا على الأنصار بأنهم قوم النبي(ص) وعشيرته وأولى منهم بسلطانه ! فقال علي(ع)فيما قال: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ! !
وغرضنا هنا أن نوضح أن جميع المسلمين ماعدا من شذ قد أجمعوا على أن نظام الحكم في الإسلام بعد النبي(ص)إما أن يكون أسرياً مخصوصاً بعترته(ص)، أو قبلياً مخصوصاً بقبائل قريش الثلاث والعشرين أو الخمس والعشرين .
فنحن نقول إنه نظامٌ أسري بالنص واختيار الله تعالى كما قال ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) ، والسنة يقولون إنه نظامٌ قبلي باختيار الناس لكن من داخل قريش ، ولا يجب أن يكون الحاكم عندهم من أسرة النبي(ع)، بل لعله يستحبون أن يكون من غيرها !

ومن الأحاديث والنصوص الدالة على إيمان عبد المطلب:
ما ثبت في الحديث والتاريخ من كرامات بل معجزات لعبد المطلب ، في حملة أبرهة لهدم الكعبة تدل على توحيده وإيمانه ويقينه ، وعلى أنه كان يعرف أن الله تعالى سيرسل عليهم طيراً أبابيل ، وكان يرسل بعص أولاده إلى الجبل لينظروا هل جاء سرب الطيور من قبل البحر!
ورووا كذلك مخاطبته للفيل وجواب الفيل له بالاشارة بأنه لن يدخل إلى محيط الكعبة . . . إلى آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب !
ومن هذه الأحاديث والنصوص:
ما دل على الكرامة التي أكرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم على يده وما رافق ذلك من آيات فقد كان الله تعالى أكرم بهذا النبع جده اسماعيل وأمه هاجر ثم نضب وعفي على مر الزمن حتى أعاده الله تعالى على يد عبد المطلب عن طريق الرؤيا الصادقة التي لا تكون إلا للأنبياء والاوصياء وكبار الأولياء.
ومن هذه الأحاديث والنصوص:
ما دل على معرفته بنبوة حفيده(ص)، واهتمامه الخاص به ورعايته المميزة له في طفولته وصباه ، وتوصيته به إلى أرشد أبنائه أبي طالب ، وإخباره إياه بأمره . . . إلى آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون ، مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب !
ومن هذه الأحاديث والنصوص:
ما دل على المكانة الدينية التي كانت لعبد المطلب في قلوب قبائل العرب وجماهير ها والتي لم يكن لاحد مثلها حتى لرؤساء قبائلهم . . . كل ذلك مع حسد قريش له وعمل رؤسائها للحط من مكانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش الذين قادوا معركة بدر وبنو المغيرة الذين كان يرأسهم أبو جهل وبنو أمية الذين كان يرأسهم صخر .
وقد نصت مصادر التاريخ على هذه المكانة وأن طابعها كان تقديساً دينياً غير وثني بل مرتبطاً بالكعبة وزمزم وإسماعيل وإبراهيم ((عليهم السلام)). ويلاحظ ذلك من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم واحترامهم للنبي(ص)باعتباره ابن عبدالمطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعيل وإبراهيم وبركتهما !

روى النسائي في سننه:4/124:
عن أبي هريرة قال بينما النبي(ص)مع أصحابه ( إذ ) جاء رجل من أهل البادية قال: أيكم ابن عبد المطلب
قالوا: هذا الامغر المرتفق. قال حمزة: الامغر الأبيض مشرب حمرة .
فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة .
قال: سل عما بدا لك .
قال: أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك .
قال: اللهم نعم .
قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة .
قال: اللهم نعم .
قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا .
قال: اللهم نعم .
قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من إثني عشر شهراً .
قال: اللهم نعم .
قال: فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا .
قال: اللهم نعم .
فقال: فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهى .
ورواه البخاري مختصراً في صحيحه:1/23وأبوداود في سننه:1/117ـ 118 ويفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مكانة خاصة في قلوب المتفكرين من العرب. .بل يشير النص التالي في صحيح البخاري إلى أن أولاد بني عبد المطلب لهم مميزات نورانية خاصة. ففي:5/140: أن علي بن أبي طالب (رض)خرج من عند رسول الله(ص)في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله(ص)فقال أصبح بحمد الله بارئاً فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لارى رسول الله(ص)سوف يتوفى من وجعه هذا إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت . . . !! ورواه البخاري أيضاً في:7/136

ومن هذه الأحاديث والنصوص:
ما دل على العاطفة النبوية الجياشة التي كانت تفيض من قلب نبينا(ص) على بني هاشم وبني عبد المطلب وذريتهما وأحاديث ذلك كثيرة صحيحة مليئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقين القرشي ضد عبد المطلب .
قال البخاري في صحيحه:2/204:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي(ص)مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحداً بين يديه وآخر خلفه . . ورواه في:7/67
فهل كانت هذه العاطفة النبوية والحفاوة المحمدية بأطفال كافرين ! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السيف !
كلا بل كانت عاطفة على غصون شجرة مباركة يحملون إرث أجدادهم الأنبياء والأوصياء ، ولم يظهر منهم إلى الآن انحراف عنها !!
وروى البخاري أن النبي(ص)تعمد في حجة الوداع أن يوعي الأمة على ظلم قريش للنبوة ، ولكل بني هاشم وعبد المطلب !

قال البخاري في:2/158:
عن أبي هريرة (رض) قال قال النبي(ص)من الغد يوم النحر وهو بمنى: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر. يعني بذلك المحصب ، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني المطلب ، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي (ص). انتهى .
ثم لاحظ ذلك التعبير النبوي الملي بالعاطفة والحنان والإيمان بنوعية أبناء عبدالمطلب المميزة حيث قال(ص)كما حديث الكافي الآتي ( فما ظنكم يا بني عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثراً عليكم غيركم!) .
ويؤيده ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة:2/264 قال:
حدثنا أبوحذيفة قال حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العباس (رض) إلى رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت ! فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير أو قال الإيمان حتى يحبوكم لله ولقرابتي أيرجو سؤلهم شفاعتي عن مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي انتهى. وروى نحوه غيره .
ومن هذه الأحاديث:
ما دل على أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بني عبدالمطلب ! فقد روى ابن ماجة في سننه:2/1368: حدثنا هدية بن عبدالوهاب ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي. انتهى. وهو حديث صحيح عند إخواننا السنة وقد أورنا مصادره وطرقه العديدة في معجم أحاديث الإمام المهدي(ع)فزادت على مئة مصدر. وصحح العديد منها علماء الجرح والتعديل .
إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تكفي الباحث السوي الذهن ، لأن يعيد النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها على عبد المطلب..! فكيف بهذه المجموعات الثمانية مجتمعة ، ومثلها معها !
وإذا أنهار البناء القرشئ ضد عبد المطلب ، انهارت الجدران القرشية الأخرى وانكشفت محاصرتهم الجديدة لبني هاشم وبني عبد المطلب..التي أحكموها أكثر من محاصرتهم لهم في شعب أبي طالب ، لانهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام فطالت قروناً ، وعمت أجيالاً ، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر !

عبد المطلب عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك
اتفقت أحاديث أهل البيت ((عليهم السلام)) على أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله الواحد الاحد على ملة جده إبراهيم ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الملائكة والرؤية الصادقة . . بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من الأنبياء وأنه كان مأموراً أن يعبد ربه على دين إبراهيم ويأمر أولاده بذلك .
وقد روت ذلك مصادرنا وبعض مصادر السنيين قال السيوطي في الدر المنثور:5/98: وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: وتقلبك في الساجدين قال: من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبياً. انتهى .
قال المجلسي في بحار الأنوار:31/155:
روي عن جعفر بن محمد(ع)أنه قال: يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك .
وروى الكليني في الكافي:4/58:
عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن صفوان بن يحيى عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله(ع)قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله(ص)فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول(ص)الله: يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة ـ ثم قال أبو عبد الله (ع): والله لقد وعدها ـ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم !
ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيمة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلى من فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فيقول: ههيات قد رفعت حاجتي فيقولون إلى من فيقال: إلى إبراهيم فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون إلى من فيقال: إيتوا موسى فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من فيقال: إيتوا عيسى فيأتونه ويسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلى من فيقال إيتوا محمداً فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتى يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه فيقال: من هذا ؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب فإذا نظر إلى الجنة خر ساجداً يمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه. ورواه في تهذيب الأحكام:4/58 وتفسير العياشي:2/93 وتفسير نور الثقلين:2/235 ووسائل الشيعة:6/185 ومستدرك الوسائل:7/119 وتفسير نور الثقلين:3/210
هذا وقد تكفلت مصادر الحديث والتفسير عندنا بإثبات إيمان عبد المطلب وجميع آباء النبي(ص) ، وقد وافقنا على ذلك عدد من العلماء السنيين منهم السيوطي والفخر الرازي والشعراني . . وغيرهم .

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضاً !
من لا يحضره الفقيه:2/230: وسئل الصادق(ع)عن الذبيح من كان فقال: إسماعيل(ع)لأن الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ثم قال: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين .
وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله عز وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلاً بالصادق (ع). انتهى .

وقال الجزائري في هامش تفسير القمي:1/351:
قال جدي السيد الجزائري&في قصص الأنبياء: اختلف علماء الإسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه اسماعيل والأخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلى أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها إما أن تحمل على التقية وأما حملها على ما قاله الصدوق صار ذبيحاً بالنية والتمني... حمل &قول النبي(ص) ( أنا ابن الذبيحين ) على ذلك.
أقول: إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقيقة لا مجازاً وفداه بكبش فعليه لا مجال إلى ما ذهب إليه الصدوق&من الحمل فإما أن تحمل هذه الروايات كما قال جدي&على التقية أو على تعدد الواقعة. انتهى .
ملاحظة: إن الشيخ الصدوق&صحت عنده رواية أن الذبيح هو إسماعيل ورواية أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبي(ص) ( أنا ابن الذبيحين ) ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين: أي من جهة عبد الله واسماعيل ومن جهة اسماعيل وإسحاق. وقد صرح بذلك في آخر كلامه في الخصال. ولكن كلامه جاء متداخلاً فالتبس الأمر على الجزائري وعلى الغفاري وتصوراً أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الأول !
وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع روايات معاصره الحاكم النيسابوري. ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل البيت ((عليهم السلام)) على الموافق لليهود والنواصب. أو حملها كما ذكر السيد الجزائري على التقية من الحكام خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها .

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل وإسحاق
من لا يحضره الفقيه:3/89:
روى حماد بن عيسى عمن أخبره عن حريز عن أبي جعفر(ع)قال: أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ والسهام ستة ثم استهموا في يونس(ع)لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال: فمضى يونس(ع)إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .
ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله(ص)في صلبه فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الإبل فقال: الان علمت أن ربي قد رضي فنحرها. انتهى .

وقال الأستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه على هذا الحديث:
جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين ، واشتهرت بين الناس وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات ، ونقلوها في مصنفاتهم دون أي نكير ، وهي كما ترى تضمنت أمراً غريباً بل منكراً لا يجوز أن ينسب إلى أحد من أوساط الناس والسذج منهم ، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذي كان من الأصفياء وهو في العقل والكياسة والفطنة على حد يكاد أن لا يدانيه أحد من معاصريه ، وقد يفتخر النبي(ص)مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول:
أنا النبي لا كَذِبْ    أنا ابن عبد المطلب
وفي الكافي روايات تدل على عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ورئاسته في قومه ، ففي المجلد الأول منه/446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله(ع)قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده ، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك. يعني إذا حشر الناس فوجاً فوجاً يحشر هو وحده ، لأنه كان في زمانه منفرداً بدين الحق من بين قومه ، كما قاله العلامة المجلسي&. وفي حديث آخر رواه الكليني أيضاً مسنداً عن الصادق(ع) قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء .
وفي الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله÷قال: كان عبدالمطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لاحد غيره ، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه... إلى أمثالها الكثير الطيب كلها تدل على كمال إيمانه وعقله وحصافة رأيه..وإن أردت أن تحيط بذلك خبراً فانظر إلى تاريخ اليعقوبي المتوفى في أواخر القرن الثالث ، وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الإسلام مثل تحريمه الخمر ، والزنا ، ووضع الحد عليه ، وقطع يد السارق ، ونفي ذوات الرايات ، ونهيه عن قتل المؤودة ، ونكاح المحارم ، وإتيان البيوت من ظهورها ، وطواف البيت عرياناً وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر ، وتعظيم الأشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل في الدية. ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة ، كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار ، دون أي مؤونة ، وقال: أنا رب الإبل ولهذا البيت رب يمنعه ، مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين .
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال: إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلى الله سبحانه ، وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع ، والقتل من أشنع الأمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات، مضافاً إلى كل ذلك أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين ، وقد ذكره الله تعالى في جملة ما شنع به على المشركين ، وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتريانهم: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ . الأنعام : 137
وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به ، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذكور منهم والبنات ، والوأد مخصوص بالبنات ، وأيضاً غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته ، بل هو عنوان آخر يفعلونه على سبيل التقرب إلى الإلهة .
فإن قيل: لعله كان مأموراً من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم(ع) مأموراً؟ قلنا: هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات ، فإنه صرح في جميعها بأنه نذر مضافاً إلى أنه لو كان مأموراً فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر ، فكيف فداه بالابل ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات: إني مأمور بذلك .
وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر ( أنا ابن الذبيحين ) رواه جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين ، أو على غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة ، وهو زيدي جارودي أو أحمد بن الحسن القطان ، وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ،مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية ، وكذا محمد بن جعفر بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال: كان مخلطاً فيما يسنده ، وهكذا عبد الله بن داهر الأحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي ، وأبو قتادة ووكيع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفاً لاصول المذهب ، وإن كانوا يسندون خبرهم إلى أئمة أهل البيت ((عليهم السلام)) .
وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ما شككت في أنها من مفتعلات القصاصين ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك والعياذ بالله إليه ، رغماً للامامية حيث أنهم نزهوا آباء النبي(ص)عن دنس الشرك .
ويؤيد ذلك أن كثيراً من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري وأضرابهم ، والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم ، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالى: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، وجعلوا عبد المطلب مصداقاً للاية انتصاراً لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النبي(ص)وأجداده .
قال العلامة المجلسي&: اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول(ص)وكل أجداده إلى آدم(ع)كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال: قالت الشيعة إن أحداً من آباء الرسول(ص)وأجداده ما كان كافراً. ثم قال: نقلت ذلك عن إمامهم الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوماً بحيث اشتهر بين المخالفين .
وإن قيل: لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك ، ويمكن أن يقال إن نذر عبدالمطلب كان لله ، وأما المشركون فنذروا لالهتهم .
قلت: ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين ، فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلَّت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركاً والعياذ بالله أو تابعاً لسنن المشركين ، والإصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيراً ما يكون من الغفلة عما جنته يد الإفتعال .
ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالى عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الأحكام ، إنما أورده في هذا الكتاب طرداً للباب ، ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهى .

ثم كرر الاستاذ الغفاري رأيه في:4/368 فقال:
قال المصنف&في الخصال (/27 باب الإثنين ) قد اختلفت الروايات في الذبيح ، فمنها ما ورد بأنه اسماعيل لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه ، فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحاً ، لتمنيه لذلك. انتهى.
أقول: على هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق: أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز ، مع أن كليهما لم يذبحا بعد. وتقدم فيه كلام: 3/89 والإشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الاب على العم شايع ، وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق(ع)في قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم ، لأن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِى قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أباً ، وقد قال النبي(ص): العم والد. فعلى هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز. انتهى .
والجواب على ما ذكره الأستاذ الغفاري:
أولاً: أن الرواية التي استدل بها الصدوق على أن اسحاق ذبيحٌ أيضاً مجازاً ، عامية ضعيفة ، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاري نفسه من حيث لايدري كما سترى !
ثم إن إطلاق العم على الأب في اللغة وإن كان أمراً شائعاً ، ولكن لا ينطبق على قول القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخراً أو مباهياً ، لأن المتبادر منه الإفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالى ، لا من أعمامه ، وإلا لقال: أنا من قوم فيهم ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين .
كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي على إسحاق أيضاً ضعيف لغةً ، لأن كلمة ( الذبيح ) لا تصدق إلا على من قصدوا ذبحه لله تعالى قصداً عملياً حقيقياً ورضي به ، ولو كان يكفي لإطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق ، لصح أن تطلق على كل آباء النبي أو جلهم ، بل على كثير من المؤمنين ، لأن أكثر الأنبياء والاوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به .
فارتكاب المجاز في معنى الإبن وجعله العم ، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحاً . . خلاف الظاهر جداً ، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل من معناها !
ثانياً: لعل الغفاري لم يطلع على تاريخ القربان لله تعالى في الشرائع الإلهية السابقة ، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الانعام ، وكان من المشروع أن يقدم كبار المؤمنين أحد أولاده قرباناً لله تعالى ، وعلى أساسه كان منام إبراهيم(ص) . . ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الإسلام .
فالمشركون لم يخترعوا القربان لأوثانهم ، وإنما أخذوه من الأديان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالى . وما عابه الله تعالى عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم ، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للأوثان .
ثالثاً: إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلى الأصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه على ملة أبيه إبراهيم(ص)، وإحيائه عدداً من سننها ، وما جرى في عهده من حفظ الله تعالى لكعبة إبراهيم في حادثة الفيل ، وإعادة ماء زمزم المفقود على يده . . . كل ذلك يساعد على فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالى على ملة إبراهيم ، ويجعل هذا النذر أمراً طبيعياً مشروعاً في ذلك الوقت ، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم ، ويقدموا له قرابينهم ، ولا يقدموها لأصنامهم .
أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك ، ولماذا عزم على تنفيذ نذره جدياً فشاور أولاده فأطاعوه ، وأقرع بينهم فرست القرعة على عبدالله ، وقال لأبيه كما قال إسماعيل . . ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الإبل . . فهي إشكالات واردة. وجوابها: أنها واردة على شريعتنا لا على شريعة إبراهيم وعبد المطلب. وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به .
ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق ، تكفي للقول بأنه لم يكن يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالى .
ويكفينا لإثبات هذه الصفة في شخصيته ، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس على نحو اليقين أنه كان يتلقى أوامره من ربه عز وجل !
فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات ، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي(ص)الذي أعطاه الله تعالى ما أعطى جده إسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قرباناً لله تعالى ، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لأبيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين(ص) .
هذا ، وقد روى الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي/41 ط دار المعارف المصرية ، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب ، والذي كان أعظم ملك وثني في العرب ، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حربه معه ، فذبحه قرباناً للعزى !!
فلعل نذر عبد المطلب أن يذبح واحداً من أولاده لرب البيت سبحانه ، كان تعزيزاً لدين ابراهيم ، ورداً على عمل المنذر ، وإبطالاً لتأثير عمله في تعزيز مكانة صنم العزى !
وأخيراً ، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله عليه لم يكن ارتجالاً بل امتد وقته طويلاً، فقد ذكرت الروايات أنه كان في أيام رؤيته الصادقة في حفر زمزم، وكان له ولدٌ واحدٌ ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وكبروا أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالى . . وقد يكون نذره تحقق بعد عشرين سنة أو ثلاثين !
رابعاً: إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس على أن يجدوا له مذمة أو منقصة ، وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب ، وأنه كان نذراً لله تعالى مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرضِ ربك وافدِ ابنك ) .
فقد كان الأمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالى وقد انكشفت صحته.. وهذا يقرب أن يكون النذر لله تعالى بأمره سبحانه ، ويشير إليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلى داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله ورضي عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً ، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده إبراهيم..ولكن أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه ، فتريث عبد المطلب يومه حتى أمره الله بطريقته التي كان يتلقى بها أن يقرع بين عبد الله وبين فدائه من الإبل ، ويزيد في عدد الفداء حتى تخرج القرعة عليه فيفديه به .
إنه لو كان في عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها عليه ، ولكنها كرامة زادت من مكانته في حياته ، وذكرت له باحترام وإجلال حتى من أعدائه بعد وفاته.
بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإله إبراهيم وعبد المطلب ، وهيأتهم للدعوة إلى عبادته بدل أصنامهم .
خامساً: لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين: أولهما أنه جعل سند رواية الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الإمام الرضا(ع)، بل وردوا في رواية أن الذبيح المجازي إسحاق ! وقد التبس الأمر عليه لأن الصدوق ذكر مضمونها قبل سندها ، فيكون الأستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصوراً أنه ضعف رواية نذر عبد المطلب ! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه ( ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ) فإن كان هذا مستنده في التضعيف فقد قال في طرائف المقال/155 عن القطان هذا ( كثيراً ما يروي عنه الصدوق مترضياً ) !
ولو سلمنا ضعفه ، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفاً منها والمخالفة لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء منهم الصدوق . . لهي جديرة بالقبول .
والإشتباه الثاني الذي وقع فيه الاستاذ الغفاري أنه حسب أن رواية الإمام الصادق(ع)تتعلق بإطلاق الاب على العم وترتبط بموضوع الذبيحين ، مع أنها لا علاقة لها بالعم والأب ، وإنما استشهد الصدوق على ذلك بالآية وبقول النبي(ص): العم أب. ويتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال للصدوق كما يلي:
قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ((ص)) عن معنى قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل ((ص)) وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم: فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر (ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً وما خرج من رحم أنثى وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين .
وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال: قد وفى الله لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله(ص)وكان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك: قال: فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت: إعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الإبل وأعط ربك حتى يرضى. فبعث عبدالمطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الإبل فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم على الإبل فلما كان في الثالث اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الأرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحسرة ولا يمنع أحد منها وكانت مائة .
وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء وسن الدية في القتل مائة من الإبل وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وسمى زمزم لما حفرها سقاية الحاج ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي(ص)بالإنتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان في قوله (ع): أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي(ص)والأئمة ((عليهم السلام)) في صلبهما فببركة النبي والأئمة(ص)رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم وكل ما يتقرب الناس به إلى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لإسماعيل إلى يوم القيامة .
قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه: قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك. وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني (رض) قال: حدثنا المظفر بن أحمد القزويني قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبدالله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح عن سليمان بن مهران عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد ((ص)) .
وقول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم لأن العم قد سماه الله عز وجل أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا وقد قال النبي(ص): العم والد .
فعلى هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي(ص): أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والاخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمني فالنبي (ص)هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه. انتهى .
وأورده في البحار:12/22 عن العيون والخصال .
وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد على رأي الاستاذ الغفاري حفظه الله في إنكار قصة نذر عبد المطلب . . ومن هذه الأمور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من عنوانها الذي وضعه لها.
ومنها قوة حجج الإمام الرضا(ع)فيها وسنذكر بعضها .
ومنها أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله واسماعيل من وجه ، وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر ، كما صرح في آخر كلامه .
والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق&على رواية الذبيح بالمجاز العامية . . والتي ضعفها الغفاري ، والحمد لله !
سادساً: ولو أن المحقق الغفاري تأمل في قول الإمام الرضا(ع)في رواية الصدوق ( ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيهٌ بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل ، لما افتخر النبي(ص)بالإنتساب إليهما لاجل أنهما الذبيحان في قوله(ع): أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي(ص) والأئمة ((عليهم السلام)) في صلبهما . . فببركة النبي والأئمة(ص)رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ) لعرف أن إشكاله على نذر عبد المطلب يرد بعينه على إبراهيم(ص)لأنهما عملان من نوع واحد ، غاية الأمر أن إبراهيم أمر بالذبح في المنام وأمر بالفداء بالوحي. ومادام عبد المطلب لانعرف كيف أمر بنذر الذبح والفداء ، ولكن نعرف أنه حجة وعمله صحيح ، ولا بد أنه كان عنده حجة شرعية على نذره وفدائه.
وحينئذ فما يجاب به عن عمل إبراهيم ، يجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق ، فلا معنى لاستظهار أن ذبح الولد كان من عادات المشركين ، ولا معنى للقول بأنه لو كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه... الخ .

سابعاً: إن ما ذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملاً ولا مقنعاً ، والظاهر أنه لم يطلع على مصادر رواية ( أنا ابن الذبيحين ) وطرقها ، واشتهارها عند الشيعة من العصر الأول ، بل عند السنة أيضاً حتى أن فقهاءهم أخذوا بها ، وإن لم يأخذ بها أهل صحاحهم ، وممن صححها من الاحناف أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع:5/85 قال ( ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول. أما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام: أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبدالله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديراً بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الأصل. انتهى .

وقال ابن كثير في السيرة النبوية:1/184:
( وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدي بمائة من الإبل كما تقدم ). انتهى .
وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقاً أخرى سواء في مصادرنا أو في مصادر السنيين ، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين .

المسألة الثانية: أول من يكسى كسوة الجنة
ذكرت بعض الروايات أن الناس يخرجون من قبورهم عرياً يوم القيامة ثم يكسون على حسب عملهم. ولكن الظاهر أن المقصود بحديث أول من يكسى هنا ليس الكسوة من العري ، بل كسوة الجنة كما ورد في النص .
وقد ادعى اليهود أن إبراهيم أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة..ولا أظن أن هذه المسألة كانت مطروحة في ثقافتهم ، ولكن لما رأوا المسلمين يروون عن نبيهم(ص)أنه رئيس المحشر ، والشفيع الأول ، وخطيب الأنبياء ، وأول من يكسى يوم القيامة..ادعى اليهود أن أول من يكسى إبراهيم ، وروى ذلك أحبارهم الذين أسلموا ( ؟ ) عن رسول الله(ص) ! ! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت في مصادر المسلمين وثقافتهم ، وساعد عليها أن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليهما وآلهما ، وأن من المعقول أن يكون إكرام الله تعالى للجد قبل إكرام الابن .
وقد اختار البخاري أن أول من يكسى إبراهيم وليس محمداً صلى الله عليهما وآلهما !قال في صحيحه:4/110:
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ! فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم. انتهى .
ورواه أيضاً في:4/142 وروته بقية الصحاح وغيرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذي في:4/38 والنسائي:4/117 والدارمي:2/325 وفيه (فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله تعالى: إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره )
وروى نحوه في أحمد:1/398 ورواه أيضاً موجزاً في:1/223 وص 229 ورواه السيوطي في الدر المنثور:1/116 عن أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة وأحمد. ورواه في:2/231 عن البيهقي في الأسماء والصفات ، وفي:4/197 عن أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود

ورواه في:3/284:
وفيه من تجسيمات اليهود لله تعالى ( قال ذاك يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ) .
وقد حاول القسطلاني في إرشاد الساري:5/343 أن يخفف من وقع الحديث على المسلمين فقال ( ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسوة هنا أفضليته على نبينا (ص) لأن حلة نبينا (ص) أعلى وأكمل وكم لنبينا (ص) من فضائل مختصه به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن له سوى خصوصية الشفاعه العظمى لكفى ). انتهى .
ولعل القسطلاني رأى أن اليهود أخذوا الشفاعة في الموحدين من نبينا(ص) وأعطوها لإسحاق(ع) ! وصارت حديثاً صحيحاً على شرط الشيخين كما تقدم في مستدرك الحاكم !
ومن المؤكد أنه رأى الأحاديث التي تنفي أن تكون الشفاعة خصوصيةً لنبينا(ص)، ورأى الروايات التي تفضل أنبياء بني اسرائيل حتى يونس ويحيى على نبينا(ص) ، لأن البخاري رواها وشرحها القسطلاني وفسرها !
والذي يدخل في بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحكومة القرشية اليهود من في تقديمهم إبراهيم على نبينا(ص)في الكسوة وفي الشفاعة ، وتبناها رواتهم ؟ !
يتوقف الجواب على التأمل في النص الذي روته صحاحهم ، فقد تضمن موضوعين: أولهما أن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم. والثاني أن بعض الصحابة يؤمر بهم إلى النار ، لانهم انحرفوا وكفروا بمجرد وفاة النبي(ص). ولم يبين الحديث العلاقة بين الموضوعين ! وبما أن النبي(ص)أفصح من نطق بالضاد وقد أوتي جوامع الكلم ، وكلامه دائماً مترابط . . فلا بد أن تكون في الحديث حلقة مفقودة . . عن عدم كسوة بعض الصحابة مثلاً فما هي !
هذه الحلقة تجدها في مصادر السنيين مجزأة ، ولكنك تجدها في أحاديث أهل البيت ((عليهم السلام)) مجتمعة ، لأنها تذكر نص النبي(ص)على أن علياً يوم القيامة هو أول ينشق عنه قبره بعد النبي(ص)وهو أول من يصافحه ، وهو أول من يكسى بعده، وهو حامل لوائه لواء الحمد ، وهو وزيره في المحشر، وهو الساقي على حوض النبي(ص)

قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/475:
في حديث وصية النبي(ص)لعلي(ع): يا علي أنا أكرم ولد آدم ولا فخر ، وليس بيني وبين ربي حجاب إلا النور ، وأول من يكسى كسوة الجنة ولا فخر ، وأول من يؤذن له في الكلام ولا فخر ، وأول من يؤذن له في السجود ولا فخر ، وأول من يؤذن له في الشفاعة ولا فخر ، وأول من يسعى نوره أمامه ولا فخر .

وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه:4/374:
يا علي: إن الله تبارك وتعالى أعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق عنه القبر معي ، وأنت أول من يقف على الصراط معي ، وأنت أول من يكسى إذا كسيت ، ويحيى إذا حييت ، وأنت أول من يسكن معي في عليين ، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك. انتهى. ورواه في الخصال/342

وروى محمد بن عباس في تأويل الآيات:2/657:
يا علي أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت ، وأول من يحيى محمد ثم أنت، وأول من يكسى محمد ثم أنت. فانكب علي(ع)ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع. انتهى .
وقال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب:3/26: قال الحميري:
يدعو  النبي فيكسوه ويكرمه        رب  العباد  إذا  ما  أحضر الأمما
ثم الوصي فيكسى مثل حلته        خضراء يرغم منها أنف من رغما

وله أيضاً:
عليٌّ   غداً   يدعى   ويكسوه  ربه    ويدنوه    منه    في    رفيـع    مكـرم
فإن كنت منه حيث يكسوه راغماً    وتبدي الرضى كرهاً من الان فارغم

وقال أعرابي:
إن    رسول    الله    يعطي   لوا ء           الحمد علياً حين يلقاه
يدعى فيعطى كسوة المصطفى           وعن يمين العرش مثواه.

انتهى .
فحديث الكسوة يوم القيامة فيه إذن سهم لعلي(ع)، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قريش .
لكن السهم الأكبر لعلي والاخطر على قريش أنه هو الساقي على حوض النبي(ص)وهو الذي يذود الذين قال عنهم البخاري ( وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ) وقال عنهم في:8/86 ( قال أنا على حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى ). انتهى .
وقال عنهم مسلم في:7/ 68 ـ 70 ( قال رسول الله (ص ) أنا فرطكم على الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول يارب أصحابي أصحابي ! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوابعدك !!... قال لاذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل) ونحوه في:1/ 150
وقد صرحت أحاديث أخرى بأن الذائد عن حوض النبي(ص)هو علي(ع)، من ذلك ما رواه الحاكم وصححه قال في:3/138:
عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي فقال علي به فاتي به فقال أنت الساب لعلي فقال: ما فعلت فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله(ص)يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج ! حدثنيه الصادق المصدوق(ص) وقد خاب من افترى. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهى .
وروى الديلمي في فردوس الأخبار:5/ 408 ح 8314 عن أبي سعيد:
يا علي أنت يوم القيامة بيدك عصاً من الجنة تذود بها المنافقين!!
وروى في مناقب آل أبي طالب:2/12-14 عن الفائق للزمخشري:
أن النبي قال لعلي: أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجال كما يذاد الأصيد. البعير الصادي أي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه .
ونقل في المناقب قول حسان بن ثابت:
له الحوض لا شك يحبى به    فمن شاء أسقي برغم العدى
ومن  ناصبَ  القوم لم يسقه    ويدعو   إلى   الورد   للأوليا

وقول الحميري:
أؤمل    في    حبه   شربةً        من   الحوض  تجمع  أمناً ورَيَّا
إذا م ا وردنا غداً حوضه        فأدنى   السعيد    وذاد    الشقيا
متى  يدن مولاه منه يقل        رِدِ الحوض واشرب هنيئاً مريا
وإن   يدن   منه   عدوٌّ له        يذده  علي مكاناً قصيا. انتهى
.
وعلى هذا فذكر كسوة النبي(ص)أولاً وعلي ثانياً(ع) ، وأنه يذود الصحابة المنحرفين عن الحوض ، حديث ليس في مصلحة القرشيين ، لأن معناه أن موقف علي هو الصحيح وموقف من يعارضه خطأ..فالأسلم لهم الأخذ بحديث يكسى إبراهيم أولاً والنبي ثانياً ، لأنه ليس فيه ذكر لعلي !
وهكذا التقت مصلحة قريش مع مصلحة اليهود.. وصار حديث كعب الأحبار أسلم طريق للتخلص من علي بن أبي طالب حتى لو صححه الحاكم ، ولم يروه الشيخان !
وهكذا يدون الخلفاء السنة ، كما يكتب الحكام التاريخ ! !


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page