• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الرابع تفسير الآيات الثلاث في التوسل

 

الفصل الرابع
تفسير الآيات الثلاث في التوسل


الآية الأولى :
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . المائدة : 35
فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ ( وسيلة ) إلى الله تعالى ، ولكنها لم تبين ما هي ، وهذا يعني أن الله تعالى ترك بيانها للرسول(ص)  .

عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي !
يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثا لابعاد ( الوسيلة المأمور بها في القرآن ) عن النبي(ص)  !!
فمن ناحية ، لم يرووا شيئا في تفسيرها عن النبي وآله ، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة ، وغاية ما رووا في رواى مقطوعة عن حذيفة تقول أن الوسيلة هي القربة ! كما في مستدرك الحاكم: 2/312 !
مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلهي نزل إلى الأمة بأن يبتغوا إلى ربهم الوسيلة ، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس ؟!
أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء ! لأن القربة كلمة مجملة تحتاج إلى تفسير كالوسيلة !!
فهل تختص بالأعمال الصالحة ، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء . . الخ .
قال السيوطي في الدر المنثور: 2/280
ـ أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم في قوله:
وابتغوا إليه الوسيلة ، قال: القربة .
ـ وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا إليه الوسيلة قال: القربة .
ـ وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: وابتغوا إليه الوسيله قال تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه .
ـ وأخرج عبد بن حميد عن أبى وائل قال: الوسيلة في الإيمان .
ـ وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرنى عن قوله عز وجل: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ، قال: الحاجة. قال وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال: نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول:
إن الرجال لهم اليك وسيلة    أن ياخذوك تكحلي وتخضبي. انتهى .
وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة ان صح عنه فلا يصح ، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة: ان الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي ! على أنه لا يبعد أن يكون معنى الحاجة في زمن ابن عباس هو المعنى الذي يستعمله أهل مصر اليوم ، وهو عام يشمل الوسيلة .
وفي حلية الأولياء: 4/105
عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالي وابتغوا إليه الوسيلة ، قال: القربة في الأعمال. انتهى .
وهكذا ساروا على ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وابعادها عن النبي وآله(ص) ، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه !
ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة ، حتى ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي(ص) ، وقبورهم الشريفة !!
وسوف ترى أن الإتجاه الأموي أخذ شكلا حادا على يد ابن تيمية واتباعه !
وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين إلى النبي(ص) حتى في ايمانهم ، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدة بعده بأهل بيته الطاهرين .
وفي اعتقادي أن ذلك يرجع إلى يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي ، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة! فقد منعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك . . وأكثر مظاهر الإحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها !!
فصار ذلك فقها وعقيدة ، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره . . ولم يخرج عنه إلا المتصوفة ، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة إلى الله تعالى بمشايخ طرقهم !!
وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل على إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني ، فقال في تفسيره: 6 جزء 11/220:
المسألة الثالثة ، الوسيلة: فعيلة ، من وسل أي تقرب إليه ، قال لبيد الشاعر:
أرى الناس لا يدرون ماقدر أمرهم إلا كل ذي لب إلى الله واسل أي متوسل ، فالوسيلة هي التي يتوسل بها إلى المقصود .
قالت التعليميه: دلت الآيه على أنه لا سبيل إلى الله تعالى إلا بمعلم معرفته ، ومرشد يرشدنا إلى العلم به ، وذلك لأنه طلب الوسيلة إليه مطلقاُ ، والإيمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد ، فلا بد فيه من الوسيلة .
وجوابنا: أنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ، والإيمان به عبارة عن المعرفة به ، فكان هذا أمرا بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ومعرفته ، فيمتنع أن يكون هذا أمرا بطلب الوسيلة إليه في معرفته !
فكان المراد طلب الوسيلة إليه في تحصيل مرضاته ، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهى كلام الرازي .
وغرضه أن يقول ان الآية تخاطب المؤمنين بعد ايمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات ، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص إلى الإيمان .
ولكنه نسي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ) النساء : 136
فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله ! ونسي قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات - 14
فلا مانع أن يخاطب الله تعالى المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا إليه الوسيلة عن طريق رسوله ؟!
بل حتى لو سلمنا أن الآية ناظرة إلى مرحلة مابعد ايمانهم ، فأي مانع في أن يطلب الله تعالى منهم أن يرتقوا بايمانهم إلى درجة أعلى فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم إلى ربهم ؟!!
ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور بها بالأعمال ، ويبعدها عن شخص النبيي وآله(ص) ! كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم ، ويثبتوا بها حاجة المسلم في الإيمان والتدين إلى شيخ طريقة يكون هو وسيلته إلى ربه !!
أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني ، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين ، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيت ((عليهم السلام) ) ، من أن الوسيلة هو النبي أو وصيه من بعده..
ـ قال الطوسي في تفسير التبيان: 3/509
خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه ، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها ، ويبتغوا إليه معناه يطلبون إليه ، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل . وهي على وزن فعيلة ، من قولهم: توسلت اليك ، أي تقربت. قال عنترة ابن شداد:
إن الرجال لهم اليك وسيلة    أن يأخذوك فلجلجي وتخضبي
وقال الآخر:
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا    وعاد التصافي بيننا والوسائل
يقال: منه سلت أسال ، أي طلبت ، وهما يتساولان ، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهى .
والظاهر أن منهج الشيخ الطوسي&في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارئ السني .
وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن: 1/369
والبلاغي في إملاء ما منَّ به الرحمن:1/214
أما التفاسير الروائية عن أهل البيت ((عليهم السلام) )، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله تعالى بها بالنبي والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم .
ففي تفسير القمي: 1/168
وقوله (اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) فقال: تقربوا إليه بالإمام. انتهى .
والمتأمل في الآية يلاحظ أنها: أمر الهي نزل في آخر سورة من القرآن ، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو ( البحث . . عن . . الوسيلة ) !
وهو أمر مجمل ، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسول(ص)  .
أما نحن فنروي أنه بين الوسيلة بأنها هو وأهل بيته ، فالأمة مكلفة أن تتعبد لله تعالى بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم . .
بينما لم يرو السنييون بيانها ، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة ، وهو لا يصح لأنه أولا تفسير مجمل مثلها ! ولانه ثانيا يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية، ويجعل معناها تأكيداً لمثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ) ، وبذلك لا يبقى معنى لإستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها ، ولا لنزول الآية !!

الآية الثانية
قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا . النساء : 64
ورد تفسير المجئ إلى الرسول فيها عن أهل البيت ((عليهم السلام) ) ، أنه يشمل المجئ إلى الرسول(ص) في حياته ، والمجئ إلى قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم على ذلك روايات عديدة من مصادر السنيين .
ففي الكافي: 4 /550:
عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله(ع) قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي(ص) ثم تقوم فتسلم على رسول الله (ص) ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلى جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فانه موضع رأس رسول الله(ص) وتقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبدالله ، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين وأديت الذي عليك من الحق وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت على الكافرين فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين ، الحمدالله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة ، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون .
اللهم إنك قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً .
وإنى أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي .
وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي(ص) خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنك أحرى ان تقضى ان شاء الله .
ـ ورواه في تهذيب الأحكام: 6 /5

ـ ونحوه في من لا يحضره الفقيه: 2/567 ، وفيه:
اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم إنك قلت وقولك الحق: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا .
وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي، يا رسول الله اني أتوجه بك إلى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهى .

ـ وفي الدر المنثور: 1/238:
* وأخرج البيهقى عن أبى حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله(ص) أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله(ص) فقال:
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا ، مستشفعاً بك على ربك ، لأنه قال في محكم كتابه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا .
وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا ، أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي ، وأن يشفع في .
ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:
يا خير من دفنت في الترب  أعظمه    فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسي   الفداء   لقبر   أنت    ساكنه    فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ـ ورواه في كنز العمال: 4/258 ، وقال في هامشه: وذكر ابن كثير في تفسيره: 2/329
وقصة هذا الأعرابي تدل على أن العربي الصافي الفطرة يفهم أن قوله تعالى (جاؤوك ) يشمل المجئ إلى الرسول في حياته ، والى قبره بعد وفاته .

ـ وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح/156
لمسلمين ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبى(ص) الشريف مستقبله كالأول ويقول اللهم إنك قلت وقولك الحق وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا . وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك اللهم ربنا اغفر لنا ولاباءنا ) وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربا انك رؤوف رحيم

ـ وفي الدر المنثور: 2/219:
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا .
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ . . الآية .


ـ وفي الدر المنثور: 2 /170:
ـ وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلى من حمر النعم وسودها:
في سورة النساء قوله: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ . . الآية .
وقوله: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ . . الآية .
وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ . . الآية .
وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ . . الآية .

ـ وفي الدر المنثور: 2 /180:
وأخرج ابن المنذر وابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير قال:
الإستغفار على نحوين ، أحدهما في القول والآخر في العمل .
فأما استغفار القول فإن الله يقول: ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول .
وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهى .

جاؤوك ، تشمل المجئ إلى قبر النبي والمجئ إلى وصيه
في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطابات وأحكام خاصة بالنبي(ص)  ، فما حكمها بعد وفاته ؟
قالت مذاهب الخلافة القرشية: منها ماهو من شأن النبوة وقد انتهى بوفاة النبي ، والباقي صار المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبي(ص) ! وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية فقالت صار أمرها إلى الخليفة . . . الخ.
ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبي(ص) .. وللبحث في هذا الموضوع مكان آخر ، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الإلهي بالمجئ إلى النبي(ص) ، فهل هو حكم مستمر بعده في وصيه أم لا ؟
دلت أحاديثنا الصحيحة على أن هذا المقام الرباني ثابت للوصي(ع) ، وهو الذي يساعد عليه إستمرار الإسلام ، ووراثة الكتاب الإلهي ، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين ، صلى الله عليه وعليهم .
- ففي الكافي: 1/391:
ـ علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة أو بريد ، عن أبي جعفر(ع) قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنين(ع) في كتابه قال: قلت: في أي موضع ؟ قال: في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا . فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم ، ثم لا يجدوا في أنفسه حرجا مما قضيت ، عليهم من القتل أو العفو، ويسلموا تسليما .

ـ وفي الكافي: 8 /334:
علي بن ابراهيم ، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل ، وغيره ، عن منصور بن يونس عن ابن اذينة ، عن عبدالله بن النجاشئ قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول في قول الله عزوجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِى أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا . يعني والله فلانا وفلانا .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا .
يعني والله النبي(ص) وعلياً مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي فا ستغفروا الله مما صنعوا ، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما .
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. فقال أبوعبد الله: هو والله علي بعينه ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ، على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي ، ويسلموا تسليما ، لعلي .

ـ وفي تفسير القمي: 1/ 142:
وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ ، فانه حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر(ع) قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا . هكذا نزلت .
ثم قال: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ، يا علي ، فيما شجر بينهم ، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، عليهم يا محمد على لسانك من ولايته، ويسلموا تسليما، لعلي(ع) . انتهى .
ومعنى قول الإمام الباقر(ع) ( هكذا نزلت ) أي هذا هو المعنى المقصود فيها الذي أنزله الله تعالى .
وقد يكون الول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً على بعضهم ، ولكنه لا بد منه إذا أرنا أن لا نعطل معنى الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبي(ص) ! مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه !!

الآية الثالثة:
قال الله تعالى: وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَ آتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا .
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً .
أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا . الإسراء : 55 ـ 57
وهذه الآية تدل على مشروعية التوسل إلى الله تعالى بالأشخاص الأقرب إليه ، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالى (يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) مدح لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل إلى الله تعالى . . وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين ، والمتوسل بهم. كما سيأتي .

تفسيرنا للآيتين الكريمتين
معنى الآيات:
قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف الضر عنهم ، فلا مجيب !! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئا !
ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهل لكشف الضر سبحانه ، فتراهم يبتغون إليه الوسيلة ، ويبحثون عن أقرب عباده إليه وسيلة فيتوسلون به إليه ، فيستجيب دعاءهم. فـ ( أولئك ) في مطلع الآية الثانية إستئناف ، والمقصود بهم المؤمنون عبر التاريخ ، وقد مدحهم الله تعالى بدعائهم ربهم الحق ، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم إليه . . وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء ! ويتوسلون بما لم يأذن به الله !!
أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك إلى المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه إلى الأنبياء ، ولكنه وافقهم على أن (أيهم أقرب ) صفة للمتوسلين ، لا للمتوسل بهم ، كما سيأتي .
وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين ، فقد راعوا التفسير السني ، ولم يخرجوا عنه إلا قليلاً .

ـ قال الطوسي في تفسير التبيان: 6/490:
ثم قال لنبيه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ ، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله ، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر ، فانظروا هل يقدرون على دفع ذلك أم لا .
وقال ابن عباس والحسن: الذين من دونه ، الملائكة والمسيح وعزير .
وقال ابن مسعود: أراد به ماكانوا يعبدون من الجن: وقد أسلم أولئك النفر من الجن ، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن ، فأسلم الجن وبقي الكفار على عبادتهم .
وقال أبو علي: رجع إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى، والتقدير ان الأنبياء يدعون إلى الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به إليه والى رضوانه وثوابه ، أيهم كان أفضل عند الله ، وأشد تقربا إليه بالأعمال .
ثم قال: فلا يملكون ، يعني الذين تدعون من دون الله ، كشف الضر ، والبلاء عنكم ، ولا تحويله إلى سواكم .
ثم قال: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب..الآية قوله: أولئك: رفع بالإبتداء ، والذين ، صفة لهم ، ويبتغون إلى ربهم خبر الإبتداء. والمعنى الجماعة الذين يدعون يبتغون إلى ربهم .
أيهم رفع بالإبتداء ، وأقرب خبره. والمعنى يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم اقرب فيتوسلون به ، ذكره الزجاج .
وقال قوم: الوسيلة هي القرية والزلفة .
وقال الزجاج: الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد ، والمعنى ان هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب ويبتغي المدعوون أرباباً إلى ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل ايمان به .
والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله ، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته ، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه. إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا . أي متقى. انتهى .
وقد اقتصر الشيخ الطوسي على ذكر أقوال السنيين ، كما رأيت .
ـ وأما الطبرسي في مجمع البيان: 6/422 ، فقد مال إلى قول أبي علي الجبائي ، فقال: ثم قال سبحانه لنبيه (ص) :
قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الى حالة أخرى .
فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، للحالة التي تكرهونها إلى حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط إلى الخصب والفقر إلى الغنى والمرض إلى الصحة.
وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلى غيركم ، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للإلهية ، ولا يستحق العبادة .
والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن ، وقيل هم الجن لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود ، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار على عبادتهم .
قال الجبائي: ثم رجع سبحانه إلى ذكر الأنبياء في الآية الأولى فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ، ومعناه أولئك الذين يدعون إلى الله تعالى ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات .
أيهم أقرب ، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه. وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله فأنتم أولى أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً على الإقتداء بهم .
وقيل ان معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة إلى الله تعالى بعبادتهم ، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته ، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلى رحمته أو إلى الاجابة ، ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته أن أطاعوه ويخافون عذابه ان عصوا ، ويعملون عمل العبيد. انتهى .
ومع أنه&مال إلى تفسير الجبائي ، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين ، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيت(عليهم السلام)  الصحيحة التي تنص على أن الذين جعلهم الله تعالى وسيلة للناس والأنبياء هم محمد وآله صلى الله عليهم .
وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية ، ولم يجزم بشئ منها! قال في تفسير الميزان: 13/130:
قوله تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ، إلى آخر الآية .أولئك مبتدأ ، والذين صفة له ، ويدعون صلته ضميره عائد إلى المشركين. ويبتغون خبر أولئك ، وضميره وسائر ضمائر الجمع إلى آخر الآية راجعة إلى أولئك .
وقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الإبتغاء فحصا وسؤإلا في المعنى. هذا ما يعطيه السياق .
والوسيلة على ما فسروه هي التوصل والتقرب ، وربما استعملت بمعنى ما به التوصل والتقرب ، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر إلى تعقيبه بقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. والمعنى والله أعلم:
أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به إلى ربهم يستعلمون .
أَيُّهُمْ أَقْرَبُ: حتى يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا إليه تعالى كتقربه. ويرجون رحمته. من كل ما يستمدون به في وجودهم ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه .
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا . يجب التحرز منه والتوسل إلى الله ببعض المقربين إليه ـ على ما في الآية الكريمة قريب من قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين ، فإنهم يتوسلون إلى الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس ، فيتركون عبادته تعالى ولا يرجونه ولا يخافونه ، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون إلى هؤلاء الأرباب والإلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام ، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح .
وبالجملة يدعون التقرب إلى الله ببعض عباده أو أصنام خلقه ، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك ، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله ، فيشركون بإعطاء الإستقلال لها في الربوبية والعبادة .
والمراد بأولئك الذين يدعون: ان كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الإنس ، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة وخوف العذاب ظاهره المتبادر .
وان كان المراد بهم أعم من ذلك حتى يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الإنسان كفرعون ونمرود وغيرهما، كان المراد بابتغائهم الوسيلة إليه تعالى ماذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني (!)
وكذا المراد من رجائهم وخوفهم ملذواتهم. انتهى .
ثم ذكروجوها أخرى في رجوع الضمائر ، ولم يتبن منها شيئا .

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين
قال المحدثون والمفسرون السنيون ان المقصود بـ( أولئك ) في الآية ، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم بعض الناس ، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالى ويبتغون إليه الوسيلة . . . وعابدوهم مشركون .
ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن ، أو الملائكة ، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر !

ـ قال البخاري في صحيحه: 5/227:
عن أبى معمر عن عبد الله ( ابن مسعود ): إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ ، قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الأشجعى: عن سفيان عن الأعمش: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ .
باب أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.. الآية:
عن أبي معمر عن عبدالله (رض) في هذه الايه: الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، قال: ناس من الجن يعبدون ، فأسلموا .
ـ ورواه مسلم: 8/244 ، عن عبد الله أيضاً ، وفيه قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم النفر من الجن ، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ .
ـ ورواه الحاكم بنحوه: 2/362 ، عن عبد الله أيضاً .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور: 4/ 189:
أخرج عبدالرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن ابن مسعود (رض) في قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً ، قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الأنسيون بعبادتهم ، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ . كلاهما بالياء .
وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، معا في الدلائل ، عن ابن مسعود (رض) قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن ، فأسلم الجنيون والنفر من العرب لا يشعرون ذلك .

ـ وقال في الدر المنثور: 4/190:
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رض) قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن ، ويقولون هم بنات الله ، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ . . الآية .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مرديه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ ، قال: عيسى وأمه وعزيز .
وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ ، قال: هم عيسى وعزيز والشمس والقمر. انتهى .
ـ وقال الفخر الرازي في تفسيره: 20/231:
فنقول: ان قوما عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم .
وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيرا .
وقيل إن قوماً عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن ، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم ، فنزلت هذه الآية. انتهى .
وعلى هذا المنوال نسج المفسرون الباقون . . ومنهم ابن تيمية، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين ، وأخذ منها ذم الذين عبدوا المتوسلين !
ـ قال في رسالة فتيا في نية السفر/430
فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن ! قال تعالى: هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه ، ان عذاب ربك كان محذورا .
قال أبومحمد عبد الحق بن عطية في تفسيره: أخبر الله تعالى أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إليه والتزلف إليه ، وأن هذه حقيقة حالهم ، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع ، والوسيلة هي القربة ، وسبب الوصول إلى البغية ، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لامر ما ، ومنه قول النبي(ص) من سأل الله لي الوسيلة . . الحديث .
وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه ، إلا أنه برز به على غيره فقال: وأيهم ابتداء وخبره أقرب ، وأولئك يراد بهم المعبودون ، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار ، وفي يبتغون للمعبودين ، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب !! وهذا كما قال عمر بن الخطاب (رض) في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ؟ أي يتبارون في طلب القرب !! قال&: وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله .
ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره ، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما ، ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبوبة والبصريين ، فعرف تطفيف الزجاج مع علمهبالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان ! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر ، وان كانوا هم أخبر بشئ آخر من المنقولات أو غيرها !!
وقد بين سبحانه وتعالى أن المسيح وان كان رسولاً كريماً فانه عبد الله ، فمن عبده فقد عبد مالا ينفعه ولا يضره !
قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم ، انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ، وما للظالمين من أنصار. انتهى .

مناقشة تفسيرهم للآيات
يلاحظ على تفسيرهم للايات:
أولا: أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها ، وهو المقابلة بين المشركين الذين يدعون من يزعمون ، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون إليه الوسيلة.. فقد قال سبحانه لرسوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً . ) .
ثم مدح الذين يقابلونهم فقال (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَابَهُ )...
فالسياق هو تحدي المشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم ، وأنهم بالحقيقة لا يدعون من دون الله شيئاً ، بل أوهاماً .. ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالى ويتوسلون إليه ، فهؤلاء الذين يدعون الحق بحق ، وعبر عنهم بأولئك تعظيما لهم. أما غيرهم فلا يدعون شيئا .
وبذلك تتم المقابلة وتكون ( أولئك ) استئنافاً جديداً تاماً ، والضمير فيها للشأن ، ولا ربط له بالآية السابقة حتى يعود على شئ منها !!
أما تفسيرهم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء . . وهو تقابل ضعيف بعيد لو سلم من الإشكالات فلا يتبادر إلى الذهن .
وقول الجبائي ان المقصود بـ ( أولئك ) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة ، أقرب من أقوالهم إلى الصحة ، ولكن لفظ ( أولئك ) مطلق شامل لكل العابدين لله ، ولا دليل على حصره بالأنبياء (عليهم السلام) ، وان كانوا سادتهم .
ثانيا: ارجاعهم ضمير ( أولئك ) إلى المعبودين المزعومين من دون الله خلاف الظاهر ، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي ، والضمير البارز فيها ضمير العابدين المخاطبين، فلو كان يريد المزعومين لقال (أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم) أو ذكر اشارة تدل على قصدهم ، وعدم قصد العابدين المخاطبين !
ثالثا: أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد ، ففيهم الأنبياء مثل عزير وعيسى ، وفيهم الملائكة والجن ، والشمس والقمر والنجوم والأصنام ، وبقية المعبودات . . وصفات المدح لـ ( أولئك ) تمنع رجوع الضمير إلى المعبودين جميعا ! وكيف يصح عود الضمير على بعض العام المعهود بدون قرينة ؟!
ولعمري ان هذا الضعف في ارجاع الضمائر لا وجود له في القرآن؟!! وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره !
رابعاً: ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن فآمن الجن وبقي عبادهم مشركين . . الخ . . فنزلت الآية . .
هذه الوجوه ليست حديثا بل هي أقوال لو تم سندها لبقي تعارضها !
ولو سلمنا ارتفاع تعارضها ،فهي سبب لنزول الآية لا أكثر ، والسبب الخاص لا يخصص الوارد العام ، وصيغة الآية عامة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ . . ) وهو يشمل كل الذين زعموا فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم !
خامسا: أن ضمير العاقل في (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) ينقض تفسيرهم ، فقد جعلوا أيهم بدل جزء من كل من الفاعل ، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفة للمتوسلين ، فصار المعنى عندهم: يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلة إلى ربه ، فكيف بالأبعد وسيلة !!
وذلك كمن يقول ( أولئك يقاتلون عدوهم حقاً أيهم أشجع من غيره ! ) ويقصد القائل أن الأشجع منهم يقاتل ، فكيف بالأضعف !!
وهو كلام بعيد عن البلاغة بل عن الفصاحة حتى في كلام المخلوقين ، فلا يصح أن ينسبوه إلى كلام الخالق سبحانه ؟!!
ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من من تفسير
( أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) ومر عنها كأنها لا وجود لها !!
سادسا: أن ضمير (أَيُّهُمْ) يعود على ( أولئك ) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك على المعبودين المزعومين ، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم اليهم ! فيكون المعنى عندهم: أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين المزعومين ، فيكون التوسل بالأشخاص ممدوحا، ويكون منحصراً بالأنبياء المعبودين كعيسى وعزير! وهذا خلاف مذهبهم !!
سابعا: أن فعل ( يَبْتَغُونَ ) ينقض تفسيرهم ، لأنه يدل على البحث والتحري ، ويطلب مفعولا ! و( أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ) أقرب مفعول إليه ، فحق أي أن تكون منصوبة على المفعولية ، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا !
ولكنهم أغمضوا عيونهم عن يبتغي وتركوه بلا مفعول ، ليحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات !!
وهكذا . . يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال.. وهو نص في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة إلى الله ، وأنه من صفات المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم .
وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص على أن الله تعالى جعل الوسيلة إليه في هذه الأمة بل قبلها ، محمدا وآله صلى الله عليهم .

علي أقرب الخلق وسيلة إلى الله
أقرب الخلق وسيلة إلى الله تعالى هو سيد المرسلين محمد ومعه آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه ، صلى الله عليه وعليهم .
ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبي(ص) وصف أحدا بأنه أقرب الخلق وسيلة إلى الله تعالى بعده ، إلا علياً(ع) ، وهي حقيقة مهمة ! شاء الله تعالى أن ترويها عائشة عن النبي صلى الله وآله !!

ـ قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: 1/ 141:
عن مسروق ، قال: دخلت على عائشة فقالت لي: يا مسروق: انك من أبر ولدي بي ، واني أسألك عن شئ فأخبرني به .
فقلت: سلي يا أماه عما شئت .
قالت: المخدج من قتله ؟
قلت: علي بن أبي طالب(ع) .
قالت: وأين قتله ؟
قلت: على نهر يقال لأعلاه تامرا ، ولأسفله النهروان بين أحافيف ( أخافيق ) وطرق .
فقالت: لعن الله فلاناً ، تعني عمرو بن العاص فانه أخبرني أنه قتله على نيل مصر .
قال مسروق: يا أماه فاني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي فاني ابنك لما أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم .
قالت: سمعته يقول فيهم ( أهل النهروان ): هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة .
قال مسروق: وكان الناس يومئذ أخماساً ، فأتيتها بخمسين رجلاً عشرة من كل خمس ، فشهدوا لها أن عليا قتله !!
ـ وفي هامشه:
ـ وفي المناقب لابن شهر آشوب 3/67: عن الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة: إنها لما روت هذا الخبر ، قيل لها: فلم حاربتيه ؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية: أمر قدر وقضاء غلب .
ـ ذكر فضل بن شاذان المتوفي 260 ه في الإيضاح/86: عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه لقوله: أنه قتل ذا الثدية بمصر .
وروى البحراني في غاية المرام/451 الباب الأول الحديث 21 نقلاً من كتاب صفين للمدائني عن مسروق: أن عائشة قالت له ـ لما عرفت ـ : من قتل ذي الثدية ؟ لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب اليَّ يخبرني أنه قتله بالإسكندرية إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله ، سمعته يقول: يقتله خير أمتي من بعدي.
ورواه في شرح الأخبار:1 /430 ، وفي هامشه:
رواه ابن المغازلي في المناقب/55 عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان عن الحسين بن محمد العلوي ، عن أحمد بن محمد الجواربي ، عن أحمد بن حازم ، عن سهل بعامر البحلي عن أبي خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق قال:
قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي ، وإنك من أحبهم الي ، فهل عندك علم من المخدج ؟
قال: قلت: نعم ، قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان ، بين أحفاق وطرقاء .
قالت: ابغني على ذلك بينة ، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة ـ وكان الناس اذ ذاك أخماساً ـ يشهدون أن عليا(ع) قتله على نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بين أخفاق وطرقاء .
فقلت: يا أمة ، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي ـ فإني من ولدك ـ أي شئ سمعت رسول الله(ص) يقول فيه ؟
قالت: سمعت رسول الله(ص) يقول: هم شر الخلق والخليقة ، يقتلهم خير الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة. انتهى.

ـ ورواه في شرح الأخبار: 2/59 ، وفيه:
قال: ثم ذكرت لها أن عليا(ع) استخرج ذا الثدية من قتلى أهل النهروان الذين قتلهم ، فقالت: أذا أتيت الكوفة فاكتب إلى بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من أهل البلد .
قال: فلما قدمت الكوفة ، وجدت الناس أسباعاً ، فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك ـ ممن نعرفه ـ فأتيتها بشهادتهم .
فقالت: لعن الله عمرو بن العاص ، فانه زعم هو قتله على نيل مصر. انتهى .

ـ وقال المفيد في الإرشاد: 1/317
وقال(ع) وهو متوجه إلى قتال الخوارج: لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل لأخبرتكم بما قضاه الله على لسان نبيه فيمن قاتل هولاء القوم مستبصراً بضلالتهم .
وان فيهم لرجلا مودون اليد له ثدي كثدي المرأة ، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم أقرب خلق الله إلى الله وسيلة .
ولم يكن المخدج معروفا في القوم ، فلما قتلوا جعل(ع) يطلبه في القتلى ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت ! حتى وجد في القوم ، وشق قميصه وكان على كتفه سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها ، وإذا تركت رجع كتفه إلى موضعه ، فلما وجده كبر وقال: ان في هذا لعبرة لمن استبصر .

ـ وفي بحار الأنوار: 38/9
تاريخ الخطيب: روى الأعمش ، عن عدي ، عن زر ، عن عبيدالله ، عن علي(ع)  قال: قال رسول الله(ص) : من لم يقل علي خير الشر فقد كفر. وعنه في التاريخ بالإسناد عن علقمة عن عبدالله قال: رسول الله(ص) : خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير شبابكم الحسن والحسين ، وخيرنسائكم فاطمة بنت محمد. الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما إلى مسروق عن عائشة: سمعت رسول الله(ص) يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلى الله وسيلة أي المخدج وأصحابه .

ـ وفي هامش اختيار معرفة الرجال: 1/ 239
ومن المتفق عليه لدى الجميع أن رسول الله(ص) قال في المخدج ذي الثدية: يقتله خير الخلق والخليقة ، وفي رواية يقتله خير هذه الأمة. وفي روايات جمة عن عائشة قالت: سمعت النبي(ص) يقول: هم ـ أي المخدج وأصحابه ـ شر الخلق والخليقة ، يقتله خير الخلق والخليقة ، وأقربهم إلى الله وسيلة .
رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد 6/239 ، راجع في ذلك:
احقاق الحق: 8/475 ـ 522 ومسلم في صحيحه 3/112 طبعة محمد علي وأحمد بن حنبل في مسنده 3 /56 والبخاري في صحيحه 4/200 الطبعة الأميرية. والنسائي في الخصائص: 43 طبعة مصر
ومن طرق عديدة عنها عنه(ص) ، هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة ، وفي أخبار كثيرة أنه(ص) قال لعلي(ع) : وانك أنت قاتله يا علي .
ثم قد أطبقت الأمة على أن عليا(ع) قد قتله يوم النهروان وأخبر الناس بذلك وقد كان(ع) يخبر به وبصفته من قبل ، ثم استخرجه من تحت القتلى فوجدوه على ماكان يذكر فيه من صفته ، فكبر الله وقال: صدق الله ورسوله وبلغ رسوله .
وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبي(ص) قال فيه: إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يخرجون على خير فرقة من الناس. وكان أبوسعيد الخدري يقول ، أشهد اني سمعت هذا الحديث من رسول الله(ص) وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه ، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلى من هذه صفته فجاؤوا به إليه ، فشاهدت فيه تلك الصفات. انتهى .

الترابط بين الوسيلة والوصية
ـ في بصائر الدرجات/216:
حدثنا أبو الفضل العلوي قال: حدثني سعيد بن عيسى الكربزي البصري ، عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن أبيه ، عن شريك بن عبد الله ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن أبي تمام ، عن سلمان الفارسي&، عن أمير المؤمنين(ع) في قول الله تبارك وتعالى: قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ، فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب ، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسيلة في الوصية ولا تخلو أمة من وسيلة إلى الله، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ .
الشيعة وسيلة إلى الله يوم القيامة
ـ في علل الشرائع: 2/564:
باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج:
حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن ادريس عن حنان قال سمعت أبا جعفر (ع)  يقول: لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة .
وبهذا الإسناد قال: قال أبو جعفر(ع) : لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلى رسول الله يوم القيامة. انتهى .
ورواه في في بحار الأنوار: 8/55:

ما ورد في مصادرهم من تشويش على الأحاديث المتقدمة
وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبي(ص) في حق علي(ع) نلاحظ وجود رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسيلة إلى الله !
ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبي(ص)  ، بل عن حذيفة !! وحتى لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير ، فهي لا ترقى إلى معارضة حديث عائشة وغيرها في علي(ع) .
وان أحسنا الظن بروايتهم عن ابن مسعود فهي تدل على أن مصطلح ( الأقرب وسيلة إلى الله تعالى ) كان معروفاً بين المسلمين من عصر الرسول(ص) ، وأن حذيفة أو واضع الحديث على لسانه أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود .
وان أسأنا الظن بروايتهم ، فهي محاولة للتعتيم على الحديث النبوي البليغ في علي(ع) ، واعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود ! وطالما فعلتها الخلافة القرشية ورواتها !
ـ روى أحمد في مسنده: 5/394:
عن شقيق قال كنت قاعداً مع حذيفة فاقبل عبدالله بن مسعود فقال حذيفة إن أشبه الناس هدياً ودلا برسول الله(ص) من حين يخرج من بيته حتى يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص) ان عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .
ـ وروى نحوه الحاكم في: 2/312 ، ورواه في: 3/315 ، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى .
ومن الملفت في الموضوع أن . . . نفى القسم الأخير من النص وقال انه لم يسمعه من عبد الرحمن بن يزيد !

قال أحمد في مسنده: 5/395:
ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص)  إن ابن أم عبد من أقربهم إلى الله عز وجل وسيلة !!
ـ وفي الغدير: 9/9:
أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً بمحمد(ص) عبد الله .
وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله(ص) من ابن أم عبد .
وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله(ص) أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله زلفى .
وفي لفظ أبي نعيم: إنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة .
وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلاً وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبدالله بن مسعود ، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص) أنه من أقربهم وسيلة إلى الله يوم القيامة .
وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته .
راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد 5: 389 ، المستدرك 3: 315 ، 320
حلية الأولياء 1: 126 ، 127 ،
الاستيعاب 1: 372 ،
مصابيح السنة 2: 283 ،
صفة الصفوة 1: 156 ، 158 ،
تاريخ ابن كثير 2: 162 ،
تيسير الوصول 3: 297
الإصابة 2: 369
كنز العمال 7: 55. انتهى .
وقد ذكرنا أن هذا لنص حتى لو صح عن حذيفة ، فهو لا يصلح معارضا ولا مقللا من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن عليا(ع) أقرب الخلق وسيلة بعد رسول الله(ص)  .

آيات مؤيدة لآيات التوسل
وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياء ((عليهم السلام) ) أن يتوسطوا لهم عند الله تعالى ، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير . . وهذا نوع من التوسيط يدل على أن باب الطلب من الله تعالى بواسطة الغير أمر طبيعي في دين الله تعالى وشرائعه !
وأنه لو كان التوسيط منافياً للتوحيد كما يزعم ابن تيمية ، لوجب أن يطلب كل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة ، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالى بواسطة!! اذ لا فرق في أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير وبين أنواع التوسيط الأخرى !
منها ، قوله تعالى:
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ . قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّى إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . يوسف : 98

ـ وروى الصدوق في علل الشرائع: 1/ 54:
ـ حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني (رض) قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الهمدانى مولى بنى هاشم قال: أخبرنا المنذر بن محمد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم الخزاز ، عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد(ع) : أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين ، قال سوف أستغفر لكم ربي ، فأخر الإستغفار لهم .
ويوسف(ع) لما قالوا له: تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين ؟ قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين .
قال: لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ ، وكانت جناية ولد يعقوب على يوسف ، وجنايتهم على يعقوب انما كانت بجنايتهم على يوسف ، فبادر يوسف إلى العفو عن حقه ، وأخر يعقوب العفو لأن عفوه انما كان عن حق غيره ، فأخرهم إلى السحر ليلة الجمعة .
ـ ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين: 2/465

ـ وفي تفسير التبيان: 6/195:
وروي عن أبي جعفر(ع) أنه قال: أخرهم إلى ليلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي ، وابن جريج وعمرو بن قيس: انه أخرهم إلى السحر ، لأنه أقرب إلى اجابة الدعاء. انتهى .
ـ وروى نحوه الترمذي في سننه: 5 /223 ، عن ابن عباس ، والحاكم: 1/316 ، والدر المنثور: 4/36 ، وكنز العمال: 2/59 ، وغيرها.
ومنها ، قوله تعالى:
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِى إِسْرَائِيلَ . الأعراف : 134
وقد قبل موسى(ع) طلبهم ، ودعا الله لهم ، فدل ذلك قبوله على أنه طلبهم بواسطته أمر مشروع إلى آخر الآيات التي والأحاديث التي تدل على توسيط الغير مع الله تعالى .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page