• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

لفصل الخامس شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين في التوسل والإستشفاع

 

الفصل الخامس
شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين
في التوسل والإستشفاع



من المسائل التي شذ فيها ابن تيمية وتبعه ابن عبد الوهاب ، تحريم السفر لزيارة النبي(ص) ، بل تحريم الزيارة نوي لها السفر !
وكذلك تحريم التوسل والاستشفاع به(ص) ، بحجة أنه ميت ولا يجوز التوسل بالميت .
وكذا تحريم الإستغاثة به(ص) لأن المستغيث بزعمه يعبد المستغاث به.. الخ .!!
ـ قال الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة ـ المطبوع في دار الإمام النووي بعمان ـ سنة 1416:
وهو ـ التوسل ـ السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معنى ذلك .
وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة ضلالة ، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد ، كما نرى الآن .
لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده ! وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل. قال ابن تيمية في ( التوسل والوسيلة ) (/98 ): هذا الدعاء ( أي الذي فيه توسل بالنبي(ص)) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزى التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه، ونحوه في (/155 ) من الكتاب المذكور .
وقال في (/65 ): ( والسؤال به ( أى بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف ، وهو موجود في دعاء كثير من الناس. ) اه.
وذكر أثرا فيه التوسل بالنبي(ص)لفظه: ( اللهم اني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة(ص)تسليماً. يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي ) .
قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روى أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزى التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه .
وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل ، فقال في منسك المروزي بعد كلام مانصه: وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه(ص)، تقض من الله عز وجل. اه. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد على الأخنائي/168 !!
والتوسل به(ص)معتمد في المذاهب ومرغب فيه نص على ذلك الأئمة الأعلام ، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه طافحة بأدلة ذلك بدون تحريم وهي بكثرة . . .
كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين ، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه ( التوسل والوسيلة ) (/169 ). انتهى كلام الممدوح .

وقال ابن تيمية في كتابه زوار المقابر/433:
قال عامة المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء: الوسيلة القربة ، قال قتادة: تقربوا إلى الله بما يرضيه .
قال أبو عبيدة: توسلت إليه أي تقربت .
وقال عبد الرحمن بن زيد: تحببوا إلى الله .
والتحبب والتقرب إليه انما هو بطاعة رسوله ، فالإيمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق إلى الله ، ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الإيمان برسوله وطاعته. وليس لأحد من الخلق وسيلة إلى الله تبارك وتعالى إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته .
وهذه يؤمر بها الإنسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت. وما خص من العبادات بمكان كالحج ، أو زمان كالصوم والجمعة ، فكل في مكانه وزمانه .
وليس لنفس الحجرة من داخل فضلا عن جدارها من خارج إختصاص بشئ في شرع العبادات ولا فعل شئ منها ، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق المسلمين ، والمسجد خص بالفضيلة في حياته(ص)، قبل وجود القبر .
فلم تكن فضيلة مسجده لذلك ، ولا أستحب هو(ص)ولا أحد من أصحابه ، ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه ، لا قبره المكرم ولا قبر غيره، ولا أن يقصد السكنى قريبا من قبر أي قبر كان .
وسكنى المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر كما كان الأمر لما كان الناس مأمورين بالهجرة إليها فكانت الهجرة إليها والمقام بها أفضل من جميع البقاع مكة وغيرها .
بل كان ذلك واجبا من أعظم الواجبات، فلما فتحت مكة قال النبي(ص)لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وكان من أتى من أهل مكة وغيرهم ليهاجر ويسكن المدينة يأمره أن يرجع ! انتهى .
وخلاصة كلامه: أن التوسل محصور بالإيمان بالرسول وطاعته ، وبدعائه في حال حياته .
أما التوسل به في حياته وبعد موته ، ومجاورة قبره الشريف والعكوف عنده ، فليس من الطاعة ، لأن الصحابة لم يفعلوه .
والأصل في كل ما لم يفعلوه عدم المشروعية ، حتى يقوم عليه دليل !
وهو كما ترى تحكم لا دليل عليه:
فحصره التوسل المأمور به في القرآن بالإيمان بالرسول وطاعته ، لا دليل عليه وكذلك لادليل على ميزانه فيما جعله جزء من الإيمان بالرسول أو نفى جزئيته ، وما جعله طاعة للرسول أونفى كونه طاعة له !
فلماذا لا يكون التوسل بزيارة قبره(ص)والتبرك به والسكنى عنده من الإيمان به، ومن طاعته(ص) ؟!!
ثانيا ، دعوى أن القاعدة والأصل في الأشياء الحرمة حتى تثبت حليتها ، لا دليل عليه أيضاً. بل الأصل في الأشياء الحلية حتى يثبت دليل الحرمة ويصل إلى المكلف ، فقد قال الله تعالى (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) .
ثالثاً ، دعوى أن كل ما لم يفعله الصحابة فهو حرام حتى يقوم عليه دليل ، تحكم بلا دليل أيضاً ، فإن كثيرا من الأمور لم يفعلها الصحابة وهي حلال حتى بفتوى ابن تيمية ، كالوسائل المعيشية المتجددة !! وقد ألف الحافظ الصديق المغربي رسالة في عدم دلالة الترك على التحريم ، كما ذكر تلميذه الممدوح .
أما عندنا فإن فعل الصحابي ليس حجة إذا لم يكن معصوماً ، فضلا عن تركه !

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والإستشفاع
يفترض ابن تيمية مسبقا أن المتوسل أو المستغيث بالنبي(ص) ( يدعوه ) أي يطلب منه ، لا من الله تعالى !
وهذا مصادرة على المطلوب وتبطين الحكم المتنازع فيه في لفافة على أنه جزء من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر !
فابن تيمية يقول للمتوسل أو المستغيث: انك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله !! فأنت اذن كافر !!
مع أن المتوسل لم يدع النبي بدل الله تعالى ! بل توسل به واستغاث به واستشفع به إلى الله تعالى !!
ومثال ذلك في أمور الدنيا: أن يتوسل شخص إلى رئيس مكتب الملك ، ليتوسط له عند الملك !
فيقول له ابن تيمية: انك تعديت على شرعية الملك ، وجعلت الملك الشرعي رئيس مكتبه ! وهذا خروج على الملك ونظامه ، تستحق به الإعدام !!
وقد حاول ابن تيمية أن يستدلوا على هذه المصادرة المفضوحة فقالوا: ان المستغيث يطلب من الرسول أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالى ، وهذا يستلزم أنه يؤلهه ! !
ولكن هذا اللزوم ممنوع .
بل هو على مذهبهم ممنوع حتى لو صحت الملازمة ، لانهم يزعمون أن لازم المذهب ليس بمذهب !!
ـ قال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد/209:
فحديث الأعمى شئ ، ودعاء غير الله تعالى والاستغاثة به شئ آخر .
فليس في حديث الاعمى شئ غير أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له ويشفع له ، فهو توسل بدعائه وشفاعته ، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في .
فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له. فدل الحديث على أنه(ص)شفع له بدعائه ، وأن النبي(ص)أمره هو أن يدعو الله ، ويسأله قبول شفاعته .
فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك ، لأن النبي(ص)أمره أن يسأل قبول شفاعته ، فدل على أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يدعى ، ولأنه(ص)لم يقدر على شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام ؟!
والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله .
أما أن تأتي شخصاً يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك على ما في حديث الأعمى .
فالحديث سواء كان صحيحا أو لا ، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا ، لا يدل على سؤال الغائب ولا على سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، بوجه من وجوه الدلالات.
ومن ادعى ذلك فهو مفتر على الله وعلى رسوله(ص)!! انتهى .
فتراه يشكك في حديث الأعمى الذي صححه علماء المذاهب ، وقبله إمامه ابن تيمية ، ثم تراه يفترض أن المستشفع ( يدعو ) النبي(ص)، ويطلب من النبي نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى !!
كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث إلى الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول ! ويستحل بذلك دمه وماله !!
وإن سألته عن دليله على أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول من دون الله.. فانك تطلب منهم ما لايقدر عليه إلا الله تعالى ، وتكون على مذهبه عبدته من دونه تعالى !!!

غرض ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه إلى أصول العقائد !
ماذا يحدث لو نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري إلى مواد القانون الجنائي ، أو إلى مواد مخالفات الدستور ، ومحكمة أمن الدولة ؟
طبعاً سيكون الفرق على مرتكبها كبيرا ، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية ، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالدستور !!
ان ما فعله ابن تيمية من اتهام المتوسلين بمخالفة الشرع ، شئ لا يذكر أمام نقله تهمتهم إلى الإخلال بأصول الدين وارتكاب الشرك !!
وبذلك حكم عليهم بالكفر واستحل قتلهم وأعراضهم وأمواهم !!!
فبدل أن يقول مثلاً أنهم مخلصون ولكنهم يتخيلون أنهم يتقربون إلى الله بالتوسل بالنبي الميت ، فهم مخطئون يرتكبون معصية ! قال انهم يشركون بالله ويستحقون القتل !!
وهكذا ، كانت مسألة التوسل والإستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية ، وكان فقهاء المذاهب الأربعة ، والخمسة والستة ، يبحثونها في باب الحج والزيارة ، فيذكرون صورها ، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها ، أو التوقف فيه . . حتى عالم حراني نصبه الحاكم الشركسي المصري لمدة قليلة شيخا للاسلام في الشام ، فأبدع في عمله أيما ابداع ، وقدم للأجيال أكبر خدمة ، فكفر مسلمي عصره و العصور المتقدمة ، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت !!!

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل ؟!
المعروف عن ابن تيمية أنه تراجع عن تحريم التوسل ، عندما عقدوا له جلسة مع العلماء لمناقشة آرائه الشاذة ، ومنها تحريم التوسل بالنبي(ص) !!
وقد اعتمد الذين نسبوا إليه هذا القول على أمرين:
الأول ، ما اعترف به في مصر ، حيث عرف عنه اعتقاده بعدم جواز التوسل والإستشفاع بالنبي(ص)فاستنكر المسلمون ذلك ، وعقد القضاة مجلسا للنظر في قوله..
قال السقاف في كتابه ( البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والآلباني في العقيدة من الإختلاف )
13 ـ فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيه بشكل ملحوظ مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد ، وليست كذلك قطعاً .
أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه ( قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ) التوسل ـ ومرادنا التوسل بالذوات ـ ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في (البداية والنهاية ) ( 14 ـ 45 ) حيث قال: ( قال البرزالي (16 ): وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين ـ وكلموه في ابن عربي وغيره ـ إلى الدولة فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي ، فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ ، لكنه قال: لا يستغاث إلا بالله ، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة ـ ولعلها العبادة ـ ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله ، فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ ، ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب ) انتهى. فتأمل !!
( هو الحافظ ابو محمد القاسم بن البهاء محمد الدمشقي البرزالي ترجم في طبقات الحفاظ للسيوطي ـ / 256 ) .
وأما الشوكانى فقد أجاز التوسل في كتابه ( تحفة الذاكرين ) كما يعلم ذلك القاصي والداني ، ففي صحيفة ( 37 ) من كتاب الشوكاني ( تحفة الذاكرين طبع دار الكتب العلمية ) عقد باباً سماه: ( وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين ) ثم قال:) ( قوله ويتوسل إلى الله سبحانه بأنبيائه والصالحين ) أقول: ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي. انتهى .
وأصرح من هذا ما ذكره الشوكاني/( 138 ) في ( باب صلاة الضر والحاجة ) حيث قال ما نصه: ( وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ) انتهى .
وقد نص الشوكاني أيضاً على جواز التوسل ، ورد على ابن تيمية في كتابه ( الدر النضيد في اخلاص كلمة التوحيد ) فليرجع إليه من شاء .
وأما الألباني فمنع ذلك واعتبره من الضلال في كتابه ( التوسل أنواعه وأحكامه ) كما هو مشهور ومعلوم ، مع أنه قال في مقدمة ( شرح الطحاوية )/(60 الطبعة 8) أن مسالة التوسل ليست من مسائل العقيدة ، وهذا خلاف ما يقوله كثير من أدعياء السلفية . فتأملوا يا ذوي الأبصار !! انتهى كلام السقاف .
والأمر الثاني ، ماكتبه في رسالة ، من سجنه ، حيث قال في/16:
وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبى(ص)علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله ، إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في .
فهذا التوسل به حسن ، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام !
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى .
والذي وصلت إليه أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل ، ولكنه استعمل عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس !
ومهما يكن ، فقد أخطأ ابن تيمية بتحريمه الإستغاثة أيضاً ، لأنها معناها طلب الغوث أي العون من شخص ، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده ، فحكمها حكم الإستعانة والنداء والتوسل ، بدون فرق !

ـ قال ابن السكيت في اصلاح المنطق/29
يقال: قد استغاثنى فلان فأغثته ، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثا ، إذا أنزل بها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث ، وهي أرض مغيثة ومغيوثة .

ـ وقال الراغب في المفردات/379
ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع ، وفزع له أغاثه. انتهى .
فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول ( يا رسول الله أغثني ) فانك تعبده من دون الله تعالى ! تصور باطل ، لأن معنى الإستعانة والإستغاثة لا يعطي ذلك ، ولا المستعين والمستغيث ينويه ، ولا يعتقده ! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط الرسول إلى الله تعالى ، فلا فرق بينهما حتى يحل أحدهما ويحرم الآخر !

علماء المذاهب الإسلامية يردون على شذوذ ابن تيمية !
رد علماء المذاهب على آراء ابن تيمية في التجسيم وتحريم السفر إلى زيارة قبر النبي(ص)، وتحريم التوسل والإستشفاع به ، وألفوا فيها كتبا عديدة ، من عصر ابن تيمية إلى عصر ابن عبد الوهاب.. والى يومنا .
ولا يتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها .

نماذج من ردهم على مذهب ابن تيمية:
ـ قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار: 6/716:
نعم ذكر العلامة المناوي في حديث: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة ، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصوراً على النبي (ص) وأن لا يقسم على الله بغيره ، وأن يكون من خصائصه .
قال: وقال السبكي يحسن التوسل بالنبي إلى ربه ، ولم ينكره أحد من السلف ، ولا الخلف إلا ابن تيمية ، فابتدع ما لم يقله عالم قبله. اهـ
ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوى الخصوصية ، وأطال الكلام على ذلك في الفصل الثالث عشر ، آخر شرحه على المنية ، فراجعه .
ـ وقال الشربيني في مغني المحتاج: 1/184
خاتمة: سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي ؟
فأجاب بأنه جاء عن النبى(ص) أنه علم بعض الناس: اللهم اني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة . . الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصورا عليه عليه الصلاة والسلام ، لأنه سيد ولد آدم ، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة ، لأنهم ليسوا في درجته ، ويكون هذا من خواصه . اهـ . والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك .

ـ وقال الشرواني في حواشيه: 2 /108:
خاتمة: سئل الشيخ عز الدين: هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي ؟
فأجاب: بأنه جاء عن النبى (ص) أنه علم بعض الناس: اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة . . الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصوراً عليه عليه الصلاة والسلام ، لأنه سيد ولد آدم ، ولا يقسم على لله بغيره من الأنبياء والملائكة ، لأنهم ليسوا في درجته ، ويكون هذا من خواصه .انتهى .
والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك - مغنى .
وفى ع ش بعد ذكر كلام الشيخ عز الدين ما نصه: فإن قلت: هذا قد يعارض ما في البهجة وشرحها لشيخ الإسلام ، والافضل استسقاؤهم بالاتقياء لأن دعاءهم أرجى للإجابة الخ .
قلت: لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك على صورة الألازم ، كما يؤخذ من قوله: اللهم اني أقسم عليك . . الخ .
وما في البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد على صورة الإستشفاع والسؤال ، مثل أسألك ببركة فلان ، أو بحرمته أو نحو ذلك. انتهى .

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد على ابن تيمية:
كتاب: ارغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي
للحافظ ابن الصديق الغماري الحسني.. الطبعة الثانية ـ 1412 ـ دار الإمام النووي ـ الأردن ، وقد حققه وقدم له السيد حسن السقاف ، ومقدمته وتحقيقه لا تقل فائدتهما عن أصل الكتاب .
ـ قال السقاف في مقدمته:
أما بعد: فالتوسل والإستغاثة والتشفع بسيد الانام، نبينا محمد(ص)مصباح الظلام ، من الأمور المندوبات المؤكدات ، وخصوصا عند المدلهمات ، وعلى ذلك سار العلماء العاملون ، والأولياء العابدون ، والسادة المحدثون ، والأئمة السالفون ، كما قال السبكي فيما نقل عند صاحب فيض القدير ( 2/135 ): ويحسن التوسل والإستعانه والتشفع بالنبي إلى ربه ولم ينكر ذلك احد من السلف ولامن الخلف . . انتهى .
حتى نص السادة الحنابلة في مصنفاتهم الفقهية على استحباب التوسل بسيدنا رسول الله(ص)، ونقلوا ذلك عن الإمام أحمد أنه استحبه كا في كتاب الإنصاف فيما ترجح من الخلاف ( 2/456 ) وغيره. ونقل ابن كثير في البداية ( 14/45 ) أن ابن تيمية أقر أخيراً في المجلس الذي عقده له العلماء العاملون الربانيون المجاهدون بالتوسل وأصر على إنكار الإستغاثة. مع أنه يقول في رسالة خاصة له في الاستغاثة بجوازها بالنبي فيما يقدر عليه المخلوق .
واعتمد الإمام الحافظ النووي استحباب التوسل والإستغاثة في مصنفاته ، كما في حاشية الإيضاح على المناسك له (/450 ) و (/498 ) من طبعة أخرى وفي شرح المهذب المجموع ( 8/274 ) وفي الاذكار (/307 ) من طبعة دار الفكر ، في كتاب أذكار الحج ، وص ( 184 ) من طبعة المكتبة العلمية .
وهو مذهب الشافعية ، وغيرهم من الأئمة المرضيين ، المجمع على جلالتهم وثقتهم .
واني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء المسلمين وائمة الحفاظ والمحدثين ، والتى لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين في الطعن في أسانيدها ، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها ، ومثلت عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع .
ولا يعرف الحق كما هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام ، ونفخ الكتب بتكثير عدد الصفحات ، وانما يعرف الحق بالبراهين العلمية ، والأدلة الواضحة الجلية ، وان كانت قليلة العبارات ، فهي كثيرة التعبيرات والإشارات .
وقد أرشد إلى ذلك سيدنا رسول الله صلى اللة عليه وسلم في قوله ( أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام إختصاراً ) .
واني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي أرشدت اليها السنة الغراء فأقول:

أدلة التوسل:
1 ـ حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما ، من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند إشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به .
ولو كان التوسل والإستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار ، على زعم من يكفر عباد الله بالألاف ، ويحاول تهييج العامة والسذج على من أظهر كفر من قال بقدم العالم ، المجمع على كفر قائله ومعتقده .
وأيضاً لو كان التوسل شركاً أو كفراً لبينه سيدنا رسول الله(ص)عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفراً بنص الأحاديث المتواترة كان أمراً مندوباً إليه في الدنيا والآخرة ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال أن التوسل والإستغاثة كفر في الدنيا ليس كفرا في الآخرة ، قلنا له: إن الكفر كفر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة ، والتوسل به قبل موته(ص)وبعد موته لا فرق. وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر .
2 ـ حديث سيدنا عثمان بن حنيف (رض) قال: ( إن رجلاً ضريرأ أتى النبى (ص)فقال ادع الله أن يعافينى فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير قال فادعه . فأمره أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء:
اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة .
يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضى .
اللهم شغعه في .
قال سيدنا عثمان: فعاد وقد أبصر .
رواه الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم وأقره الذهبي والبيهقي بالأسانيد الصحيحة . وللحديث تتمة صحيحة تأتي في ( إرغام المبتدع الغبي ) .
3 ـ حديث سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه: أن سيدنا النبي(ص)لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال: اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي. رواه الطبراني ، والحاكم مختصرا، وابن حبان وغيرهم، وفي إسناده روح بن صلاح قال الحاكم: ثقة، وضعفه بعضهم،والحديث صحيح.
4 ـ وروى الإمام البخاري في صحيحه: أن سيدنا عمر (رض) استسقى عام الرمادة بالعباس عم النبي(ص)ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبينا(ص)، وإنا نتوسل اليك بعم نبينا. قال فيسقون. وفي الحديث إثبات التوسل به(ص)وبيان جواز التوسل بغيره ، كالصالحين من آل البيت ومن غيرهم. كما قال الحافظ في فتح الباري ( 2/497 )

وأما أدلة الإستغاثة:
1 ـ فما روى البخاري في صحيحه وغيره من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة بلفظ ( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد (ص)فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب ، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم ) .
وهذا صريح في الإستغاثة ، وهي عامة في جميع الأحوال ، مع لفت النظر أنه (ص)حي في قبره يبلغه سلام من يسلم عليه وكلام من يستغيث به لأن الأعمال تعرض عليه كما صح فيدعو الله لاصحاب الحاجات .
2 ـ روى الإمام أحمد بسند حسن كما قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح (8/579 ) عن الحارث بن حسان البكري (رض) قال: خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله(ص) . . الحديث ، وفيه: فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد .
قال أي سيدنا رسول الله ـ وما وافد عاد ؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه . .. الحديث .
وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم يكفره سيدنا رسول الله(ص). وقد خالف الألباني ذلك فكفر كل مستغيث به(ص)كما في توسله/7 الطبعة الثانية ، وقلده في هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له ، وأنكروا على من كفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعاً ، ومن قال بالحد والجهة والإستقرار وغير ذلك من طامات ! نسأل الله لهم الهداية ، وأن يردهم إلى دينه وإلى الحق رداً جميلاً ، وأن يخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذي بنوه على سوء فهم كبيرهم الذي علمهم السحر ، أو فساد قصده وقد يجتمعان .
3 ـ قوله(ص)في حديث الأعمى الصحيح عندما علم الرجل أن يقول: ( يا محمد إني أتوجه بك إلى الله ). وهذه إستغاثة صريحة ، وقد اعتمدها العلماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة ، حاثين الأمة عليها .
4 ـ جاء في البخاري أن النبي(ص)قص على أصحابه قصة السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبنى الكعبة ، بعد أن تركهما سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام ، وفي ما قصه: أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: إن كنت ذا غوث فأغث ، فاستغاثت فاذا بجبريل(ع)فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم يقل النبي(ص)انها كفرت ، كما يزعم الألباني ، ولم ينبه أن تلك الإستغاثة منها كفر البتة. وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان .
وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والإستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسميتها ( الإغاثة بأدلة الإستغاثة ) وقد اقتصرت هنا على بعضها ، وفيها بيان لمن ألقى السمع وهو شهيد ، هذا إذا كان قلبه نظيفا لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد مخالفتهم لمزاجه ، وأراد اقتفاء النبي(ص).
وأختم الإستدلال ببيان مسألة هامة جدا وهي إستدلال أخير على التوسل والإستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي(ص)، وإقرار الباقين من الصحابة له وعلى رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب (رض) ، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ( 2/495 ) حيث قال: روى ابن ابي شيبة بإسناد صحيح ( وصححه أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية 7/92 من طريق البيهقي ) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار ، وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي(ص)فقال يارسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون. اسناده صحيح .
وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهى من بيت العنكبوت في توسله/( 119 - 121 ) وزعم أن مالك الدار مجهول .
ونقل ترجمته من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فقط ، ليوهم قراءة أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان ، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق عليه أن الرجل يبقى مجهولاً حتى يروى عنه اثنان فأكثر. ثم قال لينصر هواه ان المنذري والهيثمي لم يعرفا مالك الدار ، فهو مجهول ، ولا يصح السند لوجود مجهول فيه. ثم تبجح قائلا: وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة .
ونحن نقول له: بل هذا تدليس وغش وخيانة لا يدريه إلا من امتلأ قلبه حقداً وعداء على السنة والتوحيد وأهلهما .
وقد تبعه على هذا الغش والتدليس وزاد عليه أحد الاغبياء المتعصبين اللاهثين وراء بريق الدراهم في كتاب له ملأه من هذه البضاعة ، تخيل فيه أنه رد التوسل وهيهات ، وهو لم يقرأ العلوم وخاصة ملحها الإعراب على أحد ، ولم يكن له في حياته أستاذ يهذب أو شيخ يدرب ، إلا التلقي من صفحات دفاتر هذا الألباني . ونقول في بيان نسف ما قاله الألباني من جهالة مالك الد ار:
إذا صرح المنذري والهيثمي بأنهما لا يعرفانه فنقول للباحث عن الحق اذن لم يصرحا بتوثيق له أو تجريح ، لأنهما لا يعرفانه .
لكن هناك من يعرفه وهم ابن سعد والبخاري وعلي ابن المديني وابن حبان والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم . فهل يا ألباني ينقل كلام من عرفه أم كلام من جهله ؟! العجيب أن الالباني يحبذ كلام من جهل حاله ، ويختاره ويفضله على كلام من علم حاله ، الذي يستره الألباني ولا يحب أن يطلع عليه أحد !!
وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذين عرفوه في توثيقه كاف في اثبات ما يقوله السيد عبد الله الغماري وغيره من المحدثين والمشتغلين في علم الحديث من أن الالباني يعرف الصواب في كثير من الأمور ، لكنه غاش مدلس خائن مضلل لا يؤتمن على حديث واحد .
وقد صرح بذلك كثير من أهل العلم كالسيد أحمد الغماري والسيد عبد الله والسيد عبد العزيز المحدثون ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والمحدث حبيب الرحمن الأعظمي محدث الهند والباكستان، والشيخ اسماعيل الأنصاري، والشيخ محمد عوامة ، والشيخ محمود سعيد ، والشيخ شعيب الأرناؤوط ، وغيرهم عشرات من أهل هذا الفن والمشتغلين به .
فأهل الحديث شهدوا بأن هذا الرجل لا يعتمد كلامه في التصحيح والتضعيف ، لأنه يصحح ويضعف حسب الهوى والمزاج ، وليس حسب القواعد العلمية !!
ومن تتبع أقواله وما يكتبه تحقق ذلك .
ويكفيني أن أقول في مالك الدار ان ابن سعد قال في الطبقات ( 5/12 ): مالك الدار مولى عمر بن الخطاب ، روى عن أبي بكر وعمر ، ثم قال وكان معروفاً .
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ترجمة رقم ( 8356 ):
له ادراك ، أي أنه معدود من الصحابة. ويكفيه في ذلك توثيقا ، ثم ذكر أنه روى عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان ، وابناه عون وعبد الله ابنا مالك ، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي .
ثم قال: قال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر اه، بمعناه ملخصا .
وبذلك نعلم أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان قد وثقاه اذ قد ولياه بيت مال المسلمين وفي ذلك أقوى توثيق له أيضاً .
وقد نقل الحافظ الخليلي في كتابه الإرشاد الإتفاق عل توثيق مالك الدار فقال هناك: متفق عليه أثنى عليه التابعون !! فقد ذهب كلام الألباني هباء .
وللموضوع توسع في رسالة لنا خاصة أسميناها بالباهر. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. انتهى .
ـ وقال الصديق المغربي في كتابه المذكور/11:
وبعد ، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى ، إذا رأى حديثا أو أثراً لا يوافق هواه فانه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش ، ليوهم قراءه أنه مصيب ، مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش ، وبأسلوبه هذا ضلل كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب، والواقع خلاف ذلك .
ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير ، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه ، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه .
فأردت أن أرد الحق إلى نصابه ، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به ، وعلى الله اعتمادي ، وإليه تفويضى واستنادي .
روى الطبراني في المعجم الكبير ( 9/17 ) من طريق ابن وهب عن شبيب عن روح بن القاسم عن ابي جعفر الخطمي المدني عن ابي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف (رض): أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رض) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد ، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد(ص)نبي الرحمة ، يا محمد اني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، ورح إلى حتى أروح معك .
فانطلق الرجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة ، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته ، فقضاها له ، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة ، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا .
ثم ان الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف ، فقال له: جزاك الله خيراً ، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت الي حتى كلمته في .
فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته ، ولكن شهدت رسول الله(ص)وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره ، فقال له النبى (ص): أو تصبر ؟ فقال: يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق علي .
فقال له النبي(ص): ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ، ثم ادع بهذه الدعوات!
قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث ، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر ، قط. صححه الطبراني ، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع ، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على التوسل المبتدع ، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني ، وشبيب لا بأس بحديثه ، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه ، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد .
والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه اسماعيل واحمد ، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب ، في شبيب ، وابنه اسماعيل لا يعرف ، وأحمد وان روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد ، ثم اختلف فيها على احمد ، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة ، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به ، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني: وعون هذا وان كان ضعيفا فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي. ا ه.
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:
أولا: هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف ، أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رض) ، فذكر القصة بتمامها .
ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة ، بل هو فوق الثقة ، وهذا اسناد صحيح البخاري ، ومعنى ذلك أنها صحيحة ، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ، ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري فليتأمل .
ان الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب (1/476) باقراره للطبراني ، والهيثمي في مجمع الزوائد ( 2/279 ) أيضاً ، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير ( 1/307 الروض الداني ) وغيرهم .
ثانياً: أحمد بن شبيب من رجال البخاري ، روى عنه في الصحيح ، وفي الأدب المفرد .
ووثقه ابوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة ، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي ابن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضاً ، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد .
ووثقه ابوزرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط. قال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن زيد ، وهو صالح الحديث لا بأس به. وقال ابن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة. وقال ابن المدينى: ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر وكتابه كتاب صحيح ، هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب ، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد ، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح. وابن عدي انما تكلم على نسخة الزهري عن شبيب فقط ، ولم يقصد جميع رواياته !!
فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة ، يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري ! ! وانما رواه عن روح بن القاسم !!
ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فيها ، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم، لون آخر من التدليس ! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً ، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة ، والبخارى يفعل هذا أيضاً ، فكثيرا ما يذكر الحديث مختصرا أو يوجد عند غيره تاماً .
والذي ذكر القصة في رواية البيهقي امام فذ يقول عنه ابو زرعة الدمشقى: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلا .
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة ، لون ثالث من التدليس والغش .
فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصرا ، ثم قال: تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد ، والقول فيه قول شبيب فانه ثقة مأمون ، هذا كلام الحاكم ، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ!
والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً ، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عنادا وخيانة .
ثالثا: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الالباني وغشه ، أن القصة صحيحة جدا ، رغم محاولاته وتدليساته ، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي(ص) بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك،وفهم الراوي له قيمته العلمية، وله وزنه في مجال الإستنباط .
وانما قلنا ان القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل ، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من ارشاده الرجل إلى التوسل ، كان تنفيذا لما سمعه من النبي (ص)، كما ثبت في حديث الضرير .
قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن ابراهيم ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف (رض): أن رجلا أعمى أتى النبي(ص)فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي قال:
إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل:
اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة . يا محمد إني أستشفع بك إلى ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي ، وشفع نبيي في رد بصرى .
وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح .
والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي(ص)في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه .
وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية. بينت بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ، ولو كان في الصحيح !!
مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث ( كان الله ولم يكن شئ غيره ) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن ، لكنه خالف رأيه في إعتقاده قدم العالم ، فعمد إلى رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ ( كان الله ولم يكن شئ قبله ) فرجحها على الرواية المذكورة ، بدعوى أنها توافق الحديث الآخر ( أنت الأول فليس قبلك شئ ) .
قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس ، والجمع مقدم عل الترجيح بالإتفاق .
قلت: تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض . . .
مثال ثان: حديث أمر رسول الله(ص)بسد الأبواب الشارعة في المسجد ، وترك باب علي(ع)، حديث صحيح ، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد .
وابن تيمية لإنحرافه عن علي(ع)كما هو معلوم ، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه ، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه !!
وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة ، يعسر تتبعها .
رابعا: ونقول على سبيل التنزل: لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبا لخاطر الألباني، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية ، قلنا: في حديث توسل الضرير كفاية وغناء ، لأن النبي حين علم الضرير ذلك التوسل ، دل على مشروعيته في جميع الحالات .
ولا يجوز أن يقال عنه: توسل مبتدع ! ولا يحوز تخصيصه بحال حياته(ص)، ومن خصصه فهو المبتدع حقيقة ، لأنه عطل حديثا صحيحاً وأبطل العمل به ، وهو حرام .
والألباني عفا الله عنه جرئ على دعوى التخصيص والنسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه . فحديث الضرير لو كان خاصا به ، لبينه النبي(ص)، كما بين لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزيه في الأضحية ، ولا تجزي غيره ، كما في الصحيحين. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
اعتذار وجوابه:
قد يقال: الداعي إلى تخصيص الحديث بحال حياة النبي(ص)ما فيه من ندائه ، وهو عذر مقبول .
والجواب: أن هذا اعتذار مردود ، لأنه تواتر عن النبي صلى عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة ، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه ( السلام عليك أيها النبي ) وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوي أبو بكر وعمر ، وابن الزبير ، ومعاوية ، واستقر عليه الإجماع ، كما يقول ابن حزم ، وابن تيمية !
والألباني لإبتداعه خالف هذا كله ، وتمسك بقول ابن مسعود ، فلما مات قلنا السلام على النبي ، ومخالفة التواتر والإجماع ، هي عين الإبتداع .
مع أنه صح عن النبي(ص)أن أعمالنا تعرض عليه ، وكذلك صلاتنا عليه(ص)، تعرض عليه .
وثبت أن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه سلام أمته .
وثبت بالتواتر والإجماع أن النبي(ص)حي في قبره، وأن جسده الشريف لا يبلى، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به ، وهل هو إلا مثل ندائه في التشهد ؟!!
ولكن الألباني عنيد شديد العناد ، والألبانيون عندهم عناد ، وصلابة في الرأي ، أخبرني بذلك عالم ألباني حضر علي في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج ، وكان وديعا هادئ الطبع ، وهو تلميذ لي .
هذا موجز ردنا لدعوى الألباني. أما من يدعى حمدي السلفي فليس هناك، وإنما هو مجرد مخدوع يردد الصدا .
الحاق: قال الدرامي في سننه:
حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا ابوالجوزاء اوس بن عبد اللة قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً ، فشكوا إلى عائشة ، فقالت انظروا قبر النبى(ص)فافتحوا منه كوى إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا. فمطرنا مطرا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق .
ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد ، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم ووثقه يجيى بن معين وضعفه أيضاً بإختلاط ابي النعمان ، وهو تضعيف غير صحيح لأن إختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته ، قال الدارقطني: تغير بأخرة. وما ظهر له بعد اختلاط حديثٌ منكر ، وهو ثقة. وقول ابن حبان: وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد إختلاطه ، رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكراً والقول فيه ما قال الدارقطني ( 45 ) ، وابن تيمية كذب أثر عائشة ، ولا عبرة به لجرأته على تكذيب ما يخالف هواه .
والحمد لله رب العالمين. انتهى .

كتاب ( التوسل بالنبي وجهلة الوهابيين )
تأليف أبي حامد المرزوق ـ طبعة مكتبة ايشيق في إستانبول
قال في/24:

وانما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطيله هذه ، أنه لم يحقق معنى العبادة شرعاً كما يدل عليه استقراء موارد هذه اللفظة في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فظن أن التوسل برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر الصالحين والإستغاثة بهم ، مع استقرار القلب على أنهم أسباب لا إستقلال لهم بنفع ولا ضر ، وليس لهم من الربوبية شئ ، ولكن الله جعلهم مفاتيح لخيره ومنابع لبره وسحبا يمطر منها على عباده أنواع خيره . . ظن أن ذلك وما إليه من الشرك المخرج عن الملة .
ومن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم يقينا لا تخالطه ريبة أن مسمى العبادة شرعاً لا يدخل فيه شئ مما عده من توسل واستغاثة وغيرهما ، بل لا يشتبه بالعبادة أصلاً فإن كل ما يدل على التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم ، أو صفة من صفاتها الخاصة بها. ألا ترى الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات احتراما له وتأدبا معه ، فلا يكون هذا القيام عبادة للرئيس شرعاً ولا لغةً ، ويقوم المصلي بين يدي ربه في صلاة بضع دقائق أو بعضها ، قدر ما يقرأ الفاتحة ، فيكون هذا القيام عبادة شرعا ؟! وسر ذلك أن هذ القيام وإن قلت مسافته مقترن باعتقاد القائم ربوبية من قام له ، ولا يقارن ذاك القيام هذا الإعتقاد. ا هـ .
وقد اطلعت على كلام لابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية مفرق في أربعة مواضع من كتبه ، أذكره كله ليراه القراء ، ثم أبطله:
1 ـ قال في الجزء الأول من فتاواه/219 ، في تفسير قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) والمعنى أن صاحب الجد لا ينفعه منك جده ، ألا ينجيه ويخلصه منك جده، وإنما ينجيه الإيمان والعمل الصالح ، والجد هو الغني وهو العظمة وهو المال ، ( إلى أن قال ) فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما ، توحيد الربوبية ، وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو .
والثاني ، توحيد الإلهية ، وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع ، وأنه ليس كل من أعطى مالا أو دنيا أو رئاسة ، كان ذلك نافعاً عند الله منجياً له من عذابه ، فإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب ( إلى أن قال ): وتوحيد الإلهية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه .
وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه ، وان لم يكن مما أمر به وأوجبه أرضاه ، والعبد مأمور بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الإلهية ويستغفر الله على ذلك وهو توحيد له فيقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) اه .
2 ـ وقال في الجزء الثاني من فتاواه/275:
فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه ، ويحقق قوله ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ، وان كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الإنفراد لم يمنع أن يختص بمعنى عند الإقتران ، كما في قوله: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ. الخ ) فجمع بين الإسمين ، فإن الإله هو المعبود الذي يستحق أن يعبد ، والرب هو الذي يرب عبده ا ه .
3 ـ وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة/62 ، بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين ، مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله ، ما نصه:
فانهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم ، ودخلوا في بعض الباطل المبدع ، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية ، واثبات حقائق أسماء الله وصفاته ، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية ، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) ، وقال تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ للهِ ، الآيات ). وقال عنهم: ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ . ) فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله ، وهم مع ذلك يعبدون غيره ، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية ، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً ، فيكون الدين كله لله ا ه .
4 ـ وقال في رسالة أهل الصفة/34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي ا ه .
أقول: قد لبس ابن تيمية في تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيراً بالسلف الصالح والكتاب والسنة ، لترويج هواه في سوقهم !
ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف ، وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له بصاعه الذي لبس به على البسطاء كيلاً حقيقياً وافياً ، مبرهنا فأقول:
كلامه هذا في الأربعة المواضع بالطل باثنين وثلاثين وجها .
الوجه الأول: لم يقل الإمام احمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون ، وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لإبن الجوزي وفي غيره ليس فيه هذا الهذيان .
الوجه الثاني: لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون .
الوجه الثالث: لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه ان التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون .
الوجه الرابع: لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ورضي عنهم ان التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وإني اتحدى كل من له المام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم ، ولو برواية واهية .
الوجه الخامس: لم يأت في سنة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الواسعة التي هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم ، أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه المشركون ، فلو اجتمع معه الثقلان على اثبات هذا الهذيان عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم باسناد ولو واهياً لا يستعطيون .
الوجه السادس: بل كتب السنة طافحة بأن دعوته(ص)الناس إلى الله كانت إلى شهادة ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان ، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى اليمن فقال له: ( ادعهم إلى شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ـ الحديث ) .
وروى الخمسة وصححه ابن حبان أنه(ص)أخبره أعرابي برؤية الهلال ، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي(ص)إلا عن الإقرار بالشهادتين، وكان اللازم على هذيانه هذا أن يدعو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جميع الناس إلى توحيد الألوهية الذي جهلوه ، وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه ! ويقول لمعاذا ادعهم إلى توحيد الألوهية ! ويقول للأعرابي الذي رأى هلال رمضان هل تعرف توحيد الألوهية ؟!
الوجه السابع: لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عباده بتوحيد الألوهية ، ولم يقل لهم ان من لم يعرفه لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية ، بل أمر وهو:
الوجه الثامن: بكلمة التوحيد مطلقة ، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم ( فاعلم أنه لا اله إلا الله) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن ، مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن .
الوجه التاسع: يلزم على هذا الهذيان على الله تبارك وتعالى لعباده حيث عرفوا كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية ـ أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذ بهم على جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.
الوجه العاشر: الإله هو الرب والرب هو الإله ، فهما متلازمان يقع كل منهما في موضع الآخر، وكتاب الله تعالى طافح بذلك ، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام، قال الله تبارك وتعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) وكان اللازم ـ على زعمه ـ حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد الألوهية أن يقول الله: ( إعبدوا الهكم ) !!
وقال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِى رَبِّهِ - الآية ) ، وكان اللازم ـ على زعمه حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الألوهية ـ أن يقول الله تعالى: ( ألم تر إلى الذي حاج ابراهيم في إلهه ) !!
وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) اتقوا إلهكم !!
وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ) ، هل يستطيع إلهك ، وكان اللازم على زعمه أن يقول الله في قوله تعالى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) ثم الذين كفروا بالههم يعدلون ! لأن الرب يعرفونه ، وهو شئ كثير في القرآن . . .
الوجه الثلاثون: جعله التوسل والإستغاثة عبادة للمتوسل به والمستغاث به والمستعان به !!...
قوله ( وهم مع ذلك يعبدون غيره ) فاسد أيضاً ومعناه يقول أحمد بن تيمية الملبس بلفظ ( الطائفة ) والملبس أيضاً المدعي أنه ( من السلف ) للمالكية والشافعية والحنفية ومستقيمي العقيدة من الحنابلة ( من خلق السموات والأرض فيقولون الله ) وهم مع إعترافهم بتوحيد الربوبية مشركون في رأيه لأنهم (يعبدون غيره ) ، أي يتوسلون بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبالصالحين من أمته ويستغيثون ويستعينون بهم ، وكل من التوسل والإستعانة والإستغاثة عبادة غير الله تعالى في زعمه !!
وقد اعتمد في تكفير المسلمين بهذه الالفاظ على إرادة نفع جاه المتوسل به أو المستغاث به مثلاً ، قياساً على عبدة الأوثان بجامع الإرادة المذكورة في كل ، وهو قياس فاسد من ستة أوجه:
الأول: جهله حقيقة العبادة ، فإن العبادة لغة: أقصى نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب ، ولا يكون ذلك إلا لمن له غاية التعظيم ، فقد تبين منه أن العبادة لغة لا تطلق إلا على العمل الدال على الخضوع المتقرب به لمن يعظمه بإعتقاد تأثيره في النفع والضر ، أو اعتقاد الجاه العظيم الذي ينفعه في الدنياوالآخرة ، وهي التي نهى الله سبحانه وتعالى عن أن تقع لغيره ، وكفر من لم ينته عنها ، وما قصر عن هذه المرتبة لايقال فيه عبادة لغير الله .
وشرعاً : إمتثال أمر الله كما أمر على الوجه المأمور به من أجل أنه أمر ، مع المبادرة بغاية الحب والخضوع والتعظيم ، فاعتبر فيها ما اعتبر في اللغوية من الخضوع والتذلل والتعظيم .
فاللغوية غير مقيدة بعمل مخصوص والشرعية مقيدة بالأعمال المأمور بها فكانت جارية على الأعم الأغلب في الحقائق الشرعية من كونها أخص من اللغوية .
ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة اليهودي مثلاً ، لأنه وإن تمسك بشريعة إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن، وعبادة المبتدع في الدين ما ليس منه ، فالله سبحانه لما نهى الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره ، ووبخهم على وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله ، وبين لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه ، وكان الحامل لهم على ذلك اتباع أهوائهم ، والإسترسال مع أغراضهم، وذلك مناف لعبوديتهم ، إذا العبد لا يتصرف في نفسه بمقتضى شهوته وغرضه ، وإنما يتصرف على مقتضى أمر سيده ونهيه ، قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم ، حتى يكونوا عبيدا لله تعالى ، اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا ، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم الأعمال التي تعبدهم بها ، والطرق التي توصلهم إلى منافعهم ومصالحهم على الوجه الذي ارتضاه لهم ، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم . . .
وعلى هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود ، فالسجود لايكون عبادة ولا كفراً إلا تبعاً للنية ، فسجود الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظيم له ، والسجود للصنم كفر إذا قصد به التقرب إليه اذ هو عبادة لغير الله ، وكذا يحكم عليه به عند جهل قصده أو إنكاره لأنه علامة على الكفر .
والسجود للتحية معصية فقط في شرعنا، وقد كان سائغا في الشرائع السابقة بدليل سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليهم الصلاة والسلام .
فتحقق من تعريفي العبادة لغة وشرعاً أن العبادة التذلل والتعظيم للمعبود ، وعليه فليس كل تعظيم عبادة ، وأن ضابط التعظيم المقتضى للعبادة هو أن يعتقد له التأثير في النفع والضر ، أو يعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحيث ينفع في الآخرة ويستنزل به النصر والشفاء في الدنيا .
والتوسل لا يسمى عبادة قطعاً ولا يقال فيه عبادة وانما هي وسيلة اليها ، وسيلة الشئ غيره بالضرورة .
الثاني: الوسيلة لغة كل ما يتقرب به إلى الغير ، وسل إلى الله تعالى توسيلاً عمل عملا تقرب به إليه ، فتحقق منه أن التوسل لا يسمى عبادة قطعاً ، ولا يقال فيه عبادة وإنما هو وسيلة إليها ، ووسيلة الشئ غيره بالضرورة وهو واضح ، فإن التوسل لاتقرب فيه للمتوسل به ولا تعظيمه غاية التعظيم ، والتعظيم إذا لم يصل إلى هذا الحد لا يكون الفعل المعظم به عبادة ، فلا يطلق إسم العبادة على ما ظهر من الإستعمال اللغوي إلا على ما كان بهذه المثابة من كون العمل دالاً على غاية الخضوع منويا به التقرب للمعبود تعظيماً له بذلك التعظيم التام ، فاذا اختل شئ منها منع الإطلاق ، أما الدلالة على نهاية الخضوع فظاهر ، لأن مناط التسمية لم يوجد ، ولأن الناس من قديم الزمان إلى الآن يخضعون لكبرائهم ورؤسائهم بما يقتضيه مقامه الدنيوي عندهم ويحيونهم بأنواع التحيات ، ويتذللون بين أيديهم ولا يعدون ذلك قربة ولا يطلقون عليه اسم العبادة ، وانما يرونه من باب الأدب ، وما ذاك إلا لكون ذلك الخضوع لم يبلغ نهايته والعظيم الناشئ عنه لم يبلغ غايته ، وبهذا ظهر الفرق بين التوسل والعبادة. على أن عبد يتعدى بنفسه وتوسل يتعدى بحرف الجر .
وقد أوغل ابن تيمية في بيداء القياس الفاسد دفعتين ، قياسه معاني هذا الألفاظ ، توسل استعان ، استغاث ، تشفع ، على العبادة ، وقياسه المؤمنين المتوسلين بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مثلاً على عبدة الأوثان من دون الله بجامع أرادة الجاه في كل.
فلينظر اللبيب إلى أين رماه جهله باللغة العربية ، فانه لو تأمل في قول القائل: اللهم اني أتوسل اليك بفلان ، وأجراه على ما تدل عليه اللغة لوجد معناه ، اللهم اني أتقرب اليك وأتحبب اليك ، فهو دال بجوهره على أن التقرب لله لا لمن يراد جاهه !!
ومن جهل الفرق بين عبد وتوسل ، كيف يصح له القياس في دين الله والحاق بعض الفروع ببعض ، والقياس أصعب أنواع الإجتهاد ، لكثرة ما يعتبر في أركانه من الشروط ، وما يرد عليه من المعارضات والمناقضات وغير ذلك من أنواع الإعتراضات ، فلا يصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمداركهم على اختلاف مراتبهم، ومن قصر عن تلك المراتب لايسوغ له الجزم بالحكم المأخوذ منه في دانق ، فكيف بالحكم المأخوذ منه في تكفير المسلمين ؟!!
الثالث: وحيث تحقق الفرق بين العبادة والتوسل ، فالعبادة فيها معنى زائد يناسب اناطة الحكم به ، وهو اشتمالها على الأعراض عن الله واطلاق الإلهية على غيره وإقامته مقامه وخدمته بما يستحق أن يخدم ، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض فضلاء أهل السنة ، وملخص كلامه: أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان على عبادتها هي أنهم استصغروا أنفسهم فاستعظموا أن يعبدوا الله مباشرة ، ورأوا من سوء الأدب أن يشتغل الحقير من أول وهلة بخدمة العظيم، وقربوا ذلك بأمر مستحسن في العادة ، وهو أن الحقير لا ينبغي له أن يخدم الملك حتى يخدم عماله إلى أن يترقى لخدمته ، وقال: وهذه هي الحاملة على التوسل إلى الله تعالى بمن له جاه عنده ، إلا أن الشرع أذن في التوسل ولم يأذن في العبادة ، فكانت حاجة الكفار تندفع بما شرعه الله ، إلا أن الله تعالى أعمى بصائرهم ، ولو تنبهوا لأمر عادي آخر لأرشدهم ، فإن الملك من ملوك الدنيا إذا استجاه له أحد بعظيم من وزرائه وتشفع له بذلك ، ربما أقبل عليه وأخذ بيديه وقضى ما أراده منه. أما إذا عظم ذلك الوزير بما يعظم به الملك وعامله بمعاملته وأقامه في مقامه فيما يختص به الملك عن غيره ، رجاء أن يقضي ذلك الوزير حاجته من الملك ، فإن الملك إذا علم بصنيعه يغضب أشد الغضب ، ولا يقتصر في العقوبة على قطع الرجاء من الحاجة ، بل يفتك به وبالوزير ان أحب ذلك !
فمثال التوسل الأول ومثال العبادة الثاني فتأمل هذا المثال فانه واف بواقعة الحال، وبالله التوفيق والإعتصام .
الرابع: القاعدة المشهورة المطردة وهي: أن استواء الفعلين في السبب الحامل على الفعل لايوجب استواءهما في الحكم ، يدل على هاته القاعدة دلالة قطعية ، أنه لو لم يكن الأمر كذلك بأن كان الاستواء في الحامل يوجب الإستواء في الحكم = كما ادعاه ابن تيمية وقرره في قياسه التوسل على العبادة والمتوسل على عابد الوثن ، للزم ابطال الشريعة وتساوي الأعمال في الأحكام ، واللازم باطل بالإتفاق ، وهو ضروري غني عن الإستدلال !!

ـ وقال في/96:
وقد انتهيت بتوفيق الله من ابطال كثير من كلام ابن تيمية وابن القيم وبعض كلام ابن عبد الوهاب ، في توحيد الربوبية والألوهية والعبادة وملحقاتهما في هذا الفصل ، وأختمه بما كتبه العلامة المحقق المرحوم الشيخ ( يوسف الدجوي ) المتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية قال&: جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ، وما الذي يترتب عليهما ومن ذا الذي فرق بينهما ؟ وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟ فنقول وبالله التوفيق: ان صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره قال: ان الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية ، وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) .
ثم قالوا: إن الذين يتوسلون بالأنبياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء ، فانهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى !! بل قال محمد بن عبد الواهاب: ( ان كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان ، وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة ) فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح ، وفيه عدة دعاوى . . .

ـ وقال في/100:
ولكن نقول لهم بعد هذا على فرض أن هناك فرقاً بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية كما يزعمون ، فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فانه ليس من العبادة في شئ لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً ، ولم يقل أحد ان النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلى الله تعالى وسلم بذلك !!
ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت .
ومن المعلوم أن المتوسل لم يطلب إلا من الله تعالى بمنزلة هذا النبي أو الولي ، ولا شك في أن لهما منزلة عند الله تعالى في الحياة وبعد الممات .
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب الينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة .
قلنا له: ( حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء... ) ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شئ ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شئ !!
ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة وهي معلومة من الدين بالضرورة ، فانها على هذا الرأي لا حاجة اليها ، اذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فانه أقرب من الواسطة. ويلزم خطأ عمربن الخطاب في قوله: ( إنا نتوسل اليك بعم نبيك العباس الخ..) !!
وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهو خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها ، ولزمهم على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فانه لا يمكنهم أن يدعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقاً واعتماداً عليها .
ولا يفوتنا أن نقول: ان التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها ، فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلاً ، وانما طلب من الله متوسلاً إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ، أم هو حق لا مرية فيه ، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون !! كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين .
وانظر كتب المذاهب الأربعة ( حتى مذهب الحنابلة ) في آداب زيارته(ص) تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل. انتهى .

كتاب ( شفاء السقام ) للإمام السبكي
وهو من كبار علماء مصر المعاصرين لابن تيمية ، وذكروا أن ابن تيمية كان يحترمه كثيرا ، ولعله كان يهابه فلم يرد على كتابه !!
وقد طبع الكتاب مرات في مصر ، ثم نشرته مكتبة ايشيق في استانبول ، وحققه أخيراً ونشره العلامة السيد محمد رضا الجلالي .
والمحور الأصلى للكتاب هو رد بدعة ابن تيمية في تحريم زيارة النبي(ص)، وفيه فصل في رد تحريمه التوسل والإستشفاع والإستغاثة بالنبي(ص) .

ـ قال السبكي في/59 من كتابه المذكور:
أما بعد، فهذا كتاب سميته (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ورتبته على عشرة أبواب:
الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة .
الثاني: في الأحاديث الدالة على ذلك وان لم يكن فيها لفظ (الزيارة).
الثالث: فيما ورد في السفر إليها .
الرابع: في نصوص العلماء على إستحبابها .
الخامس: في تقرير كونها قربة.
السادس: في كون السفر إليها قربة.
السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته.
الثامن: في التوسل والإستغاثة.
التاسع: في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
العاشر: في الشفاعة، لتعلقها بقوله: (من زار قبري وجبت له شفاعتي ) .
وضمنت هذا الكتاب الرد على من زعم: أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة ! وأن السفر إليها بدعة غير مشروعة !
وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها ، ولكني جعلت هذا الكتاب مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها ، مشتملاً من ذلك على جملة يعز جمعها على طالبها .

ـ وقال في/291:
اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل ، والإستغاثة ، والتشفع بالنبي(ص)الى ربه سبحانه وتعالى .
وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، والعلماء والعوام من المسلمين .
ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان ، ولا سمع به في زمن من الأزمان ، حتى جاء ابن تيمية ، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار .
وحسبك أن إنكار ابن تيمية للإستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثلة !!
وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك رأيت من الرأى القويم أن أميل عنه إلى الصراط المستقيم ولا أتتبعه بالنقض والأبطال ، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وارشاد المسلمين تقريب المعنى إلى أفهامهم وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك ، فالوجه الأضراب عنه.
وأقول: أن التوسل بالنبى(ص)جائز في كل حال: قبل خلقه وبعد خلقه ، في مدة حياته في الدنيا ، وبعد موته ، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وهو علي ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أن يتوسل به ، بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته .
فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة ، وقد ورد في كل منها خبر صحيح:
حديث توسل آدم(ع)بالنبى(ص)
أما الحالة الأولي: قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، اقتصرنا منها علي ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله بن البيع في ( المستدرك على الصحيحين أو أحدهما ) ( 1 ) قال: ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل ( 1 ) ثنا أبو الحسن محمد بن اسحاق ابن ابراهيم الحنظلى ثنا أبو الحارث عبدالله بن مسلم الفهرى ثنا اسماعيل ابن مسلمة أنا عبدالرحمان بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب (رض) قال: قال رسول الله (ص): ( لما اقترف ( 2 )
آدم(ع)الخطيئة ( 3 ) قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي .
فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟
قال: يا رب لأنك لما خلقتنى بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلى إسمك إلا أحب الخلق إليك .
فقال الله: صدقت يا آدم ، إنه لأحب الخلق الي اذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ، ولولا محمد ما خلقتك ) .
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمان بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب .
ورواه البيهقي أيضاً في ( دلائل النبوة ) وقال: تفرد به عبد الرحمان .
وذكره الطبراني وزاد فيه ( وهو آخر الأنبياء من ذريتك ).
توسل عيسي(ع)بالنبى(ص)
وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا . . . عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسي(ع): يا عيسي آمن بمحمد وأمر من أدركه من امتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش علي الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا اله إلا الله فسكن. قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، انتهى ما قاله الحاكم .
والحديث المذكورلم يقف عليها بن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه. فانه قال أعني ابن تيمية: أما ما ذكره في قصة آدم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبى(ص)باسناد يصلح الإعتماد عليه ، ولا الإعتبار ولا الإستشهاد ) .
ثم أدعى ابن تيمية أنه كذب ، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ! . . ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه علي الحاكم وأيضا: عبدالرحمان بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف الي الحد الذى ادعاه.
وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر علي منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع ؟ وقد ورد فيه هذا الحديث ؟!
توسل نوح وابراهيم وسائر الأنبياء بنبيا(ص)
وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء: فذكره المفسرون ، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له .
ولا فرق في هذا المعني بين أن يعبر عنه بلفظ ( التوسل ) أو ( الاستغاثة ) أو ( التشفع ) أو ( التجوه ). والداعى بالدعاء المذكور وما في معناه: متوسل بالنبي(ص)، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه. ومستغيث به والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده فالباء ها هنا للسببية ، وقد ترد للتعدية ، كما تقول: ( من استغاث بك فأغثه ). ومستشفع به. ومتجوه به ، ومتوجه ، فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد.
فإن قلت: المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع فكيف يصح أن يقال: يتشفع به ؟
قلت: ليس الكلام في العبارة وانما الكلام في المعنى وهو سؤال الله بالنبي (ص)كما ورد عن آدم ، وكما يفهم الناس من ذلك ، وانما يفهمون من التشفع والتوسل والإستغاثة والتجوه ذلك ، ولا مانع من اطلاق اللغة بهذه الألفاظ على هذا المعني .
والمقصود جواز أن يسأل العبد الله تعالى بمن يقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة.
ولا شك أن النبى(ص)له عند الله قدر على ومرتبة رفيعة وجاه عظيم. وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر بحيث أنه إذا شفع عنده قبل شفاعته ، فإذا انتسب إليه شخص في غايته وتوسل بذلك وتشفع به ، فإن ذلك الشخص يجيب السائل إكراماً لمن انتسب إليه وتشفع به وان لم يكن حاضراً ولا شافعاً .
وعلي هذا التوسل بالنبى(ص)قبل خلقه .
ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالي ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو العظيم سبباً للإجابة. كما في الأدعية الصحيحة المأثورة ( أسألك بكل اسم لك وأسألك بأسمائك الحسنى وأسألك بأنك أنت الله ، وأعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك ) .
وحديث الغار الذى فيه الدعاء بالأعمال الصالحة وهو من الأحاديث الصحيحة المشهورة .
فالمسؤول في هذه الدعوات كلها هو الله وحده لا شريك له والمسؤول به مختلف ولم يوجب ذلك اشراكاً ، ولا سؤال غير الله .
كذلك السؤال بالنبي(ص)ليس سؤالاً للنبي بل سؤ ال لله به.
وإذا جاز السؤال بالأعمال وهى مخلوقة فالسؤال بالنبي(ص)أولى .
ولا يسمع الفرق بأن الأعمال تقتضى المجازاة عليها ، لأن استجابة الدعاء لم تكن عليها ، وإلا لحصلت بدون ذكرها وانما كانت على الدعاء بالأعمال .
وليس هذا المعنى مما يختلف فيه الشرائع حتي يقال: إن ذلك شرع من قبلنا فإنه لو كان ذلك مما يخل بالتوحيد لم يحل في ملة من الملل ، فإن الشرائع كلها متفقة على التوحيد. وليت شعرى ما المانع من الدعاء بذلك ؟!
فإن اللفظ انما يقتضي أن للمسؤول به قدرا عند المسؤول. وتارة يكون المسؤول به أعلى من المسؤول: اما الباري سبحانه وتعالى كما في قوله ( من سألكم بالله فأعطوه ) وفي الحديث الصحيح في حديث أبرص وأقرع وأعمى ( أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن ) الحديث.. وهو مشهور .
وأما بعض البشر ، ويحتمل أن يكون من هذا القسم قوله عائشة لفاطمة: أسألك بما لي عليك من الحق .
وتارة: يكون المسؤول أعلي من المسؤول به ، كما في سؤال الله تعالى بالنبي (ص)، فانه لا شك أن للنبي قدرا عنده. ومن أنكر ذلك فقد كفر .
فمتي قال: (أسألك بالنبي(ص)) فلا شك في جوازه .
وكذا إذا قال ( بحق محمد ) والمراد بالحق الرتبة والمنزلة. والحق الذي جعله الله على الخلق أو الحق الذى جعله الله بفضله له عليه ، كما في الحديث الصحيح قال: فما حق العباد على الله ؟
وليس المراد بالحق الواجب ، فانه لا يجب علي الله شئ ، وعلى هذا المعنى يحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الإمتناع من اطلاق هذه اللفظة .
الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع بعد خلقه(ص)في مدة حياته: فمن ذلك ما رواه أبو عيسي الترمذى في جامعه في كتاب الدعوات ، قال . . . عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتي النبى(ص) فقال . . . وقد كفانا الترمذى والبيهقى رحمهما الله بتصحيحهما مؤنة النظر في تصحيح هذا الحديث ، وناهيك به حجة في المقصود .
فإن اعترض معترض: بأن ذلك انما كان لأن النبى(ص)شفع فيه فلهذا قال له أن يقول ( اني توجهت اليك بنبيك ) .
قلت: الجواب من وجوه:
أحدها: سيأتى أن عثمان بن عفان وغيره استعملوا ذلك بعد موته(ص)وذلك يدل علي أنهم لم يفهموا اشتراط ذلك .
الثانى: أنه ليس في الحديث أن النبى(ص)بين له ذلك .
الثالث: أنه ولو كان كذلك لم يضر في حصول المقصود وهو جوار التوسل إلى الله بغيره بمعني السؤال به كما علمه النبى(ص)وذلك زيادة على طلب الدعاء منه فلو لم يكن في ذلك فائدة لما علمه النبى(ص)وأرشده إليه ، ولقال له: إني قد شفعت فيك ، ولكن لعله(ص)أراد أن يحصل من صاحب الحاجة التوجه بذل الإضطرار والإفتقار والإنكسار ومستغيثا بالنبى(ص)فيحصل كمال مقصوده .
ولا شك أن هذا المعني حاصل في حضرة النبى(ص)وغيبته وفي حياته وبعد وفاته فإنا نعلم شفقته(ص)علي امته ورفقه بهم ورحمته لهم واس تغفاره لجميع المؤمنين وشفاعته فإذا انضم إليه توجه العبد به حصل هذا الغرض الذى أرشد النبي(ص)الأعمى إليه .

التوسل بالنبى(ص)( بعد موته )
الحالة الثالثة: أن يتوسل بذلك بعد موته(ص)لما رواه الطبراني&في المعجم الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف . . . أن رجلا كان يختلف الي عثمان بن عفان . . . ورواه البيهقي بإسناده عن أبى جعفر المدينى عن أبى امامة بن سهل بن حنيف . . .
والإحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان (رض) ومن حضره الذين هم أعلم بالله ورسوله وفعله .
النوع الثاني: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه وذلك في أحوال:
إحداها: في حياته(ص)، وهذا متواتر والأخبار طافحة به ، ولا يمكن حصرها ، وقد كان المسلمون يفزعون إليه ويستغيثون به في جميع ما نابهم كما في الصحيحين . . . والأحاديث والاثار في ذلك أكثر من أن تحصى ، ولو تتبعتها لوجدت منها ألوانا .
ونص قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ . . . الآية صريح في ذلك .
وكذلك يجوز ويحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبى(ص)كما أن عمر ابن الخطاب (رض) إذا قحط استسقي بالعباس بن عبدالمطلب(رض)ويقول: اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا بنبينا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا محمد(ص) فاسقنا .
وكذلك يجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحين وهذا شئ لا ينكره مسلم بل متدين بملة من الملل .
فإن قيل: لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ولم يتوسل بالنبى(ص)أو بقبره ؟
قلنا: ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبى(ص)أو بالقبر . وقد روى عن أبى الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلي عائشة رضى الله عنها فقالت: فانظروا قبر النبى(ص)فاجعلوا منه كوي الي السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتي نبت العشب وسمن الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي( عام الفتق ) . . .
فإن قال المخالف: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع اطلاق ( التجوه ) و( الإستغاثة ) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلي من المتجوه عليه والمستغاث عليه.
قلنا: هذا لا يعتقده مسلم ولا يدل لفظ ( التجوه ) و ( الإستغاثة ) عليه .
فإن ( التجوه ) من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة وقد يتوسل بذى الجاه الي من هو أعلي جاها منه.
و ( الاستغاثة ) طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلي منه.
فالتوسل والتشفع والتجوه والإستغاثة بالنبى(ص)وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معني في قلوب المسلمين غير ذلك ، ولا يقصد بها أحد منهم سواه ، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك علي نفسه ، نسأل الله العافية.
وإذا صح المعني فلا عليك في تسميته ( توسلاً ) أو ( تشفعاً ) أو ( تجوها ) أو (إستغاثة ) .
ولو سلم أن لفظ ( الإستغاثة ) تستدعي النصر علي المستغاث منه فالعبد يستغيث علي نفسه وهواه والشيطان وغير ذلك مما هو قاطع له عن الله تعالى بالنبي (ص) وغيره من الأنبياء والصالحين متوسلاً بهم إلى الله تعالى ليغيثه علي من استغاث منه من النفس وغيرها، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالي والنبى(ص) واسطة بينه وبين المستغيث .
وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبى(ص)وظهر المعنى فلا عليك في تسميته ( توسلاً ) أو ( تشفعاً ) أو ( إستغاثة ) أو ( تجوها ) أو ( توجهاً ) لأن المعني في جميع ذلك سواء:
أما التشفع: فقد سبق في الأحاديث المتقدمة قول وفد بنى فزارة للنبى (ص): تشفع لنا الي ربك وفى حديث الأعمى ما يقتضيه أيضاً .
والتوسل: في معناه.
وأما التوجه والسؤال: ففى حديث الأعمى .
والتجوه: في معني التوجه قال تعالي في حق موسي(ع): )وكان عند الله وجيهاً. وقال في حق عيسي ابن مريم عليه الصلاة والسلام: )وجيها في الدنيا والآخرة. وقال المفسرون ) وجيهاً ( أى ذا جاه ومنزلة عنده. وقال الجوهري في فعل ( وجه ): وجه إذا صار وجيها ذا جاه وقدر. وقال الجوهري أيضاً في فعل (جوه): الجاه القدر والمنزلة وفلان ذو جاه وقد أوجهته ووجهته أنا أى جعلته وجيهاً ( 1 ). وقال ابن فارس: فلان وجيه ذو جاه( 2 ) .
إذا عرف ذلك فمعني (تجوه) توجه بجاهه وهو منزلته وقدره عند الله تعالى إليه .
وأما الإستغاثة: فهى طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده كقوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ .
وتارة يطلب ممن يصح اسناده إليه على سبيل الكسب ، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبى(ص)في هذين القسمين .
وتعدى الفعل تارة بنفسه ، كقوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ. فاستغاثة الذي من شيعته. وتارة بحرف الجر ، كما في كلام النحاة في المستغاث به ، وفي كتاب سيبويه&: فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا.
فيصح أن يقال:استغثت النبي (ص)، وأستغيث بالنبي بمعنى واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه ، على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق ، وذلك في حياته وبعد موته .
ويقول: استغثت الله ، واستغيث بالله ، بمعنى طلب خلق الغوث منه ، فالله تعالى مستغاث . فالغوث منه خلقاً وايجاداً ، والنبى(ص)مستغاث والغوث منه تسبباً وكسباً .
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازماً أو متعدياً بالباء .
وقد تكون الإستغاثة بالنبي(ص)على وجه آخر ، وهو أن يقول: استغثت الله بالنبي(ص)، كما يقول: سألت الله بالنبي(ص)، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل ، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده .
وقد يحذف المفعول به ويقال: استغثت بالنبي(ص)، بهذا المعني .
فصار لفظ الإستغاثة بالنبي(ص)له معنيان:
أحدهما: أن يكون مستغاثاً .
والثاني: أن يكون مستغاثاً به ، والباء للإستعانة .
فقد ظهر جواز إطلاق ( الإستغاثة ) و ( التوسل ) جميعاً وهذا أمر لا يشك فيه ، فإن ( الإستغاثة ) في اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعاً من كل من يقدر عليه بأى لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث ان كان عندك غواث .
ـ وقال في/319:
قد تضمنت الأحاديث المتقدمة أن روح النبى (ص) قد قيل في ذلك بالنسبة الي الأنبياء وسائر الموتي وقد رتبنا الكلام في هذا الباب علي فصول:
الفصل الأول: فيما ورد في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صنف الحافظ أبو بكر البيهقى&فى ذلك جزء وروي فيه أحاديث منها: ( الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون ) .
ورواه ابن عدى في (الكامل أنا غير واحد أذناً عن ابن المقير عن ابن الشهرزوري أنا اسماعيل بن مسعدة أنا حمزة بن يوسف أنا أحمد بن عدى الحافظ قال: ثنا قسطنطين بن عبدالله الرومي مولى المعتمد على الله أمير المؤمنين ثنا الحسين بن عرفة حدثني الحسن بن قتيبة المدائني ثنا المتسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج الأسود عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله (ص): ( الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون ) .
قال ابن عدى: وللحسن بن قتيبة هذا أحاديث غرائب حسان فأرجو أنه لابأس به.
ومما يدل علي ذلك ما ساق اسناده الي أوس بن أوس قال: قال رسول الله (ص): ( أفضل أيامكم يوم الجمعة وفيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة ) .
قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ـ يقولون: بليت ـ فقال: إن الله تعالى حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أخرجه أبو داود .
قال البيهقى: وله شواهد منها:
ما أنا أبو عبدالله أنا ابن اسحاق الفقيه أنا الآبار ثنا أحمد بن عبدالرحمان ثنا الوليد ثنا أبو رافع عن سعيد المقبرى عن أبى مسعود الأنصارى عن النبى(ص)أنه قال: (أكثروا الصلاة على في يوم الجمعة فانه ليس يصلى على أحد يوم الجمعة إلا عرضت على صلاته ) .
وحديث: ( ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحى حتي أرد ) .
قال البيهقى وانما أراد ـ والله أعلم ـ إلا وقد رد الله على روحى حتى أرد عليه .
وقد ثبت في الصحيح في حديث الإسراء: أنه(ص)وجد آدم في السماء الدنيا وقال فيه: ( فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يسارة أسودة فاذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح)
ومن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها نداؤه(ص)أهل البئر وقوله: ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) .
وأما الإدراك: فيدل له مع ذلك الأحاديث الواردة في عذاب القبر وهي أحاديث صحيحة متفق عليها رواها البخاري ومسلم وغيرهما وأجمع عليها وعلي مدلولها أهل السنة والأحاديث في ذلك متواترة.
ومن أحسنها ما رواه أبو داود الطيالسي أنا أبو العباس أحمد بن محمد الدشتي بقراءتي عليه بالشام في سنة سبع وسبعمائة قال: أنا الحافظ ابن خليل أنا اللبان أنا الحداد أنا أبو نعيم أنا ابن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا الأسود بن شبيان عن بحر بن مرار(1) عن أبى بكرة قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله(ص)ومعى رجل ورسول الله(ص)فى مشى بيننا اذ أتى على قبرين فقال رسول الله (ص): ( إن صاحبي هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب ؟).
فاستبقت أنا وصاحبي فسبقته وكسرت من النخل عسيباً فأتيت به النبى(ص)فشقه نصفين من أعلاه فوضع علي أحدهما نصفاً وعلى الآخر نصفاً وقال: ( إنه يهون عليهما ما دام فيهما من بلوتهما شئ إنهما يعذبان في الغيبة والبول . . . وفي هذه الرواية النص علي أن العذاب الآن وأنه في القبور .
وقد أجمع أهل السنة علي اثبات الحياة في القبور قال إمام الحرمين في الشامل: إتفق سلف الأمة على إثبات عذاب القبر وإحياء الموتى في قبورهم ورد الأرواح في أجسادهم .
وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في ( الأمد الأقصى في تفسير أسماء الله الحسنى:
إن أحياء المكلفين في القبر وسؤالهم جميعاً لا خلاف فيه بين أهل السنة .
وقال سيف الدين الآمدي في كتاب أبكار الأفكار :
اتفق سلف الأمة قبل ظهور المخالف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومسألة الملكين لهم ، واثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين . . .
وقال القرطبي: إن الإيمان به مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم(ع)غير ذلك وكذلك التابعون بعدهم وذهب بعض المعتزلة إلى موافقة أهل السنة على ذلك .
وذهب صالح قبة والصالحي وابن جرير إلى أن الثواب والعقاب ينال الميت من غير حياة وهذا مكابرة للعقول . . .
وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد إلى الجسد ويحيا وقت المسألة وأنه ينعم أو يعذب من ذلك الوقت إلى يوم البعث إما متقطعاً أو مستمراً على ما سبق .
وهل ذلك من بعد وقت المسألة إلى البعث للروح فقط أو لها مع الجسم ؟
يترتبان على أن الجسم هل يفنى أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلاً وفي الواقع منه قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله (ص): ( كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب ) .
فحيث يكون الجسم أو بعضه باقياً فلا امتناع من قيام الحياة به وحيث يعدم بالكلية يتعين القول بالروح فقط . . .
وبالجملة: كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب مع النبى(ص)بعد موته كما كان في حياته .
وقد روى عن أبى بكر الصديق (رض) قال: لا ينبغى رفع الصوت على نبي حيا ولا ميتاً .
وروى عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله(ص)فترسل اليهم: لا تؤذوا رسول الله(ص)...
وعن عروة قال: وقع رجل في على عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحك الله لقد آذيت رسول الله(ص)فى قبره .

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
للشيخ محمود سعيد ممدوح ـ طبعة دار الإمام النووي ـ الأردن 1416
قال في/5:

وبعد . . فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيراً ، وصنفت فيهما ـ خاصة مسالة التوسل ـ مصنفات متعددة ، وحصل أخذ ورد وجدل ، وتزيد ! وتاجر بهما سماسرة الإختلاف بين المسلمين !
ومما زاد الطين بله أن سبكهما المتشددون في مسائل الإعتقاد . . !!
وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين ، وتطاول في أعراض جماهير المسلمين. ومن أحاط علما بما ذكرت علم كم صحب ذلك من النهي الشديد والتخويف والتهديد ، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها رسالة باسم ( الأخطاء الأساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري ) شنع فيها صاحبها على الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل ، وقوله بإستحباب الزيارة ! وهذا غاية في الغلو والتعصب والجهل ! فيا للعار والشنار : قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وامامهم، ومفخرة المسلمين ، أحمد بن حجر العسقلاني (رض) تصنف ـ بدون حياء ـ رسالة تحوي هذا المعنى الذي لا يدل إلا على مبلغ إنحراف مصنفها المسكين . . .
والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث ، هو أن الخلاف في مسألة التوسل هو خلاف في الفروع ، ومثله لا يصح أن يشنع أخ به على أخيه أو يعيبه به ، وأن من قال به ـ وهو التوسل بالأنبياء والأولياء ـ متمسك بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي وردها لا يجئ إلا من متعنت أو مكابر .
وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو اثبات اطباق فقهاء الأمة على اأستحباب أو وجوب زيارة المصطفى(ص)، بشد رحل أو بدونه ، وأن من قال بتحريم الزيارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة ، واطباق فقهاء مذهبه ، فضلاً عن المذاهب الأخرى .
فأولى بأولى النهي ترك الشاذ من القول ، والتسليم بالمعروف المشهور الذي أطبقت الأمة على العمل به ، والله المستعان .
أما من تعود أن يقول: عنزة ولو طارت ، أو يا داخل مصر مثلك كثير ، فهو مكابر أو متعنت ، فلا كلام لنا معه ، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة وسرج الأمة . . .

ـ وقال في/13:
وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك ، كما صرح به ابن كثير في تفسيره ( 3/97 ) وقال ( الوسيلة هي ما يتوصل بها إلى تحصيل المطلوب ). اهـ .
فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه، خطأ محض ! فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً ، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده ، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار ، ولكنه اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه ، والقربة في الدعاء مشروعة بالإتفاق .
وترد الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور: سلوا الله لي الوسيلة.. الحديث . . .
والتوسل على نوعين: أحدهما ما اتفق عليه. وترك الخوض فيه صواب ، لأنه تكرار وتحصيل حاصل .
ثانيهما: ما اختلف فيه ، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات ، وما في معنى ذلك .
وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته ، أو أنه بدعة ضلالة أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد ، كما نرى الآن .
لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده !
وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل . . .
ـ وقال في/15:
وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه ، وقلده وردد صدى كلامه آخرون . ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه ، واقتصاري على كلامه فقط هو الأولى ، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعا من موائده ، دائرأ في فلكه ، والله المستعان:
كان ابن تيمية يرى منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين ، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء ـ دعاء الحي فقط ـ وذكر ذلك في مواضع من كتابه (التوسل والوسيلة ) (/169 ) .
وقال ابن تيمية (/65 ) وهو الإعتراض الأول:
السؤال به ( أي بالمخلوق ) فهذا يجوزه طائفة من الناس ، لكن ما روى عن النبي(ص)في ذلك كله ضعيف بل موضوع ، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة ، إلا حديث الأعمى ولا حجة لهم ، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبى(ص)وشفاعته ، وهو طلب من النبي(ص)الدعاء ، وقد أمره النبي أن يقول: اللهم شفعة في ، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي ، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي(ص) ، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي (ص)بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ .
قلت: قوله كله ضعيف بل موضوع وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا . . سيأتي ان شاء الله تعالى الرد على هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشأن ، ووفق قواعد الفن .
أما قوله: إلا حديث الأعمى لا حجة لهم فيه، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي(ص)وشفاعته . . . وكلامه فيه نظر ظاهر ، لأن الناظر في حديث توسل الأعمى يجد فيه الآتي :
1 ـ جاء الأعمى للنبى(ص)فقال له: ادع الله أن يعافيني ، فالأعمى طلب الدعاء .
2 ـ فأجابه النبي(ص)قائلاً : إن شئت أخرت ذلك وهو خير ، وإن شئت دعوت. فخيره رسول الله(ص)وبين له أن الصبر أفضل .
3 ـ ولكن لشدة حاجة الأعمى ، التمس الدعاء من النبي(ص).
4 ـ عند ذلك أمره النبي(ص)أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين .
5 ـ وزاد على ذلك هذا الدعاء: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي فتقضى لي .
فدعا النبي(ص)بهذا الدعاء ، كما طلب الأعمى في أول الحديث ، ودعا الأعمى بهذا الدعاء كما علمه النبي(ص).
6 ـ فعلمه النبي(ص)دعاء هو توسل به ، وهو نص في التوسل به(ص)، لا يحتمل أي تاويل ، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه ( أتوجه إليك بنبيك . . إني توجهت بك . ومن رأى غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث .
وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً (/72 ): وعلى هذافالحادثة كلها تدور حول الدعاء ـ كما هو ظاهر ـ وليس فيها ذكر شئ مما يزعمون. اهـ .
قلت: هذه مصادرة للنص وتعمية على القارئ !
كيف لا يكون كذلك والنبي(ص)علم الرجل دعاء فيه السؤال بالنبي(ص).
نعم ، الحادثة تدور حول الدعاء ، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به النبي(ص)؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمى ؟
لا يستطيع أي منصف إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نص بالتوسل به(ص)، فالأعمى جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه(ص) وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب .
7 ـ ثم قال (ص): اللهم شفعه في وشفعني في نفسي ، أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي .
وهنا سؤال: أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله ؟ لا شك أن الإجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص ، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به(ص)، وهذا لا يحتاج لأعمال فكر أو اطالة نظر وتأمل ، وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار . ويمكن أن يقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه(ص)، مع التوسل بذاته وهذا منتهى ما يفهم من النص ، والله أعلم .
8 ـ فسبب رد بصر الأعمى هو توسله بالنبي(ص)، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم ، فذكروا الحديث على أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات . فقال البيهقي في دلائل النبوة ( 6/166 ) باب: ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه حين لم يصبر ، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. ا هـ .
ولا يخفى أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات ، وعبارة البيهقي واضحة جدا. والبيهقي حافظ فقيه .
وهكذا ذكره النسائي، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والترمذي في الدعوات والطبراني في الدعاء ، والحاكم في المستدرك ، والمنذري في الترغيب والترهيب ، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها ، والنووي في الأذكار على أنه من الاذكار التي تقال عند عروض الحاجات ، وابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة (/161 ) .
وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين (/162 ): وفي هذا الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله(ص)الى الله عز وجل ، مع إعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى ، وأنه المعطي المانع ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ا هـ .
واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث على عمومه، وإستعمال الدعاء الوارد فيه الذي فيه التوسل به(ص)، يطول .
9 ـ إن عثمان بن حنيف (رض) وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم ، فقد وجه رجلا يريد أن يدخل على عثمان بن عفان (رض) إلى التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي(ص)، إسناده صحيح سيأتي إن شاء الله تعالى .
وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف (رض) ، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به .
10 ـ إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها ( فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك ) وهي زيادة ثقة حافظ ، فهي صحيحة مقبولة ، كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث. وهذه الرواية تدل على العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات ، إلى قيام الساعة .
ثم قال ابن تيمية: ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي في بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اهـ .
وقال ابن تيمية في موضع آخر: وكذلك لو كان أعمى توسل به(ص)ولم يدع له الرسول(ص)بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمى ، فعدولهم عن هذا إلى هذا دليل على أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه. ا هـ .
قلت: الجواب عليه سهل ميسور ، وكنت أود أن لا أرد هذا الإيراد، لكنني رأيت جماعة أخذوا هذا الإيراد ونسبوه لأنفسهم ، وكان الصواب ألا يذكر لفساده ، أو يذكر مع نسبته لقائله !
ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله (/76 ):
لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي(ص)وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين ، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه(ص)، بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين ، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين .
ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته(ص)الى اليوم. اهـ .
وذكر نحو هذا الإيراد صاحب ( التوصل إلى حقيقة التوسل )/243 ، وكذا المتعالم صاحب ( هذه مفاهيمنا )/37 .
والجواب على هذا الإيراد بالآتي:
1 ـ إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء ، وقد قال الله تعالى ( ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ونحن نرى بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الإيراد يأتي على الدعاء كله ، فانظر إلى هذا الإيراد أين ذهب بصاحبه ؟
2 ـ هذا الإيراد يرد عليه احتمال أقوى منه وحاصله : أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم إحتمال فقط لا يؤيده دليل، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم ، أو تركوا رغبة في الآجر ، أو توسلوا وادخر ذلك أجراً لهم ، أو تعجلوا فما استجيب لهم .
وقد صح أن رسول الله(ص)قال ( يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
وكم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له ، ويلزم هؤلاء إشكال وهو أننا نرى من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء .
هذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم ! فلا تلازم بين الدعاء والإجابة . والله أعلم بالصواب .
على أن قول الألباني: لا نعلم ولا نظن أحداً . . إلخ . تهافت وشهادة على نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل .
تذنيب مفيد لكل لبيب:
بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة على التوسل بالنبي(ص)، وأن المخالف متسنم بيتا من بيوت العنكبوت . . تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الإعتراف بجواز هذا التوسل ، وأنه لا غبار عليه فشكك في شبهاته وأسقط كلامه !!
إنه الألباني الذي قال في توسله (/77 ):
على أنني أقول: لو صح أن الأعمى انما توسل بذاته(ص)فيكون حكماً خاصاً به (ص)، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح ، لأنه(ص)سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم، ككثير مما يصح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأى أن توسل الأعمى كان بذاته(ص)فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه ، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالى. هذا هو الذى يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف والله الموفق للصواب ). اهـ
فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه ، وترك الدليل إلى التقليد ؟
بيد أن عبارته فيها هنات لا تخفى، فقصره بالتوسل بالنبي(ص)فقط لا دليل عليه، وهو تخصيص بدون مخصص ، فالخصوصية لاتثبت إلا بدليل .
وإذا كان الإمام أحمد&يجوز التوسل بالنبي(ص)، فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره ، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه ، والحنابلة وهم أعرف بامامهم لم يذهبوا إلى القصر الذي ادعاه الألباني ! فيقول ابن مفلح الحنبلي في الفروع ( 1/595 ): ( ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي انه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسله في دعائه ، وجزم به في المستوعب وغيره ). اه .
وقال في/31:
وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلى وجه النبي(ص)يستسقي ، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب والشاهد فيه قوله: (يستسقى الغمام بوجهه) فتمثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول أبي طالب، وتذكره له مع النظر للنبي(ص)، يدل على توسله بالنبي(ص)في الإستسقاء ، وهو نص لا يحتمل غيره .
وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني على هذا النص الصريح اجابة مندفعة فقال (/373 ): فإن قلت: لفظ ( يستسقى الغمام بوجهه ) يدل على أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز ؟
قلت: المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان ، وأما احضار الصالحين في مقام الاستسقاء ، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شئ ، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة. اه .
وقال في موضع آخر (/274 ): وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سببا للنصر والفتح ، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم(ص)؟ اه .
ثم قال في (/275 ): فالمراد بوجهه في قول أبي طالب: ( يستسقى بوجهه ) ببركة حضور ذاته أو بدعائه. ا ه .
قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل إلى التبرك بالذات أوالدعاء فيه نظر ، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقى بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك ان كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب ، وهو ما صرح به البدر العيني فقال في عمدة القاري ( 7/30 ):
معنى قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل إلى الله عز وجل بنبيه ، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي(ص)معه ، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم. ا ه.
وإن لم يكن ، فلفظة ( يستسفى الغمام بوجهه ) هو عين التوسل ، ولابد من حمل النص على ظاهره ، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا. والله أعلم .
وللعلامة محمد بن على الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين رد فيها على من منعه وفند ايراداته ، فقال&في كتابه ( الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد ) ما نصه:
أما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه ، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام انه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي(ص)ان صح الحديث فيه .
ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه ، والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، وغيرهم ، أن أعمى أتى النبي . . .
وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي(ص)كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول ، ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم .
والثانى ، ان التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة ، إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله ، فاذا قال القائل: اللهم إني أتوسل اليك بالعالم الفلاني فهو بإعتبار ما قام به من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي(ص)حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل . . .
فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شركا كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه ، لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي(ص)عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم !
وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى ( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى ) ونحو قوله تعالى (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) ، ونحو قوله تعالى ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ ) ليس بوارد ، بل هو من الإستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه ... وهكذا الإستدلال على منع التوسل بقوله(ص)لما نزل قوله تعالى (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً ، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه(ص)لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه ، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله . وهذا معلوم لكل مسلم ، وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله ، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي ، وانما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع ، وهو مالك يوم الدين. انتهى كلام الشوكاني&.
ـ وقال الآلوسي: أنا لا أرى بأساً في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي(ص)عند الله تعالى حياً وميتاً ، ويراد بالجاه معنى يرجع إلى صفة من صفاته تعالى مثل أن يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته فيكون معنى قول القائل: إلهي أتوسل اليك بجاه نبيك صلى الله تعالى عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي ، الهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي .
ولا فرق بين هذا وقولك : إلهي أتوسل اليك برحمتك أن تفعل كذا ، إذ معناه أيضاً الهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا. انتهى من جلاء العينين (/572 ) .

وقال في/37:
التوسل ليس من مباحث الإعتقاد:
التوسل من موضوعات الفروع ، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة، أي قربة إلى الله تعالى.
قال الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) .
والتوسل على أنواع ، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة ، وماكان أمره كذلك فهو من الأحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه .
واقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته ، حتى ينزل كل بحث منزلته .
وهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمعقد العز من عرشك. اهـ ( الجامع الصغير للإمام محمد/395 مع النافع الكبير ) فعبر الإمام أبوحنيفةبقوله ( يكره ) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية ، كما قرره أصحابه في كتاب ( الكراهية ) أو الحظر والإباحة من مصنفاتهم الفقهية .
والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الإستسقاء ، وعند زيارة قبر النبى(ص).
أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك ، فبدعة قد حلت بالمسلمين ومسلك قد زرع العداوة بينهم ، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ وأخيه والأب وابنه .
ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التى يصنفها بعض المعاصرين التي تتحدث عن ( منهج أهل السنة والجماعة ) و ( أصول أهل السنة ) و ( عقيدة الفرقة الناجية أو ( العقيدة الصحيحة ) و ( مجمل أصول أهل السنة والجماعة ). وخصائص . . . و مميزات . . . لرأى الهول والجهل معا ووقف على أنواع من التشدد كادت أن تأتي على الأخضر واليابس .
الى هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟418 كتاب
وينبغي على العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة ، ومن على شاكلتهم من المتاجرين بالخلاف بين المسلمين .
وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين ، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع أحد هذين الرأيين ، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير إليه ويجعل من اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب... ويجب . . . فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب !
ولطالما اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالإبتداع وغيره ، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غيرهم ، فإلى الله المشتكى مما إليه أمر المسلمين .

وقال في/41:
ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي على المسلمين ، وما أكثرها .
من هذه الرسائل رسالة باسم ( وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) يعيب المؤلف فيها على صاحب كتاب ( للدعاة فقط ) مسائل منها قول الإمام حسن البنا&: ( والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله تعالى بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء ، وليس من مسائل العقيدة ). اه (/25 ) .
وهذا حق لا مرية فيه ، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات ، ولأن صاحب الرسالة المذكورة وقف على بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل وتعميق الخلاف بين المسلمين ، جرى المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن يفتيه وفق مراده ، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي ( هو صالح الفوزان ):
التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلة من وسائل الشرك ، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع ، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة ، ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب والسنة . . . الخ (/31 - 32 ) .
قلت: لا يخفى أن الأحاديث والاثار الصحيحة والحسنة ترد قوله ، ولو استحضر هذا المجيب حديثا واحدا منها ، وليكن حديث توسل الأعمى بالنبي(ص) واستعمال عثمان بن حنيف له ، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة ، وكان مع استحضاره منصفاً وترك تقليد غيره ، لأعرض عما تفوه به ، فإن أبى ترك التقليد فأولى به تقليد إمامه في توسله بالنبي(ص)، وجماعة من السلف ، كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة/65 ، 98 !
فإذا كان أحمد وجماعة من السلف لايعرفون الشرك ووسائله ، وعرفه هذا المستدرك عليهم ، فليكن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير .
نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة ، كلمة حق أريد بها باطل ، لكن المتوسل لا يدعو إلا الله جل وعز ، ولكنه اتباعا لقول بقول الله تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) توسل في دعائه. وهذه الوسيلة مختلف في بعض أنواعها منها ما يجوز ، ومنها ما لا يجوز .
فالأمر فيه خلاف وهو ضعيف ، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه ، أما علم العقيدة أو التوحيد فيتكلم في الإلهيات والنبويات والسمعيات ، فلا معنى لإدخال بحث التوسل في العقيدة ، وبون كبير بين العالمين !

وقال في/47:
وإذا كان صاحب رسالة (وقفات مع كتاب للدعاة فقط ) قد اعتمد على غيره ، فإن أبا بكر الجزائري قد اعتمد على نفسه ، فزاد الطين بلة ، وكفر قسطاً وافراً من المسلمين فقال ما نصه:
إن دعاء الصالحين والإستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالى قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً ، وانما كان شركاً في عبادة الله محرماً يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم. انتهى بحروفه من كتابه ( عقيدة المؤمن ) (/144 ) .
والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في اخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل ، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي(ص)عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم.
وقد أخطأ أبوبكر الجزائري فكفر عباد الله الصالحين ، وهذا التكفير الجزاف لا ارتباط له بكتاب أو سنة ، ولا بما عليه السواد الأعظم ، ولم يقل ذو عقل ودين بمقولته الفاسدة إلا من كان على رأي الخوارج !! نسأل الله العافية .
وللأسف قد طبع كتابه مرات ، وليتأمل القارئ المنصف كم من المسلمين فتنوا بهذا الباطل ! والله المستعان .
وقال في/48:
وإذا كان أبوبكر الجزائري قد تفوه بالتكفير ، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين الذي أصر على اعتبار التوسل من مباحث الإعتقاد واستدل على مقولته بما لم يصرح به مسلم فقال:
وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تاثيراً في حصول مطلوبه ودفع مكروهه ، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة ، لأن الإنسان لايتوسل بشئ إلا وهو يعتقد أن له تأثيرا فيما يريد . اهـ
من فتاوى ابن عثيمين ( 3/100 ) كما نقله عنه جامع ( فتاوى مهمه لعموم الأمة ).
قلت: أثبت العرش ثم انقش ، فمن الذي أطلعك على ما في صدور المتوسلين حتى تصرح بهذه المقولة الشنيعة .
إن ما قاله مناف للإعتقاد تماما ، فكل مسلم يعتقد إعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار ، وأن المؤثر الحقيقي هو الله ، وأنه وحده مسبب لأسباب ، فلا فاعل إلا الله ، ولا خالق سواه ، وإليه يرجع الأمر كله .
وغاية مافي المتوسل أن يقول: اللهم إني أسالك أو أتوسل اليك بنبيك(ص)مثلا .
فالمتوسل سأل الله تعالى ولم يسأل سواه ، ولم ينسب إلى المتوسل به تأثيراً أو فعلاً أو خلقاً ، وانما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالى ، وتلك المنزلة ثابتة له في الدنيا والآخرة ، وإليه نذهب يوم القيامة طلباً للشفاعة .
ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير ، فيكون قد كفرهم ، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور !
وهذه فتاوى يضحك بها هؤلاء على البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من جلدة أخرى ! وكلام العثيمين ينسحب إلى التوسل كله .
والحق يقال: انه كلام لا علاقة له بالعلم ، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوى ، وكم من جاهل كفر أبويه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوى ، ولو تمهل المفتي وفكر قليلا لأدرك سخف مقولته .
والعجب أنه أطلق وما قيد ، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيراً بذاته. ومحال أن الصحابة اعتقدوا هذا الإعتقاد في النبي(ص)، والعباس ويزيد عندما توسلوا بهم ، ومحال أن يعتقد السلف ، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا بالنبي(ص) (كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة/98 ) هذا الإعتقاد الفاسد .
والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبى(ص)كما صرح إمامهم ابن قدامة بذلك في المغني ، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الإعتقاد ؟ ! !
إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم .
والحاصل أن ماقاله العثيمين لا يصلح دليلاً على ما ادعى ، بل هو مما يدوم ضرره ، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين ! نسأل الله لنا جميعا الهداية والتوفيق ، ولو حسن الشيخ الظن باخوانه المسلمين لكان له موقف آخر .

كتاب ( حقيقة التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة )
والوسيلة ما يتقرب به إلى الغير. والجمع الوسل ، والوسائل ، والتوسيل والتوسل واحد ، يقال: وسل فلان إلى ربه وسيلة ، وتوسل إليه بوسيلة ، إذا اقترب إليه بعمل .
وهي أيضاً: كل ما جعله الله سبباً في القربى عنده ، ووصلة إلى قضاء الحوائج منه ، والمدار فيها على أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه .
ولفظ الوسيلة عام في الآيتين ، فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين ، في الحياة وبعد الممات ، وباتيان الأعمال الصالحة على الوجه المأثور به وللتوسل بها بعد وقوعها .
أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح ، وابن حبان والحاكم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما ، دخل عليها رسول الله . . الحديث ، وفي آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ، ولقنها حجتها ، ووسع عليها مدخلها ، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك أرحم الراحمين .
ففي هذا الحديث الثابت ، توسله عليه الصلاة والسلام إلى ربه بذاته ، التي هي أرفع الذوات قدراً ، وباخوانه من النبيين ، وجلهم موتى عليهم جميعا الصلاة والسلام .
فالتوسل بسيدنا رسول الله ، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه، والإستغاثة بهم جميعاً، على النحو الذي عليه الأمة ، من اعتقاد أنهم عباد مكرمون مقبولو الشفاعة ، عند الله تعالى بفضله ، هو مما أجمعت عليه الأمة، ودل عليه الكتاب ، ونطقت به صحاح السنة ، وأقوال العلماء .
وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين ، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين .
وحسبك من انكار المنكر للإستعانة والتوسل، قول لم يقله عالم قبله ، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك ، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والأبطال ، فإن دأب القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين ، تقريب المعنى إلى أفهامهم ، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه .
وعلى أي حال من الأحوال ، ومهما بلغ قول المنكر من الإنكار ، فإن التوسل بالنبي جائز في كل حال ، قبل خلقه ، وبعد خلقه ، في مدة حياته في الدنيا ، وبعد موته في مدة البرزخ ، وبعد البعث في عرصات القيامة ، والجنة .
وهو على ثلاثة أنواع:
1 ـ النوع الأول: أن التوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به ، أو بجاهه أو ببركته . وله ثلاث حالات:
أما الحالة الأولى: قبل خلقه فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، اقتصرنا منها على بعض ما تبين لنا صحته ، وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله في المستدرك على الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال: أوحى الله إلى عيسى يا عيسى آمن بمحمد ، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولولاه ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فسكن .
وأما ما ورد من توسل نوح ، وابراهيم ، وغيرهما من الأنبياء ((عليهم السلام) ) ، فذكره المفسرون ، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له .
ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل ، أو الإستعانة، أو التشفع أو التجوه . ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى ، ولا داعين إلا إياه ، ويكون ذكر المحبوب أو التعظيم سبباً في ذلك للإجابة ، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك ، وأسألك بأسمائك الحسنى، وأسألك بأنك أنت الله ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك . . .
أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته ، فيدل عليه قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً .
وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك (رض) ، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله قائماً ، قال: يا رسول الله ، هلكت المواشي ، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اسقنا ، اللهم اسقنا . . .
فالنبي أقر هذا الأعرابي على التوسل به ، وسعى في تحقيق ما توسل إليه . . .
الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع ، بعد خلقه ، في مدة حياته ، فمن ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي فقـال: ادع الله أن يعافني . . .
والحالة الثالثة: أن يتوسل به بعد موته ، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير: عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته ، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ايت الميضاة فتوضأ ، ثم ايت المسجد فصل فيه ركعتين ، ثم قل: « اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك . . .
والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيف (رض) ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله .
2 ـ النوع الثاني: التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه ، وذلك في أحوال: الحالة الأولى: في حياته وهذا متواتر . . .
ولا يصح أن يقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والإستغاثة لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به ، والمستغاث به أعلى من المتوجه عليه والمستغاث عليه .
وهذا لا يعتقده مسلم ، ولا يدل لفظ التوجه والإستغاثة عليه فإن التوجه من الجاه والوجاهة ، ومعناه: علو القدر والمنزلة .
وقد يتوسل بذي جاه إلى من هو أعلى جاها منه .
الحالة الثانية: بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه ، وذلك مما قام الإجماع عليه وتواترت الأخبار به .
الحالة الثالثة: المتوسطة في مدة البرزخ ، ولا مانع من ذلك ، فإن دعاء النبي لربه تعالى في هذه الحالة غير ممتنع ، وقد وردت الأخبار على ما ذكرنا من قبل ، ونذكر طرفا منه باثبات علمه بسؤال من يسأله، فلا مانع من أن يسأل به الإستسقاء كما كان يسأله في الدنيا .
3 ـ النوع الثالث: من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود ، بمعنى أنه (ص) قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له (ص): أعني على نفسك بكثرة السجود .
والآثار في ذلك كثيرة ، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي (ص) سبباً وشافعاً ، وليس المراد نسبة النبي إلى الخلق والإستقلال بالأفعال ، فإن هذا لا يقصده مسلم. فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش على عوام الموحدين !!
وأما الإستغاثة فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالى وحده ، كقوله تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ .
وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه ، على سبيل الكسب ، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبي(ص)في هذين القسمين فيصح أن يقال: استغثت بالنبي ، وأستغيث بالنبي ، بمعنى واحد ، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه على النوعين السابقين في التوسل من غير فرق ، وذلك في حياته وبعد موته ، ويقول: استغثت الله ، وأستغيث الله بمعنى طلب خلق الغوث منه .
فالله تعالى مستغاث ، والغوث منه خلقاً وايجاداً ، والنبي(ص)مستغاث ، والغوث منه تسبباً وكسباً .
وقد تكون الإستغاثة بالنبي على وجه آخر ، وهو أن يقول: استغثت بالنبي كما يقول: سألت الله بالنبي ، فيرجع إلى النوع الأول من أنواع التوسل ، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده .
والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل ، وجوازه بالنبي(ص)، في حياته وبعد وفاته ، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين ، والأولياء الصالحين ، كما دلت عليه الأحاديث السابقة .
ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقاً ولا ايجاداً ، ولا إعداماً إلا لله تعالى وحده لا شريك له. فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعـين. وكذلك بالأولياء والصالحين ، لا فرق بين كونهم أحياءً أو أمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً ، وانما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى، والخلق والإيجاد لله وحده لا شريك له .

شبهة إنكار التوسل والإستغاثة والرد عليها:
من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها:
1 ـ الإنكار على المتوسلين والمستغيثين ، وتكفيرهم وعدهم مشركين ، كعباد الأوثان ، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم ، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى .
2 ـ الإنكار على المستغيثين بالموتى .
3 ـ انكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين ، وبالأخص سيد المرسلين والإستغاثة به(ص)، إلى رب العالمين .
4 ـ إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور ، وعد ذلك من الشرك ، ولا ذريعة إلى الشرك .
5 ـ إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والإستغفار للموتى . وغير ذلك مما اعتبره الخصم من أنواع الشرك .
ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه ، فقد أفردنا لكل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فيه الرد عليها .
أما الشبهة الأولى فقد استقصينا كلام الخصم ، فوجدناه مفتتحا إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارف بضعف حاله ، فإن تكفيره لمن خالف بدعته من جميع المسلمين ، ونسبتهم إلى الشرك الأكبر ، واتخاذه هذا الإتهام ذريعة لتكفيرهم لا دليل له عليه .
هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله: إن المشركين السابقين كانوا مشركين في الألوهية فقط ، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية. وقال أيضاً : إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائماً ، بل تارة يشركون ، وتارة يوحدون ، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين ، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم واعتقدوا بهم ، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين ، وعرفوا أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً .
قال الخصم هذا ، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم .
مجمل القول في رد هذه الشبهة : أن التوسل والتشفع والإستغاثة كلها بمعنى واحد ، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالى ، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم ، سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً . فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى ، وهؤلاء سبب عادي في ذلك ، لا تأثير لهم ، وذلك مثل السبب العادي فانه لا تأثير له .
فالمسلم الموحد متى صدر منه اسناد الشئ لغير من هو له ، يجب حمله على المجاز العقلي ، واسلامه وتوحيده ، قرينة على ذلك ، كما نص على ذلك علماء المعاني في كتبهم ، وأجمعوا عليه .
وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة ، ومع صدوره من النبي(ص)، وأصحابه ، وسلف الأمة وخلفها .
والمنكرون للتوسل ، والمانعون منه ، منهم من يجعله حراماً ، ومنهم من يجعله كفراً وإشراكاً ! وكل ذلك باطل ، لأنه يؤدي إلى اجتماع معظم الأمة على الحرام والإشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادراً منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة، وإجتماع أكثرهم على الحرام أو الإشراك لا يجوز ، لقوله(ص)في الحديث الصحيح: لا تجتمع أمتي على ضلالة .
كما أن المنع من التوسل والإستغاثة بالكلية مصادم للأحاديث الصحيحة ، ولفعل السلف والخلف ، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم . يقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا .
يقول رسول الله ((ص)): عليكم بالسواد الأعظم فانما يأكل الذئب من الغنم القاصية .
هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة، فارقوا الجماعة والسواد الاعظم ، وعمدوا إلى آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين ، فحملوها على المؤمنين الذين تقع منهم الزيارة والتوسل ، وتوصلوا بذلك إلى تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق ، والحق على خلاف ما يقولون ويزعمون .
أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة على التوحيد ، وأن فعل ذلك مما يؤدي إلى الشرك ، فهو تخيل فاسد باطل. فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة على آداب الشريعة الغراء لا يؤدي إلى محذور البتة .
والقائل بمنع ذلك سدا للذريعة متقول على الله ، وعلى رسوله(ص)، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي(ص)، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا على فاعله بالكفر والإشراك، وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالى عظم النبي في القرآن الكريم بأعلى أنواع التعظيم ، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالى وأمر بتعظيمه .
الفصل الثاني شبهة إنكار الإستغاثة بالموتى والرد عليها:
كثر الخوض ، واشتد الجدال ، وحدث الإنكار ، ضد الإستغاثة بالموتى ، ومنع النداء لهم ، ظنا من المنكرين ، أن سائر الموتى من الأنبياء ، والمرسلين ، والأولياء الصالحين، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا ، صاروا ترابا لا بقاء لهم في قبورهم ، لا يسمعون ولا يدركون . بيد أن الحق على خلاف ما يزعمون ، والصواب على غير ما يعتقدون .
والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية ، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة .
أخرج البخاري ومسلم ، وأصحاب السنن ، من حديث ابن عمر قال: اطلع رسول الله(ص)على أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا . . .
وقال الله تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ . فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان ، فلا شك أن الأنبياء من باب أولى .
وفي الحديث الصحيح: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد (ع). فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام تــرد . . .
يؤيد ذلك ما صح عنه(ص)من قوله: حياتي خير لكم ، تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم ، ما رأيت من خير حمدت الله ، وما رأيت من شر استغفرت لكم. وفي هذا الباب آثار كثيرة .
وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات ، والغائبين ، والاموات ، من الشرك الذي يباح به الدم والمال ، ولا حجة لهم في ذلك ، فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في بطلان قولهم هذا .
إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمى دعاء ، وأن الدعاء عبادة ، بل هو مخ العبادة . وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين على الموحدين ، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها .
وهذا كله منهم تلبيس في الدين ، فانه وان كان النداء قد يسمى دعاء كما في قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. لكن ليس كل نداء عبادة ، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات ، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً ، وليس الأمر كذلك ، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه .
الذي يوقع في الإشراك هو إعتقاد ألوهية غير الله تعالى، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فانه ليس عبادة . . .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page